صفحات العالم

مقالات تناولت موقف الحكومة اللبنانية من الثورة السورية

سوريا: وحدها الأرض تفرض التغيير

    علي حماده

كم كان مخجلا خطاب وزير الخارجية عدنان منصور امام مجلس جامعة الدول العربية، وهو يدعو الى اعادة النظام في سوريا الى مقعده في الجامعة العربية، فيما كانت صواريخ الـ”سكود” تتهاوى فوق رؤوس السوريين، بمدفعية النظام وطائراته تدكّ حمص ومعظم المدن السورية، والامم المتحدة تعلن رسميا عن بلوغ عدد النازحين السوريين الى خارج بلادهم المليون.

لقد هوجم عدنان منصور، وحسنا فعل من تناولوا كلمته المخجلة. لكن من هاجموه حاذروا انتقاد مرجعيته التي كتبت له الكلمة وامرته بتلاوتها باسم لبنان، في عمل اظهر حقا ان حكومة لبنان هي اصلا حكومة “حزب الله” ونظام بشار الاسد، كما اظهرت ان الفريق الذي ينتمي اليه منصور، وبينه الرئيس نبيه بري، كان وسيبقى جزءا من هذه المرجعية، حليفا لها وتابعا لسياساتها. لقد كان اجدى برئيس الحكومة الذي اصدر بيانا يعلن فيه تمسكه بسياسة “النأي بالنفس” ان يتصدى لمنصور ومن وراءه علنا، بدل ان يستمر في توزيع الابتسامات والمواقف المفرغة من كل مضمون او صدق. وكم كان حريا حتى بقيادات ١٤ آذار ألا تقصر انتقاداتها على منصور و”حزب الله” بل ان تكون اكثر جرأة في التعامل مع رئيس حركة “امل” شاغل رئاسة مجلس النواب، بتسميته أحد اولياء منصور الذي لولاه لما تجرأ على تلاوة خطاب سيئ كالذي تلاه، وربما تبين بعد حين ان النص ارسل اليه جاهزا من عين التينة نفسها.

لا نقول هذا الكلام استهدافا لشخص بعينه. فالانتقاد والموقف السياسي المندد يفترض ان يكونا حقيقيين، والا يخضعا لاعتبارات لم نتبين جدواها بعد. ورأينا ان لا فرق في فريق ٨ آذار بين “حزب الله” وتابعيه ايا كانوا. والرئيس بري ليس استثناء.

اما بعد هذا الاداء “المسخ” في الجامعة العربية، فوحده لبنان هو الخاسر لان عجلة التاريخ العربي لا يوقفها منصور ولا من هم خلفه. فسوريا تكتب بالدم مستقبلها، وتقاتل نظام القتلة والمجرمين، وسوف تنتصر الثورة لا محالة، ولن يوقفها اداء سخيف كأداء وزير الخارجية، ولا مناورات اكثر سخفا كمناورات الثنائي الذي يقف خلفه، ولا حتى المواقف المفرغة كموقف رئيس الحكومة الصوري.

في مطلق الاحوال، وكما سبق لنا ان قلنا، فان معادلة الارض هي التي ستفرض نفسها، وتضحيات الشعب في مواجهة القتلة هي التي ستغير وجه سوريا الغد. وما بدء تسليح المعارضة بموافقة دولية سوى ثمرة التضحيات والنضال والتصميم على قتال حتى تحرير سوريا. وما الاعلان عن منح “الائتلاف المعارض” مقعد سوريا في الجامعة العربية سوى الدليل على ان الارض هي التي فرضت المعادلة في نهاية الامر.

قريباً، وقريبا جدا ستتغير الامور على الارض، فمعركة الربيع الكبرى صارت اقرب من أي وقت مضى، ويقيننا ان بشار لن يكون في دمشق بحلول الصيف.

النهار

إحراج عدنان منصور

جهاد بزي

وزير الخارجية اللبناني يقول كلمته كما هي. يشهر انحيازه أكثر بكثير مما يفترض بدبلوماسي أن يفعل، ويعيش في زمن أعتق بسنوات مما يعيش فيه بلده، وشقيقته المأزومة.

 الرجل الذي أمضى جل عمره الدبلوماسي في إيران، شفاف لشدة وضوحه. أتى إلى واحدة من أهم الوزارات لهدفٍ واحدٍ سامٍ: الدفاع عن النظام السوري. هذا على الأقل ما بدا في سياق تجربته كلها.  وهو مستمر في ما يقول، وما يفعل، من دون أن يرف له جفن للإحراج الذي يسببه  لرئاستي جمهورية وحكومة تضطران  إلى التبرؤ منه كلما صرّح في محفل ذي قيمة، وتسرعان إلى وضع كلامه في خانة الرأي الشخصي لوزير لا يمكن حقيبته أن تسمح له برأي شخصي في أمور شائكة ومعقدة، كالأزمة السورية مثلاً.

ومع أنه يقع في الخطأ نفسه مرة بعد مرة، لا يشعر السفير السابق بأدنى حرج. على العكس، فهو يخطئ بطريقة منهجية ومتعمدة ومدروسة كي يؤكد أنه لا يخطئ وأنه يعرف ماذا يفعل، أو بالأحرى يعرف ما المطلوب منه أن يفعل، وهو يقوم بدوره على أفضل وجه.

دور الوزير واضح: هو الصوت المعبّر عن  المكبوت في صدور حلفاء النظام السوري في حكومة  تعلن النأي بنفسها عن الأزمة السورية. صوت لا يجد فرصة عربية أو دولية إلا ليرتفع، واعظاً، لكن نافراً في تبنيه المطلق لخطاب نظام البعث وحلفائه في البكاء على أطلال العروبة والتهويل بشبحي المؤامرة والتكفيريين واللجوء إلى الشعر كإطار لحل الأزمة، وإلى الانشاء للتحليل، وإلى المفردات المُلاكة بعثياً حد الملل لصياغة الاقتراحات التي لا معنى لها والتي من المستحيل ان تجد لها طريقاً إلى التحقق.

  هو الصوت الذي يتحايل به حلفاء النظام السوري على الحكومة التي يشكلون هم ذاتهم أكثريتها. الخدعة غير الذكية لقول الشيء ونقيضه في آن. صوت يسمح لنفسه بأن يقف مقرّعاً الدول العربية كلها، متهماً إياها بالدم السوري، من دون أن يلحظ أنه يمثل شعباً منقسماً على نفسه في الموضوع السوري، وفي غيره، ومن دون أن ينتبه إلى أنه يستفز جزءاً كبيراً من الشعب السوري، ويستفز الدول العربية والعالم في دفاعه الضمني عن نظام لا يُدافع عنه، مطالباً بعودته إلى الجامعة العربية، وهو أكثر من يعلم أن العودة مستحيلة، وان مطالبته لا تعدو كونها اشبه بنكاية ليس لبنان بحاجة إلى اللجوء إليها.

  ومنصور يتطرف حتى في التعبير عن الخطاب المطلوب منه. يتطرف، مثلاً، في تبجيل السفير السوري، واستقباله مراراً وتكراراً، والسماح له بالقاء مطوّلاته المعادة، يؤكد فيها منذ سنتين بأن الرئيس الشاب قضى على الإرهابيين، وما هي الا مسألة وقت حتى يعود البعث إلى مجاريه، ثم يتشاوف على اللبنانيين ويهددهم ويتوعدهم. وحتى عندما باتت مواقف السفير بمثابة تطاول على الدولة اللبنانية، بقي منصور واقفاً إلى جانب السفير السوري، وقوف الدبلوماسية اللبنانية في ظل دبلوماسية شقيقتها طوال سنوات الوصاية السورية  على لبنان ما بعد الحرب الأهلية وقبل انفجار السان جورج.

 والوزير ما زال يرى في السفير السوري ما رآه زملاؤه من السياسيين قبله في ضباط المخابرات الذين توالوا على حكم لبنان. أو هذا على الاقل ما يريده لنفسه. أن تكون اللغة الدبلوماسية بلا تعقيدات ولا تفكير. كل ما على لبنان الرسمي فعله هو أن يعيد تلاوة افتتاحية صحيفة سورية، أو أن يحفظ عن ظهر قلب عبارات علي عبد الكريم علي في مؤتمره الصحافي شبه الاسبوعي من قصر بسترس.

 الزمن تغير بالطبع، لكن ليس عند وزير الخارجية اللبناني. لن يُحرج عدنان منصور، والحال هذه، لكنه هو نفسه بات بمثابة إحراج للبلد الذي ليس سهلاً عليه أن يكون وجهه الدبلوماسي الأول مُتهماً بأنه ممثل للنظام السوري أكثر مما هو ممثل لحكومته. ومنصور لم يقم حتى اللحظة ولو بمبادرة يتيمة لنفي هذه التهمة عنه، أو التخفيف منها في أقل تقدير.

المدن

ميقاتي والوقوع في الخطأ الشائع

ساطع نور الدين

  في مقابلته مع محطة “ام تي في” التلفزيونية، وقع الرئيس نجيب ميقاتي في عدد من المغالطات السياسية والاقتصادية، التي يمكن ان تثير الجدل. لكن واحدة منها مرت مرور الكرام، مع ان اثرها قد يكون ابعد من اي غلط سياسي او اقتصادي يرتكبه مسؤول لبناني.

 بسهولة غريبة، وقع الرئيس ميقاتي في مغالطة يمكن ان توصف بانها ثقافية، وهي تتكرر على لسان كبار المسؤولين اللبنانيين ، كما تتردد على لسان السياسيين وتتناقلها العامة اللبنانية التي تتسم بجهل لا حدود له، وتعتمد على معايير عنصرية بحتة في تصنيف الاخر، ايا كان هذا الاخر وتنطوي هذه الايام على هوياتها الملطخة بدماء لم تجف يوما ولن تجف.

  الرئيس ميقاتي الذي لا تنقصه المعرفة ولا تعوزه الثقافة، لم يقع في زلة لسان عندما كرر اكثر من مرة القاء مسؤولية انهيار الامن وارتفاع معدلات الجريمة على “السوريين”. قالها اكثر من مرة بلا تردد او تلعثم. نسب اليهم الزيادة في حوادث الخطف والسرقة وغيرها مما تحفل به التقارير الامنية الرسمية التي توزع على الجمهور اللبناني بشكل يومي وتنشر باسلوب متحفظ اكثر من الاسلوب الذي تحدث به رئيس حكومة لبنان.

  الاجهزة الامنية تؤكد هذه الظاهرة التي تصاعدت مع تزايد عدد النازحين السوريين الى لبنان، وباتت تقاريرها الى كبار المسؤولين تندرج في ملف رسمي لبناني يطالب المجتمع الدولي بان يهب لمساعدة لبنان على التعامل مع هذه الموجة الاستثنائية من النزوح، بالمال والغذاء والدواء وغيرها من اسباب العيش.. ويعلن العجز الاغاثي، والامني طبعا ، عن مواجهة هذه الكارثة الانسانية. وهو ما لا يقع في باب الابتزاز كما فعلت احدى الدول المجاورة لسوريا التي استضافت نازحين سوريين ووضعتهم في مخيمات مغلقة، وشرعت في تضخيم احتياجاتهم المعيشية اكثر بكثير من تقديرات المؤسسات الدولية.

  واجب الاجهزة الامنية ان تكتب الحقائق المجردة في تقاريرها. لكن التدقيق في هذه التقارير هو شأن المسؤولين الذين يفترض اولا الا يرددوها علنا، او على الاقل ان يضعوها في سياقها الصحيح، على الاقل في اللغة والتصنيف بما لا يمس شعبا كاملا او هوية شاملة، وبما لا يؤدي الى شرخ اضافي بين الشعبين وخلل جديد في العلاقة بين الدولتين في المستقبل.

  خرج ميقاتي عن تحفظ ملزم وواجب في مثل هذه الحالة، كما انه خالف المسؤولية التي تستدعي في مقاربة مثل هذا الملف الحساس المزيد من الدقة: اتهام “السوريين” بالجريمة والسرقة المتفشية هذه الايام، لا يخدم مزاعم النأي بالنفس، ولا يقارب بوعي ابسط المشكلات التي تطرحها كارثة النزوح السورية.. عدا عن كونه ينسى حقيقة ثابتة، رددها النظام السوري في بدايات الازمة، هي ان اكثر من ستين الف سجين جنائي خرجوا او اخرجوا من السجون السورية في واحد من اخطر اسباب الفلتان الامني في سوريا. وهو ما يثير معضلة جدية لطرفي الصراع.

  يقال ان لبنان فقد القدرة على التدقيق في هويات العدد الهائل من النازحين السوريين وفي انتماءاتهم السياسية وفي سجلاتهم العدلية. وهو كلام غير مسؤول وغير واقعي، برغم صعوبة مثل هذه المهمة في الظرف الراهن. مع ذلك، لا مبرر على الاطلاق، لكي يساهم المسؤول، اي مسؤول، في تضخيم العنصرية اللبنانية التقليدية، وفي زرع الشك والريبة في اكثر من مليون سوري يقيمون الان على الاراضي اللبنانية، وفي تحويلهم جميعا الى مشبوهين دائمين بالجريمة والسرقة.. وفي الخلط بينهم وبين اصحاب السوابق الذين عبروا الحدود فعلا، وهم ليسوا ممن يعترف باي هوية وطنية او حدود جغرافية او قيم انسانية.

  لم يرتكب ميقاتي خطأ لغويا، بل شرع ثقافة عامة، فوقع في خطأ فادح، يمكن اذا ما جرى في اي بلد اوروبي ان يكلف المسؤول منصبه، وان يفرض عليه الاعتذار العلني.. او الالتحاق باحد احزاب اليمين العنصري المناهضة للمهاجرين والتي توجه اليهم اتهامات تشبه بحرفيتها ما قاله رئيس وزراء لبنان على شاشة التلفزيون، مع ان الغالبية الساحقة من هؤلاء المهاجرين مندمجون في مجتمعاتهم الاوروبية، ومطمئنون الى حد بعيد الى ان ثلة من المجرمين واللصوص لن تنجح في تشويه عملية الاندماج.. غير المطروحة اصلا بين الشعبين اللبناني والسوري.

المدن

بحر «النأي بالنفس» وأمواجه

حسام عيتاني

عند عودته من القاهرة، حذّر وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور من أن قرار اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي يسمح بمساعدة المعارضة السورية «قرار خطير، وهو إعطاء الحق لأي دولة بإدخال السلاح إلى سورية».

منصور الذي شدد على التمسك بسياسة الحكومة اللبنانية «النأي بالنفس»، كان قد دعا نظراءه العرب إلى إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وتساءل فور وصوله إلى بيروت: «أين المشكلة في المطالبة بإعادة سورية إلى حضن الجامعة للتباحث معها في إيجاد الحل السياسي لإخراج سورية من أتون الحرب؟»، متناسياً أن العضوية لم تسحب من سورية، بل من النظام الممسك بالسلطة فيها اليوم، وأن الخطوة العربية، التي تندرج ضمن 15 قراراً اتخذتها الجامعة «ولم تؤد إلى نتيجة» –وفق وزيرنا-، كانت ترمي بالضبط إلى ما اشتكى منصور من غيابه: دفع النظام الذي يشن حرباً على الشعب والمجتمع السوريين إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الأزمة بحل سياسي سلمي.

لم يرَ الوزير تناقضاً بين الحض على استعادة ممثلي بشار الأسد مقاعدهم في الجامعة العربية وبين «النأي بالنفس»، تماماً كما لم ترَ الحكومة التي قرعت رؤوس مواطنيها بضرورة عدم التدخل في الشأن السوري حفاظاً على المصلحة اللبنانية، مشكلة في التصاريح الصادرة من إحدى وزاراتها بتصدير المحروقات، التي لن تستخدم في غير تحريك آلة القتل التي يشغلها النظام. والحكومة لم تنتبه أيضاً إلى أن الطرف الأقوى فيها، «حزب الله»، يرسل مئات المسلحين للمشاركة في القتال ضد المعارضة السورية، ما ستكون له انعكاسات كارثية على مستقبل العلاقات بين «البلدين الشقيقين».

وحرصاً على التوازن، تغض السلطات اللبنانية النظر عن دخول مقاتلين آخرين يساندون «الجيش السوري الحر»، ويلقى بعضهم مصرعه برصاص جيش النظام، فيما يختفي آخرون أو يعودون استعداداً لجولة ثانية من القتال.

السلطات اللبنانية تنأى بنفسها عن معالجة هذه الظواهر لكنها ترفع الصوت مطالبة بالمزيد من المساعدات لإيواء اللاجئين الذين يتدفقون إلى الأراضي اللبنانية بأعداد كبيرة، وكأن اعضاء الحكومة هذه، المتمرس أكثرهم في عالم البيزنس والتجارة والمال، لا يريدون أن يخسروا في مجازفات سياسية واقتصادية، مفضلين التركيز على النواحي المجزية.

لكننا نعلم أن الوضع أسوأ من ذلك بكثير، وأن العلة أعمق من أن يعالجها رحيل حكومة ومجيء ثانية. ونعلم أيضاً أن «النأي بالنفس» بحر واسع، ولكل شيخ طريقته في الإبحار به، ولكل أستاذ مدرسته في تفسيره بما يتلاءم ومصالحه ومصالح جماعته ومصالح طائفته وبما يتصور من مستقبل للبنان وسورية.

أبعد من ذلك، يقول لنا هذا التنافر في سلوك القوى السياسية حيال الثورة السورية، بين مؤيد للمعارضة وصولاً الى دعمها بالمال والسلاح، وبين «محبٍّ» للنظام إلى حد إرسال المقاتلين لمساندته مساندة مباشرة، إن مساحة المشتركات بين اللبنانيين تتضاءل، وإن بهلوانيات الحكومة للظهور بمظهر الطرف المحايد حيال ما يجري وراء الحدود، تزداد صعوبة وتعقيداً، بما ينذر بسقوط أليم.

النواح على حالة الحكومة والمؤسسات الرسمية في لبنان لا يعني شيئاً، فالأصح أننا دخلنا طوراً جديداً وخطيراً من تفكك الدولة واختفاء معناها وجدواها، وسط طغيان البدائل الطائفية، التي لا تنقصها وقاحة مصادرة تمثيل مصالح اللبنانيين.

الحياة

لبنان: النأي بالنفس تكاذب سياسي آخر ومكشوف أيضاً

خالد الدخيل *

فجأة بدا بعض اللبنانيين فزعاً مما سماه «الإنذار الخليجي». جاء ذلك على خلفية قرار الجامعة العربية الأخير بمنح مقعد سورية للائتلاف الوطني السوري المعارض. حينها حاول وزير خارجية لبنان، عدنان منصور، الاعتراض على القرار من خلال مطالبته برفع تعليق عضوية سورية في الجامعة، وهو يعني بذلك إعادة مقعد سورية إلى النظام بدلاً من إعطائه للمعارضة، أي أن الوزير عبّر بموقفه عن اصطفاف كامل مع النظام السوري ضد المعارضة السورية. وفق سياسة النأي بالنفس الرسمية، كان المفترض بالوزير أن ينأى بنفسه وبحكومته عن اتخاذ أي موقف مع أو ضد أي من طرفي الأزمة السورية. يوم الأربعاء الماضي قام سفراء دول مجلس التعاون بزيارة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، برفقة الأمين العام للمجلس عبداللطيف الزياني، وطالبوا بالتزام لبناني حقيقي بسياسة النأي بالنفس، حفاظاً على استقرار لبنان، والتزاماً بموقعه على مسافة واحدة من الجميع.

لماذا طلب مجلس التعاون ذلك؟ لأن موقف الوزير منصور في الجامعة لا يمثله شخصياً، بل يمثل حركة «أمل» في الحكومة اللبنانية، وهي حركة شيعية تعتبر من أوائل حلفاء النظام السوري، ولم يكن من الممكن للوزير أن يتخذ مثل هذا الموقف من دون غطاء سياسي من الحركة التي يمثلها، وهذا يمثل ثغرة كبيرة في ما يسمى بسياسة النأي بالنفس. لكن هناك ثغرة أكبر من ذلك بكثير في هذه السياسة، وهي موقف «حزب الله» الذي يقف في شكل علني مع النظام السوري، ويرسل عناصره للقتال إلى جانب قوات النظام. وقد اعترف الحزب بتورطه في الصراع داخل سورية، ولا يتوقف أمينه العام حسن نصرالله عن تبرير هذا التدخل بشتى المبررات غير المقنعة. يتساءل البعض عن حقيقة التزام الحكومة اللبنانية بـ «سياسة النأي بالنفس»؟ من الناحية الرسمية يمكن القول إن الحكومة ملتزمة بهذه السياسة، وفيها أطراف تريد أو تتمنى التزام الابتعاد عن الأزمة السورية، مثل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وجبهة النضال الوطني بزعامة وليد جنبلاط، لكن كل هؤلاء لا يمثلون مجتمعين مركز الثقل في الحكومة. لو كانوا كذلك، لما أمكن للوزير منصور الإصرار على مواقف مثل التي أعلنها في اجتماع مجلس الجامعة. «حزب الله»، الحليف الآخر للرئيس السوري، هو من يمثل مركز الثقل في الحكومة، بل إن هذه الحكومة باتت تعرف داخل لبنان وخارجه بأنها «حكومة حزب الله»، وعدم تردد الأمين العام للحزب حسن نصرالله في إعلان اصطفافه مع رئيس النظام بشار الأسد منذ اليوم الأول للانتفاضة السورية يؤكد ما يقال إن الحزب يتعامل مع الحكومة اللبنانية على أنها غطاء لدوره الإقليمي الذي يتجاوز حدود لبنان. ومن حيث أن إيران هي التي أنشأت الحزب عام 1982، وهي التي تتولى تمويله وتزويده بالسلاح وتدريب كوادره، فإن موقف الحزب من الصراع في سورية هو امتداد للموقف الإيراني، وذلك انطلاقاً من أن الحزب يمثل الذراع الإيرانية في منطقة الشام.

أين يقع الإشكال في عدم الالتزام الكامل لكل أطراف الحكومة بسياسة النأي بالنفس؟ أول مؤشرات الإشكال أن الحكومة لا تلتزم، أو لا تستطيع أن تلتزم بسياسة أعلنتها، وألزمت نفسها بها أولاً مع شعبها، وثانياً مع الشعب السوري، وثالثاً مع الدول العربية، وأخيراً مع المجتمع الدولي. وعدم الالتزام إما أنه ناتج من ظروف خارجة عن إرادة الحكومة وسيطرتها، وهذا له معناه وتقديراته الخاصة، أو أن هذه السياسة ليست في حقيقتها أكثر من شعار يتم التلويح به للتغطية على حقيقة موقف الحكومة، أو مواقف أطراف معينة داخل الحكومة من الأزمة السورية. في أحسن الأحوال، وفي كل هذه الحالات، باتت سياسة «النأي بالنفس» صيغة أخرى لظاهرة التكاذب السياسي، وهي ظاهرة تمثل أبرز سمات الثقافة السياسية اللبنانية. الشيء الجديد في هذا التكاذب الآن أنه بدلاً من أن يكون محصوراً في الشؤون المحلية، فاض ليشمل ببهلوانيته الشؤون العربية والدولية، وفي أسوأ الأحوال أصبحت سياسة النأي بالنفس آلية سياسية لخداع الآخرين، وبخاصة الأشقاء منهم. والقول بهذه السياسة، وعلى هذا النحو، يعكس في شكل واضح أن مواقف بعض أطراف الحكومة وبخاصة «حزب الله»، لا يمكن التصريح بها والدفاع عنها، لأنها لا تتفق لا مع المصلحة اللبنانية ولا المصلحة السورية، ولا المصلحة العربية في شكل عام.

ومن حيث أن هذه المواقف تخدم أطرافاً أخرى، غير اللبنانية والسورية والعربية، فإنها تؤكد مرة أخرى طبيعة دور «حزب الله»، وأنه دور إقليمي يتجاوز حدود لبنان وحدود سورية، والتناغم الكامل بين موقف الحزب وموقف النظام الإيراني من الأزمة السورية لا يترك مجالاً للشك في الطبيعة الإقليمية لدور هذا الحزب.

ما معنى ذلك؟ معناه أن «حزب الله» اختار أن يقف مع إيران ضد الشعب السوري، وبالتالي ضد الدول العربية الأخرى، وبما أن الحزب يمثل الطائفة الشيعية في لبنان، وينفذ سياسة إيران التي تعتبر نفسها بنصوص دستورها بأنها دولة الشيعة في العالم، فإنه بموقفه هذا من الشعب السوري ينطلق من معطيات ومصالح طائفية. إيران بدورها وسياساتها في العراق والبحرين وسورية ولبنان تستهدف منطقتي الخليج العربي والشام. هل يحتاج الأمر لتوضيح ما هو واضح، وهو أن من يصطف إلى جانب إيران في هذه السياسة فهو يقف ضد المصالح العربية؟

هناك سؤال آخر يتكامل مع السؤال السابق: لماذا تقف أغلب الدول العربية ضد النظام السوري الحالي؟ كان هذا النظام في عهد حافظ الأسد حليفاً لإيران، لكنه كان يتمتع باستقلالية واضحة ومؤثرة. حينها لم يعترض أحد على هذا التحالف طوال أكثر من ثلاثين عاماً. لماذا الآن؟ لا يدرك بعض اللبنانيين، أو لم يعترفوا بعد، بأن قرار الجامعة العربية بالسماح للدول العربية بتقديم كل أنواع المساعدة لقوى الثورة السورية يخفي وراءه أموراً ومخاوف أعمق مما يبدو على السطح، وأهم ما يخفيه هذا القرار أن الرئيس السوري الحالي خطف بحلّه الأمني المدمر سورية بتاريخها العربي، من كونها مكاناً لثاني خلافة عربية إسلامية، ليجعل منها ورقة في يد إيران تفاوض وتقايض بها الأميركيين وغيرهم على قضايا ومصالح عربية، ومن بين ما يخفيه القرار أن النظام السوري أثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأنه فقد صفته الوطنية تماماً، وأضحى نظاماً فئوياً وطائفياً يقتل شعبه ببشاعة غير مسبوقة، ويُقيم علاقاته الإقليمية على أساس طائفي، مثله في ذلك مثل النظام الإيراني، ولم يدرك هؤلاء أن محاولة إيران تحويل العالم العربي إلى مجال لنفوذها ودورها في المنطقة يشكل تهديداً مباشراً وخطراً للمصالح العربية، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلاً. هل لاحظ البعض أن الدول العربية التي لم تتفق مع قرار الجامعة الأخير، لم تتجاوز حدود التحفظ؟ بات سقوط النظام السوري ليس مصلحة سورية وحسب، بل مصلحة عربية وإقليمية ودولية. ليس من مصلحة لبنان أن يستدعي تداعيات الأزمة السورية إلى داخل حدوده.

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

التمرد على عدنان منصور

ساطع نور الدين

   ما فعله وزير الخارجية عدنان منصور في القاهرة ثم في بيروت مثال عابر وبسيط على درجة التصاق الغالبية الشيعية اللبنانية في المحور الايراني السوري وتورطها في حروبه، حتى النهاية التي لا يمكن ان تكون اقل من عملية انتحار جماعي موصوفة، اتخذ قرار خوضها عن سابق تصور وتصميم ، وبالتالي لا يمكن لاحد ان يوقفها، او ان يقدر عواقبها.

  كان منصور اشبه باستشهادي يفجر نفسه بين وزراء الخارجية العرب، ويطلب الشهادة التي طالما استعد لها ، منذ ان طالت خدمته الدبلوماسية في طهران اكثر من 12 سنة متواصلة. وليته فعل،لاستحق لقب شهيد تفتح له ابواب الجنة الواسعة، بدلا من ان يتعرض لمثل هذا العزل من الحكومة والدولة، ويعرض طائفته لمثل هذا الاتهام او الحرج. لكنه اختار اهون الشرين، وبدا منسجما تماما مع تاريخه ومع ثقافته ومعلوماته المبنية على اساس ان الازمة السورية شارفت على الانتهاء لمصلحة النظام السوري الذي حان موعد عودته الى حظيرة الجامعة العربية.. من دون ان يلاحظ ان الاجتماع الذي كان يترأسه ويمثل الدولة اللبنانية فيه، كان مدعوا الى نقاش مسألتين بعيدتين عن جدول اعماله وتكليفه الشرعي، اولهما تسليم مقعد سوريا الى الائتلاف الوطني السوري المعارض وثانيهما تسليح المعارضة السورية.

 لم يكن منصور منفصلا عن الواقع العربي كما يقال. كان يتحدى ذلك الواقع، وكان ينفذ مهمة ايرانية وسورية واضحة ومحددة. قيل ان كلامه في القاهرة اثار غضب بعض الوزراء العرب، لكن ما لم يقل يومها وما تناقلته دوائر الجامعة هو انه اثار سخرية الباقين منهم، الى حد ان احدهم اقترح بل توقع ان ينال منصور وسام الشرف الايراني والسوري على خطوته الشجاعة التي لم يكن ليقدم عليها وزيرا خارجية الجزائر او السودان وهما آخر المتعاطفين العرب مع النظام السوري.

  الاهم من ذلك ان منصور لم يكن في عرضه الاخير منقطعا عن بيئته التي تسير اليوم بغالبيتها الظاهرة خلف هذا الخيار الانتحاري، مصطدمة مع محيطها العربي ، بعدما اكتشفت متأخرة انه متخاذل ومهادن للاعداء، بقدر ما هو قوي شديد البأس على نظامي المقاومة والممانعة السوري والايراني. والغالبية المقصودة هنا تضم تلك النخبة الشيعية التي لم تكن يوما تكن الود لهذين النظامين، ولا حتى لخيار المقاومة ، لمعرفتها بحدود قوة الطائفة والمخاطر الوجودية التي تتهددها من جرائه، والتي كانت حرب العام 2006 مجرد نموذج عنها.. كما هي تعرف ان توتر العلاقة مع بقية الطوائف اللبنانية، وتحديدا مع السنة، هو سلوك جنوني، قد يكون طرد اكثر من 150 الف شيعي من بلدان الخليج، اقل نتائجه كلفة..

 هي لحظة تجمع نادرة لتلك الغالبية الشيعية حول ذلك الموقف الذي عبر عنه منصور.. وهي ناجمة عن احساس تاريخي لدى الاقلية بانها في خطر مصيري. وهو ما سبق لمختلف الطوائف اللبنانية ان شعرت به في مراحل سابقة من الحروب الاهلية المتلاحقة في هذا العالم ودفعها الى خيارات خرقاء.. قبل ان تنكسر وتدفع الثمن، وتكتشف ان ثمة فرصا وبدائل لا بد من استكشافها من اجل ضمان استمرار التعايش مع المحيط اللبناني المباشر ، ومن اجل الحؤول دون ان تصبح الحدود مع سوريا في المستقبل القريب جبهة مواجهة ومقاومة مع النظام السوري المقبل، مثلما هي حال الحدود مع العدو الاسرائيلي.

  لكن في تلك اللحظة، ثمة ملامح تمرد من داخل تلك الغالبية على ذلك المحور الذي يقودها نحو الفناء، غير آبه بمستقبلها اللبناني او العربي طبعا مثلما برهن طوال العقود الاربعة الماضية. لم يتحول الامر الى ظاهرة، لكن الكلام يتردد اكثر فاكثر عن رفض مقاتلين لبنانيين شيعة الذهاب الى الحرب في سوريا، والصوت يرتفع مطالبا بالبحث عن مخرج من تلك الحرب التي لا تدعو الى الفخر ولا تبرر الشهادة ، والحجاب يسقط عن رؤوس بعض الفتيات الشيعيات اللواتي يكتشفن عقم السلطة الراهنة للطائفة، التي اختزلها منصور بطريقة فظة.. وكاريكاتورية في آن.

المدن

الأسد حين «انتصر» لبنان حين نأى عن نفسه

زهير قصيباتي

سندعم الثوار في سورية بالطعام، فلا يقاتلون بأمعاء خاوية، إلى أن يجد بوتين الحل «السحري». إن كانت تلك هي «الرؤية» الأميركية «الجديدة» في مقاربة حرب وثورة أوشكتا على توديع عامهما الثاني في سورية، وإذا صح افتراض تفويض إدارة الرئيس باراك أوباما الكرملين تجريب حظه في إيجاد ذاك الحل، فالحال أن ما أطلقه وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال جولته الخليجية من مواقف، لا يعني سوى الانتقال من الانكفاء الى ديبلوماسية السلحفاة العجوز.

دعم أميركي لبطون خاوية، في مقابل دعم عسكري روسي- إيراني للجيش السوري بما يكفي لمنع انهيار النظام، والحؤول دون انتصار مَن يصنّفهم الكرملين «متطرّفين» أو مجموعات مسلحة. والسؤال هو هل تمخّضت وعود كيري عن «جسر جوي» لنقل الأجبان والوجبات الجاهزة الى «الجيش الحر»، فيما صواريخ «سكود» ما زالت تتساقط على المدن وتمحو الحجر والبشر؟

قد يعني إسقاط مدينة الرقة شمال سورية، بداية «تغيير لموازين القوى» على الأرض، راهنت عليه الدول التي شاركت في اجتماع روما. وفي حين لا يتبدّل التباين بين مفهوم موسكو لحوار بين النظام والمعارضة، لا يستثني الرئيس بشار الأسد، ويستبعد الغرب ودول عربية بينها دول مجلس التعاون الخليجي، أي دور للأسد في المرحلة الانتقالية، كان واضحاً أن الرئيس السوري بدّد ثمرة الضغوط الروسية على وزير خارجيته وليد المعلم الذي أعلن القبول بحوار مع المعارضين المسلحين، إذ اشترط الأسد إلقاء السلاح.

عودة الى المربع الأول إذاً، لذلك التقطت موسكو خيطاً آخر لصرف الانتباه عن مبادرتها التي ولدت ميتة، إذ تجعل الضحية جانياً، والجاني معبراً ضرورياً للحل. لكنّ اللافت في تضخيم روسيا خطر «المجموعات المسلحة» في الجولان هو تزامنه مع تلويح إسرائيل بخطوات لدرء انفلات على تخوم الهضبة المحتلة.

وإذا كان الأسد وجّه الضربة الأولى الى «المبادرة» الروسية باشتراطه أولوية إلقاء المعارضة السلاح، فالضربة الثانية سارعت إليها إيران بدعم علني لـ «شرعية» بقاء الرئيس السوري حتى عام 2014 وموعد الانتخابات المقبلة… كأن طهران توجّه رسالة الى الغرب وأميركا خصوصاً، فحواها أنها تحتكر ورقة الحل.

واضح أن التباين الروسي- الإيراني إزاء الصراع في سورية، لن يساهم إلا في ازدياد تشبث الأسد بقوله إنه لا يسمع أحداً من شعبه يطالبه بالتنحي أو الرحيل… وربما لم يسمع بسقوط سبعين ألف قتيل خلال الحرب التي يسميها «كونية». وهو إذ يعلن «انتصاره» ويغامر بإضعاف الدعم الروسي له سياسياً، يبدو رهينة حسابات إيرانية أفلحت منذ آذار (مارس) 2011، لكنها تتحول حبلاً على عنق النظام كله، كلما نجح «الجيش الحر» في استنزاف قواته.

وفي مقابل التباين الروسي- الإيراني، تباين خليجي- أميركي إزاء تسليح المعارضة، بل استياء خليجي صامت من نهج السلحفاة الذي باشرته إدارة أوباما الثانية وما زال تحت سقف قلقها من غياب ضمانات بعدم وصول السلاح الى «الأيدي الخطأ» («جبهة النصرة» وسواها من الفصائل المتشددة).

هي ذاتها الأيدي التي تراها موسكو وتل أبيب تحرك كوابيس الجولان، ويهجّر خطرها عناصر من قوات الأمم المتحدة في الهضبة. ومرة أخرى تلتقي الذرائع الأميركية والروسية، فيكسب النظام السوري مزيداً من الوقت ويخسر السوريون آلافاً من الأرواح… تربح المعارضة دعماً للأمعاء الخاوية، إغاثة أميركية غذائية، وتربح إسرائيل مزيداً من فرص الابتزاز لإدارة أوباما.

لن يكفي السوريين ترداد واشنطن مقولة فقدان النظام ورأسه كل شرعية، كما لن يوقف أسى أوباما جنون القتل والتدمير الشامل لسورية. وإن كانت حصيلة سنتين من المأساة، أقنعت الولايات المتحدة بتقديم الطعام للثوار، فالحال أن الحوار الروسي- الأميركي مرشح ايضاً لتمديد الحرب ومآسيها.

قد يبدو لبعضهم أنّ الحليف الإيراني للنظام السوري يستخدم الثورة والقلق الغربي من احتمالات تحكّم «جبهة النصرة» والمتشددين بمسارها، ورقة جديدة للتسويف في المفاوضات «النووية»، مفترضاً أن أولوية الدول الكبرى الانهماك في منع تمدد الحرائق من سورية إلى ما وراء حدودها. ولكن، ماذا لو صدَقَت واشنطن، وأعلنت نهاية السباق مع المراوغة الإيرانية؟

لعل مصير الثورة في سورية يبقى إلى حين بين مَنْ لا يسمع ولا يرى ولا يصدق في دمشق، ومَنْ يتوهم في طهران ان السلحفاة الأميركية ستظل لاعباً وحيداً.

ويبقى الأكيد هو صدق التحذيرات الأميركية- الروسية من تمدد نار الحرب في سورية إلى الجوار، فيما لبنان المنقسم على ذاته وعلى «النأي بالنفس» يتطوع وزير خارجيته بالدعوة الى تفعيل عضوية سورية في الجامعة العربية، بالتالي إحياء شرعية عربية للنظام. قبل ذلك بساعات قليلة، وصف رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم رأس النظام بأنه «إرهابي».

و «الحكمة» في لبنان أنه ينأى عن نفسه فيهرول الى الحرائق.

الحياة

الفوضى مقابل التغيير

وليد شقير

لا يمر يوم في لبنان إلا ويتأكد مدى ترابط أزماته الداخلية مع وقائع الأزمة السورية المفتوحة. وليس صدفة أن يتداخل الخلاف الداخلي حول قانون الانتخاب وتبادل الاتهامات حول السعي الى تأجيل الاستحقاق الانتخابي المقرر في 9 حزيران (يونيو) المقبل، مع الانقسام المتزايد حيال ما يجري في سورية.

وليس غريباً أن يصل الصراع في الشأنين الداخلي والسوري الى ذروة متوازية وفي توقيت واحد. ويكون من السذاجة عدم رؤية العلاقة بين إصرار رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي على الدعوة الى الانتخابات ولو على أساس قانون مختلف عليه، لكنه نافذ، وبين الحملة التي ووجهت بها هذه الدعوة من حلفاء سورية وإيران، ودعوة وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور الى رفع قرار تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية والحملة التي واجهته من قوى 14 آذار التي تعتبر أن النظام السوري آيل الى السقوط، مقابل توخي منصور الذي يمثل تطلعات «حزب الله» وحلفائه إعادة تكريس شرعية النظام تحت مظلة الجهود الدولية المفترضة سعياً وراء حل سياسي في سورية.

يختصر الترابط بين المسألتين مدى حاجة القوى السياسية الحليفة للنظام السوري في لبنان الى غطاء السلطة السياسية المركزية من أجل مواصلة سياسة دعم النظام انطلاقاً من لبنان. وبهذا المعنى يرمز الصراع على قانون الانتخاب وعلى إجراء أو عدم إجراء الانتخابات في موعدها، الى الخلاف على ما إذا كان لبنان يجب أن يكون ساحة مساعدة على إطالة عمر النظام في دمشق أم أنه يجب أن يلتزم مقاطعته. فالسلطة التي ستعيد الانتخابات إنتاجها ستحدد السياسة اللبنانية الرسمية حيال الصراع في سورية، في وقت يعتبر «حزب الله»، الفريق الأقوى والأكثر فاعلية في الطاقم الحاكم الآن أنه يخوض معركة مصير بدفاعه عن نظام بشار الأسد ولو بالسلاح وإرسال المقاتلين الى دمشق أو الى منطقة القصير وحمص في القرى والبلدات المحاذية لمنطقة نفوذه في البقاع الشمالي. فإذا ضمن أن تعزز الانتخابات أكثرية لمصلحته دعم القانون الذي يحقق هذه النتيجة. أما إذا لم يضمن ذلك، فإنه يفضل تأجيلاً مديداً لهذه الانتخابات، لأنه كما يقول أحد الوزراء يوفر له بقاء هذه الحكومة التي لن يضمن تشكيل مثلها لاحقاً، ولأنها تشكل التغطية الأفضل لسياسة الدعم السياسي والعسكري والأمني لنظام دمشق. ومجيء سلطة أخرى وحكومة مختلفة، سيجعل من الصعب تمرير المحروقات والبضائع وتهريب الأموال وتخطي العقوبات الغربية المفروضة على قيادات النظام وسفرهم وتنقلهم باتجاه عواصم مساندة للنظام، خصوصاً طهران وموسكو.

لم تعد الانتخابات اللبنانية شأناً داخلياً بحتاً، على رغم ما يردده سفراء الدول الكبرى في بيروت. ولربما تنبه هؤلاء الى مغزى عدم إجراء الانتخابات في موعدها فعادوا يدعون الى حصولها بعد أن تيقنوا أن تأجيلها هو تمديد لواقع يعاكس مواقف حكوماتهم من الأزمة السورية. ولو لم يكن الأمر كذلك لما جاء التحذير الذي أطلقته دول مجلس التعاون الخليجي بوجوب التزام لبنان سياسة النأي بالنفس، بعدما أفاد النظام السوري من وجود سلطة متماسكة فيه.

يكشف الترابط بين الانتخابات اللبنانية وبين الأزمة السورية مدى البعد الاستراتيجي لهوية السلطة السياسية المستقبلية في لبنان في حسابات القوى المتصارعة. بل ان ما يجري في لبنان، وما يهيأ له في السياق الإقليمي، قد يكون نموذجاً لما يهيأ لسورية أيضاً انطلاقاً من أراضيه.

فالنظر الى المسرح الإقليمي يشير الى تشابه الاستراتيجية المتبعة في عدد من دوله الأساسية، حيث لإيران موطئ قدم يرجح كفتها في القرار من طريق وجود حكومة لا تتمتع بمركزية القرار، ففئوية التمثيل قياساً الى تعددية القوى السياسية والطائفية كما هي الحال في العراق وسورية ولبنان، بموازاة وجود قوة عسكرية موازية لقوة الدولة، تفرض عليها حسابات جهوية، وسط تعدد الأجهزة العسكرية والأمنية الموزعة الولاءات. وإذا كان هذا يقود الى ضعف الدولة فإنه يسهل للنافذين فيها وخارجها أن يوجهوا الأحداث والقرارات، سواء باسمها أو باسم الأمر الواقع.

ولا يؤسس الوجود الإيراني المباشر على الأرض في سورية وكذلك وجود مقاتلي «حزب الله» في عدد من المناطق، وتدريب جيش شعبي موالٍ للنظام وبإشراف من طهران إلا لحالة شبيهة في ظل تداعي مركزية الدولة في سورية.

إذا بقي النظام صامداً في سورية تبقى للجيش الموازي الذي نشأ في سورية كلمته في أي تسوية إذا حان وقتها. وإذا سقط النظام وصمد الجيش الموازي الذي أُنشئ فإنه سيقوّض مركزية الدولة الجديدة التي ستنشأ لأنها ستكون عاجزة عن مد سلطتها على سائر الأراضي السورية التي ستخضع حينها لتقاسم نفوذ.

في لبنان يجري العمل على ضمان بقاء السلطة على ما هي عليه إما بالانتخابات أو بتعطيلها، وفي سورية (وفي العراق) يجري الحؤول دون تغيير السلطة وإذا تعذر ذلك فالبديل هو الحؤول دون تمكن أي نظام جديد من أن يمسك زمام الأمور إذا استمرت الحرب بين المكونات السورية من بعدها، بالإفادة من الفوضى التي يتيحها غياب أي سلطة مركزية.

الحياة

التحذير الخليجي وخرق إعلان بعبدا: خطر الفتنة يضغط لالتزام الحياد

    روزانا بومنصف

مع ان الانقسام داخل الحكومة اتسع عقب المواقف التي اعلنها وزير الخارجية عدنان منصور حول الموضوع السوري الى حد اعادة سؤال الى الاذهان تكرر في شكل او في اخر وهو لمن الامر في هذه الحكومة او هل الامر لهذه الحكومة، فان الصراع والتجاذبات داخل الحكومة تبدو ثانوية واقل اهمية من البعد الفعلي لزيارة وفد سفراء مجلس التعاون الخليجي لرئيس الجمهورية ثم اصداره بيانا يطالب السلطة بالتزام ما وعدت به في شأن سياسة “النأي بالنفس”. اذ ان لعب “حزب الله” دورا اساسيا تعاظم في الاونة الاخيرة في الازمة السورية وان وفق تبريرات مختلفة انما يثير اشكالية كبيرة لا يمكن معرفة نتائجها. وثمة مصادر عدة لم تحبذ البيانات والمواقف التي صدرت عن بعض افرقاء المعارضة السورية مهددة بالرد على ” حزب الله” في لبنان نظرا الى مخاطر كبيرة يرتبها هذا الامر على المعارضة نفسها نظرا الى ابعاد لا تدركها مع التوظيف العملاني لهذا التهديد من جهات عدة وحتى من النظام نفسه كما على لبنان. الا ان هذا التدخل من جانب الحزب وضع لبنان في عين العاصفة الغربية والعربية على حد سواء وحمل الحكومة اكثر مما تحمل في ضوء التزامها كلاميا سياسة النأي بالنفس وغض النظر الذي مارسته ازاء التدخل الحاصل في الازمة السورية.

 وبحسب مصادر معنية، فان الامر ينظر اليه من زاويتين اساسيتين على الاقل : الاولى ان دور الحزب كقوة عسكرية وتنظيمية فاعلة تملك قدرة تدريب واسلحة داعمة في الازمة السورية والى جانب النظام يهدد بنقل الازمة الى لبنان ليس عبر المعارضة السورية بل عبر فتنة طائفية لا يمكن وقف انعكاساتها. فازاء هذا التطور الذي لم ينفه الحزب بل برره بوجود قرى شيعية ولبنانيين داخل الحدود السورية فان مخاطر كبيرة باتت تخشاها دول عربية وغربية من فتنة سنية شيعية لم يخف في ضوئها بعض المصادر انه جرى العمل على بذل المساعي من اجل الحؤول دون الدفع في اتجاهها خلال زيارة الرئيس الايراني احمدي نجاد الى الازهر في مصر اخيرا كما يتم العمل على تجنب الوصول اليها عبر تدخل مرجعيات في المنطقة الى جانب المعنيين في لبنان. اذ ان لا شيء يمنع نشوء مجموعات من طوائف او مذاهب اخرى تعمل بدورها على التدخل لمساعدة الشعب السوري مما ينذر بسيناريوات سيئة بالنسبة الى لبنان ما دامت سياسة الحياد وفق ما تم الاعلان عنها في اعلان بعبدا قد خرقت باعتبار ان هذا الخرق لم يعد يشكل مرتكزا لمنع الاخرين علما انه حين صدور الاعلان رفعه افرقاء الحكومة في وجه المعارضة التي اتهم افرقاء فيها بدعم الثوار كما ان هذا الخرق من فريق سيؤدي حكما الى خرقه من اطراف اخرى.

اما الزاوية الاخرى والتي لا تستبعد المصادر ان تندرج من ضمن نظرة دول مجلس التعاون الخليجي الى ما يحصل انطلاقا من لبنان فهي تتمثل في ان هذا الموقف الخليجي يبدو منسجما مع نظرة دول الخليج الى دور ايران في سوريا وعبر “حزب الله” انطلاقا من لبنان الى سوريا. فللصراع القائم مع ايران حول سوريا وتورطها المعلن على ألسنة مسؤوليها مباشرة تردداته في دول الخليج العربي التي قبلت سياسة النأي بالنفس من جانب لبنان على مضض في بداية اعتماد هذه السياسة ثم وجدت في ذلك فائدة للبنان وتحييدا له عن تداعيات الوضع السوري وهي تجد نفسها تحذر من التخلي عنها راهنا واسقاطها . وهو تحذير وجهته الدول الغربية ايضا الى الحكومة. ولذلك فان السؤال هو هل يستطيع رئيس الجمهورية اعادة لم شمل الافرقاء من اجل تجديد التزام اعلان بعبدا وحض الافرقاء على التزام استراتيجية حماية البلد ام لا. اذ يخشى في ضوء ذلك ليس رد الفعل العربي والغربي انما المخاطر المتزايدة التي بات يعبر عنها التوترالقائم سياسيا وامنيا ويستشعره الجميع.

النهار

«حزب الله» وسورية… سياسة السير نحو الهاوية

أحمد محمود عجاج *

لم يكن يدور في خلد قادة حزب الله أن يأتي يوم ويروا أنهم وصلوا إلى أدنى درجات التأييد في العالم العربي، إن لم نقل العداء. هذا التحول الدراماتيكي لم يكن سببه فقط غزوة السابع من أيار لبيروت، مع تداعياتها السلبية، بل الدعم غير المشروط للنظام السوري في حربه ضد المعارضة المطالبة بالتغيير والحرية. والمستغرب أن حزب الله لا يزال مصراً على السير في هذا الطريق مع أن كل المؤشرات تدل على أنه طريق مسدود، ورغم تسليم جميع المراقبين بأن حزب الله بقدر ما هو حزب عقائدي فإنه يتمتع بالبراغماتية، والحكمة السياسية، والتخطيط الاستراتيجي. إذاً لماذا يتشبث حزب الله بهذا المسار مع كل ما لديه من مؤسسات، ومخططين، ونظم معلومات وغيرها؟ لا يمكن الجزم بسبب واحد ولكن من الممكن التكهن بأسباب عدة قد تشرح تمسك حزب الله بهذه السياسة الخاطئة والقاتلة.

أولاً، حزب الله بتكوينه، ورؤيته، وأهدافه ليس حزباً عادياً بمعنى أنه يُجيِّش قاعدته الشعبية من اجل التنافس على السلطة، وتحقيق مكاسب سياسية، بل هو حزب عقائدي لديه أهداف نهائية يعتقد أنها ستتحقق، وأنه بتحققها سيسود السلام والعدل. وقد عبر الأمين العام للحزب مراراً عن زهده بالسياسة مؤكداً أن الحزب تركها، ومستعد لتركها، إذا ما شعر بأن الساسة اللبنانيين يتصرفون بما يخدم البلاد، وبما لا يشكل خطراً على المقاومة.

ثانياً، حزب الله في معركته مع إسرائيل يتحتم عليه نسج علاقة متميزة مع سورية من اجل حماية ظهر المقاومة. وقد مدح الأمين العام لحزب الله قادة النظام السوري، في عز اشتداد القمع الداخلي في سورية، ووصفهم بأنهم حموا المقاومة، ونعى بعضهم بأجمل العبارات.

طهران في المعادلة

ثالثاً، علاقة حزب الله بسورية تحكمها توجهات اكبر من قيادة الحزب، ومصدرها طهران. ورغم ادعاء الأمين العام للحزب أن طهران لا تفرض رؤيتها، وأنها تعطيه كل ما تعطيه من اجل دعم المقاومة فقط لا يمكن التسليم بسهولة بما يقول لأن السيد حسن نصرالله أكد في أكثر من مناسبة إيمانه بولاية الفقيه، وأنه مجرد جندي في هذه الولاية. وعلى هذا يمكن فهم علاقة حزب الله بسورية على أنها علاقة تؤطرها طهران التي استثمرت في النظام السوري استثمارات هائلة سياسية ومادية وعسكرية وعقائدية. فالنظام في طهران سلم لدمشق بالملف اللبناني في أيام الرئيس حافظ الأسد، ووفر كل الدعم المالي والسلاح، وزاد دعمه في كل تلك المجالات في عهد الابن بشار الأسد، لأن الابن فاق أباه في مجالات التعاون مع طهران وبالذات في مجالات الانفتاح الديني مما أثار في مناسبات عدة احتجاجات رجال الدين السنّة في سورية، وبعض المشايخ في الطائفة العلوية الذين اشتكوا من موجة التشيع الإيراني في صفوف أبناء طائفتهم.

رابعاً، التمهيد للدولة لاستكمال الاستراتيجية الإيرانية يتطلب الدفاع المستميت عن النظام في سورية بعد تمكن إيران من السيطرة على العراق، وبالتالي وصولها براً إلى قلب دمشق، ومنها إلى لبنان لتصبح إيران بذلك دولة مواجهة مع إسرائيل. وبهذا تتمكن من اللعب بالأمن الإسرائيلي بما يخدم مصالحها المتعددة ومن أهمها الملف النووي. هنا من المناسب التذكير بأن الأمين العام لحزب الله لم يخف أبداً استعداده لضرب إسرائيل إذا ما حاولت إسرائيل ضرب طهران، ولم تخف إيران أن طائرة «أيوب» الاستطلاعية نقلت الصور والمكالمات التي التقطتها مباشرة إلى مركز القيادة في طهران.

خامساً، الإيمان المطلق ولربما الاغترار بالذات بعد تمكن حزب الله من الصمود في وجه إسرائيل، وليس الانتصار كما تروج الدعاية الإعلامية، لأن ثمة فرقاً كبيراً بين الانتصار وبين الصمود، ولا داعي للاسترسال بذلك، ولكن المهم أن قادة حزب الله يعتقدون أن الله يسدد خطاهم، وأنه معهم، وبالتالي فإن النصر الذي حققوه، كان نصراً إلهياً. إنه نصر يشبه معركة بدر التي كان فيها المسلمون قلة وانتصروا على الكثرة من المشركين. فحزب الله المتواضع في عتاده ورجاله انتصر على اكبر دولة عسكرية، ولا يمكن تفسير ذلك إلا بتدخل الإرادة الإلهية. هذا الاعتقاد يولد اغتراراً بأن الحزب كونه يدافع عن المستضعفين، وكونه ملتزماً بالإيمان، فإن الله سيكون بجانبه في كل معركة يقررها قادته المؤمنون.

هذه الأسباب قد تفسر نوعاً ما سياسة الحزب تجاه الأزمة السورية ولكنها تؤكد بقدر ما تفسر هشاشة هذه الاستراتيجية ومدى تعارضها مع الواقع السياسي الداخلي والدولي، وحتى مع الفهم الديني للطائفة الشيعية. فحزب الله في لبنان رغم فهمه العميق للساحة اللبنانية برهن أنه في ضوء التصلب العقائدي نسي أبسط قواعد التركيبة السياسية والطائفية اللبنانية. فحزب الله بدخوله المعترك السوري، ونظراً إلى العامل الطائفي في المعادلة السورية، استعدى الطائفة السنية إن لم يكن كلها، فبأكثريتها الساحقة، وأصبح في وطن لا يجد فيه عوناً من أكبر الطوائف اللبنانية. ولم يصل الأمر عند استعداء الطائفة اللبنانية بل بتحالفه مع الجنرال ميشال عون، على قاعدة ليأخذ ما يشاء الجنرال طالما يدعمنا، أثار حفيظة قادة كبار في الطائفة المسيحية خوفاً على وجودهم السياسي، وخوفاً على لبنان.

حزب الله في المعادلة اللبنانية لم يعد حزباً محصناً، ولن يقف معه الجميع، وهو الآن بدخوله المعترك السوري أصبح يخوض حرباً مع أبناء وطنه، ومع اشتداد الحرب سيشتد العداء إن لم يغير موقفه قبل فوات الأوان. هذا الواقع دفع بقادة دينيين من الطائفة الشيعية إلى استشعار الخطر على طائفتهم، وسمعتها من أمثال الأمين العام السابق لحزب الله صبحي الطفيلي، وهاني فحص، والسيد علي الأمين وغيرهم.

على الصعيد الدولي فإن حزب الله لم يعد الحزب الذي يحمي لبنان بل اصبح عبئاً على لبنان وعلى سمعته واقتصاده وعلى اللبنانيين في الخارج. وقد أثبت الاتهام الأخير لحزب الله بتفجير حافلة الركاب في بلغاريا أن ما يحصن حزب الله هو خوف الدول المؤثرة على الدولة اللبنانية وليس على الحزب، بمعنى أن الحزب بنظر تلك الدول اصبح عامل تفجير داخلي، وأن أي ضغوط عليه، أو على لبنان ستفجر الوضع اللبناني. وهذا أخطر ما يشكله حزب على مستقبل وطن. إن حزب الله باستمراره في تحدي الأسرة الدولية، ورفضه الانصياع لقرار المحكمة الدولية، وإيمانه بالنصر (الإلهي) في سورية، وإصراره على طهوريته الأخلاقية والسياسية في لبنان، مندفع إلى مزيد من التأزم، وسيدفع معه لبنان إلى واقع مرير، ما لم يُعدْ النظر في قراره الخاطئ.

* كاتب لبناني مقيم في لندن

“حزب الله” والتدخّل العلني في سوريا

    عبد الوهاب بدرخان

لم يُسأل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبالتالي لم يعط رأياً أو يرد على ما قاله نظيره العراقي نوري المالكي من “حرب أهلية في لبنان” في حال انتصار الثورة السورية وسقوط النظام. لكن ميقاتي اعتبر ان كلام السيد حسن نصرالله عن “الفتنة” كان “استنهاضياً” للوطن والشعب، ولم يحدّد أي وطن وأي شعب، ولم يشرح ما هي وجهة الاستنهاض. الأرجح أن حتى نصرالله لم يتخيل أن هذا الوصف يناسب التهديدات المبطّنة التي أدلى بها. ذاك ان الأمين العام لـ”حزب الله” وزعيم “حزب الدعوة” العراقي تحدثا في ضوء ما تعتزمه ايران وما يتعهدان تنفيذه.

بلغ النأي بالنفس عند ميقاتي حد عدم التدخل في ما يفعله “حزب الله” في القصير، داخل سوريا، وكأنه لا يعنيه، رغم دفاعه القوي عن تحييد لبنان وفقاً لسياسة الحكومة و”اعلان بعبدا”. فأين هذان “الاعلان” و”السياسة” من انفراد “حزب الله” بالتدخل المباشر في سوريا، وبالسلاح الثقيل، وتركه الحديث عن تورطه يتخذ شيئاً فشيئاً الصفة العلنية حتى يصبح جزءاً لا يتجزأ  من المشهد السوري. هذا يفترض ان الحكم والحكومة يعتبران “حزب الله” كياناً غير لبناني، وانه موجود على الحدود هناك بصفته الايرانية، وبحكم التنسيق بين النظام السوري وايران، أي انه لا يبقى للدولة اللبنانية سوى السكوت أمام الأمر الواقع.

هل ان السكوت يضفي “شرعية” على تدخل “حزب الله” في سوريا؟ الجواب: بمقدار ما انه يعطي “شرعية” لـ”السلاح غير الشرعي” داخل لبنان. وفي الحالين لا يبالي “حزب الله” بأن تكون له شرعية، ولا يكترث، فلبنان ارض سائبة يتصرف فيها وبها كيفما تشاء طهران. اما “الدولة” الموجودة على تلك الارض فلها مهمة واحدة هي ان تغطي الممارسات “غير الشرعية” للحزب، بل ان تتولى حماية خطوطه الخلفية، لذلك ينشط الأمن عملياته داخل لبنان. وهذا أمر يريده اللبنانيون ويطلبونه يومياً وبإلحاح، لكنهم مدعوون الى قبول ثمنه فإما السكوت على المغالات الخارجية لـ”سلاح المقاومة” وإما “الفتنة” في الداخل.

لكل من حسن نصرالله ونوري المالكي مشكلة مع المكوّنات الأخرى في البلدين اللذين يحكمانهما ويخضعانهما للمشروع الايراني. وعلى هذا فإن المفهوم الايراني لـ”الحل” في سوريا يتعارض مع اي حوار ليتماهى مع اي حسم عسكري وإلا فإشعال المنطقة.

في المقابل، اذا كان الحكم والحكومة يتوقعان امتنان اللبنانيين لدرئهما خطر الفتنة “عنهم فلعلهما يدركان ان تغطيتهما ولو القسرية لـ”حزب الله” ربما تؤسس لفتنة أشد وأوهى. وانطلاقاً من ذلك يزداد الاحباط من عجز الدولة وتفككها وانكشافها ديكوراً للمشروع الايراني الذي سجل أيضاً حضوره وسطوته واستعداده للتأثير في الانتخابات، اذا أمكن اجراؤها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى