صفحات العالم

مقالات تناولت معركة القصير ومشاركة حزب الله في القتال ضد الثوار السوريين

ماذا سيسقط بعد القصيْر؟

حسام عيتاني

في الحسابات العسكرية، يصح توقع سقوط بلدة القصير السورية الاستراتيجية بعد ساعات أو أيام قليلة من كتابة هذه السطور. نقاط قوة المدافعين من كتائب “الجيش الحر” تكاد لا تُقارن بشيء من عوامل قوة المهاجمين من الجيش السوري النظامي ومقاتلي “حزب الله” اللبناني.

عند المدافعين موارد قليلة من الذخيرة وقد تقطعت خطوط امدادهم الهزيلة أصلاً. ولا يحصلون على المدد اللازم من الرجال بسبب تصرف أكثرية كتائب “الجيش الحر” كلجان دفاع محلية عن مناطقها وليس كقوات عسكرية يمكن حشدها ونقلها وفق الحاجة، ما يتيح للقوات النظامية استفراد كل منطقة بمنطقتها وضرب وحدات المعارضة المسلحة فيها. يضاف إلى ذلك تشتت القيادة العسكرية والميدانية عند “الجيش الحر” وضعف الكفاءة في التخطيط وتسيير العمليات. والأهم اللامبالاة السياسية، من قبل المعارضة السورية الغارقة في صراعاتها ومناكفاتها، ومن قبل “اصدقاء سوريا” الذين يتصرفون بمنطق الحسابات الخوف من “وضع جنود على الارض” والخلفيات الجيو – استراتيجية وليس وفق مقتضيات اسقاط النظام. ويأتي ذلك بعد انتكاسات إعلامية وسياسية وميدانية عدة منيت الثورة بها في الأشهر القليلة الماضية وأضفت عليها سمات الصراع الطائفي، ما يصب في الحساب الأخير في مصلحة الرئيس بشار الاسد.

يقابل ذلك عند قوات النظام، قدرات لوجستية لا تنضب توفرها إيران وروسيا اللتان تمدان الحكم في دمشق بالمال والسلاح والمعلومات الاستخبارية وتتوليان المشاركة في رسم السياسات والخطوات. ووحدة في القيادة العملانية العسكرية باشراف إيراني وروسي وحضور ضباط من “حزب الله”. وقوة نارية متفوقة بأشواط تستند الى المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ والطيران الحربي وجهد استخباري واسع. وبعد ذلك تحضر القدرة على حشد القوات ونقلها من جبهة الى جبهة بحسب ما تمليه ظروف المعركة.

قد تسقط القصيْر قريباً إذاً، بغض النظر عن الشجاعة التي يبديها المدافعون عنها وستنطلق عندها أبواق إعلام الممانعة معلنة النصر التاريخي المؤزر على “المؤامرة التكفيرية الصهيونية الأمريكية…الخ” وتحقيق الأسد تقدماً جوهرياً في الصراع ما يعزز أوراقه التفاوضية في مؤتمر “جنيف 2” أو غيره من العمليات التفاوضية.

وستبدأ، في الجهة المقابلة، حملة تبادل الاتهامات بالتقصير والإهمال والتخلي عن المدينة وسكانها الذين دفعوا من أراوحهم ثمن تراخي المعارضة وانعدام كفاءتها السياسية والعسكرية، على غرار ما جرى بعد أكثر من هزيمة منيت بها قوات المعارضة وبعد أكثر من مجزرة على أيدي الشبيحة ومن لف لفهم.

يمكن للمتابع للشأن السوري توقع كل ذلك ببرود أعصاب. فلم تعد الرومانسية الثورية مفيدة في قراءة الحدث. لكن يتعين الانتباه إلى عدد من المعطيات التي قد تهيمن على الساحة السورية (وامتداداً على الساحة اللبنانية) في الأسابيع أو الشهور التي ستلي معركة القصيْر، نكتفي منها هنا بإثنين.

الأول، سيتيح الأنتصار للنظام زيادة تصلبه لمنع أي عملية سياسية ذات مغزى. رفض الأسد منذ اليوم الاول الحوار مع المعارضة واستبدله بعدد من الإجراءات الهزلية التي سرعان ما تخلى عنها معلناً نفسه، في خطابه في كانون الثاني (يناير) الماضي، مرجعاً وحيداً لكل الاصلاحات منكراً وجود طرف صالح للحوار معه. سيزداد هذا المنحى عتواً خصوصا بعد تأمينه خط التواصل الحيوي مع الساحل بعد أسابيع من استعادته خط دمشق – درعا. وسيضغط الإيرانيون والروس لمنع حصول أي تسوية سياسية مع المعارضة أو مع الغرب فاقد الرغبة، أصلاً، في حصول أي مواجهة سياسية ناهيك عن التدخل العسكري.

الثاني، يتعلق بلبنان و”حزب الله”. ينبغي القول أن الحزب لا يواجه أي حالة تململ او اعتراض تذكر في بيئته، وأن أكثرية واسعة من شيعة لبنان تؤيد ما يقوم مسلحو الحزب في سوريا باعتباره معركة وجودية واستباقية للحيلول دون تقدم قوى التكفير (السنية) إلى المناطق الشيعية. عليه، سيمضي الحزب مدعوماً من جمهوره في تنفيذ استراتيجية لم يضعها هو بل جاءته من وراء الحدود، لمنع سقوط نظام بشار الاسد مهما كلف الأمر.

وقد يكلف الامر التهاب الورم المذهبي في لبنان والمزيد من نزيف الدم والقيح على شكل معارك في طرابلس، مع حلفاء “حزب الله” او صدامات في بعض المناطق وتصعيداً في لغة المهاترات المذهبية. الحزب غير مبال بهذه الأثمان وعلى استعداد تام لتحملها.

وإلى جانب الإمكانات المالية والإعلامية الضخمة التي يستخدمها “حزب الله”، يقوم في المدة الأخيرة بتعزيز انتشار الخرافات والمعتقدات الأسطورية الموجهة تحديداً الى البسطاء من الجمهور الذين يعجزون عن التمييز بين حقائق الايمان والتقوى وبين ضرورات التعبئة والدعاية الايديولوجية – الدينية. وفي الغالب، سيدفع الجمهور هذا ومعه كل اللبنانيين ثمن المغامرات الرعناء في القصير وغيرها.

موقع 24

“حزب الله” في قلب المحرقة السورية!

تتسارع الأحداث في المنطقة العربية بصورة منقطعة النظير، وتشخص كل الأنظار نحو سوريا. فمعارك القصير الشرسة وصلت حدودها القصوى حيث يحشد حزب الله المزيد من مقاتليه لسحق المدينة الاستراتيجية الموقع التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة. فالنظام الأسدي الذي يعتبر المدينة الشريان الرئيسي الذي يربط دمشق بحمص وصولاً إلى الساحل السوري قد وكل مهمة اقتحامها لحزب الله ومقاتلي الحرس الثوري الايراني. ويجري إخلاء جثث وجرحى حزب الله نحو الداخل اللبناني وسط وجوم واسى اللبنانيين حيال ما يجري في الجهة المتاخمة لحدود لبنان. وتنعكس هذه المعارك عميقاً في نفوس اللبنانيين حيث تزيد اوضاعهم الداخلية تأزماً واحتقاناً.

ففي لبنان الآن حكومتان: واحدة عاجزة عن الاستمرار وهي مستمرة رغماً عن استقالتها، وحكومة ثانية غير قادرة ان تتشكل. كما ان البرلمان بدوره يراوح مكانه غير قادر على إنتاج قانون جديد للانتخابات وقد أصبح في حكم التمديد “التقني” لولايته بانتظار ما ستؤول إليه الازمة السورية المستعصية الحل. وتعود الصدامات المسلحة في طرابلس الى سابق عهدها على خلفية أحداث القصير الدامية.

وفي المقلب الآخر تجتمع الدول أصدقاء الشعب السوري في عمان للتداول في ما يمكن ان تقدمه الى الشعب السوري الذي لم يعد يثق بتاتاً باجتماعاتها وببياناتها الختامية الخشبية اللسان. ذلك ان المعارضة السورية المسلحة لم تصلها حتى اللحظة أية أسلحة نوعية فعالة تقيها شر الطيران الحربي، ناهيك عن صواريخ “سكود” التي ما زالت تضرب المدن السورية الشمالية بلا هوادة، في الوقت الذي لم تجف بعد دماء شهداء بانياس والبيضا تلك الفظائع التي ألحقت العار وإلى الأبد بالنظام الأسدي الدموي البربري.

بالأمس فوجئنا بقطع الرئيس اوباما صمته المريب حيال تطور الأحداث الدامية في سوريا، والذي لم يفعل شيئاً قط حيال الدمار الهائل والمجازر المتلاحقة في سوريا، والذي تجاهل التقارير الموثقة حول استخدام النظام الأسدي للأسلحة الكيماوية بحق المدن الملتحقة بالثورة متصلاً بالرئيس اللبناني حول تورط حزب الله للدفاع في سوريا نفسها عن النظام الفاشي وحول التناقض الصارخ بين السياسة الحكومية الكاذبة بالادعاء بالنأي بالنفس وفي آن معاً التواطؤ الضمني مع هذا الحزب والسكوت عنه. فمن المراقبين العرب الى المراقبين الدوليين، ومن كوفي انان الى الاخضر الابراهيمي، ومن هيلاري كلينتون الى جون كيري رأينا السياسة الأميركية تقطع أشواطاً من محضها الثقة الى التراخي الى التغافل حول ما يجري، الى التذرع بتنوع المعارضة السورية وتشرذمها الى اتهامها بالتعاون مع تنظيم “النصرة”.. كل ذلك كان من أجل اطالة عمر النزف السوري المتواصل تحضيراً لجنيف-2 المزمع عقده لابرام الصفقة الاميركية الروسية لاقتسام مغانم مأساة العصر: المحرقة السورية المروعة.

لقد كانت كلها ذرائع كاذبة واهية تخفي في حقيقتها ليس عجزاً أميركياً كما يقرأه بعضهم فحسب بل تواطؤ بين عواصم القرار وعلى رأسها اميركا وروسيا حتى يتم تدمير سوريا عن بكرة أبيها وصولاً إلى تسوية تحفظ للشركات الأجنبية حصصها في المستقبل من اجل اعادة اعمار سوريا وذلك على حساب دماء الشعب السوري وعرقه وقوت ابنائه التعساء المنكوبين.

وتتساءل الشعوب العربية بحق حول المستقبل القاتم المشؤوم الذي يجري بخبث اعداده لسوريا في الخفاء، حول ما اذا كان مصير سوريا سيكون كالعراق حيث جرى تحويله الى محمية ايرانية، وحول مدى جدوى العقوبات الأميركية والأوروبية حيال سعي طهران المحموم لامتلاك السلاح النووي، بل حول تبادل التهديدات الصاخبة بين طهران وتل أبيب.

ان الهجوم العاتي المنظم بشتى وسائل الحرب وتدفق المال والسلاح والمقاتلين الذي يشنه النظام الظلامي المذهبي الايراني لتحقيق مشروع استعادة أمجاد الامبراطورية الفارسية والعامل ليل نهار على تقويض وزعزعة جميع الدول العربية، رافعاً شعارات تحرير كاذبة وملفقة لتحرير فلسطين، هو الخطر الداهم التوأم الحقيقي للمشروع الصهيوني الآخر الذي مازال ينهش في جسد فلسطين منذ 65 عاماً وحقوق شعبها المشرد في كل اصقاع المعمورة.

إنها الصورة الظلامية السوداء القاتمة التي اسقطت الأقنعة عن وجوه الألسنة الخشبية: انه اغتيال مبرمج موقع مدروس لكل القوميين والوطنيين العرب من الخلف يدوس على أجساد الشعبين العراقي والسوري وصولاً إلى لبنان المشلول الممزق.

ان اخطاراً جسيمة تهدد الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه بمشاريع سلفية متعددة الأسماء والشعارات لكن أهدافها واحدة يفهمها تماماً مَن يجيد القراءة والغوص في مراميها الحقيقية وأهدافها الشريرة. والثورة السورية السائرة بعناد وثبات، رغماً عن جحيم الحديد والنار والمذابح والفظائع التي يرتكبها النظام الأسدي الفاشي وحلفاؤه، لقادرة قادرة رغماً عن الخنوع والتواطؤ الدوليين وتقاسم المغانم المزمع عقده على إلحاق الهزيمة بالنظام الأسدي وحلفائه مهما طالت رحلة القهر والبطش والعذاب.

لطالما ظننا ان الخطر الداهم يأتينا على الدوام من الجنوب أي إسرائيل بكل أطماعها ومشاريعها الاقليمية، فإذا بنا الآن نواجه في آن معاً اخطاراً لا تقلّ هولاً فاغرة فاها قادمة من الشرق.

لقد تورط حزب الله حتى العظم بدماء الشعب السوري وجعل نفسه خدمة للنظام الأسدي متراساً وخندقاً ورأس حربة في خاصرة الشعب السوري، بل نصب نفسه بسلاحه وتلاعبه السياسي وصياً على الجمهورية اللبنانية ومستقبلها المشرع على أسوأ الاحتمالات.

د. نقولا زيدان

المستقبل

الشعب السوري هو الهدف

    سناء الجاك

قال النائب العوني إن معركة القصير ستبعد مخطط “سايكس بيكو” جديداً عن المنطقة، وإن “حزب الله” بمشاركته فيها قام بدفاع استباقي عن نفسه ووجوده وممانعته لصدّ المؤامرة الكونية على محور المقاومة والممانعة.

بالطبع تطرق النائب العوني الى ما يتعرض له المسيحيون في سوريا، مستنكراً “مشروع إبادتهم على يد التكفيريين”، مضيفاً أن المسألة ليست مسألة ديكتاتور وشعب يقاومه، محذِّراً من المد الاسلامي.

لم يذكر النائب شيئاً عن حوالى 90 ألف سوري قُتلوا بوحشية على يد النظام الذي لا يوفر جهداً لجذب كل المتطرفين الى أرضه، حتى يدّعي أنه يحارب الإرهاب.

أكيد هناك مؤامرة كونية، والأكيد أن المسؤولين في الولايات المتحدة ومعها اسرائيل وروسيا وإيران والصين.. و… و…، آخر همومهم ما يحصل في سوريا الا بالقدر الذي يخدم مصالحهم الخاصة وصفقات بيع السلاح وطموح السيطرة الكاملة وصولاً الى حوض المتوسط. لكن هذه المؤامرة ليست على الممانعة أو المقاومة أو ما الى ذلك من كليشيهات فارغة. المؤامرة تستهدف فقط الشعب السوري الذي أصبح وقوداً لما يُبحث في الدوائر الدولية والإقليمية.

الأنكى ان المجتمع الدولي يواكب الموضة، فيستنكر استخدام الشبّيحة الاسديين الغاز الكيميائي، ويستنكر دخول “حزب الله” على الخط في القصير، ويتهم النظام بأنه يزرع بذور الطائفية في المنطقة. وأيضا يعتبر كارثة الكوارث خطف المسيحيين في سوريا، وهنا يلتقي هذا المجتمع المتحضر مع بعض “المتحولين سياسياً” عندنا الذين لا يستوقفهم الا خطف المسيحيين أو تخريب كنيسة أو مقام، فترتفع أصواتهم محذّرين من المؤامرة الكونية التي تريد تهجير مسيحيي الشرق.

المقيت أن الايام الاولى لهجوم مقاتلي الحزب التي ترافقت مع حرب إعلامية، ضللت حتى جماعتهم، شهدت تعليقات اعتبرت تورط “حزب الله” مع النظام السوري في معارك القصير مبعث شماتة لمن يرى ان إبادة “السنّة النواصب” طبيعية، فتصرفوا تماماً كما يفعل التكفيريون الذين يعتبرون إبادة “الشيعة الروافض” طبيعية. الإثنان وجهان لعملة واحدة.

النكتة ان مصادر في الحزب وعدت بعد تطهير المدينة من الشعب السوري بأنها ستسمح لوسائل الاعلام العالمية. الحزب الذي لا يسمح للاعلام بالعمل من دون قيود في مناطق نفوذه، لن يسمح بالتأكيد لأي كان أن يجري مقابلة حصرية مع وجود مصطفى بدر الدين المتهم بقتل رئيس الحكومة اللبناني الاسبق رفيق الحريري الذي ذكرت معلومات انه تم توثيق وجوده على رأس قيادة عمليات الحزب في جبهة القصير.

طبعاً لن يعلق مسؤول في الحزب على طرد ديبلوماسيين إيرانيين اثنين من البوسنة بتهمة التجسس والتعاون مع متطرفين اسلاميين هناك. كذلك لن يسمح بتوثيق معلومات لمصادر أمنية لبنانية ذكرت أن بعض انصار الحزب حاولوا مهاجمة جرحى سوريين في مستشفى “دار الأمل” في بعلبك لكن الجيش سارع الى نقلهم الى مستشفيات البقاع الغربي. كذلك لن يسمح بتوثيق الاعتداءات على عمال سوريين في قرى شيّعت قتلى الحزب. فمثل هذه الاعتداءات كالشماتة ليست للنشر. الشامتون ليسوا بالضرورة من عامة الشعب، التي اذا فتشنا نجد لديها بعض الرحمة على رغم الغرائزية المذهبية. فالشماتة فنّ يتقنه “المتحولون سياسياً” الذين انتفخوا بالسلطة حتى تورّموا مع ازدياد حاجة النظام الأسدي اليهم، ولخوفهم من زوال مجدهم باتوا يتمنّون الموت لكل الشعب السوري حتى يبقى الطاغية بشار الأسد ويبقوا تحت جناحه يخدمونه فعلاً بالروح والدم.

“المتحولون السياسيون” يراعون “الايتيكيت” عندما يدلون بتصريح على شاشة التلفزيون، يلصقون الأقنعة على كل حرف ينطقون به، وبعيداً من الكاميرا يجدون عدد القتلى السوريين قليلاً. أحدهم تمنى لو يموتون كلهم. وعندما كنا نتابع آخر أخبار المعارك، سأل أحدهم ساخراً: لماذا لا تأتي طائرات الخليج لتحمي هذا الشعب من هجوم النظام الأسدي و”حزب الله” عليه؟ ثم أضاف: غيّروا المحطة لنشاهد بعض الغناء والرقص ونتسلى.

النهار

قراءة متأخّرة لحروب «حزب الله»

حازم صاغيّة

يذهب البعض من نقّاد «حزب الله» إلى أنّه نقل بندقيّته من مواجهة إسرائيل جنوباً إلى مواجهة الشعب السوريّ شمالاً، على ما بات واضحاً جدّاً في الأيّام القليلة الماضية انطلاقاً من معارك مدينة القصير.

وهذا تقدير، على رغم حسن النيّات لدى أصحابه، خاطئ ومضلّل. فـ «حزب الله» حين كان يقاتل إسرائيل إنّما كان يقاتل دفاعاً عن المنظومة التي يشكّل النظامان السوريّ والإيرانيّ موقعها القياديّ. وهذا ما لم يكن خافياً إلاّ على الذين أرادوا ألاّ يروه وألاّ يروا خدماته المسداة للتركيب الامبراطوريّ والتوسّعيّ في المشرق.

بغير هذا التأويل يستحيل أن نفسّر إقدام الحزب، في الثمانينات، على تصفية قوى أخرى شاءت أن تقاتل إسرائيل من دون أن تنضبط تمام الانضباط بالإملاءات الاستراتيجيّة الإيرانيّة والسوريّة. لقد تولّى الحزب آنذاك تنظيم الملاءمة بين الغاية والوسيلة، بحيث لا تخرج الثانية عن طاعة الأولى ولا تجد الأولى نفسها قليلة الحيلة.

ثمّ في 2000، مع الانسحاب الإسرائيليّ من طرف واحد، لم يكن «حزب الله» مرتاحاً للتحرير، فساهم، مع نظام الوصاية السوريّ، في اختراع مزارع شبعا بوصفها مبرّراً كافياً لاستئناف الصراع وإبقاء البلد في أتون الحروب القاتلة. وغنيّ عن القول إنّ السبب الرئيس للموقف هذا لا يعدو الخوف من أن يمهّد الانسحاب الإسرائيليّ للمطالبة بانسحاب سوريّ، على ما حصل فعلاً في لقاء قرنة شهوان وما تلاه وصولاً إلى الانشقاق الحريريّ عن العباءة السوريّة.

صحيح أنّ «حزب الله» هو الذي اضطلع بمهمّة التحرير وبدفع أكلافها. لكنّ ذلك، وعلى ما تبيّن مع حصول ذاك التحرير في 2000، لم يكن محكوماً بأيّ هدف وطنيّ لبنانيّ، خصوصاً أنّ نظريّة الانسحاب من طرف واحد كما طرحها إيهود باراك لم تكن على الطاولة قبلذاك. فحين قال باراك بهذه النظريّة وقع قوله وقع المفاجأة اللعينة التي ضاعفها تنفيذ الانسحاب فعليّاً.

وتلك التجارب إنّما تُستعاد اليوم على ضوء معارك القصير الضارية والتي تحدّد ببلاغة ما بعدها بلاغة أنّ «التناقض الرئيسيّ»، في عرف «حزب الله»، إنّما يتعلّق بسلامة النظام السوريّ وأمنه، وطبعاً النظام الإيرانيّ وأمنه، وليس بالصراع مع إسرائيل.

فالصراع المذكور ليس، في آخر المطاف، سوى الشرط الضروريّ لاشتغال ذاك النظام ضدّ شعبه وشعوب المنطقة، واشتغال عدّته الإيديولوجيّة والإعلاميّة استطراداً.

فإذا صحّ هذا التقدير صارت المشاركة في معارك القصير مجرّد تطوّر تقنيّ في سياق سابق عليه. ذاك أنّ الحزب، قبل القصير وبعدها، يخوض حروب النظام السوريّ ويؤمّن شروط اشتغاله.

وفي المعنى هذا، يلوح بائساً وزائفاً ذاك الوعي الذي صدّق ما يقال عن أولويّة الصراع مع إسرائيل التي لم تكن عند أيّ من الأطراف، ولا في أيّة مرحلة من المراحل، أولويّة.

والحال أنّ «حزب الله» ما كان ليستطيع تصدير روايته هذه وحمل قطاعات واسعة، لبنانيّة وعربيّة، على تصديقها إلاّ لأنّ الداخل السوريّ كان معطّلاً ومؤجّلاً، فيما كان النظام السوريّ مرتاحاً إلى داخله المعطّل والمؤجّل هذا. فعندما اختلف الأمر بنتيجة الثورة، فُرض على الحزب أن يخوض معركته الفعليّة من دون مداراة أو تزويق.

الحياة

“ذكرى التحرير” في القصير

عبد الوهاب بدرخان

استنكار تدخل “حزب الله” في سوريا يعني ايضاً، ومن دون لبس، استنكار سحب مقاتلي المقاومة من مواقعهم في جنوب لبنان لإرسالهم الى القتال في سوريا، الى قتل الشعب السوري. تلك مقاومة قد تقود الى الشهادة المقدسة، وهذه جريمة تلغ في وحول الخطأ القومي والعروبي والديني والانساني والاخلاقي. بل انه الخطأ التاريخي الذي لم يشأ أصحابه ان يتعلموا شيئا من دفع مقاتلي المقاومة الى غزوة بيروت في 7 ايار 2008. صنعوا المقاومة ويمعنون في تلويث طهارتها وتحطيم صورتها. استثمروا الكثير من الدم والعرق والمعاناة في هؤلاء الشباب اللبنانيين وها هم يرمونهم في حرب قذرة.

“حزب الله” يبحث عن “انتصار” للنظام السوري في القصير، لكن من اجل ماذا طالما انه مدرك ان كل “الانتصارات” لم تعد كافية لانقاذ هذا النظام، وبالأخص لإبقائه حاكماً ومسيطراً ومفرطاً في الاجرام والوحشية. في أحسن الاحوال، انهم يقاتلون لـ”تحرير” القصير من اهلها، لـ”تحرير” سوريا من شعبها، اي لتهجيره وتدمير عمرانه. ما أسوأ المفارقة اذ تحل الذكرى الرابعة عشرة لتحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي فيما يخوض مقاتلو المقاومة معركة لم يتوقعوها ولم يتمنوها في القصير. كيف اتفق انهم اصبحوا يتصرفون كما لو ان المقاومة باتت عبئا على نفسها؟

في الحروب مع العدو الاسرائيلي لم يكن “حزب الله” يتعجل اعلان اسماء الشهداء، وبالكاد يبوح بعددهم، وقد كانوا مصدر فخر واحترام له ولكفاحه، بل كانوا عنوان اعتزاز للبنانيين والعرب. اما في هذه الحرب ضد الشعب السوري فيبدو متساهلا في تسريب اعداد القتلى وحتى اسمائهم، غير مبال بأن اسباب الافتخار والاعتزاز غير متوفرة هذه المرة، وان للأسماء عائلات، وان ثمة عائلات سورية تحمله مسؤولية قتل ابنائها، اي انه صار متورطا في صناعة الموت والضغائن.

لا يستحق النظام السوري وزمرته ان تراق نقطة دم واحدة من اجلهم، ولا لأي سبب على الاطلاق. فمن لا يساعد نفسه تصعب مساعدته. نعم، ربما كان الوفاء للحليف مبررا لهذا التورط، لكن هل من الوفاء للمنتحر ان تنتحر معه، وهل ان اسطوانة “المقاومة” و”الممانعة” المشروخة كافية لاقناع عائلة ثكلى بأن ابنها ارسل الى المكان الصح للقيام بالواجب الجهادي الصح؟\

الواقع المؤلم ان شباب “حزب الله” يقضون ضحية قضية بائسة، ويضحون من اجل نظام ثبت انه ظالم، ولم يعرف التاريخ اي مقاومة اصيلة تبنى على الظلم. ولا يكتفي النظامان السوري والايراني بإرسالهم الى خط النار وقوداً للمعركة، بل انهما يستخدمان جثثهم واسماءهم لأغراض الترهيب في لبنان. فكلما اعلن عن قتيل لـ”حزب الله” في سوريا كلما تصاعد التوجس من ردود فعله في لبنان. انه لا يريد حكومة ولا انتخابات. وهذا كان موقفه الحقيقي قبل التورط في سوريا، ولا يزال بل تأكد بعده، ولن يعيد النظر فيه الا وفقا لتطورات المعركة.

*نقلاً عن “النهار” اللبنانية

النهار

القصير وجنيف وأوهام الأسد!

    راجح الخوري

اذا كان بشار الاسد يظن انه سيذهب الى “جنيف – 2” ليلقي بجثة مدينة القصير على الطاولة قائلاً هذه شروطي للحل و”يا ايها السوريون ادفنوا قتلاكم وتعالوا انتخبوني رئيساً منتصراً”، فانه واهم تماماً، اولاً لأن لا مكان له في المؤتمر على رغم تمسك روسيا بهذا الامر، وثانياً لأن سقوط القصير [اذا سقطت] سيبتلع “جنيف – 2” لأنه سيشكل البوابة الميدانية لتقسيم سوريا ووصل اجزاء ذلك الشريط الممتد من ايران الى جنوب لبنان عبر وصل منطقة الهرمل بالدولة العلوية المتصلة بعراق المالكي الايراني!

واذا كان الاسد يعتمد على عراقيل واوهام الرفيق سيرغي لافروف الذي كرر مع فيصل المقداد ان على المعارضة ان تذهب الى جنيف صاغرة ومن دون اي شروط لتبصم على شعار “الاسد قائدنا الى الأبد”، فهو واهم ايضاً، ثم اذا كان يظن انه سيدخل الى جنيف برفقة حلفائه الايرانيين كما تريد موسكو التي تصر على ان تشرك طهران في المؤتمر فهو واهم كذلك!

ذلك ان “اصدقاء سوريا” في عمان كانوا واضحين هذه المرة في القول، ان لا مكان للأسد في جنيف او في مستقبل سوريا، وقد جاء ذلك عبر بيان رسم خريطة طريق الى “جنيف – 2″ عندما قال ان الحل السياسي يجب ان يقوم على تشكيل حكومة انتقالية خلال اطار زمني يتم الاتفاق عليه، لتتسلم مهماتها وسلطاتها الكاملة بما في ذلك السلطات الرئاسية، اضافة الى السيطرة على القوات المسلحة والاستخبارات والاجهزة الامنية…”وان الرئيس بشار الاسد ونظامه ومساعديه المقربين والذين تلطخت ايديهم بدماء السوريين يجب الا يكون لهم اي دور في مستقبل سوريا”.

وعندما يدين بيان اجتماع عمان تدخل ايران و”حزب الله” في القتال الى جانب النظام في القصير وغيرها من المناطق السورية ويدعوهما الى سحب مقاتليهما فوراً من الاراضي السورية لأن هذا التدخل يشكل تهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة، هل يكون من المعقول ان يشارك الايرانيون في البحث عن حل وهم يقاتلون الى جانب الاسد؟

جون كيري يرى ان “جنيف – 2” يشكل فرصة اخيرة لمنع انزلاق سوريا الى التقسيم والمزيد من المذابح، والسوريون لن يتوقفوا طبعاً عند تهديداته، وخصوصاً بعدما تأكد لهم منذ عامين ونيف ان التهديدات الاميركية في زمن اوباما لا تساوي سوى الهراء، فعندما يحذّر كيري الاسد من ان عدم موافقته على التفاوض، وفق بيان “اصدقاء سوريا”، “سيدفعنا الى استمرار دعمنا للمعارضة لتمكينها من مواصلة الكفاح من اجل بلدها”، فإن ذلك لا يقيَّد في خانة الالتزام بل في سياق الوهم المفجع، الذي تفرضه الادارة الروسية – الاميركية المشتركة للقتل في سوريا!

النهار

الأصدقاء يستعدون لجنيف

رند صباغ

 “إنه استعداد وتمهيد لاجتماع جنيف2”. هكذا يصف وزير الخارجي الأردني ناصر جودة اجتماع “أصدقاء سوريا” الأربعاء في عاصمة بلاده عمان الباحثة عن دورٍ لها في المنطقة في ظل مؤشرات ارتسام خريطة جديدة. لكن التساؤل بقي مفتوحاً، حول ما إذا كان المؤتمر يحظى بقبول من الأطراف السورية نفسها قبل “أصدقائها”، في انتظار تبلور قيادة “الائتلاف” وموقفه، وعودة الوفد النظامي السوري من موسكو.

 وإلى جانب مشاركة وزراء خارجية 11 دولة من أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والسعودية، تشارك المعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف السوري في الاجتماع رغم تلقيها الدعوة متأخرة وما تم تداوله عن عدم مشاركتها سابقاً. وعلى ذلك فإنه من المقرر أن يجري جورج صبرا رئيس الائتلاف بالوكالة قبيل اعتماد الرئيس الجديد بعد اجتماع الائتلاف المقرر عقده الخميس، لقاءاتٍ على هامش الاجتماع، ومن أهمها لقاء يجمعه مع جون كيري وزير الخارجية الأميركي، الذي ترجح الأنباء الواردة أن يكون متمحوراً حول إقناع قوى المعارضة بالمشاركة في جنيف2 وإيجاد صيغٍ توافقية لهذه المشاركة قد تتطلب من الائتلاف التنازل عن بعض مبادئه التأسيسية أو ما وصفه كيري بالتوصل “لمنهجية تنفيذ جنيف 1 والسعي لإيجاد الخطوات اللازمة لتنفيذ جنيف2”.

وكان كيري قد اشار في مؤتمرٍ صحافي قبيل عقد الاجتماع أنه في حال “لم يتعاطَ الأسد بجدية مع اتفاقيات جنيف 1، فسنبحث عن صورٍ أخرى لدعم المعارضة للتمكن من مواصلة المواجهة” متهماً الأسد بأنه أخطأ في حساباته “إن كان يعتمد على مكاسب الأيام الماضية”، مشيراً إلى نية المجتمعين في عمان بحث “ما يمكن تقديمه لمساعدة المعارضة وكذلك الدعم الذي يجب أن يقدم للشعب السوري في مأساته التي تعد من أكبر الأزمات الإنسانية في تاريخ الأمم”، لافتاً النظر إلى أن الخاسر الوحيد من الصراع الحالي هو الشعب السوري.

كما صرح وليام هيغ وزير الخارجية البريطاني على هامش الاجتماع ضمن المؤتمر الصحافي الذي جمعه بنظيره الأردني بأن النظام السوري “تلقى خلال الأشهر الماضية دعماً هائلاً من إيران وحزب الله، هذا النظام يعتمد على دعم جهات خارجية”، مؤكداً على أن بلاده ما زالت تواصل سعيها لرفع حظر السلاح عن المعارضة، ومعتبراً أن الوضع الراهن بدأ يهدد “الأمن الإقليمي”، في حين شدد على أن النظام السوري “لا يستطيع الانتصار عسكرياً”.

أما جودة فقد كان بموقع المدافع عن موقف بلاده وما يتم تداوله حول تراجعها عن استقبال اللاجئين السوريين، مؤكداً أن بلاده لم تغلق الحدود في وجههم، ومحيلاً التناقص في أعداد اللاجئين الذي أشارت إليه الأمم المتحدة إلى كونه “انعكاساً لظروف داخل سوريا منها العمليات العسكرية”.

وكان معاذ الخطيب رئيس الائتلاف المستقيل قد قدم الثلاثاء ما وصفه بخريطة طريق لحل الأزمة السورية بعد “اللقاء التشاوري” في مدريد، معتبراً في تصريحاتٍ له على صفحته الشخصية على “فيسبوك” أن الورقة الصادرة عن اللقاء التشاوري الوطني عرضت نقاطاً لإقامة نظام ديموقراطي بديل دون أن يضطلع النظام القائم حالياً بأي دور في المرحلة الانتقالية.

لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال قبيل المباحثات مع نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد في موسكو ان روسيا “تعول على ان تبدي المعارضة السورية موقفا بناء من المؤتمر الدولي المرتقب حول سورية ، لكن الانباء الواردة حتى الآن لا تبعث على الامل”.

وأضاف لافروف: “نحن نعول على ان يأتي رد فعل بناء من جانب مختلف مجموعات المعارضة. وحتى الآن لا تبعث على الأمل الانباء الواردة. وعلى وجه التحديد، وحسب التقديرات الاولية، لم يُتخذ خلال اجتماعات جزء المعارضة في مدريد اي قرار بشأن المشاركة في المؤتمر من دون شروط مسبقة”، فيما أكد: “نحن على اتصال دائم بالشركاء الاجانب الذين لهم نفوذ حقيقي على المعارضة المتشددة، ونأمل بان نفوذهم سيستخدم في خدمة الحوار الوطني السوري”.

المقداد من جانبه، قال إن “السلطات السورية تدرس حاليا موضوع المشاركة في المؤتمر الدولي المرتقب”. وأضاف عقب مباحثاته مع لافروف، ردا على سؤال حول مشاركة السلطات السورية في المؤتمر وعمن سيمثلها فيه، ان “الحكومة السورية تدرس حاليا هذه التفاصيل والقرار النهائي سيتخذ بعد عودة الوفد السوري برئاسته من موسكو الى دمشق”.

المدن

حزب الله: نواجه كالنمور

نادر فوز

لم يعد الدخول العسكري لحزب الله في سوريا ظاهرة أو خبراً أو مادة للنقاش. بات الأمر علنياً، يدافع عنه مسؤولو الحزب في مجالسهم الداخلية وفي الإعلام. حتى في لقاءاتهم مع خصوم الداخل، كوادرهم يسترسلون في شرح تدخلهم وفي تفسيره وتبريره. ضغوط الثورة السورية وواقعها الميداني، يدفعان مسؤولي الحزب إلى فقدان الكثير من المنطق خلال مداخلاتهم. يفقدون احاسيس بديهية وأساسية، تدفعهم إلى قول ما لا يمكن قوله، أكان في لغة التهديد والوعيد أو في لهجة الإتهامات بالعمالة والجاسوسية.

لقاءات مسؤولي حزب الله تكثفت في الاسابيع الأخيرة، حملت نقاشات سياسية حامية اوضّحت جزءاً من الصورة التي باتت فيها حارة حريك. مسؤولون في الحزب التقوا سفراء دول اوروبية وممثلين ديبلوماسيين في اكثر من سفارة. حضر أبناء حارة حريك وقد أقفلوا آذانهم على أي طرح أو سؤال سيتقدم به مناقشوهم. أحضروا معهم أفكارا مقتضبة لكن حساسة وحاسمة. عنوانها الملف السوري ومضمونها أنّ حزب الله ماضٍ حتى النهاية في الدفاع عما يعتبره حقاً وواجباً. وضمن سلّة الأفكار هذه، نصيحة قدّمها مسؤولو الحزب للديبلوماسيين الأوروبيين، مفادها: “أصرفوا التفكير عن دعم الثورة السورية ومقاتليها ومدهم بالمال والسلاح، لأن ذلك سيعقد الأمور أكثر وسيواجه بأساليب لم يرها احد بعد”.

 تواصل الحزب مع السفارات الغربية مستمر لتمرير هذا الخطاب التحذيري ولضمان بعض المسالك الأساسية المفترض أن تبقى قائمة لتمرير رسائل مماثلة. هي رسائل مشابهة لما يوجهه حزب الله إلى خصومه في الداخل، تكشف عن وجه قديم ـ جديد للحزب، وجه فاقد للمنطق. ففي صلب جلسات سياسية، يأتي على لسان نائب في الحزب قوله إنّ “الصراع في سوريا يعنينا نحن تحديداً، هي معركة كسر عظم لا يمكن تحييد أحد عنها”. وبحسب تفسير النائب المقاوم، المعركة باتت سنية ـ شيعية “مهما كانت رغبة الأطراف، أصبحنا كما غيرنا جزءاً منها”. هي معركة تحدد مصير البلد للمرحلة المقبلة، تخلص إلى منتصر ومهزوم ومن سيحكم البلد ومن سيُحكم.

 في لغة حزب الله محاولة للتملّص من المسؤولية، وإلاظهار وكأن هذا الواقع فُرض عليه من دون أن يكون أداؤه وتدخله في الساحة السورية – منذ اللحظات الأولى لانطلاق الثورة في سوريا- عنصراً اساسياً في جرّه إلى هذا المستنقع.

 مستنقع، يعترف حزب الله به اليوم ويسعى في ممارسته إلى تكريس انزلاقه فيه، وهو يدفع مسؤولي الحزب إلى التعبير بوضوح عن سيناريوهات أصبحت جاهزة للتنفيذ في حال اشتداد الأزمة. فالحزب لن يتصرّف كالقطط عند حشره في الزاوية، بل “سيكون كالنمور يدافع عن نفسه وقادرا على إيذاء خصومه”.

 بلغة النمور ومنطق الأسود يتصرف حزب الله في هذه المرحلة، وهي لغة لا يتردد فيها حاملوها على القول إن “لا شيء يُفرض علينا تحت أي ظرف كان وفي أي موقع كان”. هذه العبارات التي نقلها مسؤول في الحزب خلال جلسة سياسية جمعته مع أطراف حليفة وأخرى خصمة، دفعت عدداً من المشاركين في النقاش إلى الخروج وهم يجرّون الصمت وراءهم. أفهمهم الحزب أنه قادر على فعل أي شيء إذا ما رآه مناسباً. من تعطيل حكومة، إلى تعطيل أشغال وقطع طرقات، مروراً بما يقتضيه الواجب الجهادي.

 ما يتابعه اللبنانيون يومياً من جمهور الممانعة يبدو للوهلة الأولى حماسة وهوجاً وضرباً من الخيال. لكن حين يُسند إلى أحاديث مشابهة ينقلها مسؤولو حزب الله إلى كل من حولهم، تصبح الحماسة جنوناً والخيال جحيماً. قد يكون كل هذا تهويلاً لردع أي حركة سياسية تصب في خانة الإطاحة بحزب الله وحلفاء نظام البعث في سوريا، من الحكم. لكن مشاهد المسلحين ليلاً يجوبون الطرقات في محيط بيروت يعيدنا إلى الواقع. واقع أنّ هذه الأحاديث ليست مزحة سمجة.

المدن

من القصير إلى الجحيم المذهبي؟!

    راجح الخوري

أبعد من القصير وأبعد من المذبحة السورية وأبعد من التراشق بالسيارات المفخخة بين الجوامع والحسينيات في العراق، ترتسم معالم الطريق الى حرب مذهبية بين السنّة والشيعة يمكن ان تقود المنطقة والعالم الاسلامي الى قرن من الصراع العنيف!

صحيح ان ما فعله الاميركيون في العراق كان ولا يزال بمثابة شرارة دائمة لإبقاء شبح الحريق ماثلاً مثل كابوس فوق رأس المنطقة، وخصوصاً في ظل سياسات نوري المالكي الايرانية التي لا تعبأ كثيراً بهذا الخطر، وصحيح ان بشار الاسد هدد منذ البداية باحراق المنطقة اذا سقط نظامه الذي ينام في احضان الايرانيين الذين يعتبرون سوريا الولاية الايرانية الرقم 35، لكن الاصح والاخطر ان الصراع لم يعد ينحصر داخل الجغرافيا الوطنية بمعنى ان عراقيين شيعة يقاتلون عراقيين سنّة او بحرينيين شيعة يحاولون الانقلاب على بحرينيين سنّة بدعم ايراني طبعاً، بل اصبح القتال عابراً للحدود في شكل واضح ومعلن!

ليس السؤال هنا ماذا يفعل الايرانيون ومقاتلو “حزب الله” في القصير، السؤال الى أين من القصير، فقد بات واضحاً ان سوريا التي سبق  لها ان تحولت من ارض نصرة الى ارض جهاد، بعدما  تسلل اليها سنّة متحمسون لنصرة اشقائهم في مواجهة مذابح النظام العلوي، يمكن ان تتحول الآن ساحة معركة بين السنّة والشيعة لا تستقطب “الجهاديين” فحسب بل تورط الدول الاسلامية بما سيدفع بالمنطقة والعالم الاسلامي الى الجحيم!

وسط هذه الصورة من الاحتمالات القاتمة والمخيفة يرتفع صوت خادم الحرمين الشريفين كما ارتفع دائماً داعياً الى الحكمة والتروي والعقل والى أين ذاهبون وماذا انتم فاعلون، وهل نظرتم الى الهوة التي اليها تندفعون، وهو ما كان قد فعله عندما تعمّد الامساك بيد محمود احمدي نجاد والسير معاً امام العالم في الرياض عندما كانت شرارة الصدام المذهبي متأججة بين المسلمين في لبنان… ففي حين تنخرط ايران وتدفع “حزب الله” الى القتال علناً في القصير وسوريا، تعمّد الملك عبدالله مطالبة السلطات السعودية بتشديد الاحكام على كل من يغرر بالشباب السعوديين ويحضهم على الذهاب الى سوريا “لقد سمعت مع الاسف ان هناك اشخاصاً يغررون بالشباب وهذا امر يجب ان يكون الحكم فيه ليس السجن فقط”.

مثير ان ينشر هذا الامر الملكي الى جانب خبر عن ارتفاع عدد الموقوفين من خلية التجسس الايرانية في السعودية الى27، وان يأتي أيضاً بعد المكاشفة الصريحة التي اجراها الأمير سعود الفيصل مع علي أكبر صالحي واضعاً النقاط على حروف التدخلات الايرانية السافرة والتخريبية ليس في القطيف فحسب بل في لبنان وكل دول مجلس التعاون الخليجي… لكن الفرق كبير بين من يحاول سد الطريق الى جحيم الفتنة وبين من يحفر هذه الطريق!

النهار

«حزب الله» والقتال في سورية

عبدالله إسكندر

الضجة التي تتناول التدخل الخارجي في القتال الدائر في سورية تتركز على «حزب الله» اللبناني، علماً ان مقاتلين اجانب كثراً انضموا الى هذا القتال. ومن هؤلاء المقاتلين متشددون سُنة جاؤوا من بلدان متنوعة ليحاربوا النظام، ومنهم ايضاً شيعة جاؤوا من لبنان والعراق وغيرهما ليحاربوا المعارضة المسلحة. هؤلاء المقاتلون الاجانب يتدخلون في القتال السوري، و «حزب الله» يتدخل ايضاً. لماذا التركيز على «حزب الله»؟

من البديهي ان يكون كل قتال أهلي مكروهاً ومستنكراً، وان يكون اي تسعير له مداناً، وان يكون اي تدخل خارجي فيه انتهاكاً للسيادة وعدواناً عليها. وليس هناك، تحت اي ذريعة كانت، من تدخل خارجي في قتال أهلي شرعي وآخر غير شرعي، ما لم يكن صادراً بقرار من مجلس الامن. وهذا ما لم يحصل بعد في الحالة السورية.

عندما جرى الحديث عن «جبهة النصرة» لم تكن المسألة اذا كانت تضم اجانب يقاتلون في صفوفها، وانما كانت المسألة في ايديولوجيتها المتطرفة التي اكسبتها صفة «الارهاب». لكن الحديث عن «حزب الله»، لمناسبة معارك القصير التي يشارك فيها بضراوة وحيث سقط له عشرات القتلى، باتت المسألة «اعتداء» على سيادة و «احتلالاً»، لأن الحزب يمثل كياناً سياسياً معلناً لولاءاته وارتباطاته مع ايران، وتصبح مشاركته في القتال «تدخلاً» في شأن دولة اخرى، في نظر القانون الدولي. في حين ان مقاتلي «جبهة النصرة» يظلون افراداً لا يرقى وضعهم الى «التدخل»، مهما صدرت منهم من ممارسات مشينة ومهما كانت الجرائم التي يمكن ان يرتكبوها، وهم يحاسبون استناداً الى القانون الجنائي.

في هذا المعنى ترقى مشاركة «حزب الله»، بما يمثله، الى «التدخل الخارجي»، مع ما ينطوي عليه ذلك من تبعات في نظر القانون الدولي. ولهذا يزداد الاهتمام باتساع هذه المشاركة التي تعكس بدورها اتساع المشاركة الايرانية التي تقع ايضاً تحت طائلة هذا القانون. وفي موازاة ذلك، تظهر هذه المشاركة العلنية لـ «حزب الله» في القتال السوري تغيراً استراتيجياً في الخطاب السياسي، تبعاً لتحول وظيفته اللبنانية السابقة الى اداة تدخل ايراني معلن ومعترف به في شؤون سيادية لدولة اخرى.

وربما في اضطرار الحزب الى كشف هذا التغير في وظيفته الاولى نكوص من ادعاء الدور السياسي العام، تحت شعار «مقاومة» احتلال اسرائيل لأراضٍ لبنانية، الى دوره الاساسي كحزب شيعي يتبع مرجعية «ولاية الفقيه»، تحت شعار الدفاع عن محور «الممانعة» هذه المرة.

كان استثمار الحزب لـ «المقاومة» في لبنان، ناجحاً. او على الاقل كان يحظى بدعم سياسي من غالبية اللبنانيين ومن مختلف الطوائف، ما دام هؤلاء يعتبرون انه يقاتل اسرائيل لتحرير الارض، من دون التوقف كثيراً الى معنى ان يكون هذا الحزب بالذات، مع ما يمثله، «المكلف» بـ «المقاومة والتحرير».

بالانتقال من «المقاومة» الى «الممانعة» بات الحزب مضطراً الى الدفاع عن النظام السوري، ليس بوصفه حليفاً سياسياً، وانما ايضاً بوصفه أقلوياً، اي بوصفه حليفاً طائفياً. ومن اجل تبرير التدخل العسكري، تدرج موقف الحزب، منذ اندلاع الازمة السورية، من تفهم المطالب الشعبية وضرورة تلبيتها تحت سقف النظام، الى ان ثمة متسللين وعملاء بين المحتجين ينبغي التصدي لهم، الى ان ثمة لبنانيين يعيشون في الجانب السوري من الحدود يدافعون عن انفسهم، الى ان ثمة مقامات شيعية مهددة من التكفيريين، الى توجيه ضربة استباقية الى التكفيريين في سورية وحمايتها من الوقوع في ايديهم. اي ان حماية الضلع السوري في محور «الممانعة»، يقتضي القتال ضد الغالبية الشعبية الكاسحة في سورية لمصلحة النظام الأقلوي، وهذا ما يفسر ضراوة القتال في القصير وحجم الخسائر التي يتكبدها الحزب هناك، كون ريف حمص عقدة الوصل بين العمق الشيعي اللبناني والعمق الأقلوي في سورية.

الحياة

كم عدد قتلى حزب الله؟

طارق الحميد

السؤال أعلاه هو الشغل الشاغل اليوم لجل وسائل الإعلام العربية بقصد معرفة عدد قتلى حزب الله في معركة القصير دفاعا عن بشار الأسد، بينما يحاول الحزب نفسه إخفاء عدد قتلاه لإخفاء جريمته «الكبرى» ضد السوريين، والمنطقة، فهل يمكن إحصاء عدد قتلى الحزب؟ بالطبع لا، بل من المستحيل!

وقبل الشروع في التحليل فلا بد من تأمل التالي، ففي عام 2006 كان كثر في هذه المنطقة، صادقين ومغررا بهم، يلهجون بالدعاء لحزب الله في حربه مع إسرائيل، بينما الواقع الآن مختلف تماما، فبالأمس نقلت هذه الصحيفة عن عضو المجلس والائتلاف الوطني السوري المعارض محمد سرميني قول اللواء سليم إدريس، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش السوري الحر، إن «الذخيرة موجودة ومتوفرة في القصير، وقد وصلت إلى أبطالها، وستصل إليهم إمدادات إضافية من الأركان»، ومشددا، وهنا الأهم، أن «معنويات المقاتلين عالية ولا ينقصهم إلا الدعاء»! والدعاء هنا لمن؟ وعلى من؟

بالطبع إن الدعاء هنا للثوار السوريين وعلى حزب الله، وبالتالي فإنه من الصعب إحصاء عدد قتلى حزب الله؛ حيث قتل الحزب كله في هذه المنطقة، وسقط في أعين الصادقين، والمغرر بهم، كما أنه أسقط بيد الذين كانوا يضللون الرأي العام العربي دفاعا عن الحزب الإيراني، وبالتالي سقطت الدعاية الكاذبة التي كانت تقول إن سلاح حزب الله هو سلاح المقاومة، حيث طعن الحزب بسلاحه ظهور السوريين الذين يقاتلون أكبر نظام إجرامي عرفته المنطقة، وهو نظام بشار الأسد. فضحايا الحزب ليسوا مقاتليه وحسب، بل جل أبناء الطائفة الشيعية بالمنطقة التي لم ينكر عقلاؤها، ومثقفوها، على الحزب جرائمه في سوريا، وليس اليوم، بل منذ اندلاع الثورة، ومن أنكر على الحزب جرائمه كان عددهم محدودا جدا، وأناس كان لهم موقف نقدي من الأساس للحزب، لكن الإنكار والرفض لجرائم الحزب ليست بالشكل الكافي حتى الآن للأسف.

خطورة ما يفعله حزب الله في سوريا أنه يؤجج الحس الطائفي، مما يعرض المنطقة كلها للخطر، والدليل على ذلك أنه حتى سياسي لبناني متقلب مثل ميشال عون لم يتحمل أفعال الحزب في سوريا، مما دفعه للقول: «أنا مع حزب الله بالدفاع عن الأرض اللبنانية، ولكن لست معه بأن يوسع عملياته». فإذا كان سياسي متقلب مثل عون تنبه لخطورة ما يفعله الحزب، فأين عقلاء الشيعة، ومثقفوهم، وكل شيء ينبئ بخطر طائفي قادم لا محالة في كل المنطقة؟ فما يفعله حزب الله اليوم هو أشبه بالانتحار الجماعي، للحزب، والطائفة، للأسف!

ملخص القول أنه يصعب حصر عدد قتلى حزب الله، فالقصة هنا ليست قصة مقاتلين على الأرض وحسب، فما يفعله حسن نصر الله في سوريا، وإرضاء لإيران، هو انتحار جماعي للحزب، ضحيته أبناء الطائفة، والمنطقة ككل، ومن لا يرى ذلك الآن فإنه يخادع نفسه.

الشرق الأوسط

«العائدون من القصير»

علي الرز

ردّ «حزب الله» على الغارات الاسرائيلية الأخيرة بتكثيف عملياته لاحتلال بلدة القصير السورية جنباً الى جنب مع قوات الأسد وشبيحته، منسجما مع خطاب النظام السوري الذي يرى ان اسرائيل منقهرة لانه يتقدم في مواجهة الثورة السورية.

بهذا المعنى، لا يجد الحزب ضيراً من قتال الشعب السوري ما دامت اسرائيل «منقهرة»، ولا يعدم الحزب وأدواته في لبنان ايجاد الغطاء «الشرعي» لمشاركته في جرائم الاسد مثل القول ان حركات متطرفة موجودة على الارض او ان هناك لبنانيين يحملون الهوية السورية او ان المقامات الدينية يجب ان تحمى او ان هناك مَن عبث بحجارة قبر… تعددت الأغطية اللاشرعية والنتيجة واحدة: تنفيذ الخطط البديلة لقيام كانتون طائفي يصل مناطق ريف حمص بالساحل العلوي ولو اقتضى الامر إبادة هنا او مجزرة هناك او ترحيلا جماعيا في كل الاوقات والمناطق.

المعادلة واضحة، فـ «حزب الله» لا يخفي انه جزء من المنظومة السياسية الأمنية التي تقودها ايران، وعليه بالتالي تنفيذ كل ما يُطلب منه لبقاء هذه المنظومة قائمة وقادرة. هذا هو العنوان الحقيقي الوحيد الذي يشرح كل ما يرتكبه الحزب من أخطاء وخطايا. دعْك من كل التبريرات الأخرى المتعلقة بالتطرف وحماية المقامات وصولاً الى «نكتة» وجود سيارة اسرائيلية الصنع مع مقاتلي القصير، ودعْك من الرهان على القيم والأخلاقيات وأدبيات الحزب نفسه التي اتضح انه يبرْمجها لمصلحة الهدف الأوحد، فلا تَطلُّع السوريين الى الديموقراطية يعني له شيئاً، ولا الوفاء لأهل القصير الذين احتضنوا أهل المقاومة عند كل اعتداء اسرائيلي يعني له شيئاً، ولا الدفاع عن مجرمٍ سفاح مثل بشار الاسد يعني له شيئاً، ولا حتى احتضان ارهابيي «القاعدة» سابقاً او قتالهم لاحقاً يدخل في اطار المبادئ والشرع والدين… كل عملية «توظيف» محرمة شرعياً واخلاقياً جائزة، ما دام الهدف طاعة الولي الذي أمَر بالدفاع عن بشار.

لكن العودة من القصير ليست أقل كلفة من الذهاب الى القصير، حتى لو رُفعت شارات النصر فوق جثث الضحايا وركام الأبنية. «حزب الله» لم يذهب وحده الى القصير. أخذ معه أشياء كثيرة، أهمها الخرائط الوطنية والاجتماعية والدينية والانسانية. أخذ شباناً في عمر الورود نقل عقيدتهم من قتال اسرائيل الى قتْل اخوة لهم في الدين والانتماء، كل جريمتهم انهم طالبوا بإسقاط نظامٍ يعترف قادة الحزب أنفسهم بأنه نظامٌ قمعي تسلّطي فاسد. غيّر المفاهيم عبر عملية الغسل الممنْهج للادمغة فحوّل حركة شعب طامح للحرية الى حركات تكفيرية مرتبطة باسرائيل واميركا هدفها الاول غير المعلن محاربة الشيعة. نقَل المعركة من الميدان السياسي الى الوجدان الطائفي والمذهبي الذي برعت قيادة الحزب في تغذيته فعلياً ومحاربته إعلامياً.

«العائدون من القصير» كالعائدين من أفغانستان، لا يشبهون أهلهم ومجتمعهم في شيء. غادروا بلادهم في نصف غربة عن واقعهم، وعادوا اليها بغربة كاملة مؤمنين بأن الغرباء هم اخوتهم في الوطن والدين والانسانية. ومثلما قال اسامة بن لادن في لقائه الشهير المصوّر مع بعض رجال الدين الذين زاروه في قندهار إن الرسول عليه الصلاة والسلام أتاه في المنام وأمره بأن يقاتل ضد الكفر والضلال، ها هم مقاتلو «حزب الله» يذهبون الى سورية مسلّحين بعبارات شحذ الهمّة للحرب «على الضلال كله والكفر كله»، ويعودون بمشاعر متأججة ومنامات مفتوحة على كل «الزيارات» والتوجيهات.

مَن يذهب الى سورية للدفاع عن بشار بحجة الدفاع عن «مقدسات»، يذهب في مواكب العار ويعود في نعوش الموت… حتى لو عاد سائراً على قدميه رافعاً إشارة «النصر الإلهي».

الرأي

القصير الصامدة.. “نقطة تحوّل” لمصلحة الثوار

                                            لا يحصل في العادة أن يجد ثوار القصير متسعاً كافياً من الوقت للحديث مطولاً إلى الإعلام. من أمامهم قوات النظام ومن الخلف “حزب الله”، وفوقهم طائرات حربية لا تفوت بيتاً في المدينة إلا ويكون هدفاً لها، ظنّاً من الطيّار أن الثّوار يختبئون بداخله، لكن حقيقة واحدة لن يتمكن إعلام النظام و”حزب الله” ومن والاهما من تكذيبها، وهي أن الثّوار خارج البيوت، في ساحات القتال وسط النيران على خط الجبهة الأول.

أصبح جلياً أن سلاح الجو السوري والجنود المشاة الذين لا يجرؤون على القتال إلا من خلف المدرعات، إضافة إلى الخنجر الذي يطعن سوريا من الظهر متمثلاً بـ”حزب الله” ومقاتليه من “حملة مفاتيح الجنة”، لم تقدر كل تلكَ الجيوش مجتمعة من كسر ثوّار القصير أو التقدم أكثر من المربع الأمني، فجغرافية المنطقة تعطي الثوّار الفضل الأول في ثباتهم، ومن بعد الجغرافية التي ساعدتهم، يقولون ان الجميع يقاتل ولا وقت لأحدٍ فيهم لأي شيء آخر يشغلهم عن المعركة.

في محاولة للتحقق من الإحصائيات التي تتحدث عن خسائر “حزب الله” والنظام، أعطانا الثوّار حصيلة الحزب فقط، وعن سبب التكتم حول خسائر النظام قالوا: ” ليسَ تكتماً، إنما اعتيادٌ على هذه الحقيقة – حقيقة أن النظام يخسر – حيثُ ان كلمة خسارة صارت لازمة بعد أي حديث عن معركة يخوضها النظام، ما يهمنا أن يخرج “حزب الله” مكسوراً وهذا ما يحصل منذُ أربعة أيام، والنظام مقدور عليه”.

تتحدث إحصائيات الثوّار عن سقوط أكثر من 60 قتيلا من الحزب، وهو رقمٌ يبدو قريباً ومطابقاً مع ما تكتم عليه الحزب وفضحته صفحات على الفيسبوك أنشأها أنصاره، حين نشروا عليها الأسماء مع الصّور، في خطوة ساعدت ناشطي الثّورة السورية على أخذ أدلة جديدة تثبت تورط “حزب الله” في سفك الدم السوري.

وحول توزع السيطرة بين قوات النظام والحزب من جهة والجيش الحر من جهة أخرى، توضّح خريطة أعدّها الثوّار، أن نسبة سيطرة النظام على المنطقة لا تتجاوز الـ10 بالمائة من أصل المساحة الكلية للقصير، وهذه النسبة تقع في الجهة الشرقية للمدينة وكانت تحت سيطرة النظام منذ بداية الثورة، وهي عبارة عن مربع أمني يتألف من مفرزتين أمنيتين واحدة للأمن العسكري والثانية لأمن الدولة، والفرن الآلي والمركز الثقافي، وثلاث مدارس قرب المركز الثقافي والثانوية الشرعية والميتم الإسلامي، أما مناطق سيطرة الجيش الحر فهي تمتد على مناطق الضبعة والبويضة الشرقية والشومرية ومساحة واسعة من الجهة الجنوبية لمدينة القصير.

ويبقى الطيران الحربي هو أكثر ما يؤثر على حركة الثوار، إذ سقط منذُ بداية المعارك الجارية منذ أربعة أيام والتي تصنّف على أنها الأعنف منذ بدء الثورة، سقط ثمانون شهيداً نصفهم من المدنيين الذين قضوا تحت أنقاض بيوتهم التي هُدمت بفعل رمي الطائرات البراميل المتفجرة، أما حصيلة اشتباكات أول أمس فبلغت عشرين شهيداً وفي الأمس ثلاثة عشر شهيداً، سبعة منهم قضوا في مواجهات مباشرة مع مقاتلي الحزب.

ثوّار القصير الذين يرابطون على جبهات القتال المتوزعة على تسعة محاور، تمكّنوا فجر الأمس عبر معركة خاضتها كتائب البشائر عند محور الاشتباك السابع والواقع في الجهة الشرقية، من اغتنام عربة “بي ام بي” كان يستخدمها النظام، وعدد من الأسلحة والذخائر من عناصر الحزب بالإضافة إلى أربع جثث من مقاتلي الحزب استطاع الثوار الحصول عليها على إحدى الجبهات. وعلى الجبهة الشمالية تمكّنوا مساء الأمس من تدمير دبابة شيلكا ومدفع 14.5 رشاش وإفشال محاولة اقتحام من الجبهة الجنوبية، إضافة إلى تدمير دبابة “تي 55” على طريق القصير الضبعة.

وبحسب مصادر للكتائب المقاتلة في القصير، فإن هجوماً جديداً يتم الحضير له من قبل النظام والحزب يُتوّقع أن يبدأ خلال 24 ساعة، وترجّح أوساط من قادة الكتائب المقاتلة أن يكون الهجوم أكثر شدّة، وأن إمدادات كثيرة بدأت بالوصول، رافضين إعطاء تفاصيل حول كيفية التصدي للهجوم، ومكتفين بالقول إنهم مستعدون له.

وكشفت مصادر للثوار لـ”المستقبل” أنهم تمكنوا أمس من فتح خط إمداد إلى القصير بالرجال والسلاح، ما يجعل هدف إسقاطها مستحيلاً، مؤكدين أن المدينة المحاصرة أصبحت “نقطة تحول” حسبما ذكرت صحيفة لبنانية، ولكن في ميزان الثورة والثوار ضد بشار الأسد و”حزب الله”.

فادي الداهوك

المستقبل

طرابلس بتوقيت القصير

مازن السيّد

أين الخطأ؟ في مجموعات مسلحة ترى “حزب رفعت عيد” امتداداً زمنياً لمظلوميتها التي انطلقت قبل أكثر من ثلاثة عقود مع دخول الجيش السوري طرابلس، وامتداداً جغرافياً لمعركة “السنّة” في سوريا مع “النظام الأسدي العلوي”؟ أم في “الحزب العربي الديموقراطي” الذي يتربّع فخوراً ومتباهياً على عرش هذه المظلومية، بعنوان مظلوميته “العلوية” الخاصة…ومقاومة الصهيونية؟ أم في الطبقة السياسية التي ربّت في الشوارع “وحوشاً” يخرجون أكثر فأكثر عن أطُرها المرسومة في الصالونات المغلقة؟ أم في الجيش الذي تكاد تنحسر مهمته إلى مجرد منع حدوث أي درجة من درجات الكارثة في جبل محسن؟

أوساط إعلامية وسياسية كثيرة تحاول الترويج لصورة الجيش كضحية مؤامرة تسعى إلى “إخراجه من طرابلس”، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، فهذه التهمة صالحة للاستخدام لدى طرفي الميدان السياسي والعسكري: طرفٌ يتهم الآخر بأنه يريد توريط “السنّة” في معركة مع الجيش عبر الرهان على أن المؤسسة العسكرية لن تسمح وطنياً بتحقيق أي “إنجاز عسكري” ضد سلطة الجبل، والآخر يتهم خصمه بأنه يسعى لاستهداف الجيش بغية إضعاف قوته في المدينة والشمال تمهيداً لمشاريع تقسيمية مركّبة على خريطة الصراع في سوريا.

 “المعركة هنا هي امتداد تام لمعركة القصير”، يقول أحد الفاعلين الميدانيين البارزين على محور البقار في منطقة القبة. كيف؟ يجيبنا بسرده لأحداث جولة القتال الأخيرة التي انطلقت يوم الإثنين الماضي. “يومها بدأت بتركيب متبادل للدشم بين منطقة مشاريع الحريري وجبل محسن”. هو داخل الصراع، على جبهته، لذلك ليس مفاجئاً أن يعيد مسؤولية البادئ إلى الجبل على أنهم بدأوا الاستفزاز بهذه الطريقة العسكرية – السلمية.

 يتابع قائلاً إن الجيش حاول التدخل حينها، لكن الطرفين رفضا إزالة الدشم متحججين كل بالطرف المقابل، “فأنهى الجيش محاولته، لتنطلق بعد قليل جولات الرصاص”. ثم أتت “الضغوط وبدأت التهدئة”. ما جرى بعدها بحسب محاورنا، أن “الحرقة والأسى على ما يحصل في القصير دفعا بأحد الشباب إلى التوجه فردياً نحو الجبل لقتل رجل وإصابة آخر”، واشتعلت المعركة. هكذا يرون ارتباط معركتهم بما يجري في القصير، خاصة على ضوء دور “حزب الله” الذي يصبّ في معادلة يقولها الشاب الثلاثيني الخفيف اللحية ويقولها معه مسدسه عند خاصرته: “بالقصير المعركة نصيرية وشيعة ضد السنّة، يعني هون هيك كمان”.

 لكنه في الوقت نفسه، يعود ويشير إلى أن “بين الشباب هنا، نظريتين: الأولى تقول إن قتال جبل محسن هنا يضرّ بمعركة الشباب في القصير، والثانية تعتبر أنه من الضروري استهداف الجبل من أجل القصير”، ولا يخفي ميله إلى الرأي الأول، مظهراً إنزعاجه من تكاثر المجموعات الصغيرة التي بدأت تخرج عن طوع “المسؤولين” وتتقاتل في ما بينها أحياناً، لدرجة صار عندها “الطباخون أنفسهم لا يعرفون ماذا يجري وكيف تشتعل المعارك”.

 في المقابل، تلفت مؤشرات أخرى إلى دخول أطراف على خطوط هذا التشرذم في “الساحة السنّية”. فعلى سبيل المثال، عمدت جهات تنتمي الى مؤسسات لبنانية مركزية، إلى الترويج لمقتل نجل الشيخ السلفي داعي الإسلام الشهال في القصير، ما كان من شأنه أن يصبّ الزيت على النار، قبل أن يتضح عدم صحة الإشاعة.

 هذا لا ينفي أن عدداً لا يستهان به من الطرابلسيين “يجاهدون” في القصير. “ولكن على انواع”، يوضح مضيفنا الطرابلسي، “فمن يذهب إلى المناطق الجنوبية والغربية حيث المعارك الأقسى، إنما يذهب ليموت. أما الذين يذهبون إلى المناطق الشمالية حيث السيطرة الغالبة للمعارضة، فجزء كبير منهم يستهدف ما يسمونه بالغنائم، والأسلحة، ليصبح بعد ذلك “أميراً” على مجموعة من اصدقائه، ويعود”. يقولها وترتسم على وجهه ابتسامة استهجان تحتضنها ملامح إحباط عميق، من قضيته الأبرز “مناصرة الثورة السورية” بعلمها الثلاثي النجوم المعلق خلف رأسه، والتي تحولت في مدينته ومحيطه إلى “كرة صوف في حقل شوك”.

 أما “المجتمع المدني” في طرابلس، فلا يقلّ تشرذماً عن مجتمعها المسلّح. مساء الأربعاء، في الساعة السادسة، تظاهرتان: واحدة أمام أحد المقاهي الواقعة في منطقة راقية نسبياً على طريق الميناء، وأخرى أمام السرايا الحكومي قرب ساحة النور عند مدخل المدينة. متوقّع هذا، فـ”المجتمع المدني” الطرابلسي متداخل مع الطبقة السياسية، وأدنى منها فعالية بكثير بدليل الأعداد الضئيلة المشاركة في التظاهرتين.

 “أهل الإعتدال في لبنان فشلوا في التواصل مع أهل السلاح …الآن آتى دورنا للتصافي معهم”، قال أحد مناصري السلفية الطرابلسيين على “تويتر”، بعد تغريدات عديدة نعت فيها “الداعين إلى وقف الاقتتال” بأنهم هؤلاء البرجوازيون المترفون الذين “يرسلون أبناءهم للدراسة في الخارج”، و”يخافون أن تفسد المعارك سهراتهم”. هنا أدلة أخرى على إحد مكامن الفشل في ارتباط “المجتمع المدني” بمحيطه الطرابلسي.

 الجيش هنا موقع انتظارات الجميع علناً، لكنه في موقع حرج حيث لا يمكنه الدخول في مواجهة مباشرة مع أي من طرفي القتال، لأسباب سياسية كما لخوفه من الانقسام الداخلي رغم التطمينات العلنية، وفي ظل الخريطة الطائفية للمدينة تصبح مهمته الأساسية مقتصرة واقعياً على منع أي اقتحام لجبل محسن، أو أي عملية عسكرية جديّة ضده قد تنتهي بمجزرة وفاجعة وطنية تغيّر وجه المنطقة والبلاد. لذلك يظهر لبعض مسلحي “السنة” أنّ “الجيش وجماعة رفعت عيد شيء واحد”، رغم حوادث “التعاطف” الفردي التي يشيرون إليها.

 الحدث الطرابلسي تفرّع للحدث السوري، بفعل تاريخ “البعث” وجغرافيا “الجهاد” وانحلال الدولة اللبنانية التي لم تكترث يوماً لما يجري في المدينة طالما يبقى داخلها. في الواقع، يبدو أن السردية الأكثر مصداقية هي في أنّ القوى الدولية والإقليمية لم تتفق بعد على الشكل النهائي لتسوية الأزمة السورية المركز، ولذلك لم يدخل التصعيد في طرابلس حيّز التنفيذ في اتجاه أي مشروع محدد. طرابلس لا زالت في غرفة الانتظار، القصير هي في غرفة العمليات. لكن بعض الطرابلسيين يقرعون أبواب القصير عن بعد، ويوجهون نيرانهم نحو دشم مقاتلين يرددون “طلبنا على الموت نلبيك. الله، سوريا، بشار وبس”.

الحزب لا يشعر بالضيق

حـازم الأميـن

في ذلك النهار قالت محطة “نيو تي في” إن الجيش النظامي السوري “أسر ثلاثة جنود اسرائيليين في مدينة القصير”، وبثت محطة الميادين تقريراً عن آلية عسكرية اسرائيلية قالت إن الجيش النظامي أيضاً غنمها من المقاتلين في القصير. الخبران وأخبار أخرى من هذا القبيل كان الهدف من بثها القول إن مقاتلي القصير تدعمهم اسرائيل. وطبعاً في اليوم الثاني لم توضح “نيو تي في” لمشاهديها، الذين تحترم المحطة ذكاءهم، سبب بثها خبراً غير صحيح، فيما صمتت الميادين عما تم كشفه لجهة ان الآلية العسكرية التي صورتها انما تعود لدائرة السجون الإسرائيلية، وهي من مخلفات تركها الجيش الإسرائيلي في سجن الخيام قبل انسحابه، وان “حزب الله” أحضرها الى مدينة القصير التي يُقاتل عناصره الثوار السوريين فيها.

لا تردنا هذه الأخبار الى سوء أداء مهني سقطت فيه محطات ووسائل إعلام موالية لـ”حزب الله”. فهذا أمر مفروغ منه وخارج النقاش والطموح. ما يردنا إليه هذا التهريج الإخباري هو شعور “حزب الله” بأن المأزق الذي أسقطه فيه سيده الإيراني عبر دفعه للمشاركة في القتال في القصير وفي دمشق يجب ان يُداوى بأي ثمن. اليوم نقول إننا أسرنا ثلاثة جنود اسرائيليين، وغداً عندما يكتشف الرأي العام ان الأمر غير صحيح، نقول إننا لم نعلن ذلك، فـ”نيو تي في” تطوعت من نفسها لبث هذا الخبر.

الآلية العسكرية التي “غنمها” الحزب بالقصير، وهي صناعة اسرائيلية، نضرب صمتاً حولها، وتتولى الميادين بث الخبر وحصد الخيبة. نريد خبراً لـ24 ساعة فقط لا أكثر ولا أقل. خبراً لنمرر في موازاته جنائز اليوم السابق. ملالة صناعة اسرائيلية تكفي لنتجرع الرقم. ليس المطلوب ان نُقنع أحداً، وعجزنا عن المجاهرة بالمشاركة في الحرب على القصير أمر بينٌ، والحزب اذ جاهر بذلك في الأمس القريب فعلها بأكثر الأشكال ركاكة. “ثلاثة جنود اسرائيليين” لم يأسرهم الحزب، وملالة اصطحبها معه من الخيام.

المشاركة الإسرائيلية في الحرب، هناك في القصير، أمر من المستحيل إثباته إلا بهذا القدر من الوضوح. أسرنا ثلاثة جنود، نعم فعلنا ذلك، من يستطيع الآن ان يُثبت العكس، أما غداً، فليس لناظره بقريب. غداً يوم آخر في القصير، وأخبار أخرى من القصير. اقتحمنا المدينة، قتلنا فيها القائد العام لـ”جبهة النصرة”. فاليوم الذي سيعقب هذه الأخبار سيكون محطة لاستعادة وقائع اليوم الذي سبقه. خبر الجنود الإسرائيليين صار قديماً، وصورة الملالة صارت في أسفل صفحات “فايسبوك”، ولا أثر لصورة قائد “النصرة”، ذاك ان التنظيم التكفيري لا يبث صوراً لقادته.

وحدها الجنائز حقيقة ثابتة. الصمت من حولها يترافق مع همس. فهنا صحافية تقول ان “حزب الله” لا يشعر بالضيق في بيئته جراء مشاركته في هذه الحرب. وهناك سياسي من خارج الحزب يُهلل لمشاركة الحزب في هذه الحرب. الصحافة لم تصل الى عائلات القتلى. الصحافة الموالية للحزب لم تلتقط صورة لأب يُشيع ابنه أو لأم تبكي. لا حكاية واحدة عن وقائع ما يجري على الأرض! كيف قُتل من قُتل، وكيف أصيب من أصيب، وكيف استُقبلت الجنائز … لا أحد يعرف!

هناك سبب واحد لهذا الصمت، هو ان “حزب الله” لا يشعر بالضيق جراء مشاركته في هذه الحرب.

موقع لبنان الآن

دروس من معركة القصير

ساطع نور الدين

 انه موسم الاحتفالات في اميركا، في اسرائيل، في الغرب عموما. روسيا ليست بعيدة ابدا عن هذه الاجواء. هو حلم العالم كله وطموحه الاقصى: العثور على جبهات حرب يمكن ان يقتتل فيها المتطرفون الاسلاميون السنة والشيعة، وينصرفوا عن دعاوى الجهاد والمقاومة والسعي الى اقامة دولة الخلافة او الولاية.

انه العيد، او بالاحرى الجائزة الكبرى التي استحقها الغرب عن جدارة، ومن دون جهد استثنائي. لعله ساهم يوما ما في اعادة فتح الكتب التاريخية ونشر النصوص الدينية، وتحويل الاسلام الى مشروع سياسي، استخدمه الغربيون اكثر من مرة  لمحاربة التجربة الشيوعية، سواء بالحركات الاسلامية السنية التي قاتلت ذاك الالحاد ولا تزال تطارده حتى اليوم ، او بالثورة الخمينية نفسها، التي كان من اسباب التسامح الغربي معها ان تشكل نموذجا يساهم في اختراق دول آسيا الوسطى السوفياتية.

القتال الدائر حاليا في سوريا هو بالتحديد وبالتعريف قتال بين حزب الله وبين تنظيم القاعدة، وهو لذلك يعتبر هلال العيد وعلامته الفارقة. وكل ما عداه تفاصيل يمكن ان تنتظر او تؤجل الى ما بعد انتهاء تلك المعركة التي يسير اليها التنظيمان بحماسة شديدة، ويستقطبان جمهورا واسعا من اتباع المذهبين اللذين يشعران اليوم انه آن الاوان لتصفية حسابات قديمة تبدأ في موقعة الجمل، ولا تنتهي في مدينة القصير.

خارج هذا القتال لا يبدو ان ثمة قيمة لبقاء النظام السوري او رحيله، وليس ثمة معنى لتأهيل المعارضة لوراثة سوريا وحكمها. تضاءلت الازمة الى حدود الفتنة التي يريدها السنة والشيعة ويغرقون فيها تدريجيا. بات الكلام عن تسوية بناء على وثيقة جنيف، عن مرحلة انتقالية، عن حكومة كاملة الصلاحية، اشبه بالمزاح. لا صوت يعلو فوق صوت النداء من اجل تنقية التاريخ الاسلامي من الشوائب او الهوامش.

ما يختبره العراقيون هو المثال والعبرة: في بلاد الرافدين خط تماس مفتوح، رسمت حدوده شبه النهائية بين السنة والشيعة. في سوريا ولبنان ما زال التنظيمان الاسلاميان الاكثر تشددا في مستهل التجربة المؤدية حتما الى عمليات فرز سكاني وتطهير مذهبي لا مفر منها. ولن يكون النظام السوري راغبا في ان يضبط حزب الله او استثمار تورطه الحالي، على ما كان يفعل في حروبه اللبنانية السابقة. ولن تكون المعارضة السورية قادرة على ضبط شبكات تنظيم القاعدة او طبعا توظيف حملتها العسكرية العلنية الراهنة.

حزب الله والقاعدة هما الطليعة التي تفرض على النظام والمعارضة التنحي جانبا. كل منهما يسيء الى حليفه اكثر بكثير مما يخدمه. لكنهما معا يصنعان الفرحة الغربية( والروسية) في تفجير التاريخ الاسلامي وتفتيت الجمهور الاسلامي على هذا النحو المريع.. الذي لن يقاس الا بعدد الضحايا المرسلين الى فروع الجنة المخصصة لكل من السنة والشيعة، وبحجم الخراب اللاحق في سوريا ولبنان، ومعهما العراق طبعا.

انها الفتنة الكبرى التي تصغر امامها كل المعارك والحروب والازمات في الهلال الخصيب الغارق بالدماء، والتي تدفع المجتمع الدولي للاكتفاء بان يكون شاهدا على هذا الانهيار لأمة، لدول، لشعوب صدقت ان الاسلام يمكن ان يكون هو الحل. وتناست ان سيرته لم تحفظ ولم تنتج سوى الفتن. وهي سيرة يرددها المقاتلون اليوم في القصير  وفي طرابلس وفي جميع نقاط الفصل بين اتباع المذهبين.. اكثر بكثير مما يرددون المزاعم عن وجود مؤامرة كونية ايقظت ذلك الشيطان.. الكامن في النفوس قبل ان يكون هناك غرب، او شرق، او تآمر على الامة وابنائها.

في بداية هذا المسار القاتل، الذي لا مخارج منه، يمكن الزعم ان لبنان لن يغرق مثل العراق او سوريا، طالما انه ما زال قادرا على تصدير مقاتليه الى البلدين. وعندما تتوقف هذه التجارة الدينية يمكن ان يخيب ظن الكثير من الدول الغربية والشرقية التي كانت ولا تزال تتوقع ان يكون الحريق اللبناني هائلا ايضا، وان تكون معركة القصير مصيرية بالنسبة الى اللبنانيين جميعا.

المدن

الانتصار الإلهي في القصير!..

يوسف الكويليت

دمّرت إسرائيل عام (2006م) البنية الأساسية للبنان بعد حربها مع حزب الله، ووسط الركام والبؤس ظهر لنا نصر الله بمقولة الانتصار الإلهي بعد عودة لبنان لعشرات السنين في إعادة ما تسبب به حزب الله، وفي تدخل الحزب في القصير شمال سورية ظهر لنا نصر الله مرة ثانية محرضاً جنوده بالقول «أنتم رجال الله وأصحاب الحسين في كربلاء فهو الحسين والقصير «كربلاء»!!

دور الحكومة اللبنانية بما يجري خارج الحسابات لأنها في وضع العاجز عن التصرف أو تهدئة جبهتها، والجيش فرض حياده مجبراً، والتدخل في شؤون دولة حرة عضو في الجامعة العربية والأمم المتحدة، هو كسر تام للقوانين، لكن الأمر يتعدى الواقع الراهن إلى المستقبل البعيد..

فحزب الله يأتمر بأوامر إيران كمليشيا شبيهة بجنود المرتزقة الذين يحاربون وفق من يدفع، وغطاؤه الايديولوجي يقتصر على أفق الطائفة الشيعية التي تلتقي استراتيجياً ومذهبياً مع العلويين بضرورة إنشاء دولتهم في الساحل، لكن هل دخول الحزب يأتي لخدمة لبنان وهم يرونه في حالة استنزاف حاد بين محاربي سورية الذين لديهم مواجهة مفروضة مع النظام، وجيش نصر الله، وكذلك إسرائيل التي تراقب الخطوط والأجواء لتدمير أي قوة قادمة له؟

في الاتجاه الآخر هناك تحرك سني من عدة فئات لبنانية تجد نفسها في عمق القضية، وأنه من المستحيل الوقوف على الخط المحايد تجاه حزب الله الذي يذبح إخوتهم ما يدفعم لخلق تشكيلات محاربة تناصر سورية..

لبنان سيكون الخاسر الأول لأن بيئته ذاتها مشجعة لأنْ تتصادم كل القوى طالما لا الحكومة ولا الجيش قادران على المحافظة على الأمن، وحتى الأردن أصيب بزكام لبنان وسورية معاً، لأنه جابه أمراً لم يكن يتوقعه أو قادراً على وضع حلول له..

فهناك تيار إسلامي متشدد، وهناك آلاف اللاجئين السوريين، وورطة مع إسرائيل بشأن القدس، واضطرابات تؤثر فيه في العراق، واستنزاف مادي لجميع موارده.. وهي قضية تهم إسرائيل بأن ينشأ حولها محيط غير مستقر، وربما يفتح مجابهات معها في حال انفرط عقد سورية والأردن ولبنان، والغريب في هذه الدورة الدموية، أننا لا نجد موقفاً واضحاً من حزب الله يصل حتى للاستنكار على ضرب الأسلحة المتجهة إليه من سورية..

جيش الإسلام اللبناني، وجبهة النصرة، والقاعدة في العراق، مثلث قد يكون له الفعل السلبي على أمن هذه الدول، وعيون العالم على هذا التشكيل جعلته يزن الواقع وفق تدفق الأحداث ومفاجآتها..

بريطانيا، كالعادة، تدير سياستها بقانون الثعلب الماكر، فقد تقدمت بأن يتم حظر على جيش حزب الله، رافضة وصفه كمنظمة إرهابية، ومثل هذا الادعاء لا يرتكز إلى منطق لأن جيش حزب الله هو ذراعه الأساسية فهل نستطيع بتر جزء من الجسم دون تضرره كاملاً؟

ربما تكون الغاية هي الضغط عليه من باب التخويف وانتظار رد فعل إيران وسورية لكن بريطانيا تتجاهل أن الحزب تخطى وضعه في محيطه الداخلي للاشتراك في حرب بالنيابة عن إيران داخل سورية، وسبق أن مارس العديد من الممارسات الإرهابية في مواقع مختلفة ما يثبت عليه التهم، ويجعله بالفعل منظمة إرهابية.

أمريكا في حالة حوار مع روسيا، وكلتاهما تزايد على مصلحتها في سورية ومحيطها، ومؤتمر جنيف قد ينعقد، أو لا ينعقد، لكن الأمور على الأرض تجري، وحلها مؤجل إلى أن تتم الصفقة ويخرج الخاسرون لمصلحة الكاسبين..

الرياض

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى