صفحات العالم

مقالات تناولت فوز الرئيس الاميركي باراك اوباما لولاية ثانية

دعم المراحل الانتقالية العربية: أربعة تحديات أمام الرئيس الأميركي الجديد

تمارا كوفمان ويتس *

واضح أنّ الأميركيين لا يبالون سوى بالشؤون الداخلية حين يتعلّق الأمر بانتخاب الرؤساء. فلم يتمّ التطرّق كثيراً إلى السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية إلا في بعض الخطابات المنمّقة (لإظهار من هو المرشح الأكثر قسوة تجاه الصين أو إيران ومن هو المرشح الأكثر قرباً من إسرائيل). حين ناقش المرشحان موضوع السياسة الخارجية، اتفقا حولها أكثر ممّا اختلفا.

لا يزال الناخبون الأميركيون يعانون من تأثيرات الاقتصاد المتباطئ وقد عبّروا في استطلاعات الرأي التي أُجريت خلال الحملة الانتخابية الطويلة عن رغبة الرأي العام الأميركي في التوقّف عن التدخّل في المشاكل الخارجية والتركيز على «بناء الأمة في الداخل». وفي الواقع، ساهم هذا الشعور في وصول الرئيس باراك أوباما إلى سدّة الرئاسة منذ أربع سنوات، علماً أنه تعزّز أكثر منذ ذلك الحين.

ولا يسع أميركا، كونها قوة تملك مصالح عالمية، الانسحاب بهذه البساطة من الشؤون العالمية، فيما تسعى الدول الأخرى إلى جرّ الولايات المتحدّة إليها. وحتى حين يتولى رئيس جديد مهامه ويكون عازماً على التركيز على الشؤون الداخلية، تفرض السياسة الخارجية نفسها على أجندته.

تتطلّب مصالح أميركا في الشرق الأوسط على المدى الطويل تدخلاً أميركياً مستمراً وربما معزّزاً. ويكشف موقع أميركا كقوة عالمية ومصالحها في تدفّق الطاقة المعتمد عليها إلى الأسواق العالمية ومصالحها في أمن شركائها الإقليميين أنّ الشرق الأوسط يُعتبر مهمّاً جداً بالنسبة إلى الولايات المتحدّة اليوم أكثر من أي وقت مضى. إلا أنّ الانتفاضات العربية التي اندلعت عام 2011 أظهرت أنّ الاستقرار في الشرق الأوسط سيشهد تحوّلاً في العلاقة بين الحكّام والمحكومين لتصبح علاقة بين مواطنين وحكومة اختاروا دعمها.

بما أنّه لا يمكن الحفاظ على الوضع الراهن، وبما أنّ فرض الاستقرار يتطلّب حدوث تغيير معيّن، احتضن الرئيس أوباما الصحوة العربية وأعلن أنّ سياسة الولايات المتحدّة تقوم على «الترويج للإصلاح في أنحاء المنطقة ودعم الانتقال إلى الديموقراطية». وكانت الولايات المتحدّة قد استثمرت نحو 500 مليون دولار في دعم النمو الديموقراطي في العالم العربي. ويعدّ التعاطي مع التغيير السياسي الحاصل في دولة حليفة منذ زمن طويل مثل مصر أحد أكثر التحديات قسوة التي تواجهها قوة عظمى مثل الولايات المتحدّة في السياسة الخارجية. ومع ذلك، تبدو أميركا عازمة على دعم المصريين في بناء مجتمع يحظى فيه جميع المصريين بالكرامة وبالفرص المتساوية.

وفيما تملك أميركا مصلحة كبيرة في نجاح التغيير الديموقراطي والإصلاح الأوسع نطاقاً، إلا أنه يصعب أن يكون للولايات المتحدّة تأثير فاصل في النتيجة التي سيحدّدها على الأرجح العرب أنفسهم. وثمة أربعة تحديات تواجه الإدارة الأميركية المقبلة على صعيد التعاطي مع الصحوة العربية.

اختلفت الصحوة العربية من مكان إلى آخر، الأمر الذي جعل الردّ الأميركي عليها شبه مستحيل. ففي سورية، تحوّل النضال السلمي من أجل الديموقراطية إلى تمرّد مسلّح جرّاء وحشية الحكومة. ويبدو العنف اليوم في سورية مذهبياً في طبيعته، علماً أنّ هذا الشعور المذهبي تغذيه الأطراف المستفيدة من الانقسام الكبير الناتج منه. يجب أن تتفادى الولايات المتحدة، التي تؤمن بشدّة بالمساواة والتعدّدية والتسامح، والتي تملك مصلحة كبيرة في إرساء استقرار إقليمي، اعتماد طرف واحد في نزاع قائم في منطقة تعاني من مشاكل مذهبية. وعلى رغم المطلب المعنوي الملحّ للتحرّك إزاء الدمار البشري الذي يتسبّب به عنف بشار، يجب أن تضمن أميركا ألا تحوّل، من خلال الخطوات التي قد تتخذها، وضعاً سيئاً إلى وضع أسوأ وألا تطيل الحرب أو تقوّي المتطرفين الذين يستغلون النزاع لغاياتهم الأنانية الخاصة. ومن غير المرجّح أن يدعم الرأي العام الأميركي الذي تعب من الحرب حصول تدخل أميركي في سورية إلا في حال تيقنه أنّ من شأن هذا التدخل إحداث تغيير حقيقي وإيجابي.

ويقوم التحدّي الثاني على كيفية التحاور مع الممارسين الجدد للديموقراطية العربية المفعمين بالحيوية. ففي دول شمال أفريقيا التي تفرض منافسة جديدة، يؤدي اعتماد سياسة مفتوحة إلى بروز أصوات جديدة، بما في ذلك الأصوات التي لا تملك خبرة كبيرة في سياسة الأخذ والعطاء أو التي لم تطّلع كثيراً على المصالح الكامنة في قلب التدخّل الأميركي في المنطقة. ويلجأ الفائزون والخاسرون السياسيون على حدّ سواء إلى واشنطن للحصول على الدعم ويندّدون بالـ «تدخّل» الأميركي (أحياناً في الوقت نفسه). ويشجب بعض المشككين الانتخابات الديموقراطية التي تأتي بفائزين بقدرات ديموقراطية مشكوك فيها. لكن بما أنّ الديموقراطية لم تضمن يوماً فوز الليبراليين المهمّشين في المنطقة، يجب ألا يتوقع الأميركيون أن تضمن الآن نجاح الإسلاميين على المدى الطويل.

وأوضح المسؤولون الأميركيون أنهم سيقبلون نتائج الانتخابات الديموقراطية في المنطقة، لكن يجدر بكلّ طرف يدعي بأنه ديموقراطي أن يرفض استخدام العنف لبلوغ أهداف سياسية وأن يحترم الحقوق المتساوية لجميع المواطنين وأن يحمي التعدّدية السياسية. فضلاً عن ذلك، تبدو الولايات المتحدّة مهتمة بمعرفة الموقف الواضح الذي سيتّخذه الزعماء العرب الطموحون حيال المسائل السياسية الإقليمية التي تهمّ الولايات المتحدة مثل برنامج إيران النووي وحلّ الدولتين للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني واستمرار السلام المصري-الإسرائيلي والأردني-الإسرائيلي. ويعدّ ذلك طبيعياً بما أنّ العلاقات القوية يجب أن تقوم على أساس المصالح المشتركة.

وفي إطار تعاملها مع الفاعلين السياسيين الجدد في العالم العربي، يجب أن تحرص الإدارة الأميركية المقبلة على عدم تفضيل جهة على جهة أخرى. فمن المحتمل ألا يفوز الأشخاص الذين يتسلمون زمام السلطة في المجموعة الأولى من الانتخابات التي تحصل عقب الثورة، في بيئة تعدّدية جديدة. يجب ألا تحاول الإدارة المقبلة اختيار الفائزين، بل أن تنخرط في أنحاء المجتمع عبر بناء أساس الاحترام المتبادل لاستكمال العلاقات التعاونية القائمة على المصالح المشتركة. يجب أن تتفادى الحكومة الأميركية الوقوع في فخّ السعي إلى استبدال مجموعة من «العلاقات الخاصة» مع النخبة الإقليمية بمجموعة أخرى.

يقوم التحدي الثالث على كيفية تعزيز العلاقات التي يجب أن تقيمها أميركا لتكون قوة إيجابية في التغيير الديموقراطي. وتختلف كثيراً المراحل الانتقالية الحاصلة في العالم العربي عن المراحل الانتقالية إلى الديموقراطية التي حصلت في السابق. حين انهار جدار برلين، كانت دول الاتحاد السوفياتي السابق تعرف تماماً ما الذي تريده لتصبح جزءاً من أوروبا وكانت تملك خريطة طريق واضحة ومحفّزات واضحة للبقاء على درب التغيير. وتبدو هذه العناصر غائبة في الدول العربية التي تشهد اليوم انتقالاً ديموقراطياً أو إصلاحاً تحت إشراف الأنظمة الملكية.

يجب أن ترسي الولايات المتحدة إلى جانب الدول الأخرى رؤيا واضحة ومقنعة لشكل النجاح في الدول العربية، ليس على صعيد أطر العمل الديموقراطية التي تشمل المعايير العالمية، بل على صعيد الميزات التي يمكن أن تنشأ جراء تحسّن العلاقات بين الديموقراطيات العربية والولايات المتحدّة وأوروبا.

ويفرض الاقتصاد الأميركي الذي لا يزال ضعيفاً والسياسة الداخلية للمساعدة الخارجية تحدياً كبيراً على الولايات المتحدّة لإجراء استثمارات في مرحلة انتقال العرب إلى الديموقراطية التي تتناسب مع المصالح الأميركية في نجاح هذا الانتقال. وفي واشنطن، حيث يعدّ الإنفاق على المساعدة الخارجية مضرّاً سياسياً، يجب أن تردّ الإدارة الأميركية على الصحوة العربية التي تعدّ حدثاً ذا أهمية تاريخية عالمية، باستخدام الموارد التي تملكها. في حال أرادت الولايات المتحدّة مساعدة الديموقراطيات العربية الجديدة على النجاح، يجدر بالرئيس أن يفسّر للكونغرس والرأي العام السبب الذي يدعو إلى اعتبار الاستثمار في الديموقراطية العربية جيداً. ويجدر بالحكومات العربية التي تتوق إلى الحصول على التمويل الأميركي أن تقوم بالمثل من خلال اعتماد سياسة توفّر الحرية والفرصة للمواطنين العرب وتروّج للسلام الإقليمي.

يقوم التحدي الرابع الذي تواجهه الولايات المتحدّة على الحفاظ على الدعم الذي تقدّمه إلى الإصلاح الديموقراطي على صعيد المنطقة حتى حين تملك أميركا مصالح أمنية في ذلك. ونظراً إلى التحوّل العميق الحاصل في المنطقة، والتفاوت الكبير في كيفية استجابة الزعماء والحركات الشعبية للضغوط من أجل التغيير ومجموعة العواقب المترتبة على المصالح الأميركية، يجدر بالإدارة المقبلة أن تحاول الثبات على المبادئ العريضة.

وتشير التجربة في البحرين إلى أنّ مجموعة المصالح الأميركية في مكان وزمان معيّنين لا تلتقي في وجهة موحّدة. وتجاوزت أحداث شباط (فبراير) وآذار (مارس) 2011 المقاربة التدريجية للإصلاح الذي دفعته الولايات المتحدّة قدماً في هذا البلد وأنتجت درجة استقطاب في البحرين والجوار تشكل بنفسها عائقاً أمام أي تسوية سياسية.

ويرى صانعو السياسات الأميركية أنّ تجربة البحرين أثبتت أنّ الفشل في التغيير قد لا يؤدي فقط إلى زعزعة الاستقرار داخلياً، بل يفتح الباب أيضاً أمام تدخّل إقليمي. لكن، يحتاج الظل المتزايد لإيران إلى تعاون وثيق مستمر بين الولايات المتحدة والبحرين وحلفائها المحليين، علماً أنّ إيران تميل إلى رؤية العبرة التي تمّ استخلاصها من البحرين بطريقة قطبية معاكسة لتُبرز خطر الإصلاح وحماقته.

والأمر الإيجابي هو أنّ النقاش بين الديموقراطية والأمن لم يعد مسألة استبدال الإصلاح الديموقراطي على المدى الطويل بتعاون أمني على المدى القصير. كما يجب أن يتمّ الإصلاح ويُفرض الاستقرار على المدى الطويل. وبغض النظر عن الأحكام المسبقة أو الهواجس التي قد يملكها الرئيس الأميركي القادم حول الديموقراطية العربية، فهو سيعيش معها ومع عواقبها في المستقبل المنظور.

* مديرة مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينغز

قريباً بشار خارج دمشق

    علي حماده

من دون اعلان صريح ولا ضوضاء اعلامية، بدأت معركة دمشق لمحاصرة نظام بشار في قلب مركز التحكم. وبحسب العديد من سكان عاصمة الامويين الذين يتم التواصل معهم، فإن المدينة تعيش مناخات نهاية النظام، بالرغم من القوة النارية الهائلة التي لا يزال يتمتع بها النظام، أكان بالمدفعية أم بالطائرات العمودية أم بالطائرات المقاتلة. فثمة شعور بأن النظام يعيش آخر مراحله في دمشق، وخصوصا ان كل محاولاته لتركيع ريف المدينة واحيائها الثائرة لم تفلح في منع انتقال مئات المقاتلين الى تخوم الاحياء التي يسيطر عليها النظام. ولعلّ قصف محيط القصر الجمهوري قبل يومين من دون ان تتوافر معلومات عن النتائج، اشاع اجواء خوف لدى الجماعات المرتبطة بالنظام، ولا سيما في الاحياء ذات الكثافة العلوية مثل حي المزة ٨٦. انما للحدث دلالاته لناحية اشعار قواعد النظام الشعبية بأن مرحلة الامان في ظل بشار الاسد انتهت، وان مرحلة الانقضاض على قلب النظام في دمشق بدأت.

لقد بدأت معركة دمشق الثانية، بدليل اضطرار النظام الى استخدام الطائرات المقاتلة ضد احياء في العاصمة نفسها او على تخومها المباشرة، وبدليل تكثيف القتال الى حد جعل المقيمين في ” المربع الآمن ” للنظام يشعرون بأن الحياة ما عادت تطاق، وبان القصف لا يتوقف ليل نهار، وان قوات النظام المنتشرة في الشوارع شديدة الاضطراب والتوتر. اكثر من ذلك، ومع مرور الوقت، يتأكد ان الثوار حصلوا من الدول الداعمة او من غنائم المعارك على اسلحة مضادة للطائرات اكثر تطوراً، ادت الى ارتفاع ملحوظ في نسبة اسقاط الحوامات والطائرات المقاتلة.

الى اين يقودنا هذا الحديث؟ الى القول إن دمشق صارت في عين العاصفة الثائرة ضد النظام، بما يؤكد ان المسارات السياسية مؤجلة، على الرغم من محاولات موسكو إرساء دينامية تفاوضية بين جهات معارضة والنظام، على قاعدة ان يكون الحل مع بشار وليس مشروطا بإسقاطه. وبطبيعة الحال لن يكتب النجاح للجهود الروسية المتأخرة، وستمضي الامور في اتجاه حسم المعركة على الارض، وخصوصا ان موازين القوى تتغير لمصلحة الثورة في كل مكان. لقد صمدت الثورة في كل المواقع رغم الكلفة الباهظة، مما ادى اليوم الى نقل المعركة الى قلب العاصمة دمشق. وقريبا جداً، لن يعود بمقدور بشار الاسد البقاء في القصر الرئاسي اعلى جبل قاسيون. واليوم، بفوز الرئيس الاميركي باراك اوباما صارت الادارة الاميركية اكثر قدرة على المناورة مع موسكو، من موقع قوة تفرضه الاحداث على الارض من اجل البحث جديا في إخراج الاسد من السلطة بتوافق دولي – عربي.

بشار في تراجع نحو السقوط، ولكن من ناحية ثانية، ثمة معلومات متداولة مفادها بأن الايرانيين سيقحمون ” حزب الله” في معركة دمشق تحت عنوان الدفاع عن مقام السيدة زينب، وعن الاقلية الشيعية في سوريا. ومع ذلك فإن شيئا لن يحول دون سقوط دمشق في مدى اصبح منظورا.

النهار

هل احتفل نجاد والأسد بفوز أوباما؟

 عبد الرحمن الراشد

في طهران، ودمشق، والضاحية حيث مركز حزب الله في جنوب بيروت، يقال إنهم احتفلوا بنصر باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة لأربع سنوات جديدة، أو ربما بهزيمة خصمه من الحزب الجمهوري. فهل فوزه نكسة لنا؛ الواقفين مع الشعب السوري والرافضين لسياسة الغول الإيراني؟

لا أعتقد أبدا.. أتصور أن أوباما صاحب الجلد الناعم هو من سيقضي في رئاسته الثانية على الأسد وينهي خطر النظام الإيراني. ومن يعرف آلية عمل النظام الأميركي يدرك خطورة نفوذ الرئيس في فترته الثانية؛ أربع سنوات يكون فيها أقوى وأكثر حرية في اتخاذ القرار. وعلينا أن لا نغفل أن الرئيس أوباما في الوقت الذي كان فيه يشن حملة علاقات إيجابية مع العرب والمسلمين قبل أربع سنوات، كان يطارد بإصرار أسامة بن لادن حتى قتله. وفي الوقت الذي سحب فيه قواته من العراق، وضع أقسى العقوبات على نظام المرشد الأعلى في طهران حتى تسبب في شبه انهيار للاقتصاد الإيراني.

لهذا، على الذين يعتقدون أنهم يستطيعون العبور على جسر أوباما أن يفكروا مرتين. هذا الرجل الناعم حقق انتصارات في الشرق الأوسط أكثر مما فعله سلفه جورج بوش.. فقد رمم العلاقة مع العرب والمسلمين بعد أن انحدرت إلى أدنى مستوى لها في نصف قرن، ونجح في رفعها إلى الأعلى، حتى إنه عندما قتل بن لادن لم تظهر احتجاجات في الشارع العربي الذي صار مقتنعا بسلامة نوايا أوباما وبسوء أعمال تنظيم القاعدة. أيضا في أربع سنوات، خنق إيران اقتصاديا وسياسيا، أكثر من أي وقت منذ بداية الصراع مع الأميركيين في مطلع الثمانينات.

ومع أن أوباما متهم بخذلان ثورة الشعب السوري، الأكبر والأهم في أحداث الربيع العربي، إلا أن علينا أن ننتظر ماذا سيفعل بعد انتهاء الانتخابات. لا ندري إلى أي مدى هو مستعد للتدخل في الأزمة السورية، لكن أقدر أن أوباما سيتبنى سياسة أكثر هجومية وسيوقع اسمه شريكا في إسقاط آخر الديكتاتوريات العربية السيئة. إنما يجب أن نعي أنها قضية قد تصبح معقدة جدا، لذا ربما سيفضل أوباما أن يدير إسقاط الأسد من الخلف ويترك القيادة للدول العربية.

ليس ضربا للرمل عندما نقول إن نظام الأسد سيسقط، حتى من دون تدخل أميركي، لكن ليس سهلا أن نتنبأ بالتفاصيل اللاحقة، وهنا يصبح الدور الأميركي مهما للغاية.

أيضا، لا نريد أن نعمم ونبالغ ونبني الكثير من التوقعات على أفعال أوباما في الشؤون العربية، لأنه لن يملك الإمكانيات، وربما لا يريد أيضا التدخل في شؤون الثورات العربية ونزاعات المنطقة الإقليمية. الثابت في السياسة الأميركية، وفي مواقف كل رئيس جديد، عدم التهاون في مناطق النفط الحيوية للعالم.. هذه مسألة ستنعكس على علاقة بلاده بالعراق والخليج وإيران.

لشرق الأوسط

لماذا ارتاح العالم الى عودة أوباما؟

    روزانا بومنصف

اول ما تبادر الى ذهن سياسي بارز متابع للشأن السوري ان فوز الرئيس الاميركي باراك اوباما لولاية ثانية اطاح فرصة امام النظام السوري للمفاخرة، كما حصل لدى فشل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في ان يحظى بولاية رئاسية ثانية في ايار الماضي، بان رؤساء دول كبرى يرحلون فيما هو يبقى في السلطة على رغم ارادتهم وتوظيفهم قدراتهم الدولية من اجل حمله على التنحي. وليس واضحا ما اذا كان فوز المرشح الجمهوري ميت رومني افضل للنظام نتيجة وجود رغبة اكبر لديه في تسليح المعارضة السورية، لكن فوز اوباما سيضعه امام تحدي السعي الى قيادة تحرك في اتجاه سوريا اكان ذلك يترجم في التحاور مع روسيا في شأن ايجاد حل على الارجح او سوى ذلك على رغم استمرار ترجيح متابعين ومتطلعين كثر على السياسة الاميركية احتمال عدم تغيير ادارة اوباما سياستها في الشأن السوري ابعد مما اعتمدته حتى الان. لكن هذا التعليق يختصر كيفية النظر الى الانتخابات الاميركية من زاوية استحقاقات ملحة وقضايا عالقة يعتقد ان دخول الادارة الاميركية في زمن الانتخابات قبل سنة تقريبا ساهم في تجميد ايجاد حلول لها او تأخير هذه الحلول ومن بين هذه القضايا مسألتي الحرب الداخلية في سوريا والملف النووي الايراني.

ترك المشهد الانتخابي الاميركي الذي اشعل اهتماما دوليا قبل ايام قليلة فقط من حصوله حالا من الارتياح خلفها في الاساس اعتباران احدهما هو الانتخابات الديموقراطية التي تشكل دروسا في حد ذاتها من حيث التنافس الحر الشديد والمتقارب بين مرشحين انقسمت اميركا مناصفة في ما بينهما والاخر اعادة الشعب الاميركي اعطاء الفرصة لاوباما اربع سنوات جديدة وان يكن ذلك لاعتبارات اميركية داخلية لا علاقة لها بالعلاقات الاميركية مع دول العالم او سياستها الخارجية وبما لا يقلل الضغوط عليه في الولاية الثانية. فالصين وروسيا اللتان اتخذ منهما رومني مواقف حادة تتناقض مع سياسة اوباما، سارعتا الى الترحيب بحرارة باعادة الانتخاب في حين ان الدول الاوروبية لم يخف بعض قادتها تفضيلها الواضح لاعادة انتخاب اوباما الذي بات يتفهم الصعوبات الاقتصادية التي يواجهها حلفاؤه الاوروبيون في الوقت الذي لم يظهر رومني اهتماما كافيا بهذا الجانب من علاقات ادارته، والتأثير او التفاعل الاقتصادي بين الولايات المتحدة والدول الاوروبية. في حين ان الدول العربية كانت تود فوز الاخير نتيجة عاملين مؤثرين على الارجح وفق ما تقول مصادر معنية، احدهما مدى العلاقة الشخصية التي تربط رومني برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بحيث لم تخف اوساط الاخير خيبة امل كبيرة لم يستطع اخفاءها من فوز اوباما في ضوء علاقة شخصية غير ودية والتناقض في المواقف من ايران التي يفضل الرئيس الاميركي مواصلة اعطائها فرصة للتراجع في ملفها النووي عبر المفاوضات الدولية وكذلك الامر بالنسبة الى السياسة الاستيطانية التي يعتمدها نتنياهو معطلا بذلك اي امكان لعودة المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. اما العامل الاخر فهو خوف الدول العربية من المجهول الذي ستحمله ادارة الحزب الجمهوري برئاسة رومني وحاجة الاخير الى الوقت من اجل بلورة سياسة خارجية واضحة في حين تنتظر دول المنطقة تفعيل العلاقات والسياسات مع رئيس سيكون اكثر تحررا في ولايته الثانية.

واتساع هامش الحركة امام الرئيس الاميركي هو ما يراهن عليه كثر في المنطقة في المرحلة المقبلة خصوصا في الازمة السورية وموضوع ايران نظرا الى اعتقاد ان الوضع الاقليمي لا يحتمل ويهدد بمخاطر كبيرة لن تبقى محصورة في سوريا دون سائر دول الجوار نظرا الى صعوبة تجميد الوضع في هذه الدول وابقائه معلقا ما دامت الحرب في سوريا قائمة، الى جانب الرهان على الضغط على اسرائيل في شأن عودة المفاوضات مع الفلسطينيين على رغم ضعف الامال في هذا الشأن على الاقل في هذه المرحلة بعد تجربة اوباما الفاشلة على صعيد هذا الملف مطلع ولايته الاولى.

النهار

أوباما في الولاية الثانية: أكثر ثقة بنفسه وأكثر حرية

راغدة درغام

يدخل الرئيس باراك أوباما ولايته الثانية بوعد سيمتحن إما صلابة عزمه أو حذاقة تملصه هو وعد إيران الذي تعهد فيه بعدم السماح للجمهورية الإسلامية الإيرانية ان تصبح دولة نووية. لم يتعهد بضربة عسكرية أو عدمها، لكن طريقة حكمه في الولاية الأولى تفيد بأن باراك أوباما لا يريد أدواراً عسكرية مباشرة للولايات المتحدة أينما كان. قد يكون واثقاً بأن العقوبات ستؤدي الى انحسار العزم الإيراني على امتلاك القنبلة النووية، لكن الرئيس أوباما لا بد يعرف عمق الدور الإيراني في العراق وسورية ولبنان وطموحات طهران الإقليمية. لذلك ستنصبّ الأنظار على ما إذا كان الرئيس الأميركي في ولايته الثانية سيدخل في مقايضات أو أنه سيوجّه إنذارات. والأمر لا يتعلق فقط بالعلاقة الأميركية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو بالمعادلة الثلاثية، الأميركية – الإسرائيلية – الإيرانية، وإنما يشمل مصير سورية ومستقبل العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي. أيضاً ان المسألة الإيرانية تقع في عصب العلاقة الأميركية – الروسية وفي عمق علاقة الدول الخليجية بروسيا والصين. لعل تجربة الماضي علّمت باراك أوباما ألاّ يكثف التوقعات. فهو دشن ولايته الأولى بوعد فلسطين فوضع حل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي في طليعة التعهدات. لكنه فشل في امتحان الصلابة في الموقف، فتقهقر أمام الضغوط وتراجع أمام الانتكاسات. تأبط رئيس الولاية الأولى خطابه الشهير في القاهرة ليفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامي. أتت الثورات العربية بعد ذلك لتنصب الاسلاميين في السلطة باسم ديموقراطية الانتخابات إنما من دون وضوح التعهد بديموقراطية المساواة. وفصل الدين عن الدولة أو ديموقراطية عدم احتكار كل مفاصل السلطة. وعلى رغم ذلك، ميّز الإقبال على الإخوان المسلمين في السلطة وتصنيفهم في خانة الاعتدال ردود فعل إدارة أوباما الأولى على أساس أن الإخوان أفضل صمام أمان ضد التطرف الإسلامي – سلفياً كان وصفه أو من جماعة «القاعدة» وأمثالها. ثم أتت التطورات في سورية لتعيد شبح الخوف من عودة التيارات الإسلامية المتطرفة الى الواجهة مما أدى الى التلكؤ في اتخاذ إجراءات تفرض تنحي الرئيس بشار الأسد الذي كان الرئيس باراك أوباما دعا اليه قبل حوالى سنة، وهكذا دخلت سورية في حلقة مفرغة سببها أساساً الإطالة والمماطلة مما أسفر عن عسكرة الأزمة ودخول التيارات المتطرفة الحلبة في بطش يوازي أحياناً بطش النظام. الآن، وبعدما أعطى الناخب الأميركي الرئيس باراك أوباما ولاية ثانية، من الطبيعي أن يتغير الرجل القاطن في البيت الأبيض للسنوات الأربع المقبلة بعض الشيء إذ إنه لا بد أكثر ثقة بنفسه وأكثر حرية بلا القيود الانتخابية. أولوياته بالتأكيد اقتصادية وأميركية إنما هذا لن يعفيه من التحديات العالمية. فماذا ينتظره؟ وكيف قد يتغيّر؟

وعد فلسطين الذي استهل به ولايته الأولى فرض على باراك أوباما التراجع فجعله يبدو إما ضعيفاً أمام الضغوط أو جاهلاً أساساً للعبة السياسية ومتاهاتها. هذا التقهقر جعل الرئيس الأميركي يبدو عاجزاً من جهة لكنه أيضاً أتى على حساب الفلسطينيين الذين ما زالوا يرضخون تحت الاحتلال فيما إسرائيل تمضي ببناء المستوطنات غير الشرعية. توقيت القيادة الإسرائيلية تعزيز سياساتها الاستيطانية يتزامن مع الانتهاء من الانتخابات الرئاسية كان رسالة الى باراك أوباما عنوانها: إياك أن تجرؤ.

فلقد تجرأ الرئيس الأميركي في مستهل ولايته الأولى على مطالبة إسرائيل بمجرد «تجميد» الاستيطان، فعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي العزم على تلقين الرئيس أوباما درساً، فأخضعه للتقهقر متعهداً الاستمرار بما يجده في مصلحته السياسية أو العقائدية. بل أكثر، لقد فرض رئيس الوزراء الإسرائيلي على الرئيس الأميركي التنازل عن مطلب متواضع صنّفه في خانة المصلحة الوطنية الأميركية. هكذا دخلت العملية السياسية في سبات وتم تجميد حل الدولتين بدلاً من تجميد تشييد المستوطنات. وبعدما ورط الرئيس أوباما الرئيس الفلسطيني محمود عباس في معادلة تجميد الاستيطان ثم تراجع عنها شيئاً فشيئاً، وقع محمود عباس في فخ الإصرار على أن يكون تجميد الاستيطان شرطاً لاستئناف المفاوضات، فدخلت المفاوضات والمستوطنات في حلقة مفرغة.

وعندما سعى محمود عباس وراء مقعد لدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وجد نفسه في مواجهة مع الولايات المتحدة التي جنّدت كل ما لديها لمنع مجلس الأمن من السماح بمثل هذه الدولة. نجحت في ذلك ليس عبر استخدام الفيتو وإنما من خلال التأثير في الأعضاء المنتخبين في مجلس الأمن لحجب الأصوات التسعة اللازمة لتبني أي قرار.

الرئيس الفلسطيني عاد هذه الدورة الى الجمعية العامة وطالب بدولة من دون عضوية كاملة في المنظمة الدولية. ومرة أخرى، بدأ تجنيد المعارضة لهذا المسعى والمساومة من أجل تأجيل البت فيها. فالأصوات اللازمة مضمونة في الجمعية العامة، إنما الدول الغربية، مثل بريطانيا، بدأت حملة «سوء التوقيت» على أساس أنه ليس في المصلحة الفلسطينية إحراج الولايات المتحدة مباشرة بعد الانتخابات وإجبارها على حملة أميركية ضد هذا المسعى. وعليه، نصحت الديبلوماسية البريطانية الإدارة الأميركية ان تفعل شيئاً ما تجاه السلطة الفلسطينية لإنقاذ ماء الوجه كي تتمكن من اتخاذ قرار التأجيل.

الأرجح أن تكون الصيغة قيام الرئيس الأميركي بتوجيه دعوة للرئيس الفلسطيني لزيارة واشنطن في أقرب وقت ممكن بعد تسلم الإدارة الجديدة مهامها. إنما من غير المعروف إن كان الرئيس أوباما سيسعى وراء أكثر من الزيارة نفسها إدراكاً منه ان التطورات على الساحة الفلسطينية نفسها تتطلب منه اتخاذ مواقف تدعم حقاً السلطة الفلسطينية في الوقت الذي تسترجع فيه «حماس» الثقة والدعم الخارجي بإضعاف متعمد للسلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس ورئيس الحكومة سلام فياض.

قيام أمير قطر بزيارة رسمية الى غزة عزز مقام قيادة «حماس» على حساب قيادة السلطة الفلسطينية وشحنها بأموال ومساعدات. صحيح ان القيادة القطرية ربما أرادت تكريس انفصال «حماس» عن القيادة السورية التي كانت دعمتها وتبنتها، علماً أن العلاقة القطرية – السورية في أسوأ حالاتها الآن. وصحيح ان دعم قطر لـ «حماس» يساعد في انتشال «حماس» من الحضن الإيراني… إنما هناك من يرى ان قطر ترعى صعود «الإخوان المسلمين» الى السلطة في المنطقة العربية ولذلك اتخذت هذه الخطوة. وهذه الخطوة في نهاية المطاف تضعف السلطة الفلسطينية مهما كانت هناك تبريرات تنفي تعمد ذلك.

المستبعد – وليس المستثنى قطعاً – ان يتخذ الرئيس أوباما خطوات كبرى في الملف الفلسطيني – الإسرائيلي. لعله في عمقه يتمنى ان يحيي المفاوضات بصورة خلاقة تؤدي حقاً الى حل النزاع والى التوصل الى حل الدولتين، لكن أصابعه احترقت في مطلع ولايته الأولى. والأرجح ألا يريد حرقها تطوعاً في مطلع الولاية الثانية.

ما لن يتمكن من تجنبه ليس الملف الفلسطيني وإنما الملف الإيراني، بالذات في شقّه الإسرائيلي الذي يصر على قيام الولايات المتحدة بمنع الجمهورية الإسلامية الإيرانية من امتلاك القدرات لتصنيع السلاح النووي. ربما في ذهن باراك أوباما وسيلة ما لتنفيذ وعد إيران الذي قطعه في سابقة التعهد العلني بعدم السماح لها بأن تصبح نووية. قد يكون ذلك عبر إحياء الديبلوماسية «الأوبامية» القائمة على الترغيب بالحوار المباشر والتعهد بعدم التدخل في الشأن الداخلي والقبول بدور إقليمي لملالي طهران. قد يكون من خلال تعزيز العقوبات لخنق القدرة الإيرانية على المضي بالبرنامج النووي والمضي بتمويل التدخل الإيراني المباشر دعماً للنظام في دمشق أو لـ «حزب الله» في لبنان. قد يكون ذلك عبر تبني السياسات الداعية الى تقزيم طموحات الجمهورية الإسلامية الإيرانية على الصعيد الإقليمي من خلال إزالة النظام الموالي لها في دمشق. وقد يكون في صفقة في ذهن باراك أوباما قوامها تجميد تخصيب اليورانيوم مقابل علاقة استثنائية مع الولايات المتحدة وصفقة استمرار النظام في دمشق – حتى ولو تم الاتفاق على مغادرة بشار الأسد السلطة.

ملف إيران حاضر أيضاً في العلاقات مع روسيا والصين، كما ملف سورية. هامش المناورة، وهامش المفاوضات، وهامش المحادثة بين الدول الكبرى سيتأثر في أعقاب الانتهاء من الانتخابات الأميركية. الترابط بين الملفين الإيراني والسوري، ومعهما ملف «حزب الله» في لبنان، واضح. كذلك محورية هذه الملفات في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.

واضح أيضاً أن أسلوب أوباما في التعامل مع طهران للسنوات الأربع الماضية لم يجدِ، إذ انه فشل في تجميد تخصيب اليورانيوم كما فشل في تجميد تشييد المستوطنات الإسرائيلية. المستبعد أن يستعجل الرئيس الأميركي في توجيه ضربة عسكرية الى المواقع النووية في إيران. إنما المستبعد أيضاً أن يتمكن من التملص كاملاً من وعد إيران.

سيحدث نوع من تنشيط الديبلوماسية في الملفين الإيراني والسوري بحديث مختلف نوعياً. الصين بدأت حديثاً مختلفاً شيئاً ما في الملف السوري هذا الأسبوع، والأرجح لسببين أساسيين هما: أولاً، ممارسة دول عربية خليجية ضغوطاً عملية على الصين لإثبات جدية الملف السوري لديها. وثانياً، إدراك القيادة الصينية ان الوقت حان لحديث مختلف مع الولايات المتحدة تحت قيادة رئيس الولاية الثانية.

روسيا ما زالت تتمسك علناً بمواقفها المتعنتة انما هناك كلام حول التموضع لإجراء حديث من نوع جديد مع الرئيس الأميركي للسنوات الأربع المقبلة.

الأمر عائد بدرجة كبيرة الى الرئيس باراك أوباما. سورية تحدّق فيه وإيران تستدعيه. انتخابه رئيساً للولاية الثانية يفرض عليه الاختيار بين المضي بالانعزالية أو صياغة دور قيادي للولايات المتحدة عالمياً. لقد مارس باراك أوباما الأول القيادة من الخلف وقد يقرر باراك أوباما الثاني ان الوقت حان للقيادة من الأمام.

الحياة

التمديد لأوباما… وللحرب السورية

حسان حيدر

الذين كانوا ينتظرون انتهاء انتخابات الرئاسة الأميركية ليشهدوا تغييراً دراماتيكياً في مواقف الولايات المتحدة من مشكلات الشرق الأوسط، سيصابون بخيبة أمل. ليس لأن أوباما فاز بولاية ثانية، فالمرشح الجمهوري رومني لم يكن مختلفاً معه كثيراً في مقاربة أوضاعنا، بل لأن التوجه الذي ساد السياسة الأميركية إزاء الأزمات المتفجرة عندنا سيستمر أربع سنوات إضافية تحت شعار: دعوها تهترئ بعيداً منا ليصبح تدخلنا مطلوباً من الجميع.

بكلمات أخرى، لن تغير الإدارة القديمة – الجديدة موقفها من عدم تسليح المعارضة السورية بانتظار أن يحصل ما ينتظره أيضاً الموفد الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي من إنهاك لطرفي القتال يقنعهما بالتفاوض. وحتى يحين ذلك لا أحد يعرف كم سيكون عدد القتلى والجرحى والمعتقلين والنازحين.

فالرئيس الأميركي ليس مقتنعاً بأن تغيير موازين القوى في الحرب السورية من مهمات بلاده، ويستبعد بشكل حاسم أي تدخل مباشر في هذه الأزمة، ليس فقط بسبب موقفي موسكو وبكين اللتين تتمسكان ببقاء بشار الأسد، بل لأن استراتيجيته تقوم على مبدأ الانسحاب من مناطق استنزاف لا أمل في انتصار نهائي فيها، مثلما حصل في العراق ويحصل حالياً في أفغانستان، والتركيز بدلاً من ذلك على دعم التحالفات والوجود الأميركي في مناطق واعدة اقتصادياً في جنوب شرقي آسيا، حيث المواجهة الفعلية مع الصين، العملاق الاقتصادي والمالي المضطرد النفوذ.

ذبل إن هناك في واشنطن من يعتقد بأن استمرار النزف السوري واحتمال امتداده إلى الجوار سيحرج روسيا والصين ويضعف موقفيهما، وقد يضطرهما قريباً إلى تعديل حساباتهما، خصوصاً في مجلس الأمن، حيث المراهنة على «تلقينهما درساً» يجعلهما تتجنبان مستقبلاً أي تفكير في عودة العالم إلى مرحلة القطبين. فيما يعتقد الروس والصينيون أن ازدياد مخاطر الحرب السورية سيجعل الأميركيين يرضخون لمطلبهم بإشراف نظام الأسد على المرحلة الانتقالية، خصوصاً أنهم يتفقون معهم على «خطر التنظيمات الإرهابية والمتطرفة».

أما بالنسبة إلى إيران، فلا بد أن طهران فرحة بالتمديد لأوباما، لأن هذا يستبعد إلى حين الخيار العسكري الذي تضغط إسرائيل لاعتماده، والذي كان المرشح الجمهوري أكثر ميلاً للقبول به. لكن أوباما سيواجه اختباراً صعباً بعدما وعد بأنه لن يسمح إطلاقاً بامتلاك إيران سلاحاً نووياً وأن سياسة العقوبات الاقتصادية هي الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك، إذ عليه أن يقنع دولاً لا تجاريه في سياسته الإيرانية بتطبيق العقوبات، وهو احتمال مستبعد حالياً، فيما يجد الإيرانيون وسائل متعددة للالتفاف على هذه العقوبات، خصوصاً عبر العراق، وحتى لبنان.

وفي مقابل استبعاد الخيار العسكري مع إيران، يسترضي أوباما إسرائيل بإطلاق يدها في الشأن الفلسطيني، بعدما أوقف تماماً أي جهد أميركي لإحياء «عملية السلام» الميتة، وغض الطرف عن الجهود الحثيثة لتهويد القدس، وقبل بمراوغة الدولة العبرية في تطبيق اتفاقات أوسلو، وحول الانتباه بدلاً من ذلك إلى «الخطر» الكامن في محاولة السلطة الفلسطينية الحصول على شبه عضوية في الأمم المتحدة.

من سوء حظ العالم العربي، أو ربما من حسن حظه، أن «الربيع» الذي أطلق موجة التغيير في ربوعه وأطاح بأنظمة تسلطية، وسيطيح بأخرى حتماً، لم ولن يلقى حماسة كبيرة في أميركا المنشغلة عنه، وسيكون عليه شق طريقه بنفسه.

الحياة

النموذج الأميركي والنموذج السوري

خالد الدخيل

قارن المشهد السياسي في أميركا مقابل المشهد في سورية هذه الأيام. سيقال إن المقارنة غير عادلة بسبب الفروقات الكبيرة بين البلدين لصالح الولايات المتحدة، وهذا صحيح. لكن الاعتراض ليس صحيحاً. علمياً يجب أن تكون المقارنة بين نموذجين يمثل كل منهما أفضل تمثيل ممكن لظاهرة أو نظام أو حال اجتماعية أو سياسية أو غير ذلك. بمقارنة النموذجين نقترب أكثر من طبيعة الظاهرة أو النظام الذي يمثله كل منهما. أميركا تمثل نموذجاً من النماذج الغربية للنظام الرأسمالي الذي يأخذ بالنظام الرئاسي، ويقوم على الديموقراطية، ومرجعية دستورية. في المقابل تمثل سورية، بنظامها السياسي تحديداً، نموذجاً عربياً للاستبداد، وهيمنة الأجهزة الأمنية على نظام الدولة. في أميركا تهيمن الايديولوجيا الرأسمالية اقتصادياً، والايديولوجيا الليبرالية سياسياً، على مؤسسات الدولة والمجتمع. أما في سورية فالهيمنة على مؤسسات الدولة ليست للايديولوجيا، لا ايديولوجيا القومية العربية، ولا ايديولوجيا إسلامية، ولا اشتراكية، ولا حتى ايديولوجيا «بطيخ مبسمر»، كما يقول الإخوة السوريون. الهيمنة هي للمؤسسات الأمنية، بإمكانك في سورية أن تنتمي لأية ايديولوجيا، لكن احذر من التفكير في استخدام هذه الايديولوجيا لأغراض سياسية تتصادم مع الأجهزة الأمنية، أو تتعارض مع ميراث أن لا شيء اسمه رئيس سابق، وهذه هي التعددية التي يتحدث عنها كثيراً هذه الأيام الرئيس السوري بشار الأسد. في أميركا للقانون احترام وهيبة، هناك ظلم، وهناك عدم مساواة، لكن هناك فرصة متاحة للفوز بشيء ما: في الجامعة، في مراكز الأبحاث، في سوق الأسهم، والعقار، والصناعة، والتجارة. هناك فرصة في الانتخابات، من الانتخابات الطلابية إلى الانتخابات الرئاسية. في كل ذلك هناك فرصة متاحة للجميع، بل هناك مساواة في هذه الفرص المتاحة، لكن ليست هناك مساواة في غير ذلك. في سورية هناك دستور، وهناك قانون، لكن الاحترام والهيبة هي للمؤسسة الأمنية، وللرئيس الذي يعتمد عليها، ومن ثم فليس هناك من فرصة لأحد إلا لمن يخاف المؤسسة الأمنية ويركب قطار الرئيس. حتى نائب الرئيس فاروق الشرع الذي لم يغادر القطار، لكن يبدو أنه اقترح شيئاً يتعلق بمسار القطار وهو يواجه ثورة شعبية، فأثار الشبهة بأنه ينوي مغادرة القطار، ولذلك اختفى في مكان ما من هذا القطار، ولا أحد يعرف عنه شيئاً. حتى منصب نائب الرئيس لا يوفر لك في النموذج السوري هيبة ولا احتراماً، وقبل ذلك لا يوفر لك أمناً. وللأمانة، فمع أن النظام السوري يمثل نموذجاً للاستبداد، إلا أنه عربياً ليس حالاً استثنائية أو شاذة، هو نموذج ينطوي على أسوأ وأبشع مظاهر الاستبداد والقمع.

الرئيس في كل من سورية والولايات المتحدة ينتمي للأقلية. الرئيس الأميركي، باراك أوباما أسود من أصول أفريقية، وبالتالي ينتمي لأقلية عرقية، أما الرئيس السوري بشار الأسد فيمكن القول بأنه أبيض ينتمي لأقلية دينية. وصل الأول إلى الحكم عن طريق انتخابات ديموقراطية أولاً في العام 2008، ثم أعيد انتخابه للمرة الأخيرة الأسبوع الماضي. الرئيس بشار وصل إلى الحكم بالتوريث عن طريق والده وتحت غطاء الأجهزة الأمنية للنظام، وكان والده قد وصل إلى الحكم قبل أكثر من أربعين عاماً عن طريق انقلاب عسكري سمّاه بـ «الحركة التصحيحية». من غرائب الصدف أنه إلى جانب أن كلاً منهما ينتمي لأقلية في مجتمعه، هناك خلفية تاريخية ذات صلة بوصول كل منهما إلى الحكم.

تتمثل الخلفية التاريخية لوصول أوباما إلى البيت الأبيض في نظام العبودية الذي كان يرزح تحته السود الأميركيون حتى النصف الثاني من القرن الـ19، وعلى رغم صدور إعلان الرئيس أبراهام لينكولن لتحرير العبيد في 1863، والتعديلات القانونية التي سمحت للسود بالترشح للانتخابات على مختلف المستويات، فقد استمرت العنصرية في المجتمع الأميركي حتى النصف الثاني من القرن الـ20، وما بينهما كانت هناك حركات للحقوق المدنية، وقضايا أمام المحاكم، وجماعات ضغط، مع وضد هذه الحركات، تمارس ضغوطها على السلطة التشريعية. كما كانت هناك حالة قمع وتجاوزات ضد السود، وكانت هناك حالات إعدام واغتيالات، وأشهر هذه الاغتيالات كان اغتيال زعيم حركة الحقوق المدنية الشهير، مارتن لوثر كنغ، عام 1963.

في هذه الخلفية التاريخية، وتحديداً في العام 1857 رفضت المحكمة الفيديرالية العليا حق العبد الأسود، دريد سكوت، بالمطالبة بتحريره من العبودية لأنه لم يكن في نظر المحكمة إنساناً، بل مملوكاً، كأية سلعة، وبالتالي لا يشمله الحق الإنساني في الحرية الذي ينص عليه إعلان الاستقلال الأميركي، وينص عليه الدستور أيضاً. بحسب الدستور رئيس الجمهورية هو الذي يرشح أعضاء المحكمة العليا. الآن، المحكمة التي رفضت حق الحرية للأسود سكوت، قبل أكثر من 150 عاماً، تجد نفسها أمام أسود آخر، اسمه أوباما، يحتل البيت الأبيض، ويملك حق ترشيح أعضاء جدد لها خلال رئاسته الحالية، ليحلوا محل أعضاء سيضطرون للتقاعد إما بسبب السن أو المرض.

في ضوء هذه الخلفية تتضح دلالة إعادة انتخاب أوباما للمرة الثانية الأسبوع الماضي، إذ إنها تعكس حجم النقلة التي مر بها المجتمع الأميركي منذ نهاية الحرب الأهلية وحتى الآن. تقول صحيفة الـ «نيويورك تايمز» إن تحولاً ديموغرافياً أصاب المجتمع الأميركي، وأن الحزب الجمهوري يدفع ثمن ذلك، وتذكر مثال مقاطعة «برنس وليامز» في ولاية فرجينيا. حتى عهد قريب كانت هذه مقاطعة ريفية يغلب عليها البيض، وكان المرشحون الجمهوريون يذهبون إليها لحصد الأصوات للفوز في الولاية. يوم الثلثاء الماضي كسب أوباما ولاية فرجينيا بنسبة تفوّق على ميت رومني تصل إلى 15 في المئة. لماذا؟ لأن «برنس وليامز»، بحسب الصحيفة، تحولت إلى مقاطعة حضرية مختلطة، وتحتل المرتبة السابعة الأعلى لمستوى الدخل في أميركا. يقول البعض من بين المحافظين في الحزب الجمهوري بأن البيض أصبحوا الآن أقلية بين الأميركيين، وأن فوز أوباما على رومني حصل بسبب هذا التحول الديموغرافي، لكن أوباما فاز بغالبية أصوات البيض الذين تقل أعمارهم عن الأربعين، وبالتالي فالتحول الديموغرافي يعكس بدوره تحولات ثقافية وسياسية كبيرة داخل المجتمع الأميركي.

عندما نعود للنموذج السوري تحت حكم النظام الحالي نجد أن الخلفية التاريخية لعملية التوريث التي حصلت للرئيس الحالي تعود لأكثر من 1500 عام. هل يمكن أن تكون هناك علاقة بين الحالتين في هذه الحالة؟ نترك السؤال الآن. في النموذج الأميركي نجح النظام السياسي بعد أكثر من 150 عاماً في تصحيح نفسه، وتصحيح أنظمته وقوانينه ليتجاوز تلك الخلفية التاريخية السوداء. وبالفعل بعد أن كان المواطن الأسود غير معترف به، ولا بإنسانيته، ها هو يفوز بمنصب الرئاسة للمرة الثانية. في النموذج السوري أعاد النظام السياسي إنتاج آلية انتقال الحكم نفسها التي كان معمولاً بها قبل أكثر من 1500 عام، وهذا تحديداً ما استقر عليه خيار الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد بتوريث الحكم لأحد أبنائه. قرر ذلك في نظام جمهوري لا يقر بالتوريث على رغم بُعد الشقة الزمنية، والاختلاف الكبير بين الرجلين، واختلاف الظروف والمجتمع والبيئة الإقليمية والدولية. يبدو كما لو أن حافظ الأسد تأثر بما فعله معاوية بن أبي سفيان في الشام نفسها عندما قرر أن يوصي بالخلافة لابنه يزيد من بعده. في النموذج الأميركي تجاوز النظام السياسي مرحلة العبودية والعنصرية بعد قرن ونصف، وانتقل إلى مرحلة مختلفة تماماً، أما في النموذج السوري فعاد النظام السياسي إلى الوراء لأكثر من 15 قرناً. بعبارة أخرى، التاريخ في النموذج الأميركي يتحرك إلى الأمام، أما في النموذج السوري، فهو إما جامد، أو يعود إلى الوراء. كانت العنصرية هي علة النظام السياسي الأميركي، وقد تخلص منها قانونياً، وإن بقيت آثارها في ثقافة المجتمع، وكانت علة النظام السياسي السوري هي الاستبداد، والإرث التاريخي الثقيل الذي يشجع عليه، فجاء النظام الحالي ليرسخ أبشع صور هذا الإرث، ويضيف إليه الطائفية كأساس لتحالفاته المحلية والإقليمية.

بحسب المؤرخ الأميركي، هوارد زن، كان نظام العبودية في بلده من التجذر في المجتمع أن السبيل الوحيد للتخلص منه كان محصوراً في ثورة عامة للعبيد، أو حرب أهلية شاملة، وكانت الحرب الأهلية 1861ـ 1865 بالفعل بداية الطريق الطويل نحو حرية المجتمع الأميركي، قبل حرية العبيد. ما يحصل في سورية الآن شيء مشابه في الشكل لما حصل في أميركا، لكنه مختلف في العمق. كانت الحرب الأهلية الأميركية هي حرب الشمال ضد الجنوب لاستكمال النظام الرأسمالي، وتبعاً لذلك التخلص من العبودية كعائق أمام هذا النظام. في سورية هناك ثورة شعبية ضد نظام متمسك بالطائفية، وبتحالف الأقليات للبقاء في الحكم. في لقائه الأخير مع تلفزيون «روسيا اليوم» قال بشار الأسد إن حكمه هو الملاذ الأخير للعلمانية في المنطقة، وهذه محاولة لإغراء الغرب في البقاء على حياده من الصراع، وإلا ما هي هذه العلمانية في ظل حكم عائلة تستظل بالطائفة، وتحتمي بالأجهزة الأمنية، وتخنق الحريات، وتتمسك بتحالفات طائفية مغلقة في الداخل، وعلى مستوى المنطقة؟!

لحياة

أوباما وإيران وسورية والأولويات

وليد شقير

مع بديهية القول إن لا تغيير في سياسة الإدارة الأميركية لمجرد التجديد للرئيس باراك أوباما 4 سنوات أخرى، فإن هذا لا يمنع القادة العرب ونخبهم والرأي العام في المنطقة من توقع الجديد في خطواته على صعيد الشرق الأوسط.

وإذا كانت سياسته تجاه المنطقة اتصفت بالتحفظ والتردد والتراجع وتعثر وعوده ومواقفه حيال القضية الفلسطينية وشكلت خيبة كبيرة قياساً الى ما صرح وأوحى به عند بداية ولايته الأولى عام 2008، لا سيما بالنسبة الى عجزه عن وضع حد للاستيطان الإسرائيلي، فقد يكون الأصح عدم توقع تغيير جذري في سياسته حيال الشرق الأوسط، بل ربما تغيير في الأداء وإمكان توقع سياسة نشطة أكثر تفرضها عليه دينامية الأحداث، خصوصاً في ما يتعلق بمشكلة المجتمع الدولي مع إيران، إذ يَعِد دنيس روس بأن يقدم «عرضاً ديبلوماسياً ضخماً» لطهران في محاولة منه لمواصلة إعطائه الأولوية للحل السياسي بدل العسكري الذي تلحّ عليه إسرائيل.

وإذا كان مصدر توقع عدم حصول تغيير جذري في سياسة أوباما الخارجية هو أولوية التحديات الاقتصادية الداخلية التي كانت العامل الحاسم في خيارات الناخبين الأميركيين الذين حملوه ثانية الى البيت الأبيض، فإن أبرز دليل على ذلك هو أنه حصل على 70 في المئة من أصوات الناخبين اليهود، على رغم خلافه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حول إيران وفي شأن عملية السلام، وعلى رغم انحياز نتانياهو الى ميت رومني، صديقه الشخصي، الذي كان يعوّل عليه لضمان دعم أكثر عمقاً من واشنطن لسياساته. حتى أن الناخبين المؤيدين لإسرائيل صوتوا في غالبيتهم وفق أولوية معالجة التحديات الاقتصادية الداخلية، وليس وفق ما ترغب فيه القيادة الإسرائيلية الحالية…

إلا أن توقع جديد في السياسة الخارجية لأوباما، على رغم استبعاد التغيير الجذري يعود الى أسباب عدة أبرزها أن دخول إدارته منذ ما يقارب السنة في حال من الكوما الانتخابية خفض اهتمامه بالموضوع الأبرز في الشرق الأوسط، أي الأزمة السورية، الى ما دون التحفظ أو التردد الذي يتسم به أسلوب «القيادة من الخلف»، الذي اعتمده حيال تطورات الربيع العربي. امتنع أوباما حتى عن اعتماد أسلوب «القيادة من الخلف» إزاء الأزمة السورية بحجة تجنب أي «خطأ» ينعكس سلباً على حملته الانتخابية. وإذا صح الانطباع القائل إن الامتناع عن أي دور فاعل كان هدفه إنهاك النظام السوري والمعارضة على السواء كي تخرج سورية محطمة وضعيفة من حربها الأهلية في شكل يطمئن إسرائيل الى أمنها من دولة محورية على حدودها، مع ممارسة الضغوط كي لا تفيض الأزمة خارج الحدود الى دول الجوار، فإن انتهاء الانتخابات الرئاسية تزامن مع تصاعد مظاهر انتقال الأزمة الى دول الجوار، الى درجة أنه بات هناك نقاش علني حول طلب تركيا نشر صواريخ باتريوت على الحدود التركية – السورية بعد شهرين متوترين بأعمال قصف وقصف مضاد بين الدولتين، ومع تزايد عمليات حزب العمال الكردستاني المدعوم من نظام دمشق ومن طهران، على الأراضي التركية، فضلاً عن ظهور عدد من الخلايا المرسلة من الاستخبارات السورية الى الأردن، وصولاً الى الخروق اليومية للأراضي اللبنانية، وانتهاء باغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللواء وسام الحسن الذي اعتبره قادة لبنانيون ومسؤولو دول عربية وغربية أحد خطوات نقل الأزمة السورية الى لبنان، بعد كشف الحسن مخطط التفجيرات الذي كان يعد له الوزير السابق ميشال سماحة بالتنسيق مع الاستخبارات السورية. فهل سيتمكن أوباما من غض النظر عن الانعكاسات الإقليمية للأزمة السورية وإشاحة النظر عن دعم المعارضة السورية بحجة عدم توحيد رؤيتها، وإهمال التفاهم مع روسيا كلاعب دولي أساسي يدعم النظام؟ وهل بإمكان أوباما مواصلة الضغط على السلطة الفلسطينية حتى لا تقدم على خطوة طلب الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، وأن يتغاضى عن خروج «حماس» من المحور الإيراني – السوري، والوصول بخصومتها مع النظام السوري الى درجة اقتحام الاستخبارات السورية مكتبها في دمشق فيما الاحتقان الفلسطيني من الممارسات الإسرائيلية في غزة والضفة، أخذ يهيئ الأرض لانتفاضة ثالثة؟

ثمة مبرر استراتيجي لدى أوباما كي لا يكون الشرق الأوسط، بكل أزماته الملتهبة أولوية مثلما كان لإدارات سابقة، هو ما أعلنه في خطاب الانتصار الذي ألقاه أول من أمس، حين تحدث عن «خفض اعتماد أميركا على النفط الأجنبي». وهو أمر ناجم عن اكتشافات الغاز الجديدة في الولايات المتحدة بترليونات الأمتار المكعبة والتي تكفي حاجتها الى الوقود والطاقة لأكثر من قرن ونصف القرن. إلا أن السنوات التي قد يستغرقها استخراج هذا الغاز قد تشهد اشتعالاً للمنطقة وتراكمات لن يستطيع أوباما الاكتفاء بمعالجتها عبر القيادة من الخلف وسيكون مجبراً على التعاطي معها نظراً الى انعكاساتها الدولية.

الحياة

أوباما السوري ماذا سيفعل؟!

    راجح الخوري

بعد اقل من شهرين على الثورة في سوريا صار التصريح اليومي للرئيس باراك اوباما يتوقف عند اللازمة التي تقول : “على الاسد ان يرحل… ان أيام النظام السوري باتت معدودة”. نهاية العام الماضي وبعدما افشلت روسيا “المبادرة العربية” لحل الازمة على الطريقة اليمنية قام نبيل العربي والامير سعود الفيصل والشيخ حمد بن جاسم بزيارة البيت الابيض، حيث قال لهم اوباما ان اميركا في مرحلة انتخابية وليست مستعدة لاتخاذ أي مبادرات لحل الازمة المتفاقمة .

على امتداد عام ونصف عام تلازم التغاضي الاميركي عن المذابح السورية مع الانحياز الروسي الى النظام ليشكلا حاضنة ساهمت في تعميق الأزمة واستمرارها، الى ان تطرق اوباما ضمناً في خطاب النصر الى سوريا، بالقول: “هناك من يجازفون بحياتهم لكي يتمكنوا من الادلاء بأصواتهم في الانتخابات”.

هذه الاشارة العابرة دفعت الكثيرين الى السؤال عما يمكن ان يفعله في ولايته الجديدة حيال الازمة السورية، ولكن قياساً بهمومه الداخلية الاقتصادية وبحرص اميركا الأكيد على عدم الانزلاق الى أي حروب جديدة، وقياساً بالإنغماس الروسي في الازمة، يبدو واضحاً ان اوباما الذي يستفيق على خشية من ان لا يزهر”الربيع العربي” غير الذقون، لا يملك سوى طريقين: الحل سياسي بالتعاون مع فلاديمير بوتين، او إدارة معركة لاسقاط النظام بالتعاون مع تركيا .

في ما يتعلق بالحل السياسي تشير التقارير الى اتصالات في اطار من الديبلوماسية السرية تتركز على ايجاد مخرج عبر وضع ترجمة جديدة لاتفاق جنيف تتفاهم عليها واشنطن وموسكو، وهو ما يستدل عليه من اجتماع سيرغي لافروف مع رياض سيف في الاردن ومن تصريح جيفري فيلتمان الذي عوّم الاتفاق المذكور ومن خلال تكرار ايران استعدادها للحوار مع المعارضين!

وترجح هذه التقارير ان يتمكن اوباما من اقناع روسيا بالتخلي عن بقاء الاسد حتى نهاية ولايته في 2014 مقابل “مصالح تبادلية” بين البلدين بحيث يتم تشكيل حكومة انتقالية تذهب الى انتخابات سورية، وخصوصاً الآن بعد قنبلة هيلاري كلينتون تحت اقدام “المجلس الوطني السوري” وهو ما ساعد على تعجيل الاتفاق بين المعارضات كما بدا من الدوحة .

وفي ما يتعلق بالحل العسكري الذي يمكن ان يأتي على يد المعارضة هذه المرة، فمن الواضح ان طلب تركيا صواريخ “باتريوت” هو تمهيد لحماية منطقة آمنة تنطلق منها المعارضة لانهاك النظام واسقاطه، لكن الصواريخ لن تصل قبل موافقة واشنطن التي تعرف ان مجرد طرح الفكرة يشكل ضغطاً على موسكو لتقبل بالحل السياسي، ثم ان توحيد “الجيش السوري الحر” وتوزيع مهماته على خمسة قطاعات، يعني ان فشل الاتفاق سيفتح الابواب على حرب استنزاف تدمر ما بقي من سوريا!

النهار

إنه رهاب «الأسدوفوبيا»

محمد مشموشي

لا يترك نظام بشار الأسد فرصة أو وسيلة لإعادة عقارب الساعة في سورية إلى الوراء. وهذه الساعة، في رأيه ووفقاً للسياسات التي مارسها هذا منذ توليه السلطة في السبعينات، هي إعادة بناء وحتى رفع مداميك «جدار الخوف» الذي أقامه وعاش عليه طيلة حكمه، ونجح الشعب السوري منذ انطلاق ثورته قبل حوالى عامين في هدمه. حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على الشعب، كل الشعب، وتدمير المدن بالمدافع والدبابات وراجمات الصواريخ والطائرات المقاتلة، هما جزء من المحاولة الجديدة، إلا أن خطة النظام كما تدل الوقائع على الأرض أبعد من ذلك وأوسع مدى… في الداخل السوري بالدرجة الأولى، لكن في الخارج كذلك وسواء بسواء.

في خطة النظام، أنه ما دام أحد في العالم لا ينوي التدخل عسكرياً لإنقاذ الشعب السوري من محنته، كما أنه لا يريد حتى تقديم العون اللازم للثوار على صعيد السلاح النوعي وذخيرته، فمن شأن سياسة الأرض المحروقة من جهة أولى وشمولها كامل مساحة الأرض وكل فئات الشعب من جهة ثانية أن يعيدا الى سورية جدار الرعب الذي حكمها وتحكم بها طيلة العقود الماضية.

أكثر من ذلك، يبدو أن هذا النظام قد أدرك أخيراً بعد المهل الزمنية العديدة التي وفرتها له فيتوات روسيا والصين في مجلس الأمن، وعلى رغم جرائمه الموصوفة على مدى عشرين شهراً، أن الحل الأمني على وحشيته لن يمكنه من تحقيق الغاية التي راهن عليها (إنهاء الثورة) في خلال شهور أو حتى سنوات. لم يعط النظام أية إشارة إلى ذلك، لكن طبيعة العمليات الحربية التي قام ويقوم بها منذ أسابيع، والتي تقتل وتدمر وترتكب المجازر بصورة عشوائية من دون أي مسعى جدي لتعديل المواقع على الأرض، إنما تشي بهذه الحقيقة من الزاوية العسكرية وعلى الجبهات كلها… من دمشق وريفها إلى حلب وريفها إلى إدلب إلى دير الزور إلى درعا وغيرها.

قتل وتدمير عشوائيان، حتى ببراميل المتفجرات والقنابل العنقودية والمواد الحارقة تلقى من الجو أو تطلق بالمدافع من بعد، من دون أن يعرف من يطلقها في أي مكان تسقط أو أي موقع عسكري للثوار، أو حتى مدني للناس الآمنين، تستهدف.

هل لهذه العمليات الحربية، تقوم بها الآلة العسكرية للنظام بوتيرة منتظمة ويومية، معنى غير معنى إشاعة الرعب وتعميمه على الناس من دون تمييز بين معارض ومؤيد ومحايد، وحتى بين من يحمل السلاح ومن يسعى وراء لقمة عيشه وعيش أطفاله؟

ليس ذلك فقط، فصحيح أن قوات النظام المسلحة تبدو منهكة الى حد كبير وتقصر عملياتها على القصف الجوي والمدفعي البعيد، وأن كتائب الثوار تبدو على العكس مالكة لزمام المبادرة على أكثر من جبهة وفي أكثر من مدينة، لكن الصحيح أيضاً أن المشهد العام ينبئ بأكثر من هذه الوقائع. فلم يعد مــن قبيـــل التخمين، خصوصاً بعد إنجازات الثوار في أكثر من منطقة على رغم التـــورط المباشر لـ «الحرس الثوري» الإيراني و«حـــزب الله» اللبناني في القتال ضـــدهم، أن استراتيجـــية النظام الآن باتت تقوم على محاولة استعادة ركائزه الأمنية الأولى (الترهيب الجماعي) التي استند إليها منذ توليه الحكم: المزيد من القتل والقـــمع (مقولة «الأسد أو نحرق البلد» الشهيرة) بهدف إعادة بناء جدار الخوف الذي حطمه الشعب عندما انتفض على الظلم في آذار (مارس) 2011.

الجانب الآخر من المشهد الذي يحاول النظام السوري أن يرسم معالمه، تجسده حاله مع الخارج ومـع دول الجوار تحديداً. ذلك أنه كما عاش نظام حافظ الأسد، وبعده ابنه بشار، على سياسة ترهيب الشعب وقمعه لضمان بقائه في الحكم، فانه لم يوفر بلداً من بلدان الجوار القريب أو البعيد من نظرية «الرهاب» هذه طيلة العقود الماضية. وكما لم ينجُ أي من هذه البلدان، من لبنان إلى الأردن إلى العراق إلى تركيا فضلاً عن فلسطين وقضيتها، من «فضائل» النظام الأسدي على امتداد تلك الفترة، فلا حاجة إلى التذكير بأنه يشملها بالشيء ذاته في الفترة الحالية أيضاً.

لكن النافر هنا أنه لا يكتفي بأن يفعل ذلك هنا وهناك، بل يتحدث عنه بصراحة كاملة وبالفم الملآن كما كانت حاله عندما حذر منذ لحظة خروج أطفال درعا برسومهم وعباراتهم إلى جدران المدينة مما وصفه بـ «زلزال سيضرب المنطقة كلها… إذا تم تهديده بالسقوط»!

إنه «جدار الخوف» أو «الأسدوفوبيا»، إذا صح التعبير، أن في الداخل السوري أو في دول الجوار، ما يعمل نظام الأسد على تعميمه من خلال آلته العسكرية والأمنية والمخابراتية في الفترة الحالية، مستفيداً أولاً من التغطية التي توفرها له روسيا والصين في مجلس الأمن، والدعم المالي والعسكري واللوجستي الذي يقدمه «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» اللبناني، ولكن أيضاً وإضافة إلى ذلك من لامبالاة المجتمع الدولي والولايات المتحدة والغرب عموماً تجاه الكارثة البشرية التي ينزلها بالشعب السوري. وكما قام النظام على رهاب «جدار الخوف» واستمر لأربعة عقود، فهو يظن أنه سيكون قادراً الآن على أن ينقذ نفسه من خلاله.

هل تعني غير ذلك المذبحة الدائمة التي يرتكبها النظام ضد شعبه، بالطائرات والمدافع والدبابات وراجمات الصواريخ، ولم توفر مكاناً واحداً من سورية كلها؟

وهل تعني غير ذلك التحرشات اليومية بتركيا والأردن ولبنان، وأخيراً بإسرائيل في الجولان، فضلاً عن الكلام على «عصابات إرهابية» و «جماعات تكفيرية» تتنقل بين الحدود مع هذه البلدان؟

وهل يعني غيره اغتيال رئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني اللواء وسام الحسن، بعد أقل من شهرين كشفه خطة علي المملوك/ميشال سماحة السورية لتفجير حرب أهلية وفتنة طائفية في لبنان؟

بل، هل يعني غيره اعتقال ثلاثة من معارضي الداخل (عبد العزيز الخير وايـــاس عياش وماهـــر طحان) مباشرة بعد عودتهم من زيارة إلى الصين، علماً أنهـــم والجبهة التي ينتمون إليها يتحدثون فقط عن محاورة النظام تحت سقف القبول به وبما يسميه إصلاحات سياسية؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى