صفحات الناس

مقالات تناولت مسألة اللقاحات المميتة في أدلب

 

السوريون ولقاح الموت/ نائل حريري

لم أستطع، كطبيب، أن أفهم ردود الفعل المختلفة التي ترافقت مع مجزرة اللقاحات في ريف إدلب، لكنني حاولت تفهمها كمتابع للشؤون السياسية في المنطقة. ما إن أعلن خبر وفاة أطفال ملقحين ضد الحصبة في بلدة جرجناز في ريف إدلب، حتى بدأ تراشق الاتهامات الذي طال الحكومتين، السورية المؤقتة والتركية ومنظمة الهلال الأحمر التركية في وقت واحد. لم تكن هناك، ولو إشارة واحدة، في الساعات الأربع والعشرين الأولى، إلى أي متهم “داخلي”، أو أي احتمال لأن تكون المشكلة “سورية”. كل ما دار كان مجرد تكريس واستمرار للمزاج “المؤامراتي” الحاكم حالياً.

ومن وجهة نظري كطبيب، كان واضحاً لي أنه ما من لقاح يمكن أن يقتل نتيجة سوء التخزين أو سوء استخدام، وأن ما حدث في ريف إدلب لا يمكن أن يحدث إلا بفعل مادة سمية قاتلة، أعطيت بأيدٍ داخلية لا خارجية، بقصد أو بغير قصد، وبحسن نية أو سوئها. ما لبث أن ظهر أول تقرير للجنة التحقيق في بلدة جرجناز، موضحاً أن حقن لقاح تم حلها، لا بمحلولها الفيزيولوجي المخصص، بل بمادة “الأتراكوريوم” الشالة للعضلات، والتي تستخدم في سياق التخدير الجراحي. لم تتضح بعد كيفية وصول أمبولات هذا العقار إلى مخزون لقاح الحصبة، ولا كيف استخدمها الطاقم الطبي بانتباه، أو من دونه. لكن السؤال الأهم الذي يبدو في حاجة إلى توضيح: من القائمون على هذه الحملة؟ وما مؤهلاتهم ومسؤولياتهم؟ من وضعهم في هذا المكان؟ وعلى أي أساس؟

فجأةً، بردت الحملات التي تطالب الحكومة التركية بالاستقالة، وتتهم منظمة الصحة العالمية بالتآمر، وتشير بأصابع اتهامها إلى منظمة الهلال الأحمر التركية. لا شك أن العالم بأكمله أمسى، الآن، مستعداً لنسيان القضية تماماً، ما دام أن الحقائق كشفت أن المسألة لا تعدو كونها مسألة “سورية داخلية”. تلك مشكلة عليهم أن يتحملوها بأنفسهم، وأن يجدوا شماعتهم التي يعلقون عليها دماء 45 طفلاً على الأقل.

يمكن للحادثة أن تكون نموذجاً قياسياً مثالياً، ليبين مدى ميل السوريين (بجميع توجهاتهم) إلى تعليق أخطائهم على شماعات خارجية، وإنكارهم تماماً وجود أي أسباب داخلية، لتعثرهم وضياعهم. ثمة تضمينات بديهية يبثها صناع الرأي العام السوري على الدوام، في أن السوريين يقومون بعملهم على أكمل وجه، فالائتلاف السوري يمثلهم سياسياً أحسن تمثيل، وحكومته المؤقتة تقوم بمهامها كاملة، كما أن كتاب “المؤسسات الثورية” أو “المعارضة” وصحافييها يمتلكون رؤية واضحة لما يجري، والقوى السياسية والمدنية تمتلك خططاً واضحة ومؤثرة وفاعلة في مجالاتها. المشكلة في أن العالم متآمر على السوريين، والمجتمع الدولي يتقاعس عن إنقاذهم، وثمة مؤامرة دولية تحيق بهم جميعاً.

لي أن أتساءل، كطبيب وكسوري، هل كنا بحاجة إلى إراقة دماء 45 طفلاً سورياً أو أكثر، قبل أن تتبدى لنا الحقيقة الواضحة في أنه ما من مؤسسة سورية واحدة تتمتع بالفعالية والمؤسساتية والشفافية، وأن تلك “الأنظمة” التي فرخها النظام السوري هي ما يعيق أي تقدم سوري، على المستويات الاجتماعية والإنسانية، قبل السياسية؟

لا شك في أن هذه المجزرة تذهب إلى ما هو أبعد، فهي ما تزال عاجزة عن تفسير الأرقام الأولية التي تذكر وجود وفياتٍ، لا في جرجناز وحدها، بل كذلك في مناطق أخرى مختلفة من ريف إدلب، كالشيخ بركة، وصراع، وتلمنس، وسنجار وأم مويلات. والتي قد يتم تفسيرها، في كل مكان وزمان، على أنها “أخطاء فردية”، كما كان ديدن المعارضة طوال مسيرتها السابقة. وسواء كانت المسألة جريمة متعلقة بمسؤولية جنائية أم مسؤولية تقصيرية، فلم يعرف من المجرم بعد سوى جنسيته، فلماذا على العالم أن يهتم، إذا كانت المسألة تخص “السوريين فيما بينهم”، وما داموا مصرين على تغطية الإجرام والفساد بين ظهرانيهم، بحجة أن الوقت غير ملائم، وأن الأهم استمرار الثورة، وأن القضاء على الفساد والإجرام أمر غير ملح. لشد ما أتذكّر الخطاب الخشبي للنظام السوري في هذه الأثناء.

سأفترض، متشائماً، أن يستكمل التشبه الكامل بالنظام السوري لاحقاً، بأن تطوى هذه المسألة بعد حين، وتغطى بلفيف من لجان التحقيق ولجان المتابعة ولجان التنسيق. قد لا يكون حدث وفاة مئات الأطفال السوريين حافزاً كافياً لتغيير العقلية المسيطرة على رجال المعارضة السورية، ما دام مئات آلاف القتلى، على مدى ثلاث سنوات، لم يشكلوا حافزاً مشابهاً قبل ذلك. ألا يجب علينا أن نضع “حداً أعلى” للأخطاء الفردية؟

العربي الجديد

 

 

 

 

لقاح أطفال سورية.. جرعة الموت/ رامي السويد

حلب

15 طفلاً قضوا، أول من أمس، بعد حملة تلقيح ضد الحصبة في محافظة إدلب شمالي سورية، رقم جديد يضاف إلى عدد الشهداء من الأطفال، البالغ 12795 شهيداً، منذ انطلاق الثورة السورية في العام 2011 وحتى 27 يوليو/ تموز الماضي، بحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

كيف وقع الحادث

انطلقت، منتصف الشهر الجاري، حملة تلقيح ضد مرض الحصبة في محافظة إدلب شمالي سورية، لقح 500 طفل في بلدة سرمدا، و2000 طفل في مدينة كفر نبل ومحيطها، وما لا يقل عن 300 طفل في بلدة كللي، وحوالى 300 آخرين في قرية كفر يحمول، من دون أي إصابة بين الحاصلين على اللقاح في المناطق المذكورة.

يوم الثلاثاء، انطلقت حملة جديدة للتلقيح ضد الحصبة في منطقة ريف مدينة معرة النعمان شرق محافظة إدلب، لُقّح مئات الأطفال في البلدات والقرى التابعة لمعرة النعمان، وقعت على إثرها عشرات من حالات التسمم، تطورت إلى وفاة الأطفال ممن حصلوا على اللقاح في بلدات ومدن جرجناز وتلمنس وصراع وأم مويلات والشيخ بركة، الواقعة في ريف معرة النعمان.

أدت حالات التسمم إلى إصدار مديرية صحة ادلب الحرة، التابعة لوزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة (المسؤولة عن حملة التلقيح التي كان مقرراً أن تتواصل لخمسة أيام)، بياناً أعلنت فيه الإيقاف الكامل لحملة تلقيح الأطفال، مؤكدة أن كل اللقاحات مستلمة من منظمة الصحة العالمية، وأنها مطابقة لمواصفات السلامة المعتمدة دولياً، وأشارت إلى احتمال وقوع اختراق ذي طبيعة جنائية لكوادر الحملة بهدف قتل الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

داخل مشفى الشفاء في مدينة سراقب بريف إدلب الشرقي، التقت “العربي الجديد” المسعف ياسر عبد الرزاق، أحد سكان بلدة جرجناز، الذين شاركوا في إسعاف الأطفال المصابين في البلدة. لا يستبعد ياسر فرضية العمل الجنائي بناء على العلامات التي رآها على الضحايا بعد حصولهم على اللقاح بفترة قصيرة.

“المصابون كان لديهم تشنجات عصبية وعضلية وارتفاع كبير في درجة حرارة الجسم وتحول لون البشرة إلى اللون الأزرق، بالإضافة إلى حالات تقيؤ. ظهرت الأعراض على الأطفال بعد فترة قصيرة من حصولهم على جرعة لقاح الحصبة”، يقول ياسر.

يتوقف لالتقاط أنفاسه ويتابع “بالتأكيد يوجد سبب جنائي لما حدث لأن فترة ظهور أعراض التسمم على الأطفال بعد الحصول على اللقاح بين خمس دقائق إلى نصف ساعة فقط”. يحوي مشفى الشفاء قسماً خاصاً لعلاج الأطفال، قام الأطباء في المشفى بإعطاء الأطفال المصابين بالتسمم مجموعة من المضادات الحيوية وخافضات الحرارة بالإضافة للأدرينالين، الأمر الذي ساعد في حفظ حياة المصابين، كما أوضح ياسر.

خارطة الموت

يحدد الناشط محمود العبد الله، من مدينة جرجناز، عدد حالات الوفاة والإصابات وأماكن انتشارها بالقول “تم تسجيل 15 وفاة لأطفال في منطقة ريف معرة النعمان بعد حصولهم على لقاح الحصبة، حتى الآن سجلت 5 حالات وفاة لأطفال من بلدة جرجناز و3 حالات وفاة لأطفال من بلدة تلمنس و3 حالات وفاة في قرية صراع وحالتا وفاة في قرية الشيخ بركة وحالة وفاة واحدة في كل من بلدة سنجار وقرية أم مويلات، بالإضافة إلى أكثر من 100 حالة تسمم تم إسعافها في مشافي المنطقة”.

في المقابل لم تسجل أي حالة تسمم في منطقة سرمدا، التي انطلقت فيها حملة التلقيح، بحسب الناشط الميداني شريف الشيخ.

معايير السلامة

كيف تجرى عملية تلقيح الأطفال في مناطق الثوار؟ للإجابة عن هذا السؤال، يشرح الناشط محمد السلوم، المقيم والمتابع للوضع الصحي في كفرنبل بريف إدلب، ما يجري قائلاً “في العادة تنتدب الجهة التي ترغب بتنفيذ حملة تلقيح للأطفال في المناطق التي يسيطرعليها الثوار مجموعة من الأطباء والممرضين العاملين في النقاط والمراكز الطبية، تسلمهم كميات من اللقاحات في الغالب يكلفون شباناً غير مختصين بالأمر، لعدم وجود الكوادر اللازمة”.

يقوم الناشطون بجولات ميدانية على السكان، يلقحون الأطفال عبر نقاط الفم، يتم النداء على الأهالي عبر مكبرات الصوت في الجوامع لجلب أطفالهم إلى مراكز التلقيح، في الغالب لا يجري اتباع معايير السلامة الخاصة باللقاحات من حيث كيفية حفظها ونقلها، ذلك أن المسؤولين عن تلقيح الأطفال غير مختصين، على عكس الوضع في مناطق سيطرة النظام السوري في محافظة إدلب، كمدن إدلب وأريحا وجسر الشغور، التي ما تزال المستوصفات والنقاط الطبية الحكومية فيها توفر اللقاحات للسكان في يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع ويشرف على إعطاء هذه اللقاحات ممرضون مختصون، بحسب السلوم.

لم يؤد عدم اتباع معايير السلامة الخاصة باللقاحات إلى كوارث مماثلة من قبل، رغم تعدد حملات التلقيح التي جرت في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في الشمال والشرق السوري، في العام الحالي والماضي، في مناطق حلب وإدلب والرقة ودير الزور وريف الحسكة وريف اللاذقية، والتي تم تلقيح مئات الآلاف من الأطفال فيها ضد أمراض شلل الاطفال والليشمانيا والحصبة.

يستبعد الطبيب السوري أحمد صبيح، وهو أخصائي الأمراض الفيروسية، أن يكون سبب وفاة الأطفال عدم صلاحية اللقاح “لأن لقاح الحصبة، مثل مختلف اللقاحات، عبارة عن فيروسات ضعيفة جداً تزرع في جسد الطفل لتقوم مناعة جسده بالقضاء عليها”.

ويتابع “لا يحتاج الفيروس سوى إلى ثلاجات لحفظه، وفي حال عدم وجود هذه الثلاجات يموت ويفقد صلاحيته للتلقيح ولا يبقى له أي مفعول”.

يتفق صبيح مع فرضية السبب الجنائي، لأن الحالات التي أصيبت بالتسمم في ريف معرة النعمان الشرقي توفيت خلال مدة قصيرة تراوح بين نصف ساعة وساعتين، وهو أمر لا يحصل في حالة العدوى بفيروس الحصبة، الذي تؤدي الإصابة به إلى أعراض، منها ارتفاع درجة حرارة الطفل المصاب بالحصبة لمدة ثلاثة أيام يعاني فيها من زكام وسعال واحمرار وحرقة بالعينين، وعند نهاية اليوم الثالث تظهر بقع بيضاء داخل الفم تشبه ذرات الملح، وفي اليومين الرابع والخامس يظهر طفح جلدي أحمر اللون يبدأ خلف الأذنين ثم ينتشر على الوجه، ثم الجذع، وأخيراً يغطي سائر الجسد، ليبدأ الطفح الجلدي بالتلاشي في اليوم السادس من بداية المرض، فيما يتماثل الطفل للشفاء بعد مرور أسبوع تقريباً.

يؤكد صبيح أن الفيروس لا يؤدي للوفاة إلا في حالات نادرة قائلاً “إذا افترضنا أن اللقاح تم تخزينه بدون تبريد وفسد فإنه فاقد للفعالية ولن يقتل الطفل”.

صحة الائتلاف

للبحث عن السبب الحقيقي وراء الحادثة، تواصلت “العربي الجديد” مع بلال الأحمد، الناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة، والتي تتخذ من مدينة غازي عينتاب التركية مقراً لها، سألنا الأحمد عن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة للتأكد من صلاحية اللقاحات، فأكد أن وزارة صحة الحكومة المؤقتة فحصت جميع العينات قبل تسليمها لمراكز التلقيح. “الوزارة وجدت جميع العينات سليمة ومطابقة للمواصفات المعتمدة دولياً”، يقول الأحمد، قبل أن يتابع “أوقفنا جميع عمليات التلقيح داخل سورية لحين انتهاء التحقيقات خاصة، مع وجود شبهة جنائية، كما قال وزير الصحة في الحكومة السورية المؤقتة عدنان حزوري”.

العربي الجديد

 

 

 

التلقيح القاتل في إدلب: مؤشرات عدة لعمل جنائي.. يبقى الاهمال المتهم الأول

بهية مارديني

التحقيق مستمر في قضية وفاة الأطفال بأدلب بعد تلقيحهم ضد الحصبة، وتشير النتائج الأولية عن استخدام مرخي عضلي مميت بدلًا من مذيب اللقاح، وثمة حديث عن شبهة جنائية، مع احتمال أن يكون الاهمال هو المسؤول.

بهية مارديني: بالرغم من اعلان الحكومة السورية المؤقتة وجود شبهة جنائية في وفيات أطفال حصلت جراء لقاحات ضد الحصبة بريف ادلب، ومن إصرارها على “مؤشرات لعمل جنائي”، وعلى أن البحث والتحقيق ما زال جاريًا للكشف عن المزيد من التفاصيل. لكن يبقى الاهمال هو الاحتمال الأكبر لسبب الوفيات، بحسب نتائج تحقيق أولية.

كانت سليمة

يؤكد المسؤولون في الحكومة المؤقتة أن الحادثة حصلت فقط في مركز واحد، هو مركز جرجناز في ريف المعرة، حيث توفي ثمانية أطفال، وأصيب خمسون طفل بحالة اختناق، وهم تحت المعالجة.

وفي حين تؤكد تقارير أخرى أن نحو 20 طفلًا توفوا في عدة مراكز تابعة لنفس المنطقة في معرة النعمان، إلا أن الحكومة الموقتة أكدت أن اللقاحات مستلمة رسميًا من منظمة الصحة العالمية، وهي ضمن الصلاحية الرسمية، وقد تم اجراء اختبارات عليها عند استلامها، وكانت سليمة.

وكشفت نتائج تحقيق أولية، تلقت “ايلاف” نسخة منها، أن حملة تلقيح الأطفال ضد الحصبة بدأت في سوريا في 25 آب (اغسطس) 2014، وشملت المخيمات في سبع محافظات تحت اشراف فريق عمل مكافحة الحصبة في سوريا، الذي تتبع له فرق منتشرة في كل محافظة، حيث تم تلقيح حوالى 42500 طفل، ولم ترد معلومات عن حدوث أي اختلاطات خطرة.

إيقاف فوري

وأشار التقرير إلى أن حملة تلقيح الحصبة بدأت في جولتها الثانية بمحافظة إدلب يوم الإثنين 15 أيلول (سبتمبر) 2014، وقد انتهى اليوم الأول من دون أي مشاكل تذكر، وتم تلقيح نحو 20000 طفل على مستوى المحافظة.

وفي اليوم التالي، 16 أيلول (سبتمبر) 2014، وفي تمام الساعة التاسعة والنصف صباحًا، وردت أنباء تفيد بحدوث وفيات بين الأطفال الملقحين في منطقة شرق معرة النعمان، وتم التواصل مباشرةً مع الطبيب مشرف المنطقة، وتم تأكيد الخبر. تم الإيعاز فورًا إلى كافة مراكز اللقاح في المحافظة، وعددها 30 مركزًا، بإيقاف كافة فرق التلقيح، وعددها 160 فريق، وبشكل فوري.

أضاف تقرير لجنة التحقيق: “تم وضع كل من وزارة الصحة الموقتة وفريق عمل مكافحة الحصبة في سوريا في صورة ما ورد، وتم تشكيل فرق تحقيق أولية أرسلت إلى مراكز التلقيح التي وردت منها المعلومات، وإلى المشافي التي استقبلت الحالات، كما تم أخذ عينات دم وبول من أحد الأطفال المصابين وإرسالها إلى المخابر التركية الرسمية، وارسال طفلين من الأطفال الذين ظهرت عليهم الأعراض إلى المشافي التركية لمتابعة العلاج والإستقصاءات”.

تحقيق تفصيلي

وأشارت التحقيقات الأولية إلى الاشتباه بفعل جنائي في مركز جرجناز، وعليه بادرت الحملة المشرفة على مكافحة الحصبة في إدلب بتقديم دعوى قضائية للجهات الأمنية المعنية. وتم تشكيل لجنة طبية لإجراء تحقيق تفصيلي حول ما حدث، فقامت بزيارة المنطقة والتقت وأخذت شهادات موثقة، وهذه اللجنة هي التي رفعت هذا التقرير.

وكشف التقرير تمحور الأعراض حول حصول شلل رخو مفاجئ عند الأطفال، ظهر بعد 3 إلى 5 دقائق من إعطاء اللقاح، ووصفت الحالات عند الرضع والأطفال صغيري البنية بالشديدة وعند الكبار بالخفيفة وتحسنت أغلب الحالات تلقائيًا.

وأضاف التقرير: “تراوح عدد الاصابات بين 50 و75 إصابة، أدت إلى حدوث وفيات بين الأطفال قُدرت بـ 15 حالة، منها 14 حالة وفاة موثقة بالاسم والتفاصيل الكاملة حتى الآن، وانحصرت الإصابات والوفيات في فرق جرجناز وسنجار وشيخ بركة وأم مويلات، والتي تتبع كلها لمركز جرجناز وتتلقى اللقاح منه”.

وتراوح عمر المتوفين بين 6 أشهر و18 شهرًا، في حين تعافى الأطفال الأكبر سنًا تلقائيًا خلال مدة قصيرة، تراوحت من ساعة إلى ساعة ونصف، وبشكل تدريجي. وتم جمع ما أمكن من عبوات اللقاح المتبقية والفوارغ التي كانت بحوزة فرق التلقيح في المنطقة، كما تم التأكد من صحة حفظ اللقاح وسلامته، ولم ترد أية تقارير من أي مركز آخر في المحافظة عن اصابات جديدة.

إختلاط في العبوات

خلص التقرير إلى وجود عبوات من “أتراكوريوم” في أحد الترامس التي استعملت في التلقيح في ناحية سنجار وأدت إلى وفيات، تم تسليمها من قبل اللجنة الأمنية هناك يوم الأربعاء 17 أيلول (سبتمبر) 2014، علمًا أن أتراكوريوم دواء مرخي عضلي يُستعمل في التخدير الجراحي، يسبب فقدان الإنسان قدرته على التحكم بعضلاته الإرادية، قاطعًا أي اتصال عصبي عضلي، ومؤديًا إلى شلل تام بكافة عضلات الجسم، وخصوصًا العضلات التنفسية .

وجرعة أتراكوريوم اللازمة للبدء بعملية الإرخاء أثناء التخدير الجراحي هي 0,5 ملغ\كغ، الجرعة التي أعطيت لكل طفل أصيب هي 5 ملغ، وهي جرعة كافية للأطفال ذوي الأوزان من عشرة كغ فما دون للدخول في حالة شلل تام، وهي التي كانت سبب الوفيات عند أصحاب الأوزان الصغيرة، في حين كانت الجرعة عند الأطفال الأكبر وزنًا أقل تأثيرا. واستعملت مادة أتراكوريوم كمذيب للقاح عوضًا عن المذيب المخصص، ويوجد شبه كبير بين شكل عبوة المذيب المخصص للقاح وعبوة أتراكوريوم.

التحقيق جاري

وقالت لجنة التحقيق: “بالرجوع إلى أماكن تخزين اللقاح في المشفى، تبين أنه كان محفوظًا في البراد المخصص، وتم التأكد من أن أتراكوريوم الذي وجد في الترمس المصادر من فريق التلقيح مطابق لأتراكوريوم الموجود في البراد، الذي توضع فيه اللقاحات وذلك من خلال تاريخ الصلاحية ورقم الطبخة”.

تم إحالة الملف كاملًا إلى المحكمة المختصة لتبيان سبب وجود عبوات أتراكوريوم ضمن البراد المخصص للقاح، وكيف وصلت العبوات غير الصحيحة إلى ترامس فرق التلقيح، ومحاسبة المسؤول المباشر عن ذلك، والتأكد إذا كان الموضوع خطأ غير مقصود من قبل كادر المشفى، أو عمل جنائي مدبر.

وأكدت مديرية صحة إدلب الحرة ولجنة التحقيق والمتابعة أنها ماضية في متابعة كافة التحقيقات مع الجهات الأمنية، “وكل من يثبت تقصيره أو تورطه في هذه الحادثة الأليمة سيخضع للمحاكمة والمحاسبة أصولًا”.

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى