صفحات العالم

مقالات تناولت مؤتمر الانقاذ الوطني في سورية

 الأربعاء

“مؤتمر الإنقاذ” .. مَن ينقذه؟

فواز طرابلسي

من يقرأ وثائق «مؤتمر الانقاذ» الذي انعقد مؤخرا في دمشق بدعوة من «هيئة تنسيق قوى التغيير الديموقراطي» وضم عددا من الاحزاب والهيئات القومية واليسارية والكردية، يصعب عليه الا يصدم للكمية الهائلة من الخلط الذي يمارس على مدى وثائق ليست بالطويلة وخطب قليلة. ولسنا نتجنى على احد اذا وصفنا ما بين ايدينا من وثائق وخطب تنطوي على كم مدهش من المبادئ والاهداف والشعارات المضخمة سرعان ما تلقى مصرعها امام نقائضها، ومن المراحل المتداخلة المقولات والمقترحات المطروحة على عواهنها بما فيها من تناقض وتضارب بما يستبعد تصديقها. الا اننا امام عيّنة مما ساد المعارضات العربية في مرحلة ما قبل الثورات من فوات في المفاهيم والرؤى لا يمكن الا ان يقود الى مثل البون الشاسع الذي نشهده بين الكلمة والفعل والقول والعمل والهدف ووسائل تحقيقه. ولا بد من ان نضيف انها تقود الى نمط من التدليس للموقف الفعلي تحت ركام من العموميات والتوريات والشعارات المتوّرمة على سبيل «التكتيك» واستدراج العطف الجماهيري.

يطالب المؤتمر المبعوث العربي والاممي بالعمل لعقد مؤتمر دولي حول سوريا تشارك فيه جميع الاطراف المعنية للبحث في البدء «بمرحلة انتقالية الى نظام ديموقراطي تعددي». لكنه يدعو في الوقت نفسه الى حل داخلي بدعوته اطياف المعارضة في الداخل والخارج للعمل المشترك في سبيل تغيير ديموقراطي جذري – يحقق مطالب الشعب في ثورته (والتشديد على ثورة شعبية) – ويحافظ على وحدة سوريا – ولا يتم الا «بإرادة السوريين انفسهم وبأيديهم».

ولا يكتفي المؤتمر بالدعوة الى «التغيير الديموقراطي الجذري الشامل». انه يدعو ببساطة الى «اسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته» والى انتزاع الجيش النظامي من يد السلطة وإعادة هيكلته ليمارس دوره في استعادة الاراضي المحتلة وحماية أمن سوريا. لست ادري لماذا تتردد معظم المعارضات عن تسمية الاراضي السورية المحتلة باسمها – الجولان – ولماذا لا تعلن العزم على «تحريرها» بكل الوسائل، بما في ذلك العنف الذي تكفله لها كل المواثيق والعهود والمعاهدات الدولية؟! لكني لن انفك اسجل هذه الملاحظة.

لا يجب ان يتفاجأ القارئء الساذج بأن كل الدعوات الى اسقاط الرموز والمرتكزات وانتزاع القرار من السلطات واعادة الهيكلة للجيوش (لا لاجهزة الامن؟!)، ليست تستوجب اي اجراء عملي، ولو كان مجرد التمني على «الرمز الاول» للنظام بأن يتنحى، مثلا.

يبدو ان «الاسقاط» سوف يتم بحوار في موسكو في منتصف تشرين الاول المقبل – اي بعد لا اكثر من ثلاثة اسابيع – بين المعارضة وممثلي النظام «ممن لم تلّوث ايديهم بالدماء والفساد». ومع أن الحوار سوف ينعقد «من دون شروط مسبقة»، سيكون من الطرافة بمكان الاطلاع على اللائحة التي سوف تضعها المعارضة للاسماء الملوثه ايديهم بالدماء والفساد من الطاقم الحاكم في دمشق.

لا يتردد المؤتمر في تحميل النظام المسؤولية عن العنف، واعتباره ان عنف النظام دفع الى العنف المضاد. بل انه يؤكد ان الجيش السوري الحر قد «تشكل بشكل عفوي» وبمحض وازع «اخلاقي» دفع افراده الى الانشقاق لرفضهم استخدام القوة العسكرية ضد «المناضلين السلميين». وفي ذلك تبرئة واضحة من تهمة «الارهاب»، التي يسوقها ضده النظام، ومن الادعاء أنه ينفذ «أجندات خارجية». الا ان المؤتمر لا يلبث ان يطالب «قوى النظام بوقف العنف فوراً والتزام المعارضة بذلك فورا وذلك تحت رقابة عربية ودولية مناسبة». فيساوي بذلك بين عنف النظام، المطلوب اسقاطه بكل رموزه ومرتكزاته، لممارسته العنف ضد «المناضلين السلميين»، وبين عنف يمارسه «الجيش الحرّ» الذي اوكل اليه المؤتمر مهمة الدفاع عن سلمية الثورة.

منذ وقت مبكر، انقسمت المعارضة السورية بين داخل وخارج حول مسألتين. الاولى تتعلق بما سمّي «التدخل الخارجي» والمعني به أساسا التدخل العسكري الخارجي.

والطريف ان معارضتي الداخل والخارج، خلا استثناءات قليلة معظمها فردي تستحق التقدير والاعجاب، التقتا على توقّع حتمية التدخل العسكري للولايات المتحدة والحلف الاطلسي. فرحّب المجلس الوطني السوري، في الخارج، بالتدخل بل دعا اليه جهارا، بينما استنكرته هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي واعتبرت موقفها هذا بمثابة علامة تفارق اساسية داخل المعارضة. لم يحصل التدخل العسكري لاعتبارات تستوجبها قراءة دقيقة للاستراتيجية والمصالح الاميركية، مررنا عليها مرارا من قبل. ولا يزال مثل هذا التدخل مستبعدا في الامد المنظور. وهو لو حصل، بهذا الشكل او ذاك، لما برّر اطلاقا الزعم بأن التدخل العسكري موضوع على جدول اعمال القوى الغربية منذ البداية.

اما المسألة الخلافية الثانية فدارت مدار ما سمّي بـ«عسكرة الثورة» في مقابل «سلميتها». وهذا الخلاف لم يبق منه ما يستحق الذكر ما دامت هيئة التنسيق والقوى المشاركة معها في «مؤتمر الانقاذ» اقرّت بأن العنف الذي مارسه النظام قد استدعى العنف المضاد. نقول ذلك مع التحفّظ لأن مواقف الهيئة لا تزال مضطربة من حيث الموقف من العسكرة، فساعة تجدها تطورا املاه «الحل الامني» وتارة تحلم بالعودة الى «السلمية» كأن العسكرة كانت مجرد ارادة قادر وليست وجوبا واجبا.

بينما عدا ذلك، بات لروسيا، ومعها الصين، معارضة. يمكننا ان نسمّيها المعارضة الرقم اثنين، على اعتبار ان المعارضة الرقم واحدا قد استهلكت في الانتخابات النيابية وفي تشكيل وزارة «الاتحاد الوطني». ومعلوم ان النظام أجاز عقد المؤتمر بطلب من روسيا والصين، والمؤتمر بدوره ردّ اول تحية بأحسن منها عندما ازال الحرم عن التعاطي مع ايران الذي وضعته سائر اطياف المعارضة، فدعا السفير الايراني الي حضور مداولاته. وبالرغم من تعهد الحكومتين الروسية والصينية بحماية المؤتمر وامن مندوبيه، لم تقاوم مخابرات سلاح الجو اغراء اخذ مؤونة من ثلاث رهائن من اعضاء هيئة التنسيق، عند خروجهم من المطار – عائدين من اين؟ من ييجين! – بينهم عبد العزيز الخيّر، مسؤول العلاقات الخارجية في الهيئة واحد المنظمين الرئيسيين للمؤتمر. هكذا على سبيل الاحتياط.

لنعد الى الراهن ولنقارن بين اللائحة الطويلة من المشاريع والمقترحات والاهداف والمراحل الانتقالية التي بسطها «مؤتمر الانقاذ» وبين تقرير الاخضر الابراهيمي عن آخر لقاء له مع الرئيس الاسد. قال المبعوث العربي والاممي في خطابه امام مجلس الامن وفي احاديثه الصحافية اللاحقة، وهو المعروف بأنه لا يهذر في الكلام، ان الرئيس الاسد يريد «عودة الامور الى الوراء» بينما المطلوب التقدم الى امام. فما رأي مؤتمري الانقاذ، دعاة «اسقاط النظام والتغيير الجذري الديموقراطي الشامل» في هذه المساهمة الايجابية نحو الحوار الوطني؟. ويقول المبعوث العربي والاممي ان الرئيس يعتبر انه يطارد مؤامرة خارجية ادواتها الداخلية «المجموعات الارهابية المسلّحة» بينما اكد المؤتمر ان الرئيس، الرمز الاول للنظام المطلوب اسقاطه، مسؤول عن مبادرة اللجوء الى العنف، فاستدعى العنف المضاد.

قلنا انه بات لروسيا معارضة، لنسمّها «حليفة». لكن السؤال: هل النظام السوري، وقد انكر رمزه الاول انه هاجم السعودية وقطر في حديث شهد عليه تسعة صحافيين مصريين، هل يقف حقاً مع الحليف الروسي والحل الروسي؟

السفير

الثلاثاء

الرعاية الخارجية لمعارضة الداخل

وليد شقير

كان من الطبيعي أن يتساوى الاهتمام بالحضور الديبلوماسي الروسي والصيني والإيراني، لمؤتمر «الإنقاذ الوطني» في سورية، مع سماح النظام بعقد هذا المؤتمر في قلب دمشق، وإعلان مكوناته أن التغيير والحل في سورية يتمان «بإسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته».

بل ان هذا الحضور الثلاثي طغى على حضور ديبلوماسي لدول أخرى في المؤتمر وعلى قراراته، لأن منظميه أنفسهم، لا سيما هيئة التنسيق الوطني للتغيير، صرحوا بأنهم طلبوا من الدول الثلاث ضمان أمن المؤتمر وسماح النظام بعقده من دون التعرض لرموزه، كما حصل حين «خُطف» ثلاثة من رموزه قبل أيام.

وبصرف النظر عن السجال الدائر بين معارضي الداخل الذين تشكل منهم المؤتمر، وبين معارضي الخارج، ومهما كانت الاتهامات المتبادلة التي تكشف مرة أخرى ثغرة كبرى في قدرة معارضي النظام على التوحّد، لا بد من أن يلاحظ المرء بأن اضطرار النظام الى السماح بعقد هذا المؤتمر، مع ما خرج عنه، لم يكن ليحصل لولا التقدم الذي حققه معارضوه على الأرض وسيطرتهم عسكرياً على مزيد من المناطق، على رغم استمرار التوازن في ميزان القوى. وهو توازن قائم على أن الرئيس السوري بشار الأسد غير قادر على الحسم ضد المعارضة (بكل أشكالها) وأن الأخيرة غير قادرة بعد على إسقاطه، مع ما يرافق ذلك من مآس نتيجة إنكار الأسد لوجود ثورة وثوار ضده ولعمليات القتل المنهجي الذي يمارسه ضد شعبه.

وإذا كان الاستنتاج نفسه ينطبق على الرعاية الروسية – الصينية – الإيرانية للمؤتمر، لأنه لم يكن ممكناً للدول الثلاث أن تفعل ذلك لولا شعورها بأن نظام الأسد يخسر المزيد على الأرض وأن رقعة سيطرته تتآكل، فإن لتلك الرعاية وظيفة محددة في حلبة المداولات الدولية حول الأزمة السورية.

وعلى رغم أن الوثيقة السياسية الصادرة عن مؤتمر معارضة الداخل تبنت «وثيقة العهد» (اتفق عليها في القاهرة في 3 تموز/ يوليو) التي أقرتها أطياف معارضة الخارج والداخل والتي تنص على أن «الحل السياسي يبدأ بتنحية بشار الأسد ورموز السلطة ومحاسبة المتورطين منهم في قتل السوريين»، فإن موسكو وبكين وطهران تحتاج الى هذه اللهجة العالية لمعارضي الداخل، لتأخذ كل منها ما يناسبها من وثيقة المؤتمر ومنها وقف العنف فوراً من جانب النظام والتزام باقي أطراف المعارضة ذلك وقيام رقابة دولية وعربية على ذلك ومطالبة المبعوث الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي بالدعوة الى مؤتمر دولي حول سورية للبحث في أفضل السبل السياسية للبدء بمرحلة انتقالية.

النقطة الأخيرة هي بيت القصيد بالنسبة الى موسكو وبكين وطهران، وهي الأهم في تبرير رعايتها للمؤتمر، والأرجح أنها مارست ضغوطاً على النظام كي يتيح عقد المؤتمر بسبب هذه النقطة بالذات متجاوزة إصرار مكوناته على إعطاء الأولوية لرحيل الأسد. فهي لم تغيّر موقفها الرافض لاعتبار تنحيه حجر الزاوية في الحل السياسي تارة بذريعة أن الشعب السوري هو الذي يفصل في الأمر كما تقول موسكو، وأخرى باعتبارها هذا المطلب «وهماً» كما تقول طهران (التي يتردد في بعض الأروقة الديبلوماسية أنها تتشدد في هذه المسألة الى درجة حديث مسؤوليها عن أن البديل هو ماهر الأسد).

هكذا يصبح «رفض التدخل الخارجي» في أدبيات الدول الثلاث وبعض المعارضة السورية، حيال الأزمة، شعاراً يناقض الدعوة الى عقد مؤتمر دولي مع رقابة دولية وعربية. وما يبرر هذا التناقض أن الدول الثلاث تسابق التطورات على الأرض التي تزيد إضعاف النظام، وتستبق بهذا الطرح الطروحات الغربية بإمكان رفع مستوى الدعم لـ «الجيش السوري الحر»، وتضع على الطاولة اقتراحاً مستنداً الى الداخل السوري، في مداولات نيويورك لمناسبة عقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة والتي ستكون الأزمة السورية أساساً فيها، بين رؤساء الدول وفي مشاريع القرارات التي قد تُطرح.

وفضلاً عن أن فكرة المؤتمر الدولي هي توسيع لمؤتمر جنيف الذي عقد آخر حزيران (يونيو) الماضي والذي استبعدت عنه طهران (والسعودية)، فمن نافل القول إن عقد مؤتمر كهذا، يتطلب التمهيد له بتفاهمات أميركية – روسية وإيرانية – أميركية، إذا كانت الدول المعنية كافة تربط مواقفها من الأزمة السورية بالملفات العالقة بينها. كما أن جهداً دولياً بهذا المستوى يحجم المبادرة المصرية التي أفضت الى قيام مجموعة الاتصال الرباعية.

وفي الانتظار، بصرف النظر عن النية الحسنة عند معارضي الداخل في الدعوة الى وقف العنف فوراً، فإن الإجابة على المطلب أتت من الأسد نفسه حين التقى الإبراهيمي في 15 الجاري عندما قال له إن «المشكلة الحقيقية هي الخلط بين المحور السياسي وبين ما يحصل على الأرض». وهو ما يعني أنه يقبل بالحوار، بموازاة استمرار المعارك وعمليات القتل بلا هوادة. وهو سبق أن قال إنه سينتصر في الحرب عليه مهما كان الثمن.

الحياة

الثلاثاء

تساؤلات لافتة حيال مؤتمر معارضي الداخل

هل عدّل النظام السوري سقف التفاوض؟

    روزانا بومنصف

استرعت اهتمام متابعي الوضع في سوريا، وهم كثر، جملة عناصر في اجتماع معارضة الداخل في مؤتمر عشية انطلاق اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة حيث يتوقع ان يكون الموضوع السوري على جدول اعمال كل اللقاءات ومحور كل الكلمات التي ستلقى فيه بما فيه اجتماع مرتقب للرباعية الاقليمية التي تضم ايران ومصر والمملكة العربية السعودية وتركيا سيعقد على هامش اللقاءات في نيويورك. فالمؤتمر بدا، وفقا لهؤلاء المتابعين ووفقا لتوقيته الذي لا يمكن عدم اخذه في الاعتبار، بمثابة رسالة موجهة الى مجموعة الدول المعنية والمتابعة للوضع السوري حملها مضمون المؤتمر ونتائجه كما الى الامم المتحدة التي كان يستعد مبعوثها الى سوريا الاخضر الابرهيمي لالقاء كلمة يعرض فيها خلاصة زيارته لسوريا والاتصالات التي اجراها وما يمكن القيام به. ووفقا لشكل المؤتمر وظروفه كما لمضمونه رصد المتابعون جملة ملاحظات حملت في طياتها استنتاجات هي اقرب الى التساؤلات منها الى الحكم عليها كاستخلاصات : اولا ان المؤتمر عقد في قلب العاصمة السورية على رغم ضغوط تمثلت في خطف النظام ثلاثة من المعارضين المشاركين فيه الى المطار نفى النظام مسؤوليته عن خطفهم فيما اكد المؤتمرون ضلوع هذا الاخير ومسؤوليته في هذا الاطار. لكن بدا في هذا الشق انه رسالة عن استعداد النظام للانفتاح بمقدار كبير حتى على معارضة تطلب رأسه. ثانيا انه ضم غالبية فصائل المعارضة الداخلية التي قالت او تبنت مضمون او خلاصة مضمون معارضة الخارج التي تقول برحيل النظام ورموزه ايضا بما في ذلك مؤتمر القاهرة الذي عقد قبل حين لفصائل المعارضة. وهذا المؤتمر وعلى عكس المؤتمر الذي عقد في حزيران الماضي لاطياف المعارضة نفسها التي طالبت حينذاك بالتغيير انما من ضمن النظام هو اكثر تقدما وتطورا لجهة مطالبها راهنا بتغيير النظام برموزه كافة ونزع علم المعارضة من الخارج ونقله الى الداخل. يضاف الى ذلك ان هذا المؤتمر الذي عقد بحضور الدول الداعمة للنظام اي روسيا والصين وايران والجزائر يفيد برعاية هذه الدول لهذه المعارضة ومساندتها لها في ما يعتقد انه عرض غير مباشر الى الدول الغربية بتبني هذا الخيار الذي يقوم على معارضة مختلفة عن معارضة الخارج او الثوار المسلحين من حيث عدم شمول معارضة الداخل او تضمنها عناصر من الاخوان المسلمين او من السلفيين او من القاعدة وفقا لما باتت تتهم به المعارضة الثورية والمسلحة اضافة الى ان هذه المعارضة تطالب بتغيير كامل للنظام ورموزه انما من دون حروب وعنف وسلميا اي من خلال التفاوض. ثالثا ان ما يدفع الى هذا الاعتقاد ان ما رفعته المعارضة الداخلية من عناوين هو جريء بدرجة كبيرة اي تغيير النظام بكل رموزه واتاحة النظام او سماحه بحصول ذلك في قلب العاصمة السورية يثير تساؤلات عن الهدف من هذا الهامش الكبير الذي اتاحه الرئيس السوري للمؤتمرين ورغبته في توظيفه لمصلحته. فليس هامش الديموقراطية او الحرية والتعددية الذي برز فجأة هو ما يثير تساؤلات، بل يتعدى هذا الهامش الى ما يمكن تقبله الى حدود هي بمثابة انقلاب لا يمكن النظام قبوله ما لم يكن يرمي الى هدف ما من ورائه. والمؤتمر يأتي غداة زيارة وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي لدمشق حاملا ما قيل انها مبادرة ايرانية للحل من نقاط عدة بلورها على اثر اجتماع للرباعية الاقليمية التي انعقدت في القاهرة اخيرا وغابت عنها المملكة السعودية. وفيما وزعت وكالات الانباء الايرانية نقاط هذه المبادرة ومضمونها والذي كان ابرزها نشر مراقبين من الدول الاقليمية في سوريا، فان احدا لم يسمع عن هذه المبادرة بعد اللقاء الذي عقده وزير الخارجية الايراني مع الرئيس السوري بشار الاسد او ما اذا كانت عرضت عليه او لم تعرض او اذا قبلها او قبل بعض بنودها او لم يقبل.

في رأي هؤلاء المتابعين ان المؤتمر هو مؤشر على ضعف من النظام لجهة قبوله ليس بانعقاد المؤتمر بل بقبوله بتحديد سقف مطالبه بتغيير النظام. وهو ما يشكل نوعا من التراجع لدى النظام من حيث عدم قبوله سابقا الا اصلاحا من ضمن النظام. واستعداده راهنا للمفاوضة على تغيير النظام انطلاقا من استعداده للحوار مع معارضة الداخل كما سبق ان قال وليس مع معارضة الخارج يعني ان سقف التفاوض لديه قد تغير وبات مستعدا للتفاوض على تغيير النظام وليس فقط على اصلاح من ضمنه خصوصا ان كل الاصلاحات التي قال انه قام بها قد استنفدت ولم تنجح. وتاليا فان الاسئلة التي تثار في هذا الصدد تتصل بما اذا كان المؤتمر هو العرض الذي سيجذب الاميركيين والغربيين عموما الى حل في سوريا بناء على تفاوض يجري بين رأس النظام ومعارضيه في الداخل على تغيير النظام في ضوء خلو هذه المعارضة من العناصر الاصولية او السلفية التي تخشاها الولايات المتحدة والدول الغربية؟ او ايضا اذا كان هذا العرض يلقى وسيلقى دعما وتبنيا من روسيا والصين وايران على اساس انه الحل الممكن الذي يمكن السير به انطلاقا من انه يمكن ان يحفظ مصالح هذه الدول في سوريا المستقبل بعد رحيل النظام بالتفاوض معه في حين ان المعارضة الخارجية قد لا تفعل ذلك بعد الدعم العسكري والسياسي الذي قدمته هذه الدول ولا تزال للنظام السوري ومساعدته على البقاء؟

النهار

سوريا: لا للحوار نعم للمنتصر

غسان عيد

يشغل الحوار بوصفه الحل الوحيد للصراع في سوريا مكاناً متقدماً في تصريحات أطراف الصراع والمنخرطين فيه، والمنظّرين والمتابعين له، وإن كان بدرجات متفاوتة وبشروط مختلفة. ويرى الأفرقاء أنّ الحرب الدائرة الآن لن تلغي ضرورة هذا الحوار من منطلق أنّه لا مكان لمنطق الغلبة بين مكونات الشعب السوري على اختلافها. ويزيد هؤلاء ليصبغوا على فكرة الحوار صفة المطلق باعتباره الطريق الحتمي لدولة قادرة قوية ديموقراطية لكل أبنائها. إن في هذا الطرح تجاهلاً لخلفيات الصراع وتطوره وأدبيات المتصارعين وميدانيات الصراع الذي بات دموياً تتضاءل معه معقولية أي حوار، رغم المبادرات الدولية في هذا المجال. إنّ الصراع في سوريا لا ينحصر في أنّه داخلي بين «ثورة في مواجهة نظام ديكتاتوري فاسد» أو «دولة في مواجهة مجموعات إرهابية مسلحة»، بل يتعداه إلى اصطفافات إقليمية ودولية خلف كل من طرفي الصراع اللذين وإن كانا يحتلان الواجهة، إلا أنهما الأقل قدرة على التحكم بمجرياته وهي مفارقة مهمة في صراع يعتبر وجودياً بالنسبة إلى أطرافه الداخلية (بمعنى عدم إمكانية تعايش أطرافه معاً في نظام سياسي واحد)، وأقل وجودية بالنسبة الى أطرافه الخارجية.

ويعطي ذلك إمكانية لحلول وسط بين الأطراف الخارجية، بينما لا توجد مثل هذه الإمكانية بالنسبة إلى الأطراف الداخلية. لذلك، فإنّ حواراً يحمل نوعاً من الندية بين طرفي الصراع الداخليين (معارضة ـــ نظام) على الأغلب لن يتأتى إلا بضغط خارجي، وسيكون مبنياً على التوازنات الدولية التي ستشكل ثقل الأطراف المتحاورة وليس تمثيلها للشارع السوري. إنّ حواراً كهذا لن يلغي وجودية هذا الصراع الذي احتكم فيه طرفاه، أي المعارضة والنظام، للسلاح وهو احتكام سبّب وسيسبّب الكثير من المآسي للسوريين. لكن عدم وصول خيار السلاح إلى خاتمته المنطقية، وهي الحسم بين منتصر وخاسر سيكون كارثياً على سوريا الدولة وعلى السوريين وليس العكس. بمعنى أنّ الحوار المنادى به اليوم في ظل الظروف الداخلية والدولية القائمة والتحكم الخارجي بمجريات الصراع سيحول سوريا إلى لبنان آخر، حيث فرضت التوازنات الدولية والإقليمية على اللبنانيين في خضم حربهم الأهلية حلاً توّج باتفاق الطائف. هذا الاتفاق الذي يردد الآن بعض الدبلوماسيين إمكانية بحث شبيه له في سوريا (طرحت روسيا فكرة إقامة طائف سوري).

إن طائف لبنان لم يفض إلى قيام دولة قادرة قوية يطالب بها الأفرقاء اللبنانيون جميعاً حتى اليوم. هكذا دولة لربما كانت ستبرر الدماء التي سالت في الحرب الأهلية اللبنانية التي دفع ضريبتها المواطن اللبناني. المواطن الذي يدفع اليوم ضريبة عدم وصول الحرب إلى نتيجة توزع بموجبها اللبنانيون بين غالب ومغلوب، وهو ما ترك البلد على حافة الحرب الأهلية حتى اللحظة، فضلاً عن أنّ الأطراف اللبنانية ما تزال تهدد بإمكانية اندلاع هذه الحرب مجدداً، لأن أحداً لم يستطع احتكار العنف، وهو الشرط الأساس في بناء الدول. وما يزال لبنان، بعد أكثر من عقدين من الزمن على اتفاق الطائف، في مرحلة العبور إلى الدولة المعلقة على حبال التوازنات الدولية والإقليمية. وعليه، طالما احتكم طرفا الصراع السوري إلى العنف، فلا بد من أن يحتكره أحدهما، كشرط لبناء دولة قوية يرتسم في أفقها الاستقرار الذي يشكل قاعدة الديموقراطية والحرية والمنعة والعزة والكرامة، وكل الشعارات التي يرفعها كل من المعارضة والنظام على السواء.

إنّ مبدأ الغلبة لا يعني أن يعمد المنتصر الى إبادة الخاسر، بل يعني أنّ هناك طرفاً منتصراً سيعطي للنظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي في البلاد هويته ويرسم خطوطه العريضة، مع احترام الحد الأدنى من مطالب الخاسر. أي أنّ الاحتكام إلى السلاح يشبه أو يعتبر الوجه العنيف للاحتكام الى صناديق الاقتراع، لكن العنصر الحاسم هنا يتجسد في قوة السلاح التي لن يمكنها وحدها حسم الصراع دون أن يكون لها حامل شعبي. بمعنى أنّ المنتصر بالسلاح سيحظى بالأغلبية الشعبية، لأنّنا يجب أن لا نتجاهل أنّ ما يسمى الرأي العام لا يكون منقسماً بنسبة ثابتة بين المشروعين المتصارعين، بل تتغيّر هذه النسبة وفقاً لتطور الصراع بين طرفيه.

بالتالي، إذا كان المتصارعون في سوريا أوفياء لمبادئهم التي أعلنوها في بناء دولة قوية لكل السوريين، فعليهم أن يستمروا في طريق السلاح الذي سلكوه ليكتسب المنتصر شرعيته باحتكار العنف الذي من دونه لا قيامة لسوريا.

أما الحوار في هذه المرحلة، إذا كان جدياً، فسيحوّل الصراع من صراع مبدئي إلى صراع على السلطة يؤدي إلى تقاسمها بين أفرقاء يديرون دولة فاشلة لا يستفيد منها أحد من السوريين، بينما تكون فيها مصلحة للأطراف الإقليمية والدولية. لذلك نتمنى للسيد الأخضر الابراهيمي مصير سلفه كوفي عنان وأن لا تتعدى مهمته تقطيع الوقت في انتظار تتويج منتصر في سوريا.

* صحافي سوري

الأخبار

مؤتمر دمشق

علي إبراهيم

أيا تكن اعتراضات المعارضة السورية الرئيسية للنظام التي لجأت إلى السلاح على الأرض في وجه حملة القمع الشرسة، فإن ما طرح في «مؤتمر الإنقاذ» في دمشق أول من أمس بمشاركة 20 حزبا وتيارا سياسيا وشخصيات معارضة، له دلالته المهمة على أن النظام وحلفاءه بدأوا يدركون أنهم في طريق مسدود.

فقد لا يكون الحاضرون لهذا المؤتمر الذين تتهمهم بقية فصائل المعارضة بأنهم معارضة غير حقيقية، قد تحدثوا في بيانهم بشكل صريح عن رحيل الأسد، لكن بيانهم الذي جاء من قلب دمشق تحدث عن العمل على إسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته، وذلك تحت عين وفي قلب عرين النظام وآلته الأمنية والاستخباراتية وبحضور سفراء إيران وروسيا والصين التي يعتمد عليها النظام.

بقية البيان كلام لا يستطيع أحد أن يختلف حوله مثل نبذ الطائفية والمذهبية، وحماية المدنيين وفقا للقانون الدولي، واعتبار سوريا جزءا لا يتجزأ من العالم العربي، واعتبار الوجود القومي الكردي جزءا أساسيا من النسيج الوطني السوري، والتأكيد على وحدة سوريا وسلامة أراضيها.

النقطة الأهم هي الدعوة إلى وقف العنف فورا من قبل قوى النظام والتزام ما سماها البيان بالمعارضة المسلحة بذلك فورا أيضا تحت رقابة عربية ودولية مناسبة. ويبدو أن هذه هي نقطة الخلاف الرئيسية مع بقية فصائل المعارضة إذا تركنا جانبا الوزن الحقيقي لكل فصيل من فصائل المعارضة بما في ذلك المشاركون في المؤتمر على الأرض وبين الناس.

نظريا ومنطقيا؛ لا أحد ضد مخرج وحل سلمي للأزمة التي جرت فيها أنهار من الدم وتسببت في دمار هائل في المدن السورية وأرقام مهولة من اللاجئين والنازحين بخلاف المعاناة الإنسانية، ولا أحد لديه حرص على المصلحة السورية يكون سعيدا وهو يرى قتالا داخليا هو في النهاية بين أبناء الشعب الواحد، أو أن يرى الجيش السوري المفترض أن يكون جيش كل السوريين يستنزف بهذا الشكل وتشوه سمعته في معارك ضد أبناء شعبه من أجل سلطة تتشبث بالكرسي ضد رغبة شعب قال كلمته.

