مقالات تناولت مسألة اللاجئين السوريين
اللجوء الى الأردن… مأساة إضافية لقاصرين سوريين من دون ذويهم/ عمان – ماهر الشوابكة
لم يعد احمد (15 سنة) يتذوق طعماً للحياة، بعد ان حولته الحرب الدائرة في بلده درعا السورية فجأة الى طفل لاجئ يقطن بمعية ثلاثة اطفال مراهقين لم يعرفهم يوماً، في شقة سكنية في مدينة المفرق الاردنية.
احمد الذي اضطر الى الاختباء في ملجأ عام فور اندلاع معركة مفاجئة، بينما كان يسير في احد شوارع درعا، فقدَ أثر والديه وأسرته التي تركها في المنزل للاصطفاف في طابور لساعات عديدة من أجل شراء الخبز.
ولم يجد أحمد أمامه من حل غير اجتياز الحدود الى الاردن مع عدد ممن بقي من جيرانهم، هرباً من أفراد عصابات كانوا يتحدثون بلغة غير العربية، كما يقول، ويطلقون النار على كل شيء يتحرك بالمنطقة.
في الأردن بدأت فصول مأساة جديدة تواجه أحمد، عندما اضطرت المنظمات الاغاثية الى فصله عن جيرانه وإسكانه في شقه مع ثلاثة من المراهقين السوريين، تطبيقاً لتعليمات المنظمات المعنية باللاجئين، وتعيين مشرف على الشقة.
ويقول أحمد انه يشعر بأنه أصبح انساناً آخر غير الذي كان، بعد ان أمسى بلا ام تحنو عليه.
ويضيف أن ليله أصبح كنهاره، فهو لا يعرف ماذا يفعل غير التشارك مع زملاء السكن في تنظيف شقتهم، فيما الخروج يحتاج الى إذن من المشرف، وهو ما لا يسمح به الا الى اماكن محددة ومسافات قصيرة تحت مراقبته.
ويؤكد ان أسرته لا يعرف عنها شيئاً، أهم أحياء أم أموات، بخاصة أن مفوضية اللاجئين بحثت عنهم بين اللاجئين في الأردن ولم تجدهم للمّ شمله معهم، كما جرى مع غالبية الاطفال الذين رافقوه في رحلة اللجوء الى الاردن.
وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فان 4495 طفلاً سورياً لجأوا الى الاردن من دون ذويهم منذ بدء الأزمة السورية قبل اربع سنوات.
وينقسم هؤلاء الاطفال الى قسمين: الاول، وهم الاطفال الذين لجأوا من دون أب او أم او قريب وتطلق عليه المفوضية بـ «غير المصحوب»، ويبلغ عددهم 737، والقسم الثاني هم الأطفال الذين لجأوا بصحبة قريب ولكن ليس الأب او الأم وهؤلاء يطلق عليهم «المصحوب» ويبلغ عددهم 3758 طفلاً.
وبحسب المتحدثة باسم المفوضية في الأردن ديما حمدان فإن «هؤلاء الاطفال يتم شملهم ببرنامج الرعاية البديلة الذي تقوم عليه، بالاضافة الى المفوضية، لجنة الانقاذ الدولية، علاوة على وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية ومؤسسة نور الحسين الأردنية ومؤسسة نهر الأردن».
وأوضحت حمدان ان «هذه الجهات تتعامل مع هذة الفئة من الأطفال اللاجئين من دون ذويهم إما بلمّ شمل مع الأسرة اذا كانت لاجئة في الاردن، وفي حال لم يكن ذلك ممكناً تقوم بضمه الى أسر مضيفة، وتكون في غالبية الأحيان من الأسر السورية اللاجئة».
وأوضحت حمدان ان «هذه الجهات تقوم بعمل تقييم لوضع الاسر المضيفة، وان كانت قادرة على الانفاق على الطفل أم لا»، مشيرة الى ان «ذلك يتم بعد أخذ موافقات رسمية وإعطاء هذة الأسر وصاية موقته على الطفل من قبل وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية».
وقالت: «هناك مراجعة وتقييم تجريها وزارة التنمية الاجتماعية لوضع الطفل كل ثلاثة اشهر، بحيث يتم التأكد من ان بيئة الأسرة المضيفة مناسبة له أم لا».
وفي ما يتعلق بفئة الاطفال الذين وصلوا مرحلة المراهقة قالت حمدان إن «هذة الفئة يتم شمولها في نظام العيش المشترك، بحيث يتم اسكان كل ثلاثة منهم في خيمة مشتركة داخل المخيم او شقة مشتركة خارج المخيم، بعد ان يتم تعيين مشرف عليهم يقوم بشكل دوري بمتابعة شؤونهم».
وأشارت حمدان الى ان «هناك اطفالاً (حالات خاصة) يتم ارسالهم الى قرى ومؤسسات الايتام مثل (sos)».
يذكر ان الأردن استقبل منذ بدء الأزمة السورية اكثر من 640 الف لاجئ سوري، يقيم معظمهم خارج المخيمات التي خصصتها السلطات الأردنية لهم، فيما يقيم في هذة المخيمات حوالى 120 الف لاجئ يحصل مخيم الزعتري في محافظة المفرق شمال شرق الأردن على نصيب الأسد منهم بواقع 85 الف لاجئ.
وكانت دراسة لمركز المعلومات والبحوث التابع لمؤسسة الملك حسين الأردنية تم إعدادها بالتعاون مع منظمة إنقاذ الطفل أن أبرز سلبيات الإقامة مع أسرة قريبة، تتمثل في «التمييز بينهم وبين أبناء الأسرة، أو التمييز المبني على الجنس لجهة تفضيل الذكور، الى جانب الأعباء المالية التي يتحملها مقدمو الرعاية، وما اذا كانوا سيحصلون على كل احتياجاتهم، والخوف من عدم التقبل في الأسرة البديلة، وتحديداً من قبل شريك أقربائهم، فضلاً عن إمكانية أن يتعرض هؤلاء للإساءة أو أن ينخرطوا في عمالة الأطفال».
وأضافت أن بعض الأطفال الذين يعيشون مع أقاربهم المتزوجين (عم، خال، عمة، خالة) ولديهم أبناء، يشتكون «من التمييز وأنهم لا يتلقون القدر الكافي من الحب، ويتعرضون لمعاملة مختلفة، لجهة الفرص في التعليم، وتوزيع المهمات المنزلية، وحرية الحركة، واللعب، والعقاب، والزواج المبكر، أما الفتيات فيتحدثن كذلك عن تمييز مبني على أساس النوع الاجتماعي لمحدودية الحركة، وعدم السماح لهن بالذهاب إلى المدرسة».
الحياة
القانوني والإنساني في حرب أوروبا على شبكات تهريب اللاجئين/ نبيل شبيب
بين غرق القوارب وإغراقها
التفويض الدولي بالحرب
من يتكلم باسم ليبيا؟
لا ينتظر أن ينتهك الاتحاد الأوروبي “القانون الدولي” بشكل مباشر ليخوض معركته العسكرية المزمعة ضد “عصابات تهريب اللاجئين” على قوارب الموت عبر مياه البحر الأبيض المتوسط، وقد تستعيض عن ذلك بإجراءات أخرى.
فمن المؤكد أن الدول الرئيسية في الاتحاد ستبذل قصارى جهودها لممارسة نفوذها وعلاقاتها مع الدول المعنية لتمرير قرار في مجلس الأمن الدولي يبيح استخدام القوة العسكرية، وإن تناقض مع نصوص ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك لانتزاع “موافقة رسمية” ليبية على انتهاك المجالات الإقليمية الليبية، حتى إن كانت موافقة مشبوهة في ظل الظروف الحالية المعروفة في ليبيا.
بين غرق القوارب وإغراقها
المخاوف من تحرك عسكري أوروبي قائمة منذ انعقاد قمة أوروبية طارئة في أبريل/نيسان الماضي، عقب مأساة غرق ما لا يقل عن سبعمائة لاجئ قرب السواحل الأوروبية، رفعت عدد الغرقى عام 2015 الجاري إلى أكثر من 1750 حسب تقديرات المفوضية العامة لشؤون اللاجئين.
وقد تسارعت التصريحات الرسمية الأوروبية ذات الصبغة الإنسانية آنذاك، ولكن القمة الطارئة التي خصصت للتعامل مع مآسي اللاجئين عبر مياه البحر الأبيض المتوسط خيبت الآمال، إذ كانت حصيلتها واضحة من حيث التركيز على مكافحة عصابات التهريب على زوارق تتعرض للغرق، أكثر بما لا يقاس من التركيز على الجانب الإنساني بشأن استقبال اللاجئين وتوزيعهم في الدول الأوروبية.
هذا فضلا عن عدم تلبية المطالب الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان ببذل جهود سياسية واقتصادية أكبر لمكافحة أسباب التشريد عن الأوطان الأصلية، مع تعليل تلك المطالب بأن السياسات الأوروبية نفسها تحمل قسطا من المسؤولية عما يسود في بلدان “المصدر” من أزمات سياسية وأمنية واقتصادية، كما أن سياسة بناء الأسوار حول الاتحاد الأوروبي منذ “اتفاقية ماستريخت” عقب الحرب الباردة، ساهمت في تفاقم مشكلات اللاجئين المأساوية على الأبواب الأوروبية.
القمة الطارئة أوعزت لمفوضة الشؤون الخارجية موغيريني بإعداد خطة لمكافحة عصابات التهريب، وتزامن ذلك مع تحرك المفوضية الأوروبية لصياغة مخطط أعلنه رئيسها يونكر مؤخرا، ويتضمن العمل على إيجاد توازن في توزيع اللاجئين على البلدان الأوروبية، باعتماد مفتاح يراعي عددا من العوامل المتعلقة بالقدرة على الاستيعاب اقتصاديا كما يراعي عدد السكان ونسبة اللاجئين حاليا في كل بلد.
دول أوروبية عديدة عارضت هذا المخطط قبل عرضه على القمة الأوروبية الدورية القادمة، علما بأن التعامل مع اللاجئين لا يخضع للأجهزة الأوروبية المركزية بل بقي من صلاحيات الحكومات الوطنية.
ولكن هذا الرفض الاستباقي للمخطط تزامن مع الموافقة السريعة على خطة موغيريني في مؤتمر ضم وزراء الخارجية والدفاع الأوروبيين، فتقرر استخدام القوة العسكرية لتدمير القوارب والسفن “المشبوهة” بتهمة التهريب في المياه الدولية وداخل المياه الإقليمية الليبية، علاوة على تدمير قواعد انطلاقها على الأرض الليبية أيضا، ويراد أن يكون المقر الرئيسي لتوجيه العملية العسكرية باسم “نافور ميد” في روما بقيادة الأدميرال الإيطالي إينريكو كريدندينو.
وفور الإعلان عن العملية المزمعة، انطلقت الانتقادات الشديدة لها، ولم تقتصر على المنظمات غير الحكومية، بل شملت العديد من المسؤولين السياسيين، بمن فيهم بعض من ينتمون إلى أحزاب حكومية أوروبية، وتتناول الانتقادات جدوى العملية نفسها، علاوة على العقبات التي تعترضها بمعايير القانون الدولي.
وكان واضحا أن وزراء الخارجية والدفاع أنفسهم غير مطمئنين إلى جدوى العملية، وظهر ذلك في تعقيب وزير الخارجية الألماني شتاينماير على القرار بقوله “نعلم أن هذه العملية لا تحل مشكلة اللاجئين بأي شكل من الأشكال، ولكن لا بد للاتحاد الأوروبي من التعامل مع عصابات التهريب الإجرامية”.
وأشار هو ووزيرة الدفاع الألمانية فون دير لايين إلى العقبات القانونية الدولية التي لا بد من تجاوزها لتنفيذ العملية، بينما مضى آخرون -كوزير التنمية الألماني مولر- إلى التأكيد أن تدمير الجنود الأوروبيين للسفن المشبوهة في ليبيا عملية بالغة الصعوبة، ولا يكاد يمكن تطبيقها، وأن الأفضل التعامل بالطرق الأمنية والاستخباراتية مع عصابات التهريب، إلى جانب بذل جهود أكبر لتأمين الأوضاع السياسية والاقتصادية في مواطن الهجرة واللجوء.
وتشير انتقادات عديدة إلى أن استهداف ليبيا لا يحل المشكلة أصلا، وإن بلغت نسبة ما ينطلق منها حاليا حوالي 80% مما يوصف بقوارب الموت، إذ لا يمكن استهداف جميع المواقع المعنية في المياه التركية واليونانية واللبنانية وغيرها، وبالتالي يمكن للمهربين التحول للتركيز عليها مجددا، هذا علاوة على أن غرق العديد من السفن والقوارب لم يوقف عمليات التهريب، ولا يبدو أن إغراقها بقوة السلاح بدلا من غرقها بقوة أمواج البحر سيغير المعادلة.
التفويض الدولي بالحرب
تشمل الخطة المقررة ثلاث مراحل، ومن المنتظر الشروع في أولاها فورا، لعدم وجود عقبات تعترضها، إذ تقتصر على عمليات مراقبة لتقدير حجم المشكلة تقديرا موضوعيا، اعتمادا على الأقمار الصناعية وطائرات دون طيار ووسائل أخرى، بينما يراد في المرحلة الثانية الاستهداف العسكري للسفن والقوارب المعنية في المياه الدولية، وهذا ما يتطلب الحصول على تفويض من مجلس الأمن الدولي عبر قرار يشير إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولكن استخدام القوة العسكرية مشروط نصا بحالة تهديد الأمن الدولي بصورة مباشرة، ولا يوجد في وصول اللاجئين إلى أراضي الاتحاد الأوروبي ما يهدد أمن دوله إلى درجة تبيح “الحرب”.
أما الحجة القائلة إن تهديد المهربين لحياة اللاجئين أنفسهم هي صيغة من صيغ “تهديد الأمن” وفق القانون الدولي، فحجة واهية، لا سيما أن المعترضين على الخطة العسكرية -مثل النائبة الأوروبية من الخضر بربارا لوخبيلر- يشيرون إلى وجود وسائل غير الوسيلة العسكرية لوقف استغلال معاناة اللاجئين من جانب عصابات التهريب، ومنها اتخاذ إجراءات قانونية أخرى من قبيل إصدار “تأشيرة سفر إنسانية”، فهذه صورة من صور تنفيذ الدول الأوروبية التزاماتها الدولية بشأن “حق اللجوء” وهو الحق المكفول بموجب القانون الدولي، ويعتبر تنفيذه من الواجبات المعممة على سائر الدول، وهذا ما يسري عموما على إيجاد “طرق آمنة ومشروعة” للجوء، كيلا يصبح اللاجئون فريسة استغلال المهربين.
وتبقى العقبة الكبرى في مجلس الأمن الدولي ماثلة أمام الأوروبيين في الاعتراض الروسي المتوقع، وكانت فرنسا قد أخفقت في محاولة الحصول على موافقة موسكو مسبقا، ورغم ذلك أعلن رئيسها هولاند العزم على التقدم بمشروع قرار للمجلس، بينما أعربت مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية موغيريني عن “تفاؤلها” بالحصول على الموافقة الدولية خلال فترة وجيزة.
وسبق أن عارضت موسكو قرارات تذكر التهديد باستخدام القوة بموجب الفصل السابع، وعللت ذلك بأن حلف شمال الأطلسي أساء استخدام قرار دولي من هذا القبيل للتدخل العسكري في ليبيا إبان الثورة، ويصعب أن تقبل الآن بالقرار المطلوب أوروبيا مع استهداف المياه والأجواء والأراضي الليبية بالذات، لا سيما أن بعض الدول الأوروبية تلوح بين الحين والآخر بضرورة تدخل عسكري لأسباب أخرى تتعلق بالصدامات الداخلية في ليبيا.
من يتكلم باسم ليبيا؟
لا بد في المرحلة الثالثة من الخطة الأوروبية من الحصول على الموافقة الرسمية الليبية باعتبار العمليات العسكرية ستشمل مياهها وأجواءها وأراضيها، وهنا لا يقتصر الأمر على “صب الزيت على النار” على خلفية النزاعات الجارية، إنما يبقى السؤال مفتوحا أيضا بشأن الجهة الرسمية المخولة بإعطاء تلك الموافقة.
ورغم وصف “حكومة طبرق” بأنها هي المعترف بها دوليا، فإن الدول الأوروبية تدرك منذ انطلاق المساعي الأممية لحل الصراع القائم، أن اعتماد موافقتها “المرجوة” أمر تشوبه الشبهات، سواء من حيث مشروعيته القانونية أو من حيث تأثيره السلبي الكبير على مجرى عملية إحلال السلام المتعثرة على كل حال.
وقد سارع حاتم العريبي مندوب حكومة طبرق في نيويورك إلى إعلان الرفض القاطع لانتهاك السيادة الليبية عبر العملية العسكرية الأوروبية المزمعة، ولكن لا يبدو أن الدوائر الرسمية الأوروبية تعتبر هذا الموقف نهائيا، وقد تعول على تغييره عبر الاتصالات الحالية، أو المحتملة إذا ما انتهى وضع الانقسام السائد الآن.
إنما يعترض العديد من أعضاء المجلس النيابي الأوروبي على استهداف الزوارق والسفن في المياه الإقليمية وعلى السواحل الليبية من حيث الأساس، لعدم إمكانية التمييز المطلوب عسكريا بين ما يستخدم من القوارب للتهريب وما يستخدم للصيد، ناهيك عن تعريض اللاجئين أنفسهم للخطر كما تقول بيرجيت سيبل، النائبة في برلين من حزب الديمقراطيين الاشتراكيين، المشارك في ائتلاف حكومة ميركل.
وعلى خلفية رفض دول أوروبية عديدة لمخطط توزيع “عادل” للاجئين على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، يوجز تيمرمانس -نائب رئيس المفوضية الأوروبية- المشهد الحالي بقوله بلسان حال المسؤولين في الحكومات الأوروبية: “نريد الحيلولة دون غرق اللاجئين في البحر الأبيض المتوسط، ولكن بشرط ألا يصلوا إلى أراضينا”.
ولعل الأسوأ من ذلك ما ينطوي عليه تعليل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي شتولتنبيرغ لضرورة أن تتحرك أوروبا عسكريا لمواجهة مشكلة “تهريب” اللاجئين على قوارب الموت، باحتمال أن يندس بينهم مقاتلون يتبعون لتنظيم “داعش” كي يصلوا إلى الأراضي الأوروبية.
فمن الضروري بالمعايير السياسية مراعاة الحفاظ على أمن الإنسان الأوروبي، إنما لا ينبغي بمعايير حقوق الإنسان التعبير عن ذلك مع إغفال مراعاة حياة الإنسان “اللاجئ”، علاوة على أن المشكلة الأكبر كانت في نظر المسؤولين الأوروبيين أن أوروبا نفسها باتت “مصدر” كثير من المهاجرين منها بتأثير إغواء “داعش” للانضمام إليها.
الجزيرة نت
النزوح السوري.. هل تضغط الحكومة على الدول المانحة؟/ حنان حمدان
لا أرقام رسمية لدى الدولة اللبنانية تفيد بعدد النازحين السوريين الموجودين على أراضيها، في حين تشير إحصاءات “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين” التابعة للأمم المتحدة، إلى أن عدد النازحين المسجلين لديها بلغ مليون و180 ألف نازح، لكن تقديرات بعض الوزارات تشير إلى أن عدد النازحين السوريين في لبنان تخطى المليون والستمئة ألف نازح. وإذا ما تم إحتساب أعداد النازحين السوريين في لبنان يتبين أن هؤلاء يشكلون نحو 30 في المئة من عدد سكانه البالغ نحو 4000 نسمة، ما ينعكس سلباً على خريطة لبنان الديموغرافية. وقد كان لبنان أكثر بلدان المنطقة تأثراً بالنزوح السوري من حيث مساحته وعدد سكانه، وجاهزية بناه التحتية.
تقديرات وزارة المالية
لقد تخطت الخسارة الإقتصادية للنزوح السوري وفقاً لتقديرات وزارة المالية الأخيرة الـ20 مليار دولار، بخلاف ما أظهرته دراسة البنك الدولي في 2013 والتي قدرت بأن خسارة لبنان الإقتصادية نتيجة لأزمة النزوح السوري حتى نهاية عام 2014، ستبلغ 7.5 مليار دولار، إلا أن تلك الدراسة غاب عنها عنصر الشمولية في بناء التقديرات، فهي دراسة متسرعة وغير معمقة، إذ لم تلحظ مثلاً تراجع عدد السياح عبر الحدود، وكذلك الحركة التجارية، وهذا ما دفع وزارة المالية لوضع دراسة جديدة في هذا الشأن لا تزال في مراحلها الأولى.
لا فرج قريباً
ولأننا أصبحنا على مشارف العام الخامس للأزمة السورية، في وقت لا حلول مرتقبة لهذه الأزمة، كان لا بد من تغيير منهجية التعاطي مع ملف النازحين السوريين والدول المضيفة لهم، فكان التوجه الإقليمي الجديد بالإنتقال من التعاطي مع النزوح السوري بوصفه حالة إنسانية طارئة، إلى النظر إليه بوصفه “أزمة عامة” يعاني منها المجتمع المضيف كما النازحون السوريون على السواء.
تعديل المقاربة للنزوح السوري وإخراجها من الشق الإنساني إلى “الشق المتكامل”، عبَر عنه سابقاً رئيس الحكومة تمام سلام خلال المؤتمر الدولي للمانحين في الكويت العام 2014، بعد أن تخطى عدد النازحين السوريين عدد اللبنانيين في بعض قرى لبنان، وفقاً لإحصاءات وزارة الشؤون الإجتماعية.
من هنا ولدت خطة لبنان الإستراتيجية للإستجابة للأزمات، المشتركة بين الدولة اللبنانية والأمم المتحدة، والتي أطلقها سلام، في مؤتمر الكويت الثالث للمانحين هذا العام، وهي جزء من خطة إقليمية تشمل مختلف الدول المضيفة. إلا أن الخطة اللبنانية أخذت منحى آخر لجهة تقديم المساعدات للنازحين والمجتمعات المضيفة على السواء. والخطة تقوم أساساً على مبدأ أن المساعدات أصبحت حقاً لجميع الحالات الإنسانية الأكثر فقراً على اختلاف جنسياتها، وليس حصراً تلك المتصلة بالنازحين السوريين، واليوم نحن أمام مجتمعات مضيفة لا تقل فقراً وحاجة عن النازحين السوريين. وقد أشارت الإحصاءات أخيراً، إلى أن 330 ألف لبناني يعيشون بأقل من 2.4 دولار يومياً، ما يعني أن هؤلاء أيضاً يحتاجون إلى الدعم الإنساني.
وعليه فقد حددت الحكومة اللبنانية أولوياتها، في خطة لبنانية متكاملة، تقوم على الإهتمام الإنساني بمختلف المجتمعات “الضعيفة” في لبنان، وبناء قدرات المؤسسات والخدمات المحلية والوطنية (أي الوزارات)، إضافة الى الإستثمار في الإقتصاد اللبناني ودعم البنى التحتية الأساسية، خصوصاً أن التوقعات تتحدث عن إنخفاض حجم التمويل وانقطاعه في الوقت القريب، وعليه ستضطر الدولة اللبنانية للتكيف مع ما يزيد عن 6 ملايين نسمة، بموازنة بالكاد تكفي اللبنانيين أصلاً.
الخطوات المقبلة
لقد تم تحديد المبلغ المالي المطلوب لتنفيذ خطة لبنان في شأن النازحين السوريين، ويبلغ مليارين و140 مليون دولار، بالتعاون مع المنظمات والجمعيات الدولية الموجودة في لبنان، إلا اننا أصبحنا في الشهر الخامس من العام 2015، ولبنان ما زال ينتظر تلك الأموال!
وفي حين تقدر حاجة لبنان من تلك الأموال بالمليارين، وبالرغم من أن تقديرات المجتمعات المضيفة في المنطقة لحاجاتها المالية لايواء النازحين بلغت نحو 8.4 مليار دولار، إلا أن مؤتمر الكويت لهذا العام إستطاع أن يجمع 3.8 مليار دولار فحسب!
ومع ذلك فإن جمع الأموال لا يقصد به أن الدول المانحة قد انفقت الأموال الموعودة، لا بل إنها وعدت بتقديمها، ولا تصريحات رسمية في شأن دفعها حتى الأن. وقد علمت “المدن” أن بعض الدول والمنظمات الدولية قد أعلمت مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، عن تخصيص مبلغ 370 مليون دولار سيتم تحويله الى لبنان، من دون أن يتم إعلان ذلك رسمياً. “الرقم مؤكد إلا أنه قابل للإرتفاع”، بحسب ما قاله مصدر في وزارة الشؤون الإجتماعية.
المبلغ المذكور قابل للإرتفاع ولكن لا بد أن تتحرك الوزارات المعنية من أجل الضغط على الدول المانحة لزيادة دعمها للبنان بما يتناسب وعدد السوريين الموجودين على أراضيه، لاسيما وأن إقناع المانحين يحتاج الى المتابعة والتنسيق بين مختلف إدارات الدولة، ولا يمكن لأحد تخمين حجم الأموال التي ستخصص في المرحلة المقبلة.
ليس إقناع الدول المانحة بالأمر السهل، فمنذ بدء الأزمة ومعظم الدول المانحة تتردد في دفع الأموال للحكومة اللبنانية نظراً لتزعزع الثقة بها، وتوتر الوضع الأمني والسياسي في البلاد، إضافة الى تأخر الإجراءات الروتينية في الدوائر، وهذه جميعها أسباب جعلت الدول المانحة تفضل التواصل مباشرة مع المنظمات الموجودة على الأراضي اللبنانية وقد خصصت مبالغ طائلة لتلك المنظمات، في حين أن الموازنة التي خصصت لوزارة الشؤون خلال أربع سنوات الأزمة لم تتعدَ 13 مليون دولار،على سبيل المثال. في حين يوجد في الصندوق الإئتماني وتحت إدارة البنك الدولي 100 مليون دولار منذ العام 2013، ولم يسمح للبنان التصرف بها.
ما يطرح التساؤلات أولاً، عن أسباب إستبقاء المئة مليون دولار في صندوق الإئتمان من جهة، وعن حجم الأموال التي عملت بها بعض المنظمات في لبنان من دون أن تترك أثراً على واقع النازحين السوريين الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم من جهة أخرى. لنجد أن الدولة اللبنانية، ومن وجهة نظرها، تسعى من خلال خطتها المستحدثة إلى تحسين واقع السوريين والمجتمعات المضيفة في آن معاً، ولكن هل ستستطيع كسب ثقة المجتمع الدولي؟ ومن ثم في حال إلتزمت الدول المانحة العمل في إطار أولويات الدولة اللبنانية، هل ستستطيع الحكومة الحالية تحسين واقع النازحين في لبنان، أم أن الأموال التي سيخصصها المانحون سيكون مصيرها مجهولاً؟
المدن
عملت للمشردين واللاجئين والمنكوبين، وخُلّد اسمها في كتاب: نوال المغربية ملاك السوريين/ راشد عيسى
من كان على مقربة من البحر، نعني بحر اللاجئين السوريين، لا بد أنه سمع باسم نوال، سواء كان على متن قارب متهالك بدأ بالغرق منذ لحظة انطلاقه، أو على اليابسة في انتظار وصول عزيز إلى بر الأمان.
نوال كان الاسم المتداول على ألسنة اللاجئين: «تحدثوا إلى نوال، أخبروها أننا نغرق»، أو «اسألوها عن حال المركب، متى يصل، كم عدد اللاجئين، الخ».
بدأت نوال الصوفي، الشابة المغربية المقيمة مع عائلتها في إيطاليا، عملها مع المشردين واللاجئين مبكراً، قبل أن تكون على موعد مع اللاجئين السوريين عبر البحر في السنوات الأخيرة، لتصبح هي ملاكهم الحارس، حتى أن كتاباً صدر أخيراً بعنوان «نوال، ملاك اللاجئين».
لم يعد التائهون يسألون عن النجوم والكواكب واتجاه الرياح، لتحديد وجهتهم، بل عن اسم لم يرد في علوم الطوبوغرافيا، كان اسم نوال وحده اتجاهاً كافياً للنجاة.
هاتف لا يكفّ عن الرنين، وبنت لا تقوى على النوم، كيف تنام، هي التي تتعلق بأهدابها مراكب وحيوات ومنتظرون في أرجاء الأرض.
الهاتف الوحيد الذي قد تتجاهله هو هاتف أمها التي تلوح بمنديلها هي الأخرى، فالبنت المغربية عليها أن تأخذ إحداثيات المركب، بعد أن تعلّم الغرقى كيف يحددون موقعهم، ثم عليها أن تبلغ خفر السواحل، وتستقبل اللاجئين على الشاطئ، وتجيب على أسئلة الأهالي المنتظرين لأبنائهم، وصولاً إلى إجراءات تأمين اكتمال وصول الناجين إلى أوروبا، وإعاقة عمل المهربين وتجار العملات، وأخيراً تتدبر حماية نفسها من هؤلاء الذين سيلفقون لها اتهامات بالمساعدة في الهجرة السرية انتقاماً لتعطيل أعمالهم في النصب والاحتيال.
لا تميز نوال بين هويات المهاجرين، لقد عملت في مساعدة المشردين الإيطاليين والمغاربة في البداية، ثم خرجت في تظاهرات التضامن مع الفلسطينيين، غير أنها اهتدت منذ بدايات الثورة السورية إلى كارثة القرن، فصارت هي شاغلها الأول، إلى حد أنها غامرت في السفر إلى حلب المشتعلة لإيصال شحنة أدوية للمحتاجين. باتت أخيراً تتحدث لهجة أهل الشام كي يتمكن المستغيثون من فهمها. في كل زمان هناك نوال ما، يستحيل أن تخلو الحياة.
منذ بداية كارثة النزوح السوري كان بعضنا يتذكر صاحب فندق رواندا، كما وثقه فيلم يحمل عنوان «فندق رواندا».
راح الرجل، رغم أنه ينتمي إلى الأقلية المسيطرة، يقدم ما لديه من أموال، ومشروبات فاخرة، وسجائر الهافانا، كهدايا للجنرالات، من أجل أن يبتعدوا مع أسلحتهم عن الفندق، بل عرّض حياته وأسرته للخطر كي يتمكن من إنقاذ مئات المهددين بالذبح بالسواطير.
لكن هناك حكاية أخرى، هي حكاية «قائمة شندلر» التي جرى توثيقها في فيلم هائل من إخراج ستيفن سبيلبيرغ، حيث الصناعيّ أوسكار شندلر يبذل أمواله من أجل إقناع النازيين الألمان بالاحتفاظ بحياة حوالى 1100 من اليهود، بغاية تشغيل مصنعه.
لكن يصعب أن يمنع المرء نفسه من تذكر نموذج مضاد، فرغم أنه معتقل سوري سابق، ومشتغل في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، لم يتوقف ذلك السوري عن الشماتة بالغرقى السوريين عبر البحر واصفاً إياهم بأقذع الشتائم.
بين هذين النموذجين، من ينتمي إلى قضية إنسانية ويعرض حياته للخطر بسببها، ونموذج يتنكر لقضية يفترض أنها قضيته ويقف إلى جانب القاتل، هل هناك من يقول إن التفريق بين النموذجين هو نوع من محاكم التفتيش؟ ألا ينبغي أن يُصنع تمثال للنبيل الشجاع، أمثال المغربية نوال الصوفي، وأن يقال للآخر إنه نذل عديم الضمير؟
القدس العربي
أوروبا ترمي المهاجرين في أحضان العصابات/ أديا غيو
رسالة صغيرة بلغتني في تلك الليلة دامت عشرين ثانية ونقلت إلى هاتفي صوت سعد المحبط. «تعاركنا مع أشخاص… هم ربما أفغان. ومجموعتنا تشعر بالتعب. نحتاج إلى أدوية. وبعض الأصدقاء تمس الحاجة إلى نقلهم إلى مستشفيات. إذا في إمكانك المساعدة في مسألة المستشفى… سأرسل لك إحداثيات جي بي سي عن مكاننا»، قال سعد (اسم مستعار) الشاب السوري وجهه بشوش. ويتابع فريق المراسلين رحلة سعد ورفاقه منذ وصوله قبل حوالى أسبوعين إلى جزيرة كوس اليونانية. وتعرض سعد وأصدقاؤه لهجوم حين كانوا يحاولون مغادرة الحدود اليونانية إلى مقدونيا. والهاتف شد عرى الاتصال بيننا، وتعلقت به في تلك الليلة. فهو صلة سعد الوحيدة بالعالم وبالصحافيين. ودامت مكالمتنا 40 دقيقة سعيت فيها إلى إقناعه بأن الشرطة اليونانية التي ترافقنا لن تؤذيه ورفاقه، ولن تعيدهم إلى سورية. وفي قلب الغابة، مشينا على تربة وحلية لم تمتص بعد مياه الأمطار التي انهمرت في النهار، والتقينا مجموعة سعد في الجهة اليونانية من الحدود. وخرج الشباب الواحد تلو الآخر من مخابئهم، وكانت الدماء تغطي وجوههم، وبعضهم كان عاجزاً عن المشي ونظرته هائمة. وفي المركز الصحي القريب، الواقع في بلدة بوليكاسترو على بعد 30 كلم، سعت الممرضات إلى مساعدة الجرحى، ولكن إمكاناتهن الطبية قليلة، وليس في اليد حيلة. فالأزمة الاقتصادية وتقليص الإنفاق استنفدا قدرات الإغاثة والاستشفاء. «نستخدم في عملية الإسعاف الطارئة هذه آخر القفازات المعقمة وآخر الضمادات وآخر قطرة من سائل صور الأشعة. ولكن ماذا عن الغد؟ ماذا سنفعل حين تصل موجة جديدة من الضحايا؟، تقول والقلق يعتصر صوتها إيفي بودبارا، نائب مدير المركز الصحي.
شيئاً فشيئاً، يتخفف الشباب من خوفهم، فيروَون ما حصل معهم: «مضى على مشينا في مقدونيا ساعة ونصف الساعة حين بدأ 150 شخصاً، من الأفغان (المافيا تجند مهاجرين أفغان معدمين وتوكل إليهم عمليات الضرب والسلب) يرشقوننا بالحجارة ويوجهون ضربات العصي إلينا. ودافعنا عن أنفسنا طوال ساعة»، يقول سعد أثناء تخييط الممرضة جرحاً في رأسه.
هجمات يومية
على بعد 15 متراً من مكان النزاع، كانت الشرطة المقدونية تسلط ضوء مصابيح مركباتها وتنير درب العصابة التي كانت تسطو على أموال مجموعة المهاجرين وأحذيتهم وبعض هواتفهم الخليوية، قبل أن تعيدهم إلى ما وراء الحدود اليونانية. «إفادات الشهود العيان، عن هجمات تشترك الشرطة في دول الجوار مع العصابات في تنظيمها، تتكاثر. ولكنها المرة الأولى التي يملك فيها الضحايا جرأة التبليغ عما حصل والادعاء»، يقول كريستوس بابابوستولو، ضابط الشرطة في إيدوميني، القرية الأخيرة قبل الحدود المقدونية. «مثل هذه الهجمات يقع يومياً»، يقول فاسيلي تسارتسانيس، متطوع ناشط في إيدوميني يسعى منذ أكثر من 8 أشهر إلى إبلاغ أوروبا بالانتهاكات التي تجري في وقت تعم مقدونيا اللامبالاة إزاء المهاجرين ومصيرهم. «أكثر من 15 مجموعة إجرامية تسعى منذ أشهر إلى الإمساك بمقاليد تجارة تهريب اللاجئين الذين يضطرون إلى المرور عبر مقدونيا لبلوغ دول شمال أوروبا»، يقول تسارتسانيس. وفي الأسابيع الأخيرة، تدهورت الأمور: «العصابات الناطقة بالألبانية استقرت في مقدونيا، وهي الأكثر عنفاً في العالم وتسعى إلى السيطرة على المنطقة الحدودية».
ورافقتنا مجموعة من المهاجرين إلى نقطة التقاء في الحقول المقدونية، على بعد أمتار قليلة من الحدود اليونانية. ولكن من العسير معرفة متى عبرنا الحدود اليونانية إلى الأراضي المقدونية. فالأراضي متداخلة. والحدود مشرعة من غير حاجز أو علامة مادية. وهنا، في كوخ متداعٍ يحتمي من سيل المطر أكثر من 300 شخص من الرجال والنساء والأطفال وهم من الأفغان والسوريين والعراقيين والباكستانيين. وينظم «عبّارون» (منظمو عمليات العبور والتهريب) متواضعو المكانة، الحياة في هذا المخيم المرتجل. وغالباً ما يجند المهربون أحد المهاجرين لقاء بدل مالي، ويوكلون إليه تنظيم عملية عبور غيره من المهاجرين مشياً على الأقدام.
وعلى رغم أن الريبة والحذر لا يفارقان هؤلاء «العبارين»، قبلوا الدردشة معنا من غير التقاط صورهم، وسألناهم إذا سبق لألبانيين أن اتصلوا بهم. «قبل 3 أيام، جاءت مجموعة رجال ناطقة بالألبانية إلى المخيم وهي تحمل أسلحة كلاشنيكوف لتنظيفها»، يقول يانيس (اسم مستعار) والتردد بادٍ عليه. «تنظيفها، ماذا تقصد؟»، سألنا. «خيرونا بين العمل لمصلحتهم أو التوقيف والتعرض للضرب. والمشكلة أن السلافيين- المقدونيين يضغطون علينا للعمل لمصلحتهم كذلك»، أجاب يانيس. وما يقوله هو مؤشر من المؤشرات إلى حرب بين عصابات المنطقة. وقابلنا عائلة منهكة. فمعظم الأطفال أصابهم المرض والعياء إثر المشي 15 إلى 20 ساعة من تسالونيكي، المدينة الكبيرة في أقصى اليونان، إلى الحدود مع مقدونيا. «الأوراق التي منحت لنا على الجزيرة تحظر علينا السفر إلى محافظة كيلكيس على مقربة من الحدود، يقول جواد، شاب أفغاني في الخامسة والعشرين يسلك منذ شهرين طريق الهجرة مع زوجته وأهله. لذا، لا يسعه أو عائلته ركوب باص أو سيارة أجرة، وعليهم المشي 75 كلم. وعمليات التهريب ينظمها سائقو سيارات أجرة أو يونانيون عاديون، لقاء 500 يورو لقاء السفر بين تسالونيكي والبلدات القريبة من إيدوميني. اقترب منا فتى صغير اسمه أحمد سكيم في الثامنة من عمره بخطوات ثابتة، وطلب منا بالإنكليزية مياهاً وثياباً. فهو كان شبه عار. وروى لنا كيف انتقل وعائلته من تركيا إلى بلغاريا (المجر) حيث انهالت عليهم الشرطة بالضرب وطردتهم إلى اليونان، إثر تجريدهم من ثيابهم.
واقترح علينا أن نلقاه على حدود الغابة في اليوم التالي وأن نجلب معنا أدوية لأخته الصغيرة المريضة. «الطريق تغير أطفالنا. هي تحملهم على القسوة وتنفخ فيهم القوة»، يقول جواد الذي كان شاهداً على الحديث مع الفتى. والناس في هذا المخيم لجأوا إلى خدمات عبّار. فهم يعرفون المخاطر التي قد تعترض طريقهم في مقدونيا. والشبكات الاجتماعية الأفغانية والسورية تحفل بشهادات مجموعات مثل مجموعة سعد وأصدقائه حاولت عبور الحدود بمفردها، وعانت ويلات العصابات: الملاحقة والضرب والطرد.
والرحلة الآمنة باهـــظة الكلفة: 800 يورو للشخص الواحد للعبور مشياً على الأقدام، 1700 يورو للسفر في سيارة إلى قرية لوجاني في شمال مقدونيا على الحدود مع صربيا. وهذه البلدة تحولت مركز عمليات التهريب. وكثر قالوا ان العصابات نقلتهم في قطارات مخصصة لشحن السلع في ظروف صحية مريعة. وثمة ثلاثة طرق هجرة تفضي إلى لوجاني: واحدة انطلاقاً من اليونان، الثانية من بلغاريا والثالثة من كوسوفو. وأرباح عمليات التهريب قدرها ملايين اليورو.
* مراسلة، عن «لوموند» الفرنسية، 16/5/2015، إعداد منال نحاس
الحياة
عن الأوديسا السورية/ رشيد بوطيب
«ثلاثة ما منهم أمان: البحر، والسلطان، والزمان»، تعلّق إحدى شخصيات «ثلاثية بحار» للروائي السوري حنا مينا. والثلاثة اجتمعوا اليوم، يداً في يد، ضد السوريين.
كتاب الألماني فولفغانغ باور: «عن البحر: مع السوريين في رحلة هربهم إلى أوروبا»، والذي يمكن اعتباره من الريبورتاجات الأدبية العظيمة التي ظهرت في ألمانيا خلال السنوات الأخيرة، وتذكرنا بأعمال الكاتب البولندي الكبير ريتشارد كابوتشينسكي، يصف في كلمات من لحم ودم وأشلاء، رحلة اللاجئين السوريين، الهاربين من أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. لم يركن فولفغانغ باور برفقة المصوّر ستانيسلاف كروبار، إلى قصاصات وكالات الأنباء، ولم ينتظر في مكتبه حتى تصله شهادات الناجين من الحرب والبحر عبر شاشات التلفزيون. لا، سيقوم الإثنان بالرحلة ذاتها، سيعيشان الأهوال نفسها، سيعيشان الخوف والضرب والسجن، وسيركبان البحر برفقة فلول المهاجرين.
في مصر، ينضمان إلى قوافل اللاجئين السوريين، الذين يطمحون إلى مغادرة هذا البلد باتجاه إيطاليا، ومنها إلى بلدان أوروبية أخرى، ولسان حالهم يقول: كلما كان البلد أبعد من سورية، كان أفضل.
لم يفصح الكاتب الألماني والمصور التشيخي عن هويتهما الحقيقية، وجعلا الجميع يعتقدون أنهما لاجئان، ما عدا صديقهما السوري عمار، أحد المرشحين للهجرة السرية وأسرته، فهم يعرفون هويتهما خلال تغطيتهما الحرب في سورية.
يكتب باور: «نحن الآن، جزء من الهجرة الكبرى. خمسة وسبعون ألف إنسان فروا بين كانون الثاني (يناير) وتموز (يوليو) 2014 عبر المتوسط إلى أوروبا، أغلبهم انطلقوا من الشواطئ الليبية، وقبل ذلك بسنة بلغ عددهم ستين ألفاً».
تنحدر أسرة عمار من مدينة حمص، من أسرة ميسورة تنتمي منذ أجيال إلى طبقة التجار وكبار الملاكين. غير أن اندلاع الثورة سيعصف بكل شيء، فيضطر عمار الى الهرب برفقة أسرته إلى مصر، حيث يفتح محلاً لبيع الأثاث في القاهرة، لكن الثورة المضادة في مصر، كما يسمّيها ومن دون مراوغة، الكاتب الألماني، والتي «انقلب فيها الجيش على الرئيس المنتخب ديموقراطياً محمد مرسي»، ستنتهي إلى وبال على اللاجئين السوريين، وسينتشر الحقد عليهم في أوساط الشعب المصري، وتنطلق ألسنة المصطادين في المياه العكرة، وما أكثرهم في مجتمعاتنا، بالدعوة إلى مقاطعة المحال التجارية السورية. ستضيق الأرض العربية الضيّقة بهم، وستلصق بهم كل التهم التي ألصقت بالغرباء في كل زمان ومكان.
«كل ما يفصل أسرته عن مستقبل أفضل، هو البحر». عليه أن يعبر هذا البحر مهما كلّفه الثمن. «إنهم يعرفون مخاطر السفر عبر البحر. سمعوا عن المراكب التي توقفت محركاتها في أعالي البحار، عن تلك التي غرقت بعيداً عن الشواطئ الإيطالية. قرأوا عن المخادعين الذين أنزلوا اللاجئين على الشواطئ التونسية وليس الإيطالية. وهم يعرفون لاجئين، ألقى القبض عليهم حرس السواحل المصريين أو سطا المهربون على ممتلكاتهم، عن أولئك الذين أصيبوا أو حتى فقدوا حياتهم خلال تدافعهم للصعود إلى المراكب. لكنهم يعرفون عن الكثيرين، الذين نجحوا، الذين صمدوا في أيام الخوف هذه، لكي يعيشوا لاحقاً في أوروبا، بلا خوف».
يصف الكتاب تفاصيل الرحلة في دقة متناهية، بدءاً من تكديس المهاجرين في بيوت قريبة من الشاطئ، مروراً بالأمتار التي يجب على اللاجئين عبورها عبر شاطئ البحر في اتجاه المركب، ورجال المهرّبين يهوون على ظهورهم بالضرب ويمطرونهم بالشتائم. إن الشاطئ من أصعب مراحل الرحلة، ففيه «يلتقي لصوص البحر والبر». فكثيراً ما تتم مهاجمة اللاجئين من طرف عصابات من اللصوص وضربهم وسرقة ممتلكاتهم، وأحياناً يقوم المهربون أنفسهم بذلك، حين تعدمهم المؤونة الكافية، وفي كل وقت يمكن لحرس الحدود أن يحلوا بالمكان، ليلقوا باللاجئين في زنازين ضيّقة، وهذا ما حدث فعلاً مع كاتب هذا الريبورتاج والمصوّر المرافق له، بصحبة عمار وآخرين، فعلى طول الشاطئ قام النظام المصري ببناء سجون لتكديس اللاجئين السوريين، طمعاً في رضا الجار الشمالي. ويضطر باور ومرافقه المصوّر التشيخي ستانيسلاف خلال التحقيق معهم، إلى الكشف عن هويتهما، ليتم بعدها طردهم إلى تركيا. إلا أن ذلك لن يمنع الكاتب الألماني من مواصلة اتصالاته مع أصدقائه الذين تركهم في الجنوب، في انتظار فرصة الهروب إلى الحرية. وسيصف تلك الأوديسا كما لو أنه كان بينهم، وسينجح بعضهم فعلاً في الوصول إلى أوروبا، ولن يبخل عليهم بمساعدة، حين يحضر برفقة المصور التشيخي لتهريب بعض منهم بسيارته الخاصة من إيطاليا وعبر الحدود النمسوية.
لن يستطيع أي عرض أن يستوفي كل الصور والأحداث والأسماء والآلام والأقدار التي يختزنها هذا الكتاب، الذي يؤرخ لمرحلة دامية من تاريخ البشرية، هي على رغم قساوتها ودمويّتها، لم تمنع كاتباً ومصوراً من أوروبا من الالتحام بمصير شعب ومصير ناس، نسيهم وتناسهم المجتمع الدولي.
* كاتب مغربي
الحياة