صفحات العالم

مقالات تناولت مهمة الابراهيمي

الاثنين

لكـي ينجـح الأخضـر الإبراهيمـي فـي فتــح البــاب لإنقـاذ سوريـا

طلال سلمان

يستحق الأخضر الإبراهيمي التحية على «عناده» وإصراره على الاستمرار في تأدية مهمته الدقيقة التي قد تشكّل الفرصة الأخيرة لإنقاذ سوريا مما يتهددها من أخطار تتجاوز نظامها إلى وحدة شعبها وكيانها السياسي.

ليس مخطئاً التقدير أن «سي الأخضر» يؤدي مهمته على حافة الاستحالة بوصفها واجباً قومياً، قبل أن تكون تكليفاً دولياً بمهمة فائقة الأهمية، عربياً ودولياً بل وإنسانياً قبل السياسة وبعدها.

وليس سراً أن هذا الدبلوماسي العربي العريق الذي استولدته ثورة الجزائر وعاش في قاهرة جمال عبد الناصر وهي تبني مصر القلعة العربية للصمود وتحقق للعرب مكانتهم في الدنيا، يقاتل الآن على جبهات عدة من أجل استنقاذ مهمته التي قد تفتح الباب لحل سياسي للمأساة القومية التي تعصف بسوريا وتتهددها، شعباً رائداً في نضال أمته ودولة كان لها دورها الحاكم في العديد من محطات العمل السياسي العربي.

… وهو يقاتل الآن في سوريا ومن أجل سوريا: يختلف مع نظامها في تقدير الموقف، ويحاول استنقاذ وحدتها التي تعاني الآن من تصدعات خطيرة تهدد كيانها السياسي، أي دولتها التي تحولت إلى «جهات» و«مناطق» و«أقاليم» و«أرياف» ومدن مدمرة أو على وشك أن تدمّر…

إن بين شروط نجاح الإبراهيمي، في مهمته أن يعترف النظام بأنه قد ارتكب أخطاء فادحة بل خطايا مميتة في معالجته للأزمة التي بدأت محدودة وإن أنذرت بانفجار مدمر… لا سيما أن الأخطاء قد فتحت ثغرات وفجوات واسعة في «البلاد» يسّرت لكل صاحب غرض ولكل مخاصم في السياسة أو في المصالح أن ينفذ منها إلى «الداخل» فيحرّض ويقدّم الدعم المباشر، مالاً وسلاحاً ومراكز تدريب وملاجئ آمنة لكل معارض وأي معارض، متجاوزاً الداخل إلى سوريي الشتات، ومستقطباً كل خصوم النظام سواء من أركانه السابقين أو من المتضررين من وجوده، أو خاصة أولئك الذين خسرهم النظام ممن كابروا فظلوا قريبين منه يحاولون نصحه، إدراكاً منهم للخطر الذي يتهدد سوريا في وحدة شعبها ودولتها قبل نظامها وبعده.

ويعرف الأخضر الإبراهيمي أن النظام كان يحظى، عند انفجار الأزمة التي باتت الآن أقرب إلى الحرب الأهلية، برعاية استثنائية من قبل أطراف انقلبت عليه واندفعت تموّل وتجمع أشتات المعارضة وتسلّحها في معركة محمومة لإسقاطه، من دون أن تتوقف ـ للحظة ـ أمام خطر تفكك «الدولة» في سوريا، وانفراط عقد شعبها الموحّد إلى أشتات من الطوائف والمذاهب والعناصر والأعراق، وهو الذي كان مضرب المثل في صلابة وحدته الوطنية وفي اندفاعه إلى تلبية نداء الواجب القومي في أية أرض عربية… ويتذكر سي الأخضر بالتأكيد أن ألوفاً من شباب سوريا قد اندفعوا متطوعين إلى الجزائر ليساهموا في حركة تعريب المناهج ثم في تدريس طلابها الذين عرفوا استقلال الوطن قبل أن يعرفوا القراءة والكتابة بلغتهم ـ الأم، الأصلية.

ومع انه لا أعذار للنظام الذي تراجع عن الإصلاح الموعود إلى المواجهة، في أنه يقاتل الآن في قلب دمشق وحلب وحماه وحمص ودير الزور ودرعا وبانياس وسائر أنحاء سوريا.

لقد كان الخطأ في الداخل هو الباب الذي دخل منه «الخارج»… وقد توسّل هذا الخارج خطايا النظام، وأخطرها أنه رفض مبدأ الحوار مع معارضة وطنية لها تاريخها في النضال من أجل رفعة سوريا ودورها القومي، ولها على النظام حقها في الدور لأنها طالما حمته ودافعت عن أخطائه، مفيدة من رصيدها الفكري والثقافي في دنيا العرب.

لقد تصرف النظام، ومنذ اللحظة الأولى، أنه هو المستهدف، وليست سوريا، وكان رد فعله «كيدياً» و«ثأرياً»، وكأن المعارضة ـ أي معارضة وكل معارضة ـ تنتقص من شرعيته… وتسبب هذا السلوك في استعداء قوى وهيئات لم تكن بعيدة عن النظام أو معادية له.

ثم ذهب النظام إلى أبعد من ذلك فاستعدى كل من قال بضرورة الإصلاح، مع أنه ـ شخصياً ـ طالما تحدث عن أن نظامه بات عجوزاً، ولا بد من إصلاحه، وشكا من أنه لا يجد من يساعده على إنجاز هذه المهمة الوطنية الجليلة، في بلاد لا تشكو نقصاً في الكفاءات، ولا يتأخر شعبها عن التضحية من أجل حرية الوطن واستقلال قراره ومكانته عربياً ودولياً.

ولقد باتت المهمة الآن استنقاذ سوريا، دولتها ووحدة شعبها ودورها في محيطها، أكثر مما هي استنقاذ للنظام… فالمعارضات التي تقاتل الآن في معظم أنحاء سوريا لا تهتم لوحدة الوطن ودولته، ولا تتوقف لحظة لتدرأ خطر الفتنة عن شعبها الذي واجه قوى الاستعمار والضغوط الأجنبية وبقي موحداً.

من هنا فإن أخطر ما يواجه الأخضر الإبراهيمي الآن أن يعتبر النظام أن وجوده أهم من وجود سوريا شعباً موحداً، ودولة ذات دور أساسي في منطقتها.

وإذا كانت بعض الدول العربية التي طالما أشادت بالنظام السوري، باعتباره حامي البوابة الخليجية، ودعمته في بعض مواجهاته مع الخارج، قد انقلبت عليه واندفعت تقاتله بذرائع فيها خليط عجيب من الطوائفية والمذهبية وادعاء الحرص على الإصلاح والديموقراطية، فإن تلك الدول ما كانت لتجرؤ على شن هذه الحرب لو أن النظام قد احتمى بشعبه بدل أن يواجهه.

ولأننا، ومن خلال تجربتنا مع الأخضر الإبراهيمي، نعرف طبيعة الرجل، ونعرف أسلوبه في العمل، وعناده وهو يسعى إلى التسوية التي يرى فيها الإنقاذ، فإننا نقدّر إصراره على الاستمرار في مهمته التي لها عنوان واحد هو خلاص سوريا مما يتهددها من مخاطر في وجودها، كدولة، وفي وحدة شعبها الذي أعطى الأمة ـ بدولها المختلفة ـ أكثر بكثير مما أعطته.

إنها الفرصة الأخيرة لسوريا ـ الدولة والشعب قبل نظامها الذي فقد من رصيده بقدر ما فقدت سوريا من دورها ومكانتها ووحدتها الوطنية.

ومن أسف فإن فشل مهمة الإبراهيمي، ولأي سبب، سيكون بمثابة إعلان رسمي بسقوط سوريا الدولة والشعب في غمار حرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

… وبعدها سيكون الدور على دول المشرق عامة، وبينها لبنان الذي حاول فيه الأخضر الإبراهيمي ونجح، ثم خرب أهل النظام اللبناني ما كان نجح فيه هذا الديبلوماسي الذي يحتاج قدراً من الضباب لكي ينجز مهماته المستحيلة.

ولعل اتفاق جنيف هو «الضباب» الذي يفتح باب الحل لاستنقاذ سوريا.

السفير

الاثنين

الإبراهيمي يصل إلى دمشق برا

طارق الحميد

العنوان الأبرز والرئيسي لزيارة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، يوم أمس، هو وصوله إلى دمشق عن طريق البر قادما من لبنان، وليس عبر مطار دمشق الدولي. وهذه المعلومة بحد ذاتها تبين أين وصلت الأوضاع على الأرض في سوريا، وما ستؤول إليه زيارة الإبراهيمي.

وبالطبع، فإن وصول السيد الإبراهيمي إلى دمشق برا ليس الملاحظة الوحيدة، بل أيضا ما قاله وزير الإعلام الأسدي خلال مؤتمر صحافي عقده في دمشق وقال فيه إنه لا علم له بزيارة الإبراهيمي إلى سوريا، وهذا كله يقول لنا إن الأمور في دمشق ليست صعبة ومعقدة، بل هي خارج نطاق سيطرة النظام، بل إن هناك معلومات تتردد عن أن زيارة الإبراهيمي تأخرت حتى يتسنى تأمين محيط القصر الذي يعتقد أن بشار الأسد كان خارجه طوال الأيام الماضية، وإذا تأكدت هذه المعلومات، وخصوصا أن الأيام الماضية شهدت معارك في محيط القصر، فإن ذلك يعني أن فرص التفاوض بين المبعوث الأممي والأسد ستكون محدودة، ولا يمكن توقع الكثير منها.

الواضح، ومن وصول الإبراهيمي إلى سوريا برا، وعدم علم وزير الإعلام الأسدي أساسا بوصوله، وأمور أخرى بالطبع، أنه ليس لدى الأسد خيارات كثيرة، أو مزيد من المساحة للمناورة، وبالتأكيد أن السيد الإبراهيمي يدرك هذا الأمر عندما يتحدث للأسد، وإن كان السيد الإبراهيمي نفسه سبق أن قال في مقابلة مهمة له مع التلفزيوني الأميركي الشهير تشارلي روز، إنه عندما يتحدث مع الأسد فهو لا يقول له ما يجب، وما لا يجب فعله، وإنما يتحدث له حول نظرة الخارج للأوضاع في سوريا، وما هو التقييم الدولي، ثم يستمع له، أي للأسد، وذلك ليتسنى لطاغية دمشق فهم الصورة الكبرى، ومحاولة معرفة كيف يفكر العالم، والحقيقة أنه لم يعد هناك مساحة من الوقت في التعامل مع الأسد عن بعد، كما لا يمكن مطالبة الإبراهيمي بأن يصرخ في وجه الأسد، فإذا لم يستوعب طاغية دمشق الأوضاع من حوله، وأن المبعوث الأممي لم يستطع حتى نزول مطار دمشق، فحينها لا فائدة أصلا من إقناع الأسد بأي شيء لأنه من المعضلات شرح الواضحات! وفي تاريخنا الحديث نماذج لا تنسى من طغاة رأوا الطوفان يجتاحهم لكنهم كابروا تماما؛ رأينا صدام حسين، ومعمر القذافي، كأبسط مثال، وهناك آخرون يكابرون لليوم، ومنهم الأسد.

لذا فإنه لا شيء متوقع من زيارة الأخضر الإبراهيمي لسوريا، ولقاء الأسد، وذلك ليس انتقاصا من جهود المبعوث الأممي، بل بسبب مكابرة الأسد، الذي لن نتوقع منه التنحي طوعا، ومن هنا فإن زيارة الإبراهيمي ستكون من باب أنه حاول، وقام بكل ما بوسعه، لإسقاط حجج المتلكئين مثل الروس، لكن الإشكالية المحزنة أن تضييع الوقت هذا ينتج عنه، ومنذ فترة زمنية غير قصيرة، ما يزيد على مائة قتيل سوري يوميا، وكأنه لا قيمة لأرواح السوريين!

وعليه، فإذا كان الجواب «باين من عنوانه»، كما يقال، فإن زيارة الإبراهيمي واضحة نتائجها ومن خلال الطريق الذي سلكه لمقابلة الأسد في دمشق، حيث لا جديد ينتظر، اللهم إلا إضاعة وقت وأرواح، للأسف!

الشرق الأوسط

الثلاثاء

الحل المستحيل

    امين قمورية

بعد نحو سنتين من انطلاق الحراك في سوريا، يتأكد عقم الحل الامني الذي لم يكن من شأنه إلا تدمير البلد الذي صار فعلا خرابا.

الحسم العسكري من جانب النظام السوري بات مستحيلا، وهذا ما اعترف به صراحة نائب الرئيس فاروق الشرع قبل ايام. ولهاث المعارضة وراء السلاح  كان على مايبدو اسوأ الخيارات، اذ يتأكد يوماً بعد يوم خطأ نظرية “عسكرة الثورة” التي لم تخفف وطأة الكلفة الباهظة بشريا وماديا، لا بل دفعتها صعودا الى ذروة الخسارة التي ينوء تحتها اي شعب.

  خريطة الميدان لا توحي بقرب الحسم. صحيح ان النظام لا يزال يمتلك اكبر قوة عسكرية على الارض ويحظى بدعم فئات ودول عدة، لكنه حتما فقد زمام المبادرة من زمان. وصحيح ان قوات المعارضة تسيطر على مساحات واسعة من البلاد، لكنها لا يمكن ان تدعي السيطرة الكاملة على المدن الرئيسية التي يجري فيها القتال بين مد وجزر.

طوال 21 شهرا من القتال لم تشهد الساحة السورية وقفاً للنار، ولا هدنة استراح خلالها المتقاتلون لالتقاط الأنفاس. لم يكفّ الجيش عن تنفيذ عملياته العسكرية

في طول البلاد وعرضها، ولا تراجع تدفق المسلحين والمقاتلين ولا توقف نهر الدم والدمار. كلا الطرفين يرفض الحوار والجلوس الى طاولته وكلاهما يزداد شراسة.

وبينما المجتمع الدولي يتحدث عن حل او تسوية للازمة، تجد سوريا غارقة في القتال حتى النخاع. الخارج في واد والداخل في واد، فاما ان اللاعبين الكبار عاجزون عن وقف القتال واما ان الجميع منخرطون في لعبة التدمير والخراب، وهذا هو الارجح.

حال الحل السياسي ليس افضل من حال الحل الامني، التفاهم الروسي – الاميركي في جنيف لم يوضع بعد على السكة الصحيحة. كل طرف يتهم الطرف الآخر بنقضه. وفي الداخل ثمة سؤال لا جواب عنه عن ماهية الضمانات المقنعة والتي يمكن توفيرها للذين يقفون إلى جانب النظام من أجل التفكير في التخلي عنه، وفي المقابل ثمة اصرار من الطرف المعارض على رفض اي دور لرأس النظام في المرحلة الانتقالية وخصوصا في المرحلة التي ستليها.

في ظل مناخات كهذه، ليس مستغربا ان يغادر الابرهيمي دمشق من دون جواب حاسم عن خطته لحل يبدو مستحيلا اليوم.

الخوف، ان تكون زيارة الممثل الدولي والعربي هي الاخيرة لأرض سوريا تاركا اياها ملعبا رومانيا مفتوحا لاكثر انواع المصارعات شراسة وبشاعة.

النهار

الاثنين

الإبراهيمي هل ينتهي بالتنحي أم… بإقناع الأسد؟

جورج سمعان

المواقف اليومية التي يطلقها المسؤولون الروس في شأن القضية سورية لا تحتمل تأويلين. تحتل هذه القضية سلم أولويات موسكو. بخلاف ما عليه الوضع في الولايات المتحدة التي يبدو أنها دفعت بريطانيا إلى تولي هذا الملف نيابة عنها وعن الاتحاد الأوروبـــي. والجديد في هذا المجال إعلان وزير الخارجية سيرغي لافروف أن بلاده والصين ستعجزان عن إقناع الرئيس بشار الأسد بالتنحي. وما يسبغ أهمية استـــثنائية على هذا الموقف أنه جاء عشية وصول الأخضر الإبراهيمي إلى دمشق لمـــقابلة الرئيـــس. وفي جعبته كما هو متوقع خريطة طريق لتنفيذ اتفاق جنيف الذي يقضي أول ما يقضي بقيام حكومة انتقالية تتـــمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة. ما يعني في نظام رئاسي أنها تأخذ هذه الصلاحيات من رأس النظام لكف يده ثم البحث في تنحيته وتوقيت رحيله!

وأن يتوقع لافروف ألا يفوز أحد من طرفي الصراع أمر ليس جديداً. الإصرار على الحسم العسكري يعني ببساطة خسارة الجميع سورية. فالخريطة في الميدان لا توحي بقرب الحسم، بخلاف ما يتوقع كثيرون. صحيح أن قوات المعارضة تسيطر على مساحات واسعة من البلاد، لكنها لا يمكن أن تدعي السيطرة الكاملة على المدن الرئيسة التي يجرى فيها القتال بين مد وجزر، من حلب إلى دمشق، مروراً بإدلب وحماة وحمص وصولاً إلى درعا ودير الزور وغيرهما. وعلى الجبهة السياسية يتساوى النظام والمعارضة في رفض الحوار والبحث عن حل سياسي. النظام يجد نفسه ربما أسير المجموعة التي تدير المعركة على الأرض ولن تلقي السلاح لأن الثمن سيكون بالتأكيد رأسها فيما رأس النظام قد تتوافر له الضمانات المطلوبة. وكذلك لا تجد المعارضة السياسية، داخل الائتلاف وخارجه مفراً من مراعاة كثير من الفصائل المقاتلة التي ترفض أي بحث قبل رأس النظام بأكمله ورموزه كافة.

والواضح على المستوى الدولي أن اللاعبين الكبار عـــاجزون عــن وقـــف القتال. بينما تتحدث الدوائر الأممية عن حرب أهلية، وتحذر من أعمال ثأر وانتقامات تطاول الـــطائفة العلوية وأقليات أخرى، إذا انهارت الدولة والمؤسسة العسكرية. كما أن الكرملـين يعبـــر تكراراً عن مخاوفه من أن تعم الفوضى في سورية، وما تحمله من تداعيات سلبية في الإقليم المحاذي لحدود روسيا الجنوبيـــة. ويـــحذر أيضاً من وصول الإسلاميين إلى السلطة، ما قد يبعث الحرارة في قضية الشيشان وغيرها من دول أسيا الوسطى التي لم تهدأ فيها الحركة الإسلامية المطالبة بالسلطة.

ولا حاجة إلى التذكير بالاصطفاف الإقليمي الحاد الذي يترجم بين حين وآخر مبادرة للحل من هنا ومبادرة من هناك، تارة من أنقرة وطوراً من طهران، أو القاهرة أو هذه العاصمة الخليجية وتلك. فكل هذه العواصم تجد نفسها وسط المعمعة القائمة علناً أو اختباء وراء شعار «النأي بالنفس». ليس ممكناً التعمية أو التغطية على الطابع المذهبي للصراع في الداخل السوري وفي الإقليم كله. فليس خافياً التوتر بين دول مجلس التعاون وعدد من الدول العربية من جهة وإيران من جهة أخرى. ولا يمكن تجاهل الاستنفار بين تركيا وإيران والذي يترجم يومياً بالواسطة مزيداً من التوتر بين أنقرة وبغداد. ولا يقف الأمر عند هذه التمددات للساحة السورية، فالقضية الكردية تبقى في قلب الأحداث على طول الانتشار الكردي في المنطقة. حتى لا نتحدث عن شرارات النار التي تنذر بإشعال العراق ولبنان والأردن، وتخلف حرارة مرتفعة في النسيج التركي، وحساسية بالغة بين علويي التخوم واللاجئين السوريين.

مرّ حوالى ستة أشهر على اتفاق جنيف، وهي مدة يجب أن تكون كافية ليقتنع جميع اللاعبين بخطأ رهاناتهم على الحسم العسكري من أجل العودة إلى الطاولة بحثاً عن حل سياسي يقي سورية وجيرانها الفوضى الكاملة. والسؤال هل يستطيع الإبراهيمي أن يسوق خريطة طريق ترضى بها الأطراف الدولية والإقليمية، فضلاً عن طرفي الصراع الداخلي؟ عندما يحذر مسؤول في الأمم المتحدة من إمكان تعرض الطائفة العلوية وأقليات أخرى لعمليات انتقامية، إذا انهار الجيش وسقط النظام، فإن تحذيره دعوة واضحة إلى وجوب توفير ضمانات مقنعة للذين يقفون إلى جانب النظام من أجل التفكير في التخلي عنه.

كانت هناك مداولات منذ نهاية العام الماضي، قبل أن يستفحل القتال ويصل إلى ما وصل إليه، بحثاً عن صيغة حكم ما بعد رحيل النظام، تلحظ ما يشبه القائم في لبنان والعراق. أي المحاصصة التي لا تحرم الأقليات من مواقعها في القرار والإدارات والمؤسسات. لكن وحشية القتال وآلة التدمير الممنهج أطاحتا مثل هذه المحاولات التي لم يعد لها مكان وسط هدير المقاتلات والدبابات والصواريخ. ولا يخفى أن الفِرق المتشددة في صفوف المعارضة تمد المجموعات المحيطة برأس النظام بأسباب التمسك بالحكم القائم. لذلك، فإن الهدف من بدء المسار السياسي هو إيجاد صيغة حكم تشرك كل مكونات المجتمع السوري في مرحلة ما بعد الأسد. من دون التفاهم على هذه المرحلة يصعب إقناع الملتفين حول النظام بالتخلي عنه. إن عجز القوات النظامية ومقاتلي المعارضة عن الحسم العسكري يجب أن يدفع بالطرفين إلى البحث عن مخرج سياسي. وإذا كانت هناك قوى ومكونات لا تزال تقف إلى جانب النظام فإن مسؤولية الائتلاف المعارض والمجلس العسكري لـ «الجيش الحر» تنقية المجموعات المسلحة من العناصر التي تشكل مصدر قلق للأقليات. وأن يثبتا قدرتهما على الإمساك بالأرض. مثـــل هـــذه الرسالة يمكن أن يساعد على إطلاق العملية السياسية وتوجيه الضغط على الرئيس الأسد لإخلاء موقعه مع المجموعة الــضيقة التي لا يــروق لها أي حــل يــكون عــلى حـسابها بالتــأكــيد.

لقد فتحت واشنطن الطريق أمام تفاهم لا يلحظ دوراً للمتشددين الذين ارتكبوا أو يمكن أن يرتكبوا جرائم حرب وأعمالاً إرهابية. ووضعت «جماعة النصرة» على لائحة الإرهاب. ومثلها موسكو عبرت عن عدم اهتمام برأس النظام، مشددة على مستقبل البلاد. وتبدي العاصمتان حرصاً على عدم سقوط سورية في الفوضى الكاملة لأن ذلك سيشكل أخطاراً كبيرة لا يكف المجتمع الدولي عن التحذير منها. لذلك، لم يعد أمام الإبراهيمي متسع من الوقت. لن يكون بإمكانه بعد اليوم التريث والانتظار أياً كان جواب الرئيس الأسد على خطته. سيتحمل المجتمع الدولي برمته مسؤولية التداعيات وليس روسيا وأميركا وحدهما، مثلما سيتحملها النظام و«أهله» والمعارضة بأطيافها كافة.

مهمة الإبراهيمي هنا أن يقدم خطته امتحاناً لمدى صدق رغبة الدول صاحبة اتفاق جنيف وجديتها، لئلا نقول اختباراً لما يشاع عن تفاهم روسي – أميركي على الحل. بالطبع لن تحظى الخطة برضا جميع المتصارعين على الأرض. لكن قيام حكومة موقتة من شخصيات وطنية وقيام مجلس عسكري موحد للفِرق المقاتلة، وتوفير موازنة معقولة لهما، يمكن أن تؤدي إلى عزل المتطرفين في كلا الجانبين والدفع نحو مرحلة انتقالية تمهد لانتخابات تنبع منها سلطات تعيد صوغ دستور جديد للبلاد يحافظ على كل مكوناتها ومؤسساتها. وغير ذلك يعني تدمير ما بقي من سورية.

لا يحتاج الإبراهيمي إلى شرح لإقناع الأسد بأن الحسم العسكري مستحيل. لقد اعترف بذلك صراحة نائب الرئيس فاروق الشرع قبل أيام؟ حتى وإن اعتبر بعضهم خروج الشرع عن صمته خطوة إيرانية للرد على المواقف الروسية الأخيرة، فإنه يستحيل أن يكون الرئيس نفسه بعيداً من المواقف التي أطلقها نائبه. لعلها بالون اختبار طرحها الرئيس من أجل درس ردود الفعل المتوقعة. وأياً يكن الأمر فرأس النظام يعي تماماً استحالة بقائه نتيجة أي تسوية سياسية. فليس هناك طرف واحد معارض يقبل بحل من هذا النوع. وهنا المعضلة التي واجهها الروس ودفعتهم إلى تبديل موقفهم المشروط بقبول المعارضة الجلوس إلى طاولة حوار للبحث أولاً في «اليوم الـــتالي»… على رغم عدم يقينهم بالقـــدرة على إقناع الأسد بالتخلي عن السلطة! فهل تنتهي كل هذه الحركة الديبلوماسية النشطة والمــواقف المتضاربة والمرتبكة والغامضة باقتناع الممثل الأممي – العربي الخاص بوجوب التنحي والتخلي عن مهــمته أم… باقتناع الأسد؟ إنهــا الـفرصة الأخــيرة قبل سقوط سورية ومعها الإقليم كله في الفوضى الشاملة.

الجياة

الإبراهيمي إلى موسكو لعل بوتين يشارك في إيجاد الحل

سليم نصار *

نشرت لجنة تابعة للأمم المتحدة هذا الأسبوع، تقريراً أجراه محققون حول الوضع في سورية، جاء فيه أن النزاع في هذا البلد أصبح طائفياً بشكل واضح. وذكر التقرير أن التوتر يُظهر، بما لا يقبل الشك، أن القتال قد انحرف عن خطه السابق بحيث تحول إلى خطر على الوجود بين الطوائف المتناحرة.

وفي هذا السياق، خلص أحدث تقرير لمحققين تابعين للأمم المتحدة، إلى أن النزاع في سورية بدأ يأخذ طابعاً طائفياً متزايداً. واتهم القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها باستهداف المدنيين السنّة، فيما اتهم القوات المعارضة للنظام باستهداف العلويين والأقليات الموالية للحكم.

وتشير تلك التقارير إلى الهجرة الصامتة التي بدأت في أوساط المسيحيين السوريين الذين يتخوفون من هجمات ضدهم، كتلك التي نفذتها «القاعدة» ضد مسيحيي العراق خلال السنوات الأخيرة.

وكانت شخصيات من أمثال المبعوث الأممي-العربي الأخضر الإبراهيمي، وأمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، وأمين عام المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو… قد حذرت من أن سورية بدأت تنزلق إلى حرب أهلية بين الطوائف، لذلك دعت إلى الحوار بين الدولة والمعارضة من أجل إيجاد حل وطني.

وهذا ما طالب بتنفيذه نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، الذي أكد في حديث لصحيفة «الأخبار» اللبنانية، أن أياً من نظام بشار الأسد أو معارضيه غير قادر على حسم الأمور عسكرياً في النزاع المستمر منذ 21 شهراً. ودعا الشرع -الذي اقترحته تركيا لتولي مسؤولية المرحلة الانتقالية- الى وقف كل أشكال العنف وتأليف حكومة وطنية تكون مسلحة بصلاحيات واسعة. ووصف مهمة تلك الحكومة بالانفتاح على كل المبادرات التي من شأنها إنهاء الأزمة بالحوار والطرق السياسية السلمية.

وهذا ما طالب بتحقيقه بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي، داعياً الى نبذ العنف واللجوء إلى الحوار. وقال البطريرك في مؤتمره الصحافي الأول الذي عقده في دمشق: «نحن نؤمن بأن وجه المسيح لن يغيب عن المنطقة التي انطلقت منها المسيحية. لقد كنا موجودين في هذه البلاد… وسنبقى فيها -مسيحيين ومسلمين- نواجه الصعوبات معاً، ونعمل على تجاوزها بالحوار المثمر».

ويشكل الأرثوذكس غاليبة المسيحيين في سورية، البالغ عددهم زهاء مليون و800 ألف نسمة. وقد تعرضت هذه الطائفة لسلسلة أحداث دموية كان أبرزها اغتيال الأب فادي حداد، كاهن كنيسة مار الياس في قطنا.

ووفق بيانات «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، فإن الأب حداد كان يقوم بمهمة إنسانية لتحرير مخطوفين، عندما خطفه مسلحون وذبحوه من الوريد إلى الوريد، ورموا جثته في بلدة «دروشة» القريبة من دمشق.

بيان الإستنكار الذي أصدرته الطوائف المسيحية تحاشى لهجة الانتقام والاقتتال الطائفي، وشدد على إدانة الحادثة باعتبارها عملاً همجياً يمسّ كل مواطن سوري. وأشار البيان إلى أيدٍ أجنبية دخيلة تقف وراء حدث يمكن توظيفه طائفياً لتأجيج النزاع وزيادة حدته. والهدف – كما لمّحت التصريحات- يقود إلى تخويف المسيحيين وإرهابهم بحيث يغادرون البلاد إلى غير رجعة.

والثابت تاريخياً أن مسيحيي سورية لعبوا أدواراً سياسية وثقافية واقتصادية يصعب إنكارها أو تجاهلها، ففي مرحلة الانتداب الفرنسي مثلاً، شارك المسيحيون في حركات النضال التي أدت إلى طرد الغزاة واستعادة الاستقلال والسيادة. ومن أبرز شخصيات تلك المرحلة فارس الخوري (وهو من بلدة الكفير في جنوب لبنان) الذي اختير أول رئيس وزراء لحكومة الاستقلال. وكذلك ميشال عفلق، أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي.

ويقول المؤرخون إن عدد المسيحيين في سورية قد ازداد عقب المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن الذين لجأوا إلى حلب وجوارها بحثاً عن الأمن والحماية. وفي مرحلة لاحقة هرب عدد كبير من الأشوريين إلى سورية (منطقة الجزيرة) بعدما اضطهدهم العراقيون وقاموا بإبعادهم.

أما اليوم، فإن «الربيع العربي» في سورية بدأ في 15 آذار (مارس) 2011 بإضرابات سلمية غير مسلحة، بهدف تأمين عيش كريم والتخلص من تسلط نظام الحزب الواحد مدة تزيد على نصف قرن، ولكنه انتهى بعد 21 شهراً إلى خلافات طائفية -بل مذهبية وعنصرية- قد تؤثر على نسيجه الوطني وتفكك عناصر لحمته.

وفي هذا الشأن، يقول تقرير الأمم المتحدة: «إن النزاع يؤثر على كل الأقليات في سورية، بمن فيها المسيحيون والأكراد والتركمان. ومثل هذا التطور المفاجئ دفع هذه الأقليات إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسها. كما أجبر بعضها على الانحياز إلى أي من الطرفين المتحاربين».

ومن المؤكد أن عمليات القصف الجوي لمخيم اليرموك قد زادت من حدة الشرخ الوطني، خصوصاً بعد نزوح عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، هرباً من الغارات المتواصلة التي استهدفتهم على مرحلتين. وفسرت دمشق تلك الغارات بأنها نوع من التأديب لجماعة «فتح» و «حماس» ومختلف الحركات المؤيدة لمحمود عباس وخالد مشعل. وقالت إن التظاهرات التي خرجت من المخيم لا تدل على الوفاء لدولة احتضنتهم وعاملتهم معاملة المواطنين.

ولكن معارضي النظام السوري في لبنان لم يقبلوا هذا التبرير، وقالوا إن دولة الأسد تسعى إلى تحميل لبنان كل المتاعب المتأتية عن مسؤولية مخيمات اللاجئين. والدليل أن وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد رفض استقبال ياسر عرفات ومجموعته المقاتلة الهاربة من الأردن سنة 1970، وأوصى بضرورة فتح طريق المصنع كي يسهل الدخول منها إلى لبنان. وبعد مرور أقل من سنتين، انفجر الوضع بين حزب الكتائب ومنظمة التحرير، كما انفجر الوضع أيضاً بين زهير محسن و «صاعقته» المنتمية إلى دمشق وبين القوى المؤيدة لعرفات. وبسبب تلك التناقضات السياسية، اشتعلت حرب 1975 في لبنان، الأمر الذي سهَّل دخول القوات السورية وبقاءها مدة ثلاثين سنة تقريباً.

وفي ضوء تلك الخطة التي دشنها حافظ الأسد سنة 1970، تظهر عمليات تفريغ مخيم اليرموك من سكانه الفلسطينيين، وإجبارهم على النزوح الى لبنان، كأنها تتمة لمشروع تفجير الوضع اللبناني برمته. ومن المتوقع أن يكون فتيل التفجير مبرمجاً عقب انهيار النظام السوري وازدياد الأعداد الهاربة من مخيم اليرموك، بحيث يشعر الشيعة في لبنان أن الميزان الديموغرافي لم يعد يعمل لصالحهم.

يوم السابع عشر من هذا الشهر، عقد في السراي الحكومية في بيروت اجتماع ثانٍ برئاسة نجيب ميقاتي رئيس الحكومة، حضره ممثلون عن الدول والهيئات المانحة. كانت الغاية من ذلك الاجتماع وضع خطة، بالتعاون مع الأمم المتحدة، تقضي بمشاركة المنظمات الإنسانية والهيئة العليا للإغاثة. لكن استغاثة الحكومة اللبنانية لم توقف موجات اللجوء من مخيم اليرموك. والدليل أن أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، حذر من تحويل سورية إلى ساحة قتال إقليمية، مثلما كانت إسبانيا آخر الثلاثينات. وقال أيضاً إنه يشعر بقلق عميق من العسكرة المتواصلة للنزاع والانتهاكات المقيتة لحقوق الإنسان، وخطر تحول سورية إلى ساحة اقتتال إقليمية. ودعا الأسرة الدولية إلى دعم جهود المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية الأخضر الإبراهيمي. ولكن تركيا لم تقبل بهذا الاقتراح. وأعلن وزير خارجيتها داود اوغلو: «إن الحل العملي يبدأ بعملية انتقال السلطة وفقاً للمطالب المشروعة للشعب السوري. ولكي يحصل هذا الأمر، يجب على الأسد وعشيرته (يعني العلويين) ترك السلطة في المقام الأول، وتمهيد الطريق للتوصل الى حل سياسي. ذلك أنه لم يعد ممكناً للأسد أن يشارك في أي حل سياسي. وقد أعلنت المعارضة الممثلة بالائتلاف الوطني السوري أنها لن تتفاوض مع النظام».

وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف اتهم نظيره التركي والإدارة الأميركية بتجاهل مقررات مؤتمر جنيف، وما تضمنته من حرص روسيا والصين على احترام كرامة الرئيس بشار الأسد والمحافظة على سلامة عائلته. كذلك ذكر البند الأول من وثيقة جنيف، اهتمام موسكو وبكين بضرورة مشاركة الأسد في عملية التغيير، على ضوء ما تحدده الانتخابات العامة التي تجري بإشراف مراقبين من مختلف الدول العربية والأجنبية.

استناداً إلى تجربته السابقة خلال الحرب اللبنانية، يحاول الأخضر الإبراهيمي ألا يحرق أصابعه بنيران التسوية الدولية التي ضمنت له في «الطائف» نجاحاً باهراً. ومن المؤكد أنه عرض على الرئيس بشار الأسد حلاًّ تطالب به المعارضة، يبدأ بتنحيه عن الحكم. ومن المؤكد أيضاً أن الأسد كرر أمامه ما قاله لقناة «روسيا اليوم»: «أنا لست دمية، ولم يصنعني الغرب كي أذهب الى الغرب أو أي بلد آخر. أنا سوري. أنا من صنع سورية. وسأعيش وأموت في سورية».

وفهم الإبراهيمي عبر هذا الكلام، أن تسوية المرحلة الانتقالية لا تتم من دون موافقة الأسد، كما أنها في الوقت ذاته لا تتم من دون موافقة جبهة المعارضة ومَنْ يدعمها من قوى خارجية وعربية، ولهذا قرر الانتقال إلى موسكو لعله يُقنع فلاديمير بوتين بالتدخل العاجل في مسألة يصعب تأجيلها الى حين حلحلة الأمور مع الولايات المتحدة. خصوصاً أن بوتين كان قد حذر من مخاطر المماطلة عندما قال: «نحن مع التوصل إلى حل للمشكلة ينقذ المنطقة والبلاد من التفكك أولاً… ومن حرب أهلية لا تنتهي ثانياً. موقفنا ليس الاحتفاظ بالأسد ونظامه في السلطة بأي ثمن».

وبناء على هذا الموقف، ينتقل الإبراهيمي إلى موسكو لعل الرئيس الروسي يتدخل لرسم خطوط التسوية… قبل أن يتدخل نظيره الأميركي لرسم خطوط الحل على طريقة كلينتون، الذي حسم بتدخله مصير حرب البلقان!

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

إحياء خطة جنيف لسورية أو تجاوزها

وليد شقير

كالعادة، استقبل النظام في سورية الممثل الخاص الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي بالمجازر المروعة في حلفايا وريف حماة وحلب والرقة ودير الزور وريف دمشق، وبمزيد من التدمير الممنهج، لإبلاغ من يجب أنه لن يتراجع قيد أنملة، مهما أظهر من استعداد للبحث في الأفكار التي طرحها عليه بإحالتها على لجنة من القيادة لدراستها، وأنه سيتمسك بالسلطة مهما كان الثمن، وأن تقدم معارضيه على الأرض لا يعني أنه غير قادر على الصمود وإلحاق الكثير من الأذى بهم وبالشرائح الاجتماعية والشعبية التي يسيطرون عليها بحيث تستحيل البلاد دماراً وأرضاً مخضبة بدماء الأبرياء لاستدراج ردود الفعل الطائفية.

وهو ودّع الإبراهيمي بمثل ما استقبله. وسيرافقه خلال زيارته موسكو غداً بالأنباء المروعة، وبفزّاعة الحرب الأهلية التي نجح على مدى 21 شهراً من الأزمة في إرساء أساسها الميداني، رداً على فكرة الحكومة الانتقالية «الكاملة الصلاحيات» التي اقترحها عليه الثلثاء الماضي، والمستمدة من التفاهم الأميركي – الروسي على صيغة تنفيذية لخطة «مجموعة العمل من أجل سورية» التي أقرت في جنيف في 30 حزيران (يونيو) الماضي، ولم تجد طريقها الى التنفيذ بسبب رفض الأسد ترجمتها الى أفعال، ما أدى الى استقالة المبعوث السابق كوفي أنان في تموز (يوليو) الماضي، وإلى سحب المراقبين الدوليين، الذين تعرضوا للمضايقات من قوات النظام، على رغم أن خطة جنيف تدعو الى تأمين سلامتهم والتعاون معهم.

وإذا كان التوافق الغربي – الروسي على صيغة لترجمة خطة جنيف تعذر قبل 6 أشهر، فإن التقدم الذي أحرزته المعارضة كان عنصراً ضاغطاً هذه المرة، مع الإبراهيمي من أجل البحث عن المساحة الدولية المشتركة التي أصر عليها الديبلوماسي المحنك لمواصلة مهمته. بات المدافعون عن النظام يتحدثون عن عدم قدرة أي من الفريقين على الحسم، بعدما كانوا يقولون إن النظام سيحسم المعركة لمصلحته. حتى طهران باتت تقول إن «الاشتباكات العسكرية بلغت طريقاً مسدوداً» بعدما توقعت ومؤيدوها، خصوصاً «حزب الله»، انتهاء المعارك لمصلحة جيش الأسد وميليشياته. المراهنة على تفوّق النظام حالت دون ترجمة خطة جنيف بالمرحلة الانتقالية من دون الأسد لأن موسكو كانت، مثل طهران، مع مرحلة انتقالية باستمرار الأسد في السلطة حتى 2014. وتراجع هذه المراهنات على تفوق قواته على المعارضة واستعادته الأرض هو الذي أتاح اقتراح أفكار من النوع الذي طرحه الإبراهيمي على الأسد وتقضي بأن يوافق الرئيس السوري على أن تتولى الحكومة الانتقالية كل صلاحيات الدولة، بما يعني أن يبقى رئيساً لشهور قليلة من دون صلاحيات. وهي صيغة مركبة توفق بين موقف موسكو السابق بأن يكون الحل بوجود الأسد، وموقف الغرب بأن الحل يشمل تنحيه. وهو الحل الذي يشبه النموذج اليمني.

يدور الكثير من المناورات في وقت بلغت مهمة الإبراهيمي مرحلة مفصلية، عليها يتوقف إمكان تجديد الحياة في خطة جنيف، أو الإقرار بعدم صلاحيتها. الخيار الأول يجدد الحد الأدنى من التوافق الدولي الذي تحرص عليه موسكو وواشنطن، والثاني يجسد انتقال الصراع بينهما الى مرحلة جديدة. وهو خيار لا يبدو أن القوى العظمى تفضله. ولهذا السبب يمكن القول إن اقتراحات الإبراهيمي تشكل الوسيلة التي تضمن إحياء خطة جنيف التي كانت في حال «كوما» خلال الأشهر الستة الماضية. وما قول الإبراهيمي إن في خطة جنيف ما يكفي من العناصر إلا محاولة منه للقول إنه يمكن الانطلاق منها لاقتراح الحلول. فهي تنص في الفصل الثاني منها على «قيام جسم حكومي انتقالي يتمتع بسلطة تنفيذية كاملة تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى تتشكل برضى متبادل». وفي ما يخص إعلان الإبراهيمي أمس أن أفكاره تضمنت انتداب قوات حفظ سلام الى سورية، يذكر أن خطة جنيف نفسها كانت في الفصل الرابع منها أشارت الى أن مجموعة العمل الدولية ستقدم الدعم لتطبيق الاتفاق بين الأطراف (السوريين) و «هذا يمكن أن يشمل وجوداً دولياً مساعداً بانتداب من الأمم المتحدة إذا طُلب ذلك…». وحين يقول الإبراهيمي إن خطة جنيف قد تتطلب تعديلاً، فهذا قد يشمل هذه النقطة بالذات لتكون أكثر وضوحاً لجهة إرسال هذه القوات من دون أن يُطلَب ذلك (من السلطات السورية)، طالما أن الإبراهيمي قال إن البديل لعدم القبول بأفكاره هو إصدار قرار ملزم للأطراف السورية في مجلس الأمن.

أمام الإبراهيمي أيام صعبة لتحويل أفكاره الى سلة اتفاق دولي، لا سيما أن طهران قالت علناً إنه «لا يمكن تقديم أي حل خارج المبادرة الإيرانية» التي تقترح حواراً يقود الى لجنة مصالحة، توفر الأرضية لحكومة انتقالية، تبدو في المرتبة الثالثة من الخطوات التي تقترحها، قياساً الى ما يقترحه الإبراهيمي بالتنسيق مع موسكو وواشنطن.

هل يعني الاعتراض الإيراني أن الولوج الى مرحلة جديدة من إدارة الأزمة يتطلب نقلة جديدة في الأوضاع الميدانية، وتحديداً في دمشق مع ما يعنيه ذلك من مجازر جديدة ودمار فظيع؟

الحياة

السبت

الابرهيمي للأسد: اللعبة انتهت!

    راجح الخوري

أخيراً نطق الاخضر الابرهيمي عشر كلمات بعد ستة اشهر من “المهمة المستحيلة” الصابرة والصامتة، سقط خلالها أكثر من عشرة آلاف قتيل جديد ليقارب عدد الضحايا في سوريا المدمرة الخمسين ألفاً!

المهم انه نطق ومن دمشق، وانه لم يتردد في الدعوة الى ما كان يجب ان يبدأ بالدعوة اليه “حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تتولى السلطة في المرحلة الانتقالية التي يجب ان تنتهي بانتخابات إما ان تكون رئاسية إذا اتفق على ان النظام سيبقى كما هو، وإما برلمانية تختار الرئيس الجديد”. لم يتحدث عن بقاء الاسد او ذهابه لأنه كان يعلم تماماً ان فيصل المقداد الذي هرول الى موسكو التي يصلها هو اليوم، ارسل في مهمة اللحظة الاخيرة بحثاً عن مخرج لمستقبل الاسد لأن مبادرة “جنيف – 2” لم تلحظ هذا الأمر!

في الاساس لو لم تكن هناك مبادرة روسية – اميركية لما ركض المقداد الى موسكو مستبقاً الابرهيمي بحثاً عن منفذ يبقي الاسد ولو مرحلياً. ومعلوم ان المقداد نفسه كان قد حمل رسالة الى هوغو تشافيز تسلمها نائبه نيكولاس موروس تطلب اللجوء لعائلة الاسد، ولهذا فان نفي مبادرة “جنيف – 2” ليس اكثر من محاولة اخيرة لإيجاد مخرج لهذه المسألة، والدليل على هذا قول الابرهيمي وللمرة الأولى ما قد يشكل اعلاناً لنهاية حكم الاسد:

“ان التغيير المطلوب ليس ترميمياً ولا تجميلياً. الشعب السوري يحتاج ويتطلع الى تغيير حقيقي وهذا التغيير معناه مفهوم من الجميع”، والمقصود هنا تحديداً انه مفهوم من الاسد الذي لا معنى للتغيير مع بقائه لحظة واحدة كما تقول المعارضة!

لعل اكبر مؤشر على ان الاسد اوفد المقداد الى موسكو في محاولة أخيرة لتعديل محتوى التفاهم الاميركي – الروسي على المبادرة المذكورة قول الابرهيمي ان المقداد ” لم يذهب ليشرح كلامي، لا، كلامي أنا سأشرحه، هو ذهب ليشرح كلامه”، بما يعني ضمناً ان شرح الابرهيمي للمبادرة يختلف عن فهم الاسد لها الذي لجأ سريعاً الى موسكو كما قرع جرس الانذار في طهران عبر السفير احمد عرنوس!

وعندما تستقبل موسكو المقداد نافية وجود المبادرة ومعلنة انها لن تتخذ موقفاً قبل وصول الابرهيمي، ثم توجه الدعوة الى رئيس الائتلاف الوطني معاذ الخطيب للبحث في حل الازمة، فهذا يعني انه لم يعد ينقص “جنيف -2” سوى ترتيب مخرج للاسد ولبعض جماعة النظام. اما الحديث عن “الفوضى الاقليمية” التي تتهدد المنطقة وعن “لعنة سوريا” فلكي تسمع الدول المنخرطة في الازمة، واما الحديث عن الذهاب الى مجلس الأمن لاستصدار قرار ملزم فلكي يفهم الاسد ان اللعبة انتهت!

النهار

فشل الابراهيمي يرتّب تصعيداً مزدوجاً وضغط دولي لاستدراك الفرصة الأخيرة

    روزانا بومنصف

لا تعزل مصادر ديبلوماسية غربية المهمة الاخيرة للموفد العربي الدولي الى سوريا الاخضر الابرهيمي في لقائه الرئيس السوري بشار الاسد واركان نظامه في دمشق في هذا التوقيت عن جملة عوامل واهداف تحددها وفق الآتي: اولا ما يتصل بالتطورات السياسية التي حصلت في الشأن السوري والتي تمثلت في مؤتمر الدوحة الذي عقد الشهر الماضي وادى الى تجمع المعارضة من ضمن ائتلاف كبير سرعان ما حظي باعتراف على نطاق واسع بانه الممثل الشرعي للشعب السوري. وقد تكرس هذا الواقع في اجتماع اصدقاء سوريا الذي عقد في المغرب في 12 كانون الاول الجاري وتوجته واشنطن بالاعتراف بالائتلاف ايضا ممثلا شرعيا للشعب السوري في مؤشر على زيادة نسبة الضغط على النظام من اجل الاقرار بواقع مختلف عليه ان يتكيف معه. ثانيا ما يتصل باقامة ادارة عسكرية للمعارضة عمدت الى تنسيق العمليات العسكرية ويعتقد انها وراء تقدم حققته المعارضة المسلحة على الارض الى درجة وصولها الى ابواب دمشق مهددة الاسد في عقر داره. وقد رافق هاتين الخطوتين معلومات تحدثت عن مكاسب للمعارضة في مناطق سورية عدة وفقدان النظام سيطرته عليها في موازاة عدم قدرته على استعادة هذه السيطرة مما اشعل موجة توقعات غربية على مستوى عال بان النظام بات او هو على وشك الانهيار. وقد لفت مراقبين غربيين ان روسيا اقرت بالوقائع الجديدة على الارض والتي يمكن ان تؤدي الى انتصار المعارضة ودخولها معركة كبيرة في العاصمة.

وبحسب هذه المصادر فان هذه العناصر المباشرة شكلت الخلفية الحقيقية للتحرك الذي قام به الابرهيمي في الايام الاخيرة مدفوعا من الدول الكبرى والدول الاقليمية على حد سواء من اجل ان ينقل الى الاسد الصورة الحقيقية لما يجري في الخارج وتوقعات هذا الاخير وكذلك رغبة المجتمع الدولي حتى الان ممثلا بالدول الغربية الكبرى في ان يجد النظام في هذه المعطيات والضغوط التي لا ينوي الغرب التراجع عنها فرصة لمراجعة حساباته وان يقرر الرحيل عن السلطة بارادته باعتبار ان الباب لا يزال مفتوحا امام هذا الخيار ودول كثيرة تتمنى ان يعتمده الرئيس السوري قبل فوات الاوان وهي لم تلجأ الى التهديد بملاحقته امام محكمة الجنايات الدولية او ما شابه للارتكابات التي قام بها على رغم بعض الاصوات وهي لا تزال تفضل ان يختار الرحيل طواعية الى اي بلد يمكن ان يقبل باستقباله. فالدول الكبرى اتخذت مجموعة من المواقف والخطوات وهي تعطي النظام فرصة لاستيعاب ابعادها وتقويمها على النحو الذي يسمح له بالتصرف على اساسها وتجنبا لمسار يبدو حتى الآن انه يسير وفق خط بياني واضح. اذ ان عدم تجاوب الاسد مع جهود الابرهيمي الاخيرة في المساعدة على التمهيد لمرحلة انتقالية تقتضي ما تقتضيه من خطوات باتت معروفة، أما الخطوات المقبلة في ضوء فشل مهمة الابرهيمي في حال حصول ذلك ستكون على الارجح وفق مسارين على الاقل:

 الاول الاستمرار في الضغط الديبلوماسي والسياسي من اجل تأمين مروحة واسعة من الاعترافات الدولية بالائتلاف السوري المعارض بديلاً من النظام وعلى طريق نزع اي شرعية متبقية لهذا الاخير عبر اي مظهر سياسي او ديبلوماسي يوحي بذلك. ومن غير المستبعد ان تحمل بعض الدول هذا الامر الى الامم المتحدة بالتعاون مع دول اقليمية لا ترى ولا تقبل امكان بقاء الاسد في السلطة في اي تسوية سياسية محتملة حتى لو كان وجوده شكليا ومن دون اي صلاحيات نظرا الى الثقل الكبير المتمثل في سقوط ما يزيد على 45 الف قتيل حتى الان. وهذا الاحتمال اي التوجه الى الامم المتحدة من اجل الحصول على اعتراف اكبر بالائتلاف السوري المعارض ممثلا عن سوريا بدلا من النظام الحالي يمكن ان يعزله كليا ويشكل ضربة قاصمة له بالنسبة الى داعميه مع ما يمكن ان يثيره الامر من تداعيات خطيرة بالنسبة اليه. فالدول الغربية ستعاود استئناف ضغوطها بقوة من اجل التزامه التنازل السلمي من دون معارك اضافية في حال امكن تجنب ذلك.

اما المسار الآخر فهو ان التطورات على الارض ستأخذ طريقها ايضا بعدما وصلت الى ابواب العاصمة مع ما يمكن ان يرتب ذلك عليه في الدرجة الاولى من مسؤولية تدمير دمشق خصوصا ان صموده لاشهر في المواجهة لن يعني في اي حال امكان استعادته السيطرة او حتى بقائه في السلطة في سوريا. فهل تكون مهمة الابرهيمي الفرصة الاخيرة على هذا الطريق؟

النهار

الأسد إلى أين؟

موسكو ومصير التسوية في سوريا

هاني شادي

خلال مؤتمره الصحافي السنوي، الذي عُقد في العشرين من الشهر الجاري، توقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند الأوضاع في سوريا، قائلا «إن موسكو ليست قلقة على نظام بشار الأسد، بقدر قلقها على مستقبل سوريا، مشيراً الى ان تسوية الأزمة السورية يجب ان تتضمن ما يمنع استمرار الحرب الأهلية، وانهيار الدولة السورية، كما حصل في ليبيا التي تسير نحو الانهيار». وأضاف بوتين «نحن ندرك ان هذه العائلة توجد في السلطة منذ 40 سنة، ولا ريب ان التغيير لا بد منه». وإذا كان بوتين قد انتبه أخيراً إلى «أن عائلة الأسد في الحكم منذ أربعين عاماً.. وأن هذا يعني ضرورة التغيير»، فإن مثل هذه التصريحات، في رأينا، ليست جديدة تماماً على القيادة الروسية، التي دأبت منذ مطلع العام الجاري على القول بأنها «لا تتمسك بالرئيس السوري، ولكنها ترفض التدخل الخارجي في شؤون سوريا».

ومع ذلك، نعتقد أن تصريحات بوتين تعكس، بدرجة ما، تطوراً معيناً في الموقف الروسي من الأزمة السورية. فقد باتت موسكو، تقترب، أكثر فأكثر، من إدراك حقيقة صعوبة بقاء بشار الأسد في منصبه خلال الفترة القادمة. ولكن الروس، في الوقت ذاته، يدركون مدى صعوبة تنحي بشار الأسد طواعية. ولذلك نرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الثاني والعشرين من الشهر الجاري يقول «إن روسيا والصين ستعجزان عن إقناع الرئيس السوري بشار الأسد بالتنحي حتى إذا حاولتا فعل ذلك». وبناء على ذلك، فإن الخلاف حالياً يتمحور حول سبل إقناع الأسد بالرحيل، وآليات نقل السلطة، وطبيعة المرحلة الانتقالية. وهنا، تحديداً، يكمن الشيطان في التفاصيل. فروسيا، وعلى لسان رئيسها، تدعو إلى البحث عن صيغة لتسوية الأزمة تستند إلى «ضرورة تفاوض الأطراف السورية على كيفية العيش مستقبلاً، وكيفية ضمان أمنها ومشاركتها في إدارة الدولة، ومن ثم تغيير النظام الحالي على ضوء الاتفاق، الذي يتم التوصل إليه، استناداً إلى إعلان جنيف في 30 يونيو / حزيران من العام الجاري». وهذا يعني أن الكرملين ما زال متمسكاً، حتى اللحظة، «بضرورة البدء أولا بالتفاوض بين النظام والمعارضة، وبعد ذلك يجري البت في مصير الرئيس السوري». ويذهب بوتين إلى أبعد من ذلك، عندما يقول «إن الاتفاقات على اساس الانتصار في الحرب الدائرة في سوريا لا تعد مناسبة، ولا يمكن ان تكون فعالة». وكأنه يرغب التشديد على أن هذه الحرب لن ينتصر فيها أي طرف من الأطراف. ويمكن تفسير هذه الرسالة «البوتينية» على أنها تشير إلى أن موسكو قد تخلت عن القناعة السابقة، التي كانت تسيطر على عقول بعض ساستها ونخبتها، من أن النظام سيتمكن من الحسم العسكري. ويمكن أيضاً تفسيرها كرسالة للمعارضة المسلحة بأن الانتصار ليس بالسهولة التي تتصورها.

موسكو لا تغلق الأبواب، كما يبدو، أمام المبادرات المتعلقة بتسوية الوضع في سوريا، والتي تُطرح من قبل «اللاعبين» الآخرين. ففي أثناء زيارة الرئيس الروسي إلى تركيا مطلع الشهر الجاري، طرحت عليه أنقرة خطة لتسوية الأزمة السورية، تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية، تضم شخصيات وطنية وتكنوقراط من الموالين للنظام السوري ومن المعارضة، بحيث يسلمها الأسد صلاحياته خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجديد (2013)، تمهيداً لإجراء انتخابات عامة لاحقاً. وتقول مصادر تركية إن موسكو اعتبرت هذه الصيغة «مبتكرة»، من دون أن يعني ذلك موافقة الكرملين عليها بشكل كامل. خاصة أن هناك تسريبات عن خطة أخرى لتسوية الأزمة السورية، تبلورت عبر تفاهمات أولية بين موسكو وواشنطن، وترمي أيضاً إلى تشكيل حكومة انتقالية لها كامل الصلاحيات، تعمل على تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية خلال عدة أشهر. وتسمى هذه الخطة بصيغة «بيرنز ـ بوغدانوف». ومن المعروف أن ميخائيل بوغدانوف صرح في 13/12 أمام المجلس الاجتماعي الروسي، الذي يمثل المجتمع المدني في المؤسسة الحاكمة العليا الروسية، «بأنه لا يستبعد انتصار المعارضة السورية، لأن القوات الحكومية تفقد السيطرة على المزيد من الأراضي». غير أن الخارجية الروسية نفت ذلك. ويبدو أن الصيغة التركية تقترب من الصيغة الروسية الأميركية، وتتشابه معها إلى حد كبير في «الحيرة» بشأن مصير الرئيس السوري، ولذلك لا نستبعد أن تتمخض عنهما صيغة ما، قد يُطلق عليها «جنيف 2»، كما يتردد في كواليس السياسيين الروس.

غير أن إيران، الحليف الأقوى لنظام بشار الأسد، بدأت تشعر بالقلق من الصيغة التركية، ومن التفاهمات الروسية الأميركية، ومن تصريحات بوتين أيضاً. فطهران تعلم جيداً أنه في حال موافقة موسكو على خطة معينة بشأن التسوية في سوريا، فإنها ستمنحها الضوء الأخضر في مجلس الأمن الدولي. ولذلك سارع نائب وزير الخارجية الإيراني بزيارة موسكو في السابع عشر من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، عارضاً مبادرة لحل الأزمة السورية تتضمن إجراء حوار بين النظام والمعارضة لإنشاء لجنة مصالحة، ثم تشكيل حكومة انتقالية بوجود بشار الأسد كرئيس شرعي لسوريا. وحسب الخطة الإيرانية، التي لم تعلق عليها موسكو حتى هذه اللحظة، يمكن أن تضم هذه الحكومة الانتقالية معارضين غير متورطين بأعمال إجرامية في الآونة الأخيرة. وبعد ذلك، ووفق جدول زمني معين، يتم إجراء الانتخابات البرلمانية، وأخيراً يمكن الحديث عن انتخابات رئاسية. ويبدو أن طهران تتمسك ببقاء الرئيس السوري في الحكم حتى انتهاء ولايته في العام 2014، وهو ما يتعارض مع ما طرحته تركيا على الروس، وربما مع التفاهمات الأولية الروسية ـ الأميركية أيضاً. وفي خضم تعدد خطط تسوية الأزمة السورية، يصل نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، إلى العاصمة الروسية (27/12) ليطمئن على الموقف الروسي بعد تصريحات بوتين المتعلقة بالرئيس السوري. وسيحضر بعده الأخضر الإبراهيمي لبحث التسوية «المرتقبة». وكأن روسيا، في رأي البعض، بات لديها «المفتاح السحري» لتحديد مصير الأسد، ونظامه، ومجمل الأزمة السورية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى