صفحات الناس

مقالات تناولت مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان

 

 

 

هل يواجه لبنان مع النازحين السوريين ما واجهه مع اللاجئين الفلسطينيين؟/ اميل خوري

عندما لجأ عدد كبير من الفلسطينيين إلى لبنان سبّب هذا اللجوء بداية مشكلة إنسانية واجتماعية تولت “وكالة الغوث” الاهتمام بها، ما جعل الدولة اللبنانية لا تبالي كثيرا بعددهم ظناً منها أنهم لا بد عائدون إلى ديارهم بعد أشهر. لكن هذه المشكلة ما لبثت أن تحولت مع الوقت مشكلة سياسية ثم أمنية انقسم اللبنانيون حولها، فكانت حرب السنتين التي طالت 15 سنة لتصبح حرب الآخرين في لبنان، وإذا بسلاح الفلسطينيين اللاجئين في لبنان، والذي كانت وجهته الاراضي الفلسطينية لتحريرها من الاحتلال الاسرائيلي، يتحول إلى الداخل اللبناني ويخضع مناطق فيه لسيطرته ويخرجها عن سيطرة الدولة أو يقيم فيها دولة ضمن الدولة، حتى ان اتفاق القاهرة لم ينفع في الحفاظ على ما تبقى من سلطة الدولة اللبنانية وسيادتها، فاضطر لبنان للتخلص من الفلسطينيين المسلحين الى القبول مكرها بوصاية سورية عليه دامت ثلاثين عاما… وصارت المشكلة التي يواجهها لبنان بعد ستين عاما من وجود اللاجئين الفلسطينيين على ارضه مشكلة قبول بتوطينهم كأمر واقع لأن كل شيء يدل على أن أبواب عودتهم إلى ديارهم باتت شبه مقفلة خصوصا إذا لم تقم الدولة الفلسطينية الموعودة كي يتحول اللاجئون الفلسطينيون في الدولة المضيفة رعايا لهذه الدولة او تلك ويعاملون كما تعامل رعايا دول اخرى.

وها ان النازحين السوريين إلى لبنان اليوم، وقد بلغ عددهم حتى الآن ثلث عدد اللبنانيين، يخلقون للدولة اللبنانية مشكلة انسانية واجتماعية لا يقوى وضعه الاقتصادي والديموغرافي على تحمل أعبائها خصوصا في غياب المساعدات التي يحتاج إليها، وهي لا تزال غير كافية وفي اطار الوعود الكلامية. وليت لجوء السوريين إلى لبنان يقف عند حدود المشكلة الانسانية والاجتماعية وما تحدثه من منافسة للعامل اللبناني وحتى لأصحاب المهن الحرة فتزيد حجم البطالة فيه، إذ يخشى إذا طال أمد هذا اللجوء أن يتحول مشكلة سياسية ثم أمنية أخطر من تلك التي أحدثها اللجوء الفلسطيني. وما “عراضة” الانتخابات في السفارة السورية في لبنان سوى وجه من وجوه هذه المشكلة، بحيث انها تحولت مهرجانا وليس عملية اقتراع منظمة ومنضبطة كما حصل في دول اخرى لجأ اليها سوريون.

إن أخطر ما في اللجوء السوري إلى لبنان بكثافة هو عدم تنظيم الدخول والخروج وتوزّع هؤلاء اللاجئين على مختلف المناطق في لبنان وعدم إقامة مخيمات لهم في مناطق محددة كي يصير في امكان الدولة ضبط الدخول والخروج منها والتحقق ممن تنطبق عليه صفة اللاجئ لا صفة الزائر أو السائح وصاحب عمل.

فقد تبين من عملية الانتخابات الرئاسية السورية ان عددا كبيرا من الناخبين لا تنطبق عليه صفة اللاجئ لأنه يتنقل بين سوريا ولبنان ولا خوف على حياته، وانه إذا كان من المؤيدين للنظام فإن في استطاعته ان يكون لاجئا في مكان آمن يخضع لسيطرة هذا النظام.

لذلك بات على الدولة اللبنانية ان تتدارك منذ الآن خطورة وجود عدد كبير من اللاجئين السوريين ولا تقع مرة أخرى في خطأ ما واجهته مع اللاجئين الفلسطينيين عندما تحوّلوا من مشكلة إنسانية إلى مشكلة سياسية وأمنية، خصوصاً إذا بقي عدد لا بأس به من اللاجئين السوريين في لبنان لأسباب شتى وصاروا جزءا من سياسته الداخلية وانقسموا بين مؤيد لهذا الحزب او التيار ومناهض له او مؤيد للنظام في سوريا او مناهض له، فيخلقون عندئذ حالة لااستقرار في لبنان بعدما عانى من هذه الحالة مع اللاجئين الفلسطينيين لأنه لم يتدارك أخطار وجودهم قبل أن تقع. فمن واجب الحكومة أن تباشر درس مقترحات تنظيم لجوء السوريين بدءا بفرزهم بين من تنطبق عليه صفة اللاجئ ومن لا تنطبق عليه هذه الصفة توصلا إلى خفض عددهم وتحديد مناطق للجوئهم فيها كما فعل الأردن وتركيا، فيكفي لبنان فوضى في غياب الدولة القوية لا بل في ظل فراغ بدأ في أعلى منصب في الدولة وقد يتمدد، لا سمح الله، ليشمل كل السلطات.

النهار

 

 

 

متلازمة لبنان وسوريا/ ديانا مقلد

لشدة الغضب والكراهية المتبادلة كادت تنبعث من «فيسبوك» صرخات وعويل. بدا أن أذرعا على وشك أن تمتد من هذا الموقع وتشتبك في نزاع تنخرط فيه أيد وأرجل كثيرة. فاضت مشاعر الحنق وطغت لغة الشتائم والسباب، وطافت صفحات لبنانيين وسوريين كثر بكلام وأوصاف مقيتة جرى تبادلها خلال الأيام الماضية.

فالمشهدية الاحتفالية المفتعلة التي رافقت عملية التصويت الاستعراضية للانتخابات الرئاسية في السفارة السورية في بيروت، وما حوته من حشد هائل جرى خلاله رفع صور الرئيس بشار الأسد والغناء له، وهو ما كنا نعتقد أنه لن يتكرر في لبنان بعد الانسحاب السوري عام 2005، سببت صدمة وانفجارا لمشاعر محتقنة وجدت سبيلها إلى الشاشات اللبنانية والعربية وانفلتت من عقالها تماما على صفحات التواصل الاجتماعي. وهنا ليس المجال لتكرار ما هي المشاعر أو العبارات التي جرى تقاذفها في معرض إما تعميم إدانة المقترعين للأسد واعتبار أن جميع النازحين السوريين يجب أن يخرجوا من لبنان، أو لجهة وسم اللبنانيين بأنهم كتلة وجماعة واحدة مقيتة كارهة للآخر خصوصا السوريين، ولا هم لها سوى التعالي والتنكيل بهم.

بدت الجماعات الغاضبة أسيرة داء واحد تفشت عوارضه وأصابت الجميع. وهنا آن للطب النفسي أن يدقق في الحالة اللبنانية السورية التي يبدو أنها باتت متلازمة مرضية في حد ذاتها على غرار متلازمات عديدة أخرى. فالطب يعرّف المتلازمة بأنها مجموعة من الأعراض المرضية والعلامات المتزامنة ذات المصدر الواحد، مما يجعل ظهور واحد منها أو أكثر ينذر باحتمال وجود البقية. وطبعا لست أطرح فكرتي من باب المعرفة الطبية النفسية، لكن من باب المقارنات مع ما أمعن الطب النفسي في تحليله في حالات عديدة أخرى، مثل متلازمة «استوكهولم» التي أشبعت تحليلا ومقارنات مع أوضاعنا العربية.

ففي الحالة اللبنانية السورية بات هناك شيء من المرض المزمن الذي تفاقم وتشعب في السنوات الثلاث الأخيرة، وما حدث الأسبوع الماضي ليس سوى امتداد لاشتباك سياسي أمني واجتماعي بدأ منذ عقود ووصل إلى حالاته القصوى الآن. فمن دون كثير جهد يمكن ملاحظة أنه لا انتخابات رئاسية سورية فعلية جرت في لبنان، وهي لن تكون كذلك في سوريا، وأن كل ما حدث هو استعراض بصري أعد له بعناية ورعاية وضغط الأحزاب الموالية لسوريا في لبنان، وبقدرة النظام السوري على التلويح بحرمان من لا يتوجه إلى السفارة بالمنع من دخول سوريا.

ما جرى ليس انتخابات..

لم تكن هنا صناديق أو عوازل، وكثر لم تكن لديهم بطاقة انتخابية، وقد اقترع من هم دون السن القانونية. إذن هي ليست انتخابات، فلا داعي للتفاعل معها ومع مشهديتها على أنها كذلك. فلماذا إذن أشعل ما حدث أمام سفارة نظام الأسد كل النار الكامنة لبنانيا وسوريا؟

إنه خلل واحد يتعثر في تفسيره جموع اللبنانيين والسوريين وهم يشتبكون إما مباشرة أو عبر مواقعهم الخاصة إلكترونيا. فمركز الخلل ليس في ما نعتقده كراهية متبادلة، إنما يتمثل في أن نظاما، هو نظام البعث وسلطة آل الأسد، أنشأ صدعا بات عميقا جدا، وها نحن نتخبط في أتونه.

الشرق الأوسط

 

 

السوريون والعنصرية المتجددة في لبنان/ صقر أبو فخر

عادت إلى الاشتعال مجدداً جمرة العنصرية الخبيثة ضد اللاجئين السوريين في لبنان، والتي اعتقدنا أن نيرانها خبت. وقد تجرأ بعضهم على رفع لافتات إعلانية على الطرقات، تتضمن التخويف منهم، فيما ظهرت في الصحف حملة هاذية من الترهيب، تذكرنا بالحملة العنصرية ضد العمال السوريين بعد اغتيال رفيق الحريري في سنة 2005، ورافقتها أعمال منحطة، كالاعتداء عليهم في أماكن عملهم، وطردهم من منازلهم، وقتلهم في الشوارع، ورميهم من أعالي المباني التي يشتغلون فيها، وفي هذا الميدان لم تتورع صحف، “النهار” مثلاً، عن التهويل بأن لبنان سينهار، إذا تجاوز عدد اللاجئين المليون.

حسناً، تجاوز عدد اللاجئين عتبة المليون، وها هو الاقتصاد اللبناني منتعش، والليرة ثابتة وقوية. مع ذلك، لا أحد يتراجع عن مناحته، ولو أظهرت الوقائع والأرقام فساد تهويلاته. والحقيقة أن هنالك مبالغة مقصودة في تضخيم أعداد اللاجئين، لا تخفى على النبيه قط، ولها غايات غير نبيلة على الإطلاق. وربما تجاوز عدد اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على لبنان المليون حقاً، لكن النزاهة تقتضي أن نحدد، بالضبط، عدد الذين مازالوا في لبنان بالفعل، لأن نصف عدد هؤلاء اللاجئين، تقريباً، غادر لبنان على مراحل، إلى المهجر البعيد، وإلى دول الخليج العربي، أو عاد إلى سورية، ولا سيما إلى المناطق التي توقف القتال فيها جرّاء المصالحات. ومن علامات التضليل، أيضاً، القول إن الحكومة اللبنانية ما عادت لديها القدرة على الإنفاق على اللاجئين، بعدما خسرت المليارات بسببهم (راجع خطاب وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، في مؤتمر عدم الانحياز، الجزائر، 28 /5 /2014). وتبين، بوضوح تام، أن الحكومة اللبنانية لم تنفق أي قرش على هؤلاء البائسين، وهو واجبها في أي حال، بل المؤسسات الدولية هي التي تدفع للحكومة اللبنانية، ولجمعيات أهلية، معونات مالية، لتنفقها على اللاجئين، فيسرق القائمون على هذه المساعدات أكثر من نصفها.

فئات اللاجئين السوريين

ينقسم اللاجئون السوريون في لبنان إلى أربع فئات: الأثرياء الذين انتقلوا إلى لبنان منذ بداية الحوادث الدامية في سورية، ونقلوا إليه أموالهم وأعمالهم، واشتروا المنازل، وألحقوا أبناءهم بأفضل المدارس وأرقى الجامعات، ثم اتخذوا من بيروت محطة لهم في تنقلهم بين أوروبا والخليج العربي. وكان لهذه الفئة الفضل الأكبر في تعويم صناديق المصارف بالأموال التي قاربت ثمانية مليارات دولار. وأشاع هؤلاء موجة من الانتعاش المالي المفاجئ، حتى أن معظم الأعراس الباذخة اليوم في الفنادق الكبرى تكاد أن تكون حكراً على السوريين من هذه الفئة. أما أبناء الطبقة الوسطى السورية فهم الذين يملأون الشقق المفروشة والعادية، علاوة على المطاعم والمقاهي والمدارس الخاصة، ويحركون العجلة الاستهلاكية، ويصرفون مدخراتهم، ويتلقون الأموال من أبنائهم في دول الخليج العربي، وتصب هذه الأموال في المصارف اللبنانية.

ولولا هؤلاء لكانت الرياح تصفِّر في المدن اللبنانية، بعد استنكاف العرب عن المجيء إلى لبنان منذ سنة 2008 فصاعداً. وهناك الحرفيون والعمال الذين أبت كرامتهم أن يتحولوا إلى طالبي معونات، فعمدوا إلى استخدام مهاراتهم، ليعتاشوا من عرق جباههم وقوة عملهم. وهذه الفئة الحيوية جعلت تكلفة السلع والخدمات في لبنان أقل بكثير في ما لو جرى إحلال العمالة اللبنانية في محلها. وهذا أمر يقارب المحال، لأن أرباب العمل اللبنانيين هم الذين يرفضون ذلك، لكي يستمروا في امتصاص نحو أربعة مليارات دولار سنوياً من عرق العمال السوريين، وهو الفارق بين تكلفة عمل السوريين وتكلفة عمل اللبنانيين. وأخيراً فئة النازحين المعدمين، وهؤلاء هم باب الرزق للجمعيات والمؤسسات التي نبتت كالفطر في السنوات الثلاث الأخيرة، والتي لا همَّ لها إلا استحلاب المساعدات الدولية باسم النازحين السوريين، ثم الاستيلاء على أكثر من نصفها، بلا أي وازع أو خُلُق.

” سياسيون لبنانيون”استبسلوا” في التحريض على العمال السوريين منذ 2005 كانوا، إلى فترة قريبة جداً، يتسولون مناصبهم وثرواتهم وتجارة زوجاتهم من ضباط المخابرات السورية في لبنان. وبرهن هؤلاء، للمرة الألف، أنهم عديمو الشجاعة والنزاهة لأنهم دأبوا على كيل المدائح للنظام السوري، في وقت كان عشرات من الكُتّاب السوريين الشجعان يُقتادون إلى السجون، جراء مواقفهم وآرائهم”

السوريون وراء الازدهار

خلافاً لتحليلات وآراء كثيرة، ترك النزوح السوري إلى لبنان آثاراً إيجابية على الاقتصاد اللبناني (وعلى الحياة الثقافية والفنية، أيضاً، ولا سيما في الدراما والمسرح والفن التشكيلي)؛ فقد ازدادت الودائع المصرفية زيادة هائلة (ثمانية مليارات دولار)، وارتفعت ربحية المصارف، فتوسعت في افتتاح فروع جديدة لها، ما يعني زيادة عرض الوظائف أمام اللبنانيين. أما القطاع السياحي الذي كان خامداً منذ سنة 2008، فقد عادت إليه الروح والاختلاج، ومعظم المقاهي والمطاعم في بيروت وجبل لبنان تكتظ في كل يوم بالسوريين. وأصاب القطاع التجاري تحسناً لافتاً جراء زيادة الاستهلاك. وازدادت حركة مطار بيروت الدولي (70% من ركاب شركة MEA سوريون). ونفض القطاع العقاري الخمول عنه، لأن 81% من النازحين يستأجرون المساكن التي يقيمون فيها، وهم يدفعون 420 مليون دولار سنوياً إيجارات سارية، ما أتاح للبنانيين أن يعيدوا تأهيل 7200 منزل، طمعاً في تأجيرها (انظر: تقرير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، 27/ 5/ 2014).

وذكر تقرير صندوق النقد الدولي لسنة 2013 أن النمو في لبنان في سنة 2012 كان 1.5% فقط، لكنه ارتفع إلى 2% في سنة 2013 (تقرير معهد التمويل الدولي الصادر في مايو/أيار 2013 يورد أن النمو بلغ 3% في 2013)، ومن المتوقع أن يبلغ 4% في سنة 2014. أما التضخم، فمن المتوقع أن ينخفض من 6.7% في سنة 2013 إلى 2.4% في سنة 2014 (راجع تقرير صندوق النقد الدولي، 2013)

هناك بالتأكيد آثار سلبية للنزوح السوري، منها ارتفاع الحوادث الأمنية، وزيادة المخالفات التي تحصل عادة في المجتمعات الذكورية المهاجرة، كالشجارات والإقامة غير المشروعة، وكذلك جرائم السرقات والمخدرات والتزوير والتحرش الجنسي… إلخ، وهذه أمور بدهية، يمكن الحد منها بالحزم الأمني. مع ذلك، فإن نسبة هذه الجرائم إلى مجموع الجرائم المرتكبة فوق الأراضي اللبنانية أقل بكثير من نسبة عدد السوريين إلى مجموع السكان.

* * *

إن الحملة العنصرية التي ما فتئ سياسيون لبنانيون يتغرغرون بها، صباح مساء، تبرهن، مجدداً، أن الانحطاط لم يصل إلى نهاية بعدُ في لبنان. لنتذكر أن أمثال هؤلاء السياسيين الذين “استبسلوا” في التحريض على العمال السوريين منذ سنة 2005 كانوا، إلى فترة قريبة جداً، يتسولون مناصبهم وثرواتهم وتجارة زوجاتهم من ضباط المخابرات السورية في لبنان. وبرهن هؤلاء، للمرة الألف، أنهم عديمو الشجاعة والنزاهة لأنهم دأبوا على كيل المدائح للنظام السوري، في الوقت الذي كان عشرات من الكُتّاب السوريين الشجعان يُقتادون إلى السجون، جراء مواقفهم وآرائهم. وعندما خرج الجيش السوري من لبنان، لم يتورع هؤلاء النهازون عن الدعوة إلى طرد العمال البائسين، وإلى الانتقام منهم. ولا ريب في أن كُتّابا سوريين هم الذين علّموا الكُتّاب اللبنانيين شجاعة الرأي، حين راحوا يكتبون في الصحف اللبنانية، منذ سنة 2000 على الأقل، مقالات لم يجرؤ الكُتّاب اللبنانيون على كتابة مثلها، ففتحوا أمامهم باباً للشجاعة، لم يطرقوه من قبل.

في مواجهة العنصرية المتجددة في لبنان، فإن لسان حالنا يقول: أطلقوا سراح الكُتّاب السوريين الشجعان، وضعوا في مكانهم القضاة والعنصريين اللبنانيين.

العربي الجديد

 

 

بخصوص اللاجئين السوريين/ فواز حداد

احتلت الانتخابات السورية في لبنان حيزاً واسعاً من ساحة الكلام في الأسبوع الماضي، مع أن قلة من المتابعين أخذت الانتخابات على محمل الجد، غير أن تحشد اللاجئين أمام مقرّ السفارة السورية في بيروت للإدلاء بأصواتهم، فجّر الغضب اللبناني المختزن على السوريين، مع أنهم أعلنوا عنه بين فترة وأخرى، باتهامات طالت اللاجئين باللصوصية وأعمال العنف، وسرقة لقمة العيش من أفواه اللبنانيين… آخرها أنهم عطلوا حركة السير في بيروت، وأعاقوهم عن الوصول إلى أعمالهم.

أعادت الانتخابات مشكلة اللاجئين إلى الواجهة، وما يواجهونه من الشقيق المتعاطف معهم، ففي الداخل السوري يشارك حزب الله اللبناني في المقتلة السورية بكل حماس وإيمان واخلاص، كفعل مقاومة له الأولوية، فهو الطريق إلى القدس على حدّ قول بعضهم، والقول الآخر، حماية المقدّسات الشيعية، والقول الثالث، منع الإرهابيين من تهديد الاستقرار اللبناني.

في لبنان لا يخفي الكثيرون عداءهم لكل ما يمتّ لسورية بصلة، لذلك كان تعطيل السير فرصة سانحة ليس لصبّ جام غضبهم على اللاجئ السوري فقط، بل بما رافقه من شتائم عنصرية لسورية التي احتلت أراضيهم بمليون نازح، زاحموهم في أعمالهم، وحمّلوهم أعباء لا تطاق. مع العلم أن لبنان لا يدفع مساعدات، وإذا كان قدّم الأرض لإقامة المخيّمات، فمؤقتاً، الجغرافيا فرضته، كما فرضت الكثير من التداخلات غير المرغوب فيها من الطرفين. ولابد من القول إن مصائب السوريين طوال خمسين عاماً، انعكست على اللبنانيين بالخيّرات، فلبنان الحريات السياسية والاقتصادية، أعطى للسوريين مشكوراً منابر صحفية للتعبير عن آرائهم المقموعة في سورية، ومن السهل تفسير هذه الحرية، الأنظمة السورية المتعاقبة، لم توفّر لها أصدقاء دائمين. بينما عادت الحرية الاقتصادية، بالفائدة على التجارة اللبنانية، وكانت المتنفّس لسورية المختنقة بالإجراءات التقشفية للقوانين الاشتراكية، واستفادت المصارف اللبنانية، بالودائع المالية السورية، ومثلها استثمارات الأموال الهاربة من سورية. ولكي نغفر للأشقاء اللبنانيين، القدر الأكبر من عنصريتهم، نتفهّم أنها تعود إلى ما ارتكبه الجيش العقائدي خلال سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، لكن عليهم أن يعرفوا أن الجيش العقائدي لم يكن يمثّل السوريين من قبل ولا من بعد.

بالعودة إلى الحشد الانتخابي، كان في جزء منه، يضم لاجئين سوريين من المخيمات، جاء بهم الخوف، وما أشيع بينهم، عن رفع قوائم بأسماء من لا ينتخبون، جاء بهم التعبير عن يأسهم. أما العراضات والسيل البشري المتدفّق على الطرقات، فلم يكن عفوياً ولا بريئاً، كان منظماً، المقصود منه المغالاة في التعبير عن ديمقراطية انسلّت بطرفة عين من تحت الركام والأنقاض، إذ كل شيء في سورية يجري كما تشتهي العصا السحرية للسلطة.

لكن، لنتأمل، هؤلاء الجالسين على الأرض، ومنهم من تربّع أو جثا على ركبتيه، مطأطئي الرؤوس بملابس مزرية، اصطفوا مثل الخراف، على وجوههم ملامح البؤس والهمّ والانكسار والمهانة، بعضهم تعرّض للضرب، لا يهم فهم قادمون من بلد، الضرب أقل ما اعتادوا عليه، ولم يعد يؤثر فيهم الموت، اعتادوه أيضاً. جاؤوا إلى لبنان ليلاً يحملون القليل من المتاع، ناجين بأرواحهم وأولادهم، بعد أن قتل منهم من قتل، واعتقل من اعتقل، منهم الجرحى والمشوّهون والمعاقون، يقفون في طوابير ليأخذوا حصصهم من الإعانات؛ طعامهم وطعام أولادهم… دونما بارقة أمل حتى الآن بالعودة إلى بلدانهم بعد مرور ثلاث سنوات على الأزمة السورية.

هذا المنظر، إن كان يكشف شيئاً، فخوف اللاجئ من حرمانه من بلده، وتوقه إلى العودة لقريته، بلدته، مدينته. كان له بيت، ولديه عائلة، ويعيش من كدّ ساعديه، وإذا كان قد انتفض، فقد انتفض لكرامته، ودفع الثمن كل ما يملكه. وتحمّل الغرامة الأكبر من جرائم النظام وغطرسته، وخطايا المعارضة وأخطائها، وعقابيل السلاح، ونكران الأشقاء، ولامبالاة العالم.

وإذا كنا نتمنى شيئاً، فألا تتفق كلمة اللبنانيين على المزيد من إذلال السوريين. إذ لا حال يدوم، يوماً ما، سيعود اللاجئون إلى بلدهم، هناك حيث كانوا يعيشون بكرامة، وبعرق جبينهم، ومن غير حاجة إلى كرم دول الجوار، ولا الأشقاء العرب، ولا دول الديمقراطيات العظيمة، ولا العالم أجمع.

فلندع شيئاً للتاريخ، نرجو أن يقتصر على هذه الصفحات السورية التي تكتب بالدم، ولا يُلحق بها بضع فقرات لبنانية يندى لها الجبين خجلاً.

المدن

 

 

 

غياب حُسن الجوار!/ طيب تيزيني

إنها حقاً وصدقاً مفارقة فظيعة ومؤسفة أن يسمع المرء من الإعلام الغربي أن النازحين السوريين إلى لبنان بلغ عددهم مليوناً ونصف المليون، لكن الغريب أن هذا الرقم سيكبر في تقدير القارئ جداً بعد أن يضعه في علاقة نسبية مع عدد سكان لبنان الكلي أو الإجمالي، إنه أربعة ملايين نسمة. لا شك أننا – والحال كذلك – أمام صيغة من المقارنة في الدراسات الديموغرافية قد تكون نادرة في تاريخ الحروب والصراعات من نمط الحروب الأهلية.

وبناء على واقع الحال هذا، فقد راحت تصريحات من الشخصيات الرسمية وأخرى ضمن المرجعية السكانية المالية والاقتصادية والسياسية، إضافة إلى الثقافية، تطلق صفارات إنذاراتها من استفحال المسألة على نحو يمكن أن يسيء إلى الجوار بين بلدين شقيقين، لبنان وسوريا.

وكما تحصل حالات من غياب حُسن الجوار بين الأصدقاء والزملاء، فالأمر هو كذلك قابل لتطوره إلى درجة التوتر والعنف، وحيث يصبح الأمر بهذا المستوى من البشاعة، فإننا نكون قد أضفنا بلاء جديداً نضيفه إلى البلاءات القائمة بين أقطار عربية أو أخرى، ومن ثم يكون إبليس أو تكون الأبالسة قد قدمت أمثلة بشعة شائنة لما ينبغي أن يحدث من علاقات بين الجوار.

في هذه الحال، إن شئنا أن نوسع المسألة أكثر، نجد أنفسنا أمام سؤال كان علينا أن نطرحه على أنفسنا، لماذا الحرب الإجرامية البغيضة بين مجموعتين تنتميان كلتاهما لسوريا؟ لماذا لم تبقيا كلتاهما في حدود تظاهرات سلمية حقاً؟ لماذا تحولت المظاهرات السلمية بعد ستة أشهر إلى قتال بالسلاح الناري؟! من الذي لم يحتمل السلام، فبدّله بحرب مشينة مأساوية؟ أين هو إبليس، الذي دخل بين الفريقين؟

وكي يكون هذا التساؤل أو ذاك ذا مصداقية، كان على أهل الحكمة والعقل أن ينتزعوا الرهان ممن لا يؤتمن على أهله، لقد جاء الناس أهل البلد من كل حدب وصوب، كي يكتشفوا موطئ قدم يقرّب بين هؤلاء جميعاً، ألم يكْف العالم أو الوطن العربي ما مرّ عليه من أحداث جسام على أيدي دول استعمارية، حيث لم تترك هذه وسيلة إلا ووظفتها في خدمة مصالحها؟ ألم يعش العالم العربي أو بعضه آلاماً ومآسي سبّبها لهم أرباب تلك الدول؟

لن نفصل كثيراً، بل نكتفي بالمسيرة التي انطلقت فينا من فلسطين وسوريا إلى مرحلتنا هذه المفعمة بالآلام والمواجع والمخاطر، المخاطر من الطراز الذي قد يُطيح بكل شيء!

والآن وبعد أن انفرزت السكاكين في الكل أو يكاد، ماذا بعد؟! علنا أمام إجابة لا سبيل إلى تجاوزها، إذا أريد لواقع الحال أن يأخذ مساره العادل.

فالعدل حيث وُجد، قاد الجميع إلى التوافق والتوازن والرضا. والعدل حيث ينطلق بين الأطراف المتعددة، يتحول إلى موقف عملي يُثري الجميع هكذا وهكذا. أما المسار العادل، فنعني به هنا التأسيس لمحكمة أو محاكم عادلة «تعطي ما لقيصر لقيصر، وما لله لله»، وليكون العالم كله شاهداً عدلاً على ذلك، ولكن قبل العالم كله، ليكنْ الوطن الأم هو من يمنح هذه الشهادة!

إن لبنان وسوريا ومعهما العالم العربي «من الميّة إلى الميّة» الشاهد والمشهود عليه، وعلى هذا النحو، على الجميع أن يقترب من الجميع من حيث هم مطالبون بالحرية وبالعدل وبالكرامة، بعيداً عن الطائفية والتقسيمية والثأرية، وقريباً من العيش المشترك المؤسس على تلك الحرية وأخواتها، أما المراهن على ذلك، فهو سوريا بكل حيثياتها التي ترى في الإنسان ذاك الحر والعادل وصاحب الكرامة، أي أثمن رأسمال في العالم.

على أساس تلك النواظم، وفي سياق تحققها في دولة مدنية وتقوم على ديموقراطية هي سيدة للجميع ولمصالح الجميع، نقول: لِمَ لا ننجز ذلك، ولعلنا غير قادرين عليه، طالما ظل الآخرون هم مَن يُمسك بالقرار ومَنْ يُطبل الخواتم ويقصرها.

إن حرباً باردة تعود لتضع الجميع تحت قبضة من يُحول سوريا إلى «لعبة الأمم»، ولنكن – في سبيل ذلك – قادرين على أن نلعب على كل مَن وضع بأذهاننا وهم الانزياح باتجاه هذا أو ذاك من القطبين العالميين، كي ننتصر بانتصار واحد من هذين المذكورين، لعل في هذا الخيار التاريخي عناصر تسمح باللعب على هذين كليهما، ربما يكون هذا الخيار طريقاً إلى نوع من التوافق المركّب والمتحرك والقابل لولادة من جديد.

الاتحاد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى