صفحات الثقافة

مقالات تناولت منع فيلم “نوح”

سينما الأزهر/ محمود الزيباوي

يتواصل السجال في مصر حول فيلم “نوح”، ويتحوّل إلى معركة مفتوحة لم تُحسَم نتيجتها بعد. يطالب الأزهر بمنع هذا الشريط، ويرى في سماح الرقابة بعرضه انتهاكاً صريحاً للدستور. في المقابل، يرى البعض “أن الرقابة على المصنفات الفنية غير ملزمة عرض الأفلام على الأزهر الشريف لأخذ الموافقة عليها قبل عرضها في السينما”.

في أيار 1954، ولمناسبة حلول شهر رمضان، نشرت مجلة “أهل الفن” ندوة حول “الفن الإسلامي” حاور فيها عددٌ من الفنانين والكتاب، الشيخ صالح شرف السكرتير العام للأزهر الشريف، في حضور صاحب المجلة حسن إمام عمر. شكلت مسألة “علاقة الفن بالدين” أساس تلك الندوة، ولعب فيها دور المحاور في الدرجة الأولى المخرج السينمائي حسن عامر والممثل حسين صدقي، والاثنان معروفان بميولهما الإسلامية. شدّد حسين صدقي على مسؤولية الأزهر في تحديد هوية الفن الديني، وقال للشيخ صالح شرف: “لو احتضن الحاكم ورجل الدين الفن لأتى بالنتيجة المرجوة، ولكن رجل الدين والحاكم لا يعترفان بالفن”. أجاب الشيخ شرف: “رجل الدين لا سلطان له”. فأردف النجم السينمائي: “بل له سلطانه الديني”. فردّ الشيخ باقتضاب: “ان سلطانه لا يعدو قول هذا حلال وذلك حرام”. وكرّر حسين صدقي قوله: “الأزهر طول عمره له سلطان وكيان، ولكنه لم يهتم بالفن”.

تناول الحوار مسألة التمثيل والرقص والغناء، وجاءت ردود الشيخ صالح شرف تقليدية للغاية. حاول حسن عامر إثارة النقاش، لكن الأجوبة كانت قاطعة وحازمة، كأنها مسلمات لا جدال فيها. استعاد الشيخ المقولات السائدة، وقال في شرعية الرقص: “لا مانع من أن يرقص الرجل على كيفه، أما المرأة فلا يجوز ان ترقص لأجنبي، بل عليها إذا أرادت الرقص أن ترقص لزوجها، لأن الرقص من الزينة”. واستشهد بما جاء في الآية الحادية والثلاثين من سورة النور: “ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن”. توقّف حسن عامر هنا أمام تطوّر تجربة المسرح الإسلامي، فقال إن جمعية “الاخوان” سعت إلى تحديد علاقة الفن والدين في عام 1937، فرأت أن “التمثيل حلال، ولكن على ألا يلتقي فيه رجل وسيدة، لأن التقاءهما عبارة عن التقاء أجسام وأرواح ولن يقلّ هذا خطورة عن جريمة هتك العرض”. بعدها، تبدّلت الأمور، وصار للمرأة حضور مباشر في المسرحيات الإسلامية، مع مراعاة لقواعد هذا النوع من العروض وخصوصيته.

سطوة ونفوذ

انتقل الحوار هنا إلى مسألة تجسيد الخلفاء الراشدين على المسرح والشاشة. وطرح حسن عامر على سكرتير الأزهر السؤال المعهود: “لماذا تحرمون ظهور شخصية كشخصية عمر بن الخطاب؟”، فقال الشيخ: “يمكنك الاستغناء عن الصورة بتمثيل الفكرة لأنك لن تستطيع أن تقنع الناس بأن ممثلك هو عمر”. وردّد المقولة الشائعة: “لا يمكن التصريح لتمثيل شخصيات الصحابة والخلفاء والراشدين”. حاول المخرج السينمائي خرق هذا الجدار، فقال: “فلنحتكم إلى التاريخ”، وذكر رواية نقلها نقيب الأشراف وشيخ المشايخ الصوفية بالديار المصرية محمد توفيق البكري في كتابه “صهاريج اللؤلؤ” الصادر عام 1906، وهي رواية مأخوذة من موسوعة “العقد الفريد” لابن عبد ربه الأندلسي. نقل البكري هذه الرواية تحت عنوان “مما يدل على أن العرب كان عندهم ما يُشبه من وجه تمثيل الوقائع المعروف الآن بالتياترو”، واختصرها حسن عامر بقوله: “كان هناك في بغداد رجل صوفي أيام المهدي، وكان يجمع الناس في أكبر ميادين بغداد ويصعد على ما يشبه المسرح ويعظّم فينادي: أين هو أبو بكر الصديق؟ فيصعد إليه رجل يمثل شخصية أبي بكر، فيقول له الصوفي: يا خليفة رسول الله، لقد صنعت كذا وكذا، فجزاك الله خيرا. ثم بعد ذلك يقول أدخلوه الجنة. وهكذا يفعل الصوفي فينادي: أين عمر؟ أين عثمان؟ وأين علي؟ أليس في ذلك تمثيل لشخصيات الخلفاء الراشدين على مسمع ومرأى من علماء وقادة الفقه؟”. جاء الرد على لسان الأديب علي الجنبلاطي: “كان هذا في عهد العباسيين، الذي هو ألعن من عصر فاروق من ناحية الخروج على قواعد الدين الإسلامي”. وتبعه قول الشيخ صالح شرف: “أنا غير موافق قطعا على تمثيل شخصيات الخلفاء الراشدين، فمن الجائز أن يكون ممثل عمر اليوم هو ممثل دور أبي جهل بالأمس”. وعلّق حسين صدقي: “هل معنى ذلك أن يمثل الدور ثم يضرب بالرصاص حتى لا يمثل دوراً آخر؟”. فقطع الشيخ الحوار وختمه بالتكرار: “اننا لا نمنع الاّ تمثيل شخصيات الرسول والخلفاء الراشدين الأربعة”.

بقي أن نقول إن صاحب “أهل الفن” حضر الندوة، وكتب على الصفحة الأولى من المجلة مقالاً جاء فيه: “عندي أن المعارضة التي يلقاها الفنان كلما فكّر في أن يؤدي رسالة نحو الدين الإسلامي الذي آمن به، ترجع إلى أن المعترض يعاني أزمة نفسية، هي نفس الأزمة التي عاناها رجل الدين المسيحي في العصور الوسطى، وهي الخوف على مكانته ان تُنتزع منه إذا قام غيره بنفس مهمته بأسلوب أكثر تأثيراً ومجاراة للعصر الحديث. لذا أطمئن هؤلاء الملتزمين وأقول لهم إنه مهما بلغ توفيق الفنان في الدعوة إلى الدين، فإنه لن يسلبهم فضل التخصص في الدعوة، وإنما يزيد في عدد المؤمنين بهذه الدعوة بعد أن يبصرهم بما أغلق عليهم من أمور دينهم. فاطمئنوا اذن إلى سطوتكم ونفوذكم أيها السادة، ولا تعطلوا الركب، ولا تعيدوا إلى الشعوب الإسلامية عهود الظلام التي تحررت منها المسيحية. وتقدّموا معنا لنأخذ بيد الفنانين ونفسح لهم المجال ليؤدّوا رسالتهم، ويقدموا روائع الإسلام للعالم الإسلامي، لعله يجد فيها العظة ويهتدي. والله يوفق الجميع ويهديهم إلى سواء السبيل”.

شارك الممثل حسن عامر في تلك الندوة، وأشار إلى ازدواجية سياسة الرقابة المصرية في التعامل مع الأفلام الدينية، فهي تبيح للأجانب ما ترفضه للمصريين، وقال إن أحد المنتجين المحليين طلب الإذن بتصوير قصة سيدنا يوسف الصدّيق في فيلم مصري، فرُفض طلبه، “وفي نفس السنة صُرّح لشركة أجنبية بتصوير نفس الموضوع في مصر”. وردّ الشيخ شرف: “هذا يختص بالرقيب والحاكم ولا شأن لرجل الدين فيه”. ويمكن القول إن هذه السياسة ظلت قائمة لسنوات عدة. في خريف 1954، قدم المخرج سيسيل دي ميل إلى مصر مع فريق عمل كبير لتصوير فيلمه الهوليوودي الضخم “الوصايا العشر”، فاستُقبل هناك استقبال الفاتحين، وكان أول المرحبين به الزعيم جمال عبد الناصر، ومن بعده كوكبة من نجوم السينما المصرية، مثل فاتن حمامة، محمد فوزي، مديحة يسري، آسيا داغر، وماري كويني. رافقت الصحافة المصرية الحدث، ونشرت صور النجم شارلستون هستون وهو يؤدي دور النبي موسى في الفيلم، ولم تثر هذه الصور أي بلبلة.

في عام 1956، أعلنت “شركة الشرق لتوزيع الأفلام” صدور فيلم “حياة وآلام السيد المسيح” في نسخة مدبلجة بالعربية، واللافت أن كل العاملين في هذه النسخة العربية كانوا من غير المسيحيين. على سبيل المثال لا الحصر، أشرف على “النطق بالعربية” المخرج محمد عبد الجواد، وظهر المسيح بصوت أحمد علام، كما ظهرت مريم العذراء بصوت عزيزة حلمي، وظهرت المجدلية بصوت سميحة أيوب. ولم تثر هذه المسألة أي بلبلة. على العكس، احتفلت مجلة “الكواكب” بهذا الحدث، وقالت في تعليقها: “كانت المشكلة الكبرى في اخراج مثل هذا الفيلم اختيار الممثل الكفء الذي يصلح للقيام بتمثيل دور السيد المسيح، وقد وفقت الشركة لاختيار ممثل نال رضا قداسة البابا فمنحه معاشا سنويا ومنعه من التمثيل في السينما أو المسرح بعد قيامه بتمثيل هذا الدور الذي اسبغ عليه طابعا دينيا خاصا”. يُذكّر هذا الخبر الغريب بالحديث الذي دار في ندوة مجلة “اهل الفن” حول تجسيد الخليفة شخصية عمر الخطاب على الشاشة، وأغلب الظن أن “الكواكب” أسقطت على الممثل الأجنبي منطق الأزهر الشريف في هذا الميدان.

باسم الدستور

بعد عقود من الزمن، يعود هذا السجال إلى الواجهة مع ظهور فيلم “نوح”، ومطالبة الأزهر بمنعه. بحسب ما نقلته صحيفة “الشروق” حديثاً، اعتبر وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان “أن عرض فيلم سينمائي عن سيدنا نوح هو انتهاك صريح للدستور”، وأضاف أن “الأزهر هو المنوط بنص الدستور بأمور الدعوة، وكل ما يتعلق بأحكام الشريعة الإسلامية، ولذا يلزم جميع الجهات والأجهزة الحكومية وغير الحكومية عدم تجاوز رأي الأزهر الديني في ما يطرح من قضايا”. يأتي هذا التصريح بعد إرسال عباس شومان خطابين إلى وزيري الإعلام والثقافة، “أبلغهما فيهما رأي الأزهر في عرض أعمال فنية تجسد فيها شخصيات الأنبياء أو الصحابة، وطالب الوزيرين بإصدار توجيهاتهما بمنع عرض الفيلم في دور السينما أو غيرها”.

في السياق نفسه، أعاد مجمع البحوث الإسلامية التذكير بفتواه التي تحرم تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية والسينمائية، ورأى “في هذا التجسيد انتهاكاً لعصمتهم ومكانتهم عند البشرية”. وأيدت دار الافتاء فتاوى مجمع البحوث الاسلامية، وأكدت “أن موقفها من حرمانية تجسيد الصحابة يأتي مع ما ذهبت إليه المجامع والهيئات العلمية المعتبرة كالأزهر الشريف، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي”. كذلك، اصدرت وزارة الأوقاف بياناً أيدت فيه موقف الأزهر ودار الإفتاء.

يأتي هذا السجال العقيم بعد شيوع عدد من المسلسلات الدينية على الشاشات التلفزيونية، وانتشار هذه الأعمال جماهيرياً بشكل لم يسبق له مثيل. ظهر يوسف الصدّيق في مسلسل ايراني تابعه الملايين في نسخته العربية. وظهر عمر بن الخطاب في مسلسل عربي تخطّى كل الصعاب التقليدية، وحصد نجاحاً فاق كل التوقعات. بعد كل هذه التحولات، يكرر رجال الأزهر ما قاله الشيخ صالح شرف في الخمسينات، مع اختلاف جوهري في تحديد دور السلطة الدينية في هذا الشأن. في حواره مع حسين صدقي، قال الشيخ صالح شرف: “رجل الدين لا سلطان له”، و”سلطانه لا يعدو قول هذا حلال وذلك حرام”. وعندما أثار محسن سرحان مسألة سماح السلطات لمخرج أجنبي بتصوير فيلم يتناول حياة النبي يوسف، ومنعها مخرجاً مصرياً من انجاز فيلم خاص مشابه، ردّ الشيخ: “هذا يختص بالرقيب والحاكم ولا شأن لرجل الدين فيه”.

في حوار نقلته صحيفة “القدس”، رأى الناقد السينمائي طارق الشناوي “أن الرقابة على المصنفات الفنية غير ملزمة عرض الأفلام على الأزهر الشريف لأخذ الموافقة عليها قبل عرضها في السينما”. وأضاف: “إن الرقابة لا تريد أن تورط الأزهر في أزمة فيلم نوح”. عاد الشناوي إلى الماضي القريب، وقال إن فيلم “آلام المسيح” لميل غيبسون “تم عرضه في مصر ولم يبد الأزهر اعتراضا، بينما كان يجسد السيد المسيح، وتضمن مشهدا صريحا للصلب”. في الطرف الآخر، قال الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية إن منع تجسيد الأنبياء والصحابة في الأعمال الفنية من ثوابت الأزهر الشريف، ولم يتخلّ عن هذا المبدأ، مشيراً إلى أن الأزهر لم يؤخذ رأيه في فيلم آلام المسيح من الأساس حتى يوافق أو يرفض عرضه، “وهذا يدين الرقابة على المصنفات الفنية”. من جهة أخرى، رأى الشحات أن “المادة السابعة من الدستور تقول إن الأزهر مختص بالقضايا الدينية والشؤون الإسلامية، وهذا الفيلم وغيره من الأفلام التي تجسد الأنبياء، الأزهر هو من يبتّ أمرها، سواء قالت الرقابة نعم أو لا”.

في هذا السياق، تخطّى السجال التقليدي حول شرعية تجسيد الأنبياء على الشاشة حدوده القديمة، واتخذ طابعاً جديداً. في العقود الأخيرة، فرض الأزهر قيوده على الأدب والشعر والفن باسم وصايته على كل ما يمسّ الدين، والسؤال اليوم: هل ينجح في فرض منع فيلم “نوح” باسم الدستور، وهل ترضى الرقابة على المصنفات الفنية بذلك، أم أنها ستنجح في المحافظة على استقلاليتها الهشة؟

النهار

هل هو منع “نوح” أم منعنا نحن؟/ محمد رُضــا

نحن في عصر لم يعد فيه المنع ممكناً، بالنظر إلى ما هو متوافر على الإنترنت من صور وأفلام ومقالات وشؤون. تستطيع أن تحجب عشرات المواقع، لكن هل تستطيع أن تحجب مئات الألوف منها؟ جميع من تداول في موضوع منع فيلم “نوح” قالوا، بحق، إن المنع غير ممكن في عصرنا هذا، ومعظمهم شجب القرار، حتى وإن كان مبنياً على “عدم جوازية تصوير الرسل في السينما”، كما برر الأزهر في القاهرة دعوته لمنع الفيلم، وكما تبنّـته أيضاً أكثر من هيئة إسلامية ومرجعية دينية في عالمنا العربي.

ليس هناك لزوم للذهاب إلى هذا الجانب التقني من الموضوع: نعم. تنتظر قليلاً وتلتقطه على نحو أو آخر، مبثوثاً على الإنترنت أو مبيعاً كأسطوانات DVD. فما خفي اليوم ستراه غداً. لكن هناك بعض الجوانب الأخرى المهمّـة لا بد من الإشارة إليها:

هل هناك مَن هو مخوّل الطلب لمنع فيلم ما، قبل أن يشاهده؟ ثم بعد أن يشاهده… إذا شاهده؟ ماذا لو كان الفيلم متديّـناً وإيجابياً حيال شخصية النبي نوح؟ وإذا لم يكن الفيلم إيجابي الفحوى، هل يكفي ذلك لمنع الفيلم من العرض؟ هل الشعوب العربية اليوم (معظمها دون الثلاثين عمراً) متخلّـفة إلى درجة أنها لا تزال بحاجة لمن يرشدها؟ بصرف النظر عن رسالة الفيلم وطريقة معالجته، هل يدفع الناس إلى الإقلال من الحضور الديني في ذواتهم؟ هل يدفعهم للإلحاد؟ هل يغيّـر وجهة نظرهم حول التاريخ وحول الدين وشؤون الحياة؟

إنطلاقاً من هذا السؤال الأخير، وربما تغليفاً له: ماذا يحدث لو أن الفيلم عُـرِض فعلاً؟

هناك حرب ينحر بها المسلم المسلم. هناك بطش وإرهاب على مستوى أنظمة فاشية. هناك فساد إداري ونهب ثروات غير مشروعة. هناك إنفلات غير أخلاقي، أصغره شأناً التحرّش بالقاصرات وأكبره علاقات الشذوذ داخل الأسر. هناك هدم بيوت فلسطينيين وخطف أطفالهم واحتلال مستمر لأراضيهم وعمل دؤوب لانتزاع القدس من بين أيدي الفلسطينيين وبيع أعضاء الموتى الفلسطينيين عبر قراصنة إسرائيليين. هناك جوع وفقر وأميّـة وأناس يعيشون في المقابر وملايين يعيشون في الخيم. هناك حروب أقليمية وعالمية محتملة ومستقبل غير مستقر. هناك من سيسرق نهر النيل، وأنهر ستجف وبيئة مفسودة.

هناك هذا كله، وأكثر منه، وأنت تريدني أن أصدّق أن منع “نوح” أمر مهم؟ هل كانت أفلام العنف سبباً في قيام الحرب الأهلية اللبنانية؟ هل هي اليوم سبب في العنف المنتشر؟ هل كانت أفلام الثورات سبباً في إندلاع ثورات الربيع العربي التي كان يحق لها أن تندلع ولو أنها لم تستمر أو تنجز ما وعدت به؟ هل هناك من يسيء إلى الإسلام أكثر من مسلمي التطرّف والإرهاب في سوريا ومصر ولبنان والعراق واليمن وسواها؟

كان يمكن إلى حين قريب أن تتحدّث والأجنبي عن الإسلام بفخر، فكيف تستطيع أن تتحدّث إليه الآن؟ كيف تقنعه بأن هذا التطرّف ليس إسلاماً؟

هل هذا من فعلة فيلم “نوح” أم بسبب فقدان الحصانة التي زرعتها الأديان السموية في ذوات المؤمنين بها قبل أن تنزوي من صدور العديد من الناس؟

المعنيون في المراجع الدينية الإسلامية كافّـة أخفقوا مرّة أخرى في تسديد السهم إلى هدفه الصحيح. ضربوا سهامهم في اتجاهات مختلفة ما عدا الإتجاه الصحيح. كان يمكن مثلاً إصدار بيان يلفت إلى أن تناول شخصية النبي نوح، أو أيٍّ من الأنبياء الآخرين، ليس محبّذا في الدين الإسلامي الحنيف. كان من شأن ذلك أن يساهم في إثراء حوار ما حول الموضوع. أن يقدّم وجهة نظره مبنية على المبررات التي يؤمن بها ويترك لمن يريد أن يأخذ بها أو لا، ويترك لمن يريد أن يشاهد الفيلم أو لا يشاهده.

هناك رغبة في أن يلتزم المرء وصيّـة أولياء الأمر. ثلاثة علينا أن نطيعها منذ ولادتنا: تعاليم البيت، تعاليم المدرسة وتعاليم الدين. كلها لها إيجابيات بلا ريب، لكن حين تستخدم في حجب قدرة المرء على القرار المستقل تتحوّل إلى جزء من نظام شامل (نراه ينتشر حول العالم بكل نظمه اليوم) تُـمارَس فيه الفاشية تحت أكثر من إسم.

ذات يوم وقف سبّـاح بيروتي عند شاطئ قرب الروشة ينظر إلى البحر. كان يرتدي الشورت للسباحة، لكنه كان يريد أن يستمتع بالمنظر الجميل الذي يمر به ألوف الناس يوميا ولا يشعرون به. أحد هؤلاء الناس مر، وهو بكامل ثيابه، وقال للسبّـاح: “يللا… شو ناطر؟ نط. السباحة مفيدة للجسم”. استفاق البيروتي من تأملاته ونظر إلى الرجل الذي حادثه وهو لا يعرفه، ثم استدار إلى ثيابه ولبسها وغادر الشاطئ. سيسبح بخاطره ومتى أراد، وليس لأن أحداً حفّـزه على ذلك.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى