مقالات تناولت مبادرة ستيفان دو ميستورا حول تجميد الصراع في حلب
تعويم الأسد/ حسان حيدر
يقول موفد الأمم المتحدة الى سورية دي ميستورا ان خطته لتحقيق وقف اطلاق نار جزئي في حلب تهدف الى تحويل كل الجهود نحو المعركة ضد «داعش»، لكن من الواضح انه يتجاهل عمداً حقيقة ان الجيش النظامي السوري لم يخض أي معركة فعلية مع التنظيم المتطرف، وأن كل المواجهات بينهما كانت عبارة عن «تسلم وتسليم» لمواقع نظامية، وخصوصاً حقول النفط والغاز التي باتت توفر التمويل والوقود لقوات البغدادي.
وفي هذا السياق، قد يتساءل البعض كيف ينفذ الطيران الاميركي والحليف ضرباته في سورية من دون ان يصطدم ولو عرضاً بطائرات النظام التي تواصل غاراتها اليومية على مختلف المناطق السورية، ولماذا ترفض الولايات المتحدة بشدة فرض منطقة حظر جوي فوق بعض المناطق السورية لحماية المدنيين؟
الواقع ان طيران النظام لا يتقاطع اطلاقاً مع طيران التحالف، لأنه لا يستهدف مناطق انتشار «داعش» بل المدن والقرى الخاضعة لسيطرة «الجيش السوري الحر»، على رغم تلاصقهما، في تنسيق مسبق غير معلن لاقتسام الأجواء السورية وفق مبدأ «لكل عدوه»، فيما تشكو المعارضة السورية من تجاهل الاميركيين لها تماماً، مؤكدة ان معرفة رجالها بالمعطيات على الارض يمكن ان تشكل عاملاً ايجابياً وتساعد طيران التحالف في تحقيق اهدافه بدقة اكبر، على رغم اقتناعها بأن الغارات الجوية وحدها لا تكفي.
اما الاميركيون فلا يريدون ان يغضب اي حظر جوي الايرانيين الذين لم يعد امامهم سوى الطائرات لنقل الاسلحة والذخائر الى قوات حليفهم حاكم دمشق، بعدما انعدم الخيار البري نتيجة المعارك في شمال العراق، وتقلصت كثيراً فرص الخيار البحري بسبب انتشار السفن الحربية الكثيف قبالة السواحل اللبنانية والسورية.
والسبب في حرص واشنطن المتزايد على عدم تعكير مزاج طهران، ليس ناجماً فقط عن رغبتها في الخروج باتفاق ينقذ ماء وجه باراك اوباما وسياسته الخارجية في العامين الاخيرين من ولايته، بل لأن الاميركيين وقعوا مجدداً في الفخ الايراني في العراق. فبعد خروج الجيش الاميركي من بلاد الرافدين أزالت الولايات المتحدة عن كاهلها عبئاً كان يجعل من جنودها رهائن لدى الايرانيين، وأحست بأنها باتت قادرة على التعامل مع الملف النووي الايراني بحرية اكبر، وان بإمكانها الابقاء على نظام العقوبات الاقتصادية الى حين قبول خامنئي بشروطها.
فجأة خرج «داعش» من تحت عباءة نظام بشار الاسد ودخل العراق الذي اختفى جيشه من أمامه، وبدأ في قطع رؤوس الرهائن الغربيين وتهديد الاميركيين والعالم بعمليات إرهابية في عقر دارهم. ووجد أوباما الخاضع لضغوط داخلية (زادت الآن بعد خسارته مجلسي الكونغرس)، والمتعرض لانتقادات مستمرة لانسحابه المتسرع من العراق، فرصة لاستعادة بعض شعبيته المنهارة امام الجمهوريين، فعاد الى العراق ولو بقوات أصغر يؤكد ان مهمتها استشارية. لكن تحقيق اي انجاز هناك يحتاجه بشدة، يتطلب تعاون ايران التي استعادت بذلك قوتها في المفاوضات على ملفها النووي، وعاودت تعنتها فيه، مثلما أظهرت جلسات مسقط قبل يومين، وجددت شروطها التي تشمل الإقرار بنفوذها الإقليمي، وفي مقدمها تعويم نظام الاسد وحمايته من السقوط.
وسيتضح في الاسابيع المقبلة ان اقتراح دي ميستورا يصب، قصداً او من غير قصد، في الاتجاه نفسه.
النهار
دوميستورا أمام غياب أفق الحلّ السياسي هل ينجح ويصمد تجميد مناطق النزاع؟/ روزانا بومنصف
لا تستقطب حركة المبعوث الدولي الى سوريا ستيفان دو ميستورا اهتماما كبيرا، على غرار ما حظي به الموفدان السابقان كوفي انان والاخضر الابرهيمي اللذان تنحيا عن المهمة التي كلف بها كل منهما في سوريا على التوالي نتيجة الفرص الضيئلة لإنجاز اي امر حقيقي ينهي المأساة السورية. اذ تراجعت اكثر فاكثر الظروف التي تسمح بمثل هذا الانجاز نتيجة ظروف دولية غدت اكثر تعقيدا مع توتر اميركي روسي على خلفية ازمة اوكرانيا غير مرشح للتراجع في المدى المنظور وعلى خلفية استمرار الصراع الاقليمي واقتسام اطراف هذا الصراع فصول الدعم لأطراف الحرب الاهلية في الداخل السوري. فيما ساهمت المواقف التي اطلقها الرئيس الاميركي باراك اوباما منذ اعلان الضربات العسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا، في احداث تراجع ملموس حول اي افق لحل سياسي في سوريا في المدى المنظور، ما همّش الى حد كبير مهمة دوميستورا كمبعوث دولي مكلف العمل على ايجاد الفرص لحل سياسي، وخصوصا مع التطورات الناشئة في سوريا والمتمثلة بسيطرة داعش على مناطق سورية واسعة، الامر الذي غير المعطيات السياسية اقله في اسلوب المقاربة الاميركية على رغم ان كل الظروف الاخرى غير متوافرة للبحث عن حل سياسي وليس فقط هذه التطورات المستجدة. فخلال اسبوع واحد على اثر الانتخابات النصفية للكونغرس الاميركي والذي فاز فيها الحزب الجمهوري بغالبية مجلسي الكونغرس، بدا الرئيس الاميركي في غاية الوضوح حول المرحلة المتبقية من ولايته والتي لا يدرج فيها حلا سياسيا للازمة السورية في المدى المنظور. اذ قال الاربعاء في 5 تشرين الثاني، “ان تركيزنا في سوريا ليس على حل مشكلة سوريا برمتها بل على عزل المناطق التي تعمل فيها الدولة الاسلامية”. وعاد فأوضح في حديث صحافي الاحد في 9 تشرين الثاني ردا على سؤال اذا كان لا يزال هدف الولايات المتحدة تنحي بشار الاسد: “هذه لا تزال سياستنا وهناك ثقة شبه مطلقة انه فقد شرعيته ولا يستطيع استعادة الشرعية المطلوبة… لكن ما قلناه اننا لا نقوم باعمال عسكرية ضد النظام السوري ونحن نستهدف منشآت داعش ومقاتليه الذين يستخدمون سوريا ملجأ آمنا، لخدمة استراتيجيتنا في العراق. نحن نريد ان نرى تسوية سياسية داخل سوريا وهذه مسألة بعيدة المدى…”.
وهي مواقف حسمت بالنسبة الى مراقبين عدم وجوب ان يكون هناك اي اوهام، اولا: حول الاعتقاد بأن الادارة الاميركية الحالية يمكن ان تستعيد التركيز على الازمة السورية، على الاقل قياسا على مؤتمري جنيف واحد واثنين في المدى المنظور في ظل علنية تركيز استراتيجيتها على العراق من جهة وعلى محاربة الارهاب من جهة اخرى فضلا عن تركيزها على انجاز اتفاق مع ايران حول ملفها النووي . وثانيا حول الاعتقاد ان افق حل الازمة السورية محتمل في مستقبل قريب. فهذا امر غير مرجح الى درجة ان مراقبين باتوا يرون اوباما مورثا الازمة السورية الى خليفته خصوصا اذا تمت العودة الى التصريحات التي تحدثت عن استغراق الحملة على داعش سنوات عدة . يضاف الى ذلك تعثر الحل السياسي الذي تم التوافق عليه في العراق على القاعدة التي تفيد بضرورة اشراك الجميع في الحكم بعدما راهن كثر على وجوب ان ينسحب هذا الحل على سوريا وفق الاسس نفسها التي تسمح بدحر داعش والقضاء عليها، الامر الذي يستبعد استنساخا له محتملا في سوريا في المدى القريب.
في غياب افق الحل السياسي وسعيا الى كسب الوقت في انتظار رأب الصدع بين اميركا وروسيا والدول الاقليمية المعنية ، يركز دوميستورا اهتمامه على تحقيق خطوات صغيرة انما لها اهميتها، وذلك من خلال ما يسميه ” مناطق مجمدة ” او تجميد النزاعات في مناطق محددة مركزا على حلب، وفق ما اقترح في خطة العمل التي طرحها امام مجلس الامن الدولي نهاية تشرين الاول المنصرم. وتجميد امر ما يعني وضعه في الثلاجة للمحافظة عليه كما هو من دون اي تغيير حتى اوان ايجاد حل له. وهو، على الارجح، وفق ما ترى مصادر معنية تسمية حديثة لما كان يعرف ابان الحرب اللبنانية بالهدنات الموقتة ولو طالت نسبيا من اجل تأمين وصول الامدادات الانسانية، علّ ذلك يفتح الطريق او يمهدها امام هدنات اكبر او مصالحات محلية يراها البعض مماثلة لتلك التي يفرضها النظام بعد حصار للمدن والبلدات لأشهر طويلة وقصفها بالبراميل المتفجرة ثم فرض هدنة او مصالحة تحت وطأة الظروف الضاغطة. والمقاربة التي يعتمدها دوميستورا محدودة في اهدافها وانسانية في ابعادها في الدرجة الاولى بحيث من المفترض الا تثير استفزازات كبيرة، على رغم ان هناك حسابات سياسية لافرقاء النزاع الداخليين والخارجيين بما يترك فرص النجاح والفشل متساوية باعتبار انه سبق لسلفيه عنان والابراهيمي ان عملا على مقاربة انسانية لمساعدة السوريين ومدّهم بالمساعدات من دون اي نجاح. لكن ثمة فارقا اساسيا ربما بات في مصلحة دوميستورا هو الانهاك الذي اصاب القوى المحاربة على الارض علما ان لحلب رمزية كبيرة لكل الاطراف. فتجميد الصراع فيها من دون توظيفه من اي من الاطراف لمصلحته سيعد نجاحا حقيقيا في حال حصوله. ولعله سيكون اقصى الطموح اذا تحقق. لكن الاهم اذا صمد حتى اوان توافر الحل السياسي فيما الحرب مستعرة على الارض.
النهار
تجميد الصراع لخدمة مَنْ؟/ راجح الخوري
أين كنا وأين أصبحنا… هل تتذكرون كوفي أنان ونقاطه الست لحل الازمة السورية، وهل تتذكرون الاخضر الابرهيمي ومؤتمر جنيف وكل ما قيل عن عملية “الانتقال السياسي”؟ كل هذا بات من الماضي وليس هناك الآن سوى فصول “حرب المصيدة” التي تديرها اميركا بطريقة تكفل، أولاً استجلاب الارهابيين من أصقاع العالم الى مستنقعات الدم في سوريا والعراق، وثانياً العمل للخلاص منهم.
ليس ثمة استراتيجيا او روزنامة واضحة لهذه الحرب. ففي العراق تجد الاميركيين والايرانيين في خندق واحد وإن أنكر الجانبان، وفي سوريا تجدهما يحاولان الظهور في مظهر متعارض رغم المؤشرات التي توحي بشيء من تلاقي المصالح بينهما!
وهكذا كان من المضحك تماماً ان يتحدث ستيفان دو ميستورا عن ارتياحه الى محادثاته في دمشق التي زارها لإقناع النظام بنظرية “تجميد الصراع في حلب” بين النظام والمعارضة المعتدلة، والانصراف الى التزام قرار مجلس الامن رقم 2170 الذي يدعو الى مواجهة “داعش” و”النصرة”، فكان الجواب المماطلة على قاعدة القول ان التجميد قد يشكل اعترافاً بالمعارضة [ التي تتعرض للقصف من النظام ومن الارهابيين] في حين ان المطلوب هو تنفيذ “تجربة حمص” أي انهاء الصراع بمعنى استسلام المعارضة.
على خلفية الهجمات التي تتعرض لها قوات المعارضة في الاحياء المحاصرة في حلب من “النصرة” ومن النظام الذي يواصل دكّها بالبراميل المتفجرة، دعت فرنسا وتركيا الى إنقاذها على طريقة كوباني، لكن الغموض المحيّر في الموقف الاميركي من هذه المعارضة، هو الذي يدفع بعض المحللين الى القول انه اذا كانت واشنطن وطهران تقفان في خندق ضد “داعش” في العراق، فهما تلتقيان على بقاء الاسد في المرحلة الراهنة على الأقل!
عندما يقول باراك اوباما: “نحن نريد ان نرى تسوية سياسية داخل سوريا وهذه مسألة بعيدة المدى ونحن لا نستطيع حل النزاع السوري عسكرياً”، فلا معنى اطلاقاً لتكراره القول: “ان هدفنا تنحي الاسد، ولدينا ثقة شبه مطلقة بأنه فقد شرعيته نتيجة استخدامه البراميل المتفجرة وقتله الاطفال”!
الدليل على هذا ليس المهمة المضحكة – المبكية التي يقوم بها دو ميستورا فحسب، بل ما نشرته صحيفة ” الغارديان” من ان الذين التقوا بشار الاسد أخيراً في دمشق يقولون انه تلقى تطمينات نقلها الايرانيون ومندوبه في الامم المتحدة عن باراك اوباما شخصياً، مفادها ان اهتمامه منصبّ على محاربة تنظيم “داعش” وان لا نية لديه لدعم اي معارضة معتدلة تهدف الى اطاحته.
إذا صحّت هذه المعلومات يكون اوباما، كما قال لوران فابيوس قبل شهرين، يريد ان يفرض على المنطقة الخيار بين بربريتين: الديكتاتورية أو الارهاب، وبهذا سيخسر الحرب سلفاً!
النهار
“المعارضة المعتدلة” بين الدعم والقضم/ محمد إبرهيم
يُنسب إلى المبعوث الدولي الخاص بالأزمة السورية ستيفان دو ميستورا أنه يتبنى مقاربة جديدة لحل الأزمة السورية تبدأ من القاعدة وليس من القمة. أي أنه بخلاف الأخضر الإبرهيمي لا يعتبر أن الحل هو بالعودة إلى مسار جنيف، تجسيدا لتبني معظم الأطراف الدوليين والإقليميين خيار الحل السياسي في سوريا.
الحل، كما يراه ميستورا، يقوم على تفاهمات ميدانية تبدأ بوقف النار، ومن ثم فسح المجال أمام الإغاثة الدولية، وصولا إلى رسم حلّ تدريجي متحرّر من تعقيدات التمثيل الخارجي للمعارضة، ومأزق موقفها من رموز النظام السوري، وعلى رأسهم الأسد. ومقابل صرف النظر عن اعتبار الأسد خارج المعادلة المستقبلية لسوريا، يُكرَّس الاعتراف بقوى المعارضة الميدانية، المعتدلة طبعا، شريكا في هذه المعادلة. وكل ذلك ضمن صيغة لامركزية موسّعة لسوريا لا تثير حساسيات السيطرة المباشرة لفئة طائفية على أخرى.
هذه الرؤية المنسوبة إلى دو ميستورا تعطي ولا شك أفقا سياسيا للموقف الأميركي المعلن، والذي يتعهد دعم المعارضة السورية المعتدلة في وجه كل من النظام و”داعش”، وفي الوقت نفسه يصرّ على أن لا حلّ عسكريا للمأزق السوري، مما يبقي في دائرة التكهن الجهة التي تمثل النظام والتي بإمكانها إنجاز التسوية التاريخية مع المعارضة المعتدلة. أما المعادلة التي ترتسم بنتيجة المضمر الأميركي، ومعلن ميستورا، فهي أنه بقدر ما تكون اللامركزية السورية المستقبلية واسعة بقدر ما يمكن استيعاب أجزاء من النظام وصولا إلى مشاركة الأسد نفسه.
هذا التفكير يصطدم بمشكلتين: أولاهما مسارعة النظام إلى توضيح أن مبدأ المصالحات له معنى واحد، وقد تبلور خلال الممارسات الماضية في أكثر من موقع، هو تسليم السلاح والعودة إلى كنف النظام. والمشكلة الثانية هي أن المراهنة الأميركية على المعارضة المعتدلة تتعرض للقضم من الجانبين: النظام من ناحية و”داعش”- “النصرة” من ناحية ثانية. وما سُمِّي تواطؤا بين النظام والتشدد الإسلامي هو في الواقع مصلحة مشتركة في بقائهما خيارين وحيدين مفروضين على القوى الداخلية والخارجية.
ولأن المسعى الأميركي لدعم المعارضة المعتدلة ضد خصميها يبدو متعثرا، إذ لا التدريب ولا الغارات تبدو كافية لفرض ميزان قوى آخر، يقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما يعتبره الخيار الواقعي الوحيد: أن يتولى الائتلاف الدولي بنفسه، عبر تبني المنطقة العازلة، مهمة التحجيم المتزامن لكل من “داعش” والنظام، ما يفتح المجال أمام الحل السياسي.
لكن ثغرة المقترح التركي هي في أنه لا يضع في اعتباراته استيعاب مصالح روسيا وإيران، ولا قدرتهما على تعطيل مهمة الائتلاف بتوسيع المواجهة إقليميا، فيما تدرك الولايات المتحدة أن الحصول على تعاون موسكو وطهران يتطلب معالجة ملفات أكبر من الأزمة السورية.
النهار
الأسد.. هي نفس اللعبة!/ طارق الحميد
نقلت وكالة أنباء النظام الأسدي عن بشار الأسد قوله إن اقتراح وسيط السلام الدولي ستيفان دي ميستورا لتنفيذ اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار تبدأ من مدينة حلب شمال سوريا، هي اقتراحات «جديرة بالدراسة، وبمحاولة العمل بها». فهل هذا تطور في موقف الأسد؟ يخطئ من يعتقد ذلك!
الحقائق تقول لنا إن الأسد، ومنذ بدء الثورة السورية، كان دائم التلاعب بكل مشروع يطرح، حيث كان يوافق على كل مبادرة أو مشروع يطرح لحل الأزمة، لكنه يباشر في تفريغ كل ما يطرح من محتواه تماما، ويضيع الوقت في التسويف والمماطلة، فلعبة الأسد الشهيرة، ومنذ خلف والده، هي إغراق الخصوم بالتفاصيل، وبالتالي وأد كل مشروع، ودون أن يقول لا، وإنما كان يجيد عملية الهروب إلى الأمام، تارة بالتصعيد، وتارة أخرى بتعقيد الملف. فعل الأسد ذلك بملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الراحل رفيق الحريري، وفعل الأمر نفسه تجاه المبادرة العربية بسوريا، بعد الثورة. وفعل نفس الأمر مع فريق المفتشين العرب، ثم تلاعب بالمبعوث الأممي كوفي أنان حتى استقال، والأمر نفسه فعله بحق المبعوث الأممي العربي الأخضر الإبراهيمي، ومارس الأسد كل ألاعيبه هذه بمؤتمري جنيف، الأول والثاني، فطوال حكم الأسد، وطوال الأزمة السورية، وحتى في عملية التخلص من أسلحته الكيماوية، كان الأسد يتلاعب، ويماطل، ويضيع الوقت دون الالتزام بشيء، عدا قصة الأسلحة الكيماوية والسبب في التزامه بهذا الملف واضح جدا وهو الضغط الروسي، وليس الأميركي، من أجل أن يسلم الأسد مخزونه من الأسلحة، وليس بمقدور أحد التأكد أصلا من أن الأسد قد قام بتسليم كل ما لديه من المخزون الكيماوي!
وعليه، فلماذا على المجتمع الدولي الآن، أو المنطقة، أن تصدق تصريح الأسد الأخير بأن مقترحات وسيط السلام الدولي ستيفان دي ميستورا لتنفيذ اتفاقات محلية لوقف إطلاق النار تبدأ من حلب هي اقتراحات «جديرة بالدراسة، وبمحاولة العمل بها»؟ الحقيقة أنه لا شيء يدعم ما يقوله الأسد الآن عن جدارة المقترحات بالدراسة، فالأسد فاقد للمصداقية بكل امتياز، ولم يف، أو يلتزم، بأي وعد قطعه منذ خلف والده في حكم سوريا، فلماذا نصدقه الآن؟ المؤكد أن الأسد يحاول تفريغ مقترحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وكما فعل مع كل المبعوثين من قبله، وسيواصل الأسد، ومن خلفه إيران، وميليشيات الشبيح الكبير حسن نصر الله، قتل المزيد من السوريين، ولذا فإن لا شيء يرجح مصداقية الأسد، ومن يقف خلفه، خصوصا أن شعارهم واضح، ومنذ بدء الثورة، وهو: الأسد أو لا أحد!
وبالتالي فإن كل ما نسمعه الآن من الأسد حول مقترحات إيقاف إطلاق النار في حلب ما هو إلا مضيعة للوقت، فطالما أن لا جهد دوليا حقيقيا لإيقاف جرائم الأسد فإن كل هذه المقترحات التي نسمع عنها، وترحيب الأسد بها، ما هي إلا مضيعة للوقت، وإطالة لأمد الأزمة السورية.
إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”
الشرق الأوسط
تجميد النزاع وتعويم الأسد/ موناليزا فريحة
كثفت روسيا تحركاتها في الاونة الاخيرة من أجل إحياء المسار السياسي للأزمة السورية وعقد مؤتمر للمصالحة على أرضها يجمع النظام والمعارضة كصيغة بديلة من مؤتمر جنيف 3. وأبدى وزير خارجيتها سيرغي لافروف بصراحة رغبة بلاده في اعادة احياء مفاوضات جنيف وفقا للقراءة الروسية لصيغته الاولى والتي لا تمس بوضع الرئيس بشار الاسد. وثمة من يذهب الى القول إن وزارة الخارجية الروسية باتت في مرحلة اعداد طاولة المفاوضات وبرنامج التفاوض ولائحة المتفاوضين.
من البديهي أن تسعى موسكو في مؤتمرها المقترح، الى سد ما تعتبره ثغرات في مؤتمر جنيف، وهو دعوة ايران للمشاركة، فضلاً عن توسيع وفد المعارضة ليشمل أطيافاً لا تنضوي تحت لواء الائتلاف. لذا شكلت زيارة الرئيس سابقاً للائتلاف الوطني معاذ الخطيب الاسبوع الماضي للعاصمة الروسية دليلاً على شكل حكومة انتقالية تسعى موسكو الى تسويقها. أما الحديث عن دور القاهرة في هذا الجهد الروسي، فهو على الارجح نابع من موقف مصر من الازمة السورية. فمنذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي الى الرئاسة، اتخذت القاهرة موقفاً وسطياً من فريقي النزاع، وخصوصا منذ اكتساح الجهاديين صفوف المقاتلين المعارضين. وهي تجري اتصالات مع جميع الاطراف، بمن فيهم النظام السوري، على المستوى الامني، وهناك قائم بالاعمال مصري في دمشق. وقبل فترة كان رئيس الائتلاف الوطني هادي البحرة في القاهرة و التقى فيها مسؤولين مصريين. ومع أن مؤتمراً للأزمة السورية ينطلق من أهمية مكافحة الارهاب، هو في مصلحة القاهرة التي تعاني بدورها خطر الجهاديين، تؤكد مصادر عربية أن لا مبادرة مصرية محددة، وإنما اتصالات تجريها موسكو مع دول عدة، بما فيها القاهرة، من أجل استطلاع آراء الدول في أفكار عامة ترمي الى تحريك حل سياسي ممكن لسوريا. وتلفت الى أن الاستجابة المصرية مع التحرك الروسي تندرج في اطار حرص القاهرة على عدم تفتت سوريا والحفاظ على الجيش السوري.
تسعى روسيا من خلال تحركها للعودة الى الساحة الاقليمية بعد غيابها السياسي القسري نتيجة انهماكها بالوضع الأوكراني. وهي بالتأكيد تراهن على اغتنام مرحلة خلط الاوراق التي أنتجها البروز القوي لـ”الدولة الاسلامية” والتشكيك المتزايد في المعارضة السورية المسلحة منها والسياسية، فضلاً عن القدرة المحدودة للغارات التي يشنها الائتلاف الدولي على اضعاف “داعش” في سوريا والعراق. لكنّ حظوظ نجاح تحركها غير واضحة بعد، ولا مواقف الاطراف المعنيين، بمن فيهم ايران وواشنطن. أما النظام، فمن الصعب أن يرفض مسعى يعيد تعويمه، وقد وجه أول اشاراته في هذا المجال بموافقته على النظر في خطة المبعوث الدولي ستيفان دوميستورا لتجميد النزاع في حلب.
النهار