مقالات تناولت موقف الرئيس أوباما من المسألة السورية
سوريا ومكافحة الإرهاب/ طارق الحميد
رفضت الخارجية الأميركية التعليق المباشر على عزم الرئيس أوباما السماح لقوات بلاده بتدريب مقاتلين من المعارضة السورية المعتدلة، وهو ما كشفت عنه صحيفة «وول ستريت جورنال»، إلا أن الخارجية قالت: «ننظر إلى سوريا كمشكلة طابعها مكافحة الإرهاب. وبالتأكيد، إننا نأخذ هذا الأمر في الاعتبار في الخيارات التي نبحثها».
ومع الإيمان التام بأن ما حدث، ويحدث، في سوريا هو ثورة حقيقية، فإنه يمكن القول، إن هذا التقييم الأميركي الآن معقول، ومقبول، لكن السؤال هو: ما الذي قدمته واشنطن في سوريا لمحاربة الإرهاب حتى الآن؟ الحقيقة أن الإدارة الأميركية، وما قبلها، صرفوا مبالغ مالية طائلة على مكافحة الإرهاب، سواء بالأسلحة، وبالتعاون مع حلفاء، أو من خلال القيام بمهام استخباراتية كبيرة في المنطقة، إلا أن كل هذه الجهود لم يبذل منها ما يذكر في سوريا التي لا تتوقف موسكو، وإيران وحلفاؤها، عن دعم جرائم الأسد فيها بالمال والسلاح والرجال، والمعلومات الاستخباراتية، بينما لا تجد المعارضة المعتدلة الدعم الحقيقي، والنوعي، من الغرب وأميركا، لكسر شوكة الأسد، والإرهاب، وهما وجهان لعملة واحدة، سواء كان إرهاب «القاعدة» أو «حزب الله».
لقد أضاعت إدارة أوباما في الأعوام الثلاثة الماضية فرص دعم وتقوية الجبهة المعتدلة بالمعارضة، وقدم الرئيس أوباما نفسه أعذارا واهية طوال العام الماضي، حيث كان ينكر وجود مقاتلين سوريين حقيقيين معتدلين على الأرض، لكن الأخبار اليوم تقول إنه ينوي تدريبهم، وهناك أحاديث عن دعمهم نوعيا، وتحديدا بالصواريخ المضادة للطائرات، فهل تنبهت الإدارة الأميركية لخطئها هذا الآن، وبعد كل التسويف الروسي، والتضليل المستمر من قبل الأسد نفسه؟ الإجابة غير مهمة، لأن الأهم الآن هو التحرك الفعلي لدعم معتدلي المعارضة وتمكينهم من كسر شوكة الإرهاب والأسد لأنهما وجهان لعملة واحدة، كما أن الخطر واحد، سواء من «القاعدة» أو «حزب الله» في سوريا.
والإشكالية التي يجب الإقرار بها هي أن موسكو وإيران ليستا عنصري اعتدال في سوريا، ولن تكونا كذلك ما لم يتم دعم معتدلي المعارضة بالسلاح النوعي، وليس بالتدريب فحسب. فما لا يدركه الأميركيون، وهو ما سمعوه بشكل مفصل مؤخرا من الشيخ أحمد الجربا، أنهم فعلوا الكثير في إطار محاربة الإرهاب بالمنطقة باستثناء سوريا التي باتت أرضا خصبة للإرهاب السني والشيعي، وهو ما سيدفع المجتمع الدولي كله ثمن تجاهله، وليس المنطقة فحسب.
ولذا فإنه ليس من المصلحة الاعتراض على الرؤية الأميركية للأزمة السورية الآن، وكونها تقع ضمن إطار مكافحة الإرهاب، وإنما الأهم هو إقناع واشنطن بضرورة التحرك الفوري وعدم إضاعة مزيد من الوقت، والأرواح، وخصوصا أن المعارضة المعتدلة قادرة وعازمة على مقاتلة تطرف الأسد وغيره، وكل ما تحتاج إليه المعارضة هو الدعم النوعي الحقيقي، ومن المصلحة دعم المعتدلين في المعارضة لمحاربة الإرهاب والأسد في سوريا، وعلى يد السوريين أنفسهم، وليس عبر مقاتلين أجانب، فهل تستمع إدارة أوباما لصوت العقل، ولو متأخرة؟ هذا هو المؤمل.
الشرق الأوسط
خطاب آخر/ هشام ملحم
كلما وجد الرئيس الأميركي باراك أوباما نفسه محاصرا وهو يواجه أسهم ونصال خصومه في الداخل او الخارج، يرد بهجوم لفظي مضاد على شكل خطاب بليغ يحاول فيه صوغ المشكلة او الخلاف او المأزق بطريقة جديدة، فينجح في بعض الاحيان في تبديد الضبابية التي تحوط عادة بالمشاكل والأزمات المعقدة التي تعصى على الحلول السهلة.
الانتقادات الشرسة التي تعرض لها أوباما بسبب ادائه الرديء في سوريا، وادائه الضعيف في اوكرانيا، واستعجاله الانسحاب من افغانستان، ودعمه لحكومة نوري المالكي في العراق، واتساع دائرة وخطر الارهاب المنبثق من تنظيم “القاعدة” الأم، دفعته مجددا الى الوقوف وراء منبر كلية ويست بوينت العسكرية لمخاطبة الاميركيين والعالم وطمأنتهم الى أن اميركا لن تتخلى عن مسؤولياتها الدولية، ولن تنسحب من شؤون العالم كما يدعي كثيرون.
يريد أوباما ان ينهي ولايته بالقول انه عندما انتخب للمرة الاولى كان لاميركا 180 الف عسكري في العراق وافغانستان، ومع نهاية ولايته الثانية لن يكون لها أي جندي يحارب في الميدان. ولفهم تردده في المشاركة في الحرب الليبية، ورفضه حتى الان التدخل القوي في حرب سوريا، يجب ان نعود الى ما قاله عن الحروب عام 2008 قبل انتخابه: “أنا لا أريد فقط انهاء الحرب، لكنني أريد انهاء العقلية التي ورطتنا في الحرب أصلا”.
وأوضح أوباما في خطابه ان الولايات المتحدة لن تستخدم القوة العسكرية النظامية مباشرة الا اذا تعرضت هي او حلفاؤها لهجوم مباشر. وبالنسبة الى سوريا، هناك زيادة في حجم تدريب المعارضة المعتدلة للتصدي ليس فقط لنظام الاسد، بل للفصائل الارهابية. يحاول اوباما متأخرا، تعويض خطئه الكبير في عدم دعم المعارضة قبل سنتين، وهو الان مضطر الى معالجة مضاعفات تردده.
يريد اوباما ايضا انهاء “الحرب على الارهاب” ، وهو يذّكر الاميركيين بانه تخلص من اسامة بن لادن، لكن هذه الحرب، كما نرى من انتشار فروع “القاعدة” في اليمن العراق وسوريا، لن تنتهي في أي وقت قريب.
وانشاء صندوق لمساعدة الاصدقاء على مكافحة الارهاب بقيمة خمسة مليارات دولار لن يغير كثيرا طبيعة الازمة نظرا الى ان الانظمة التي تعاني آفة الارهاب غير ديموقراطية يستشري فيها الفساد .
وزير الدفاع سابقا روبرت غيتس كشف انه كان يقول لاوباما: اذا كبست على زناد المسدس، فعليك ان تكون مستعدا لاطلاق النار. أوباما ينفي ان تكون اميركا في حال تراجع، لكنه كما يقول غيتس وغيره أوجد انطباعا في العالم أنه يفعل ذلك. المعلق روبرت كيغن كان محقا حين قال: الدول العظمى لا تستطيع التقاعد.
النهار
أوباما.. عودة إلى ‘مكافحة الإرهاب/ حسين عبد الحسين
أراد الرئيس الأميركي باراك أوباما، ان يكحلها، فأعماها، على حسب القول المأثور. فبعد أشهر من الانتقادات حول سياسته الخارجية، أطل الرئيس الأميركي في خطاب أعلن فيه ضمنيا التخلي عن سياسة “الاستدارة” نحو آسيا، وأعاد تقديم “مكافحة الإرهاب” كأولى أولويات ادارته في السنتين والنصف المتبقية له في الحكم.
ويبدو ان أوباما لا يعتقد ان المشكلة تكمن في سياسته الخارجية، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة، بل هو يرى أن المشكلة هي في عدم تقديم هذه السياسة بفصاحة كافية. هكذا، أطل الرئيس الأميركي في خطاب امام اكاديمية “وست بوينت” العسكرية المرموقة، ليكرر ما دأب هو وافراد فريقه على قوله على مدى السنوات الماضية، بل ليزيد من غموض مواقفه تجاه بعض القضايا المطروحة.
في سوريا، لم يعد الهدف ان يقف الأسد جانباً ليفسح المجال امام الإصلاح، بل صارت المشكلة هي “المعاناة الرهيبة” التي لا يمكن ايقافها بالقوة العسكرية، بل حصراً بالحل السياسي الذي تعثر في جنيف مطلع العام، وتوقف حتى إشعار آخر، حتى أن الأمم المتحدة لم تكلف نفسها عناء تعيين خلف لمبعوث السلام المستقبل الأخضر الابراهيمي.
وتمسك أوباما بفزاعة التهويل من أي تدخل أميركي في سوريا بربطه بأي نوع تدخل بمشاركة قوات أميركية على الأرض السورية، وهو سيناريو لم يحصل ان اقترحه أحد لا من السوريين ولا من الاميركيين المؤيدين لتدخل أميركي في سوريا. اما هدف أوباما من التهويل، فهو البقاء بعيداً عن الصراع السوري المسلح.
وبمزيد من الغموض، أضاف أوباما: “لكن ذلك لا يعني اننا لا يجب ان نساعد الشعب السوري للوقوف في وجه ديكتاتور يقصف ويجوع شعبه، وفي مساعدة أولئك ممن يقاتلون من اجل حق كل السوريين في اختيار مستقبلهم”. وكلمة “يقاتلون” في الإنكليزية تحتمل التأويل، ويمكن ان يكون “القتال” سلمياً وغير عسكري.
لكن من يستمع الى مجمل خطاب الرئيس الأميركي، يدرك ان أوباما لا يريد البقاء خارج الصراع السوري كما يدعي، إذ ان هذا الصراع يقع ضمن سياق أوسع، تتبناه الولايات المتحدة وهو مكافحة الإرهاب. لذا، أصر أوباما ان بلاده تسعى لمكافحة “الاعداد المتزايدة للمتطرفين الذين يجدون ملاذا آمنا في الفوضى” في سوريا.
هنا يصبح السؤال: كيف تكافح أميركا التطرف في سوريا من دون أن تتدخل عسكريا؟ الإجابة نظرياً تكمن في الشق العام، الذي قال فيه أوباما أن على واشنطن ان تسعى الى شراكة مع حكومات العالم لتدريب قواتها وتسليحها لمساعدتها على مكافحة الإرهاب.
في الوضع السوري، من هو شريك واشنطن في مكافحة “التطرف المتزايد”؟ المعارضة التي لا تسلحها واشنطن أم الأسد؟ الإجابة غائبة، ولكن الحديث داخل أروقة القرار الأميركي تردد انه على المعارضة والأسد سوية مكافحة الإرهاب.
واليوم، عندما تتحدث واشنطن عن الأسد، فإنها لا تعني النظام السوري، بل تفكر في الإيرانيين. بمعنى آخر، في حال تم التوصل الى اتفاق نهائي حول ملف إيران النووي، لا تمانع واشنطن من التعاون مع طهران في “مكافحة الإرهاب”، وهذه لازمة يكررها المسؤولون الإيرانيون، وخصوصاً عند إطلالاتهم المتكررة عبر الإعلام الأميركي، مثلما فعل وزير الخارجية جواد ظريف عبر مقالة نشرها في مجلة “فورين افيرز” واتبعها بمقابلة مع مجلة “نيويوركر”.
الحل في سوريا، حسب تفكير أوباما غير المعلن، يكون في اتفاقية إيرانية مع المعارضة السورية، برعاية أميركية، لمكافحة الإرهاب.
وفي مصر، كما في سوريا، قدم أوباما رؤيته بصراحة وغلفها بغموض، فللمرة الأولى يقول أرفع مسؤول أميركي ان مصالح واشنطن في مصر امنية فقط، وتتركز على الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، ومكافحة الإرهاب. وغالباً ما يضيف المسؤولون الاميركيون أن مصالحهم تتضمن كذلك حرية الملاحة في قناة السويس، وحق استخدام طائراتهم العسكرية للمجال الجوي المصري. ولأن هذه المصالح مؤمنة، لم تقطع أميركا مساعداتها عن مصر، لا في ظل حكومة طنطاوي، ولا مرسي، ولا السيسي، ولا تنوي أن تقطعها بغض النظر عن التقلبات المصرية الداخلية.
هكذا، في الشؤون الداخلية المصرية، قال أوباما أن بلاده ستسمر بالمطالبة “بالإصلاحات التي طالب بها المصريون”. ما هي هذه الإصلاحات؟ وعن أي مصريين يتحدث؟ غموض استخدمه أوباما للتعبير عن عدم اهتمامه للصراعات السياسية في الداخل المصري.
ختاماً، كرر الرئيس الأميركي اعتقاده بوجود فرصة تاريخية سانحة للتوصل إلى اتفاق حول ملف إيران النووي، واعتبر أن أي اتفاق سيكون أكثر فاعلية ومتانة من أي عمل عسكري.
أين الجديد في سياسة أوباما الخارجية للفترة المتبقية من حكمه؟ لا جديد. غير انه تخلى عن سياسة “الاستدارة” نحو آسيا الخيالية، التي تحدث عنها على مدى الأعوام القليلة الماضية، والتي تحولت إلى مدعاة سخرية بين منتقديه. أما سياسة أميركا في الشرق الأوسط، فهي تبدو أنها عادت إلى الصدارة في واشنطن، لكن ذلك لا يعني أن أوباما ينوي تغيير شيء فيها.
المدن
العيش في ديار الموتى/ جون ريتش
رفعت واشنطن (ومن بعدها باريس) درجة دعمها للمعارضة السورية الممثلة بالائتلاف الوطني. اقترب الائتلاف السوري من مرتبة الدولة المعترف بها خطوة أخرى. دولة تشبه في واقع الأمر الدولة الأمريكية نفسها: تقيم مؤسساتها على أرض مستأجرة، وتكاد مثلها أيضا تدافع عن شعب ليس شعبها.
دولة الائتلاف تشبه الدولة الأمريكية لأنها بمعنى ما تستطيع ادعاء تمثيل الشعب السوري كله، وتستطيع التنصل من ادعائها ساعة تشاء. عقدة الحل تتمثل في رغبتها وطموحها. يستطيع كائن من كان، لو وضع في موقع رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربا، أن يعلن، بدون أن يلومه أحد، خلال المؤتمر الصحافي مع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أن المهمة التي يدعى الائتلاف إلى إتمامها تفوق طاقته، وأنه تبعا لهول هذه المهمة، يستقيل من واجباته تلك وليتحمل العالم مسؤولياته. الولايات المتحدة: الدولة العظمى، بل الدولة الأعظم تفعل ذلك طوال الوقت. تتنصل من مهماتها وواجباتها وتدعو العالم إلى أن يتحمل مسؤولياته حيال الكارثة.
المهمات الملقاة على عاتق الائتلاف السوري المعارض، التي تحددها واشنطن وتصر عليها، تبدو متناقضة. فهو مطالب بأن يسقط نظام الأسد، المدعوم من دولة إقليمية كبرى ودولة عظمى على نحو لا لبس فيه، والذي يتم رفده بمقاتلين مدفوعي الأجر من الخزانة الإيرانية، من لبنان والعراق وإيران وأفغانستان. والائتلاف مدعو أيضا إلى مقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وإخراجها من سوريا وهزيمتها، في وقت يدفع فيه حليف واشنطن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي عناصر داعش وقياداتها دفعا إلى سوريا. في حرب لم ينجح حتى الآن رغم الدعم الأمريكي والإيراني المعلن لحكومته وجيشه، في حسمها أو جعل مآلاتها تصب في مصلحته. والائتلاف مطالب أيضا بمقاتلة جبهة النصرة التي تصنفها واشنطن تنظيما إرهابيا، والتي تقاتل داعش وتدفع بمقاتليها وتشكيلاتها دفعا نحو التراجع نحو الداخل العراقي. لكن المهمة التي تلقيها واشنطن على عاتق الائتلاف لا تترافق مع تسليح منتظم للجيش السوري الحر، بما يمكنه من الصمود والمواجهة في وجه هذا الكم الهائل من الأعداء الأقوياء. والحال، هذا ليس تحميلا للائتلاف ما لا طاقة له على حمله. هذا نوع من الدعوة الواضحة إلى الهجرة من سوريا، ودعوة إلى التيقن ألا مستقبل لتلك البلاد ومن فيها. مع ذلك، أصبح للائتلاف السوري المعارض نوع من الحضور القانوني على المستوى الدولي. حضور يكاد يساويه بحضور نظام الأسد. فمع رفع واشنطن وباريس درجة تمثيله إلى مرتبة التمثيل الدبلوماسي، باتت سوريا الرسمية في الولايات المتحدة وفرنسا سوريتين: واحدة تتبع لنظام الأسد وأخرى يمثلها الائتلاف المعارض. والحال، لا يندر أن تجد في صفوف المعارضة السورية من يطمح أن يعامل على قدم المساواة مع النظام في المحافل الدولية والعواصم. وهذا طموح مشروع، لكنه أيضا يقوم على مفارقات مذهلة.
تقاتل القوات النظامية السورية قوى متعددة، وتدعي أنها كلها قوى إرهابية ظلامية تكفيرية. في هذا الادعاء إسقاط مجحف للجيش السوري الحر، لكنه ادعاء لا يخلو من صحة، إذا نظرنا إلى موزاييك القوى التي تتشكل منها المعارضة السورية. مع ذلك تقاتل القوات النظامية إلى جانب ميليشيات شيعية من لبنان والعراق وأفغانستان، لا أحد يحاسب النظام، المدجج بالسلاح الروسي والإيراني حتى أسنانه، على تحالفه مع هذه القوى الإرهابية المتطرفة، لكن الائتلاف المنزوع السلاح يحاسب على عجزه عن مقارعة النصرة وداعش.
في حربها ضد من تسميهم إرهابيين لا تأبه القوات النظامية السورية بتدمير المدن السورية وجعلها أثرا بعد عين. صور حمص تدمي قلب التاريخ نفسه. وتدمير المدن ليس تدميرا للحجر فحسب، بل هو تدمير لمصانع الاعتدال، أكنا نتحدث عن حمص أم عن بوسطن. حين تصبح المدن خرابا وأثرا بعد عين، لا يبقى للأحياء الذين كانوا يقطنونها أو يعيشون في أريافها مكانا لاستيلاد التنوع الاجتماعي والتعدد الثقافي والطائفي والإثني. تصبح البلاد كلها عبارة عن جزر عائلية أو مذهبية أو إثنية، وغالبا ما يترافق هذا التحول مع اضطهاد حاسم للنساء، إذ سرعان ما تسود ثقافة الفرسان الذكورية وتهيمن على كل ما عداها في أحوال كهذه، بوصفهم الحماة والمدافعين عما تبقى. لا يحاسب النظام على تغذية التعصب في حربه تلك، لكن الائتلاف مطالب بأن يعيد توليد التنوع والتسامح والتعدد والمساواة في مهد الخراب الذي آلت إليه المدن
تمتنع واشنطن عن تزويد مقاتلي المعارضة المعتدلين بأسلحة مضادة للطائرات، ورغم كل الاقتراحات التي قدمتها المملكة العربية السعودية من أجل ضمان عدم وقوع هذه الأسلحة في أيدي المتطرفين، إلا أن واشنطن امتنعت عن السماح بتقديم مثل هذه الأسلحة للمعارضة.. الأخبار والصور التي يبثها الناشطون منذ أشهر تدل، بما لا لبس فيه، الى أن مقاتلي المعارضة باتوا يعيشون تحت الأرض في أنفاق مجهزة للقتال والصمود، وأنهم ما عادوا معنيين كثيرا بالدفاع عما يقع فوق الأرض. والحال، يدفع التمنع الأمريكي المعارضة السورية إلى العيش تحت الأرض والموت فوقها، في حين أن الشعوب تعيش فوق الأرض وتدفن تحتها. وهذا التحول الخطير في أمكنة العيش والموت ستكون نتائجه وخيمة على سوريا ومحيطها وربما على العالم بأسره. لأنك حين تحول شعبا كاملا إلى العيش في الظلمة وتطلب منه الموت تحت نور الشمس، فإنك تجعل كل اجتماع يقيمه هؤلاء أو ينجحون في استيلاده اجتماعا بدائيا بريا، يدرك جيدا أن كل ما أنجزته الحضارة الإنسانية هش وغير قابل للصمود، وأن المأوى الوحيد والملجأ الأخير من الموت يتمثل في العيش في أمكنة الأموات وديارهم.
التمنع الأمريكي والدولي عن تسليح المعارضة السورية «المعتدلة» لن ينتج حقنا للدماء، ولن يفني المتطرفين من الجهتين بحسب ما يأمل طاقم إدارة أوباما، ولن يسمح للعالم الغربي بالبقاء في موقع المتفرج على مذبحة من شأنها أن تعيد ترتيب القيم الكونية مرة أخرى، على نحو ما أعادت نتائج الحرب العالمية الثانية ترتيب القيم في النصف الثاني من القرن العشرين وما تلاه. لكنها من دون شك ستجعل من سوريا وجوارها حقلا للقتل واختبار الأسلحة لن ينجو من ثقله ضمير الإنسانية، ولن تنجو الحضارة المعاصرة من آثاره المدمرة.
٭ كاتب امريكي
أوباما يختار استراتيجية تجنيد الآخرين في الحروب الأميركية/ راغدة درغام
لم يأتِ الرئيس باراك أوباما برؤية للسياسة الخارجية الأميركية وأمنها القومي في السنتين المقبلتين مغايرة للرؤية التي بدأ فيها عهده رئيساً للولايات المتحدة، فالرجل منذ البداية أوضح أنه لن يحارب ولن يخوض مغامرات عسكرية مباشرة لأنه يتبنى سياسة شن الحروب السرية بطائرات من دون طيار (درونز) Drones ويوكل التجنيد البشري في الحروب لغير الأميركيين، أي ما يُعرَف بـ Subcontracting. باراك أوباما منذ البداية قرأ الشعب الأميركي بأنه لا يريد للقوات الأميركية المسلحة أن تدوس ساحات المعارك في حروب الآخرين، وهو فهم تماماً أن الحروب الأميركية الجديدة تتطلب قطعاً ألا تعود الجثث الأميركية من ساحات المعارك، فجعل من ذلك أولوية له. ما لم يتمكن أوباما من إنجازه في سنواته الست الماضية هو إقناع شعبه والعالم بأن سياساته الخارجية صائبة لجهة المصلحة القومية الأميركية أو لجهة القيادة الأميركية الدولية، حتى في ما أسماه بالحرب على العنف المتطرف –متجنباً استخدام تعبير سلفه جورج دبليو بوش بالحرب على الإرهاب– بدا أوباما ساذجاً في افتراضه أن قتل أسامة بن لادن سجّلَ له تركة Legacy يشهد له التاريخ بإنجازها، فالتطورات السورية أثبتت فشل أوبامية الامتناع والتنصّل والنأي بالنفس، حيث إن تلك السياسة ساهمت جذرياً في إطالة النزاع وفي تفريخ الإرهاب المحلي والإقليمي والدولي الذي قد يطيح بمزاعم القضاء عليه أو ردعه عن الساحة الأميركية، وبالتالي فإن تلك التركة هشة ومعرضة للانتكاس. التركة الأخرى التي يصر الرئيس الأميركي على التصاقها باسمه، هي بدورها هشة، على الرغم من عزمه وإصراره على إنجازها، وهي التسوية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. نووياً، ستستمر المفاوضات، لأن الأطراف عازمة على البقاء على الطاولة، كلٌ لأسبابه، أما إقليمياً فإن على أوباما أن يكف عن الاختباء وراء إصبعه وأن يواجه الطموحات الإيرانية الإقليمية بصراحة ليقرر إن كان سيدعمها أو سيساوم عليها، فالجميع يشكك في غايات أوباما، وهذا مسيء ليس فقط لسمعته وإنما أيضاً للأمن القومي الأميركي على المدى البعيد. وقد حان لباراك أوباما إيضاح مَن هو وماذا يريد وماذا يفعل حقاً فيما يتظاهر بأنه لا يتدخل وأنه فوق المغامرات. حان له أن يقر بأن معظم سياساته فشل مهما بدا له سراب النجاح.
وبداية من مصر، فإن خطاب أوباما هذا الأسبوع أمام أكاديمية «ويست بوينت» الحربية في نيويورك، رسم رؤيته ولفت إلى «علاقاتنا المبنية على المصالح الأمنية في مصر، من معاهدة السلام مع إسرائيل إلى المصالح المشتركة ضد العنف المتطرف». قال: «لم نقطع تعاوننا مع الحكومة الجديدة، بل يمكننا وسنضغط باستمرار (لإقرار) إصلاحات طالب بها الشعب المصري».
أكثرية الشعب المصري لا تثق بباراك حسين أوباما، والبعض يعتبر أنه دعم صعود «الإخوان المسلمين» عمداً إلى السلطة في مصر، وأنه جزء أساسي من مشروع «الإخوان» الأوسع في الشرق الأوسط. بغض النظر عن صحّة هذه المشاعر أو إفراطها، فإن باراك أوباما لم يعد الشخصية المحبوبة التي دشّن فيها وصوله إلى البيت الأبيض بالذات في خطاب القاهرة الشهير. بات أوباما شخصية مكروهة، مشكوك في غاياتها، لا ثقة بها بعدما فعله في مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية، إما دعماً لصعود «الإخوان المسلمين» إلى السلطة بادعاء الاحتضان الشعبي لهم، أو تحقيراً لقوى الاعتدال والعلمانية التي أسرع أوباما ومساندوه إلى حذفهم من المعادلة السياسية فارتكبوا خطأً ذريعاً.
مصر اليوم تفتخر بإفشال المشروع الأخطر على المنطقة العربية برمتها –مشروع «الإخوان المسلمين»–، وهي في الوقت ذاته ذات أكثرية متدينة أثبتت وعياً هائلاً بإصرارها على فصل الدين عن الدولة. الرئيس الأميركي اختار إما ألاّ يفهم ذلك أو ألا يعجبه ذلك.
قد يكون لشعبية المرأة المصرية غير المثقفة، منى البحري، ناحية فولكلورية، لقولها بالإنكليزية المكسّرة «شت أب يور ماوس أوباما» كي لا يتدخل لصالح الرئيس الإسلامي المخلوع محمد مرسي ضد المرشح الرئاسي وزير الدفاع السابق عبدالفتاح السيسي، لكن هذه المرأة الناشطة سياسياً باتت أيقونة التحدي للاحتضان الأميركي لـ «الإخوان المسلمين»، وحسناً فعلت عندما أشارت مؤخراً إلى تكريمها شعبوياً في المنطقة العربية وهي المرأة العادية مقارنة مع نبذ الأكثرية الشعبية للناشطة اليمنية توكل كرمان التي حازت جائزة نوبل للسلام لصالح «الإخوان المسلمين»، فتوكّل منذ البداية لم تكن مؤهلة لمثل هذه الجائزة، ولقد أتى بها الغرب «بروازاً» لما سموه حينذاك الإسلام المعتدل الممثل بـ «الإخوان المسلمين»، فخيبوا الآمال، وهي زادت من الخيبة تكراراً.
مصر تنهض اليوم وتقول للولايات المتحدة إنها صديقة إنما بمعايير مختلفة. لم يكن بالرئيس الأميركي حاجة ليقول «يمكننا وسنضغط باستمرار لإقرار إصلاحات طالب بها الشعب المصري»، فالشعب المصري يرفض اليوم تلك اللغة ويعتبرها مهينة. إنه يحاسب على طريقته، وباختياره، وهو لم يعد رهينة المعونات الأميركية التي تم حجبها للجمه وتسييره، فثار. إنه شعب يصر على الإصلاح ويبلغ رسائله مباشرة.
اختار الشعب المصري عبدالفتاح السيسي رئيساً لكنه أبلغ إليه أثناء العملية الانتخابية أنه لن يكون أسطورة فوق الواقع وممنوع عليه أن يظن نفسه فرعونَ جديداً. ضعف المشاركة في الانتخابات كان رسالة إيقاظ إلى واقع الشعب المصري وإصراره على أن الشعبية ليست رخصة للرئيس الجديد لطمس الحريات، ولا هي مصعد خاص به لحمله فوق الدولة. جاءت المشاركة الضئيلة نسبياً لتبلغ إلى السيسي أنه سيبقى تحت إرادة وتوقعات الشعب، لأنه من صنع إرادة الشعب وتطلعاته.
هذه تحوّلات جذرية في المسيرة المصرية يجدر بالقيادة الأميركية التنبه إليها، كما يجدر بالإعلام والقيادات الفكرية الأميركية أخذها في الحساب، فمصر تقود في المنطقة العربية، تدعمها في ذلك السعودية والإمارات بالدرجة الأولى،عبر ضخ ضروري للأموال في البنية التحتية المصرية. ومن الحكمة لواشنطن الرسمية والفكرية والإعلامية أن تكف عن الانصباب حصراً على قيادة إيران للشرق الأوسط، لأن هذا التفكير بات بالياً.
الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تكون مقبولة قائداً للمنطقة العربية، بغض النظر عما إذا تم التوصل بينها وبين الولايات المتحدة على قدرات نووية رهن التأجيل مقابل رفع العقوبات تدريجياً مقابل التنفيذ. ايران دولة مهمة ولها مكانتها في الشرق الأوسط بلا أي شك، انما هذا يجب ألا يُفسَّر أميركياً بأنه تخويل لإيران زعامة الشرق الأوسط أو قيادة المنطقة العربية مهما تغلغلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العراق أو مهما خيّل لـ «الحرس الثوري» الإيراني الفوز بسورية.
للرئيس باراك أوباما كل الحق في العمل نحو تسوية الخلافات الأميركية– الإيرانية، وله الحق في قول إنه «للمرة الأولى منذ عقد نحن أمام فرصة لإبرام اتفاق أكثر فاعلية وقابلية للاستمرار من استخدام القوة» مع إيران، مقرّاً في الوقت نفسه بأن «فرص النجاح ما زالت بعيدة»، ومؤكداً: «نحتفظ بكل الخيارات لمنع ايران من امتلاك سلاح نووي».
للرئيس باراك أوباما كل التوفيق في سعيه لإقناع طهران بتنفيذ تعهداتها النووية كاملة كي يتمكن من نسج تلك التركة بأنه أنجز أولاً تحييد إيران عن تنفيذ القدرات النووية، وثانياً صاغ علاقة ثنائية تهادنية ألزم فيها الولايات المتحدة دعم نظام الملالي في طهران وتعهد بعدم دعم المعارضة أو الحركات الإصلاحية للنظام، فهذان مطلبان أساسيان لطهران: الإقرار الأميركي بحقها النووي، والاعتراف بشرعية نظام الحكم في ايران ضمن علاقة ثنائية قوية.
الخلاف هو على المطلب الثالث لطهران، وأساسه ضمان الموافقة الأميركية على دور إقليمي لها يتعدى حدودها، بما يؤدي إلى تشريع أميركي للتدخل المباشر والهيمنة الإيرانية في الدول العربية، وهذا خطير، ليس فقط من منطلق مصير العلاقة الأميركية مع الدول العربية، التي ترفض قطعاً الإذعان للهيمنة الإيرانية وترى فيها تهديداً لأمنها القومي وللأمن القومي العربي، بل هو خطير لأن مثل هذا التشريع الأميركي أو الشرعنة الأميركية للأدوار والطموحات الإيرانية الإقليمية سيؤدي إلى تأجيج الصراع الطائفي وسيؤدي أيضاً إلى إنماء الإرهاب وانتقام التطرف السلفي من الولايات المتحدة الأميركية.
مقولة أو سياسة تحويل سورية إلى مقبرة للإرهاب السنّي خرافة، وغض النظر عن التوغل العسكري لإيران في سورية، المباشر منه وغير المباشر عبر حلفاء طهران، سياسة مكلفة للمصالح الأميركية القومية على المدى البعيد. الرئيس أوباما أعلن في خطابه أن «الإرهاب هو التهديد الأبرز للولايات المتحدة في المستقبل القريب»، مستدركاً أن هذا التهديد تحول من مركزية تنظيم «القاعدة» إلى فصائل أخرى، وقال إن على الرد الأميركي أن يتغيّر.
ما طرحه باراك أوباما هو استراتيجية تجنيد الآخرين في الحروب الأميركية وإيكال مهمات ملء الفراغ الناتج عن التنصل الأميركي إلى الآخرين. تحدث عن «تأسيس صندوق شراكة مقداره 5 بلايين دولار لمكافحة الإرهاب» في البقعة الإسلامية الممتدة من اليمن والصومال وليبيا ومالي وأفغانستان وشمال أفريقيا والشرق الأوسط، ووضع سورية في واجهة مكافحة الإرهاب، عبر إعلانه أن جزءاً من الصندوق سيُخصص لسورية.
ولأن أوباما هو أوباما، استدرك ليناقض نفسه في نص واحدٍ، فقال إن «لا حل عسكرياً لإنهاء النزاع المؤلم في وقت قريب»، وأكد على «صوابية» عدم إرسال الجنود الأميركيين إلى «هذه الحرب الأهلية»، إنما زاد: «لكن هذا لا يعني أننا يجب ألاّ نساعد الشعب السوري في النضال ضد ديكتاتور يقصف شعبه ويجوّعه». وهو أكد أنه سيطلب من الكونغرس دعم أولئك في المعارضة السورية «الذين يقدمون أفضل بديل من الإرهابيين والديكتاتور الوحشي»، في إشارة إلى الرئيس بشار الأسد، وتحدث عن شراكة مع دول صديقة لمكافحة هجمات منفردة للدفاع عن «مصالحها الحيوية» و «أمن حلفائها».
ما يريده الرئيس الأميركي إذاً، هو اتخاذ أنصاف الخطوات في تمكين بعض أطراف المعارضة السورية وتدريبهم على حرب مستحيل لهم الانتصار فيها، سيما بركاكة الدعم لهم وعلى جبهتين لإسقاط النظام وإسقاط الإرهاب. هذا توريط للمعارضة ودفعها إلى الانتحار وليس دعماً لها. هذا هروب إلى الأمام وليس استراتيجية جدية لمكافحة الإرهاب برد أميركي جديد. هذا خضوع أمام الأمر الواقع كما تمليه الجمهورية الإسلامية الإيرانية في سورية بالتنسيق مع روسيا والصين، وهو أبعد ما يكون عن الوعي لعلاقة صحيّة ضرورية بين الولايات المتحدة وإيران من جهة وبين الولايات المتحدة والدول العربية من جهة أخرى.
فالرجاء من الرئيس باراك أوباما أن يوضح قراراته ويبسّط لنا رؤيته للسنتين المقبلتين إذا كان حقاً قد صاغ رؤية مختلفة بناءً على دروس أخطائه في سورية ومصر، وليتفضل ليشرح ماذا ستكون استراتيجيته إذا رضخ أمام إملاء طهران بأدوار إقليمية موسّعة وأدّت مباركته الدورَ الإيراني العسكري في سورية إلى انتقامات إرهابية، ليس فقط في إذكاء الصراع الطائفي الدموي في الساحة الإسلامية وإنما في عقر الدار الأميركي أيضاً.
ليت الرئيس أوباما يصوغ تلك السياسة الجديدة الضرورية في شأن سورية، بعدما أدى فشل الجميع من دون استثناء الى هذه الحالة المزرية. أنصاف الخطوات المتقلبة بين اللاحسم العسكري واللاحسم السياسي إنما تؤجج الأوضاع، وهي ستكون مكلفة بالتأكيد لجميع اللاعبين، منخرطين كانوا أو ممتنعين ومتنصلين.
وفيما يعمل الرئيس الأميركي على صياغة تركته أو سمعته على الأوتار الإيرانية، لعله يتذكّر أن سلفه الرئيس بيل كلينتون أنجز اتفاقية «كيوتو» لتكون حجراً أساسياً لتركته، ثم أطاح بها الكونغرس وتركه بلا تركة.
الحياة
سوريا وترّهات أوباما الخادعة!/ راجح الخوري
وعود باراك اوباما بزيادة الدعم للمعارضين السوريين “الذين يقدمون افضل بديل من الارهابيين والديكتاتور الوحشي”، لن تغير شيئاً في مسار التعامي الاميركي المتمادي عن المذبحة السورية التي تمثّل كارثة القرن !
أوباما كان يتحدث من مكان يرمز الى القوة الاميركية هو “اكاديمية وست بوينت” العسكرية، لكن محور خطابه ركّز على الانسحاب الاميركي من الجبهات الخارجية، ووصل الى حد اعتبار التدخل الخارجي خيانة، عندما خاطب العسكريين بالقول: “سأخونكم اذا ارسلتكم الى مناطق الخطر لمجرد انني رأيت مشكلة تحتاج الى اصلاح في مكان ما من العالم”!
الحديث عن سوريا اقتصر على عبارة سريعة لا تخلو من التناقض، فقال اولاً انه سيعمل مع الكونغرس لزيادة دعم المعارضة (المعتدلة طبعاً وبأسلحة غير فتّاكة بالتأكيد، لأن الفتك من اختصاص النظام وحلفائه)، وثانياً انه يرى الوضع السوري محبطاً “فليس هناك جواب سهل ولا حل عسكرياً يمكن ان يوقف المعاناة في مستقبل قريب”!
ربما كان على اوباما ترك الإحباط لغيره، بدليل ان صحيفة “الفايننشال تايمس” كانت قد استبقت خطابه بالإشارة الى انه متهم بالتردد والتخاذل، ليس لدى الجمهوريين فحسب بل داخل اوساط الديموقراطيين، ولدى حلفاء أميركا.
في هذا السياق لم يتردد وزير الخارجية جون كيري في القول للصحيفة المذكورة: “ينبغي على واشنطن ألا تنتقل من سياسة التدخل المفرط التي انتهجتها في العقد الماضي، الى سياسة الافراط في العزلة”!
ولكن هذا لن يؤثّر على اوباما الذي رفع منذ البداية شعار التغيير لكسر استراتيجيا “الحروب الاستباقية” التي طبّقها سلفه جورج بوش بعد هجوم “القاعدة” على نيويورك، والذي لم يتمكن في ولايتيه تقريباً من إنجاز اي شيء في سياسته الخارجية، باستثناء التعجيل في الانسحاب من العراق وافغانستان، والفشل في القضية الفلسطينية وفي سوريا ثم في اوكرانيا، ولهذا يستميت في التوصل الى اتفاق مع ايران ليكون بمثابة جائزة ترضية او بالاحرى حجة لتبرير تردده وتخاذله وسحبه اميركا من العالم !
بالعودة الى سوريا والحديث عن مساعدة المعارضة ضد “الديكتاتور الوحشي”، من المناسب التذكير باجتماع فريق الامن القومي، الذي رَأَسه اوباما في “غرفة الاوضاع” في البيت الابيض في حزيران من العام الماضي، يومذاك قال رئيس الأركان مارتن ديمبسي، ان لا مصلحة اميركية في ترجيح اي فريق من المتحاربين في سوريا، وهو ما يفسّر تغاضي واشنطن وارتياحها، الذي سبق ان ظهر واضحاً في كلام رئيس موظفي البيت الابيض دنيس ماكدنو : “ان الوضع في سوريا يشغل ايران، والقتال هناك بين “حزب الله” و”القاعدة” قد يكون في مصلحة اميركا”!
النهار
سوريا وترّهات أوباما الخادعة!/ راجح الخوري
وعود باراك اوباما بزيادة الدعم للمعارضين السوريين “الذين يقدمون افضل بديل من الارهابيين والديكتاتور الوحشي”، لن تغير شيئاً في مسار التعامي الاميركي المتمادي عن المذبحة السورية التي تمثّل كارثة القرن !
أوباما كان يتحدث من مكان يرمز الى القوة الاميركية هو “اكاديمية وست بوينت” العسكرية، لكن محور خطابه ركّز على الانسحاب الاميركي من الجبهات الخارجية، ووصل الى حد اعتبار التدخل الخارجي خيانة، عندما خاطب العسكريين بالقول: “سأخونكم اذا ارسلتكم الى مناطق الخطر لمجرد انني رأيت مشكلة تحتاج الى اصلاح في مكان ما من العالم”!
الحديث عن سوريا اقتصر على عبارة سريعة لا تخلو من التناقض، فقال اولاً انه سيعمل مع الكونغرس لزيادة دعم المعارضة (المعتدلة طبعاً وبأسلحة غير فتّاكة بالتأكيد، لأن الفتك من اختصاص النظام وحلفائه)، وثانياً انه يرى الوضع السوري محبطاً “فليس هناك جواب سهل ولا حل عسكرياً يمكن ان يوقف المعاناة في مستقبل قريب”!
ربما كان على اوباما ترك الإحباط لغيره، بدليل ان صحيفة “الفايننشال تايمس” كانت قد استبقت خطابه بالإشارة الى انه متهم بالتردد والتخاذل، ليس لدى الجمهوريين فحسب بل داخل اوساط الديموقراطيين، ولدى حلفاء أميركا.
في هذا السياق لم يتردد وزير الخارجية جون كيري في القول للصحيفة المذكورة: “ينبغي على واشنطن ألا تنتقل من سياسة التدخل المفرط التي انتهجتها في العقد الماضي، الى سياسة الافراط في العزلة”!
ولكن هذا لن يؤثّر على اوباما الذي رفع منذ البداية شعار التغيير لكسر استراتيجيا “الحروب الاستباقية” التي طبّقها سلفه جورج بوش بعد هجوم “القاعدة” على نيويورك، والذي لم يتمكن في ولايتيه تقريباً من إنجاز اي شيء في سياسته الخارجية، باستثناء التعجيل في الانسحاب من العراق وافغانستان، والفشل في القضية الفلسطينية وفي سوريا ثم في اوكرانيا، ولهذا يستميت في التوصل الى اتفاق مع ايران ليكون بمثابة جائزة ترضية او بالاحرى حجة لتبرير تردده وتخاذله وسحبه اميركا من العالم !
بالعودة الى سوريا والحديث عن مساعدة المعارضة ضد “الديكتاتور الوحشي”، من المناسب التذكير باجتماع فريق الامن القومي، الذي رَأَسه اوباما في “غرفة الاوضاع” في البيت الابيض في حزيران من العام الماضي، يومذاك قال رئيس الأركان مارتن ديمبسي، ان لا مصلحة اميركية في ترجيح اي فريق من المتحاربين في سوريا، وهو ما يفسّر تغاضي واشنطن وارتياحها، الذي سبق ان ظهر واضحاً في كلام رئيس موظفي البيت الابيض دنيس ماكدنو : “ان الوضع في سوريا يشغل ايران، والقتال هناك بين “حزب الله” و”القاعدة” قد يكون في مصلحة اميركا”!
النهار
أين يتقاطع الأسد وأوباما؟/ سميح صعب
يقرن المسؤولون الاميركيون خصوصاً والغربيون عموماً في معرض حديثهم عن زيادة المساعدات للمعارضة السورية التي يصفونها بالمعتدلة بالحديث ايضاً عن ضرورة ان تساهم هذه الزيادة في محاربة الارهاب الى جانب القتال ضد النظام.
والحديث عن مكافحة الارهاب في سوريا أمر مستجد في ادبيات الخطاب السياسي الغربي الذي كان طوال ثلاثة اعوام يحصر المشكلة في سوريا بالنظام ويرفض الاعتراف بوجود ارهابيين منبثقين من تنظيم “القاعدة” آلام. ولا يكتفي الغرب بدعوة المعارضة السورية التي تتمتع بدعمه الى محاربة الارهاب، بل انه ينشط في رصد وتعقب مصير الاف الجهاديين الذين أتوا من الولايات المتحدة ودول أوروبية كي يقاتلوا في سوريا. وفرضت واشنطن أيضاً على دول صديقة لها في المغرب العربي ان تبذل قصارى جهدها لمنع الجهاديين المرتبطين بـ”القاعدة” من السفر الى سوريا، بينما اتخذت السعودية والامارات والبحرين اجراءات لمنع مواطنيها الذين تشتبه في انتمائهم الى “القاعدة” من الذهاب للقتال في سوريا.
وإذ لم يعد خافياً وجود تنسيق بين أجهزة الاستخبارات الغربية واخرى من دول عربية لمساعدة المعارضين السوريين المصنفين في خانة الاعتدال كي يقاتلوا النظام في سوريا، يؤرق الاجهزة نفسها في الوقت عينه تنامي اعداد الجهاديين الاجانب في سوريا وكأنها تعلم ان استمرار الوضع على ما هو من شأنه ان يفضي الى أفغانستان أخرى ولكن على ضفاف المتوسط هذه المرة.
وما يستحق التوقف عنده ايضاً ان الحديث عن الارهاب هو قاسم مشترك بين الغرب والحكومة السورية من غير الذهاب بعيداً الى حد التساؤل هل يقدر الغرب على مكافحة الارهاب في سوريا من دون التوصل الى نوع من التعاون مع دمشق؟ وهل يمكن ان يحقق الغرب غايته من دعم المعارضة السورية المتمثلة بالقضاء على النظام وعلى الارهاب معاً؟ لا شك في ان هذه مهمة ثقيلة تفترض الواقعية الغربية ان تعرف سلفاً ان المعارضة غير قادرة على تحقيقها. وربما من أجل ذلك يحتاط الرئيس الاميركي باراك اوباما عند الحديث عن زيادة دعم المعارضة المعتدلة اذ يضيف ان لا حل عسكرياً للأزمة السورية وانه لا بديل من الحل السياسي. لكن الحل السياسي محكوم ايضاً بتطورات الميدان السوري الذي ينقلب لمصلحة النظام والذي يترجم في الاستعداد لانتخاب الرئيس بشار الاسد لولاية ثالثة في 3 حزيران.
وبعد ذلك تبقى تساؤلات كثيرة الى أي مدى يمكن الخطاب الغربي ان يتطور مع الواقع السوري وحاجة أميركا وأوروبا الى احتواء خطر الارهاب الزاحف نحوهم.
النهار
الالتباس الأميركي حيال الشأن السوري/ د.خطار أبو دياب
_211إن هول المأساة السورية ومخاطر الاهتراء والتفتيت لا تبعث على الإحباط حسب قول أوباما، بل إنها تعني الفشل الأخلاقي لواشنطن وللعالم أمام نظام البراميل المتفجرة وحماته ورعاته.
ينتظر السوريون «المجتمع الدولي» لمساعدتهم على الخروج من محنتهم كمن ينتظر «غودو» بطل مسرحية صامويل بيكيت الذي لم يأت أبدا. إنهم ينتظرون عبثا باراك أوباما رئيس القوة العظمى ويكتشفون أنه «بائع الأوهام والشعارات» منذ أغسطس 2011 والتي بقيت في الغالب أقوالا لم تقترن بالأفعال.
إزاء كارثة سورية لم يشهد القرن الحالي مثيلا لها، وإزاء تزايد المخاطر والفوضى الاستراتيجية إبّان هذه المرحلة الانتقالية من النظام الدولي، تبرز أزمة غياب أو افتقاد «القيادة العالمية» «Leadership» مع عدم قدرة واشنطن على لعب دور شرطي العالم كما فعلت خلال حقبة الأحادية الأميركية، وكذلك بسبب عدم وجود بدائل أو بلورة آليات فعالة لحل الأزمات. والأدهى في قلب أزمات عالم اليوم، تلاشي البعد الأخلاقي والمعنوي عند صانعي السياسة الدولية وكبار اللاعبين الذين يعطون الأولوية لمصالح الدول والتكتلات النافذة على حساب «المناقبية» moralism) éthique) والتضامن الإنساني.
وبعد أن استخدمت الولايات المتحدة «القوة الصلبة» «Hard Power» طوال عهد إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن، تغير النهج مع أوباما، نحو تبني مفهوم «القوة الذكية» «Smart Power» الذي يعتمد على مبدأ «القوة الناعمة» «Soft Power» من جديد، بالتوازي مع تنمية القدرات العسكرية الأميركية.
وعبر خطاب الرئيس أوباما بأكاديمية وست بوينت العسكرية، في 28 مايو الحالي، تتأكد السمات النظرية لسياسته الخارجية، إذ لا يزال مصرا على عدم نهاية اللحظة الاستثنائية للقوة الأميركية مع قوله: «في الواقع، وبمعظم المقاييس، نادرا ما كانت أميركا بهذه القوة بالنسبة إلى بقية العالم كما هي عليه اليوم (…) لذا، فإن الولايات المتحدة هي الأمة التي لا غنى عنها، وستظل كذلك. ولقد كان ذلك صحيحا في القرن المنصرم، وسوف يكون ذلك صحيحا في القرن القادم».
يبدو جليا أن واشنطن لا تسلّم بفقدان دورها القيادي، وفي هذا الصدد يرسم أوباما الخط الجديد بوضوح: “لدينا مصلحة في السعي إلى تحقيق السلام والحرية خارج حدودنا، لكن ذلك لا يعني أن كل مشكلة لها حل عسكري”. إذن انتهى عمليا زمن العصا الأميركية الغليظة، خاصة وأن نهاية التاريخ المعلنة بتسرع لم تجمد ديناميكية الحراك الدولي، بل أخذ الموقع الأميركي يتراجع مع بدايات القرن الحادي والعشرين. بالطبع، تحافظ واشنطن على الكثير من عناصر قوتها عسكريا وسياسيا واقتصاديا وعلميا وثقافيا، بيْدَ أن تشكيل العالم وفق التصور الأميركي والرغبة الأميركية ليس ممكنا في ظل التحولات المتسارعة وخلط الأوراق في اللحظة الراهنة من العلاقات الدولية.
يمثل الملف السوري- مثلا- تطبيقيا ملموسا على جدوى أو ضعف نظرية أوباما وكيفية تنظيم الانكفاء الأميركي، ويظهر هذا الملف بمثابة الحلقة الأضعف في محاولة الرئيس الأميركي تقديم وجه جديد لسياسته الخارجية، خصوصا مع اقتراب موعد الانتخابات النصفية المقررة في نوفمبر المقبل.
بناء على استطلاعات الرأي الشعبية، يحاول الرئيس الأميركي أقصى ما يمكنه الابتعاد عن اتخاذ قرارات يمكن أن تقوده إلى التدخل في الأزمات العالمية الساخنة، وقد اعتاد مع محيطه التلويح بالحرب كما في المنعطف الكيميائي في سوريا ليس للتنبيه إلى خرق ما أسماه بالخط الأحمر، بل لتفادي التدخل العملي. يبرز المأزق «الأوبامي» في عدم بلورة خيار ثالث بين الحرب والعزلة، وهو يسعى عبر البلاغة الخطابية إلى تغطية عجزه أمام فلاديمير بوتين المندفع في سوريا أو في أوكرانيا.
كانت حسابات أوباما في الملف السوري مرتبطة بتأمين مصالح إسرائيل، وباستنزاف روسيا وإيران والقاعدة، دون الصدام مع موسكو، أو دون نسيان إعطاء الأولوية لمعالجة الملف النووي الإيراني، وعدم جعل اهتمامه السوري يعطّل ذلك. هكذا فمعاناة الشعب السوري ومستقبل سوريا ومصالح حليفه التركي وحلفائه العرب لم تكن وازنة في خططه المتسمة بالالتباس، ونتج عن ذلك عدم وجود سياسة أميركية متماسكة حول سوريا.
عمليا يراهن أوباما على عقد الصفقة التاريخية مع إيران وإعطاء الضمانات اللازمة لإسرائيل وللدول العربية في الخليج، وهذا يقلص هامش المناورة الأميركية لأن إيران “خامنئي” ليست في وارد تسهيل حل سياسي متوازن في سوريا، بل تصر على التمسك بإنجازاتها الإقليمية، مقابل التخلي الملتبس أيضا عن جانب من البرنامج النووي الإيراني. من هنا رغم الوعود وبعد استقباله لرئيس الائتلاف السوري المعارض، بقي خطاب أوباما حول دعم المعارضة المعتدلة ملتبسا، ولم يتضمن تعهدات حاسمة بل بقي في مصاف حملة علاقات عامة لتبرير الالتباس والتراجع. والمخجل في الموقف من النزاع في سوريا، أن أوباما القائل بعدم جواز الحل العسكري في سوريا، ترك بشار الأسد على مدى أكثر من ثلاثة أعوام، يفرض حله العسكري، أما بالنسبة إلى مكافحة الإرهاب فالملفت عدم تطرقه لتدخل روسيا الكثيف (تبلغ قيمة المساعدة الأخيرة للنظام 250 مليون دولار) أو لانغماس إيران وأذرعها الإقليمية في الحرب السورية.
أوباما المتمهل والمتردد في الشأن السوري هو أيضا أوباما غير المنصف في المقاربة. بيد أن المواجهة مع روسيا حول أوكرانيا ومناخ الحرب الباردة الجديد، يمنحان الشعب السوري أملا محدودا بتغيير المقاربات “الأوبامية” للدفع نحو تعديل في ميزان القوى، يمهد لاحقا للعودة إلى طاولة التفاوض في «جنيف3».
لكن الواقعية تقضي القول إنه من دون مراجعة في سياسات الحلفاء الأوروبيين والإقليميين للمعارضة السورية، ومن دون تعزيز قدرات القوى العسكرية المناهضة للنظام، ومن دون تغيير في طرق عمل الائتلاف المعارض ووجوب توسيع قاعدته الوطنية ومشروعه الجامع البديل، لا يمكن التعويل فقط على القرار الأميركي.
إن هول المأساة السورية ومخاطر الاهتراء والتفتيت لا تبعث على الإحباط حسب قول أوباما، بل إنها تعني الفشل الأخلاقي لواشنطن وللعالم أمام نظام البراميل المتفجرة وحماته ورعاته.
أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك- باريس
العرب