صفحات العالم

مقالات تناولت معركة حلب

 

السلطان ومعركة حلب

الكاتب: مصطفى زين

نصب رئيس الوزراء التركي نفسه مرشداً أعلى لـ «الإخوان المسلمين». تقاطر زعماؤهم من كل الأنحاء لمبايعته خلال مؤتمر حزب «العدالة والتنمية»، خصوصاً الذين أوصلهم «الربيع العربي» إلى السلطة، وارتضوا أن تكون أنقرة مثالهم في الاقتصاد والسياسة، وفي علاقاتها العربية والدولية والإقليمية، ويطمحون إلى السير على طريقها في كل هذه المجالات.

قال أردوغان: «إذا شاء الله أن أبقى حياً ستكون لدي مهمة أخرى» (غير مهمة رئيس الوزراء). وهذا تلميح واضح إلى أنه سيكون رئيساً للجمهورية في أول انتخابات مباشرة من الشعب، ومرشدَ الإخوان ومرجعهم، أو واليهم (على الطريقة العثمانية لا الإيرانية).

كان لافتاً أن يمزج «المرشد» بين انتمائه الإسلامي العابر للقوميات، بالمعنى المذهبي والسياسي، مستشهداً بتاريخه العثماني في الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، وبانتمائه القومي التركي، تماماً مثلما يمزج الإيرانيون بين قوميتهم وانتمائهم المذهبي الإسلامي. الطرفان ينطلقان من تاريخهما الصراعي في الشرق الأوسط، ومن موقعهما الجيوسياسي لنشر «الصحوة» الدينية، والطرفان يتصارعان على النفوذ في البلاد العربية، التي أضحت من دون مشروع خاص بها، تنخرها الخلافات وتحولها إلى مجرد ولايات تابعة.

ولربما كان رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل أفضل مَن عَبَّر عن ولائه لـ «المرشد» الجديد خلال مؤتمر «العدالة». قال مشعل: «تركيا أظهرت الوجه المشرق للإسلام، ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لم يعد زعيماً لتركيا فحسب، بل أصبح زعيماً في العالم الإسلامي أيضاً. التجربة التركية بقيادة أردوغان قدمت نموذجاً للإسلام العصري الوسطي المعتدل المرتبط بشعبه المنفتح على العالم، دوره في فلسطين والصومال وبورما وسورية لا ينسى».

وعلى رغم إظهار هذا الولاء، لم تقتنع أوساط أردوغان وحزبه بـ «الإخوان العرب»، فهم في نظرها في حاجة إلى تطوير فلسفتهم وسلوكهم السياسي، أي أنهم ما زالوا متخلفين عن عصر «الإسلام التركي»، ودليلهم على ذلك أن مرسي ومشعل استهلا خطابيهما بالبسملة، بينما كانت خطبة «المرشد» بتراء، مثل خطبة زياد بن أبيه المشهورة، أي من دون بسملة.

مستفيداً من هذا الولاء المطلق، ومن التشرذم العربي ومحاصرة النظام السوري والسعي إلى إسقاطه بالقوة، بعد تدمير الدولة السورية ومؤسساتها بيد أبنائها، موالين ومعارضين ومَن يناصرهم من أصحاب التجارب في العراق وأفغانستان واليمن والصومال، ومعتمداً على حلفائه الأطلسيين، استعد أردوغان لشن حرب على سورية، بعد أخذ الضوء الأخضر من البرلمان، لتأديب والي دمشق وتلقينه درساً، على ما كان يفعل أسلافه السلاطين. اتخذ من حادث على الحدود المشتعلة أصلاً، حجةً لزيادة دعمه المتمردين السوريين، أملاً في تحقيق ما دعا إليه منذ اللحظات الأولى لاندلاع الأحداث الدموية، أي سلخ جزء من البلاد وجعله منطلقاً لحملته التأديبية على دمشق، وتعيين «والٍ» آخر ممن أظهروا ولاءهم له لتنفيذ خطته العثمانية-الأطلسية، وكي يصبح شرطي الشرق الأوسط، وتصبح تركيا الشريك الأقوى للغرب، بدلاً من أن تبقى على أبواب الاتحاد الأوروبي الرافض دخولها جنته.

من موقعه السلطاني المفترض، انطلق أردوغان في الرد على وقوع قذائف سورية في قرية تركية. قذائف ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وليست بالخطورة التي صورها الإعلام، فالجانب التركي من الحدود تحول إلى معسكر لتدريب المتمردين السوريين، وقاعدة خلفية لإمدادهم بالسلاح والرجال. وقد فشلت أنقرة في تحويل هذا الحدث مبرراً لاستجرار الأطلسي إلى شن الحرب على سورية. ولم يبق أمام أردوغان سوى المراهنة على معركة حلب لتحقيق حلمه بتحويل سورية إلى إيالة تابعة لإسطنبول.

الحياة

«حرب حلب»: خطوط التماس تُلبنن سوريا

لا يزال العنف غير المسبوق في حلب يختصر الأزمة السورية. لم تقلّل حروب جبهات أخرى تتحوّل يوماً بعد آخر تقليدية في أرياف حمص ودمشق وإدلب، أهمية ما يجري في حلب، بعدما أخفق الطرفان في السيطرة عليها. لكن المواجهة المفتوحة بينهما لم تقد بعد إلى توازن قوى عسكري

نقولا ناصيف

تقترب حلب، تدريجاً، من أن تُمسي جبهة دائمة ترتسم فيها خطوط تماس يحاول نظام الرئيس بشّار الأسد، بمظاهر شتى من العنف، منعها. وهو ــ إلى اليوم، في الشهر الـ19 من اندلاع الأحداث ــ حال دون نشوء خطوط تماس في أيٍّ من مناطق الاشتباكات، في المدن الكبرى، وكذلك في أريافها. وبدا واضحاً في الأيام الأخيرة أن «حرب حلب» استعارت بعض ما شهده لبنان في حربه الطويلة، وهو الانتقال من خطوط التماس إلى الأحياء والزواريب، من غير أن يتمكّن أي من الطرفين، الرئيس السوري ومعارضوه المسلحون، حتى الآن على الأقل، من السيطرة على المدينة.

بعد تداخل الخيارين العسكري والأمني أحدهما بالآخر، أصبحت المعادلة الأكثر تعبيراً عن موازين القوى، أن المدن الكبرى صارت تحت سيطرة النظام عسكرياً، وتحت سيطرة المعارضة المسلحة أمنياً. دُمرت حمص وحماه مقدار التدمير الذي لحق بحلب ولا يزال، إلا أن للحرب الدائرة على أرضها دلالة مختلفة. قلّل النظام من استخدام المروحيات بعدما تبيّنت سهولة إصابتها، وراح يستخدم الطيران بحذر شديد على أثر تهديد وجّهه إليه الأميركيون عبر روسيا، مفاده أن إفراط النظام في قصف المعارضين بهذا السلاح، سيحمل واشنطن على تزويدهم صواريخ ستنغر المضادة للطائرات، التي سبق أن استخدمت ضد جيوش الاتحاد السوفياتي عند احتلاله أفغانستان .

تُطابق الصورة القاتمة عن الوقائع الميدانية في سوريا بضعة استنتاجات استخلصها مسؤولون لبنانيون سابقون، عائدون من عواصم دول كبرى، عن مقاربة تلك العواصم الأزمة السورية، المعلقة على الخيارات العسكرية والأمنية وسط تبدّد الآمال بحلّ سلمي يُنهيها. اقترن معظم تلك الاستنتاجات بالنظرة الأميركية إلى ما يجري في سوريا ومصير نظام الأسد، وفق الآتي:

1 ــ لا أثر لأي استراتيجيا متكاملة وهادفة في البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية حيال «الربيع العربي» وتطورات المنطقة، والتغييرات التي تطرأ عليها، وخصوصاً إزاء الموقف من الإسلام السياسي والتهديد الإسرائيلي بضرب إيران. ولاحظ المسؤولون اللبنانيون السابقون غياب أصحاب العقول الاستراتيجية عن مواقع أساسية تمكّنهم، من داخل الإدارة، من تنفيذ تلك الاستراتيجيات على غرار تجربتي هنري كيسنجر في مطلع السبعينيات وزبيغنيو بريجنسكي في النصف الثاني منها. كان ذلك انطباعهم قبل ستة أشهر عندما جالوا على تلك العواصم، ولم يلمسوا تغييراً جدّياً.

2 ــ لا وضوح في الرؤية حيال الأوضاع المتدهورة في سوريا، والمسار الذي يمكن أن تسلكه مستقبلاً وسبل بلوغ الغرب ــ وخصوصاً الأميركيين ــ الهدف الذي يتوخّونه ممّا يجري هناك، وتحديداً إطاحة الرئيس السوري. يكتفي الغرب بمراقبة العنف ويتخبّط في ارتباك، بعدما تيقن من تعذّر التوصّل إلى تدخّل عسكري في سوريا في معزل عن مجلس الأمن ينهي الأزمة، ويُخرج الأسد من السلطة بالقوة. بات هذا الحلّ أكثر استبعاداً من ذي قبل نظراً إلى كلفته الباهظة، وارتداداته بعد مراجعة تداعيات التدخّل العسكري في افغانستان ثم في العراق.

3 ــ من دون أن يُفصح الأميركيون عنها، فإن تعاطي بعض الوثيقي الصلة، من غير السياسيين داخل الإدارة، يشير إلى معادلة يجدونها، ربما، مريحة وملائمة للغرب. بل تكاد تكون نموذجية، وهي أن «الخميني وطالبان يتقاتلان على أرض الأسد»، وهو ما يحتاج إليه الغرب في مدى منظور في رؤيته هؤلاء يُنهك بعضهم البعض الآخر في معركة ضارية.

4 ــ يلتقي الرأي الغالب في الغرب على عدم تشجيع الفوضى في سوريا خشية أن تفضي إلى توسّع الإرهاب وانتشاره، في ضوء تجربة سابقة في العراق. إلا أن الأميركيين، والمسؤولين الأوروبيين، في حصيلة ما لمسه الزوّار اللبنانيون، لا يتوقعون حلاً وشيكاً في سوريا ما داموا لا يرجّحون تغييراً جوهرياً في موقف روسيا من الدعم غير المشروط لنظام الأسد. لكنهم يتحدّثون عن فرصة محتملة لبلوغ المرحلة الانتقالية من الأسد إلى نظام آخر، مع تغيير جدّي في موازين القوى. ويأملون في أحد سببين لهذا التغيير: ضعف الأسد عسكرياً، أو تخلي موسكو عنه. ودون هذين السببين دوافع وفيرة تحمل على التشكيك في دقتهما.

5 ــ يعتقد الأميركيون بأن اتفاق جنيف الذي أقرّته مجموعة العمل الدولية حول سوريا في 30 حزيران، يمثل مكسباً ديبلوماسياً كبيراً على طريق إخراج الأسد من الحكم وإحلال نظام آخر في سوريا، وذلك بتمكين الرئيس السوري ومعارضيه من امتلاك فيتو حيال المشاركة في السلطة التي حدّدها ذلك الاتفاق، وهو تأليف حكومة وحدة وطنية تحلّ النزاع تحت شعار أنه يمهّد لمرحلة ما بعد النظام.

ورغم توازن القوى بين الطرفين الذي أحدثه اتفاق جنيف، أخفق الأميركيون والأوروبيون في ترجمته بقرار يصدر عن مجلس الأمن، بسبب تفسير مغاير للاتفاق قدّمه الروس والصينيون، الشركاء الآخرون في مجموعة العمل، عندما عطلوا الفيتو عملياً بتأكيدهم أن السوريين هم الذين يقرّرون المرحلة الانتقالية. في شقّ من التفسيرات المتناقضة للاتفاق، وفحوى الفيتو المزدوج، اعتقاد الأميركيين أن الأسد لن يبقى في الحكم لأن الاتفاق نصّ على حصول انتقال سياسي. إلا أنه سيخرج حكماً من السلطة تبعاً لآلية الانتقال، لا لأن موسكو وافقت على تنحيته. وهي لم توافق أساساً على إرغامه على التنحّي.

هكذا يعتقد الأميركيون والأوروبيون، وفق ما لمسه المسؤولون اللبنانيون السابقون، بإمكان تطبيق اتفاق جنيف، المعلّق مذذاك، في ضوء توازن عسكري جديد يضعف الأسد ويرجّح كفة معارضيه.

6 ــ لا يستبعدون أن يطول أمد الحرب إلى أكثر ممّا هو متوقع. إلا أن لا إمكان للنظام في الاستمرار بعدما فقد الأسد المبادرة تماماً. لكن الأميركيين يلاحظون أن لا مؤشرات حقيقية إلى أن الرئيس السوري وصل إلى مرحلة تشعره بضرورة إعادة النظر في حساباته، وبأنه موشك على خسارة معركته، من أجل أن يُوقف العنف ويُسلّم بانتقال السلطة منه إلى المعارضة.

7 ــ مثّل تعيين الموفد الدولي ــ العربي الأخضر الابراهيمي تعبيراً عن نيّة أكثر منها مؤشراً مبكّراً إلى نجاح مهمته. ليس الحلّ في يده، إلا أنه معني، عند أوان هذا الحلّ، بأن يتولى إدارته متى سمحت ظروف التوافق الدولي على إنهاء الأزمة السورية. تقدير نجاح مهمة الإبراهيمي أو فشلها متباين ومختلف عن الحاجة إلى شخصية مشابهة له تعمل على الحلول الوسط والتسوية المقبولة. وخلافاً للغموض والدعم الدولي الذي بدا أنه أحاط بسلفه كوفي أنان، يتصرّف الإبراهيمي على أنه يتمتع بتأييد أميركي ــ روسي لمهمته كان قد افتقر إليه أنان.

الأخبار

السلاطين… ونيران حلب !

    راجح الخوري

كانت الصورة في بعدها السياسي تدفع الى طرح السؤال: من الذي سيحذو حذو الآخر في النهاية؟ هل يطلق طيب رجب اردوغان لحيته ليطابق مظهره إخوانيته، ام يحلق محمد مرسي لحيته ليطابق تجربة اردوغان في المواءمة بين الاخوانية والحداثة؟

كان لا بد من طرح السؤال على هامش مؤتمر”حزب العدالة والتنمية” الذي حضره حشد لم تحجب بهرجة المناسبة عنهم واقع انهم في بلد يقف على حافة منطقة بركانية التحولات والاحداث. ذلك ان اردوغان الذي بدأ خطابه الماراتوني بخلع سترته للإثارة، بدا وكأنه يخلع عن تركيا رداءها الاطلسي إذ لم ترد كلمة أوروبا على لسانه سوى انه انتقد ألمانيا لمعارضتها ارتداء الحجاب، وتعمّد استحضار التاريخ العثماني ليسحبه فوق قوس من الجغرافيا الملتهبة الممتدة من ساراييفو الى المدينة المنورة مروراً بمصر وفلسطين والعراق وسوريا، لينتهي بتمجيد فتح منطقة الأناضول وانتصار السلاجقة على البيزنطيين ومحمد الفاتح وسليمان القانوني، وهو ما يقتضي منه ان يلتحي ليوائم التاريخ!

في المقابل عندما رد عليه محمد مرسي قائلاً ان عالمنا العربي يحتاج إليكم والى دعمكم وان وقوفكم الى جانب “الربيع العربي” ودعم الثورات أمر ضروري، بدا ان عليه ان يحلق ذقنه على طريقة أردوغان، وخصوصاً بعدما وقف خالد مشعل ليوجه التحية الى دور أردوغان “الذي لا يُنسى” وليبايعه “زعيماً للعالم الأسلامي”، ولكأن حركة “حماس” التي سبق لها ان بايعت سوريا ثم إيران، هذه الزعامة هي التي تقرر وفي حضور مرسي!

المثير في كل هذا المشهد التركي الصاخب انه يجيء في وقت كادت النيران التي تأتي على مدينة حلب القريبة، ان تلفح وجوه الحاضرين وتحرق اي معنى لكلامهم الفخم، وهم يتذكرون بالتأكيد قول أردوغان للأسد “ان حلب خط أحمر”، وخصوصاً ان المناسبة لم تبلور أي إضافة الى الإنشائيات المعروفة حيال حمام الدم السوري وآخرها مبادرة مرسي الرباعية التي كانت مجرد حركة بلا بركة في غياب السعودية وحضور إيران التي تقاتل ميدانياً الى جانب النظام وتعلن أنها لن تسمح بسقوطه!

المثير أكثر ان أردوغان لم يتوان عن التلويح ببيارق السلطنة في وقت قيل ان قيادة “الجيش السوري الحر” اضطرت الى نقل مراكزها الى الداخل على خلفية معارضة علويي تركيا وجودها في الأراضي التركية، وبعدما تقاعست أنقرة عن إقامة منطقة عازلة ما لم تحصل على مساعدة دولية غير متوافرة!

ولكن ماذا اذا فتحت الأبواب الاوروبية غداً أمام انقرة ووصل الاعتذار الاسرائيلي عن حادث “مرمرة”، هل يجرؤ خالد مشعل أو غيره على مبايعة أردوغان زعيماً للعالم الإسلامي… وخصوصاً في حضور مصر وغياب السعودية واعتراض إيران؟!

النهار

بشّار الأسد: المواجهة حتى النهاية !

    علي حماده

 احترقت مدينة حلب، واحترق معها العصب الاقتصادي لسوريا. كانت المدينة التي يصل عدد سكانها مع محيطها الى ستة ملايين نسمة موقعا مستقرا من مواقع النظام، ولكن سقوط ريفها سرعان ما فتح الباب امام الثوار لدخول بعض احيائها للانضمام الى ثوار المدينة، فاشتعلت “ام المعارك “كما سماها النظام متوعدا بحسمها في ايامها الاولى.  وبعد مرور ثلاثة اشهر على بدء “ام المعارك” لم يكسب النظام المعركة، بل انه خسر جزءا بعد آخر في المدينة، ما إن يتقهقر من جزء منها حتى يعمد الى تدميره تدميرا تاما بكل قواه النارية. هكذا احترقت سوق حلب القديمة، وهكذا تتلقى قلعة حلب الاثرية الضربة تلو الاخرى، وهكذا سيستمر الوضع على ما هو الى ان يتم اخراج النظام كلياً من المدينة و محيطها في دائرة قطرها ستون كيلومترا.

على الارض ثبت ان النظام في سوريا ما عاد يمتلك اعدادا كافية من المقاتلين لتغطية كل المسرح القتالي. وعلى الرغم من وجود مقاتلين من الحرس الثوري الايراني او من “حزب الله ” في عدد من المناطق الحارة، فإن حاجات النظام من المقاتلين اكبر بكثير من طاقة “حزب الله” المتواضعة نسبياً، او حتى من طاقة مقتدى الصدر الذي يحشد جيدا في العراق، لكن الامر يتغير متى صار مطلوباً القتال الجدي على ارض اخرى ضد اهلها. اما الحرس الثوري الايراني فدون ايفاده اعدادا كبيرة من المقاتلين عناصر الاتنية واللغة وبعد مسرح القتال .

في عواصم القرار المعنية بالازمة السورية، من واشنطن الى موسكو مرورا بباريس ولندن وانقرة، تتقاطع النظرة الى مصير بشار الاسد: انتهى بشار وانتهى النظام الذي كان قائما حتى الخامس عشر من آذار 2011. ليس ثمة خلاف حقيقي على الاسد، بل على ما بعد الاسد! هنا المفارقة الكبرى، لا بل هنا المأساة، حيث ما من احد يكترث فعلا للدمار والضحايا. روسيا تدعم الاسد في اطار مواجهة اوسع مع اميركا، لكنها حاضرة في السوق للتفاوض على مستقبل تموضعها الاستراتيجي في مرحلة ما بعد الاسد. ايران تقاتل في دمشق وحلب وادلب وحمص ودرعا كأنها تقاتل في طهران واصفهان ومشهد وقم! الولايات المتحدة غير مستعجلة للتدخل المكلف، فهي على ابواب انتخابات رئاسية، فضلا عن انها تربح بالنقاط، فالثوار يتقدمون في كل مكان، فيما النظام يتراجع، وحيث يخسر يحرق الارض والحجر والبشر.

الابرهيمي، من جهته، جالس في المقعد الخلفي ولا يقدم على اي خطوة جدية حتى تنضج الامور في سوريا، إما بتغير دراماتيكي على الارض لمصلحة الثوار، واما بوصول الوضع الى حافة الخطر على استقرار المنطقة بأسرها، بمعنى زيادة احتمالات انفجار المنطقة، وهذا احتمال ضعيف حتى الآن.  في مطلق الاحوال، يراهن بشار على الصمود بالقتال الوحشي وبرفع الفاتورة على الجميع، عله يحجز لنفسه مكانا على طاولة المفاوضات على مرحلة ما بعد نظامه. ثمة رأي آخر: سوريا الغد لا تحتمل بشار حيّاً، والله أعلم!

النهار

احترموا التاريخ وأنقذوا آثار حلب قبل فوات الأوان!

 هدى الحسيني

من ينحر مدينة ويرقص على أشلائها بداعي التحرير أو التطهير، ينحر بلدا ويقتل شعبا ولا يرتوي.

الجريمة التي ترتكب بحق مدينة حلب، العريقة بتاريخها وآثارها وقلعتها وأسواقها، عرت النظام السوري، وعرت الثوار أيضا، ولا تبرير لأي طرف. كشفت عن جهلهم العميق، وعن أن مفهومهم للتحرير والدين خطأ مضاعف. غارقون في الجهل عن تراث بلدهم وأهميته وتاريخه وعراقته. الجهل الثقافي والجهل الديني يدمران المستقبل. الجريمة التي ترتكب بحق حلب منذ أشهر، تكشف عن أن الطرفين «المستقتلين» لإلغاء بعضهما البعض على استعداد أن يفعلا كل شيء، من دمار وارتكاب جرائم، ومن ثم غسل الأيدي، لأنه في هذه الحالة، حالة الحرب حتى النهاية، يسهل دائما اتهام الطرف الآخر. لكن، ليس هناك من بريء. حتى الدول التي تدعم الطرفين تلطخت أيديها وضمائرها بدم المدينة. ودماء التاريخ والتراث والآثار والعراقة دائما ثقيل ومقلق.

كشف النظام السوري عن إجرام متأصل فيه، وتبين أن الرئيس بشار الأسد اقتنع أثناء حكمه بإعادة ترميم آثار حلب، من أجل جلب السياح وللعلاقات العامة فقط، وليس انطلاقا من قناعة باحترام تاريخ بلاده، وحملة التدمير المبرمج التي قام بها من دون أي ردع ضد البشر والمدن، لم تتعب ضميره كثيرا، لكن، ماذا كان يفعل المقاتلون في السوق القديمة، ولماذا ذهبوا إلى هناك كما فعلوا؟

عندما وصلوا في بداية شهر أغسطس (آب) الماضي إلى القلعة، كانوا السبب في تدمير أحد أبوابها التاريخية من قبل جيش مطلوب منه ألا يترك إنسانا حيا يقف في وجهه، أو مدماكا واقفا، أو شاهدا على تاريخ وحضارة.

الجريمة التي ارتكبت بحق آثار وتراث حلب، كشفت وللأسف عن أن هؤلاء ليسوا بمحررين. وإذا كانوا من الريف فهم يؤكدون ما يردده المؤرخون، من أن ثورة تنطلق من الريف لا تؤدي إلى انتصار، إذا لم تسقط العاصمة والمدن.

من حرك أبناء الريف لتحويل تذمرهم الاجتماعي إلى ثورة ضد التراث والعراقة والتاريخ، هؤلاء ليسوا على مستوى المطالبة بالتحرير وتغيير النظام إلى نظام أفضل.

إذا قارنا ما جرى في حلب، وأيضا في دمشق من نسف وتفجير للأبنية التاريخية، بما جرى في بداية «الربيع العربي» في تونس ومصر، نلاحظ أنه كانت هناك ثقافة وتنوير. وعندما حاولت مجموعة من الغوغائيين الهجوم على المتحف المصري، هب البقية لحماية تاريخهم وآثاره. في البداية، في تونس ومصر، كان الثوار يعرفون من هم، وأي تاريخ عريق يقف وراءهم وماذا يريدون. لذلك وقع العالم كله في حبهم. صارت شعوب كثيرة تقلدهم في مظاهراتهم الاجتماعية، حتى في إسرائيل خرجت مظاهرات تطالب بتحسين ظروف المعيشة.

في سوريا بدأت هكذا، لكن تبين لاحقا خصوصا مع انسحاب شخصيات من المجلس الوطني السوري، أن لا سبيل للتواصل مع أطراف لا تتطلع إلا إلى التدمير من أجل الوصول إلى أهدافها.

المشكلة لدى الطرفين في سوريا، أن العقيدة ضيقة، إن كانت عقيدة حزب البعث، أو العقيدة الدينية غير الحقيقية لدى أطراف أخرى، عقيدة لا تقبل التمحيص والتحليل والتفكير بما يطرح عليها.

يقول عمر الحلاج، المدير التنفيذي للأمانة السورية للتنمية وصيانة المباني الذي عمل في الترميم والمحافظة على الآثار والتراث في سوريا وفي اليمن: عندما ذهبنا لأول مرة إلى مدينة «زابيد» في اليمن للكشف عن الآثار، بدأ الإمام المحلي يذهب إلى المسجد ويحذر الناس قائلا «إن الألمان أتوا إلى هنا، ليحولوا مدننا إلى ملاه وبيوت دعارة». الجيش النظامي السوري يتلقى الأوامر من قيادة تعي جيدا ما تقدم عليه. لكن كلمة «أبو جهل» تنطبق على هذا الجيش وعلى قادته، وكذلك على الثوار. من دفع هؤلاء الثوار للدخول إلى المناطق الأثرية في حلب، من دفع بالانتحاري إلى تفجير نفسه في مبنى الأركان العامة في دمشق، وهو مبنى تاريخي. النظام ارتكب خطأ باستعماله مع ما شهده من تصرفات لجهة التعذيب وما شابه، وكذلك ارتكب من أرسلوا الانتحاري جريمة مزدوجة بحقه.

كتب أحدهم، أن الرئيس السوري «قرر تدمير كل المدن السورية قبل انتقاله مع العلويين إلى مناطقهم، حتى يغرق السنة في إعادة بناء ما يقدرون عليه من هذه المدن، ولا ينصرفوا للانتقام من الطائفة العلوية، ويشمل التدمير البنى التحتية والآثار والتراث أيضا».

من ناحية أخرى، فإن بعض المتطرفين مهووسون بالماضي البعيد، فهم لا يريدون فقط التخلص من التأثير الغربي، بل أيضا من أربعة قرون من حكم العثمانيين، الفترة التي تكون فيها نسيج المدن العربية، إذ يرون هذا شكلا من أشكال الفساد، وليس التطور والحضارة والانفتاح على العالم الذين هم على عداء معه. وفي مقابلة أجريت مع ماليز روثفين وهي مؤرخة أصدرت كتبا عن الأصولية الإسلامية قالت: إن محمد عطا، أحد مخططي ومنفذي تفجيرات نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، والذي وضع أطروحته عن التخطيط الحضري لمدينة حلب القديمة، ذكر أنه يريد أن يدمر المباني التاريخية التي تحمل قرونا من الزمن فوق جدرانها، كان يحلم بمدينة إسلامية حسب رؤيته، نقية لا يدخلها التغيير.

من دروس جداتنا في صغرنا «لا تخافوا من المتدين، فهذا يخاف الله، بل خافوا من المتعصب». ربما تتضح هذه النصيحة اليوم أكثر ونحن نبكي على ما يصيب حلب والآثار في سوريا. فمن يصرون على «قتل» الآثار هذه، لا يدركون قيمة ما يحتويه بلدهم. باختصار، إنهم آل التدمير وليسوا آل التحرير أو آل التطهير.

تقع حلب عند تقاطع طرق التجارة القديمة، شهدت صعود وسقوط إمبراطوريات. جيوش الإسكندر الأكبر، هولاكو، جنكيز خان، تيمورلنك، وجيوش صلاح الدين الأيوبي، كلها في وقت أو آخر هاجمت أو دافعت عن حلب.

منذ أكثر من عشر سنوات بدأت مؤسسة «الآغاخان للثقافة» بترميم دقيق لكل آثار حلب (هل يكون هذا من أسباب تدمير وتخريب الآثار؟) وفي كلمة ألقاها في حلب بعد شهرين من عمليات الحادي عشر من سبتمبر، وصفت «الآغاخان» مهمته بـ«خلق حديقة فكرية حيث سينبثق الجمال من صياغة الاختلاف».

عام 1954، وبسبب التدمير الذي أحدثته الحرب العالمية الثانية، وضعت اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في النزاعات المسلحة تفرض على الدول ضمان سلامة المواقع الثقافية المهمة والآثار والمتاحف والمكتبات. وكانت سوريا بين الموقعين على هذه الاتفاقية. لكن المهتمين بتطبيق الاتفاقية أشاروا إلى أنه في حلب على الحكومة والثوار مسؤولية حماية إرثهم الثقافي. وقال بورغ إيسفلد، أحد مخططي المدن وعمل مع مؤسسة «الآغاخان»: «إن العالم يجب أن يعرف يوما بعد يوم ومرة بعد أخرى، أن هناك تراثا ثقافيا فريدا يتعرض للتخريب والهدم. وهذه ليست فقط مسألة سوريا، إنها تتعلق بالعالم كله».

كان الاعتقاد في البداية، أنه يجب تحييد دمشق وحلب، لأنهما أغنى مدينتين ثقافيتين في الشرق الأوسط. الآن هناك الكثير مما سيخسره العالم الإسلامي والعالم العربي من تاريخهما.

هل يريد العالم أن تصبح سوريا، تورا بورا العرب؟ نظام الأسد والمعارضة دخلا في حرب تدميرية سيذهب ضحيتها الآلاف من البشر، وكذلك آلاف السنوات من الحضارة العريقة، ولا يهم من ينتصر في النهاية عندما لا يبقى سوى الرماد.

الآن، تتعرض حلب وتتعرض الحضارات القديمة ويتعرض التاريخ لمجزرة، وأبناء حلب والسوريون يصرخون ألما، فهل من سامع يسمع؟

في مقال نشره يوم الاثنين الماضي في صحيفة «الهيرالد تريبيون»، كتب طارق رمضان: «الانتصار قد يكون بداية الهزيمة (..) والانتفاضات لم تصل بعد إلى الثورة. يجب على العالم العربي مواجهة (شياطينه) التاريخية، ومعالجة عيوبه وتناقضاته. وعندما يبدأ هذه المهمة، عندها تكون الصحوة قد بدأت».

إنقاذ حلب يحتاج إلى مثل هذه الصحوة بأسرع وقت ممكن وقبل فوات الأوان!

الشرق الأوسط

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى