صفحات العالم

مقالات تناولت موقف جبهة النصرة الأخير -2-

“قاعدة” الدمار الشامل

    امين قمورية

“التراجع التكتيكي” الذي اتسمت به مواقف المعارضة السورية، بشقيها الاسلامي المعتدل والعلماني، من “جبهة النصرة “، مثير للشفقة اكثر مما هو مضحك. في البداية قامت قيامة قادة هذه المعارضة، ولم تهدأ، عندما ادرجت واشنطن هذا الفصيل المتطرف في لائحتها للتنظيمات الارهابية، واعتبر هؤلاء ان “النصرة” هي جزء لايتجزأ من الثورة تقوم بواجبها في اسقاط النظام. ثم ما لبث قادة “الائتلاف” و”المجلس الوطني” و”الجيش الحر” ان نأوا بأنفسهم وهيئاتهم عن هذا الفصيل، عندما فاحت روائح الدماء والمجازر الطائفية وقطع الروؤس بسيوف “المجاهدين” وقنابلهم البشرية المفخخة التي تتفجر في الارض طمعا بجنة في السماء. واخيرا جاءت الضربة القاضية للمعارضة “السمحاء” الباحثة عن ألوان وطنية تغطي بها الصبغة الطائفية المزدهرة ميدانيا، عندما اعلنت “النصرة” صراحة مبايعتها لـ”القاعدة” وقائدها أيمن الظواهري، وان هدفها ليس الحرية ولا دولة المواطنة والقانون بل اقامة الدولة الاسلامية على امتداد الارض السورية والعراقية.

بسرعة البرق بدل قادة المعارضة موقفهم كما يبدلون غرف الفنادق من عاصمة الى اخرى، وانتقلت “النصرة” في تصنيفهم، من صفة “الشريك” في الثورة على النظام الى تهمة “الحليف المفضل” للنظام و”صنيعته”.

وفي المقابل، وجد منظرو النظام وأبواقه الاعلامية ضالتهم، اعلان “النصرة” مبايعتها لـ”القاعدة”، فهم منذ اليوم الاول للانتفاضة يبحثون عن “البعبع” لتخويف السوريين والعالم من مواصلة الحراك، وتشير اصابعهم الى “الارهاب الدولي” الذي يريد جعل سوريا مقرا ومرتعا له . وكان لهم في هذا الاعلان ما ارادوا لتبرير ارهابهم الذي لايقل بأسا عن ارهاب “القاعدة” وملحقاتها.

الحضور المعلن للارهاب وبهذه الصفاقة على الساحة السورية، كان يجب ان يكون جرس انذار لكل السوريين وحافزا للمعتدلين في النظام اذا وجدوا، والمعتدلين في المعارضة ان كان لهم صوت يسمع، للجلوس معا بحثا عن تسوية سياسية سريعة تخفف حدة تهاويهم السريع الى منزلقات التجربة الرواندية بعدما تجاوزوا بأشواط العرقنة واللبننة وحتى الصوملة والافغنة. ولكن، أي دعوة الى الحوار والحلول صارت بمثابة جنون في سوريا والداعي اليها مجنون بعد نفاذ لغة العقل والمنطق وغرق طرفي النزاع في التفنن في تدمير هذا البلد.

اعلان “القاعدة” لم يكن عبثا، فهو الوصفة السحرية لجعل الحرب في سوريا حروبا اهلية في الحرب الاهلية، والوسيلة الفضلى لتعميم الجبهات في ربوع البلاد كلها، فـ”القاعدة” اثبتت منذ أبصرت النور بفكرها ونهجها وخلفيتها، انها سلاح الدمار الشامل الانجع بين كل انواع الاسلحة . لكن هذا السلاح، وياللأسف ليس معدا للاعداء بل سلاح، تدمير ذاتي لمجتمعاته وبيئته .

النهار

«النصرة» لـ«القاعدة» لا للثورة

عبد الوهاب بدرخان

لعل السوريين الذين يتعرضون لقصف بالصواريخ البالستية والسلاح الكيماوي، ولأقسى أنواع التهجير واستهداف أحيائهم وبيوتهم لجعلها أرضاً محروقة، لم يولوا أهمية لما حصل الأسبوع الماضي عندما أعلن “المسؤول العام” لـ”جبهة النصرة” المقاتلة ضد النظام السوري مبايعته زعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري “على السمع والطاعة”. وبذلك أميط اللثام علناً -ورسمياً- عن الهوية الملتبسة لهذه “الجبهة” التي وضعتها الولايات المتحدة، منتصف ديسمبر، على لائحتها للتنظيمات المصنفة “إرهابية”، وتستعد دول الاتحاد الأوروبي لإجراء مماثل.

ومهما بذل من جهد لتبرير هذه الخطوة فإنها تمثل انتكاسة فعلية للثورة السورية، و”هدية” مجانية للنظام الذي دأب على القول إنه يحارب الإرهاب. وإذ قال “أبو محمد الجولاني” إن مبايعة الظواهري “لا تغير شيئاً” في سياسة “جبهة النصرة”، فهو إما يخادع أو يتظاهر بالسذاجة، فلاشك أن الكثير سيتغيّر في نظرة السوريين إلى “الجبهة”، لأن قاعديتها المعلنة تشكل عبئاً إضافياً على الثورة أن تتحمله وتدفع ثمنه بسبب العداء المستمر المستحكم بين “القاعدة” و”دول الغرب” خصوصاً الولايات المتحدة. وطالما أن الثورة تحتاج إلى الدعم الخارجي، لاسيما الغربي، يمكن تصوّر الصعوبات التي ستطرأ، فضلاً عن الصعوبات التي أدت طوال عامين إلى تأخير حسم الأزمة على رغم أن نهايتها المحتومة صارت محسومة: فالنظام لا يستطيع البقاء ولا العودة إلى التحكم بمصير الشعب السوري.

بمعزل عن مواقف القوى الخارجية، من الواضح أن اقتحام “القاعدة” الواجهة أثار استياء سائر الفئات الداخلية، بدءاً من رئاسة “الائتلاف” المعارض إلى قيادة “الجيش السوري الحر” اللتين رسمتا مسافة مع “جبهة النصرة”، إلى الكتائب الإسلامية المنضوية في صفوف “الجيش الحر” ومنها تحديداً “جبهة تحرير سوريا الإسلامية”، بالإضافة إلى مجالس التنسيقيات الثورية التي رفضت “وصاية القاعدة”. وهذا في حد ذاته يؤسس لنزاعات مقبلة بين من يفترض أنهم في خندق واحد ويجمعهم الانتماء لسوريا المستقبل. ورغم أن بعض العسكريين في “الجيش الحر” يؤكد أنه لم يرَ “تطرفاً” من جانب “النصرة” وأن مقاتليها ملتزمون وأشداء ويمكن الاعتماد عليهم، إلا أن أحداً لا يستطيع المجادلة بأن تنظيم “القاعدة” قد تغيّر فجأة ولم يعد في سلوكياته ما يثير الخشية والحذر.

في الوقت الذي كانت قوات النظام تحرق داريا متراً متراً ومبنىً مبنىً، وتعرّض مناطق الغوطة الشرقية لأعنف قصف، وتشدد الحصار على حمص، وتزداد الشبهات وحتى الأدلة على أنها باشرت استخدام السلاح الكيماوي رافضة توسيع التحقيق الدولي بشأن هذا السلاح، كان لافتاً أن شعارات الجمعة الماضية ومسيراتها الشعبية عكست التمايز والتباعد أو حتى التأييد لـ”جبهة النصرة”. ففي أدلب وحدها، وعلى نحو أقل في حلب، بدا الانقسام واضحاً بين منطقة وأخرى، فهذه تقول “لن نسمح لأي جبهة بالوصاية علينا” وتلك تقول “الأمة تريد خلافة إسلامية”… أي أن دخول “القاعدة” على الخط بات مربكاً ومشوِّشاً. فالمفهوم عموماً أن سوريي الثورة يتطلعون إلى “دولة جديدة” متحررة من نظام الاستبداد الذي أظهر أبشع وجوهه أمام العالم. لكن فكر “القاعدة”، الذي تجمع المعارضة و”الجيش الحر” على التبرؤ منه، برهن أنه نقيض للدولة ومفهومها صنو للعنف والفوضى.

لابدّ أن الوجه الحقيقي لـ”القاعدة” سيعود ليظهر في الوقت المناسب، لكن “جبهة النصرة” تجتهد الآن لإظهار مساهمتها المتقدمة في القتال، ساعية إلى مدّ نفوذها استعداداً للمراحل التالية. ولو عاد الأمر إليها لكانت ربما أرجأت الجهر بانتمائها لـ”القاعدة”، إلا أن التوقيت فرض عليها، وفيه دلالات مرتبطة عملياً بالمعركة المفتوحة مع الغرب. إذ أن كشف تدريب الأميركيين جنوداً منشقين لينتشروا في الجنوب ويشكلوا حاجزاً أمام تسرب القاعديين إلى الأردن وإسرائيل هو ما دفع “القاعدة” إلى إعلان أنها موجودة فعلاً في سوريا كما كانت ولا تزال في العراق. أما التجاذب بين فرعيها في هذين البلدين فهو من التفاصيل التي تستطيع احتواءها.

الاتحاد

السوريون بين خياري النظام أو … «النصرة»؟

جورج سمعان

لا تكاد المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، تجتاز عقبة حتى تواجهها عقبات. لم يكن يكفيها الملف الكيماوي الذي حال ويحول حتى الآن دون تفاهم أو إجماع دولي على إطاحة النظام، حتى فتح ملف «القاعدة» على مصراعيه. لا يفيد الجدل والتذاكي في تفسير ما قاله «أبو عمر البغدادي» ورد «أبو محمد الجولاني»، فليس هناك فرق سواء تبع الجناح السوري من التنظيم شقيقه العراقي أم جدد البيعة للأصل. ليس هناك فرق في الأيديولوجية ولا في وسائل العمل العسكري، سواء تبع الفرع أو الأصل.

إلى هذين الملفين الشائكين كانت تكتلات سياسية ونشطاء وكتائب عسكرية في الداخل والمؤتمر الذي عقدته مجموعة من العلويين في القاهرة قبل أيام، فتحت ملف المعارضة السياسية في الخارج، عبر مطالبة «الائتلاف» بتوسيع هيئته لتضم مزيداً من ممثلين لتيارات مدنية وليبرالية وعلمانية، ولمجموعات تعمل على الأرض السورية. وهو ما يعبر عنه المجتمع الدولي بتشديده على وجوب مخاطبة الأقليات وطمأنتها. وسترتفع وتيرة هذه المطالبة بعد تقديم «النصرة» أوراق اعتمادها علناً للدكتور أيمن الظواهري، ورفعها راية الدولة الإسلامية أو دولة الخلافة في بلاد الشام.

ثلاثة ملفات كافية لإطالة عمر الأزمة ومعها عمر النظام. جديدها أن «جبهة النصرة» كشفت وجهها الحقيقي. أربكت المعارضة بمقدار ما قدمت مادة قيمة وسلاحاً مؤثراً يستند إليهما النظام في مواجهة كل الضغوط التي تطالبه بالتسليم بالحل السياسي تمهيداً لرحيله. وهو لم يتأخر في التوجه إلى الأمم المتحدة لإدراج الجبهة في «القائمة الموحدة للتنظيمات والكيانات المرتبطة بالقاعدة عملاً بقرار مجلس الأمن الرقم 1267». ليس سراً أن المعارضة حاولت الدفاع عن الجبهة بعدما أدرجتها الولايات المتحدة على لائحة الإرهاب. ولم تنفِ كتائب كثيرة في «الجيش الحر» التنسيق معها في كثير من الجبهات والمواقع.

«الجولاني» لم يبايع الظواهري، بل جدد البيعة. أي أنه حاول طويلاً إخفاء العباءة التي يرتديها. لعله لم يشأ أن ينفر المواطنين السوريين الذين لم يكونوا بعيدين عما فعله تنظيم الزرقاوي قبل سنوات في العراق المجاور. أراد تحاشي أخطاء التنظيم في العراق. ولكن، كان على قادة «المجلس الوطني» وعلى رئيس الائتلاف معاذ الخطيب أن يتمهلوا في اعتراضهم على الموقف الأميركي من الجبهة. هم يعرفون بالتأكيد أن السفير روبرت فورد يعرف عنها الكثير. لقد كان في عداد الفريق الأميركي الذي واكب في بغداد رفع عديد القوات الأميركية في آخر أيام الرئيس جورج بوش من أجل مواجهة «القاعدة». وكان أساسياً في بناء «الصحوات» التي واجهت التنظيم في العراق.

ويعرف السوريون، مثلما يعرف السفير فورد، أن قادة «النصرة» جلهم جال في العراق وصال أيام الزرقاوي. وكانت للنظام السوري آليات وأجهزة وقاعدة بيانات سهلت وصول أعداد كبيرة من المتطوعين من شمال أفريقيا وشبه الجزيرة وغيرهما لمقاتلة الأميركيين. والعارفون اليوم بأحوال الجبهة يصرحون بأن قادتها الأساسيين متعددو الجنسية ولكن للسوريين الغلبة في كوادرها. من هنا، لا تعدم واشنطن حجة في رفضها تسليح المعارضة. فبعيداً من السياسة والاعتبارات الدولية والعلاقات المتشابكة مع روسيا، لا يمكن أي إدارة أميركية أن تجازف بقرار يفضي إلى تسليح المعارضة أو حتى «الجيش الحر» إذا كان بعض كتائب هذا الجيش ينسق ويتعامل مع «النصرة». مثل هذا القرار يشكل ببساطة مخالفة قانونية وسياسية قاتلة.

وإذا كانت القمة العربية في الدوحة وفرت الشرعية المطلوبة لتسليح الفصائل المقاتلة على الأرض، فإن على المعارضة السياسية والعسكرية ألا تتوقف طويلاً أمام وقع مفاجأة «النصرة» وتوقيتها المشبوه. عليها أن تخرج سريعاً من الإحراج الذي تسببت به. عليها أن تبادر بإعادة تموضع واضحة لا لبس فيها بعيداً من «القاعدة». ربما المطلوب منها أن تعيد النظر في تركيبة «الائتلاف» فلا يظل تحت طغيان القوى الإسلامية كما ترى الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون… وإلا انبعثت مجدداً النغمة القديمة التي تذرع بها «أصدقاء سورية» منذ قيام «المجلس الوطني» ثم «الائتلاف». والمطلوب بالتوازي توحيد كل فصائل «الجيش الحر» وكتائبه تحت قيادة واحدة ليكون العتاد لهذه القيادة وليس لفصائل محددة تنضوي تحت راية هذه القوة أو تلك من قوى «الائتلاف».

القنبلة التي أطلقتها «جبهة النصرة» ستعيد ملف تسليح «الجيش الحر» أو كتائبه «المعتدلة» إلى نقطة الصفر، بمقدار ما قد تجر إلى معارك جانبية، خصوصاً أن قوى عربية لن تتأخر في مد بعض الكتائب بما يناسب من عتاد وأسلحة. فلا الأردن سيكون مرتاحاً إلى مرابطة «الجهاديين» على حدوده، ولا إسرائيل ستطمئن إلى حلولهم محل الجيش النظامي على الجانب الآخر من الجولان. وهذا ما يفسر اشتعال معظم محاور المواجهة في محافظات درعا وغيرها من محافظات الجنوب السوري. بل قد تدفع الأيام المقبلة بالطائرات من دون طيار إلى التعامل مع هؤلاء «الجهاديين»، أسوة بما يحدث في اليمن وباكستان وأفغانستان وغيرها!

قنبلة «النصرة» تضع أمام الباحثين عن ترتيب «اليوم التالي» لسقوط بشار الأسد والخائفين من هذا الاستحقاق ملفاً إضافياً يعرقل التقدم نحو إجماع على توفير مخرج لرحيله. ويعزز مخاوف المترددين. ولو قدمت الجبهة إعلانها أياماً لما كان الرئيس الروسي فلاديمر بوتين ربما اقترح مبادرة لوقف توريد السلاح إلى كل الأطراف المتصارعين في سورية! كان ملف الأسلحة الكيماوية ولا يزال الدافع الأساس للتفاهم الأميركي – الروسي. وكان بالتأكيد الدافع الأول وراء إعادة الحرارة إلى العلاقات بين تل أبيب وأنقرة. وقد عزا معظم الدوائر الديبلوماسية والإعلامية والسياسية الإسرائيلة قرار بنيامين نتانياهو بالاعتذار إلى رجب طيب أردوغان عن «موقعة مرمرة» إلى القلق من مستقبل هذه الأسلحة. ولم يفت وزراء خارجية دول مجموعة الثماني في اجتماعهم الأخير في لندن تجديد التحذير من أن استخدام الأسلحة الكيماوية «سيستوجب رداً دولياً حازماً». وشددوا على وجوب حماية مواقع تخزين هذه الأسلحة.

كان «الائتلاف» لأسابيع مضت يعول على تسليح عربي وفرنسي – بريطاني من أجل تغيير موازين القوى على الأرض، وبات عليه اليوم أن يعمل سريعاً للحد من تداعيات التفجير السياسي الذي أحدثته «النصرة»، بعد تفجيراتها الدموية. فالمتمسكون بالحل السياسي أو بالأحرى بتنفيذ خطة جنيف وبقاء الأخضر الإبراهيمي، وعلى رأسهم موسكو وواشنطن، سيزدادون تمسكاً بدعوتهم إلى قيام حكومة انتقالية تمهد لخروج الأسد بعد الحفاظ على هياكل الدولة وطمأنة كل مكونات المجتمع. ويطرح هذا تحدياً أمام المعارضة وربما دفع ببعض مكوناتها إلى إعادة البحث في مبادرة للحوار مماثلة لما طرحه معاذ الخطيب، صاحب الاستقالة المعلقة إلى حين، من أجل إحراج النظام الذي لم يبدِ حتى الآن أي استعداد لمثل هذا الحوار، لأنه ببساطة راهن ويراهن على مصير الملف الكيماوي واليوم على ملف «القاعدة»، فضلاً عن الغطاء الذي يوفره شعار حماية الأقليات، وعلى رأسها الطائفة العلوية.

لا شك في أن المعارضة السورية، السياسية والعسكرية، كان وضعها قبل سنة أفضل مما هو عليه اليوم. لذلك، لا بد لها من إعادة النظر في حساباتها تمهيداً لاسترتيجية جديدة لا تقوم على رهان بلا جدوى على تبدل في موقف روسيا التي لن تبدل ولن تغير. ولا تقوم على تبدل في موقف إيران، بالتعويل على «انعطافة» لحليفها اللبناني وانخراطه في الإجماع على تكليف شخصية من صفوف 14 آذار تشكيل حكومة جديدة. هذه المهادنة في بيروت فرضتها ظروف وتوازنات داخلية لبنانية. مثلما فرضها ارتفاع حرارة معركة الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية وحاجة مرشدها وقيادتها إلى التركيز على هذه المعركة لإعادة رصّ الصفوف خلف النظام و «الثورة»، بعد التصدعات التي خلفتها النجادية منذ انتخابات 2009 وما سبقها وما أعقبها. ولا شك في أن الجرعة التي قدمتها «النصرة» إلى النظام وجميع المتمسكين بالحل السياسي وخطة جنيف، ستفاقم التحدي القائم بين المعارضين في الخارج وأولئك الذين في الداخل. سيكون على هؤلاء بعد اليوم مواجهة الأمر الواقع الذي ستفرضه عليهم الجبهة، فإما الانضواء تحت راية إداراتها وإلا البحث عن سبل اتقائها وربما اتقاء صراعاتها مع باقي الفصائل المسلحة. كأن السوريين لا تكفيهم آلة النظام وهم يشاهدون مدنهم وقراهم ودساكرهم تتحول ركاماً، وينغمسون أكثر وأكثر في مستنقع الحرب المذهبية. ألم يشاهدوا ما فعل أصحاب الزرقاوي في العراق منتصف العقد الماضي؟ مهمة «الائتلاف»، مثلما هي مهمة «أصدقاء» سورية، ألا يدفعوا أهل الداخل إلى اليأس… فالاستسلام للنظام أو أهل «النصرة».

الحياة

منطقة عازلة ولكن للنصرة!

عبد الباري عطوان

بينما يتواصل حجيج زعماء ومسؤولين عرب الى البيت الابيض الامريكي للقاء الرئيس الامريكي باراك اوباما، في زيارات جرى ترتيبها على عجل، يطوف وزير الدفاع الامريكي تشاك هاغل بعواصم عربية لبيع طائرات امريكية متطورة من طرازي (اف 15) و(اف 16) وصواريخ حديثة اكثر دقة في اصابة اهدافها، وهناك تقارير تقول ان المملكة العربية السعودية وقعت صفقة بعشرة مليارات دولار.

الشيخ محمد بن زايد ولي عهد امارة ابو ظبي كان اول زوار البيت الابيض، وتبعه الامير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، ومن المنتظر ان يطير الى واشنطن بعد يومين امير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ثم العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني، اما الزائر الاخير فسيكون السيد رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا.

القاسم المشترك بين الزوار الخمسة هو الملف السوري اولا، والطموحات النووية الايرانية ثانيا، ولا بد ان هناك مشروعا امريكيا يتعلق بهذين الملفين، يجب مناقشته على وجه السرعة مع هؤلاء المسؤولين وحكوماتهم وتحديد مهام كل طرف، والدور المخصص له في احد هذين الملفين او كليهما.

لنترك الملف النووي الايراني جانبا في الوقت الراهن على الاقل، وان كنا نعتقد بارتباطه الوثيق بالازمة السورية، ونركز على الاخيرة باعتبارها القضية الاكثر سخونة والحاحا، فالملاحظ ان التطورات متلاحقة على صعيدها، حيث تستضيف اسطنبول حاليا اجتماعا لمنظومة اصدقاء سورية لوضع ‘خريطة طريق’ حول كيفية التسريع باسقاط النظام، وكسر حالة الجمود الحالية على جبهات القتال من خلال تكثيف عمليات تسليح المعارضة السورية ‘المعتدلة’ باسلحة حديثة ومتطورة.

الاردن سيكون على الارجح البوابة الاوسع لتسليح المعارضة وتدفق المقاتلين الى العمق السوري، استعدادا لخوض معركة دمشق الكبرى والحاسمة التي تشير معظم التقارير الغربية الى انها ستكون في شهر حزيران (يونيو) المقبل.

عدد القوات الامريكية في الاردن يتضخم يوما بعد يوم، واسبوعا بعد اسبوع، بعضها في اطار تدريب عناصر تابعة للمعارضة السورية، وبعضها للقيام بتدخل عسكري للاستيلاء على مخازن الاسلحة الكيماوية في العمق السوري.

العاهل الاردني عبدالله الثاني اكد لهذه الصحيفة ان هناك قلقا غربيا واسرائيليا من وقوع هذه الاسلحة في ايدي جماعات جهادية اسلامية، وجبهة النصرة على وجه التحديد، ومن ثم استخدامها ضد اهداف اسرائيلية، وقال ان بنيامين نتنياهو كان بصدد شن هجمات ‘جراحية’ لتدمير هذه المخازن الثمانية الموجودة فيها وتراقبها الاقمار الصناعية الامريكية ليل نهار، ومنعته الولايات المتحدة (ربما بضغط اردني) من الاقدام على هذه الخطوة لتفضيلها ارسال قوات عالية التدريب والتسليح يقدر عددها بـ17 الف جندي للاستيلاء عليها.

‘ ‘ ‘

قبل عام استضاف الاردن مناورات ‘الاسد المتأهب’ شاركت فيها 19 دولة برعاية الولايات المتحدة قرب الحدود السورية الجنوبية الشرقية مع الاردن، وكان الهدف منها التدريب على الاستيلاء على مخازن اسلحة كيماوية، مما يعني ان خطة التدخل في سورية ستكتمل مع وصول تعداد القوات الامريكية الى ما يقرب عشرين الفا تقريبا.

الرئيس السوري بشار الاسد وفي حديثه لقناة الاخبارية السورية المعد بشكل جيد ارسل اكثر من رسالة الى اكثر من جهة، وتضمن تهديدات مبطنة للاردن وتركيا خاصة، تحدث عن غزو وشيك لبلاده، واشار باصبع الاتهام الى الاردن، وكشف انه ارسل مبعوثين الى السلطات الاردنية محملين بالوثائق للتحذير من اي تورط اردني في هذا الغزو، او السماح بتدفق المقاتلين والاسلحة عبر الحدود الاردنية الى سورية.

من الصعب علينا ان نعرف طبيعة المخطط الجديد الذي تسعى امريكا للتشاور مع حلفائها في الخليج والاردن وتركيا حول كيفية تطبيقه، فهذه من الاسرار العسكرية، ولكن ما يمكن ان نتكهن به هو ان انشاء منطقة عازلة داخل الاراضي السورية، وفي منطقة درعا وجوارها على وجه الخصوص، تشكل حزاما امنيا، وقاعدة للمعارضة المسلحة، يحتل اولوية قصوى.

نشرح اكثر ونقول ان هذه المنطقة العازلة تتبلور ملامحها بسرعة، وان ما تحتاجه المعارضة، وبعد تدريب المئات من قواتها في معسكرات اردنية على ايدي خبراء امريكيين وبريطانيين، هو صواريخ مضادة للطائرات واخرى للدبابات لفرض حظر جوي فوق هذه المنطقة، على غرار ما حدث في العراق قبل الغزو وبما يشل سلاح الطيران السوري كليا.

هناك هدفان اساسيان من اقامة هذه المنطقة العازلة في جنوب سورية وبمحاذاة هضبة الجولان، والحدود مع فلسطين المحتلة:

*الاول: ايجاد منطقة آمنة يسيطر عليها الجيش السوري الحر، وتكون مقرا للحكومة السورية المؤقتة بقيادة غسان هيتو.

*الثاني: منع الجماعات الجهادية الاسلامية من الوصول الى الحدود مع فلسطين المحتلة، وشن هجمات صاروخية او استشهادية ضد اهداف اسرائيلية.

الهدف الثاني هو الاكثر اهمية، لان حكومات عربية اقنعت اسرائيل وامريكا بان الجماعات الجهادية هي الاكثر بلاء في مواجهة النظام السوري، ولذلك ربما من الخطأ مواجهتها في الوقت الراهن، اما القلق الاسرائيلي من خشية تواجدها قرب الحدود من الجولان او فلسطين المحتلة، فيمكن تحييد هذا القلق من خلال اقامة المنطقة العازلة هذه، ومنع عناصرها، اي الجماعات الجهادية، وجبهة النصرة خاصة من دخولها بالقوة.

يمكن ان يكون ما تقدم هو محاولة لرسم ملامح الخطط الامريكية ـ العربية المشتركة للتعاطي مع الملف السوري، والتأكيد في الوقت نفسه على ان هناك ‘مجموعات اتصال’ ثنائية وثلاثية ورباعية بين هذه الدول لتطبيق بعضها، اي المجموعات هذه، تشارك فيها اسرائيل كطرف اصيل، ولكن ما لا نستطيع ان نتحسس ملامحه او نتكهن به، خطط الطرف الآخر، اذا كانت موجودة فعلا، لمواجهتها، ونحن نتحدث هنا عن الحلف السوري ـ الايراني ـ الروسي وحزب الله ذراعه العسكرية في لبنان.

‘ ‘ ‘

هذه المخططات الامريكية تبدو محسوبة جيدا على الورق، لكن لا احد يستطيع ان يتكهن بمدى ترجمتها ترجمة صحيحة وفاعلة عمليا على الارض، فالامور في المنطقة العربية لا تسير دائما وفق ‘المانيول’ مهما بلغت دقة اعدادها، فمن يضمن الا تخترق جبهة النصرة المنطقة العازلة في حال اقامتها، او وصول الاسلحة النوعية الحديثة اليها؟ ففي افغانستان انشق المئات ان لم يكن الآلاف من الجيش الرسمي الكرزاوي (نسبة الى حميد كرزاي) وانضموا الى حركة طالبان ومعهم اسلحتهم، كما نفذ بعضهم عمليات استشهادية ضد قوات الناتو.

ولا بد ان الاشقاء في الاردن يتذكرون جيدا الطبيب همام البلوي، الذي اخترق ثلاثة اجهزة مخابرات (الامريكية والاردنية والافغانية) وقتل ثمانية من القادة الامريكيين في خوست عام 2009، وامير هاشمي (ابن عم الملك) وهو مسؤول في المخابرات الاردنية جنده لاغتيال الملا عمر وقادة اخرين في تنظيم ‘القاعدة’ وبقية القصة معروفة.

الطبخة بدأت تنضج، وتفوح رائحتها في الاجواء، والمأدبة قد تقام في غضون الشهرين القادمين، وكل الاحتمالات واردة!

القدس العربي

“النصرة” والحزب وحلفاؤهما

    راشد فايد

يريد “حزب الله” حكومة سياسية، “تحفظ الاوزان”، كما يقول. والاستنتاج أن ذلك ليصر لاحقاً على ترنيمة “الجيش والشعب والمقاومة” التي قد يتجنبها الرئيس المكلف بحكومة تكنوقراط، مهمتها اجراء الانتخابات المأمولة، ليس أكثر.

لكن الحزب لا يلاحظ ان ايقونته المثلثة، صارت، بسبب سلوكه “المقاوم” اكثر إثارة للشقاق الوطني، من اي وقت مضى. فهو يريدها فيما باتت مقاومته اكثر طائفية، من اي وقت سابق، وافضح تبعية، من اي مرحلة فائتة. وهو يريدها، أيضا، لينتزع وطنية لقتاله المذهبي – الأقلوي.

فقتلى “الواجب الجهادي” لا يسقطون في وجه اعتداء اسرائيلي، بل في الاراضي السورية دفاعاً عن نظام اقلوي، لم يعد يخفي هويته، ولا يخفي حلفاؤه مبررات دفاعهم عنه في وجه مظلومية شعب بكامله. واذا ما تلطف الحزب وشرح اسانيده الاخلاقية والسياسية، في التدخل، قال انه يدافع عن شيعة يعيشون في سوريا، اي ان دفاعه المزعوم، سببه هويتهم المذهبية لا الوطنية.

والحزب نفسه، قدم تبريرا لقتاله في سوريا، يصلح لمبادرة “جهادية” مماثلة، يمكنه، إن صدق، أن يعتمدها في اي دولة افريقية يتعرض فيها لاضطهاد وعسف، مغتربون لبنانيون شيعة، ليعمّق انحرافه عن “مقاومة” يريدها اللبنانيون ذودا عن سيادة لبنان في وجه كل معتد، وليس اسرائيل وحدها.

فمنذ بدأ جيش النظام السوري يعتدي، شمالاً وبقاعاً، بالقصف برا وجوا، ويغرق السيادة الوطنية بالدمار والقتل والخطف، لم يصدر حزب الأمين العام عبارة إدانة أو اعتراض، بل انصرف الى تسويغ الحال، متجاهلاً الدعوات الى حماية الحدود، وشمولها بالقرار 1701، لصون السلم الاهلي، والنأي، فعلاً، بلبنان عن الحريق السوري.

عملياً، أغرق حزب الأمين العام المقاومة التي محضه اللبنانيون، والعرب، ثقتهم على اساسها، في وحول المذهبية، من جهة، والتبعية للمشروع الفارسي من جهة اخرى، بعدما واراهما طويلاً، خلف غلالة الوطنية المنحولة والعروبة المزعومة، و”قميص” فلسطين.

قد لا يعيب حزب الأمين العام أن يكون فجّا في تحديد موقعه الاستتباعي مذهبياً واقليمياً، ولا يتمايز في ذلك عن “جبهة النصرة” السورية. لكن الفارق هو بين حلفائه وحلفاء تلك: يصمت حلفاؤه على تناقضه مع ماضيهم، على الاقل، بينما يهب ائتلاف المعارضة السورية ليحذر جبهة النصرة من إعلانها الالتحاق بـ”القاعدة”، والخروج “من الصف الوطني”.

لم تتأثر المعارضة السورية بغلبتها المذهبية، فتغض الطرف عن “النصرة” و”سنيتها” الجهادية، بل تصدت لها، بينما لم يخرج صوت من حلفاء الحزب وجمهوره، فيتغلب على انتهازية مذهبية، أو اقلوية، من “أمل” الى “تيار الجنرال”، ليحمي الوطن الصغير من تفتيت اضافي، لا يحول دون ان يكون “لبنان أولاً” فحسب، بل ويثبته آخراً… وأخيراً، إلا إذا كانت عرسال وعكار غير لبنانيتين.

النهار

الإبراهيمي والطلاق… الثورة وأخوات «القاعدة»

زهير قصيباتي

أكثر من خطيئة يرتكبها رموز المعارضة في سورية؟

أكثر من إشاعات، رغبة الأخضر الإبراهيمي في طلاق مع جامعة الدول العربية؟

نصيحة أخرى إلى تركيا – أردوغان، قدّمها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عشية لقائه أمس نظيره التركي أحمد داود أوغلو: لا تراهنوا على الحل العسكري في سورية. وهو رهان بات مُرّاً، حتى للأتراك الذين رددوا مرات أن أيام النظام ورأسه في دمشق باتت معدودة، وعدّوا الأيام، فيما مأساة القتل والخراب على حالها.

لا جديد إذاً لدى «معسكري» الصراع في سورية، وإن كان توقيت زيارة لافروف اسطنبول، عشية لقاء مجموعة «أصدقاء الشعب السوري» في المدينة، يوحي بسعي موسكو إلى الاستفادة من أوراق مصالحها مع أنقرة لإقناعها بعدم تشجيع تسليح المعارضة السورية. وما أعلنه الوزير عن أولوية وقف عمليات المعارضين تمهيداً لبدء المرحلة الانتقالية في دمشق، واستبعاده أولوية تنحي الرئيس بشار الأسد، لا يضيفان جديداً إلى التفسير الروسي لبيان جنيف.

ولا تضيف جديداً صرخة أوغلو في وادي الصراع، ودعوته إلى تحرّك دولي لوقف نزيف الدم الذي يجعل الحدود التركية مشرّعة دائماً لعبور مزيد من أفواج الهاربين من الجحيم إلى نار المخيمات وبؤسها وحرائقها.

لا صدمة جديدة بشظايا الانفجار السوري الذي يشيع الرعب لدى دول مجاورة، قلِقة من «قنبلة» أمواج النزوح، وتداعياتها السكانية والاقتصادية. وإن كان فعل القتل ومعدّلاته اليومية باتت حدثاً عربياً «عاديّاً»، بانتظار مجهول لا يأتي، وحسم عسير، فما ليس عادياً هو تسرّع رموز المعارضة «المدنية» أو تسريعها الخطى للسقوط في فخ تصنيفات «المجاهدين» وفصائلهم، والتطوع لمنح الغرب مجاناً ذريعة أخرى لتضخيم قلقه من «إرهاب» يتسلل إلى صفوف الثورة. ففيما تبايع «جبهة النصرة» زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، لا يجد رئيس «الحكومة الموقتة» السورية غسان هيتو حرجاً في وصف مقاتلي الجبهة بأنهم «رفاق سلاح لإسقاط النظام». ويصحح العثرة لتطمين الجميع إلى أن مستقبل سورية سيكون ديموقراطياً يضمن الحرية لشعبها، فبعد إسقاط النظام «لكل طرف حرية الدعوة إلى رأيه، من دون فرض». يستدرك هيتو أن السوريين يرفضون الإرهاب، مع ذلك ما الذي يمنع «القاعدة» من التبشير بفكرها إذاً، أسوة بأي حزب؟!

وأما المبعوث العربي – الدولي الأخضر الإبراهيمي، فلعله لا يجد حرجاً ايضاً، كلّما سرّب ديبلوماسيون معلومات عن خططه أو مساعيه لتحريك الحل… الميت. لكنه هذه المرة – إذا صدقوا – محبط كالشعب السوري، ويعدّ لطلاق مع الجامعة العربية، بعدما خيّبت آماله وانحازت إلى الثورة، فلم يعد بإمكانه تولي مهمة الوسيط المحايد باسم الجامعة.

يحيي الإبراهيمي السؤال البديهي حول حظوظ مهمته التي لم تبدّل معدّل القتل في سورية، ولم توقف الخراب، ولا تمزيق المجتمع ومشاهد التشرّد، وجَلْد الإنسانية كلما مزّقت القذائف جسد طفل أو عجوز. هو الجَلْد الذي يدين الجميع، خصوصاً الذين ما زالوا يدافعون عن حل سياسي بين خصمين، لا يرى كل منهما في بقاء الآخر سوى جنازة له.

لعل السؤال الواقعي هو ما إذا كانت وساطة الإبراهيمي لا تزال حية، أم ماتت مرات وتنتظر إقدامه على نعيها. وحدهم الأميركيون يمتلكون الجرأة على إعلان تشاؤمهم بآفاق الصراع الذي «قد يستمر عقوداً»… لذلك، هل من مبرر للاستعجال وتسليح المعارضة، لأن النظام لا يريد عملياً سوى الحسم العسكري وبأي ثمن؟!

هي نكبة للسوريين، ونكبات للعرب الذين يرون بلدانهم تتهاوى دماراً وخراباً، منذ احتلال العراق، وبعدما واجهت الثورات غطرسة زعامات لا ترى الأوطان إلا بين خيارين: زعاماتها أو الطوفان.

يقول ديبلوماسي حضر قمة الدوحة العربية أواخر آذار (مارس) الماضي، إن ما استنتجه من المداولات هو الإجماع على التشاؤم بـ «مشوار طويل» لآلام السوريين.

وحالهم في نكبتهم: شجاعة كثيرين في أمل بالحسم هزيل، فيما العرب ينتظرون التحرك الدولي الذي ينقذ مجلس الأمن من عضال الشلل، والعالم ينتظر تطهير الثورة صفوفها من عدوى «القاعدة» وأخواتها وأبنائها.

الحياة

النظام إلى السلاح الكيماوي… و«جبهة النصرة» إلى «القاعدة»

عبدالوهاب بدرخان *

يمضي النظام السوري في ما يسميه «إنجازات استراتيجية»، معتبراً أنه أُعطي فرصة جديدة تمتد لنحو شهرين، فالكل يتحدث حالياً عن حزيران (يونيو) بأنه سيكون حداً فاصلاً في الأزمة. في الوقت نفسه عادت المعارضة تشكو من أن تسليح «الجيش الحر» لم يشهد تطويراً ملموساً، رغم التحسن الذي طرأ عليه أخيراً. ومن غير المتصوّر أن يرقى التسليح إلى المستوى الصاروخي والكيماوي الذي أدخله النظام في الصراع.

لا شك في أن أي فرصة جديدة للنظام تعني مزيداً من التهجير للسكان والتدمير لمناطق أخرى لا يزال فيها بعض معالم الحياة. إذاً، فهي اللعبة السقيمة نفسها تتكرر بلا نهاية، ذاك أن تسليح المقاتلين الثوار لن يرقى، ولن تسمح روسيا وإيران بأن يرقى، أبداً إلى مستوى ما توفرانه للنظام، الذي يضاعف فاعليته بإجرامه اللامتناهي. ففي أكثر من مكان نفذ سياسة «الأرض المحروقة» التي ينزلها حالياً في داريّا، لأنه يريد أن يحمي مطار المزّة العسكري وتأمين الطريق إلى المطار الدولي. وفي أكثر من مكان في الشمال والوسط اتّبع القصف المنهجي الكثيف، كما يفعل مع الغوطة الشرقية، خصوصاً برزة وحي جوبر ودوما لإبعاد مقاتلي «الجيش الحرّ» عن دمشق التي يتولّى الإيرانيون أمـرها الآن وأصبحوا مرئيين في أحيائها كافة وليس فقط في الست زينب.

فيما لا يزال «أصدقاء الشعب السوري» يثرثرون في مجادلات عقيمة حول «المساعدات غير القاتلة» التي يرغبون في تزويد المعارضة بها، يمكن أجهزتهم أن تسجّل يومياً أن قوات النظام قصفت بالطيران عشرات المناطق، وأنزلت مئات البراميل المتفجرة فوق أماكن سكنية، واستخدمت صواريخ «ســـكود» و«تـــوشكا» في أكثر من موقع، وبدأت استخداماً موضعياً للسلاح الكيماوي حيث تحاول الردع كما في درعا ومحيطها أو تحاول إحداث اختراقات كما في حلب وحمص أو القيام بالتفافات على الغوطة كما في العتيبة والبلالية والنشائية جنوب شرقي دمشق. فأين تسليح المعارضة من كل ذلك؟ ما يذهل حقاً هو أن المشهد مختلف تماماً على الأرض، ويكفي التحدّث إلى أي مقاتل أو ناشط في المعارضة في أي موقع لاستنتاج أن السلاح ليس كل شيء في هذه المعركة، بدليل أن التكافؤ فيها مستمر، رغم عدم تكافؤ الإمكانات. وفي كل مرحلة استطاع الشعب أن يستوعب بسرعة ما هي التضحيات المطلوبة منه للاستمرار، لأن التراجع غير وارد، ولأنها فعلاً معركة مصير، كما لو أن هذا الشعب لم يختزن نـــقمته فحــسب طــــوال عقـــود وإنما اختزن كذلك إدراكه لما سيكلّفه التخلص من أحد أسوأ الأنظمة التي عرفتها البشرية.

لم يتوقف النظام كثيراً عند الأنباء عن القوة التي قيل إن الأميركيين درّبوها في الأردن لتنتشر على الحدود وتحول دون انسلال «المتطرفين» إلى الأردن وإسرائيل. استنكرها لكنه لم يعرها اهتماماً، ربما لأنه يراها في إطار «استراتيجيته»، أي أنه يضــعها في سياق محاربته لـ «الإرهابيين».

ولعل أخبار «جبهة النصرة» عادت فجمعت شمل المتباغضين، النظام والأطراف التي يعتبرها متآمرة عليه، فعندما يكون الخيار بين بشار الأسد وأيمن الظواهري يعتقد الأسد أنه يكسب الرهان في حين أن الآخر يعتبر نفسه دائماً خارج لعبة الأنظمة. لا شك في أن الأسد والظواهري كانا، بشكل أو آخر، حليفين لدودين في كثير من الأحيان، استخدم أحدهما الآخر بل استغّله، تبادلا الفرص والفخاخ عندما كانا في خندق واحد، وإذ تفترق طريقهما الآن – إذا افترقت – بات كلٌ منهما يقاتل الآخر: الأسد لاستعادة «شرعيته» والظواهري لإثبات «مشروعيته»، والاثنان مع القتال العبثي المفتوح وضد الشعب وثورته. وقد انكشفت عقيدتا النظام و»القاعدة» بالوقائع فليس لدى هذا ولا ذاك أي وازع قومي أو ديني. ولأن مقاتلي «النصرة» سوريون بالأساس، كان بإمكان الجبهة برهنة عدم تناقض الوطنية مع فكر «القاعدة»، أقلّه في حال سورية، لكن «مبايعة» الظواهري أضاعت منها هذه الفرصة إلى غير رجعة. أما النظام فلم يكن متوقعاً منه أن يبرهن شيئاً، بعدما استعرض على مرّ السنين تخريبه للقيم كافة، فلا قومية استقامت معه ولا عروبة ولا «ممانعة» ولا نأيه المخادع عن الطائفية، فلم يبقَ لديه سوى الإرهاب، مثله مثل «القاعدة».

تستمر المعارضة في القتال، إذاً، وقد أُرغمت في لحظة حرجة من حربها على مراكمة عبء زائد على كاهلها، هو «قاعدية النُصرة»، وحتى هذه قد يختلّ زخمها بسبب الخلاف الذي دبّ بينها وبين الفرع العراقي لـ «القاعدة» الذي رعاها منذ بدء انطلاقتها السورية. فخلال الشهرين المقبلين سيكون على قوى المعارضة أن تبدي أعلى مستويات التضامن والتنسيق، وأن تدرك لمرة أولى وأخيرة أن تنافسها على النفوذ في سورية الغد سيقضي على طموحات الجميع. ذاك أن النظام بدأ، إزاء استحالة الحسم، مرحلة تحسين أوضاعه الميدانية لتحسين وضعه التفاوضي على شكل الحل السياسي ومضمونه. وطالما أنه لا يزال يقاتل ويقتل ويدمّر وينفذ خططه في معظم الأنحاء فلا بدّ أنه سيفرض نفسه على هذا الحل، مستنداً تحديداً إلى أن القوة التي يستطيع ترجمتها على الأرض ستشكّل ضغطاً على القوى الدولية التي رفضت طروحاته وأرادت ممارسة ضغط مضاد لإجباره على تغييرها، لكنها لم تتخذ الإجراءات ولا الخطوات المناسبة لا لتسليح المعارضة ولا لزيادة نوعية تدخلها، وبالتالي لم تتمكّن بعد من إقلاقه، ما يشجعه على الاعتقاد بأنه لم ولن يخرج من المعادلة.

كان اجتماع وزراء مجموعة الدول الثماني في لندن فرصة لقياس أي «تغيير» قد يكون طرأ على التحليل الروسي للأزمة. وإذ دلّ بيانهم الختامي مجدّداً إلى استمرار تباعد المواقف، لكن على قاعدة توافق الـ 8 على مراعاة مصالحهم، كان لافتاً أن الدول الغربية لم تشأ استثمار قضية «القاعدة» – «جبهة النُصرة» ضد المعارضة لكنها ستأخذها في الاعتبار عند تنفيذ الوعود. لذلك يبدو التحضير لمؤتمر «أصدقاء سورية» في إسطنبول وكأنه مقبل على تركيز الاتجاه إلى الحل السياسي لمواكبة مشاورات يجريها باراك اوباما خلال الأسابيع المقبلة وينهيها بلقاء مع فلاديمير بوتين في قمة الدول الثماني منتصف حزيران في إرلندا الشمالية. أما لقاؤهما التالي فسيكون في أيلول (سبتمبر) في موسكو. وتحاول الدولتان «إزالة التوتر» في علاقاتهما بسبب سورية وملفات أخرى. وإذا كانت الأزمة الكورية قرّبت بينهما أخيراً إلا أن ذلك لم ينعكس على سورية التي تنطوي على حمولات مشابهة وتقتضي تقارباً آن أوانه.

وفقاً للأجندة المعروفة للاتصالات الدولية سيمضي عام على صدور «اتفاق جنيف» من إحراز أي تقدم في تطبيقه، أو حتى الاتفاق على تفسيره، فتارة تبدو واشنطن وموسكو متوافقتين على الخطوات الأولى المطلوبة وطوراً يظهر تناقض بينهما. لكن موسكو لم تحد ولا في أي لحظة عن موقف النظام، كما لم تحاول دفع أي تطور داخلي بالتفاهم مع إيران، رغم إدراكهما أن لا سبيل إلى إبقاء نظام الأسد في الحكم. إذا كان «اتفاق جنيف» لا يزال أساساً صالحاً للحل، ففي ذكراه السنوية الأولى قد تبرز الحاجة إلى مراجعته وجعله قراراً صادرا عن مجلس الأمن ليصبح قابلاً للتنفيذ.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى