صفحات العالم

مقالات تناولت مهمة الابراهيمي


الثلاثاء

الإبرهيمي: إطفائي ينتظر دعوة!

    علي حماده

لن يحصل اي تغيير فعلي في المعطى السوري قبل حصول تطور نوعي في موازين القوى على الارض. والتطور النوعي لن يحصل قبل ان يتغير موقف الدول العربية الداعمة للثورة ومن ورائها الولايات المتحدة لناحية رفع مستوى المساعدات العسكرية للثورة، عبر تسليم الجيش الحر سلاحا متطورا ضد سلاحي الطيران والدبابات. هذا هو الاستنتاج الاول الذي يخرج به المراقب لمسار مهمة الاخضر الابرهيمي الذي احاط مجلس الامن امس بالوضع في سوريا، واكتفى بالقول انه لا يملك خطة كاملة لحل الازمة السورية، وانه لم يسحب “خطة انان” ببنودها الستة عن الطاولة. ولعل كلام وزير خارجية المانيا الذي تحدث مباشرة بعد اجتماع مجلس الامن بالابرهيمي، والذي اكد فيه ان “لا بديل من خطة كوفي انان”، كان الاوضح لناحية عجز مجلس الامن والامم المتحدة عن القيام بعمل فاعل يوقف المذبحة القائمة في سوريا. وكان لافتا ان اجتماع مجلس الامن المغلق للاستماع الى الابرهيمي جاء على مستوى السفراء، ما خلا وزير الخارجية الماني، بما اوحى سلفا ان الامم المتحدة باقية على هامش الازمة ريثما تفتح كوة جدية يمكن العبور منها للعودة الى  “خطة انان” بقيادة الابرهيمي الذي يوصف بالاطفائي الذي ينتظر دعوة لاطفاء الحريق!

إذاً لا جديد في ملف الازمة السورية. الامم المتحدة ومعها الابرهيمي في غرفة الانتظار، والارض هي المسرح الحقيقي للتطور المنتظر، وهو لن يكون الا عسكريا. وبالرغم من الدعاية التي احاطت انعقاد ما سمي “مؤتمر الانقاذ الوطني “الذي نظمته” هيئة التنسيق الوطنية “المعتبرة مجازا بأنها معارضة الداخل، فإن مشاركة سفراء روسيا والصين وايران فيه، واعلان سفير الاخيرة محمد رضا شيباني انه امن الضمانات الامنية اللازمة لانعقاد المؤتمر من دون ان يتعرض المشاركون لمضايقات النظام اضعف المؤتمر، ووضعه في مواجهة مع مناخ شعبي داخلي، يعتبر ان ايران تشارك في سفك دماء السوريين اما مباشرة واما عبر عناصر من “حزب الله”. ومع ذلك كان لافتا ان يكون العنوان الابرز في المؤتمر المعارض المحمي هو “اسقاط النظام بكل رموزه ومرتكزاته” ليدل على انه، حتى محاولات شراء الوقت والمناورة  الايرانية – الروسية – الصينية ما عاد في الوسع حرفها عن عنوان “اسقاط النظام”. وهذا بالتحديد ما ينبغي لبشار الاسد ان يعيه اليوم. ان المعلومات المستقاة من الارض، تشير الى ان التطور الميداني المنتظر الذي سيبدل في المعطى الاستراتيجي سيركز على امرين: الاول، سقوط حلب بالكامل في ايدي الثوار. والثاني، سقوط كل المنطقة الشمالية الممتدة من ريف ادلب الى ريف حلب وعمقها الحدود مع تركيا.

في الانتظار: بشار يخسر مزيدا من الارض، وعبد الباسط سيدا يتلقى دعوة اممية رسمية لحضور اعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في موازاة مشاركة وليد المعلم ممثلا للدولة السورية: اقتربت النهاية!

النهار

السبت

مهمة الابراهيمي: في سورية ثورة شعبية وليس «أزمة»!

محمد مشموشي *

لا ينكر أحد على الأخضر الابراهيمي، بوصفه وسيطاً أممياً – عربياً في الأزمة السورية (لا يعترف النظام في دمشق بالشق الثاني من الوساطة)، مقاربته الديبلوماسية للمهمة التي قال انه قبل بها لشعوره بعدم القدرة على رفضها، لكن أن يسكت عن تزوير النظام لحقيقة الأزمة، وحتى أن يتبناه ولو بشكل غير مباشر، فذلك ما يجعله شخصياً ويجعل المهمة ذاتها محل تساؤل. ففي الكلمات القليلة التي تفوّه بها، عقب زيارته الأولى لدمشق ولقائه رئيس هذا النظام بشار الأسد ووزير خارجيته وليد المعلم، قال الابراهيمي كلاماً يفهم منه أنه ربما سقط في مستنقع تزوير طبيعة ما يجري في سورية منذ ثمانية عشر شهراً حتى الآن. فقد تحدث عن أزمة «تتجه الى التفاقم» من جهة، وعن أن الرئيس الأسد «يدرك أكثر منه خطورة ما يحدث» من جهة ثانية، وعن «انعكاسات الأزمة على المنطقة والعالم» من جهة ثالثة.

هذه المعاني، وإن بتعابير وكلمات مختلفة عن تلك التي يستخدمها النظام منذ الأيام الأولى للثورة، طالما كررها الأسد وأعوانه بهدف واحد لا غير: إنكار وجود ثورة شعبية ضده، وتالياً تجاهل الاستخدام المفرط للطائرات المقاتلة ومدافع الدبابات والصواريخ في مواجهتها، وسقوط أكثر من ثلاثين ألف قتيل حتى الآن وانشقاق عشرات ألوف الضباط والجنود، فضلاً عن نزوح ما يقارب ربع سكان سورية البالغ عددهم 23 ألف نسمة إما الى مناطق أخرى فيها أو الى دول الجوار.

كان النظام السوري، ولا يزال كما يبدو من خلال لقائه مع الابراهيمي، يعتبر الثورة الشعبية ضده مجرد «عمليات تخريبية» تقوم بها «عصابات مسلحة» من الداخل والخارج على السواء، تنفيذاً لـ «مؤامرة خارجية» وفي سياق «حرب كونية» ضد سورية. إذاً، فالوساطة في رأيه هي محاولة اقناع الداخل المسلح والخارج الكوني معاً بالتخلي عن مؤامراتهما هذه والانضواء في كنف النظام الذي يقول انه كان ولا يزال مستعداً للإصلاح وللحوار مع «المعارضة» – «معارضته» المصنوعة والممثلة في الحكومة – بهدف التوافق عليه.

ولم يقل الابراهيمي، ولو تلميحاً، ما يناقض ذلك أو يدحضه. تحدث فقط عن أزمة، بما قد يفهم منه أنها بين سياسات النظام ومعارضين له، والفرق كبير بين هذا المعنى والثورة الشعبية الشاملة ضد هذا النظام. واعتبر انها أزمة «تتجه الى التفاقم» وقد تتحول، اذا استمرت، الى «مشكلة اقليمية ودولية»، بينما لا يختلف اثنان في أن هذا بالضبط ما أراده النظام وعمل له على الدوام تبريراً لأبلسته الثورة وشنّه حرب ابادة ضد الشعب من جهة، ولبقائه على رأس السلطة من جهة أخرى.

هل هذا ما أراد الوسيط الأممي – العربي أن يبلغه الى الشعب في سورية، والى العرب والعالم، بعد أول زيارة له الى دمشق في اطار مهمته لمعالجة ما يتفق الجميع على اعتباره كارثة انسانية ووطنية تضرب هذا البلد منذ نحو عامين تقريباً… وبأن لا ثورة شعبية في سورية، بل مجرد أزمة بين حاكم يفعل ما يشاء قتلاً وتدميراً وتهجيراً، ومحكومين لا خيار في يدهم إلا الموت من أجل الحصول على حريتهم وكرامتهم كما طلبوا من اليوم الأول لنزولهم الى الشارع متظاهرين تحت شعار «الشعب يريد»؟… ثم، ألم تفشل المبادرة العربية وبعثة مراقبيها في وقت سابق، وبعدها مهمة كوفي أنان ومراقبيه، لأنهما لم تتحدثا صراحة عن النقطة المركزية في الأزمة: إن في سورية ثورة شعبية تطالب بإسقاط نظام استبدادي ووراثي عمره أربعون عاماً، وأن الحق دائماً مع الشعب حتى وإن كان نظام الحكم يملك القوة على انكار هذا الحق؟

أكثر من ذلك، فقد قال الابراهيمي إن «الناس تريد تغييراً وليس اصلاحاً»، شأنها هنا شأن الناس في كل بلد عربي آخر، إلا أنه لم يذكر كيف يمكن تحقيق التغيير اذا كانت وساطته تتم بين نظام ومعارضة، أحدهما يرفض أي نوع من التغيير ويعتبره «مؤامرة وحرباً كونية» فيما يصر الثاني على أن لا حوار حول ذلك أو حتى حول إصلاح النظام مع من يشن حرب ابادة جماعية ضد الشعب. بل وأكثر، فقد أجرى محادثات مع ممثلي دول (ايران وروسيا والصين) قال إنها «يمكن أن تكون جزءاً من الحل، وإن كانت توصف بأنها جزء من الأزمة»، وذكر أنه سيزور عواصمها وعواصم غيرها من الدول في المنطقة وفي العالم، لكنه لم يحدد ماذا يريد منها: هل يريد منها الضغط على الأسد للتغيير، أي للتنحي نزولاً عند رغبة الشعب، أم الضغط على الشعب لإنهاء الثورة؟ هل يريد منها المساعدة على إبقاء الأزمة في حدودها السورية الوطنية، أي عملياً بما يتناقض مع مصالح النظام ومصالحها، أم «التوافق» في ما بينها حول النظام المقبل في سورية – مع الأسد، أو من دونه؟! – على حساب تطلعات الشعب السوري وحقوقه في الحرية والكرامة؟

لا ينكر أحد على الابراهيمي ديبلوماسيته، ولا كذلك صعوبة المهمة شبه المستحيلة التي يقوم بها، وحاجته ربما الى العمل بصمت بين تعقيداتها المحلية والاقليمية والدولية، إلا أن البداية لا تبدو موفقة، لا مع نظام الأسد ولا مع الدول التي تمحضه دعمها وتأييدها الكاملين، لسبب بسيط هو قوله بوجود «أزمة» في سورية وليس ثورة شعبية شاملة يواجهها النظام بحرب ابادة شاملة أيضاً.

من هنا يجب أن تكون البداية، وبصراحة وجلاء هذه المرة، وإلا فلن تكون محصلة ما يقوم به الابراهيمي في مهمته الحالية مختلفة عن النتيجة التي انتهت اليها المهمتان السابقتان. وللتذكير، لم تكن المبادرة الخليجية في اليمن لتصل الى نهاية ناجحة، وقبلها مبادرة الأمم المتحدة وحلف شمالي الاطلسي في ليبيا، لو لم تكونا صريحتين وبالغتي الوضوح منذ البداية: العمل على تغيير النظامين في البلدين، بتنحي رأس السلطة وتسليمها الى نائبه في الأولى وإسقاط هذا الرأس ومنعه من قتل شعبه في الثانية.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى