مقالات تناولت مسألة السيطرة على النفط السوري
سوريا: الكانتون محرر..مع وقف التنفيذ!/ باسم دباغ
في الوقت الذي يجتمع فيه المجلس التشريعي للإدارة الذاتية في “كانتون الجزيرة”، خرجت مسيرة تأييد في مدينة القامشلي تهتف بدعم الأسد وترشحه لرئاسه الجمهورية، وذلك في إطار دعم الحملة الانتخابية للرئيس السوري بشار الأسد و”مناهضة الإرهاب”.
سبق الاحتشاد الذي كان في ساحة الرئيس (سبع بحرات)، انتشار كثيف لقوى الأمن والجيش المدججين بمختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، كما تم إغلاق جميع الطرق المؤدية للساحة للآليات والدراجات النارية والعادية.
لم يشارك في المسيرة – بحسب الناشطين- إلا البعثيين والطلبة، وكذلك تم إجبار سائقي السيارات العمومية على الخروج بحجز بطاقات سياراتهم، وكذلك الموظفين والعاملين في الدوائر الحكومية.
هذا النوع من المسيرات ليس جديداً في القامشلي، التي تعتبر من أكبر المدن السورية ذات الأغلبية الكردية، لكن، وبحسب الناشطين، فإن هذه المسيرة هي الأكبر منذ اندلاع الثورة السورية والأولى منذ إعلان الإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي، وبعض الأحزاب الكردية الصغيرة، التي انشقت عن المجلس الوطني الكردي.
بعد الخيبة التي واجهت حملة حزب الاتحاد الديمقراطي لإقناع المجلس الوطني الكردي، المكون من أحزاب موالية لإقليم كردستان العراق، بتشكيل لجنة كردية موحدة مع مجلس شعب غربي كردستان التابع له للمشاركة في مؤتمر “جنيف 2” تحت مظلة الهيئة الكردية العليا، وبعد استبعاد هيئة التنسيق التي ينضوي تحتها الحزب من المشاركة في المؤتمر، قرر حزب الاتحاد الديموقراطي في وقت سابق من الشهر الماضي، الاستمرار بمشروع الإدارة الذاتية على الرغم من انسحاب المجلس الوطني الكردي منه، معللاً ذلك في بيانه بأن هذه الخطوة جاءت “لملء الفراغ الأمني والإداري وتفعيل الإرادة المجتمعية وتأمين احتياجات سكان المقاطعة وللضرورات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية”، فأعلن أسماء أعضاء الإدارة الذاتية لكانتون الجزيرة، على حد وصفه، وقسم المناطق الكردية إلى ثلاثة كانتونات هي “الجزيرة، كوباني(عين العرب) وعفرين”، ليتكون المجلس التنفيذي المُعين من قبله من رئيس ونائبين اثنين وعشرين وزيراً أو رئيس هيئة ما تزال مقاعد ثلاثة منها شاغرة، اثنتان منها للمكون العربي.
ولم تنته المسيرة المؤيدة للأسد، حتى أعلن جوان محمد الناطق الرسمي باسم رئاسة المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية في مقاطعة الجزيرة، أن هيئة العلاقات الخارجية في المجلس توصلت الى اتفاق مع حكومة العراق الاتحادية (الداعمة لنظام الأسد) بفتح معبر اليعربية (تل كوجر) الحدودي الفاصل بين كانتون الجزيرة وولاية الموصل، مشيراً أنه خلال اليومين القادمين سيبدأ تطبيق الاتفاق، وذلك على إثر اللقاءات التي جمعت المسؤولين العراقيين بوفد الهيئة الذي يزور العراق حالياً.
المتابع للإعلام المقرب أو الناطق باسم حزب الاتحاد الديموقراطي، لن يحتاج إلى الكثير من التدقيق ليلاحظ كثرة استخدام كلمة “المؤامرة”، فيشعر لوهلة بأنه يتابع مايطلق عليه “إعلام الممانعة” المرتبط بالنظام السوري والإيراني، فمن تصريحات الأمين العام للحزب، صالح مسلم، الشهر الماضي، أثناء حديثه عن “جنيف 2″، والتي حذر فيها من المؤامرة التي تتربص بالشعب الكردي، مشبهاً إياها بتلك التي حصلت في مؤتمر لوزان قائلاً “لن نسمح بأن يتحوّل جنيف 2 إلى لوزان آخر”، في إشارة إلى معاهدة لوزان (1923) التي وُقِّعت بين الحلفاء وتركيا ونصّت على ترسيم الحدود الجديدة للدولة التركيّة الحديثة، وأدّت إلى إسقاط الخطط السابقة لإقامة دولة كرديّة مستقلة والتي كانت قد وُضِعت في إطار معاهدة سيفر لعام 1920 بين الحلفاء وعدوّهم العثماني المنهار.
كما لا يكف الـ”PYD” عن التنديد بالمؤامرة التي تقودها الدولة التركية ضد حقوق الشعب الكردي عبر دعمها “الجماعات الإرهابية” المتطرفة مثل جبهة النصرة وتنظيم أحرار الشام وتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، ليرتفع التنديد مرة أخرى بالمؤامرة لكن “الدولية” التي أدت إلى اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، في ذكراها الخامسة عشرة قبل أيام والتي فشلت فشلاً ذريعا في كسر إرادة الشعب الكردي على حد تعبير الحزبيين، وذلك بإجبار المحال في المدن الواقعة تحت سيطرة الحزب على الإغلاق كما حصل في مدينة عمودا، وخروج “المظاهرات الحاشدة” بالزي الأسود حزناً على الزعيم ،كما حصل في مدينة عفرين.
و مثلما أنه لا مكان للتظاهرات المعارضة في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، فإنه أيضاً لا مكان لمسيرات تأييد الأسد في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، لكن بعد أكثر من عام ونيف على إعلان تحرير المناطق الكردية من قبل حزب الاتحاد الديموقراطي ما يزال الأخير يمنع خروج أي تظاهرة ترفع علم المعارضة السورية في المناطق الخاضعة له، متهماً المتظاهرين بالعمالة والإرهاب، لتبقى القامشلي أو”كانتون الجزيرة” وحده محرراً كما يدّعي الـ”PYD” لكن مع وقف التنفيذ.
المدن
حقول النفط السورية تترنح بين سيطرة الأكراد وطموحات «داعش» و«النصرة/ بهزاد حاج حمو
أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، أقدمت قوات الأمن الكردية المعروفة بـ «الأساييش» على إلقاء القبض على عايد الحمادة معاون مدير حقول رميلان النفطية في محافظة الحسكة، بتهمة «التعاون والتخابر مع قوات المعارضة الراديكالية المسلحة وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش».
قضى الحمادة ما يقارب الشهر في سجون هذه القوات، من دون أن تنبس أي جهة، وعلى رأسها الحكومة السورية، ببنت شفة، ما أعطى الإشارة الصارمة عن السيطرة «شبه المطلقة» التي باتت تتمتع بها هذه القوات على المنطقة في شكل عام، والحقول والإدارات النفطية في شكل خاص.
بل أكثر من ذلك، أصدرت الجهات الأمنية «الرسمية» في محافظة الحسكة، والتي تتبعها حقول رميلان النفطية، قراراً بصرف الحمادة من الخدمة فور خروجه من السجن. ما أكّد قدرة حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) على إدارة ملف البترول في المناطق الخاضعة لسيطرته شمال شرقي سورية، والتي اصطُلِح على تسميتها بـ «روج آفا – Roj Ava» وفق أدبيات الحزب الذي أعلن فيها عن مشروع «الإدارة الذاتية الديموقراطية» في وقت سابق من الشهر الأول بداية العام، بالتشارك مع أحزاب كردية وقوًى عربية، في ظلِّ غياب التمثيل الرسمي للمجلس الوطني الكردي في سورية.
رميلان النفطية
بدأت شركة «شل» البريطانية – الهولندية باستخراج النفط من منطقة رميلان في عام 1960، ليبلغ الإنتاج في عام 2010 وقبل بدء الأحداث في سورية 90 ألف برميل يومياً، حيث كانت القدرة الإنتاجية وفق تقديرات القائمين عليه تصل إلى 167 ألف برميل يومياً، وفق خطط الإنتاج التي اطّلعنا عليها.إلا أن السوريين يتداولون حديثاً جرى بين أحد أعضاء مجلس الشعب السوري ورئيس المجلس في تسعينات القرن الفائت عن جهة صرف واردات البترول السوري، على اعتبار أنه كان من المعروف أن الناتج لم يكن يدخل الموازنة الرسمية للبلاد، فأجاب الأخير: لا تقلقوا، فالنفط في أيدٍ أمينة!
يبلغ عدد الآبار النفطية التابعة لمديرية حقول رميلان (1322 بئراً)، إضافة إلى (25 بئراً) من الغاز، تخضع جميعها في الوقت الحالي، لسيطرة القوات العسكرية الكردية المعروفة بوحدات حماية الشعب (YPG) وذلك بعد تسويات ومفاوضات بينها وبين فصائل من المعارضة الإسلامية المسلحة كانت على رأسها «جبهة النصرة»، قبل أن تنشب معارك طاحنة بين الطرفين وبعد أن انضمَّ تنظيم «داعش» إلى هذه المعارك. انتهت بسيطرة الأكراد على المنطقة بما فيها الآبار النفطية.
في الحديث عن ماهية هذه الاتفاقيات يقول آلدار خليل: «إنها كانت تكتيكية عسكرية تهدف إلى تحييد (غرب كردستان – شمال شرقي سورية) عن نيران المعارك». ويضيف آلدار وهو القيادي البارز في «حركة المجتمع الديموقراطي TEV-DEM»، والتي تضمُّ في إطارها مجموعة من التنظيمات المدنية والأحزاب السياسية منها حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) والذي تنسب إليه، السيطرة العسكرية والهيمنة السياسية على القرار الكردي في سورية، يضيف: «بدأت هذه الاتفاقيات مع اجتياح قوات المعارضة المسلحة مدينة رأس العين/ سري كانيه الكردية في 2012 فارتأينا عقد اتفاقيات سلامٍ تكتيكية مع هذه الفصائل غير المنضبطة لتحييد مناطقنا عن الأهوال والأخطار. إلا أن هذه الفصائل، وبعد تغاضينا عن سيطرتها على بعض الآبار في مناطقنا واستخراج النفط منها بطريقة أقرب إلى النهب وبيعها، تمادت في خططها وبدأت باستهدافنا داخل مناطقنا، ما اضطرنا إلى ممارسة حقنا في الدفاع المشروع عن أهلنا ومدننا».
وتمكَّنت القوات الكردية المعروفة بـ «YPG»، والتي يعتبرها ريدور خليل الناطق الرسمي باسمها «بذرة الجيش السوري الوطني»، تمكَّنت أخيراً من طرد تلك الفصائل المسلحة وبسط سيطرتها الكاملة على المنطقة. حيث تعزَّزت هذه السيطرة بـ «تحريرها» معبرَ تل كوجر/ اليعربية مع الجانب العراقي، في تشرين الأول العام الماضي. حيث يؤكد ريدور أن قواته «تمثِّل روح الثورة السورية الحقيقية».
شركة بترول كردية
منذ ما يقارب الثمانية أشهر، أسَّست منظومة «TEV-DEM» شركة «توزيع محروقات الجزيرة» المعروفة اختصاراً بـ «KSC»، لتمارس الاختصاصات ذاتها التي كانت تقوم بها سابقاً شركة «سادكوب» الحكومية بعد أن توقفت الأخيرة عن العمل بالتزامن مع توقف الآبار النفطية نهائياً عن الإنتاج في الثامن من آذار (مارس) من العام الماضي. ويؤكِّد الإداري في «KSC» علوان مصطفى أن «هناك مجموعة من الآبار ذاتية الدفع نقوم باستخراج البترول الخام منها وتكريرها في مصافٍ كهربائية عدة قمنا بشرائها على نفقتنا الخاصة وبيع المشتقات النفطية بأسعار رمزية لمحطات البيع والمواطن».
وتمكَّنت الشركة أخيراً من جَلبِ مصافٍ عدَّة إلى منطقة «كَر زيرو/ تل عدس» التابعة للمالكية أقصى شمال شرقي البلاد، وهي تعمل حالياً، وفق علوان، على إدخال مصافٍ كهربائية أكثر تطوراً لتعمل على تطوير الإنتاج ومضاعفته. ويرى «أن هذه المصافي قضت على ظاهرة الحراقات الأهلية البدائية».
وكانت الفترة الماضية قد شهدت ازدياد عدد هذه الحراقات التي تعتمد على أساليب بدائية – حرق البترول الخام في مراجل ضخمة واستخراج المشتقات – بعد غياب الرقابة الأمنية، وانشغال المتقاتلين بالمعارك. الأمر الذي يصفه خبراء وأطباء من أبناء المنطقة «بالخطير» لما له من آثار سلبية ضارة على البيئة والصحة، حيث سُجِّلتْ حالات وفاة نتيجة التعرض المباشر للغازات السامة المنبعثة منها أثناء الاحتراق. ناهيك عن استنزاف الثروة الباطنية بطرق غير علمية.
يبلغ إنتاج هذه الآبار – الذاتية الدفع – ما يقارب 400 ألف ليتر من مادة المازوت يومياً (سعر الليتر 30 ليرة سورية) إضافة إلى 150 ألف ليتر من مادة البنزين التي يصف علوان جودتها بالـSuper. مقابل (150 ليرة سورية لليتر الواحد). وهو سعر يراه علوان «رمزياً، لمواجهة الحصار الذي تفرضه قوات المعارضة المسلحة على المناطق الكردية».
وكانت فصائل إسلامية مسلحة منها الدولة الإسلامية المعروفة اختصاراً بـ «داعش»، وجبهة النصرة، قد أصدرت قبل أيام بياناً تعلن فيه فرض حصار على منطقتي عفرين وعين العرب/ كوباني الكرديتين الواقعتين تحت سيطرة «PYD» في ريف حلب، آواخر العام الماضي، بتهمة أن هذه المناطق «ترفد القوات الكردية بالمال والسلاح لمواجهتها».
وعن جهة صرف المبالغ التي يتم الحصول عليها من بيع البترول، يتحدث آلدار خليل: «نحن نقوم فعلياً بإدارة منطقة تمتد مئات الكيلومترات خدمياً وأمنياً وعسكرياً، وهذه الإدارة تحتاج إلى تمويل هائل». وأضاف: «سعينا إلى ضخ النفط عبر الأنابيب المخصصة لها إلى المصافي الحكومية مقابل الحصول على مادة الغاز وموارد أخرى تفيد أبناء المنطقة، إلا أن المجموعات المسلحة لجأت إلى تفجير هذه الخطوط إمعاناً في سياستها الساعية إلى خنق المنطقة».
إلا أن الخبير النفطي الكردي (هـ.أ) يفضِّل سيطرة الحكومة على الآبار النفطية على سيطرة القوات الكردية التي يرى فيها أنها تعمل على «استنزاف موارد المنطقة في شكل مخيف».
مصير النفط الغامض
يبدي خبراء نفط من الجزيرة السورية تخوّفهم من المصير الغامض الذي ينتظر هذه الثروة المهمة. حيث تؤكد تقارير رسمية نضوب الاحتياطي النفطي في الجزيرة في عام 2025، وفق خطط الإنتاج الموضوعة لها قبل بدء الأحداث في البلاد. والتي اطَّلعنا عليها بالتعاون مع مصادر من داخل الحقول، طلبت عدم كشف هويّتها.
وكانت سورية تصدّر ما يقارب 100 ألف برميل يومياً إلى الأسواق العالمية بعد تكريرها في مصفاتي بانياس وحمص اللتين توقفتا عن العمل أيضاً.
«لا نعلم تماماً كيف سيكون مصير النفط في هذه المناطق في المستقبل». بهذه الكلمات اختصر آلدار خليل حيرته حيال مصير النفط في المنطقة، ثم أردف: «لكن الأكيد، أننا لن نعود إلى الوراء ولن نسمح لجهة أن تتصرف وتنفرد بأموال الناس وثروات الوطن بعد اليوم».
إلى أي مدًى سيستطيع آلدار خليل ومن خلفه القوى السياسية والعسكرية الكردية، التي يمثلها، الالتزام بتحقيق ما وعَد به «لن نسمح لجهة التصرف والانفراد بثروات الوطن…»، في ظلِّ الحديث عن احتكار «PYD» أصلاً هذه الثروات ناهيكَ عن الهيمنة العسكرية والسياسية؟
قرب الآبار النفطية شمال شرقي سورية، وقبل أن تعلن «السماء» نضوب خيراتها، يتقاتل الفقراء وتسيل دماؤهم هناك في سعيٍ حثيثٍ من الطرفين المتقاتلين لإثبات أحقيَّته فيه وبالتالي تثبيت أقدامه في المنطقة في ظل تراخي قبضة النظام السوري. فمما لا شكَّ فيه أن الورقة النفطية، تحوز من الأهمية ما يُخرج الحائز عليها من طور «الميليشيا الحزبية»، أو «الكتيبة المسلحة» أو حتى «اللجان الشعبية»، إلى أفقٍ سياسي عسكري يستوعب الأحلام في شكلٍ أرحب.
الحسكة (سورية)
الحياة
عندما يفسد النفط الثوّار/ جهاد اليازجي
اندلعت إشتباكات حادة في منطقة دير الزور أخيراً بين جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، فضلاً عن مختلف الفصائل الثورية من أجل السيطرة مجدداً على منابع النفط. في الحقيقة، تعد دير الزور واحدة من أهم المناطق السورية إنتاجاً للنفط، تليها محافظة الحسكة. ويهدف القتال الدائر بين الفصيلين التابعين للقاعدة في جزء منه إلى السيطرة على آبار النفط الرئيسة في دير الزور.
إذ منذ أشهر والقتال الدائر على منابع النفط في المنطقة الشمالية يأخذ طابعاً عنيفاً جداً بين المجموعات المتصارعة على الأرض، وكانت ثمة محاولات عدة للتوسط من أجل وقف هذه المعارك. ففي تشرين الثاني الماضي، على سبيل المثال، تم تسريب وثيقة تتضمن رسالة بعثت بها جبهة النصرة ولواءان آخران تابعان لدولة العراق والشام تتعلق بتسوية نزاع على حقل نفطي.
كان العمل في قطاع النفط في المنطقة الشمالية الشرقية مربحاً لدرجة أنه تم إنشاء سوق خاصة به قرب منبج، وهي بلدة تقع على مقربة من الحدود التركية. من هناك، يتم تصدير النفط إلى تركيا أو بيعه إلى مناطق أخرى في البلاد.
لقد تسببت الإيرادات الكبيرة التي تحققها تجارة النفط في إفساد العديد من المجموعات التي كان يفترض بها في الأصل أن تستغل هذه الأموال لشراء أسلحة وتمويل العمليات العسكرية ضد النظام.
بدلاً من ذلك، يستخدم العديد منهم المال الآن لإثراء أنفسهم ولشراء مريدين وأتباع لهم.
كما أظهرت تقارير مختلفة حول تجارة النفط أن اتفاقاً تم إبرامه بين الجماعات المسلحة مثل جبهة النصرة والحكومة وافق بموجبه الطرفان على أن يستمر تدفق النفط إلى الحكومة مقابل المال. كما أظهرت وثيقة آخرى اتفاقاً تم إبرامه مطلع العام 2013 بين “ي بي جي”، وهي مجموعة مسلحة تابعة لإحدى المجموعات الكردية السورية ووزارة النفط.
يمكن أن يتم بيع النفط بأسعار مختلفة استناداً إلى منطق العرض والطلب. ففي بعض المناطق تم بيعه بسعر 30 دولاراً للبرميل الواحد. ويتم تكرير النفط أحياناً بإستخدام تقنيات تكرير بدائية. إذ تم في مدينة القامشلي، على سبيل المثال، بيع ليتر المازوت المكرر بهذه الوسائل البدائية بـ 30 ليرة سورية، أي بنصف سعره الرسمي في المناطق التي تقع تحت سيطرة النظام.
كل ذلك يجعل إدارة منابع النفط مشكلة أساسية بالنسبة إلى المعارضة السورية لأن الصراع على النفط يبدد الجهود التي يفترض توجيهها لقتال النظام ويخلق فوضى وانقسامات في المناطق المعارضة.
لو أن “الائتلاف الوطني السوري” تمكن من السيطرة على منابع النفط لكان ذلك فرصة له ليمتلك مصادر تمويل خاصة. ففي الربيع الماضي، سمح الاتحاد الأوروبي للمعارضة السورية بتصدير النفط الخام إلى أوروبا، ما أعطاها شكلاً من أشكال الحكم الذاتي أمام دول المنطقة التي تعتمد عليها في تمويلها.
للأسف، وعملياً، لا يملك الائتلاف سيطرة حقيقية على مجريات الأرض في المنطقة الشمالية الشرقية وليست لديه القدرة للوصول إلى منابع النفط. وبسبب ذلك فإن السيطرة على موارد النفط أصبحت بالنسبة إلى العديد من كتائب الثوار غاية بحد ذاتها، بدل أن تكون وسيلة من وسائل المواجهة مع النظام السوري