مقالات تناولت مؤتمر الدوحة
مؤتمر الدوحة ومستقبل سوريا
أنور بن ماجد عشفي
يعتبر مؤتمر الدوحة مرحلة فاصلة في الموقف الاستراتيجي في سوريا، إذ إنه ركز على نوع الهيكل السياسي الذي ينبغي أن يأتي بعد الأسد ونظامه، مع أن النظام في سوريا لا يزال قائما، وأن طريقة إنهائه تستلزم إعداد من سيعجل بسقوطه. إن الصراع القائم بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة تنبئ عن أن الأسد يتجه نحو الاندحار، ومع أنه لا يمكن التنبؤ بالإطار الزمني الذي يتم فيه إسقاط النظام، إلا أن الموقف يؤكد على أن النظام لا يزال مسلحا بشكل جيد، لكن حرية الحركة لديه قد تقلصت على الأرض.
فالمقاتلون من المعارضة يستعدون لتحديد مسار السياسة السورية، كما أن نفوذ العناصر المسلحة أخذت تتنامى، لكن التمييز بين المقاتلين والنشطاء السياسيين أصبح يشكل صعوبة بالغة، والتطور الزمني يؤكد على أن كثيرا من النشطاء اصطفوا إلى جانب الجماعات المسلحة، التي أصبحت أكثر تنظيما. لقد انصب الاهتمام الأمريكي على العناصر الخارجية التي يأتي في مقدمتها المجلس الوطني، ومع هذا فإن اتصال المجلس المباشر محدود مع العناصر التي تقود المعركة في الداخل، لهذا جاء التركيز على نوع الهيكل السياسي الذي يجب أن يأتي بعد الرئيس بشار ونظامه.
فالعناصر المعارضة المسلحة في الداخل تعبر على الدوام عن إحباطها من المجلس الوطني السوري الذي لا يوفر لها الدعم الكافي، لهذا جاء مؤتمر الدوحة لإيقاف التدهور الذي قد يفضي إلى صراع طائفي من شأنه أن يزعزع الاستقرار في المنطقة بأسرها. ما نأمله هو أن يساهم مؤتمر الدوحة في إيجاد معارضة سورية موحدة وليست مشرذمة؛ لأن تشرذم المعارضة في مصلحة النظام.
عكاظ
أمريكا/المعارضة: إسقاط الثورة أو إسقاط النظام!
مطاع صفدي
في السياسة الأمريكية لا تحدث المنعطفات الكبرى مع تغيّر أشخاص المسؤولين الكبار، فكما يُقال: لأن الدولة الأمريكية قائمة على مؤسسات دستورية راسخة وثابتة، فإن مسيرة السياسة هي نتاج إستراتيجية شاملة، قد تتبدل خلالها وسائلُ فهمها وتنفيذها. أما أهدافها الرئيسية، فلا ينالُها شيء من التحوير إلا لأسباب قاهرة. على هذا الأساس، لا يمكن أن يتوقع العرب من (أوباما) الثاني تغيّراً يُذكر بالنسبة لـ (أوباما) الأول، في مجال أوضاعهم الإقليمية.
فقد اعتاد إعلامُنا على طرح التنبؤات والتوقعات مع كل تجديد رئاسي للدولة العظمى (أمريكا). وذلك منذ أن أصبحت أمريكا فاعلاً شبه أوحد في مصائر القضايا العربية الكبرى. فليس غريباً القول أن الجانب المتعلق بهذه القضايا من تلك الاستراتيجية الشاملة لم تدخل عليه أيُّ تعديلات جذرية، طيلة نصف القرن الأخير على الأقل. فلا يكاد شخص الرئيس أن يكون أهم من الشخصية المفهومية للدولة الأمريكية، بل يحدث غالباً أن التغيير يصيب الشخص تحت تأثير تلاؤمه مع هذه الشخصية المفهومية للكيان السياسي الأكبر وليس العكس.
فإذا أردنا أن نحدد خصوصية الممارسة للرئيس الأسمر خلال سنواته الأربع المنقضية، شعرنا تماماً أن الذي تغيّر قليلاً أو كثيراً هي أحلام الرئيس ووعوده، وليس أبداً هو المفهوم الجذري للسلوك الأمريكي خارجياً. أما أن يُراهن البعض أن الرجل سوف يكون أقوى من الكرسي الذي يحتله خلال الرئاسة الآتية، إذ يصبح أكثر حرية وأقدر على فرض آرائه، وأسرع في تنفيذ قراراته، فتلك رهانات برهنت تجارب الرئاسات السابقة، أنها سطحية ولا جدوى منها. ومع ذلك لعلّ كل هذه الوثبات المنتظرة تتطلب أن يكون الرجل عند حُسْن ظن المؤمنين برسوخ عدالته، شرْط ألا ينتظروا ما يُشبه المعجزات في تصرفاته القادمة.
لسنا، نحن العرب، وحدنا في قرية الأرض الذين يُشغلهم الحدث الأمريكي الرئاسي، كأنه يقع في ديارنا وبين منازلنا. فأوروبا غارقة، شرقَها وغربَها، في التحليلات والتوقعات، وهي في جملتها تحدوها آمال تجديد الثقة بالقائد الأسمر العالمي. فمنذ زمن طويل، أصبحت أمريكا أشبه بالدولة العالمية، وبقية الدول كأنها ولايات ومقاطعات تجري في أفلاكها متباعدةً أو متقاربة، لكن جميعها لها مركزية واحدة تقع ماوراء الأطلسي، هذا بالرغم من اختلاف العلاقة والموقف بين كيانات الأطراف والقيادة الرئيسية. إنه الوضع الذي جعل الرؤساء المتتابعين على عرش البيت الأبيض، متفاوتين في إحساسهم بحدود مسؤوليتهم الكونية، كأنما لم يعد ثمة خصوصية ضيقة لأية قرارات أمريكية خالصة، بل لا بد لها من الأصداء المترامية الأطراف في أنحاء الدنيا تحبيذاً أو رفضاً لها. قد يصدق هذا القانون أو شبه القانون بالنسبة للوقائع التاريخية ذات البعد الشمولي، وخاصة منها تلك الموصوفة بالأزمات الدولية من اقتصادية وعسكرية وسواها. وتتعاظم هذه المؤثرات وقت الكوارث المحلية، لتصيب ما هو أوسع حجماً وآفاقاً.
عالمنا العربي هو ساحة أمريكية بامتياز، ربما أمسى يتلقى أفاعيل متغيراتها جميعها أكثر من سواه. هناك من يرى في الكثير من دولنا أنها أشبه بمحميات أمريكية خالصة. أما الدول العربية الأخرى، فهي إما أن تكون مرشحة لدور المحمية، أو أنها مكافحة بشكل ما ضد السقوط في وعثائها. وبالتالي فإن شعوبنا العربية تشعر بأن (أوباما) كأنه أمسى رئيسها الفعلي الذي تنقاد تحت إشارته بقية السلطات الوطنية لمعظم هذه الشعوب.
أما الربيع العربي، فهو أتى بالثورة الوحيدة الشمولية ضد التبعية للطغيان بأوسع معانيه وامتدادات شروره. وفي الحس العربي العفوي، تبدو أمريكا والطغيان كأنهما توأمان. فالربيع هو في جوهره الثائر ضد الطغيان، لا بد له أن يحسب كل حساب لتوأمه المضاد: أمريكا، والثورة السورية تقدم لنا هذه الحكمة الأولية، فلم يكن ليتقوَّى عدو هذه الثورة الأول الذي هو النظام الأمني العسكري الأسدي لو لم يكن التوأم الآخر لهذا النظام ـ وهو مركزية الطغيان متمثلةً في الاستراتيجية الأمريكية الشرق أوسطية ـ قرر أن يطيل بعمر هذا الدم المسفوح مدراراً كل يوم. إنه قرار أكثر وحشية من الوحوش الفعلية التي يمنحها حرية الممارسة خارج كل قانون دولي إنساني. كلما أصبح الهدف هو تأجيل نهاية النظام من موعدٍ إلى آخر؛ كأنما لن يأتي حدّه الأخير يوماً ما قريباً، غير أن من عجائب أسرار هذه الاستراتيجية الملغومة أن تغدو (بعض) الضحية نفسها محتاجةً بصورة ما إلى دعم الجلاد أو أعوانه للإبقاء عليه، وليس لانتصارها عليه.
تحدث هذه العجيبة مع مسيرة هذا الانفصال المتمادي بين ما يُسمّى ثوار الميدان الداخلي ومعارضة الخارج. فهل، هذه الجبهة الثانية إنما أصْطُنعت أو صَنعت هي من نفسها حاجزاً غير مرئي بين الثورة وإنجازها الحاسم..
(أوباما) الثاني لن يلجأ إلى تكرار بعض سلوكه السابق في التنصّل من مسؤولية الدولة العظمى عن أمن عالمي يخترقه وحشٌ محليٌ إقليمي لا رادَّ له يوقف فظاعته؛ هل صار (أوباما) مضطراً حقاً للانتقال من استراتيجية المراوغة الدبلوماسية إلى نوعٍ من أفعال التغيير على الأرض، هل ينصبّ بعض اهتمامه الأول على أحوال هذه المعارضة الخارجية انطلاقاً من فكره أن الجبهة الموحدة أصبحت ضرورة لا يمكن تجاوزها، وفي الوقت عينه تتابع الثورة مخططها الذاتي، ترفع شعار: أوان الزحف إلى دمشق، لن تبقى معاركها مشتتة الأطراف والجبهات الصغيرة العرضية هنا أو هناك، فالعاصمة هي التحدي الأكبر الذي ينتظر المجهود الأهم لثورةٍ طال صبرها، وقدّمت أروع التضحيات حتى اليوم، فهي وحدها تستحق الفوز بنصرها العظيم قبل أن تسرقه منها مخططات ‘المؤامرة’ المعروفة المجهولة.
بينما كانت تقتصر إنجازات ‘المعارضة’ على التحرّك الدائري في مجال اللقاءات والمؤتمرات والبيانات، يتابع شباب الثورة تصدّيهم اليومي للوحش بصدورهم العارية، هؤلاء يصنعون مستقبل سورية والمنطقة معها، وإذا كان لنا أن نخشى على مصيرها فلا بدّ لنا من أن نصارح أطراف المعارضة بالقول: أن ما يتوجب عليهم أخيراً كتعويض عن مراحل الكسل والعقم السابقة، هو أمرٌ واحد: تعديل ميزان القوى لمرةٍ أخيرة لصالح الثوار ضد الزبانية، بدءاً من إمداد الثورة بالأسلحة النوعية المطلوبة، والعون الإنساني لحاضناتها المدنية معها وخلفها.
فلا معنى لأية صيغ جديدة من ملفوظات الجمع والتوحيد بين شراذم المعارضة إن لم يتحقق هذا التجاوز الأوحد المتبقي، وهو أن تغدو المعارضة مجتمعاً إنتاجياً لأدوات الثورة المادية والمعنوية، ذلك هو الخط الأعلى للمغامرة الفاصلة.
إنها الوحدة الحقيقية المطلوبة بين عون الخارج ونضال الداخل، ولا شيء آخر يمكن أن يتدخل من أطرافها إلا إذا بدّدها وشرذمها من جديد.
إنها وحدة الممارسة الثورية المتمردة على كل العناصر الطارئة عليها، والمغتربة عن لسانها ولحمها وعظمها، إنها الوحدة العملية الفريدة التي تجعل كل الأغراب يُفاجأون بأحداثها، ينتظرون إنجازاتها دون أن تنتظر هي أحداً بعيداً عن اسمها ووطنها، فلندع (أوباما) جالساً في غرفة الانتظار وحده، يترقب ماذا يمكن لوحدة الممارسة السورية أن تفعله مجدداً.. أصبح اللاتدخل الأوبامي مطلباً صميمياً لمستقبل الثورة، شرط أن لا يشوب هذا الموقف أية آثارٍ من تدخلاته السابقة المانعة والعاملة على تأجيل ثمار الثورة بحجج واهية.
الأهم من كل هذا هو اجتماع كلمة الجبهات المفتوحة في سورية حول الهدف الذي ينبغي ألاّ تعتريه أية تحريفات تلحق بها من أمزجة متباعدة عن بعضها؛ ما يعنيه مصطلح الوحدة الثورية ليس هو اجتماعاً كمياً لتيارات واتجاهات وأيديولوجيات متوزعة ومتعارضة فيما بينها، فالجبهات تفترض تآزر العمل الثوري ما بين قواعده وقياداته المنسجمة فيما بينها، ولقد تخطت تجارب الثورة السورية أشكالاً مختلفةً كثيرة من تلك التجمعات، فلا نقول أنها زالت جميعها مع تقدم الكفاح اليومي، لكن هذا الكفاح هو الذي أسبغ على التناقضات نوعاً من التجانس السريع ما دام الهدف مجسداً أمام المقاتلين. فالجبهة العسكرية هي أفضل بيئة لإظهار الحقائق كلها مهما كانت مبهمة ومشتتة، وأوُلاها هي حقيقة التصميم على إعطاء الأولوية إلى فعالية الإنسان الثائر، ومدى تلبيته الآنية المباشرة لمتطلبات الصراع المادي المداهم له من كل جهة.
قد لا تكون الثورة حتى الآن في جبهاتها الداخلية والذاتية قد فازت بأعلام النصر كلها، لكنها أصبحت حقيقة يومية مادية وإنسانية في مشهد الواقع السياسي، وحتى الثقافي وإن لم تظهر نتائجه الإبداعية بَعْدُ، إن إبداع العمل الثوري هو الذي كان ينقص مذاهبنا السياسية والأيديولوجية، واليوم لا بدّ من أن نصيخ السمع إلى حوار الجبهات والكلمات، هناك لغة أخرى جديدة لم نتعلم النطق بها أو كتابتها بعد، وأهمها ولا شك كلمة الحرية عندما تتجسد أفعالاً نضالية كبرى تفيض بها أرواح شبابية، أخذت عهداً على ذاتها ألا تكرر حياة العبودية السابقة لآبائها وأجدادها مهما كان الثمن، وإنها لَفاعلةٌ حقاً وبالغةٌ حدودَها القصوى يوماً بعد يوم..
القدس العربي
خطيب سوريا
فهيم الحامد
تحول محوري وتاريخي شهدته الأزمة السورية مؤخرا عبر تشكيل الائتلاف الوطني السوري المعارض، والذي يعتبر بكل المعايير تطورا نوعيا واستراتيجيا في تاريخ الأزمة السورية، إذا وضعنا في الاعتبار، ما تسببت فيه المعارضة من انتكاسات لثورة الكرامة.
وليس هناك شك أن الاعتراف الخليجي والعربي السريع بهذا الائتلاف، أعطاه دفعة سياسية ومعنوية كبيرة وقوية باعتباره ممثلا شرعيا وحيدا للشعب السوري، كما أنه أعطى أيضا الثورة والشعوب العربية، روحا ونفسا إيجابيا كبيرا، وشعر الجميع ولأول مرة أن هناك توحيدا في الرؤى السياسية للمعارضة وخارطة طريق وواضحة المعالم للوصول للهدف النهائي وهو إسقاط النظام طوعا أو كرها عاجلا أو آجلا.
وأعتقد جازما، أن انضواء المجلس الوطني تحت لواء الائتلاف وتأجيل الخلافات فيما بين القيادات المعارضة على الأقل حتى إشعار آخر أيضا خطوة يحمد عليها.
ويجسد التوافق على شخصية قيادية وهو أحمد معاذ الخطيب لقيادة الائتلاف خطوة مهمة من ممثلي قوى الثورة المختلفة، خاصة أن الخطيب شخصية إسلامية معتدلة وغير حزبية، تحترم التعددية وعدم تهميش الآخر، ما جعلته يلقى القبول في الداخل السوري والمحيط العربي وحتى الدولي.
وبعد هذا الإنجاز السوري غير المسبوق المطلوب من الكيانات العسكرية في الداخل السوري التي تعتبر رئة وشريان النضال ضد النظام الأسدي أن تتحد وتنضوي تحت لقاء هذا المولود الذي حظي بالشرعية الخليجية والعربية والدولية لكي تنصهر هذه المجالس في مشروع نضالي موحد وتعطي الضربة القاضية لنظام الأسد المتهاوي، ويتحقق التكامل بين المعارضة الشرعية والمجالس العسكرية في الداخل لكي نوقف نزيف الدم السوري ويتحقق الانتصار الكامل على طاغية سوريا.
ويرسل المناضلون السوريون الشرفاء رسالة واضحة لأولئك الذين دعموا النظام الأسدي أن استمرار وقوفهم خلف نظام يتهاوى ستكون له عواقب وخيمة وسيدفعون ثمنه كبيرا قريبا.
لقد حان الوقت لكي يستعيد الشعب السوري المناضل كرامة ثورته التي دفع قيمتها الآلاف من الشهداء وأن تستعيد سوريا مجدها الذي سلبه نظام ديكتاتوري طائفي سرق حريتة لعقود. إن الثورة السورية ستسجل اسمها بأحرف بيضاء في تاريخ الثورات العالمية وستثبت أن الظلم والاستبداد قد يستمر لعقود ولكنه لن يستطيع الاستمرار للأبد.
عكاظ السعودية
تغير مهم علي جبهة سوريا
مكرم محمد أحمد
ما الذي يمكن أن يترتب علي دمج قوي المعارضة السورية في تنظيم واحد يحمل اسم الاتحاد الوطني السوري للمعارضة والقوي الثورية يستوعب المجلس الوطني القديم وكافة تنظيمات الداخل والخارج,
وتنطوي تحت لوائه كافة قوي المعارضة السياسية وجميع الفصائل العسكرية وكل قوي المجتمع المدني السوري, ويفرض نفسه علي ارض الواقع الاقليمي والدولي باعتباره الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري.
وإذا كان صحيحا ان التنظيم الجديد الذي خرج الي الوجود بعد مفاوضات شاقة بين فصائل وقوي المعارضة جرت علي امتداد اسبوع كامل في العاصمة القطرية, يلقي مساندة قوية من الولايات المتحدة والسعودية ودول الخليج اضافة الي تركيا والاتحاد الاوروبي, فما الذي يمكن ان يحدثه من تغيير علي ارض الواقع, حيث تدور المعارك الضارية بين قوي الثورة وعلي رأسها الجيش السوري الحر وبين القوات المسلحة السورية التي تستخدم المدفعية الثقيلة والطائرات لقصف مواقع المقاومة لأسابيع طويلة دون ان يتمكن أي من الطرفين حسم المعركة لصالحه, والواضح أن إعادة تشكيل المعارضة وتوحيدها ربما يكون مقدمة لمرحلة جديدة من الصراع تتراجع فيها أدوار التنظيمات الأصولية المتطرفة لصالح قوي المعارضة المدنية والجيش السوري الحر التي سوف تحظي بإمدادات أكبر في السلاح مع الحرص علي عدم تفكيك مؤسسات الدولة المركزية وفي مقدمتها الأمن والجيش كي لا يتكرر ما حدث في العراق, عندما تلاشت قوة الدولة بالكامل ونشأ فراغ ضخم استثمرته قوات تنظيم القاعدة!
وثمة ما يشير الي ان توحيد قوي المعارضة السورية يمكن ان يمهد لتدخل عسكري خارجي عزفت عنه طويلا قوي الغرب, بدعوي ان الموقف في سوريا يختلف تماما عن الموقف الليبي, خاصة بعد تصريحات رئيس الأركان البريطاني دافيد ريتشارد الذي لم يستبعد احتمال تدخل المقاتلات الجوية البريطانية لفرض منطقة حظر جوي شمال سوريا وإنشاء منطقة عازلة, وثمة ما يشير أيضا الي تغيير جوهري في موقف الرئيس الامريكي اوباما يجعله شريكا اساسيا مع البريطانيين في عمل مشترك يستهدف إسقاط الرئيس بشار, ولا يبدو واضحا حتي الان موقف الجامعة العربية التي اصدرت اكثر من قرار يرفض التدخل العسكري الخارجي في الازمة السورية, وإن كان المراقبون يعتقدون ان قضية تمرير المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة داخل سوريا ربما تكون المبرر والذريعة لتغيير المواقف.
الاهرام
الثوار يزحفون والمعارضة جالسة!
عبد الرجمن الراشد
ربما يسقط الأسد من على كرسيه والمعارضة لاهية في خلافاتها حول قيادة المجالس وكراسيها، ويكون الثوار قد ذهبوا بالحكم إلى عالم آخر، أو أن المعارضة في الخارج تجزأت فئات شتى وقسمت الأرض المحررة.
اجتماع الدوحة، بعد لقاء عمان، سد جزءا من الشقوق، لكن بقيت المجالس الكبيرة تعيش في دوائر متنافسة والوقت يمضي سريعا داخل سوريا والمخاطر تتعاظم.
رياض سيف معارض يحظى بتقدير معظم المعارضة، والمشروع السياسي الذي قدمه حديثا يرقى إلى مستوى المناسبة، ويضع إطارا واضحا في الكيفية التي يمكن أن تسير بها المعارضة بشكل عام، بغض النظر عن مضيفيها والضغوط الخارجية المعاكسة. إنما لا قيمة للمبادرة دون تنازلات حقيقية عند كل الأطراف للعمل داخل إطار واحد، تكون كيان النظام البديل.
المجلس الوطني الحر له الريادة في قيادة المعارضة في الخارج مبكرا، مع هذا أخفق في استيعاب القوى السورية المتعددة، التي تمثل الأطياف المختلفة. ولأنه صار ناديا شبه مغلق، قامت لقاءات ومجالس أخرى حتى أيقظت سوريي إسطنبول. من وجهة نظر الجالس بعيدا، ستشكل الأيام الحالية مستقبل سوريا، فإن اتفق الجميع ستكون سوريا موحدة، أما إن ظلت الخلافات قائمة فستنقسم سوريا وتفشل الثورة، وربما تتحول إلى حرب أهلية؟ هل يدرك الجالسون في الغرف المكيفة هذه المعادلة الخطيرة على مستقبل بلادهم بسببهم؟
لا يعقل أن تلام الدول الإقليمية الرئيسية، والدول الغربية، عندما تتلكأ، والمعارضة نفسها ترفض التضحية بمصالحها من أجل دعم شعبها. الإطار العام الذي طرحه وأيده الرياضان، رياض سيف ورياض حجاب، يبقى الأوسع في جمع الفئات المختلفة، إن قبلت به.
وطالما أننا نحاول فهم أعراض مرض فشل المعارضة السورية، نتذكر سيرة المعارضة العراقية التي فشلت في إسقاط نظام صدام ما بين أعوام 1993 و2003. على الرغم من تهشيم معظم قدرات قوات صدام حينها، ومحاصرته، وتطبيق الحظر الجوي على ثلثي سماء العراق، ونجاح الأكراد في تأسيس منطقة محررة في الشمال، ظل صدام واقفا على قدميه والمعارضة تتناحر في الفنادق، وتلقي باللوم على الغرب، مشككة ومتهمة. لماذا لم يسقط جزار بغداد؟ كانت تريد من غيرها أن يقوم بوظيفتها. طبعا لو أن ظروف الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) لم تحدث، لربما بقي صدام يحكم العراق إلى اليوم.
لا نستطيع تشبيه حال سوريا اليوم بحال العراق آنذاك، لكن نرى قواسم مشتركة عند المعارضين، لوم الغير، وإيثار المصالح الضيقة، وهي ليست بالضرورة شخصية، إنما التمسك بالمصالح الفئوية وتقديمها على مصالح البلد الذي يجلس على حافة الهاوية.
الشرق الأوسط
من يحسم الأزمة السورية: ‘الاخوان’ ام الميدان ؟
د. عصام نعمان
في ملعب الازمة السورية لاعبون كثر. بعضهم موالٍ وبعضهم الآخر معارض . المعارضون، بشتى تلاوينهم، كانوا في صدارة احداث الاسبوع الماضي . ففي الدوحة ترأس رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني جلسة افتتاح مؤتمر المعارضين التي حضرها وزير خارجية تركيا احمد داود اوغلو، الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزباني وممثلون للولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا.
المعارضون فريقان : الاول، الاكثر عدداً، تمثّل بـِ ‘المجلس الوطني السوري’ برئاسة عبد الباسط سيدا. الثاني، الأوزَن سياسياً، تمثّل بالنائب السابق رياض سيف ومناصريه، والمدعوم بسفير امريكا ‘السابق’ في دمشق روبرت فورد.
عشية المؤتمر، انتقدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بشدة ‘المجلس الوطني السوري’ ووصفته بأنه غير فعال ويديره معارضون منفصلون عن واقع الاحداث في سوريا، وخاضع لهيمنة الاخوان المسلمين. خلال المؤتمر، حاول رياض سيف تسويق صيغة تقضي بإنشاء ‘هيئة للمبادرة الوطنية’ مؤلفة من 60 شخصية سياسية، تنبثق عنها حكومة مؤقتة من عشرة تكنوقراطيين لإدارة ‘المناطق المحررة’. سيف دعم مبادرته بإدعاء حصوله على وعود بالإعتراف الفوري من حكومات ‘اصدقاء سوريا’ فضلاً عن دعم مالي وفير منها.
المجلس الوطني فسّر مبادرة سيف بأنها محاولة لتهميشه بتقليص تمثيل ‘الاخوان’ في الهيئة القيادية المقترح إنشاؤها، واستطراداً بالسيطرة على المجلس لاحقاً بالتعامل مع حكومة المنفى المزمع إقامتها.
ردّت جماعة الاخوان المسلمين على فريق سيف فورد بتوسعة الهيئة العامة للمجلس من 300 الى 420 عضواً، وبإقامة امانة عامة تضم 41 عضواً، بينهم ما لا يقل عن 23 من أعضاء الجماعة واصدقائها.
في حومة الصراع، فقدت وجوه ليبرالية عدة عضويتها او نفوذها في المجلس الوطني. جورج صبرا، احد الوجوه البارزة في ‘اعلان دمشق’ وممثل حزب الشعب الديمقراطي، اخفق في العودة الى الامانة العامة. غير ان ‘الاخوان’ اعادوا انتخابه للمكتب التنفيذي ومن ثم لرئاسة المجلس لتغطية سيطرتهم عليه . رئيس المجلس السابق برهان غليون استنكف عن الترشّح للامانة العامة . كما لوحظ غياب تمثيل المرأة والاقليات الامر الذي ادى الى انسحاب اكثر من 20 عضوا من المجلس، هذا بالاضافة الى عدم مشاركة ‘المجلس الوطني الكردي’ و’لجان التنسيق المحلية’ و’لجان الحراك الثوري’ في المؤتمر.
كل هذه الملابسات لم تحبط مساعي سيف وفورد من اجل التوصل مع قادة المجلس الى صيغة للعمل المشترك تقضي بتشكيل هيئات داخل سوريا تنبثق عنها حكومة انتقالية مؤقتة. بذلك يكون لرياض سيف ومجموعته دور في ادارة ‘المناطق المحررة’ وفي الحوار، اذا ما تقرر، مع اهل النظام.
الاميركيون حرصوا على تأمين دور لسيف ولغيره من الليبراليين ممن سيكون له دور في ما ستقرره ادارة اوباما في المستقبل المنظور. ذلك ان الولايات المتحدة كما فرنسا وبريطانيا من جهة وتركيا والسعودية وقطر من جهة اخرى مدعوة، في ضوء التطورات السياسية والميدانية المتسارعة، الى حسم المقاربة المراد اتخاذها حيال الازمة إما بتكثيف العنف لإضعاف النظام او بتعزيز الحوار مع روسيا والصين وايران لإيجاد مخرج مقبول مها .
ماذا في الميدان ؟
الواقع ان الميدان بات يعني معظم المحافظات السورية . ذلك ان مجموعات المعارضة المسلحة استطاعت، لاسيما في مناسبة انعقاد مؤتمر الدوحة، القيام بسلسلة هجمات وتفجيرات ومناوشات شملت دمشق وريفها، ودير الزور ومحيطها، وادلب ومعرة النعمان وجوارها، وحلب وريفها المتصل بالحدود مع تركيا . في هذا السياق، اضطرت القوات السورية الى الانسحاب امام مئات المسلحين الذين قدموا من تركيا واستهدفوا بلدة رأس العين ذات الغالبية الكردية في محافظة الحسكة، وذلك بعد ساعات على اعلان مسؤولين اتراك انهم طلبوا من حلف شمال الاطلسي نشر صواريخ ‘باتريوت’ قرب الحدود مع سوريا. غير ان الجيش السوري تمكّن من طرد المجموعات المسلحة من وادي الضيف قرب معرة النعمان .
تصعيد المعارضة المسلحة لهجماتها مقرونةً بطلب مسؤولين اتراك نشر صواريخ ‘باتريوت’، فَتَح باب التكهنات حول ما تعتزم الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون القيام به في المستقبل المنظور، كما حمل بعض الخبراء الإستراتجيين على الإرتياب بأن تركيا وحلفاءها العرب المساندين للمعارضة السورية ربما يعتزمون العودة الى فكرة اقامة منطقة عازلة في شمال سوريا تكون منصة لحكومة سورية انتقالية تتولى ادارة شؤون ‘المناطق الحرة’ وتنسق عمليات المجموعات المسلحة في مختلف مناطق البلاد . الى ذلك ، يبدو ان لنشر صواريخ باتريوت ‘فوائد’ اضافية بحسب الخبير الإستراتيجي رياض قهوجي :
اولاها، تأمين منطقة حظر جوي في شمال سوريا من دون الحاجة الى نشر دفاعات ارضية في الداخل .
ثانيتها، توفير غطاء دولي لتركيا عبر إشراك حلف ‘الناتو’ في اي عمل عسكري قد تتورط فيـه داخل سوريا .
ثالثتها، تأمين دفاع فاعل ضد ترسانة سوريا من الصواريخ البالستية. رابعتها، تشجيع عشرات الآف اللاجئين السوريين في المخيمات التركية على العودة الى قراهم وبيوتهم .
غير ان نشر صواريخ ‘باتريوت’ لا يكفي لتحقيق ‘الفوائد’ المتوخاة إلاّ اذا كان مقروناً بقرارٍ نافذ بإطلاقها على المقاتلات السورية العاملة على مقربة من المنطقة الممتدة اكثر من 800 كيلومتر على طول الحدود السورية-التركية. فماذا ستكون التداعيات ؟ .
من الواضح ان القيادة السورية وسّعت مؤخراً من استعمال سلاحها الجوي لكبح المجموعات المسلحة ولا سيما في محافظات حلب وادلب ودير الزور وريف دمشق. ولا شك في ان تعطيل دور سلاح الجو السوري يؤدي، على الاغلب، الى ترجيح كفة المعارضة في ميزان القوى العاملة على الارض الامر الذي يعني اعتماد خصوم النظام الخيار العسكري سبيلاً الى حسم الصراع، داخلياً واقليمياً. فماذا تراه يكون موقف النظام وحلفائه الاقليميين والدوليين؟.
يمكن إستخلاص الجواب مما قاله الرئيس الاسد، عشية مؤتمر الدوحة، في مقابلة مع قناة ‘روسيا اليوم’: ‘اعتقد ان كلفة الغزو الاجنبي لسوريا، لو حدث، ستكون اكبر من ان يستطيع العالم بأسره تحمّلها، لأنه اذا كانت هناك مشاكل في سوريا، خصوصاً اننا المعقل الاخير للعلمانية والإستقرار والتعايش في المنطقة، فسيكون للغزو اثر الدومينو الذي سيؤثر في العالم من المحيط الاطلسي الى المحيط الهادئ وتداعيات ذلك على سائر انحاء العالم . لا اعتقد ان الغرب يمضي في هذا الإتجاه، لكن اذا فعل، فلا يمكن لاحد ان يتنبأ بما سيحدث بعده’.
صحيح انه لا يمكن التنبؤ، لكن يمكن التوقّع والتحسّب. ذلك ان اميركا واوروبا اللتين تعصف بهما ازمات مالية واقتصادية خانقة، لا يمكن ان تنخرطا في حرب جديدة، شاملة ومدمرة، عشية إنسحاب قواتهما الاكيد من افغانستان، وغداة فوز اوباما بولاية ثانية واستعجاله التعاون مع منافسيه الجمهوريين بغية الخروج من حمأة الازمة الاقتصادية المستفحلة من جهة وتوفير الاجواء والشروط الكفيلة بالتوصل الى تسوية مع ايران بشأن برنامجها النووي من جهة اخرى .
من يحسم الازمة السورية ؟
لا ‘الاخوان’ ولا الميدان بل اميركا واوروبا وروسيا والصين وايران وذلك بتمكين الاطراف السوريين من الجلوس الى طاولة الحوار، ليعود القرار الى الشعب السوري.
‘ كاتب لبناني
القدس العربي
رفض دولي لتورّط إسرائيل في سوريا
والمرحلة المقبلة لإقلاع التحالف المعارض
روزانا بومنصف
تعرب مصادر معنية متابعة في بيروت عن اعتقادها ان الدول الكبرى لن تسمح لاسرائيل من خلال ردها في اليومين الماضيين على قذائف سورية سقطت في الجولان، في اطار المواجهة بين الثوار وجيش النظام، ان تأخذ الموضوع السوري الى غير ما تتجه اليه الجهود الدولية راهنا. اذ ان حربا اسرائيلية سورية كانت من ابرز الاحتمالات او التوقعات لمحاولة نقل الازمة السورية الى مكان آخر مع المساعي التي حصلت العام الماضي في تحريك النظام السوري الفلسطينيين في يومي النكبة والنكسة في اتجاه الاراضي المحتلة في الجولان وفلسطين مما ادى الى سقوط اصابات عدة لكن ما لبثت هذه المحاولة ان تراجعت. وتعيد الردود الاسرائيلية اليومية على القذائف السورية الى الاذهان صورتين وفق ما تقول هذه المصادر : الاولى ان ما يحصل قد يغدو شبيها بما يجري منذ بعض الوقت على الحدود مع تركيا حيث تقع قذائف تصيب مواطنين أتراكاً على نحو شبه يومي، كما حصل امس او كما كان يحصل منذ بعض الوقت على الحدود مع لبنان وتوقف اخيرا بسبب انحسار الاشباكات في المناطق القريبة مباشرة من الحدود اللبنانية السورية. والصورة الاخرى ان الغرب لن يرغب في تدخل او تورط اسرائيلي، شأنه في ذلك شأن وضعه ابان معارضته بقوة اي تورط اسرائيلي لدى الحرب الاميركية على العراق باعتبار ان الامور قد تذهب الى منحى مختلف. كما ان اي تورط او تصعيد اسرائيلي راهنا يعتقد كثر انه يخدم النظام السوري ويعيد احياء بعض الدعم الشعبي له وربما بعض الدعم من بعض الدول العربية ويساهم اكثر في تعقيد الامور بغض النظر عن قدرة النظام او عدمها في مواجهة اسرائيل في هذه المرحلة ما لم تدعمه ايران و”حزب الله”. كما ان اي تورط اسرائيلي في الصراع السوري يخربط المسار الذي تعده الدول الكبرى بتؤدة على طريق الانتهاء مع النظام الحالي وتوفير البديل منه وفقا للجهد الذي بذلته دول اقليمية وغربية عدة وفي مقدمها الولايات المتحدة، في الاسبوع الاخير في الدوحة من اجل توحيد المعارضة السورية وجعلها اكثر تمثيلا للثوار في الداخل وتشذيب هذه المعارضة من العناصر المتطرفة التي تحاول ان تخطف ما يقوم عناصرها في الداخل في مواجهة النظام. وهو الامر الذي يسري على نطاق واسع انه قد يؤدي الى نتيجتين اساسيتين، الاولى توحيد المجالس العسكرية مثلما حصل مع المعارضة السياسية بما يمهد لاحتمالات مساعدة المعارضة على الارض ومدها بالاسلحة في مواجهة النظام بما يرجح كفة التوازن العسكري لمصلحة المعارضة ويمهد لان تكون البديل في الوقت اللازم من اجل الامساك بالارض، فلا يحصل فراغ لدى سقوط النظام سياسيا او عسكريا.
اما النتيجة الاخرى فهي الاعتراف الاقليمي والدولي بالائتلاف المعارض الذي تم التوصل اليه في الايام الاخيرة ولقي ترحيبا كبيرا ووعودا باعتراف بان يكون الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري. وهذا العامل الاخير يمكن ان يشكل نقلة نوعية مهمة جدا ولا تقل اهمية عن خطوة الوصول الى ائتلاف للمعارضة باعتبار ان الاعتراف دوليا بان هذا الائتلاف هو الممثل الوحيد للسوريين سيعني عمليا اقفال كل الممثليات الديبلوماسية للنظام في الخارج وحتمية تسليمها الى المعارضة مما يزيد عزلة النظام دوليا ويقطع اكثر صلاته بالمجتمع الخارجي. كما ان ذلك سيحرج الدول الداعمة حتى الآن للنظام وفي مقدمها روسيا والصين لانه سيعني ذلك عزلتهما في استمرار الاعتراف بالنظام في مقابل شمولية الاعتراف الدولي بالمعارضة. ويتوقع ان يكون لذلك اثر في اللقاء الذي يرتقب ان يعقده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف هذا الاسبوع مع وزراء خارجية دول التعاون الخليجي الذين سارعوا الى الاعتراف بالائتلاف السوري المعارض ممثلا شرعيا للشعب السوري يعد يوم واحد من انهاء المعارضة اجتماعاتها في الدوحة.
وترجح هذه المصادر ان تتسارع الامور نسبيا في الاسابيع المقبلة نتيجة التطورات على هذا الصعيد، انما من دون التخلي حتى الآن عن الاعتقاد الذي بات راسخا ان الحرب السورية ستستمر طويلا ولبضعة اشهر اخرى وربما اكثر قليلا مع الاخذ في الاعتبار عدم اسقاط الاحتمالات التي باتت تؤدي اليها التطورات الاخيرة.
النهار
ليالي النحس
امين قمورية
الانباء الواردة من الدوحة عن توحيد المعارضة السورية عبر تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، ربما كانت أشبه بكابوس للنظام في دمشق جعلت ليلة الاحد ليلة سوداء له لا بل ليلة نحس. فصمود هذا النظام مدة عشرين شهرا لم تكن فقط بفعل قوته الذاتية او احتضان حلفاء اقوياء له، ولا بفعل تماسك جيشه والتفاف أقليات حوله خوفا من بطش محتمل لاكثرية ناقمة بعدما همشت طويلا، بل خصوصا بفعل معارضة مشتتة وضعيفة تشوهت صورتها سريعا بممارسات غير مبررة، وكادت تسقط “اخلاقيا” قبل ان تبدأ مشوارها الطويل الى السلطة.
بعد جهد جهيد توحدت المعارضات السورية الملونة في بوتقة واحدة. لكنها لم تتوحد بارادة قادتها، الذين غلبت أناهم الذاتية على الأنا الوطنية، بل بقرار خارجي، لم يكن مبعثه محبة للسوريين وثوارهم الذين نال بعضهم لقب “تجار ثورة “، بل خوف من ان ينقلب الوضع في سوريا الى فوضى غير محسوبة في المنطقة برمتها يسودها التشدد وينخرها المتشددون الذين صاروا الاكثر بطشا وتنظيما.
المهم ان اجتماعات الدوحة خرجت باكثر مما كان يأمل أكثر المعارضين تفاؤلا: جسم تنظيمي موحد، مشروع حكومة انتقالية تنضوي تحت لوائها المجالس العسكرية المنشقة والمعارضة، وصندوق مالي للدعم وايصال المساعدات الى الداخل. والاهم ان الائتلاف الجديد سيصير “الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري” بعدما نال وعدا باعترافات دولية واقليمية وعربية، الامر الذي يؤهله لاحتلال مقعد سوريا في جامعة الدول العربية وشغل السفارات السورية في الدول “الصديقة”.
بيد أن كل هذه الإيجابيات تبقى حبراً على ورق، إذا لم يُثبت الائتلاف الوطني قدرته على الانجاز في مجال حاسم واحد: توحيد فصائل المعارضة المسلحة في إطار جسم واحد يشرف عليه هو إشرافاً فعلياً لا شكليا، الامر الذي يحد من توسّع نفوذ العناصر الجهادية المرتبطة بتنظيم “القاعدة” أو القريبة منه.
لماذا هذا الأمر هو الأهم؟
لأنه الشرط الأول الذي وضعه الرعاة الفعليون لاجتماعات الدوحة من أجل مد المعارضة الجديدة الموحّدة بالسلاح المتطور والمال. والدعم الأميركي والأوروبي للمعارضة السورية ليس شيكاً على بياض، فلا أحد يعطي أحدا كرمى للعيون السود .
وفي انتظار تلبية هذا الشرط الضروري لقلب الموازين القائمة في البلاد حتى هذه اللحظة، قد تطول ليالي النحس السورية وقد تكلف السوريين معارك جانبية بين معارضي “الصحوة الجديدة” ومعارضي “الجهاد” لا تقل شراسة عن المعركة الحالية بين النظام وخصومه.
النهار
أمراض الائتلاف السوري الجديد
فاتح عبدالسلام
أخطر ما يواجه الائتلاف السوري المعارض الجديد هو استمرار ذلك النفس التشنجي في المحاصصات الذي ساد تشكيلات سياسية معارضة عدة في الخارج طبعاً. بيد إنَّ انتخاب رئيس مستقل مقبول من مختلف الاتجاهات لا سيما في الداخل يعد ضمانة أولية لعبور هذه العقبة المرضيّة التي أساءت لجهد كثير من السوريين الوطنيين. لكن ذلك مشروط بتخلي السياسيين عن منطق تجزئة سوريا من دون أن يشعروا، إنْ لم تكن التجزئة جغرافية فهي سياسية وتكوينية. ودون ذلك سيتحول رئيس الائتلاف إلى مقاتل على جبهة الانقسام الداخلي للمعارضة التي من المفترض حسمها لصالح المشروع الوطني في اجتماعات الدوحة.
وفي الجانب الآخر، فإنَّ العالم المنادي بالحريات وحقوق الانسان قد يسهم في الحاق الإحباط بالائتلاف الجديد بالرغم من ترحيب واشنطن وباريس ولندن فقد أدمنت العواصم الكبرى الادانة والشجب والترحيب ولا شيء سواها.
صوت الداخل سيبقى الأقوى في توجيه دفة المعارضة السورية. وسيكون رقيباً على الذين يظنون أنَّ النضال التلفزيوني وحده هو كل القضية في حين ينزف السوريون من فصائل معارضة مسلحة وغير مسلحة ومواطنين الدماء كل يوم.
لعلَّ تجربة الخذلان التي اتسمت بها المعارضة العراقية لنظام صدام، أقصد خذلانها الشعب العراقي، خير ما ينفع المعارضة السورية التي تجاذبت قسماً منها مبكراً استقطابات الولاءات الخارجية وهذا أمر يهدد استقلالية القرار السوري مستقبلاً كما كان معوقاً على مدى عشرين شهراً أمام وحدة التيارات المعارضة في جسم واحد.
هناك فرق كبير بين ما حصل في العراق من نقل المعارضة بطائرات أمريكية أو عبر وسائل إيرانية إلى بغداد وبين المعارضة السورية التي تخوض حرباً حقيقية في الداخل السوري وأقصد هنا الجيش الحر والتشكيلات المسلحة التي تواجه قصف جيش النظام في المدن السورية كافة. وتبقى هناك حقيقة يجب أن لا تنسى وهي أن أحداً لن يستطيع أن يسرق ثمار تضحيات الداخل السوري مهما تمتع بشخصية سياسية ذات علاقات عربية أو دولية، ولابدّ أن يأتي اليوم الذي تكون فيه قيادات الداخل التي لم تمثل كما ينبغي هي الأكثر حضوراً في المشهد مما كان في اجتماعات الدوحة أو سواها في الخارج. لعل صوت سوريا كلّه لم يظهر حتى الآن. وحين يكتمل ظهوره تكون سوريا قد عبرت إلى ضفة التغيير والحياة الحرة.
الرمان
تسوية عربيّة ـ كرديّة في سوريّة؟
حازم صاغيّة
أن تتدهور الأمور عسكريّاً بين قوّات «الجيش السوريّ الحرّ»، أو ميليشيات تدّعي النطق باسمه، وبين تنظيمات كرديّة سوريّة مسلّحة في محافظة الحسكة، فهذا ما لم يعد احتمالاً مستبعَداً. والحال أنّ تدهوراً كهذا في الحسكة، أو في حلب، أو في المحافظتين وما بينهما، قد يخرج من النطاق التنظيميّ الضيّق إلى النطاق الأهليّ الأعرض. وهذا، في حال حصوله، لن يكون أقلّ سوءاً على حاضر الثورة وعلى مستقبل سوريّة من تدهور سنّيّ – علويّ هو، بدوره، فائق الأهميّة. بل قد لا يكون من المبالغة القول إنّ العلاقة العربيّة – الكرديّة، التي تغطّي الحدود الشماليّة للبلد، هي أكثر العلاقات الأهليّة السوريّة حيويّة وخطورة من الناحية الاستراتيجيّة والجيوبوليتيكيّة.
ولتجنّب احتمال خطير كهذا لا بدّ من تسوية مبكرة تنطوي حكماً على مراعاة كلّ من الجماعتين للأخرى وإدراك لحساسيّاتها. فالمتحدّثون والناشطون العرب حين يتجاهلون التمايز القائم في الواقع باسم الوطنيّة و «الأخوّة» السوريّتين، إنّما يجافون الحقيقة، وأحياناً يروّجون، ولو من دون قصد أحياناً، لعقليّة استبداديّة لا تراعي خصوصيّة الكيانات الأهليّة الأصغر. في هذا المعنى، ومن ضمن تصوّر بسيط وقديم للوطنيّة، تضعف الحساسيّة النقديّة حيال وجود «الجيش الحرّ» في مناطق كرديّة، ويسود الشكّ حيال وجود أجسام تنظيميّة كرديّة تشارك في الثورة من موقعها المستقلّ هذا. والحقّ أنّ ترحيباً عربيّاً بمثل هذه المواكبة من موقع مستقلّ، يمكن أن يكون برعماً لتصوّر مركّب عن سوريّة المستقبل بوصفها كياناً تعدّديّاً ولا مركزيّاً، كما يكون تمريناً على ذاك التصوّر في الوقت عينه.
فسوريّة «القطر العربيّ» انتهت إلى غير رجعة، وانتهت معها خرافات الإلحاق والاستتباع «الأخويّين» التي دفع الأكراد السوريّون دائماً أفدح أثمانها.
في المقابل، وخصوصاً في الظرف السياسيّ الراهن، لا بدّ إذا ما أريد الوصول إلى خلاصة مفيدة من فصل كامل بين الأكراد السوريّين وبين هموم الأكراد الأتراك ومسائلهم. فالأخيرون تربطهم بنظامهم مشكلات مزمنة ومعقّدة تستغرق نقاشات وآراء لا نهاية لها. إلاّ أنّ المؤكّد أنّ هذا أمر ينبغي أن يعني الأكراد السوريّين أقلّ ممّا تعنيهم الحاجة السوريّة الراهنة إلى تركيا، أردوغانيّةً كانت أم غير أردوغانيّة، من أجل إسقاط النظام الأسديّ. وهذه حقيقة تكاد تكون بديهيّة لا يُمارى فيها. فإذا كان الأكراد السوريّون يسعون إلى حقوقهم الوطنيّة في سوريّة، كان عليهم أيضاً أن يسعوا إلى واجباتهم الوطنيّة فيها. وهذه الواجبات لا تقتصر على الابتعاد عن النهج الإرهابيّ لـ «حزب العمّال الكردستانيّ»، بل تطاول الابتعاد عن أوهام القوميّة الكرديّة العابرة للحدود الوطنيّة، والتي هي لا أكثر من شبيه – معاكس لأوهام القوميّة العربيّة العابرة، هي الأخرى، للحدود.
فإذا كان المطلوب من السوريّ العربيّ أن يكسر الوطنيّة المركزيّة والاستبداديّة لمصلحة وطنيّة رحبة واستيعابيّة، كان المطلوب من السوريّ الكرديّ أن يُقبل على هذه الوطنيّة السوريّة الجديدة وأن يولي مصالحها أولويّته المطلقة. والمصلحة الأولى اليوم هي إسقاط النظام.
واقع الأمر أنّ النيّات الحسنة لا تضمن دائماً منع البنادق من أن تتّجه إلى حيث ينبغي ألاّ تتّجه، أي إلى حيث يبغي النظام الذي يراد إسقاطه: هكذا ننتهي أمام لوحة مزرية يقاتل فيها العربي «انفصاليّة» الأكراد، والكردي «عمالة» العرب لتركيا، فيما يفرك بشّار الأسد كفّيه سعادةً وحبوراً.
الحياة
سوريا: الأرض من تحت والائتلافات من فوق
لا يُواجه المسؤولون اللبنانيون إرباكاً محرجاً في تعاطيهم مع إعلان ائتلاف سوري معارض جديد. لا يزال لبنان يعترف بالنظام، ولم يلتحق بالدول المؤيدة للمعارضة السورية، ولا أحد يرغب في دعوته إلى تعديل موقفه. الأرض من تحت، لا الائتلافات من فوق، توجّه مسار سوريا
نقولا ناصيف
منذ إعلان لبنان موقفه في مجلس الجامعة العربية، في 12 تشرين الثاني، من الاعتراف بالائتلاف الوطني للمعارضة السورية ــ وهو نأيه بنفسه عنه ــ لم يُواجه المسؤولون اللبنانيون ضغوطاً مباشرة لإعادة النظر فيه، أو حضّ لبنان على الانضمام إلى الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، وكذلك إلى فرنسا والولايات المتحدة وتركيا، في الاعتراف بالائتلاف ممثلاً للشعب السوري. بيد أن المسؤولين اللبنانيين طرحوا بضع ملاحظات بإزاء ردود الفعل على الائتلاف السوري المعارض تعزّز اعتقادهم بضرورة ثباتهم على موقفهم المعلن: لا الحرب على الأرض من تحت قادرة في سوريا على تعديل موازين القوى العسكرية لمصلحة نظام الرئيس بشّار الأسد أو معارضيه وتغليب أحدهما على الآخر، ولا ائتلافات المعارضين من فوق في ظلّ دعم عربي ودولي غير مسبوق قادرة بدورها على فرض حلّ يطيح النظام ويضع السلطة بين أيديهم.
وتكمن ملاحظات المسؤولين اللبنانيين في الآتي:
أولاها، عدم تطابق المواقف العربية والدولية المؤيدة مع رغبة الائتلاف في التعامل معه على أنه الممثل الوحيد للشعب السوري. وحدها أنقرة شذّت عن سائر الدول عندما أضفت هذه الصفة عليه، أياماً قليلة بعد إعلانها أنها قطعت نهائياً كل صلة لها بنظام الرئيس بشّار الأسد. اكتفى الأميركيون والفرنسيون والعرب في الجامعة العربية ومجلس التعاون بعدّ الائتلاف ممثلاً للشعب السوري ليس إلا، وتباينت آراؤهم من اعتباره من الآن حكومة موقتة، ومن مدّه بالسلاح. وقع تناقض بين العرب والعرب، والغرب والغرب، وبين العرب والغرب.
ورغم اتساع دائرة تمثيله معارضة الخارج، لم يحز الائتلاف المعارض الجديد من المجتمع الدولي سوى على ما كان قد حازه من قبله المجلس الوطني في 24 شباط الماضي، عندما اعترف به «المؤتمر الدولي لأصدقاء الشعب السوري» في تونس نصف اعتراف، واصفاً إياه بأنه ممثل شرعي للشعب السوري. وضم المؤتمر حينذاك الحكومات نفسها، وعرّابيها خصوصاً، الذين سارعوا إلى الاعتراف أخيراً بالائتلاف بالصفة نفسها.
ثانيتها، أعلن لبنان مراراً التزامه قرارات الجامعة العربية، وميّز باستمرار بين بياناتها وسياسة النأي بالنفس التي تحمله على تجنّب أي موقف يترك تداعيات سلبية على وضعه الداخلي واستقراره. في الاجتماع الأخير لمجلس الجامعة لم يصدر قرار ملزم للأعضاء، بل بيان. وتبعاً لتقاليد طبعت عمل الجامعة العربية لعقود منذ إنشائها بإزاء القرارات التي تتخذها، تقضي بأن تسلك أحد طريقين لوضعها موضع التنفيذ: رسائل من الأمين العام إلى الدول الأعضاء بغية حملها على التزام القرار ومباشرة تطبيقه، أو إرسال موفد شخصي للهدف نفسه. لم يحصل أي من الخيارين حتى الآن.
ثالثتها، أن الجامعة العربية لم تسحب اعترافها نهائياً من شرعية نظام الأسد، رغم حدّة المواقف والاتهامات التي تسوقها إليه بارتكاب مجازر وجرائم في حقّ مواطنيه. منذ أكثر من سنة لا تشارك سوريا في اجتماعات مجلس الجامعة بعد تعليق عضويتها، ولم يُتح للمعارضة السورية الحلول محل ممثل النظام إلا قبل أيام، في اجتماع مجلس الجامعة في 12 تشرين الثاني، عندما اتفق على دعوة ممثل للائتلاف إلى حضور اجتماعاته بصفة مراقب. أمسى الائتلاف في منزلة موازية للنظام، ولم يخلفه تماماً في كل امتيازاته. لا شغل كرسيه، ولا اعترف به بديلاً منه، واكتفي ــ حتى الآن على الأقل ــ بصفة مراقب لا يُصوّت.
يجعل هذا الالتباس سوريا بلا صوت في الجامعة، سواء غاب النظام أو حضر معارضوه.
رابعتها، أن الاختبار الفعلي لصدقية علاقة الدول الداعمة، العربية والغربية على السواء، بالائتلاف يكمن في مدى استعدادها لتسليم السفارات السورية في بلدانها لممثلي الائتلاف الذي لا يعدو كونه الآن ــ وكذلك من قبله المجلس الوطني ــ هيئات صورية وإعلامية، لا كيان حقيقياً ومتماسكاً له في ممارسة دوره المعارض سوى من خلال أفرادها وتنقّلهم بين الدول الرئيسية المؤيدة للمجموعات المختلفة التي يتألف منها الائتلاف، الموزّعة بين تركيا وقطر والسعودية والأردن ومصر وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. لم يُمنح أي من هؤلاء مكاتب تمثيلية جدّية فيها.
خطوة كهذه يحسبها الائتلاف ضرورية وحتمية كي يستكمل بها شرعية دولية ملموسة، يضيفها إلى الصفة التي حملها سريعاً كممثل للشعب السوري.
خامستها، باتت المعارضة السورية الخارجية في عهدة جسمين تمثيليين هما المجلس الوطني والائتلاف المعارض. في كليهما ترجح كفة الأخوان المسلمين في السيطرة عليهما. وقد احتاج تحقيق حدّ أدنى من الاندماج الظاهر بينهما إلى خمسة أيام طويلة من التفاوض الشاق في الدوحة، حمل المسؤولين القطريين على التعامل مع المعارضين المشتتي الولاء والاتجاهات والخيارات ويجمعهم عداء مشترك للأسد، بطريقة مماثلة لتعاطيهم مع الأفرقاء اللبنانيين خلال مداولات اتفاق الدوحة عام 2008، عندما أُوصدت دونهم الأبواب ومنعوا من المغادرة إلى حين إبرام تفاهمهم نهائياً.
لعل المفارقة في تشابه الأسماء لدى العائلة السنّية الدمشقية التقليدية. انتخب أحمد معاز الخطيب، الداعية الإسلامي الذي يدعمه الأخوان المسلمون ويُنظر إليه على أنه واجهتهم، رئيساً للائتلاف في مرحلة يعدّها لتحقيق انتقال السلطة من الأسد إلى معارضيه، وربما إلى الأخوان المسلمين أنفسهم. على نحو مماثل قبل عقود، عيّن الرئيس حافظ الأسد، غداة الحركة التصحيحية عام 1970، أحمد الخطيب رئيساً للدولة وشغل هو منصبي رئيس الحكومة ووزير الدفاع توطئة لإجراء انتقال للسلطة إليه يبدأ بتعديل الدستور واستفتاء شعبي، أدى السنة التالية عام 1971 إلى انتخاب الأسد رئيساً للجمهورية طوال 30 عاماً.
سادستها، لا يزال المجتمع الدولي يدعم سياسة النأي بالنفس التي انتهجتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي منذ إعلانها. لا يبدي لبنان استعداداً للاعتراف بالائتلاف المعارض الجديد، ولم يشأ قبلاً الاعتراف بالمجلس الوطني، ولا عدّ كلاً منهما كدول أخرى ممثلاً للشعب السوري، ولا يُظهر في المقابل استعداداً لسحب اعترافه بنظام الأسد، ولا بثنائية انقسام سوريا بين هذين الفريقين.
تجعله سياسة النأي بالنفس أقرب إلى تثبيت موقعه بين الإثنين حتى غداة اندلاع أحداث سوريا قبل 20 شهراً: لا يمدح النظام الذي يعترف به، ولا يستفز المعارضة التي لا يريد الاتصال الرسمي بها، ولا يُجاري جهود الجامعة العربية لإحلال الائتلاف محل النظام في مجلس الجامعة وعلى الخارطة الإقليمية.
يطمئن المسؤولون اللبنانيون إلى أن موقفهم هذا يلقى تفهّم العرب والغرب عندما يقرنون سياسة النأي بالنفس بالاستقرار.
الأخبار
الخوف على سوريا
محمد السعيد ادريس
الولادة المتعسّرة ل”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” بالعاصمة القطرية يوم الأحد الماضي (11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري) لم تأت من فراغ، فمشروع هذا الائتلاف الذي جمع بين مبادرتين لكل من المعارض السوري رياض سيف والسفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد لم تكن على هوى المجلس الوطني السوري الذي كان قد انتهى لتوه من إعادة هيكلته واختيار قيادة جديدة في الدوحة أيضاً قبل أيام من تشكيل الائتلاف الجديد، ظهر ذلك في الكلمة التي ألقاها عبدالباسط سيدا الرئيس السابق للمجلس الوطني في افتتاح مؤتمر المجلس بالدوحة، حيث شدّد على أن “المجلس الوطني السوري هو الركن الأساسي والضامن الذي لا يمكن الاستغناء عنه في مرحلة ما قبل سقوط النظام”، وعبّر عن استيائه من “جهود كثيرة بذلت وتبذل من أجل تجاوز المجلس الوطني السوري والبحث عن هياكل بديلة”، كما هاجم أعضاء من المجلس الوطني رياض سيف واتهمه البعض بتبني “أجندة أمريكية لتهميش المجلس” .
في المقابل كان موقف وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون شديد الوضوح في رفض بقاء المجلس الوطني قائداً للمعارضة، وقالت إنها تنتظر من المعارضة أن “تقاوم بشكل أقوى محاولات المتطرفين لتحويل مسار الثورة ضد النظام”، كما حذرت من “وجود معلومات مثيرة للقلق عن متطرفين يتوجهون إلى سوريا ويعملون على تحويل مسار ما كان حتى الآن ثورة مشروعة ضد نظام قمعي لمصلحتهم”، وقالت: “لقد أعلنا بشكل لا لبس فيه أنه لم يعد من الممكن النظر إلى المجلس الوطني على أنه الزعيم المرئي للمعارضة، يمكنه أن يكون جزءاً من معارضة أوسع، ولكن هذه المعارضة يجب أن تشمل أشخاصاً داخل سوريا وغيرهم” .
ما أرادته كلينتون هو الذي حدث، فقد جرى طي صفحة المجلس الوطني والبدء بصفحة “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” برئاسة أحمد معاذ الخطيب “الحسني” إمام المسجد الأموي السابق بدمشق ضمن برنامج عمل ينص على تشكيل ائتلاف تكون عضويته مفتوحة لكل أطياف المعارضة، والاتفاق على إسقاط النظام وتفكيك أجهزته الأمنية ومحاسبتها، وعدم الدخول في أي حوار أو مفاوضات معه، كما ينص على توحيد المجالس العسكرية الثورية ووضعها “تحت مظلة مجلس عسكري أعلى”، والسعي بعد حصوله على الاعتراف الدولي، إلى تشكيل حكومة مؤقتة .
الهدف بات واضحاً ومحدداً: إسقاط النظام وعدم الحوار معه، ورغم أهمية هذا الوضوح، فإنه يبقى عاجزاً عن الرؤية الشاملة للكارثة السورية الآن، وهي كارثة تجاوزت حدود الأزمة مع نظام وضع نفسه بديلاً عن كل الشعب السوري، إما أن يبقى حاكماً، وإما أن يذهب الشعب والوطن إلى الجحيم، فالشعب يجري تقتيله وتجويعه وإرهابه وإجباره على اللجوء إلى الخارج، والوطن يجري تمزيقه وتقطيعه بغض النظر عما سوف يؤول إليه حال الوطن بعد انتهاء الأزمة .
الوجه الآخر للكارثة أن المعارضة السابقة والجديدة، وربما اللاحقة لا ترى غير النظام عدواً أقسمت على إسقاطه، في حين أن هناك حزمة من العداوات تتفجر الآن داخل سوريا لتمزيقها ضمن تداعيات الأزمة السورية، والنموذج الواضح لذلك هو ما أضحى يسمى ب”كردستان سوريا”، وهو نموذج قابل لأن يتكرر وأن يفرض نفسه ضمن سيناريوهات ما بعد سقوط نظام الأسد من دون تدبر أو اكتراث من معظم قوى المعارضة، على الرغم من وجود خيوط تقارب وربما ارتباط بين هذا النموذج التفكيكي للدولة السورية وقرينه في العراق بكل ما يمثله هذا النموذج العراقي من كوارث لمستقبل سوريا .
اللافت هنا أن الحديث عن “الكيان الكردي الجديد” في شمالي سوريا الممتد من عفرين غرباً إلى حلب وحتى القامشلي في الشرق على طول معظم الحدود السورية مع تركيا لا يحظى بأي اهتمام أو تركيز لدى المعارضة السورية أو لدى الأطراف العربية والإقليمية، ربما باستثناء تركي اضطراري، على نحو ما هو موجود لدى الكيان الصهيوني، الذي يرى أن الكيان الكردي السوري الجديد الذي أخذ يفرض نفسه واقعاً يصعب الهروب منه، قد يكون “التفكك الطائفي الأول في سوريا، لكن ستأتي تفككات أخرى بحيث إن سوريا ستتفكك بعد سنوات من الحرب إلى كيانات عرقية وطائفية عدة منفصلة”، على نحو ما تروج الصحافة “الإسرائيلية” التي تتشفى بسوريا والعرب وتقول: “هكذا تتغلب العناصر الطائفية على تلك الوطنية التي تبينت بأنها مصطنعة” .
هذا الكلام يذكرنا بما سبق أن كتبه توماس فريدمان الكاتب الأمريكي اليهودي في صحيفة “نيويورك تايمز” قبيل الغزو الأمريكي للعراق العام 2003 وفي ذروة الهجوم على ما اعتبره الأمريكيون “دولاً عربية فاشلة”، إبان تفجيرات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، فقد أرجع فريدمان وغيره من رموز المحافظين الجدد الفشل إلى أن الدول العربية التي جرى ترسيم حدودها في سنوات الحرب العالمية الأولى، قد ضمت بين جنباتها شعوباً وطوائف غير متجانسة يصعب أن تكون دولاً متماسكة .
ومن هنا جاءت دعوة إعادة ترسيم الخرائط السياسية في المنطقة، وتأسيس نظام إقليمي جديد عنواناً لغزو العراق واحتلاله كمقدمة لفرض هذا المخطط التفكيكي للنظام العربي أولاً بالقضاء على الهوية القومية الحضارية للوطن العربي، وثانياً بإشعال نار الفتن لتقسيم الدولة الوطنية العربية إلى دويلات عرقية وطائفية، ومن هنا جاء تفجير الصراع السني – الشيعي بدعوة أمريكية صريحة ليس فقط ضمن مخطط المواجهة مع إيران واستبدال الصراع العربي – الصهيوني بالصراع العربي – الإيراني، ولكن أيضاً ضمن مخطط إعادة تفكيك الدول العربية وتأسيس نظام إقليمي جديد يقوم على قيادة “إسرائيل” لدويلات عرقية وطائفية .
ما أشرنا إليه من حديث للصحافة “الإسرائيلية” عن احتمال حدوث تفكك طائفي في سوريا بما يعنيه من تغلب العناصر الطائفية على العناصر الوطنية الذي يراهن عليه “الإسرائيليون”، يتطابق تماماً مع ما جاء على لسان آفي ديختر وزير الجبهة الداخلية في الحكومة “الإسرائيلية” أمام أحد المراكز الاستراتيجية الصهيونية أوائل أكتوبر/تشرين الأول الفائت، فقد أكد أمرين أولهما أن هناك شراكة “إسرائيلية” مع كردستان العراق ميدانها العراق في الوقت الحالي، وقد يتسع في المستقبل لكن شريطة أن يتجه هذا الاتساع نحو سوريا وإيران دون تركيا . ثانيهما أن الخيار الاستراتيجي “الإسرائيلي” للعراق يتركز في ضرورة أن يبقى مجزّأ ومنقسماً ومعزولاً داخلياً عن البيئة الإقليمية .
الطموح “الإسرائيلي” أن يتسع مجال الشراكة “الإسرائيلية” مع كردستان العراق ليشمل سوريا وإيران ويتحول الآن إلى واقع في سوريا، ويبقى الهدف واحداً وهو أن تبقى سوريا مجزأة ومنقسمة ومعزولة داخلياً بعيداً عن البيئة الإقليمية .
هذه الكارثة حدثت منذ أن سلّم بشار الأسد شمالي سوريا بأغلبيته الكردية إلى حزب العمال الكردستاني التركي المعارض منذ بضعة أشهر مضت ما أعطى لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري) الفرصة للتحرك من أجل فرض أمر واقع كردستاني شمالي سوريا يقود إلى قيام حكم ذاتي للأكراد، وما نقلته صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية عن أحد القيادات الكردية يؤكد ذلك، فقد نقلت ما يقول “نحن نعمل حالياً على تحقيق الحكم الذاتي وعلى إدارة أنفسنا، إذ يتعين علينا أن نستعد لسقوط النظام” .
أين الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من هذا كله؟ وما مواقف الأطراف العربية والإقليمية والدولية الداعمة لهذا التحالف من هذه التطورات؟ وما هي تصورات كل هذه الأطراف لليوم التالي من سقوط النظام؟ من سيتحالف مع من وضد من؟ وأين سوريا الموحدة المستقرة من هذا كله؟
الخليج
شرعية الخطيب… وشرعية الأسد !
راجح الخوري
عندما ينص البند الثالث من الاتفاق الذي انبثق منه “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” على عدم الدخول في اي مفاوضات مع النظام والتعهد بالعمل لإسقاطه مع رموزه واركانه وتفكيك بنيته الامنية، فذلك يعني ان الحديث عن سعي روسي – اميركي الى حل سياسي ليس صحيحاً، وخصوصاً ان اجتماعات الدوحة قررت تشكيل “حكومة موقتة” مقرّها المناطق المحررة بدلاً من الحديث سابقاً عن “حكومة انتقالية” وفق “الحل اليمني”، وهو ما سيؤجج العنف ما لم تقنع موسكو الاسد بالخروج من البوابة الخلفية !
ما جرى في الدوحة مهم الى درجة تجعل كل ما سبق لقطر ان قدمته الى المعارضة في كفة وما أنجزته بالتعاون مع السعوديين والاميركيين والاتراك في كفة، فليس سراً ان الاجتماع عقد بعدما رفعت هيلاري كلينتون غطاء التمثيل عن “المجلس الوطني”، وبعدما قال قائد المجلس العسكري لـ”الجيش الحر” العميد مصطفى الشيخ لصحيفة “الدايلي تلغراف”: “اذا لم يتخذ قرار سريع بدعمنا سنتحول كلنا إرهابيين، وان الارهاب سينمو بسرعة”.
توحيد صفوف المعارضة إنجاز مهم لأنه يفتح افقاً سياسياً مقبولاً يشكل مقدمة لدعم اكثر جدية للمعارضة، ولهذا حرصت الدوحة على استضافة المؤتمر ومارست كل وسائل الاقناع وحتى الضغط للوصول الى هذه النتيجة لانهاء الانقسام الذي طالما انعكس سلباً على الموقف الدولي من الثورة وكذلك على معنويات الثوار.
امس اصطحب الشيخ حمد بن جاسم رئيس الائتلاف احمد معاذ الخطيب لإبلاغ الجامعة العربية رسمياً بالاتفاق، ودعا العالم الى الإعتراف بالتنظيم ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب السوري، متعهداً العمل مع مجلس التعاون الخليجي لاقناع اميركا والاوروبيين و”اصدقاء الشعب السوري” الذين سيجتمعون نهاية الشهر في طوكيو لتقديم المساعدة اليه، وقت سارعت واشنطن ولندن وباريس الى اعلان دعمها للمعارضة في شكلها الموحّد، لكنها اكتفت بالحديث عن “مساعدات سلمية وانسانية” فيما يرتفع صراخ الثوار طلباً لمساعدات عسكرية في وجه طائرات النظام ودباباته!
أحمد داود اوغلو قال: “إن زمن التبرير بأن المعارضة منقسمة قد ولى وذهب”، لكن النتيجة العملية تبقى منوطة بما سيقدمه المجتمع الدولي. فهل سيبارك الجميع الائتلاف ممثلاً شرعياً وحيداً للسوريين؟ وماذا عن موقف روسيا وايران والصين الداعم لبشار الاسد الذي قال للتلفزيون الروسي قبل ايام انه ولد وسيموت في سوريا، وهو ما يذكّر بتصريح للقذافي قبل سقوطه؟
إتفاق الدوحة يقدم جسماً سياسياً لمعارضة سورية مقبولة من العالم، لكنه سيفضي الى تصعيد النظام للعنف، وهو ما اشار اليه الاسد بقوله “إن الحرب ستطول”. نعم ستطول لأنها كما وصفتها هذه الزاوية دائماً حرب “يا قاتل يا مقتول” !
النهار
المعارضة الوطنية السورية أمام امتحان التعددية
د. نقولا زيدان
يطرح انتخاب جورج صبرا منذ أيام رئيساً للمجلس الوطني السوري بل يثير ملفات عدة لا تمس الثورة السورية المشتعلة منذ ثمانية عشر شهراً فحسب بل العديد من القضايا والعلاقات البنوية والموضوعية المتعلقة بالربيع العربي والضغوط العربية والإقليمية التي يتعرض لها الملف السوري البالغ ذروته في تداعياته الآن.
إننا نقرّ بصدق وشفافية وبقراءة ومقاربة موضوعية لتركيبة الوضع السوري المعقد والمتشابك منذ نشأة هذا الكيان وعبر مسار تطوره التاريخي، شأنه في ذلك شأن فلسطين ولبنان والعراق وسائر الكيانات السياسية العربية المشرقية. فالتنوع الديني والاثني والطائفي والعشائري السوري، منذ ولادة سوريا، قد جعل منها بلداً يزخر بالتناقضات والصراعات والتنازع على خلفية هذه الأطياف. وبديهي أن الإرث المشبع بالتخلف والإعاقة والتعصب الذي حملته سوريا في نسيجها البشري والاجتماعي والاقتصادي، منذ أيام الاستقلال الأولى كان يشكل وما زال عبئاً ثقيلاً على الحكومات والسلطات المتعاقبة فيها.
ففي تشكل المدن (Structures Urbaires) وقرى الأرياف ودساكرها وبواديها (Structures rurales) تجاور وتساكن بل تزاوج وتصاهر كل هذا الموزاييك المؤلف من السنة والعلويين والمسيحيين والأكراد واليزيديين والسريان والأرمن والتركمان والشركس، من دون أن تضمحل أو تتلاشى خصوصيات ومعتقدات وشعائر وأنماط عيش كل من هذه المكونات. ولم تستطع الحكومات الأولى الاستقلالية السورية إرساء أنظمة سياسية اقتصادية اجتماعية متطورة متقدمة من شأنها بلورة كل ما هو مختلف آخر ومناقض أحياناً لبناء مجتمع سوري جديد. لا بل جاءت حركة التحرر الوطني العربية التي وضعت حداً ظاهراً وشكلياً لتعاقب الانقلابات العسكرية التي ركبت السلطة باسم “فلسطين” لتطمس هذه التناقضات والصراعات الضمنية ولتأخذها باتجاه آخر عوضاً عن إظهارها ومعالجتها وحل مشكلاتها المستعصية.
لا بل أخفقت مرحلة الوحدة (1958 1961) مع صعود نجم الرئيس جمال عبد الناصر وشعاراته التحررية في حل هذه المشكلات لا سيما أنها لم تأخذ بالاعتبار خصوصية الوضع السوري والتشكيلات الأولى لهيئات المجتمع المدني السوري من نقابات عمالية، ورابطات فلاحية ونوادٍ وحركات مثقفين ديموقراطيين وليبراليين ونوازع تتشبث بالحريات العامة وحق التعبير عن الرأي والاختلاف فيه. أما البعث فقد أرسى منذ عام 1963 نظام الحزب الواحد تاركاً للقوى السياسية والاجتماعية الأخرى هامشاً ضئيلاً للحركة والتعبير. وقد شكلت هزيمة حرب حزيران 1967 فرصة للعسكرية السورية المستندة لحكم العائلة الواحدة وزبانيتها للسيطرة النهائية على كل مقدرات سوريا وقواها الحية، بما يضمن لآل “الأسد” استمرار الحكم فيها وثباته آلة عسكرية صماء تدين بالولاء المطلق للحاكم الفرد، تسهر على إمساكه بالسلطة شبكة متعددة من أجهزة المخابرات تمارس المراقبة والتنصت والتحقيق والاستجواب فالتوقيف والاعتقال فالتصفية. لا بل اتخذ الحكم الديكتاتوري الأسدي في مرحلتين (الأب والابن) طابعاً مذهبياً عائلياً عمق الهوة بين الغالبية الساحقة من الشعب والنظام الشمولي الأسدي المحكم الإغلاق. هذا في الوقت الذي راحت فيه رياح تغييرية تهز المنطقة بأسرها حيث سقط نظام الشاه (1979) وبرزت جمهورية إسلامية مذهبية في إيران ذات طموحات توسعية متعددة الاتجاهات. ولم يفلح نظام الأسد الأب في الإمسكاك بالورقة الفلسطينية بعد تثبيت حكمه الحديدي في سوريا، وإحكام وصايته وسيطرته على لبنان. لبنان تلك الرئة الرأسمالية التي بمقدور الأسد من خلالها أن يجعل نظامه الشمولي يتنفس ويتعاطى مع السوق العالمي الرأسمالي.
ويعتقد بعضهم هنا، أن حافظ الأسد قد كرر في لبنان، معتمداً على هشاشة الوضع اللبناني وتمزقه الطائفي، وتحالفه مع النظام الإيراني الخطأ نفسه الذي سبق لعبد الناصر الوقوع فيه خلال مرحلة وحدة سوريا ومصر، إذ كما لم يدرك عبد الناصر خصوصية الوضع السوري، لم يعِ حافظ الأسد خصوصية الوضع اللبناني.
ثمة هاجسان رئيسيان يتحكمان بالإدارة الأميركية أياً كان الحزب الحاكم في واشنطن: البترول وإسرائيل. فمن الإمساك بمنابع النفط وطرقها وممراتها الحيوية توالت الحروب على العراق فسقط صدام حسين (2003)، كما أسست محادثات أوسلو وقيام حكم ذاتي فلسطيني غير واضح المعالم والحدود لمحادثات سلام متجددة لم تستطع انتاج سلام عادل مرتكز على قبول العرب بالاعتراف بإسرائيل جنباً الى جنب مع دولة فلسطينية حقيقية قابلة للحياة.
ومهما يكن من أمر فإن أحداث لبنان (اغتيال الرئيس الحريري عام 2005) واضطرار الجيش السوري الخروج من بلادنا وجه ضربة موجعة للنظام الأسدي. امتص نظام بشار الأسد الضربة وبدأ بهجومه المعاكس على لبنان حيث له حلفاء أقوياء (سلسلة الاغتيالات والتفجيرات المتواصلة، مغامرة حرب 2006 العسكرية التي تولاها حزب الله…).
إن حركة الربيع العربي أسقطت نظام زين العابدين بن علي في تونس والتي وسعت الحريق الثوري ليمتد وليصل الى مصر وليجتاح ليبيا واليمن قد زعزعت المشروع الإيراني الأسدي وهجوم الأسد الابن المعاكس على لبنان وأربكته إرباكاً شديداً. وبالرغم من محاولة طهران تثمير حرب غزة (مطلع 2010) لمصلحتها واجتياح اليمن (الحوثيون في صعده) ومضيها المحموم في نشاطها النووي بالممالأة والتسويف والإرجاء والمفاوضات العقيمة، ودعمها المطلق للنظام الأسدي فإن ذلك لم يحل دون نشوب الانتفاضة في سوريا. ولكي يتفرغ الحلف الثلاثي (إيران سوريا حزب الله) لمواجهة الانتفاضة السورية جرى الانقلاب على الحكومة الوطنية بقيادة سعد الحريري حيث ما لبث أن صدر القرار الظني الدولي بحق المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد الحريري.
ما لا شك فيه أن ثمة هيئات وكيانات وشخصيات سورية متعددة رافدة من أوساط متباينة، لكل منها تاريخ نضالي خاص وظروف نشأة وانبثاق ليست واحدة ولا متآخذة (Stondardisé) على الإطلاق. فاليساريون والديموقراطيون والوطنيون داخل سوريا وخارجها يرفدون من أحزاب وهيئات ورابطات وكيانات سياسية متنوعة، والاخوان المسلمون هم وازنون لهم ثقلهم السياسي الشعبي أيضاً، كما أن الأكراد لا يمثل طموحاتهم فصيل واحد، كما أن الثقل الاقتصادي للفئات التجارية المسيحية السورية يلعب دوراً في رجحان كفة الثورة زد على ذلك الأسر العلوية التي ضاقت ذرعاً بقبضة آل الأسد الحديدية وبطشها البربري بكبريات المدن والبلدات السورية. كما أن زعماء العشائر سئموا من سياسة شراء ولائهم بالمال. ثم ان تورط إيران العلني وحزب الله في القتال الشرس الدائر آثار سخط أهل السنة المتشددين. أضف الى ذلك أن تحريض النظام الأسدي للمسيحيين يثير حفيظتهم حيال مستقبلهم في بلاد تعصف بها رياح الثورة…
إن المجلس الوطني السوري، والجيش السوري الحر يحظيان بتأييد جماهيري سوري واسع. كما أن ثمة هيئات ومكونات وطنية معارضة ما زالت تتريث أو تفاوض حول شروطها الخاصة للانضمام اليه. وإن كان المجلس قد أحسن صنيعاً بانتخاب عبد الباسط سيدا رئيساً لمواجهة تلاعب نظام الأسد بالعامل الكردي لإضعاف التعاطف التركي الرسمي مع الثورة، فإن الموقف المتقدم لحكومة البرزاني الكردية في اربيل في لجم حزب العمال الكردستاني وعدم انجراره الى قعر الهاوية التي يسعى الأسد لإلقائه في أتونها، قد أفسح في المجال لانتخاب جورج صبرا رئيساً للمجلس الوطني.
لا تبدو مهمة صبرا سهلة على الإطلاق، خصوصاً في ظل مبادرات ومطالب الأطياف المعارضة الأخرى ويفاقم من مصاعب مهمة الرئيس الجديد للمجلس صعوبة استمرار الممالأة والتأرجح الأميركيين في دعم المعارضة دعماً مادياً ملموساً مطلقاً في الوقت الذي تقدم موسكو للأسد ما لا يوصف من أشكال الدعم. لا بل يعقد اضطلاع صبرا بمسؤولياته الجديدة التجاذب العربي العربي في محاولات يائسة للإمساك بعنق المعارضة. هذا، ويترنح نظام بشار الأسد في خبط عشواء تارة بالتحرش بتركيا شمالاً وطوراً بإثارة المتاعب على الجولان المحتل وبالعودة مجدداً الى مسلسل الاغتيالات وزعزعة الوضع اللبناني وهو بالأساس قائم على كف عفريت.
ويأتي تشكيل الائتلاف الوطني السوري وتتالي الاعترافات عربياً وعالمياً، ليشكل امتحاناً لقدرة المعارضة السورية على إدارة تعدديتها وتناقضاتها الثانوية بصورة سليمة، بما يضمن المسيرة الوطنية السورية نحو النصر المؤزر.
المستقبل
هل تتحد المعارضة السورية؟!
يوسف الكويليت
سورية هي من بدأ بأول الانقلابات العسكرية، وآخر انفجار لثورة الربيع العربي، ومع أن الزمن وفوارقه بين الحادثتين بعيدة، فقد طرأت تغيرات لم تُسعد السوريين، لأنها خرجت من الازدهار الاقتصادي إلى هجرة الأموال والكفاءات بسبب الدكتاتوريات العسكرية المتعاقبة، ولعل ما بني خلال نصف قرن من بنية أساسية ومصانع، وغيرهما وحتى آثار آلاف السنين خضعت لتدمير متعمد من قبل حكومة أسرة الأسد، وهي سابقة في تاريخ العرب الحديث أي أن غزو العراق، وما رافقه من انفلات أمني كان أقل خسائر من الوضع الذي ارتكبه الأسد الابن.
وكأي تآلف للمعارضة أو الجهات التي تنشأ عن أي حدث عربي أصيبت سورية بالمرض العربي حيث إن نشوء المجلس الوطني الذي بدأ بعدة فصائل عجز عن أن يجذب ويجمع الأطراف الأخرى، وهي مشكلة وجد فيها من يريدون إحداث تغيير في الوضع السوري في حال رحيل الأسد، أن كفاءة المعارضة باتت ضعيفة ما أعطى للنظام فسحة كبيرة في اللعب على وتر هذا التشتت، غير أن اجتماع قطر لجميع الفرقاء، ومحاولة الانضواء داخل المجلس الوطني السوري، ومن ثم تشكيل حكومة منفى، كانت الطريق الوحيد لخلق جبهة متحدة.
ولأن الغريق يبحث عن مَن يرافقه لقدره الأخير، فإن النظام السوري حاول استثارة البلدان المحادّة له، فبدأ بلبنان ثم الأردن كحلقتين يراهما الأضعف، إلى التحرش بتركيا، ثم قصف الجولان المحتل، وكلا جيش البلدين يتفوق على أسلحة النظام عشرات المرات، مع أن إسرائيل وأمريكا وأوروبا تريد استمرار الحالة السورية؛ لأن التدمير المتبادل الذي يقوم به النظام ورد الجيش الحر، هو استمرار لخلق بلد منهك مادياً وبشرياً، وأن أي حكم قادم سيعمل، حسب الرؤية الأمريكية – الإسرائيلية، على عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، سواء أكان حكماً مدنياً أم عسكرياً أم تعددياً، وسوف تضيق أمامه الفرص في معاداة إسرائيل أو محاربتها سياسياً أو عسكرياً، وربما لسنوات طويلة، لأن إعادة بناء ما ستخلفه الأزمة الراهنة تحتاج إلى أموال وجهود خارقة حتى يتم وضع سورية على طريق التنمية والاستقرار، وربما لسنوات طويلة..
ما بعد النظام يبقى ضبابياً، أي أن الرؤية الخارجية تعتقد ببروز تيار إسلامي أسوة بما جرى في تونس ومصر، لأن حزب النظام مسيّس، وليس له قاعدة قوية، وبقية التشكيلات الأخرى قتلت ووضع لها أسماء على لائحة اختارها النظام كقوى مشاركة في الحكم، وهي مجرد صور لا وزن أو ثقل لها، وعربياً لا نجد من يعطي تحليلاً يصف المرحلة القادمة إلاّ ما يشبه الاتفاق على زوال النظام، وتترك الحلول للشعب صاحب الخيار الوحيد، مع أن المخاوف من وجود فراغ أمني وسياسي أمر وارد، حيث إن ما بعد الأسد لن تقتصر آثاره على الوضع الداخلي فقط بل سيؤثر على الدول المجاورة بحسب موقعها وظرفها..
الرياض
من سيعترف بالائتلاف السوري؟!
يوسف الكويليت
ماذا يحتاج ائتلاف المعارضة السوري من المجتمع الدولي، وخاصة الدول المؤثرة في الأحداث العالمية، هل يكفي الاعتراف به ممثلاً للشعب السوري، وماهي الفائدة السياسية، إذا كان الدعم المادي والعسكري والسياسي تدور عليه الخلافات الحادة بين الدول؟
منظور أمريكا أنها لا تريد الاعتراف لأسباب تراها تخدم مصالحها، فهي ليست مع النظام ولا ضده طالما خشيت أن القادم ربما نظام إسلامي يعاديها ويعادي إسرائيل، وحتى وجود حكومة منفى تبقى الرؤية حولها ضبابية بزعم أن النظام ما زال قوياً ولديه فئات تدين بالولاء له..
نظرة أوروبا ربما تختلف، فقد تعترف بالائتلاف، وقد تساعد المعارضة والجيش الحر بالسلاح للتسريع باسقاط النظام، لأن العلاقة التقليدية مع الحكومات السورية قديماً وحديثاً أكثر رسوخاً من العلاقة مع أمريكا وخاصة فرنسا التي لا تزال تعتقد أن موقعها في سوريا ولبنان مازال مهماً ومطلوباً..
روسيا والصين سيبقيان على موقفهما المؤيد للنظام والرفض التام لتغييره، لتفضيل الحوار على المواجهة أو حسم الأمر للمعارضة لكن أبواب الحوار مغلقة بدليل أن الأطراف الذين اجتمعوا بمسؤولين روس من الطرف غير الحكومي السوري، سمعوا نفس التصريحات والاصرار على المواقف الرافضين لها، وكذلك الأمر في حكومة الأسد، فهي مع قبول الحوار شكلاً ورفض شروطه التي تصر عليها المعارضة، والخلاف لا يمكن أن يغلق بالأفكار والآراء، وإلاّ لماذا فشل جميع الوسطاء في غلق الفجوات بين الفرقاء، لو لا أن خيار السلطة ثابت بالحسم العسكري وحده، ولا وجود لبديل آخر، بل ترى المعارضة عنصر ارهاب تحركها قوى خارجية تسعى لاسقاطها بالقوة، بينما الواقع يكذب ذلك بمضاعفات المؤيدين للجيش الحر، والانشقاقات الكبيرة من الجيش النظامي واللجوء لهم؟..
عملية أن يأخذ الائتلاف اعترافاً دولياً يعني ان شرعية النظام القائم ستنتهي وهذا يدعم تشكيل حكومة منفى، لكن الرهان يظل مشككاً ببقاء هذا التآلف، لأن فوارق كبيرة بالأفكار والمواقف، وحتى الايدولوجيا قد تخلق أزمة تؤدي إلى الانقسام من جديد، وخيار الدولة أيضاً سيخلق عوائق لأن من يحق له تمثيل حزبه أو قوته سيرفض أو يتنازل لغيره صاحب الاقلية الاستئثار بإحدى الوزارات السيادية، وعموماً فالتجربة ليست بالسوء حتى يسيطر التشاؤم على التفاؤل لكنها طبيعة الأوضاع العربية التي يطغى فيها الخلاف على الوئام ووحدة المصلحة الوطنية على الفئوية أو الحزبية..
الدول العربية منقسمة بين مؤيد للمعارضة، ومتعاطف مع نظام الأسد لكن الأمور لا تحسمها المواقف الخارجية فقط رغم تأثيرها الحقيقي لأن من يقوم بالدور، على الأرض هو من يملك تقرير المصير لمستقبل سوريا وشعبها..
الرياض
وحدة المعارضة السورية فرضت سقوط الأسد من أي حلّ
ربى كبّارة
يؤكد توالي الاعترافات العربية والدولية بـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” أن أي حلّ للازمة السورية سيكون من دون بشار الاسد، بما يرسم حدودا واضحة لمهمة المبعوث العربي الدولي الاخضر الابراهيمي تقتصر على اقناع الاسد بالتنحي، ويقضي على آمال روسيا وايران بالمحافظة على نظام مددت له مرارا الفرص من دون ان ينجح خلال نحو 20 شهراً في القضاء على ثورة أسقط خلالها نحو 38 الف ضحية.
فقد تعهد الائتلاف في بيانه الختامي “عدم الدخول بأي حوار أو مفاوضات مع النظام” بما يحتّم على المعترفين به مساندته لينجح في اسقاط الاسد ورموزه ان عبر حظر جوي يحمي مناطقه المحررة او اقله عبر مده بسلاح يمكنه من اسقاط المقاتلات التي باتت السلاح الوحيد الذي يعتمده النظام في اطار محاولاته العبثية المتكررة لاسترداد مناطق خرجت عن نفوذه وخصوصا تلك الممتدة بين الحدود مع تركيا وحلب باعتبارها مرشحة لاقامة الحكم المؤقت.
ويواجه الائتلاف جملة تحديات داخلية وخارجية كي يستكمل انتقالاً سياسياً للسلطة يوقف سفك الدماء ويصون وحدة الارض. وقد تمّ التوصل الى توحيد المعارضة الاحد في الدوحة بعد اشهر من الضغوط العربية والدولية لوضع حد لشرذمتها التي حالت دون مدّها بالسلاح النوعي فاقتصرت مساندتها على الاسلحة التقليدية والمساعدات المالية والانسانية، أما ما بين يديها من سلاح ثقيل كالدبابات فقد غنمته من الجيش النظامي..
فبسرعة اعترفت الجامعة العربية بالائتلاف “ممثلا شرعيا” للشعب السوري. وسينكب الائتلاف أولاً على تشكيل حكومة انتقالية تحتل لاحقا مقعد سوريا في الجامعة العربية مثلا او تتسلم السفارات في الدول المساندة، وثانياً على توحيد تشكيلاته العسكرية.
فمن القاهرة وفوراً، شدّد رئيس الائتلاف احمد معاذ الخطيب على حاجة المعارضة الملحة الى الاسلحة داعيا المجتمع الدولي الى توفير “اسلحة نوعية” لها. ويرى ديبلوماسي عربي سابق بان الاسلحة النوعية تعني مثلا صواريخ ارض – جو قادرة على صدّ المقاتلات الحربية التي باتت السلاح الرئيس الذي يستخدمه النظام ضد المناطق الخارجة عن سيطرته. وهو يلفت الى غياب المؤشرات، حتى الآن، عن توفر رغبة دولية في تأمين منطقة حظر جوي تمتد من الحدود التركية حتى حلب، رغم تحذير وزير الدفاع التركي عصمت يلماظ النظام السوري من انتهاك المجال الجوي لبلاده وتأكيده اننا “سنقوم بالرد الحتمي على أي طائرة او مروحية سورية تنتهك مجالنا الجوي”.
وتلت فرنسا مع اعلان رئيسها فرانسوا هولاند الاعتراف بالائتلاف كـ”ممثل وحيد للشعب السوري وبالتالي الحكومة الانتقالية المقبلة لسوريا الديموقراطية التي ستتيح الانتهاء مع نظام بشار الاسد”. كما فتح الرئيس الفرنسي الباب امام تسليح المعارضة بما يحمي مناطقها عبر طرحه امكانية الغاء الحظر الذي فرضه الاتحاد الاوروبي على ارسال الاسلحة الى سوريا.
وتبعت الولايات المتحدة التي تخلصت من ضغوط انتخاباتها الرئاسية وكانت قد ترددت قبل التجديد لباراك اوباما لولاية ثانية تمتد أربع سنوات في دعم تسليح المعارضة خشية وقوع الاسلحة في يد ارهابيين يضخم النظام السوري حجمهم ليخيف الغرب. فاعترفت واشنطن بالائتلاف بما يعني عزمها على اعادة النظر في خياراتها.
ويتوقع ديبلوماسي عربي سابق ان تتوالى الاعترافات بما يفترض ان الحل المقبل لن يلحظ وجود الاسد. فمهمة الابراهيمي باتت محصورة بإقناع الاسد بالتنحي لا بالبحث عن سبل لتواصله مع المعارضة لان الحل السياسي الذي يبحث عنه مرتبط بحدة الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا من جهة وبين ايران ودول الخليج من جهة اخرى.
وتبدو ايران مصرّة على تغييب العامل الذي استجدّ بوحدة المعارضة اذ دعت الى حوار بين الطرفين الاحد المقبل في طهران من دون ان تحدد من سيمثل المعارضة.
اما روسيا التي دأبت على دعم الاسد، فهمّها الاساسي استمرار نفوذها في الحكم المقبل، لذا تبدو مستوعبة أهمية ما تحقق باعتباره محطة تأسيسية. فقد نشط وزير خارجيتها سيرغي لافروف في المنطقة التي زارها مرتين خلال اسبوعين: القاهرة التي اطلقت مبادرة رباعية تشمل ايران قاطعتها السعودية، ثم الرياض حيث بحث الاوضاع مع نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي. ويستبعد المصدر ان يكون هدف لافروف اقناع القيادة السعودية بمشاركة ايران في التوصل الى حل وانما هدفه الحفاظ على مصالح بلاده خصوصا وان رئيسها استبق وصوله بالقول “لا ندعم احدا في هذا النزاع، لا الرئيس الاسد ولا المتمردين، خلافا لما يظنه الناس عموما”.
اما الصين، التي وقفت الى جانب روسيا في مجلس الامن الدولي في كل مرة استخدمت فيها حق النقض للحوؤل دون قرار ضد الاسد، فقد اكتفى المتحدث باسم وزارة خارجيتها هونغ لي بالقول تعليقا على قيام الائتلاف “العملية السياسية الانتقالية بقيادة الشعب السوري يجب أن تبدأ قريباً لتحقيق حل عادل وسلمي ومناسب للمسألة السورية”.
المستقبل
المرحلة الأخيرة: اعتراف وسلاح وإغاثة للمعارضة
عبدالوهاب بدرخان *
تغلّب المنـطق وانتصرت المصلحة على الخلافات بين مكوّنات المعارضة السورية وأشخاصها، لكن مع إلحاح من «مجموعة أصدقاء الشعب السوري» على تأكيد تجاوز تلك الخلافات، وإلا فإنها سـتُربك المرحلة الدقيـقة المـقبلة وتـعرقلهــا. ففي أروقة لقاءات الدوحة عـلى مدى اســبـوع كان هـناك أمر واحد مؤكد: إن «المـبادرة» التي ولـّدت «الائـتلاف الوطني»، طُرحت لتُقـبل، وعـلى رغم النـقاش الـطويل لم يكن هناك خيار آخر أمام «المجلس الوطني»، الـذي تيقن أيضاً بأن «المبادرة» لا ترمي الى إلغائه بل تحتاج الى قاطرته لكنها تتطلع الى «قيادة جديدة». والأمر الآخر الـمؤكد هـو أن دول «مجـموعة الأصـدقاء» بدت متـوافقـة على ضرورة التغيير، فبعد عشرين شهراً من الأزمة أصبحت تعرف أكثر عن حقائق الوضع الميداني وقدرات الحراك الثوري، وتكوّنت لديها خيارات محددة لمساعدة الشعب السوري، قوامها تجميع العناصر المبعثرة للمشهد الداخلي: مجالس عسكرية، لجان مدنية محلية، وجماعات مسلحة موزّعة على اتجاهات متعددة: تطرف طبيعي نتيجة القمع الوحشي وتعثر الدعم الخارجي، تطرف متغلغل بلباس الارهاب «القاعدي»، والتطرف الأكثر ضراوةً الذي تمثله عصابات أنشأها النظام وتدّعي معارضته فيما تنفذ أبشع مجازره.
كانت مواقف المجموعة الدولية منسجمة، على رغم أن تركيا امتعضت من تجاوز «المجلس الوطني» الذي ولد في حاضنتها وكان عنواناً لنفوذها على الثورة، وكذلك على رغم مقاومة للتغيير من بعض رموز «المجلس» أوحت بأن ثمة دولاً ظلّت تناور حتى اللحظة الأخيرة للحفاظ على دورها في رعاية المعارضة. لكن تباينات الدول تلاشت شيئاً فشيئاً مع ارتسام الصيغ المقبولة التي جسّدها «الائتلاف» مع إبقاء «المجلس» في الصورة. كان ردّ الفعل على «المبادرة» انعكس على أول انتخابات أجراها «المجلس» لأمانته العامة، إذ دفع وجوهاً أساسية الى عدم الترشح، فيما استبعدت الصناديق وجوهاً اخرى، ما أثار استياء في الكواليس من النظام الذي اعتمد للانتخاب ومن طريقة التكتل وتشكيل اللوائح لأنهما أدّيا الى نتائج فئوية همّشت المستقلين، كما برزت انتقادات قوية لـ «الإخوان المسلمين». لذلك صير الى «التصحيح» في انتخاب المكتب التنفيذي باختيار جورج صبرا رئيساً لـ «المجلس»، وهو مسيحي من المعارضين المزمنين وكان اعتُقل بعد اندلاع الثورة وخرجت تظاهرة من مسجد بلدته قطنا للمطالبة بالإفراج عنه.
كان على «المجلس الوطني» أن يدرك أهمية توافق «مجموعة الأصدقاء» التي انتظرت طويلاً لتتعرّف الى توجهات الادارة الاميركية بعد الانتخابات، ولتبدأ أخيراً تعاملاً أكثر ديناميكيةً مع الأزمة. من الواضح أن هذه الدول لم تجد في تركيبة «المجلس» ما يمكّنها من العمل، فدأبت طوال الشهور الأخيرة على تكرار المطالبة بتمثيل أوسع وأقرب الى معارضة الداخل وإلى ارتباط أوثق بين القيادة السياسية والمجالس العسكرية واللجان المحلية، كما دعت الى تشكيل حكومة تستطيع الاعتراف بها ودفعها الى صيغة عمل أكثر تركيزاً على إسقاط النظام. اذ ان استبعاد خيار التدخل العسكري الخارجي، وفقاً لما حصل مع ليبيا، حتّم الاعتماد على الجهد السوري الداخلي الذي أثبت أنه يمكن أن يكون أكثر فاعليةً لتحرير مناطق جديدة وتأمينها اذا توافرت له الأسلحة المناسبة، واذا عضدته قيادة سياسية وحكومة لإدارة تلك المناطق. مُنح «المجلس» الوقت اللازم لترتيب تلك الاستحقاقات لكنه تأخّر كثيراً، ما أكد الانطباع بأن تركيبته وأشخاصه غير قادرين على انجاز المهمة. لذلك راحت القوى الخارجية المعنية تُنضج خيارات مكمّلة أو بديلة سواء يالتشاور مع أطراف الحراك الثوري في الداخل أو من خلال المشاورات في غرفتي العمليات في الاردن وتركيا. وعندما أعلن رياض سيف اقتراحه «هيئة المبادرة الوطنية» كان تأكد له أن «مجموعة الأصدقاء» لم تعد ترى جدوى من حصر عملها في اطار «المجلس الوطني»، وأن لا خيار للمعارضة إلا بالاعتماد على الدعم الدولي، ولأجل ذلك تحمّل سيف كل أنواع النقد والتجريح الشخصي من أعضاء في «المجلس» بلغ بعضهم حدّ تخوينه وتلقيبه بـ «كارزاي سورية».
لعل التوافق على أحمد معاذ الخطيب شكّل مفاجأة. ولعل أفضل الأوصاف للرجل قول أحد المعارضين إن رئيس «الائتلاف» مسلـم سـوري يشـبه حـاليـاً «أكـثرية السوريين» الذين ظهّرت المحنة الراهنة إسـلامهم، لكنهم لم «يتأخوَنوا» ولا التحقوا بالـسـلف. انه الاسلام الوطني غير المتعصّب وغير الطـائفي، والخطيب متأصّل في هذا الموقع، ومعروفٌ جيداً في الداخل بأنه معارض صلب ومحنّك وإنْ لم يكن موجوداً في الاعلام، وهو معروف أكثر بآرائه المتقدمة ودعوته المعكوسة الى «فصل الدولة عن الدين»، بمعنى أن تكفّ الأنظمة عن «ركوب الدين لتحقيق مصالحها». اذ اعتبر منذ وقت طويل أن «المشكلة التي نعيشها أكبر من تيار الاسلام السياسي» (نيوزويك 2007). وفي احتفال التوقيع على اتفاق «الائتلاف» لفتت كلمته بشمولها وردّها على معظم الاسئلة، اذ كان بالغ الوضوح في الدفاع عن إسلام وسطي يمثله، وفي الاعتراف بمكانة المرأة ودورها في الثورة. لا بدّ من أن سيرته هي التي شجّعت على اختياره لترؤس أول «برلمان» مشكّل بالتوافق، وسيكون عليه أن يتفادى أخطاء «المجلس الوطني» وأن يعمل بتناغم مع «الحكومة الموقتة» والمجلس العسكري الموحّد لاستيعاب المساعدة الدولية.
بدهي أن السؤال الذي يؤرق الجميع، بعد كل الضغوط لإحداث هذا التغيـير في جـسم المـعارضة، يتعلّق بـ «الضمانات». فالمـتـوقع مـنذ الآن أن يــجرى العمل سريعاً لئلا يفقـد «الائتلـاف» قوة الدفـع التـي بدأ يستـمدّها من اعتراف مجلـس التعاون الخليـجي به كـ «مـمـثل شـرعي» للـشـعب الســوري ومن تـبـنـيه لدى الجامعة العربية والاستعداد لتكريـسه في اجتماعين دوليين يعقدان في لندن ومراكـش. صـحيح أن الوعود كثـيرة وتتســم بالـجـدية خــلافاً للمرحلة السابقة، إلا أن المعارضة لا تزال تجهل ما هي التوجهات الحقيقية للادارة الامـيركـية، خصوصاً أن مسألة الاعتراف اصـطـدمـت لتوّها مع مـقتـضيات مـراعـاة مهمة المبعوث الدولي – العربي الأخضر الابراهيمي.
فمن بين الاجراءات المترتبة عن الاعتراف إمكان تسليم السفارات السورية الى المعارضة وقبول الوثائق الرسمية الصادرة عنها، ومنها مثلاً اعلان مسبق بعدم الالتزام بأي عقود يبرمها النظام ولن يُتاح إيفاؤها، وفي ذلك تحذير للدول كافةً ولا سيما روسيا والى حدٍ ما ايران. كما يفترض الدعم المالي إمكان رفع الحظر ولو جزئياً عن الأموال السورية في الخارج، وسيتوقف هذا على موافقة اميركية لن تحصل بـسهولة. أما التسليح النوعي فالأرجح أن تـغضّ واشنطن النـظر عـنه وفقـاً لـشـروط يصار الى تـحـديـدها بين الأجهزة المختصّة، لكنها لن تعطي الضوء الأخضر لتوفيره إلا بعد أن تتأكد من سير العمل بين المكوّنات السياسية والعسكرية للائتلاف ومن الجهة التي ستكون مسؤولة عن تسـلّم الأسلـحة. لكل ذلك، كان مفهوماً أن تقول سهير الأتاسي إن «الضمان الوحيد» هو الحراك الداخلي الذي أجبر الدول الكبرى على مراجعة سياساتها ولجم اندفاعاتها الى تسوية مع النظام.
تؤشر ولادة الائتلاف الى بداية مرحلة جديدة – أخيرة استشعرها النظام، ولذا راح يلوّح بتحريك الورقة الاسرائيلية، لكن بعد فوات الأوان. فحتى الحرب ضد العدو لن تغيّّر شيئاً في أحواله. ولعل الحذر من انقلابات الموقف الدولي، بالأخص الاميركي، هو ما فرض البندين الأولين في اتفاق الائتلاف، اذ ينصّان على «إسقاط النظام بكل رموزه وأركانه» و «عدم دخول أي حوار أو مفاوضات معه». لا يمكن العثور على محاور أو مفاوض واحد في صفوف المعارضة الحقيقية، وفي ذلك ما فيه من اقصاء لتسوية أو حل سياسي كما تأمل روسيا وإيران، ولا عزاء لهما إلا ببذل كل جهد لإطالة الأزمة بحثاً عن ترضيات اميركية.
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
«الائتلاف» السوري… مهمتان في النفق
زهير قصيباتي
بتوسيع المظلة السياسية الحاضنة لقوى الثورة والمعارضة في سورية، يدخل الصراع مرحلة توحيد الفصائل و «الكتائب» المسلحة تحت جناح مجلس عسكري لـ «الائتلاف الوطني» الذي وُلِد في الدوحة، بعد مداولات عسيرة مع تلك القوى. دشّن مجلس التعاون الخليجي الاعتراف بالائتلاف «ممثلاً شرعياً للشعب السوري»، فيما بقيت جامعة الدول العربية دون هذا السقف، لتثير قلقاً لدى المعارضة التي ظنّت ان لقاءات الدوحة وما تمخّضت عنه، كفيلة بإعلان بدء العد العكسي للمرحلة الأخيرة من الصراع مع النظام السوري.
إعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اعتراف باريس بـ «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب»، إذ يذكر برفع سلفه نيكولا ساركوزي راية الحرب على نظام معمر القذافي، تبقى واشنطن متمسكة بـ «القيادة من خلف». تعترف بالائتلاف «ممثلاً شرعياً» لكنها تصر على أن ما تحقق في الدوحة لا يبرر إسقاط سياسة الامتناع عن تسليح المعارضة.
تنتظر إدارة أوباما الثانية أن يثبت الائتلاف وبعده مجلسه العسكري قدرتهما على احتواء «الكتائب» لمعالجة هواجس الأميركيين والغربيين عموماً إزاء «تغلغل الجهاديين» والمتشددين المتطرفين في صفوف الثوار، وهذه ما زالت مقولة النظام وحلفائه في الخارج، لتبرير حرب «استئصال» ما يسميه «المجموعات المسلحة الإرهابية».
وشتان ما بين قيادة أميركا الحرب على نظام القذافي «من خلف»- عبر الغطاء الجوي لعمليات «الأطلسي»- وقيادتها بحذر ديبلوماسية مواكبة الصراع في سورية. وبعدما نأى الغرب طويلاً عن أي سيناريو للتدخل العسكري من أجل وقف المجازر التي حصدت حوالى أربعين ألف قتيل من المدنيين والمعارضين وقوات النظام السوري، توجّه واشنطن الى «الائتلاف» رسالة تحدد له مهمة أخرى غير إسقاط النظام، هي «تطهير» البلد من «الجهاديين» وبعدها يمكن إدارة أوباما تسليح الثوار، باطمئنان.
والحال أن الرئيس الأميركي الذي فاز قبل أيام بولاية ثانية، سيجد كثيراً من الأعذار للتراجع حتى عن «القيادة من خلف». وإلى وطأة الأزمة الاقتصادية، تتحول هزة الفضائح في واشنطن كرة ثلج، منذ استقالة مدير «سي آي أي» التي لو كُشِفت قبل أسبوعين مثلاً، لربما بدّلت في حظوظ أوباما خلال الانتخابات الرئاسية.
سينقلب الحذر مزيداً من موجات التردد والتلعثم في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وقد يبقى الاعتراف الأميركي بـ «الائتلاف» السوري الجديد مجرد حماسة لفظية، ربما ينقذها إقدام موسكو على طرح مخرج من الحرب في سورية، لئلا تغامر بفقدان ما بقي من مصالحها في المنطقة. أما وقد اعتبرت دمشق لقاءات الدوحة «إعلان حرب»، فما الذي يبقى لروسيا لتناور به؟
قبل وصول وزير الخارجية سيرغي لافروف الى الرياض أمس للقاء نظرائه في دول مجلس التعاون الخليجي، طُرح السؤال مجدداً عن جوهر الأفكار أو «المبادرة» التي يحملها، علماً أن الديبلوماسية الروسية كانت تلح لعقد اللقاء منذ فترة. وإذا كان جلياً أن الهوة بين موقفي الكرملين والمجلس وراء تأخير المحادثات الوزارية، فاللافت أن رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف استبق الاجتماع بتكرار مقولة «انحياز» بعض الدول الى المعارضة السورية، بالشكل الذي «لا يشجع الحوار لإيجاد حل سياسي» مع النظام. ومشكلة الثنائي بوتين- مدفيديف مشكلتان: أن لا أحد في المنطقة ولا في أوروبا وأميركا يصدق ادعاءهما عدم الانحياز الى أي من طرفي الصراع في سورية… وأن الكرملين لم يدرك بعد نعي غالبية المعارضين السوريين الحوار مع النظام منذ شهور، أي منذ أُرغِمت الثورة على العسكرة تحت وطأة المجازر والتدمير الشامل للمدن. وللسبب ذاته، أي موت فرص الحلول السياسية، منذ ما قبل كسر المجازر حاجز العشرة آلاف قتيل، لم تعد المعارضة تعي مغزى الدعوة العربية – الأوروبية الى حوار «موسع» بين «الائتلاف الوطني» والمبعوث العربي- الدولي الأخضر الإبراهيمي، من أجل تأمين «انتقال (سلمي) للسلطة»!
ينتظر هولاند لتسليح المعارضة، إعلانها حكومة انتقالية تحظى بشرعية… ينتظر أوباما «تطهير» سورية من «الجهاديين» لئلا تقع في أيديهم صواريخ «ستينغر». ينتظر الإبراهيمي ويتكتم على خطته. يتريث أردوغان معتصماً بإنذارات وضمانات من «الأطلسي». وحدهم السوريون الى الأمام… في النفق الطويل.
الحياة
مهمّة الائتلاف الوطني
زياد ماجد
يصعب تحديد موقف دقيق من التطوّرات السياسية والتنظيمية على جبهة المعارضة السورية. ذلك أن “النفعية” وحدها صارت اليوم، بعد عشرين شهراً من عمر الثورة وبعد 40 ألف قتيل ومئات ألوف الجرحى والمعتقلين والنازحين، معيار قياس الأمور الأوّل.
فخيارات المعارضة السورية تقلّصت وانحسرت في إطار مهمّة وحيدة هي تسريع إسقاط النظام للحدّ من كمّ الأضرار التي يتسبّب بها وكبح الأذيّة التي ينشرها في المجتمع السوري. وهذا يعني في ما يعنيه، الالتفاف حول أي جسم إئتلافي واسع يؤّمن تمثيلاً مقبولاً للتيارات السياسية وللتنوّع الثقافي السوري وينتزع دعماً دولياً يوازي على الأقل الدعم الذي يحصل عليه النظام من إيران وروسيا (ومعهما الصين).
لكن المقلق في الأمر أن النفعية تدفع الى التجريب. والتجريب إن كثُر، فقدَ مع كل محاولة كثيراً من زاده وتحوّل مع الوقت عبئاً على المجرّبين ومن يمثّلون، خاصة وأن جلّ ما يستطيعونه راهناً هو إدارة الكفاح المسلّح الذي فرض النظام قيامه بعد استنفاد الثورة للأساليب السلمية، وإدارة الإغاثة الممكنة بعد أن حوّل النظام أبناء مدن وقرى ومناطق بأكملها الى منكوبين مشرّدين. وفي القتال كما الإغاثة تبدو السياسة في هوامش ضيقة، وتبدو الدعوات للبحث في قضايا خطيرة، مثل شكل النظام المستقبلي وبرامجه وسبل التعامل مع المسألتين الطائفية والقومية وقضايا السياسة الخارجية، ترفاً أو بحثاً تجريدياً لا يحمي مدينة من براميل ديناميت طائرة ولا بلدة من سكاكين ونيران زاحفة.
ليس من المبالغة إذن اعتبار التسليح، وتحديداً بالصواريخ المضادة للطيران، المقياس الأهم الذي يبيّن حزم الدول الغربية وخلفها بعض الدول العربية في دعم الثورة السورية. وليس من المبالغة أيضاً القول إن ما دون ذلك، لم يعُد يجدي في ظل تعطيل النظام السياسة داخل سوريا واستبدالها بالقتل، وفي ظل انخراط إيران وروسيا كل لأسبابها في تسليح آلة القتل ومنع انهيارها، وإدخالهما سوريا في دائرة التجاذب الإقليمي والدولي لتتحوّل – تماماً كما العراق عام 1991 – ساحةً لتظهير التبدّل في العلاقات الدولية وفي موقعَي روسيا والولايات المتّحدة الكونيّين.
إذا سلّمنا بصحة هذا التشخيص أو بصحّة بعض جوانبه، يصبح الحكم على الائتلاف الوطني السوري مرتبطاً بمدى نجاحه في انتزاع أسلحة نوعية ومواد إغاثة معيشية وطبية وتأمين وصولها الى أيدٍ أمينة داخل الثورة. وتصبح السياسة محصورة في قدرته على إقناع الدول الكبرى كما الدول العربية بالسير في الأمر ومواجهة المشكّكين بمصداقية قوى الثورة المسلّحة وانضباطها. دون النجاح في هكذا إقناع وتنفيذ، وبالعودة الى “التقييم النفعي”، يصبح الائتلاف هيئة موسّعة جديدة، بفاعلية قد تكون أعلى وقد تكون أدنى من فاعلية من سبقها، ويكون التجريب الملزم قد أكل رصيداً إضافياً من رصيد المحاولات التحالفية السورية الواسعة…
محزن أن يبدو الأمر على هذا النحو. لكن همجية نظام لاسياسي تنجح إن تُركت، وهي تُركت دولياً وعلى مدى أشهر طويلة، في تحويل ثورة من لحظة سياسية تبحث عن بناء الجديد سلمياً الى لحظة تغيير بالنار والبارود شغلها الوحيد مأساة بلادها وسبل إنهائها قبل البحث في المرحلة الانتقالية والنظام الجديد وغير ذلك من مشاريع سياسية نبيلة وضرورية…
لبنان الآن