لكن بين التمني والواقع مسافة كبيرة، فالثورة السورية بدأت سلمية واستمرت هكذا لشهور طويلة.. مظاهرات يرد عليها بالرصاص والقمع الشرس ومحاولات إشعال صراع طائفي، ودعاية إعلامية لطمس حقيقة الغضبة الشعبية المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية، عن طريق شعارات يستخدمها النظام؛ هو نفسه يعرف أنها جوفاء.

بحور من الدم جرت، وعشرات الآلاف من الأسر شردت وهجرت منازلها، وأحياء بكاملها في مدن رئيسية أصبحت صورها تذكر بمشاهد أحياء بيروت خلال الحرب الأهلية، أو سراييفو خلال الأزمة اليوغوسلافية، وما زالت المدن تقصف بالطائرات، والثارات تتراكم، والنظام يعاند بما يجعل الحديث عن مخرج سلمي شديد الصعوبة. مع ذلك، فقد يكون ما طرح في مؤتمر دمشق يشكل مخرجا إذا وضعت له خطة عملية واقعية لها مصداقية ودعم عربي ودولي يقنع المعارضة المسلحة بأن ذلك ليس فخا، وأول خطوة في هذا الشأن هو إعلان النظام وقف إطلاق النار من طرف واحد، وسحب قواته من المدن وقبول هيئة انتقالية تضم تمثيلا حقيقيا وواقعيا للمعارضة الحقيقية بما فيها الجيش الحر والضباط المنشقون، تمهد لعملية انتقال السلطة. سيحتاج ذلك إلى معارضة موحدة برؤية مشتركة تؤجل الخلافات الآيديولوجية، كما سيحتاج ذلك إلى شخصيات من النظام لديها الشجاعة لتقول لقيادتها التي تحرك آلة القمع: كفى ما سببتموه من دمار ودماء.

الشرق الأوسط

مهمة انقاذ سوريا في مأزق مزدوج

رفيق خوري

لا أولوية تتقدم على انقاذ سوريا. وهو عنوان المؤتمر الوطني الذي جرى عقده في دمشق. مؤتمر بمبادرة من هيئة التنسيق للقوى الوطنية وحضور ممثلي عشرين حزباً من معارضة الداخل، بدعم روسي وصيني وايراني وحراسة امنية سورية. ولم يكن خارج المألوف ان يقاطعه بعض المعارضين في الداخل، ويهاجمه معارضو الخارج، وتنتقد صحف النظام بيانه الختامي. ولا ان يكون السفير الروسي احد الخطباء الاساسيين. لكن السؤال ليس كيف يمكن انقاذ سوريا، وهو الهم الكبير للسوريين، بل أين يقف اللاعبون وما الذي يريدون انقاذه؟ سوريا كدولة وشعب ودور أم النظام؟ مصالح الشعب السوري أم مصالحهم؟

سقف الحل الذي طرحه المؤتمرون عال جدا: اسقاط النظام بكافة مرتكزاته ورموزه. والأرض التي يقضون عليها متحركة وسط بركان من العنف والخيارات العسكرية المتصادمة. هم ضد التدخل الخارجي وعسكرة المعارضة وتسليح المدنيين، وان قبلوا ما هو نصف عسكرة عبر التسليم بدور الجيش السوري الحر الذي فرض قيامه لجوء النظام الى الخيار الأمني – العسكري، وصار جزءا من الثورة. وخيارهم هو النضال السلمي.

لكن المعادلة التي تحكمهم هي الوجه الآخر للمعادلة التي تتحكم بالمعارضين في الخارج. معارضو الداخل يريدون ان يأخذوا بالحل السياسي ما لا يستطيعون الوصول اليه ويرفضه النظام. ومعارضو الخارج يريدون ان يأخذوا بالقتال ما لا يستطيعون التوصل اليه في مواجهة النواة المتماسكة للنظام عسكريا وامنيا. فلا معارضة الداخل للتدخل العسكري الخارجي هي التي تمنعه اذا دقت ساعته على التوقيت الأميركي. ولا مطالبة معارضي الخارج بالتدخل العسكري وقرار ملزم في مجلس الأمن تبدل في مواقف الكبار المنقسمين.

فضلاً عن ان الممثل الخاص المشترك الأخضر الابراهيمي أخذ الدور ولا يزال يبحث عن خطة للحل السياسي. فلا في يده عقد مؤتمر دولي للحل تطالبه به معارضة الداخل، بصرف النظر عن كون مؤتمر كهذا اعلى مراحل التدخل الخارجي، ولا حكم معارضي الخارج على مهمته بالفشل يجعل الحل العسكري البديل ناجحاً.

ذلك ان المأزق مزدوج في سوريا. الحل العسكري في مأزق، سواء بالنسبة الى النظام أو المعارضين. والحل السياسي في مأزق محلي واقليمي ودولي. ولا شيء يوحي ان المخرج قريب، سواء بسبب عدم القدرة لدى اللاعبين على المسرح أو عدم الرغبة لدى اللاعبين في الكواليس.

واذا صدقنا ما يقال في العواصم عن مخاطر الوضع على سوريا وجيرانها والعالم، فان انقاذ سوريا هو مفتاح رد المخاطر ويجب ان تكون له الاولوية القصوى.

الأنوار

هل يتخلّى الأسد عن صلاحياته لمعارضة الداخل؟

سيناريوات إيرانية روسية أميركية للحل في سوريا

    اميل خوري

تتحدث أوساط سياسية عن ثلاثة سيناريوات تهدف إلى إخراج سوريا من أزمتها المتفاقمة وتحقق اولا وقف النار وأعمال العنف.

والسيناريو الأول تسوّقه روسيا وإيران ويقضي بأن يتخلى الرئيس بشار الاسد عن صلاحياته لحكومة انتقالية تتألف من أركان المعارضة الداخلية التي اجتمعت قبل ايام في حضور سفيري روسيا وايران وصدر عنها بيان يدعو الى تغيير النظام في سوريا وتغيير رموزه ايضا، وهو بيان ما كان ليصدر بهذا الوضوح لو لم يكن يحظى بتغطية اقليمية ودولية، وليس للتأكيد أن المعارضة في الداخل السوري تنعم بالحرية وتمارس الديموقراطية من دون عوائق أو ملاحقات…

والرئيس الأسد على ما تفيد المعلومات يوافق على التخلي عن صلاحياته للمعارضة في الداخل وليس للمعارضة في الخارج لأنه يعتبرها غير وطنية. وبعد أن يتخلى عن صلاحياته لحكومة انتقالية مؤلفة من أركان المعارضة في الداخل، فإنه يتنحى عن السلطة إذا ما وافقت معارضة الخارج على هذا الحل، وان اتصالات تجرى مع هذه المعارضة لحملها على الموافقة كي يصير في الإمكان تنفيذ المرحلة الأولى من الحل على ان تنضم معارضة الخارج الى معارضة الداخل في حكومة تشرف على انتخابات نيابية حرة ينبثق منها مجلس نيابي ينتخب رئيسا للجمهورية ويشكل حكومة تجري الاصلاحات المطلوبة وتسير بالبلاد نحو بر الأمان.

والسيناريو الثاني يجعل ايران تقوم بالمساعي اللازمة لدى الرئيس الاسد في محاولة منها للعب الدور الذي اضطلع به الرئيس حافظ الأسد عندما عرض على الولايات المتحدة الاميركية استعداده لارسال قوة من جيشه الى لبنان توقف الاقتتال فيه وتخرج المسلحين الفلسطينيين منه الى تونس. وقد تمت الصفقة على هذا الاساس وتخلى الاسد من اجلها عن تحالفه مع الاتحاد السوفياتي ولم يستجب دعوة مسؤولين سوفيات الى عدم ارسال جيشه الى لبنان لأنه سيصطدم بالاحزاب الحليفة لهم، وهو ما حصل فعلا. ولم تلجأ الولايات المتحدة إلى سوريا الاسد إلا بعدما أخفقت كل المساعي لوقف القتال في لبنان. وتمت تغطية هذه الصفقة الاميركية – السورية بقرارات صدرت عن قمة الرياض وقضت بتشكيل “قوة ردع عربية” من دون ممانعة اسرائيلية لأنها تكسب التخلص من المقاومة الفلسطينية في لبنان التي تحول دون جعل جبهة الجنوب معها هادئة، في حين كسبت سوريا وصاية على لبنان دامت ثلاثين عاما خلافا حتى لما نص عليه اتفاق الطائف الذي حدد مدتها بسنتين. وكان مسؤولون لبنانيون كلما طالبوا مسؤولين اميركيين بالمساعدة على انسحاب القوات السورية من لبنان يجيبون انهم يخشون ان يكون البديل من نظام الرئيس الاسد اذا ما صار الاصطدام معه “الاخوان المسلمين”…

أما السيناريو الثالث فهو ان يكون للولايات المتحدة الاميركية موقف حاسم وحازم من الوضع في سوريا بعد الانتخابات الرئاسية، ولا تترك ايران او روسيا تستأثران بالحل في سوريا خصوصا اذا لم يكن يحمي مصالحها الحيوية في المنطقة.

ويقول معارضون سوريون في الخارج هم على اتصال بعواصم القرار انه يستحيل بعد سقوط 40 الف قتيل ومئات آلاف الجرحى والمعتقلين وملايين النازحين والمهجرين وتدمير المدن والقرى ان تتوقف الثورة الا بعد سقوط النظام ورحيل الاسد حتى وإن ادى ذلك الى تدخل عسكري اميركي مباشر او غير مباشر، وان صحفا اميركية بدأت تنشر مقالات تقول فيها ان القضية السورية اصبحت تهم الشعب الاميركي ولم يعد في استطاعة اي ادارة اميركية تنبثق من الانتخابات الرئاسية السكوت عما يجري في سوريا، فاسقاط الرئيس الاسد يعني انهاء الدور الايراني في المنطقة، وان العقوبات الاقتصادية في كل المجالات قد تخلق مشكلة اجتماعية تحرك الشارع الايراني، وان العجز الاقتصادي يبعد عن اميركا ودول المنطقة رعب الخوف من التهديدات الايرانية بالاسلحة النووية، ولاسيما دول الخليج العربي حيث النفوذ الاميركي، وتقطع الطريق بالتالي على نمو الحركات الجهادية التي تهدد مصالح دول الغرب عندما تجف مصادر تمويلها.

ومن الآن الى ان تنتهي الانتخابات الرئاسية الاميركية تكون مهمة الاخضر الابرهيمي كفرصة اخيرة للحل قد انتهت بنجاح او فشل، وبعدها يبدأ البحث في اي من السيناريوات الثلاثة سيأتي بالحل السياسي او العسكري تنفيذا لدعوة الرئيس أوباما من الجمعية العمومية للامم المتحدة الى “انهاء نظام الاسد”.

النهار

الشعب السوري يستحق الحياة ايضا

عبد الباري عطوان

من المفترض، وبعد تسعة عشر شهرا من بدء الانتفاضة السورية، ان تكون الامور اكثر وضوحا، وان يكون غبار المعارك قد هدأ، وتمت عملية الحسم العسكري لهذا الطرف او ذاك، ولكن الحقيقة مغايرة لذلك تماما على الارض وفي كواليس السياسة العربية والدولية.

كنا ننتظر ان يقدم الينا السيد الأخضر الابراهيمي المبعوث الدولي المخضرم والخبير في النزاعات والحروب الاهلية، صورة اوضح، وملامح مخارج من الأزمة افضل من النقاط الست لسلفه كوفي عنان، وهو الذي يجيد اللغة العربية، ولكنه وفي التقرير الذي قدمه الى مجلس الامن الدولي فسّر الماء بالماء، عندما قال ‘ان الحرب في سورية تتفاقم، وان النظام الذي التقى رئيسه لعدة ساعات يزداد قناعة بان الحرب الدائرة في البلاد هي مؤامرة من الخارج’، بالنظر الى تدفق المقاتلين الاجانب الى سورية وفاق عددهم 5000 مقاتل.

فإذا كان السيد الابراهيمي لا يملك اي ‘خطـــة عمل’ في الـــوقت الراهن، وان خطة عنان تبــقى ‘افضـــل سبيل’ فلمــاذا قبل هذه المهمة، ولماذا افشلت القوى المتصارعة على الارض السورية مهمة الاخير؟

اسئلة كثيرة محيّرة، وما هو اكثر حيرة منها هو اجتماع المعارضة الداخلية في قلب مدينة دمشق بحضور سفراء روسيا والصين وايران والجزائر، واصدار بيان ختامي ليس بإطاحة الرئيس بشار الاسد بل تفكيك النظام السوري،مما يضمن بناء الدولة الديمقراطية المدنية والتأكيد على نبذ الطائفية، وكل ما من شأنه تقسيم المجتمع على اسس ما دون الوطنية، مع التأكيد في الوقت نفسه على النضال السلمي كاستراتيجية ناجعة لتحقيق اهداف الثورة.

كلام جريء وشجاع، لانه يقال من داخل عرين الاسد، ولكن ما هو محيّر اقدام المخابرات الجوية السورية على اعتقال السيد عبد العزيز الخير واثنين من زملائه اعضاء هيئة التنسيق نفسها، بعد وصولهم من بكين مباشرة التي زاروها بدعوة من القيادة الصينية.

‘ ‘ ‘

الدكتور هيثم منّاع احد ابرز قادة هيئة التنسيق هو الذي اتهم المخابرات الجوية باعتقال زملائه، وطالب بالافراج عنهم فورا، وهو ما لم يحدث حتى كتابة هذه السطور، وقد لا يحدث قريبا حسب تجارب سابقة تحفل بها ملفات المعتقلين في اقبية المخابرات السورية.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: اذا كانت السلطات السورية تتحمل عقد مثل هذا المؤتمر للمعارضة الداخلية الذي يطالب بسقوط كل رموزها، بمن في ذلك الرئيس، فلماذا تعتقل السيد الخير وزملاءه، وهم الذين زاروا دولة حليفة لهم، ولم يزوروا واشنطن او باريس او الدوحة او الرياض؟ ثم ماذا يمكن ان يطالب هؤلاء القيادة الصينية اكثر مما قاله زملاؤهم في المؤتمر حتى يتعرضوا للاعتقال؟

ألغاز ولوغاريتمات كثيرة صعبة التفسير تزداد صعوبة مع استمرار الأزمة السورية، وتواصلها شهرا بعد شهر، في ظل ارتفاع مرعب لأعداد القتلى واللاجئين في الداخل والخارج.

المجلس الوطني السوري الذي كان ملء السمع والبصر في فترته الغليونية الاولى، تراجعت مكانته كثيرا لصالح القيادات الميدانية للجيش السوري الحر، وباتت مسألة التمثيل السياسي للمعارضة تمرّ بمرحلة تنطوي على الكثير من الضبابية. فأين الحكومات الانتقالية، واين المؤتمرات التوحيدية، واللقاءات مع المسؤولين العرب والاجانب؟

ما يؤلمنا هو ما يلحق بالشعب السوري من عذابات في ظل عمليات القتل والدمار التي تتعرض لها بلاده، والتنكر العربي والدولي له في ظل استمرار النظام في حلوله الامنية الدموية وعسكرة انتفاضته، وتدفق المقاتلين العرب والاجانب.

السيد الابراهيمي قال لأحد اصدقائه انه اصيب بصدمة مما شاهده في مخيم الزعتري في الاردن، حيث يقيم حوالى خمسين الف لاجئ سوري في ظروف معيشية لا تليق بالحيوان، وانا انقل وصفه حرفيا.

هذا الشعب الكريم الذي لم يقم مخيما واحدا لمليون لاجئ عراقي تدفقوا عبر حدوده، ومن قبلهم 200 الف لبناني اثناء الاجتياح الاسرائيلي لجنوب لبنان في حرب تموز عام 2006، وقبلهم مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، هذا الشعب تقفل الحدود في وجهه ويواجه بنكران الجميل، بل محاولة استغلال بناته بشكل بشع من قبل بعض المهووسين جنسيا من بعض الذين يدعون حمايته ومساعدته في محنته طلبا للتغيير الديمقراطي المشروع.

‘ ‘ ‘

السوريون فتحوا قلوبهم قبل بيوتهم لكل اللاجئين العرب، واستوعبوا ابناءهم في مدارسهم، وعالجوهم في مستشفياتهم على قدم المساواة مع ابنائهم، واقتسموا معهم لقمة الخبز، يواجهون الآن بنكران الجميل وغلق الحدود، ويتعرضون لابتزاز السماسرة السياسيين قبل منتهزي الفرص وتجّار الحروب.

لم تعد المسألة توجيه اللوم الى هذا الطرف او ذاك. وقبل ان توجه الينا الحراب المسمومة الجاهزة، نقول بأعلى صوت ان النظام هو المسؤول الاكبر، ولكن المهم الآن هو البحث عن طريقة لإنقاذ هذا الشعب، وانقاذ هذا البلد من الدمار، فهذا يتقدم على كل المزايدات وتبادل الاتهامات.

تسألون ما هو الحل؟ اجيب: اذا كانت الامم المتحدة وقبلها الجامعة العربية، والولايات المتحدة فيما بينهما، وفوق كل هذا وذاك تركيا، عجزت جميعا عن ايجاد الحلول فهل نستطيعها نحن؟

ما يمكن ان نقوله ان الشعب السوري هو الذي يدفع الثمن من دمه وأمنه ووطنه، والكاسب الاكبر هم تجّار الحروب، والذين يقفون خلفهم ويريدون تمزيق هذا البلد وتدمير جيشه، وكسر كرامته، لمصلحة اعداء هذه الأمة.. وما اكثرهم.

القدس العربي

السبت

مآل المعارضة في سورية

مصطفى زين

تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى تغيير النظام السوري، ليس حباً بالشعب المطالب بحريته وكرامته، ولا دعماً للسنة في مواجهة الشيعة (بالمعنى الأيديولوجي الديني) ولا كرهاً ببشار الأسد والطبقة الحاكمة في دمشق. من البداهة القول ان للتغيير المنشود هدفاً سياسياً محدداً. هدف يعرفه النظام وتعرفه المعارضات، السلمية والمسلحة، ويعرفه «الجهاديون» وغير الجهاديين. ولم تكن الإجتماعات واللقاءات المتكررة في اسطنبول والقاهرة وباريس وغيرها لتوحيد هذه المعارضات سوى محاولة لإيجاد طرف سوري له حضور على الأرض ليكون ذريعة للإنقضاض على النظام وإنهائه بما يخدم الهدف السياسي المنشود. والهدف ليس سراً، هو معروف منذ أيام الأسد الأب، وما زال هو ذاته في عهد الإبن: الإبتعاد عن إيران ووقف دعم «الإرهابيين» في لبنان وفلسطين. أي «حزب الله» وحركة «حماس» قبل أن تلتحق الأخيرة بمسيرة «الإخوان المسلمين» الذين يعيشون ربيعهم في تونس ومصر، وفي ليبيا، على رغم الصراعات المستعرة في طرابلس.

إنطلاقاً من هذه البداهة، وفي هذا الإطار جاءت مواقف وتصريحات المسؤولين في «المجلس الوطني» فور تشكيله وخلال مؤتمراته الكثيرة ولقاءاته مع الأوروبيين والأميركيين، رسميين كانوا أو غير رسميين. كان خطاب هؤلاء موجه إلى الخارج لطمأنته إلى أن ما طلبه من دمشق ولم تلبه سيكون من أولويات «النظام الجديد»، واستخدمت في هذا الخطاب كل مفردات الليبيراليين الجدد، الأصيلين والمقلدين. لكن هيئة التنسيق رفضت هذا التوجه. ورفعت لاءاتها الثلاث: لا للتدخل الخارجي. لا للسلاح. لا للطائفية.

بررت الهيئة لاءاتها هذه بأن عسكرة الإنتفاضة يفسح في المجال للتدخلات الخارجية، وهذا ما هو حاصل الآن. ويقول رئيسها في الخارج هيثم المناع أن ما من ثورة مسلحة إلا وأفرزت ديكتاتورية، بدءاً بالثورة الفرنسية التي توجت بإمبراطورية نابوليون بونابرت الإستعمارية، قبل أن يهزم وتعود قيم الثورة إلى الظهور مع الجمهورية الثانية، وليس انتهاء بالثورة البولشيفية التي كرست ديكتاتورية البروليتاريا (إقرأ الحزب) في الإتحاد السوفياتي السابق.

أصرت هيئة التنسيق التي عقدت مؤتمرها في دمشق على هذه الطروحات. وهذا ما أخذه عليها معارضو الخارج الذين لا يرون إمكاناً للعودة إلى سلمية التحرك وسط نهر الدماء والدمار في كل أنحاء سورية، وبعد تأسيس واقع عسكري جذب قوى وتيارات، داخلية وخارجية، لا يستطيع احد التحكم بها، بعضها يسعى إلى إقامة ديكتاتورية مقدسة، بدلاً من الديكتاتورية الفردية.

حقيقة الأمر أن معارضي الخارج، ما زالوا يرفضون أي حوار مع النظام، ويرون في ذلك «خيانة للثورة»، معتمدين على تأكيدات أردوغان أن سقوط الأسد مسألة وقت، غير آخذين في الإعتبار مخاوف «التنسيق» من تفكك الدولة إلى دويلات، أو تقسيم السلطة بين الأعراق والطوائف، على غرار الحاصل في العراق.

سورية تسير في هذا الإتجاه، ما لم تعترف المعارضات ببعضها وتضع برنامجاً واحداً للتغيير يأخذ مؤيدي النظام في الإعتبار، هذا مآلها الذي يرضي مؤيدي «الثورة» ويقضي على حق الشعب في الحرية والكرامة.

الحياة

السبت

سوريا…”الواقعية” و”الوطنية“!

غازي العريضي

حتى نهاية الأسبوع الماضي كان المسؤولون السوريون يكرّرون – ولو بعد فوات الأوان- الحرص على الحوار والحل السياسي على قاعدة رفض التدخل الخارجي والحصول على تعهدات بعدم تسليح المعارضة وتحويلها وإرسال المقاتلين إلى الداخل، ويؤكدون أن الحوار لن يكون إلا مع الذين لم يحملوا السلاح، هؤلاء هم المعارضة الوطنية.

في نهاية الأسبوع انعقد مؤتمر “هذه المعارضة” المنضوية في إطار هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي. الهيئة التي ترفع العناوين ذاتها التي كررها وأكدها المسؤولون السوريون مع فارق جوهري أنها تريد التغيير، وهنا بيت القصيد والموضوع الأساس المرفوض من النظام. كلمة التغيير غير مقبولة فكيف التغيير الذي أعلن عنه في المؤتمر بحضور ممثلين عن إيران وروسيا والصين الدول الداعمة للنظام، والتي تطرح في كل المنتديات العناوين التي أشرنا إليها؟ المؤتمر كان غاية في الأهمية بغض النظر عن الخلافات داخل صفوف المعارضة. وبين معارضة الداخل ومعارضة الخارج، أو بين مؤيد للحل العسكري ورافض له، ومؤيد للتدخل الخارجي ورافض له وهيئة التنسيق موجودة في الداخل. تضم عناصر مختلفة في صفوفها. استقوى النظام بها لناحية القول إن المعارضة موجودة، وهي تعمل بحرية تامة. ولها دورها وموقفها وحقها في المطالبة بالتغيير وتحميها بذلك الإصلاحات التي أقرّت حتى الآن. كذلك فإن قنوات اتصال قادة الهيئة مع كل من روسيا والصين وإيران وعدد آخر من الدول مفتوحة، وما صدر عن مؤتمرها ومن الداخل شكّل نكسّة وصدمة للنظام، أدّت إلى ردّ فعل أسقط كل المواقف السابقة.

أولاً عشية انعقاد المؤتمر، وإثر عودة وفد من الهيئة من الصين يضم رموزاً مثل عبد العزيز الخير،(شخصية علوية محترمة)، والمهندس إياد عيّاش والسيد ماهر طحاّن، تم اعتقالهم.

وهذا العمل أدى بالسيد هيثم مناع الموجود في الخارج والمعروف بقنوات اتصاله مع بعض الداخل في النظام والمعارضة، والممّيز بمواقفه عن كل المعارضين في الخارج لناحية إصراره على الحوار وعدم التدخل الخارجي والعسكرة، أدى هذا العمل إلى عدم مشاركته التي كانت مقررة في مؤتمر الحوار “رغم الضمانات الكثيرة التي قدمت إليّ” كما قال!

ذا التصرف شكّل صفعة للصين وروسيا وإيران. إذا كانت المعارضة المقبولة من قبلهم، والتي تعلق عليها الآمال ستكون معتقلة إثر عودة وفد من الصين، فأي حوار سيعقد وأي حل سينتج؟ وكيف الوصول إلى الحل السياسي؟

ثانياً: بحضور سفراء إيران وروسيا والصين، ومن قلب دمشق صدر البيان الختامي للمؤتمر محمّلاً السلطة مسؤولية اندلاع العنف واستمراره والاستناد الدائم إلى الحل العسكري، داعياً إلى تغيير النظام بكل رموزه! لغة جديدة واضحة من قلب العاصمة السورية. المطلوب تغيير حقيقي. تغيير كل الرموز… يعني هذا هو الحل السياسي، الذي يجب أن يبدأ بمرحلة انتقالية.

في التصريحات التي أدلى بها ممثلو إيران وروسيا والصين أبدوا ارتياحاً للخطوة، لكن سرعان ما ظهر غضب السلطة من خلال موقف للقيادة القطرية للبعث: عنوانه “الواقعية والوطنية”! نعم الواقعية الداعية إلى التمسك بالأمر الواقع عملياً من خلال التأكيد “إن الحد الأدنى من الواقعية الوطنية يتطلب من أي تيار وطني التمسك بالحل السياسي الوطني الصرف في إطار الحوار الداخلي بين السوريين مع الإصرار على مواصلة مكافحة الإرهاب وتقديم الدعم بكل أنواعه للجيش والقوى الأمنية في أداء واجبها لحماية السوريين كلهم بغض النظر عن مواقفهم وآرائهم واتجاهاتهم السياسية. وإن إصرار بعض قوى المعارضة على تأويل برنامج النقاط الست الذي أيّدته سوريا وورقة جنيف يلقي اللوم على عاتق الدولة السورية هو نهج تجاوزته الأحداث، وحديث هذه القوى عن وقف العنف دون التركيز على أسبابه من تدفق السلاح والمال والتحريض الإعلامي والسياسي، يأتي في سياق ترجمة قوى العدوان الخارجي”!

هيئة التنسيق ردت بالقول: “إن الذي يستدعي التدخل العسكري الخارجي في سوريا والذي جعل سوريا مشرّعة الأبواب لكل متدخل في شؤونها هو الذي يصّر على نهجه الأمني والعسكري في التعامل مع مطالب الشعب السوري المحقة”! ورفضت الهيئة: “التهديدات المبطنة لكن الواضحة”، التي انطوى عليها بيان البعث ودعت إلى اطلاق سراح الخير وعياش وطحان، وجميع المعتقلين السوريين!

هذه المواقف صادرة من معارضة الداخل، الرافضة للعسكرة والتدخل الخارجي والمعترف بها. ومع ذلك فهي أصبحت قيد الاعتقال والتهديد. من هو المقبول إذاً في سوريا؟ ومع مَن سيكون الحوار؟ أمع القيادة القطرية لــ”البعث”، التي ظهرت اليوم وبعد طول غياب منذ إندلاع الأزمة، لتتولى هي الرد على مطالب “داخلية”؟

على كل حال، هذا التطور ترافق مع كلام للموفد العربي الدولي الأخضر الإبراهيمي قاله أمام أعضاء مجلس الأمن، وفي أكثر من لقاء دعا إلى الخروج من الماضي، وترك لغة وعقلية الماضي فالمطلوب هو “التغيير” وليس الإصلاح اليوم!

وأعطى إشارات واضحة عن عدم تفاؤله بعد لقائه بالرئيس الأسد. وكل التحركات التي حصلت خلال الأيام الماضية والمواقف التي صدرت من تركيا وروسيا وإيران وعدد من الدول الغربية والعربية بعد اجتماعات لجان الاتصال في القاهرة، واجتماعات نيويورك، تشير إلى أن سوريا غارقة ولفترة طويلة في حروب تذكّر بما جرى في لبنان لسنوات طويلة وعلى مدى أوسع وأكبر وأخطر نظراً لحجم ودور وموقع وأهمية سوريا. حرب الحروب هي حرب كل شيء. الدول والمخابرات والمصالح الكبرى كما المصالح الصغيرة في الزواريب والمناطق والشوارع هنا وهناك. وأخطر ما فيها الفوضى. الفوضى الشاملة في كل مكان والدمار الذي يعّم سوريا التي ستحتاج إلى سنوات طويلة لتقوم منه في ظل ما ينتظرها من جهة والواقع الاقتصادي المالي العالمي من جهة أخرى.

وفي هذا السياق يستمر القتل ويدخل على الخط ومن كل خطوط التماس الحدودية إنْ صح التعبير كل أشكال المقاتلين ويزداد تدفق “المتطرفين” كما يسمونهم أو “الجهاديين”… أو غيرهم. والذي حاول النظام الاستفادة منهم للتأكيد أن العملية ليست إصلاحاً وتغييراً إنما هي محاولة لتسليم السلطة إلى هذا النمط من القوى والتفكير. ونجح إلى حد ما في ذلك، وساعدته دول في النجاح عن قصد وغير قصد. لكن ما جرى مع هيئة التنسيق في الأيام الأخيرة ومع الإصرار في الاستمرار بالذهنية ذاتها المبنية على الحسم العسكري وضرورة استئصال كل هذه المعارضات مع إقرار كل الدول، وعلى رأسها حلفاء سوريا بأن ليس هذا هو الحل، إن كل ذلك أدّى إلى سقوط جديد لهذا المنطق وكأن ثمة من نظم إنقلاباً على نفسه من خلال التناقض في المواقف والمفاهيم والمعايير وعدم الإصغاء حتى إلى الحلفاء!

سوريا وللأسف تدمّر، والملايين فيها تهجّر في الداخل وإلى الخارج. طابع مدنها التاريخية والأثرية والغنية يتغيّر بعد مقتل أركانها العسكريين استهدف مبنى هيئة الأركان أكثر من مرة حتى هوجم في الأيام الأخيرة مباشرة، وكانت حرب حقيقية في داخله وخارجه. هذا مبنى أركان الجيش العربي السوري! ورغم كل ما نراه فإن النتائج الكارثية لم تظهر بعد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً ووطنياً. وستكون مفاجئة لكثيرين عندما تتوقف تلك الحروب. هذا ما علمتنا إياه الحروب المماثلة وآخرها الحرب اللبنانية التي خبرها السوريون جيداً، وكانوا الأساس فيها إدارة وتأثيراً وشراكة مباشرة في بعض الأحيان، والتي لم نخرج من نتائجها بعد. الوطنية والواقعية تقضي بالاستفادة من هذه الدروس!

غازي العريضي

وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى