مقالات عن العدوان الاسرائيلي على غزة
التصعيد الإسرائيلي قد يجر أميركا الى التورط
راغدة درغام
تدخل منطقة الشرق الأوسط في حلقة التصعيد والمواجهة على جبهات عدة وبنوعية غير عادية تهدد بجر أكثر من لاعب إقليمي ودولي الى التورط ربما بأعمق مما شاء. التطورات الفلسطينية – الإسرائيلية تنذر بتوسيع رقعة المواجهة، ليس فقط بين الحكومة الإسرائيلية و»حماس» في غزة، وإنما أيضاً بين السلطة الفلسطينية في رام الله وواشنطن، كما بين مصر وإسرائيل. الخطاب السياسي التصعيدي والتهديدي الذي تبناه «حزب الله» هذا الأسبوع ضد قوى وقيادات المعارضة اللبنانية يحمل في طياته خطورة تفجير الوضع الداخلي في لبنان وربما توسيع رقعة المواجهة مع إسرائيل إذا بات ذلك الخيار الوحيد لوقف انزلاق حليفه النظام السوري الى الهاوية. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حمل الى اجتماعه مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست تمسك رئيسه فلاديمير بوتين بسياساته نحو النظام في دمشق وكذلك نحو الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودورها الإقليمي. تشكيل الائتلاف الوطني السوري الذي يضم أطياف المعارضة السورية ويلم شملها برعاية عربية وأوروبية وأميركية يشكل إطاراً جديداً وتطوراً تاريخياً في علاقة الثلاثي العربي – الأوروبي – الأميركي مع سورية. هذا التطور قد يضع العلاقة مع روسيا والصين على سكة جديدة تؤدي الى تفاهمات كبرى، لكنه أيضاً قد يضع تلك العلاقة على سكة مواجهات سياسية واستراتيجية. الأنظار تتجه الى واشنطن بقدر ما تحدق في التطورات الجارية في ساحة الشرق الأوسط، وهي تضع الرئيس باراك أوباما تحت المجهر في مستهل استعداداته لتسلم السلطة لولاية ثانية بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية. والكل يسأل: ماذا سيفعل باراك أوباما؟
يمكن القول إن إنجاز لمّ شمل المعارضة السورية كان مطلب اوباما وحجراً أساسياً في سياساته نحو هذا الملف على ما أوضح أثناء مناظرة له مع منافسه الجمهوري ميت رومني الذي دعا الى تسليح المعارضة السورية لتحقيق الإطاحة ببشار الأسد.
الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري بصفته الممثل الشرعي الوحيد لن يهطل بسرعة. فقد كانت فرنسا الدولة الأولى التي تمد الائتلاف بالاعتراف. لكن الرئيس الأميركي حرص في أول مؤتمر صحافي له على القول إن مبعوثين أميركيين سيشاركون في الاجتماعات المختلفة التي تعقد بين ممثلين من المجتمع الدولي وائتلاف المعارضة السورية «ونحن نعتبره ممثلاً شرعياً لطموحات الشعب السوري لكننا لسنا مستعدين للاعتراف به كنوع من حكومة في المنفى». ثم أشار أوباما الى «عناصر متطرفة تدس نفسها في المعارضة»، وقال إن من الضروري الحذر «بخاصة حين نبدأ الحديث عن تسليح شخصيات معارضة كي لا نضع في شكل غير مباشر السلاح في أيدي أشخاص قد يلحقون الأذى بأميركا أو إسرائيل أو يقومون بأعمال تقوض أمننا القومي».
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قال إن بلاده تواجه «تحدياً» جديداً في سورية بسبب وجود «قوى تابعة للجهاد العالمي» فيها. في الوقت ذاته قال نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إن القوات السورية دخلت منطقة فض الاشتباك التي تشرف عليها الأمم المتحدة لملاحقة «القوى المتطرفة التي دخلت الى المنطقة المنزوعة السلاح». وتابع: «لقد تحركنا وهذا كل ما في الأمر. نحترم اتفاق فض الاشتباك ونحن ملتزمون به. لكنّ لصبرنا حدوداً، وعلى إسرائيل أن تدرك ذلك».
هضبة الجولان عادت الى الواجهة بعد هدوء استمر لعقود. والسؤال المطروح حالياً هو: هل ستجد إسرائيل أن مصلحتها تقتضي دعم استمرار نظام الأسد في السلطة ليقوم بمهمات القضاء على قوى «الجهاد الإسلامي» على حدودها؟ أم ان إسرائيل ستستنتج أن نظام الأسد في طريقه الى الزوال في كل حال عاجلاً أو آجلاً، وعليه، من الأفضل الاستعجال في زواله لأن الإطالة ستعزز قوى الجهاد الإسلامي وتحشدها على حدودها؟
الإجابة مهمة لأنها ستؤثر في الاعتبارات الأميركية وفي نوعية الدعم الذي ستتلقاه المعارضة السورية. هذه المعارضة لا تريد أن تسقط في فخ تصنيفها «جهادية»، لا سيما أن نسبة الجهاديين في الصراع العسكري مع السلطة لا تتجاوز عشرة في المئة. هذه المعارضة في حاجة الى التسليح كي تتمكن من تحجيم عناصر الجهاد وأيضاً تحجيم الانطباع بأن الثورة السورية صادرها الجهاديون.
أحد أخطاء روسيا أنها حيّدت نفوذها في صنع البديل عن النظام الذي هو في طريقه الى الزوال بعدما حيّدت الأداة الأساسية في يديها لممارسة نفوذها في المسألة السورية، وهي مجلس الأمن الدولي. جرّدت موسكو نفسها من أدوات النفوذ وباتت طرفاً في الصراع الداخلي في سورية بجانب النظام. زجت نفسها في زاوية باتت غير قادرة على الخروج منها وذلك بتمسكها القاطع ببشار الأسد.
الآن، وبعد تشكيل الائتلاف الوطني السوري، وفي أعقاب اجتماع القاهرة مطلع هذا الأسبوع الذي أطلق الإطار الجديد للعمل المشترك الثلاثي (العربي – الأوروبي – الأميركي)، هناك شبه إجماع دولي على ضرورة تعزيز الدعم للمعارضة السورية.
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أعلن أن «باريس ستنظر في تسليح المجلس الوطني السوري بمجرد انتهائه من تشكيل حكومة انتقالية». بريطانيا، رسمياً، تمتنع عن دعم تسليح المعارضة، لكنها عملياً تسير في هذا الاتجاه – أقله من خلال تأمين الغطاء للدول العربية التي ستقوم بالتسليح وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية وقطر. اليابان ستستضيف اجتماع «أصدقاء الشعب السوري» في 30 الشهر الجاري وتأمل أن يشارك فيه 150 مندوباً من 60 دولة.
فالتجمع العالمي من أجل سورية اتخذ موقفاً واضحاً من ناحية الدعم السياسي والمالي والإنساني، إنما الدعم العسكري ما زال في طور النقاش. وهنا يكمن الامتحان. ذلك أن تسليح المعارضة «المدنية» بات دَيْناً على الدول الغربية التي تعهدت بدعم المعارضة للوقوف في وجه آلة الحرب التي يستخدمها النظام. ولا سبيل الى تنفيذ هذا التعهد إلا بفرض مناطق آمنة أو مناطق حظر طيران لا تستلزم قوات أميركية أو تدخلاً عسكرياً مباشراً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) وإنما تتطلب تمكين المعارضة عسكرياً بأسلحة ثقيلة وتوفير الغطاء السياسي لتركيا.
هناك كلام عن قيام طهران بتوفير طيارين إيرانيين للنظام السوري لقصف الشعب السوري، إضافة الى مشاركة مقاتلين إيرانيين وعراقيين ولبنانيين في القتال بجانب النظام. هناك أيضاً دلائل على قرار للمحور الذي يضم النظام في دمشق الى جانب طهران وموسكو و «حزب الله» في لبنان بتبني التصعيد لدرجة تصدير الأزمة الى الدول المجاورة، وتحديداً لبنان والأردن. اللاإستقرار يتفشى في العراق أيضاً وليس في الأردن ولبنان فقط.
في المقابل، هناك مساعٍ خليجية وأوروبية وأميركية للتضييق على نظام الأسد لخنقه ليس فقط عبر التآكل من الداخل وإنما أيضاً عبر وضع حليفه الروسي والصيني على المحك. الخطوة الأولى ستتمثل في ترغيب روسيا والصين بالعودة الى الصواب والموافقة على قرار جديد ملزم لمجلس الأمن الدولي يتضمن وقف النار والشروع بعملية سياسية انتقالية. روسيا، كما يبدو، لن تتراجع عن تمسكها ببقاء بشار الأسد ركناً للعملية السياسية الانتقالية. هذا سيؤدي على الأرجح الى فيتو رابع يطلق حرباً باردة ومرحلة فتور وجمود في العلاقات الخليجية مع روسيا والصين أيضاً، إذا استخدمت أيضاً الفيتو الرابع.
لكن ذلك لن يكون كافياً ولا هو آخر المطاف. فالتحرك الأوروبي – الأميركي – العربي الجديد سيتطلب جدول أعمال متفقاً عليه للخطوات التالية، بما في ذلك تفاصيل التبعات والإجراءات العملية المترتبة على استمرار التمرد الروسي – الصيني. فقد دخلت المواجهة مرحلة جديدة، ولا عودة عن ذلك المسار إلا إذا برزت بوادر تفاهمات ليست حالياً في الأفق. وواشنطن في طليعة الخيارين.
المواجهة الأخرى التي دخلت النفق تتطلب أيضاً رعاية أميركية فائقة الحذر. فقد اتخذت المسألة الفلسطينية – الإسرائيلية المقعد الخلفي نسبياً للسنتين الماضيتين، لكن هذا لا يلغي خطورة الانفجار في ذلك الوضع غير الطبيعي.
قيام إسرائيل باغتيال القائد العام لـ «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس»، أحمد الجعبري، قرار تصعيدي تحريضي أهدافه السياسية والعسكرية تشمل الاعتبارات الانتخابية الإسرائيلية، وهيبة قوة الردع العسكري للجيش الإسرائيلي، وامتحان أسلحة إسرائيلية جديدة، وزج «السلطة الفلسطينية» في زاوية الضعف لاتهامها بفقدان القدرة على القيادة، وجر «حماس» الى المواجهة.
قد يكون في ذهن القيادة الإسرائيلية استفزاز مواجهة محدودة مكبلة قادرة على لجمها، إنما في زمن كالذي تشهده المنطقة، أن هذا النهج خطير للغاية قد لا يكون قابلاً للاحتواء، وقد يجر الولايات المتحدة الى التورط حيث لا تشاء.
الرئيس الأميركي يقع بين وعد فلسطين الذي التزم به مطلع ولايته الأولى وبين سأم الفلسطينيين من الوعود الخائبة ومن دفع ثمن الوعود والتهديد والمماطلة والتأجيل. الرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يتمكن من التراجع عن طلبه التصويت على مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة يعطي فلسطين مرتبة الدولة المراقبة ما لم يحصل على رؤية لو خطة أو خريطة طريق جدية أميركية الى حل الدوليتين.
الإدارة الأميركية لن تتمكن من تكثيف الضغوط لدرجة حل «السلطة الفلسطينية» وما يترتب على ذلك من فوضى وحل لتلك السلطة من الالتزامات الأمنية نحو إسرائيل بموجب اتفاق أوسلو. وهذه الإدارة، حالياً، ليست في صدد تقديم رؤية أو وعد جديد.
لذلك، قد يجد الرئيس الأميركي نفسه أمام واقع جديد ينطوي على التحدي والمواجهة مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، إذ ان أحدهما يمضي بالمستوطنات غير الشرعية والاغتيالات والقصف، فيما الطرف الآخر ينقسم الى «حماس» التي تطلق الصواريخ و «السلطة الفلسطينية» التي ستطلق الدولة المراقبة التي لها حق المساءلة والملاحقة القانونية في المحكمة الجنائية الدولية لارتكاب إسرائيل جرائم حرب على أراضٍ فلسطينية محتلة. وهكذا ستكون هناك معادلة جديدة قائمة على المواجهة من نوع آخر.
مرحلة صعبة آتية الى منطقة الشرق الأوسط. مرحلة تتطلب من الرئيس باراك أوباما الكف عن التمهل والتباطؤ، لأن الوقت بات لمصلحة التطرف والانفجار.
الحياة
حل غزة.. العودة إلى سوريا
طارق الحميد
باتت الحروب في منطقتنا كحلبة سباق، للأسف، فكل حرب هي للتغطية على حرب أخرى، أي عملية هروب للأمام، وما يحدث في غزة هو الهروب للأمام بعينه على أمل حماية الأسد، أو جعل تكلفة سقوطه أكبر على الجميع، وأبرز مهندسي هذا الهروب هو إيران، منذ طائرة «أيوب» من غير طيار، وكذلك كل المحاولات في سيناء. وعندما لم تتحرك سريعا جبهة الجولان كما أراد الأسد وإيران، تم اللجوء إلى جبهة غزة لأنها أسرع اشتعالا، كما أنها أسهل بالنسبة لإسرائيل.
غزة بالنسبة لإسرائيل بمثابة كيس ملاكمة للتدريب وفرد العضلات، كما أن النجاح في غزة يضرب «ملفات» بعدوان واحد. ففي غزة تستطيع تل أبيب تكسير حماس، وإحراج مصر مرسي، الذي يعتبر الخاسر الأكبر في هذه المعركة، مهما فعل. فإذا نجح مرسي سياسيا فسيخسر شعبيا، والعكس صحيح، إلا إذا جاء الرئيس المصري بمعجزة سياسية تنم عن دهاء، ولكن اختياراته محدودة جدا. كما أن ضرب غزة بالنسبة لإسرائيل فيه رسالة قوية للأسد، وقصقصة لأجنحة إيران، خصوصا في حال كانت هناك ضربة إسرائيلية لإيران، وفوق كل ذلك فإن ضرب غزة تعزيز لفرص نتنياهو في الانتخابات القادمة.
حسنا، ماذا عن سوريا؟ الآن أفضل حل للخروج من حرب – أو ضرب – غزة هو العودة لسوريا، وبقوة، فمن حرك الصواريخ التنك في غزة فعلها وهو مدرك أن ليس هناك تكافؤ. فكل المراد هو إنقاذ الأسد الذي باتت أيامه معدودة، بل هو قاب قوسين أو أدنى من السقوط، كما أنها حرب من أجل إلهاء الأطراف العربية، خصوصا أننا نشهد اليوم حفلة مزايدات، حيث لم يجرؤ العرب على طرح سؤال أساسي: من حرك جبهة غزة؟ ولماذا الآن؟ سؤال جوهري، خصوصا أن حسن نصر الله يطالب العرب بالضغط على أميركا لوقف العدوان، فلماذا لم يطالب نصر الله عملاء إيران في غزة بعدم رمي القطاع في المجهول؟ ولماذا لم يطالب هو وإيران الأسد بوقف العدوان على السوريين؟ إنها حفلة مزايدات، وما أكثر الراقصين فيها.
المراد قوله الآن هو: من يدري؟! قد ينقلب السحر على الساحر، فلا الجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة، ومنهم حماس، يريدون مواصلة القتال، لعدم قدرتهم على ذلك، ولا إسرائيل تريد إطالة هذا العدوان لأنها ترى أن هناك مكاسب قد تحققت، وعلى عدة أصعدة، كما أن مصر مرسي لا تريد، بل ولا تتحمل، هذه الأزمة، وبالطبع المجتمع الدولي لا يريدها أيضا.
وعليه، فإن أفضل وسيلة للهروب من غزة الآن هي سرعة العودة إلى سوريا، فحريق غزة كان بسبب شرارة أسدية، ومن هنا فقد ينقلب السحر على الساحر، خصوصا أن الجميع قد اقتنع بخطورة نظام الأسد، وضرورة إسقاطه. وعليه فإن الحل في غزة يكمن بالعودة إلى سوريا وتسريع طي صفحة نظام طاغية دمشق الإجرامي.
الشرق الأوسط
العناد والاستئثار سيّدا المشرق
حازم صاغيّة
أصبح النظام السوري مضربَ مَثَل في العناد وفي الاستئثار السلطوي، فلا تعاظم أعداد القتلى، ولا استطالة زمن القتال وما ينمو على جنباته من أحقاد، ولا تحوُّل سورية نفسها ساحة وملعباً للقوى الإقليمية والدولية… كل تلك الكوارث وسواها لم تدفعه، ولن تدفعه، إلى تقديم أي تنازل جدي وفعلي قد يحد من استئثاره.
ولم يعد جديداً التذكير المُقارن بسلوك هذا النظام قياساً بالنظامين اللذين سبقاه في التهاوي، أي التونسي والمصري، ناهيك عن نظام الشاه في إيران العام 1979، فهي كلها أبدت استعداداً للاعتراف بالأمر الواقع وتوازنات القوى الناشئة، وتراجعت أمام الأكلاف الباهظة التي كانت لتترتب على عنادها في ما لو آثرت اعتماد العناد السوري.
وهذا، للأسف، ما جعل المعركة مع هذا النظام معركة حياة أو موت لا توسط فيها.
البائس أن النظام الأردني يقتدي اليوم بأخيه الأكبر في دمشق، فيوالي، حكومةً بعد حكومةٍ، إصراره على رفع الأسعار وتمسكه بسياسات مرفوضة، مرةً في ما خص القانون الانتخابي ومرة في ما خص الفساد.
ومع أن المسافة لا تزال فلكية بين سلوكَي النظام الأستاذ والنظام التلميذ، وبين الأكلاف هنا وهناك، يبقى أن المضي في العناد والاستئثار يرشح الأردن للأسوأ، سياسةً واجتماعاً أيضاً، أي على خط يمتد من الدم ولا ينتهي بالتفتت.
إن ثمة دروساً أفضل كثيراً من الدرس السوري يمكن النظام الأردني أن يتعلمها ويتعظ بها، لكنْ حتى إشعار آخر، على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟
وبدوره، الحكم الليكودي أصيل في العناد والاستئثار، فإذا صح التحليل الذي يربط بين الضربات الوحشية التي تُكال راهناً لغزة وبين الإقبال على انتخابات عامة في إسرائيل أو تحويل الأنظار عن المعركة السياسية للدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، جاز القول إن نزعة الاستئثار الإسرائيلية تتساوى مع مراتبية مقيتة وعنصرية في تبويب الإنسانية، ومراتبية كهذه -وكانت قد استعرضت نفسها مرات عدة من قبل- إنما تُجيز تحويل بشر»هم» وأطفالـ»هم» أداة لأي غاية يرمي إليها الحاكم الإسرائيلي. وهذا ناهيك عن أن العناد والاستئثار الإسرائيليين لا يكفان، المرة بعد المرة، عن توكيد أن قادة الدولة العبرية غير معنيين بما يجري في جوارهم من تحولات واحتمالات، فخارج السور يقيم البرابرة، وكل ما يصدر عن البرابرة بربري!
إلا أن «حركة حماس»، أكانت ممانعة أم لم تكن، مصرة، هي الأخرى على عنادها واستئثارها، ليس فقط لجهة التمسك، ولو المتقطع، باستراتيجية الصواريخ، بل أساساً لتمسكها بسلطتها في غزة، تلك السلطة التي تكسر ظهر السياسة والوحدة الفلسطينيتين وتجعل كل انتصار في ساحات المواجهة العسكرية وهماً محضاً، وهماً لا يخفف منه التهليل لصواريخ »حماس» المرفق بالاستغاثة مما تفعله آلة الموت الإسرائيلي!
وهل نحتاج إلى التذكير بالعراق في طوريه الصدّامي وما بعد الصدامي عناداً واستئثاراً، لاستنتاج أن المشرق مصاب عميقاً بهذا السرطان الذي يُسأل عنه التاريخ والواقع، فضلاً عن تاريخ خوف الجماعات وتاريخ الأفكار التي سادت ولم تبد!؟
الحياة
إسرائيل تحاول إنقاذ الأسد!
طارق الحميد
الواضح الآن من الرد الإسرائيلي العسكري، وإن كان محدودا، على قوات الأسد في الجولان، أن إسرائيل تحاول إنقاذ بشار الأسد، والعمل على إغراق المنطقة في فوضى مستمرة، وذلك من خلال تعقيد الأزمة السورية، مما يحول دون اتخاذ قرارات حاسمة من أجل الإسراع في إسقاط طاغية دمشق.
فمنذ اندلاع الثورة السورية والسيناريوهات المحتملة للرد الأسدي متوقعة تماما، ولا جديد فيها، وهي إشعال لبنان، وإغراق تركيا باللاجئين، ومحاولة استغلال العلويين في تركيا، وكذلك توريط الأردن وإغراقه أيضا باللاجئين، وجر العراق للأزمة من باب طائفي، وقبل كل شيء اللعب على الورقة الطائفية في سوريا نفسها، وأخيرا وليس آخرا إقحام إسرائيل في الأزمة، وبالطبع فعل النظام الأسدي كل ذلك، حيث حاول استفزاز تركيا ولم ينجح، علما أنه لو تحرك الجيش التركي ووصل إلى قلب دمشق لوجد دعما، وغطاء، عربيا. وحاول الأسد ويحاول استفزاز الأردن، لكن عمان ما زالت تواصل ضبط النفس، وفعل الأسد ما فعله بلبنان وما زالت بيروت صامدة، لكن الغريب أنه مع أول استفزاز أسدي لإسرائيل تحركت تل أبيب وردت!
نقول «غريب»، لأن ما فعله الأسد مؤخرا في الجولان الصامتة قرابة أربعة عقود، هو نفس الذي فعله صدام حسين وقت احتلال الكويت، حيث أطلق صواريخ «سكود» على إسرائيل من أجل جرها لتلك الأزمة و«لخبطة» الأوراق، ووقتها تصدى الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب لإسرائيل وأجبرها على ضبط النفس، وعدم إقحام نفسها في أزمة احتلال العراق للكويت. اليوم الأمر نفسه يكرره الأسد مع إسرائيل، وعلى نفس خطى صدام حسين، والأمر لا يحتاج إلى ذكاء لمعرفة أن الأسد يريد الهروب إلى الأمام. فلماذا إذن تتدخل إسرائيل الآن، وتحاول إنقاذ الأسد من خلال خدمة أهدافه؟ لماذا الآن ونحن نشاهد ملف الأزمة السورية يتحرك بشكل سريع ودراماتيكي، عسكريا في دمشق، وسياسيا على مستوى المعارضة التي باتت تتوحد، والموقف الدولي الداعم لذلك التوحد، مما يوحي بأن أيام الأسد فعلا باتت معدودة؟ ونقول «غريب»، لأنه من العجيب أن يكون حلفاء الأسد في هذه الأزمة كلا من إيران، وحزب الله، وإسرائيل، وبالطبع فإن لكل دوافعه، وكلها دوافع تخريبية تدل على خطورة هذا الثلاثي على منطقتنا، يضاف إليهم الأسد.
ما تريده إسرائيل هو إغراق المنطقة كلها في الفوضى، فلا مانع لدى تل أبيب من أن ترى الأزمة السورية تستمر لسنوات، ويطال حريقها كل المحيط السوري، فلا إشكالية لدى إسرائيل من إغراق الأردن، وتركيا، ولبنان، بالفوضى. فكلما ضعفت الدول العربية كانت إسرائيل أقوى، وهذا ما تريده تل أبيب حتى في مصر، فإن كانت مشاكلنا بصنع أيدينا نحن العرب، فإن إسرائيل لا تتوانى عن صب الزيت على النار.
ولذا، فمن الواجب أن يكون هناك موقف دبلوماسي عربي فاعل تجاه التصرفات الإسرائيلية، ومن خلال المجتمع الدولي، وتحديدا أميركا وبريطانيا، من أجل اتخاذ موقف مشابه لما اتخذه بوش الأب تجاه إسرائيل إبان احتلال العراق للكويت، فيجب ألا يسمح للإسرائيليين الآن بـ«لخبطة» أوراق الثورة السورية، ومنح الأسد ولو فرصة لإطالة عمر نظامه المنتهي أصلا.
الشرق الأوسط
مثلث الأحزان: لبنان – سورية – غزة
عادل مالك *
تنافست خلال الساعات القليلة الماضية ثلاث جبهات على أولويات الاحداث المتفجرة في المنطقة وهي: سورية ولبنان وغزة. على الجبهة السورية أعلن بعض فصائل المعارضة من قطر عن قيام «منظومة» معارضة جديدة تضم وجوهاً حملت لواء مناهضة نظام الرئيس بشار الأسد وأطلق عليها صفة الممثل الشرعي للمعارضة السورية. لكن الموضوعية في التوصيف تقتضي القول ان الجبهة التي اعلن عنها بعد العديد من جلسات التسوية ليست الممثل الشرعي والوحيد للشعب السوري بكل مكوناته وستبقى نقطة الضعف الكبيرة عدم وجود جسر عبور مع الداخل السوري المعارض، ومع ان الاعلان عن الجبهة الجديدة لقي اعترافات من بعض الجهات الاقليمية والدولية فلن يكون الامر كافياً لبلوغ المرحلة الحاسمة في مسار تقويض النظام.
وتزامن هذا التطور مع بروز عنصر جديد في الازمة السورية والذي تجلى بإعراب اكثر من عاصمة غربية عن المخاوف الجدية من تنامي وجود «القاعدة» في الداخل وهذا واضح من التفجيرات على «النمط العراقي» التى يشهدها بعض المواقع الحساسة سواء في دمشق او في سائر المحافظات والمدن السورية، وهذا يؤشر الى العمل على «توظيف» هذه التفجيرات واستخدامها لصالح النظام وحلفائه. وذهب الامر في هذا المجال الى إعراب السيدة هيلاري كلينتون عن مخاوفها من «استبدال حكم بشار الاسد بإرهاب القاعدة»، على حد تعبيرها.
والآن وبعدما استعاد الرئيس باراك اوباما نشوة النصر بالتجديد لولاية ثانية في البيت الابيض، فستكون اميركا منشغلة بعملية التركيز على اختيار رجال ونساء الادارة الجديدة، والامر المؤكد ان هيلاري كلينتون راحلة عن وزارة الخارجية وسط احاديث عن اختيار السيناتور جون كيري خليفة لها، او تولي سوزان رايس المندوبة الاميركية لدى مجلس الامن هذا المنصب؟
وفي تقدير آخر سيتم اسناد وزارة الدفاع الى كيري. لكن اوباما صرح بأنه لن يتعامل مع الجهة السورية المعارضة كحكومة منفى.
والمهم في الامر ان فترة الاسابيع المقبلة حتى قسم اليمين لأوباما في الثلث الاخير من كانون الثاني (يناير) 2013 ستكون الادارة الاميركية في حاله انهماك بأمورها الداخلية. على ان الاحداث التي شهدها قطاع غزة منذ ليل الاربعاء – الخميس وما تبع اعادت «الحدث الفلسطيني» الى الواجهة الساخنة. وسبق لنا في هذا المكان بالذات وقبل اسابيع ان طرحنا السؤال التالي: هل يقدم بينيامين نتانياهو في نوبة جنون على الاقدام على عمل يمكن ان يؤدى الى قلب الطاولة على الجميع («الحياة» 6 تشرين الاول/أكتوبر 2012)
وهذا ما حدث فقد أصاب رئيس الحكومة الاسرائيلية مس من « الجنون المدروس» وتركت آلة القتل لتصطاد قائد حركة»حماس» احمد الجعبري، وما اعقب ذلك من تهديدات تصعيدية متبادلة بين اسرائيل و»حماس» والتداعيات المرتقبة لهذا التطور الخطير على المسار الفلسطينى – الاسرائيلي، وفي المقابل دعا رئيس الحكومة الفلسطينية المقاله اسماعيل هنية الى «عقد قمة عربية عاجلة للتصدي للعدوان».
لكن هل يعتقد هنية بجدية وجدوى مطلبه والعالم العربي على ما هو عليه؟
الذي لوحظ ان مصر هي اول من تحرك حيث طلب رئيسها محمد مرسي سحب السفير المصري لدى اسرائيل، كما غادر السفير الاسرائيلي في القاهرة على عجل كرد فعل فوري على ما جرى. وما يبدو حتى الآن ان نتانياهو قرر خوض الانتخابات المقبلة (بعد شهرين) بهذه المواجهه المأسوية للفلسطينيين، والواضح ان الامور لن تتوقف عند هذا الحد، والسؤال: كيف ستعمد حركة «حماس» الى الرد على هذا التحدي الاسرائيلي؟ بخاصة وان تغييرات قد حصلت ويمكن ان تحصل بعد التطورات السورية واقفال مكتب الحركة (خالد مشعل) بالشمع الاحمر،على سبيل المثال لا الحصر طبعاً.
لكن هل من رد عربي على التحدى الاسرائيلي الجديد؟ لقد اكدت احداث الشهور الماضية، ومنذ انطلاق «الربيع العربي»، ان تبدلاً اساسياً حصل في سلم الاولويات العربية، اذ لم تعد القضية الفلسطينية هي القضية المحورية والمركزية، اضافة الى ان الانقسام الحاد القائم بين «فلسطينيي حماس» في غزة و»فلسطينيي عباس» في رام الله، وحتى التقدم بطلب الى الامم المتحدة بحصول فلسطيني على مقعد، بل حتى دولة ذات عضوية كاملة او منقوصة ممنوع، وهذا ما اوضحه الرئيس اوباما في اتصال التهنئة بينه وبين الرئيس محمود عباس عندما ابلغه رفض التحرك الفلسطينى، فيما يمضي عباس في تحركة لطرح الموضوع في التاسع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
اذن انتزعت احداث غزة الاضواء من المناطق الساخنة والمتوترة على الصعيد العربي وما اكثرها، وفيما تبقى «الحالة السورية» تفض مضاجع الجميع وسط عدم وجود أي دليل لتحقيق «اختراق ما» على صعيد الحسم. تعود الجبهة اللبنانية مجدداً الى دائرة الاستهداف الخطر.
ومن وحي احداث الايام الاخيرة عاد التوتر الى مدينة صيدا بكل ما ينطوى عليه من تعقيدات ومضاعفات تندرج تحت العنوان العريض: الطائفية والمذهبية. وتختزن صيدا الكثير من الاختلافات والصراعات الدفينة وليست «ظاهرة الشيخ احمد الأسير» سوى احد المؤشرات على حالة الاحتقان الشديد. والتي اوقعت العديد من فعاليات صيدا في الكثير من حالات الارباك، بين طرف يؤيد ما ذهب اليه الأسير من «طروحات باسم السنّة» لكنهم لا يؤيدون اسلوب التحدي الذي يعتمده، وبين اطراف اخرى رأت في احداث صيدا فصلاً متقدماً من فصول «الفتنة السنّية- الشيعية». ويستعيد الصيداويون وكل لبنان في ذاكرتهم ان الحروب الاهلية التي اندلعت في 13 نيسان (ابريل) 1975، انطلقت شرارتها الاولى من صيدا مع اغتيال المناضل معروف سعد. ومع هذه المقاربة يصح القول: ان صيدا اصبحت بوابة الجنوب منها بدأت الحرب واليها تعود!
لقد اضاف المشهد الصيداوي المزيد من القلق على المشهد اللبناني العام والمتمثل بالتجاذب الحاد بين تجمعي الموالاة والمعارضة، وبالتسمية الحركية بين 8 و14 آذار حيث تصر المعارضة على مقاطعة جلسات الحوار التي دعا اليها الرئيس ميشال سليمان.
إن لبنان يعاني الآن من توسيع نطاق الثورة في سورية الى الداخل اللبنانى، فهنالك مصدرون من الجانب السوري الى الجانب اللبناني، وهنالك مستوردون من الذين يراهنون على قطف ثمار ثورة الاطاحة بنظام بشار الأسد. لكن طول الانتظار أدى وسيؤدي الى المزيد من الاضطرابات ضمن رهانات محلية واقليميه ودولية معينة ما ظهر منها في العلن وما بطن منها.
ويلاحظ في هذا السياق «تهافت» بعض المراجع الدولية على التحذير من مغبة انتقال عدوى «الفيروس السوري» اكثر فأكثر، وقد لا يكون هذا التعبيرعن القلق كرمى لعيون اللبنانيين بل يأتي في اطار السعي بشتى الوسائل الى محاولة «اقتلاع» نظام دمشق من كل الجذور الأسدية قبل اتساعها في دول الجوار. لكن السؤال المطروح بإلحاح في هذا السياق: ماذا لو طالت «الثورة الاهلية» في سورية، كيف يمكن اتقاء شرور تمددها نحو لبنان وتوغلها اكثر فأكثر في الداخل اللبناني؟
ويبدو وكأن التاريخ يعيد نفسه على الصعيد الداخلي اللبناني، عندما تعرض «تيارالمستقبل» وتجمع 14آذار بشكل عام الى ما اطلق عليه في حينه «الانقلاب الدستوري»، هو الذي قضى باستقالة او بـ «اقالة» الرئيس سعد الحريري من رئاسة الحكومة فيما كان في واشنطن يلتقي الرئيس باراك اوباما في المكتب البيضاوي. فهل نحن من لبنان امام «انقلاب» جديد يقضي باستقالة او»اقالة» الرئيس نجيب ميقاتي رداً على الانقلاب الآخر؟
ويبقى السياسيون في لبنان لديهم نقطه ضعف حيال السلطة والتمسك بها أطول فترة ممكنة. وبقطع النظر عما ستؤول اليه المساعي التي ستقرر مصير الحكومة الحالية، فهناك بعض الكلام اكثر اهمية من كل ما هو ظاهر على سطح الاحداث، نوجزه في نقاط رئيسية هي كالتالي:
حول ما يحكى عن بروز «وجه جديد» لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان نقول: انه فخامة الغاضب ولو بهدوء، عندما يستعرض الوضع في البلاد ولا يرى ما يسره ولا ما يسر أي لبنانى يشعر الرجل ببعض الاحباط ويعمل على القيام بخطوات استدراكية قدر المستطاع والسعي الى معالجة الهموم الكثيرة التى يرزح تحتها المواطن العادي. وبخاصة عندما تتم مراجعة الارقام المذهلة للدراسة التي صدرت اخيراً والتي تفيد بأن 55 في المئة من اللبنانيين لا يتوافر لديهم أي فائض شهري من مداخيلهم، وان ما نسبته 63 في المئة من اللبنانيين يواجهون صعوبات في تأمين النفقات الغذائية والضرورية الأخرى.
ان مثل هذه الارقام يجب ان تثير الفزع لدى صنّاع القرار أو من تبقى منهم في لبنان. وتعلمون القول: ليس بالكلام في الامور السياسية والوزارية يحيا الانسان في لبنان. وانقطاع الحوار بين مختلف «الفصائل اللبنانية» يعني عدم وجود وسيلة اتصال او تواصل بين اللبنانيين، إلا عبر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وإلا ما هو البديل؟
وفي الكلام الاخير: ان احداث الساعات الماضية تنذر بأوخم العواقب في مثلث الاحزان الجديد: لبنان- سورية- غزة. وليس من الضرورة قراءة الفنجان لاستشعار ما هو آت. وكلما قلنا ان الآتي هو الأعظم، يقال: وهل هناك ماهو اعظم من الذي حدث حتى الأن؟
نعم سيبقى الآتي هو الأعظم.
* إعلامي لبناني
الحياة
توقيت اسرائيلي يكرّر نفسه بعد 4 سنوات
روزانا بومنصف
اعاد اغتيال اسرائيل قادة في حركة “حماس” والقيام بعمليات عسكرية في غزة الى الواجهة ما وجدت فيه مصادر ديبلوماسية في بيروت تكرارا للمشهد او للاسلوب الذي لجأت اليه اسرائيل في 27 كانون الاول 2008 في حرب شنتها على غزة في ذلك التاريخ عقب انهائها لهدنة خرقتها في 4 تشرين الثاني من العام نفسه بغارات ادت الى مقتل عناصر من حركة حماس ردت عليه الاخيرة بصواريخ سرعان ما اشعلت حربا. حصل ذلك كله غداة انتخاب باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة كاول رئيس فاجأ انتخابه العالم وكان بمثابة علامة استفهام كبرى بالنسبة الى اسرائيل وقبيل تنصيبه رئيسا في كانون الثاني 2009. فالتوقيت الاسرائيلي للحرب هو نفسه هذه السنة بعد اربعة اعوام على العملية العسكرية السابقة بفارق شهر واحد فقط والظروف هي نفسها باعتبار انه لم يمض شهر بعد على اعادة انتخاب اوباما رئيسا لولاية ثانية وقبيل تنصيبه في مطلع السنة الجديدة كما ان اسرائيل كانت قبل اربع سنوات تستعد لانتخابات تجرى في بداية 2009 مثلما هي تستعد راهنا لانتخابات ستجرى في الموعد نفسه تقريبا. والفارق في هذا العنصر الاخير ان بنيامين نتانياهو كان في المعارضة ويستخدم العوامل الامنية في حين كان يهودا باراك وتسيبي ليفني اللذين قاموا بالحرب على غزة لغايات انتخابية كما من اجل وضع اوباما في مكانه. والمفارقة ان اوباما الفائز في معركة حساسة وطاحنة بولاية ثانية والذي يستعد لرئاسة اكثر تحررا يعود الى البيت الابيض على وقع خسارة رهان نتنياهو على المرشح الجمهوري للرئاسة الاميركي ميت رومني قد يجد نفسه محشورا مجددا بالامر الواقع الذي تفرضه اسرائيل ونتنياهو بالذات على قاعدة ان هذا الاخير يخوض انتخاباته في الجانبين الامني والعسكري في وجه الثغر في ادائه في الاقتصاد وخفض معدلات البطالة كما حشره في موقع يلتزم فيه مجددا قواعد حرية العمل الاسرائيلي.
وقد يكون مبالغا فيه حصر الاعتداءات الاسرائيلية التي يخوضها نتنياهو بالسعي الى ضمان فوزه في الانتخابات او احراج اوباما على نحو مبكر بالحرب الاستباقية التي يشنها على قيادات “حماس” فقط نظرا الى ان وجود اكثر من بعد لهذه الحرب وهي تثير مجموعة اسئلة مقلقة في الوقت نفسه. في مقدم ما تثيره من ابعاد يستهدف ايضا الانظمة العربية الجديدة التي باتت تحت سقف الاخوان المسلمين او تنظيمات مماثلة وهي اكثر ما تطاول مصر باعتبار ان هذه الحرب تشكل تحديا للرئاسة المصرية الجديدة مع محمد مرسي التي تجد نفسها وجها لوجه مع تطورات قال مسؤولون في الحكومة المصرية ان مصر لا يمكن ان تكون وسيطا بل هي مع الطرف الفلسطيني في حين ان مصر لا تستطيع ان تكون طرفا نظرا الى ما يرتبها عليها ذلك من تبعات ومشاكل لا يمكن الرئاسة المصرية ان تجد حلولا لها في حال كانت طرفا ولم تسع هي بالذات الى منع تطور الحرب في غزة لان تطورها ينعكس عليها سلبا. كما ان حرب “حماس” هي من خارج ما كان يسمى محور الممانعة وهي باتت تحت سقف الانظمة العربية الاخرى ويمكن ان تشعل غضبا ودعما كبيرين على نحو قد يساهم في تغيير مشهد الحرب على نحو يختلف كليا عما كانت تفعله اسرائيل في العادة.
والوضع المستجد في غزة وعلى وقع تطورات غير معهودة في استهداف الفلسطينيين مدينة تل ابيب يثير تساؤلات من بينها اذا كانت حركة “حماس” تفاجىء نتنياهو والمسؤولين العسكريين الاسرائيليين بنوعية الصواريخ التي توجهها والاهداف التي تطاولها بما يجعل صعبا على اسرائيل ان تربح معركة لن يكون في استطاعتها كسبها تماما كما في العام 2006 في ظل عجز عن اجتياح عسكري بري تقوم به اسرائيل مجددا لغزة او تملك القدرة على الاستمرار فيها في ضوء توازي المخاطر العسكرية عليها وعلى مدنها. فهل يمكن ان يفاجىء الفلسطينيون اسرائيل التي اوصلت الامور الى هذا الحد راهنا بقرار منها فيساهمون في تغيير قواعد اللعبة خصوصا ان الظروف في الجوار الاسرائيلي باتت مختلفة مع التغييرات التي حصلت بفعل ثورات الربيع العربي؟
ومن التساؤلات المهمة ايضا ما اذا كان يمكن ايران ومعها النظام السوري و”حزب الله” ان يجدوا مصلحة وافادة لهم في اطالة امد المعركة في غزة لاعتبارات تتصل بالمأزق الكبير الذي تواجهه ايران من جهة كما بالانهيار الذي يواجهه النظام السوري باقرار اسرائيل نفسها التي باتت تجده عاجزا عن الامساك بالحدود في الجولان والسيطرة عليها على قاعدة ان تفجيرا عسكريا كبيرا في المنطقة يمكن ان يشكل مخرجا لما يواجهه البلدان، كان هناك طموح ورغبة فيه منذ اشهر من اجل ان تتحول ازمة ايران ومشكلة النظام في سوريا الى شيء اكبر علما ان ذلك يستدرج تساؤلات اخرى من نوع الى اي مدى يمكن ان تدخل حركة “حماس” مع ايران والنظام السوري في هذه اللعبة بعدما باتت في موقع اخر بعد خروجها من دمشق وتعرضها تقريبا الى الكثير مما تتعرض له في غزة منذ بضعة ايام.
وهناك تساؤلات تطاول جوانب اخرى من هذا المشهد الذي يخشى كثر ان يتحول الى مشكلة كبيرة في ضوء اعتبارات كثيرة ليس متاحا تفصيلها لكنها ستبرز تباعا.
النهار
نتنياهو والحرب البديلة
سميح صعب
هل اختار بنيامين نتنياهو تغيير قواعد اللعبة في
الشرق الاوسط انطلاقاً من غزة؟ وهل الحرب على
القطاع تعويض لعجزه عن الذهاب الى الحرب مع ايران
بعد فوز الرئيس الاميركي باراك اوباما بولاية رئاسية
ثانية وعدم اخفائه اهتمامه بمحاولة اخرى لفتح حوار مع طهران؟
لعله من نافل القول انه على أبواب الانتخابات الاسرائيلية يلجأ نتنياهو الى خيار الحرب على غزة من اجل تحسين شعبيته التي فقدها بتراجع حظوظ اليمين في اسرائيل نتيجة بقاء اوباما في البيت الابيض أربع سنوات أخرى؟
لكن اختيار نتنياهو هذا التوقيت ليفتح حرباً في غزة، لم يمله عليه الشأن الداخلي وحده هو، بل ان ثمة ما يرمي رئيس الوزراء الاسرائيلي الى تحقيقه اقليمياً ايضاً. فهو يريد ان يقول للنظام الجديد في مصر ان اسرائيل لا تزال اللاعب الاقوى في المنطقة وان على الرئيس المنبثق من “الاخوان المسلمين” ان يراعي هذه المعادلة في توجهاته المستقبلية.
وليس سراً ان نتنياهو يضيق ذرعاً بكل ما يقال عن احتمالات استعادة مصر دورها الاقليمي بعد اطاحة حسني مبارك، بينما ترى اسرائيل ان دور مصر الاقليمي يقوم على حراسة معاهدة كمب ديفيد، وخارج هذا الاطار يصير كل دور تحاول مصر الاضطلاع به سواء أكانت هويتها ليبرالية أم اسلامية، مُسوساً بالمعاهدة التي يجب ان تبقى من وجهتي النظر الاسرائيلية والاميركية فوق كل اعتبار.
وأبعد من مصر قليلاً في النطاق الاقليمي، تنظر اسرائيل بعين الشك والريبة الى كل التطورات المحيطة بها. وعلى رغم كل التطمينات الاميركية، يقلقها نشوء محور من الدول الاسلامية يمتد من مصر الى تركيا الى سوريا (في حال سقوط نظام الرئيس بشار الاسد) الى الاردن التي لن تستطيع ان تقاوم المد الاخواني اذا سيطرت الجماعة على النظام في سوريا كما تستولي على مكونات المعارضة الان.
لكن الحرب على غزة تعجل في اقحام اسرائيل في مواجهة مع النظام الاقليمي الناشىء، خصوصا ان “حماس” كانت أعلنت انحيازها الى جانب هذا النظام الجديد وتخليها عن المحور السوري – الايراني.
فإلامَ يرمي نتنياهو من وراء التصعيد في غزة ودفع الامور الى حرب مفتوحة؟ هل استشعر ضعفاً من “حماس” بقرارها الانتقال من محور الى محور فاراد الاجهاز على الحركة في هذا التوقيت الذي يخدم حملته الانتخابية اذا ما نجح؟ على أن من غير المضمون معرفة كيف ستنتهي المواجهة الحالية في ظل الاوضاع المتغيرة والمتقلبة في منطقة ملتهبة أصلاً.
النهار
معركة إسقاط بشار مستمرة، رغم حرب غزة
علي حماده
بداية مع غزة: الحرب مستمرة عليها، فبعد القصف الجوي ستأتي التوغلات البرية ومعها تصعيد كبير قد يفضي الى أحد أمرين: الاول وقف للنار برعاية وضمانة مصرية (حماس) واميركية (اسرائيل). الثاني في حال عدم توقف الهجوم الاسرائيلي تصعيد سياسي مصري كبير ضد اسرائيل لان مصر الثورة لا يمكنها تحمل مجزرة كبيرة في غزة على النحو الذي كانت مصر مبارك تتحمله وتتقبله وان على مضض. وفي خضم التصعيد الميداني الذي يطغى على المساعي الديبلوماسية وصل الطرفان الى مأزق. الاسرائيلي غارق في حسابات انتخابية بالدم الفلسطيني ولكنه غير قادر على الحسم، ولا على الاجتياح البري لتدمير سلطة “حماس”، لكن اليمين الاسرائيلي يربح من القتال المدروس، ومن سقوط صواريخ فلسطينية على تل ابيب والقدس الغربية. في المقابل يقع مأزق “حماس” في انها بعد الثورات العربية وخروجها من الدائرة الايرانية والسورية تكاد تصير جزءاً من النظام العربي الرسمي بجديده وبقديمه، وهي متضررة من استمرار بعض التنظيمات المرتبطة بالايرانيين في تنفيذ اجندة غير فلسطينية من خلال إحباط كل الجهود لعقد هدنة طويلة الأمد مع الاسرائيليين. والحال ان هذه التنظيمات كالجهاد الاسلامي تشكل ذراعا ايرانية في قلب غزة. بالمختصر المفيد، يحتاج طرفا المعادلة في غزة الاسرائيلي و”حماس” الى من ينزلهما عن “شجرة” التصعيد. ولعل الاسرائيلي اظهر “قلة حيلة” في عدوانه على غزة بعدما كانت تجري مفاوضات من أجل التوصل إلى هدنة، لئلا نقول غباء مفرطا بتناغمه الموضوعي مع الاجندة الايرانية.
في مستوى آخر، كان يمكن أن يتلمس المراقبون استفادة للنظام في سوريا مما يحصل في غزة. لكن حسابات بشار الاسد غير واقعية في هذه المرحلة، خصوصا ان المجتمع الدولي ومعه النظام العربي الرسمي الداعمين للثورة في سوريا، وبعد انتهاء الانتخابات الاميركية يتجهان نحو تطبيق استراتيجية اكثر هجومية في سوريا دعما للثوار. وقد خطا هؤلاء خطوات جبارة وحققوا انجازات كبيرة على ارض المعركة في كل سوريا، حتى بات افق الحسم بقوى الثورة الذاتية يلوح في الافق. ومن الآن فصاعدا سيكون على النظام وداعميه الايرانيين والروس ان ينتظروا تطورات كبيرة، ولا سيما بعد انجاز خطوتين اساسيتين: اولا، الترتيب السياسي عبر تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”. ثانيا، حصول تطور نوعي في تسليح الثوار بدأ يؤتي ثماره بإسقاط متواصل لمقاتلات النظام الجوية، واشتداد الخناق حول النظام في دمشق.
في مطلق الاحوال، أياً تكن التطورات في غزة فلن تمكّن “حماس” الجديدة الايرانيين ولا النظام في سوريا من استغلال الحرب مهما بلغت قسوتها، فلقد انتهى النظام وما من قوة تحييه.
النهار
بين غزة ونيويورك
محمد ابرهيم
بنيامين نتنياهو الذي فشل مسعاه لتوجيه ضربة لإيران، والذي خرج من الانتخابات الاميركية برئيس معاد له، فيما هو يستعد للذهاب الى الانتخابات، اختار غزة للتعويض، وربما لفتح صفحة جديدة مع الرئيس الاميركي.
غزة لم تعد الحلقة الاخيرة في سلسلة معسكر “الممانعة” المرتكز الى طهران. وتاليا لا خطر من امتداد النزاع عبر الحلقة اللبنانية الى ما بعدها. غزة اليوم في “حضن” مثلث مصري- تركي- قطري يشكل سقفا للمواجهة المحكومة بالتسوية، بعد ان يقنع الطرفان الفلسطيني والاسرائيلي جمهوريهما بأنهما قاما بكل ما هو مطلوب لحفظ ميزان الردع.
والعلاقة الاميركية – الاسرائيلية لا تسمح اليوم، مثلما سمحت في ظل جورج بوش الابن، باجتياح غزة، علما بأن ذلك الاجتياح لم يحقق اهدافه المعلنة. كذلك فإن علاقة اسرائيل بحاضني “حماس”، الاتراك والمصريين والقطريين، تخضع لحسابات لا بد ان تلجم اندفاعة نتنياهو- باراك العسكرية.
الاطار الخارجي لمعركة غزة الحالية هو اطار تسوية، لأن اطرافه يمتازون بأفضل العلاقات. واذا لم يكن ثمة حاجة للحديث عن العلاقات الاميركية- التركية او الاميركية – القطرية، فإن العلاقات الاميركية- المصرية نفسها ما زالت في مرحلة حاجة اخوان مصر لتعاون واشنطن لترسيخ وجودهم في السلطة.
والتسوية المرتقبة يستفيد منها طرفاها. فنتنياهو يستطيع القول انه خرج من المواجهة بضمان عدم اطلاق صواريخ على جنوب اسرائيل، و”حماس” التي ستتولى ضبط “الفصائل” تستطيع الانصراف الى مرحلة الاعمار التي تعد بها علاقاتها الخارجية “الجديدة”. وهي بذلك تحقق جانبا من مطالب الغزيين (الاعمارية) الملحة طالما ان تحقيق المطالب الوطنية متعذر حاليا.
هذه المعركة “المدروسة” التي افتتحها نتنياهو تقابلها معركة صعبة “الدرس”، منتظرة في نهاية الشهر الجاري. وفيما التحديات التي تمثلها المعركة الاولى قابلة للمعالجة بسبب “استقرار” اطرافها، تواجه تحديات المعركة الثانية اهتزازا في احد اطرافها.
فالسلطة الفلسطينية التي حزمت امرها للذهاب الى الامم المتحدة طلبا لوضع “الدولة غير العضو” لم تعد قادرة على الاستمرار في المراوحة، لأن علاقتها مأزومة بجمهورها من ناحيتين: فلا بناء السلطة يسير بالشفافية التي تكسب اهل الضفة، ولا العلاقة بالاميركيين والاسرائيليين انتجت التسوية المرتقبة.
التصويت المنتظر في الامم المتحدة، هو تحدٍ في وجه اسرائيل واميركا واوروبا، يجعل الرئيس الفلسطيني، مقارنة بـ”حماس”، المضطرة للتسوية، صاحب الموقف الوطني المتقدم، وربما ورغما عنه، قائد انتفاضة فلسطينية جديدة تعيد فرض فلسطين اولوية دولية بعدما بدا ان ما يجري تحت اسم “الربيع العربي” يهز كل الخرائط، وليس افضل الظروف لتثبيت الخريطة الفلسطينية.
النهار
انتخابات إسرائيلية بالدم الفلسطيني !
راجح الخوري
ليست اسرائيل وحدها التي تركب الآن “عمود السماء”، فـ”حماس” والفصائل الفلسطينية تركب هي الاخرى هذا العمود، الذي ترسم صواريخه اعمدة دخانية ترتفع فوق اسرائيل ولا تلبث ان تختلط بدخان الغارات الاسرائيلية. ولهذا فان الطرفين باتا في مصعد كهربائي يصعب النزول منه الى ارض الواقع رغم وصول هشام قنديل سريعاً امس الى غزه للتهدئة والحفاظ على ماء وجه محمد مرسي و”الربيع المصري”.
صحيح ان الجولة الجديدة بدأت بعد اطلاق “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” عدة صواريخ على اسرائيل، إعتبرها البعض نوعاً من استمطار تصعيد اقليمي قد يساعد النظام السوري على التنفس، لكن حكومة القتلة في تل ابيب اخطأت التقدير عندما رأى بنيامين نتنياهو ان إسقاط القنابل على رؤوس الغزاويين يساعده في إسقاط اكثرية الاوراق المؤيدة له في صناديق الانتخابات التي ستجري قريباً، ثم انه ذهب بعيداً في جريمته عندما تعمّد اغتيال احمد الجعبري القائد البارز في “حماس”، ليبعث برسالة ضمنية مفادها ان اسرائيل لا تنسى الانتقام، فقد كان الجعبري وراء قصة الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليت واغتياله ورقة انتخابية اضافية !
المثير ان الجعبري اغتيل وبين يديه مشروع اتفاق على هدنة طويلة مع تل ابيب كان قد اعده اليهودي الناشط سلمياً غرشون باسكين الذي اعلن التوصل الى ورقة بالتعاون مع المصريين قبلتها قيادة “حماس”، التي هالها ان تقع في خديعة نتنياهو فقررت تجاوز الخط الاحمر في التصعيد.
فبعدما سقط صاروخ ” فجر 5 ” الإيراني على تخوم تل ابيب وتوقف الطيران في مطار بن غوريون، وشاهد العالم نتنياهو على شاشات التلفزة وهو يغادر مكتبه مسرعاً الى الملجأ، بدا واضحاً ان اسم “عمود السحاب” الذي اطلقته اسرائيل على العملية مستجلبة اياه من قصة خروج موسى باليهود من مصر، لن يكون عنواناً لعملية ردعية عابرة بل لحرب جديدة مدمرة.
من الواضح ان عصابة القتلة في تل ابيب لا تستطيع الذهاب غداً الى الانتخابات وفي اذهان الاسرائيليين ان عاصمتهم تل ابيب باتت عرضة للقصف بالصواريخ وهو ما لم يحصل في كل الحروب السابقة، وان اكثر من مليون اسرائيلي إنتقلوا من الجنوب الى الشمال هرباً من القصف، وبعد إتساع عدد الاهداف التي قصفت في غزة والانتقال الى عملية برية عقب استدعاء اسرائيل الآلاف من جنود الاحتياط، يرتسم حجم الحرب الجديدة لتمهد لانتخابات اسرائيلية بالدم الغزاوي، ولتنسف أيضاً مشروع محمود عباس للحصول على مقعد لفلسطين في الامم المتحدة !
عندما يقول السيد حسن نصرالله ان النظام السوري منشغل وليس قادراً على مساعدة غزة، من حق الغزّاويين واللبنانيين ايضاً السؤال: ولكن ماذا فعل النظام عندما لم يكن مشغولاً وقصفت الضاحية كما تقصف غزة الآن؟
النهار
غزة وأوباما واختبار الربيع العربي
وليد شقير
تكثر الخلفيات والأهداف التي تقف وراء الحرب الإسرائيلية المفتوحة على غزة التي بدأت أول من أمس، ويكون من السذاجة اعتبارها رداً على إطلاق صواريخ من القطاع على إسرائيل بدأته جهات فلسطينية غير «حماس»، تدرجت الردود الإسرائيلية عليه في شكل لا يمكن معه «حماس» إلا أن تنغمس في تلك المواجهة بعد أن كانت، بالاشتراك مع القيادة المصرية، توصلت الى الهدنة مع إسرائيل التي نسفتها باغتيال نائب قائد كتائب عز الدين القسام – الجناح العسكري للحركة أحمد الجعبري.
وإذا صحت الأنباء عن أن الجعبري كان على وشك المصادقة على الهدنة، فإن هذا يؤكد بلا شك أن الهدف من الحرب المفتوحة التي أطلقها بنيامين نتانياهو على القطاع قصفاً وقتلاً، ليس مجرد رد على الصواريخ الفلسطينية.
لا تتوقف الوظيفة الإسرائيلية لتصعيد اليومين الماضيين عند الهدف الانتخابي بالنسبة الى نتانياهو قبل 3 أشهر من الانتخابات المبكرة التي يأمل بالفوز بها على منافسيه تحت شعار حفظ أمن الإسرائيليين الذي يشكل الأولوية عندهم.
تتعدد وظائف التصعيد الإسرائيلي في ظل الأوضاع الإقليمية المتشابكة والمعقدة ويمكن ذكر الآتي منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – إنها رد مسبق على استعداد السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس محمود عباس للتوجه الى الجمعية العمومية للأمم المتحدة لطلب التصويت على اعتماد فلسطين دولة غير عضو في المنظمة الدولية وفق حدود 1967، وما يرتبه ذلك من اعتبار الأراضي الفلسطينية المتنازع عليها، أراضي محتلة من قبل إسرائيل، ما يعدّل قواعد التفاوض بين الجانبين عليها. وهو ما يكاد يصيب القادة الإسرائيليين بالهلع من هذه الخطوة التي يفكرون بالرد عليها بإجراءات قد تصل الى ضم زهاء 40 في المئة من أراضي الضفة الغربية التي عليها المستوطنات التي شكلت العائق الأساس لاستئناف مفاوضات السلام، وإلغاء اتفاق أوسلو، الذي سبق أن ألغاه آرييل شارون عملياً عام 2002 باجتياحه الضفة. فضلاً عن حجز الأموال الفلسطينية من الضرائب والرسوم ووقف المساعدات الأميركية للسلطة.
2 – إنها اختبار لإمكان استعادة التحالف بين إسرائيل نتانياهو وأميركا باراك أوباما بعد تباعدهما نتيجة انحياز الأول الى منافس الثاني في الانتخابات الرئاسية الأميركية، والخلاف المزعوم على الحرب ضد إيران بفعل إصرار نتانياهو على انتزاع تأييد واشنطن لعمل عسكري ضد طهران.
وواقع الحال أن الإصرار الأميركي على إعطاء الأولوية للحل الديبلوماسي مع إيران لم يغيّر في أولوية التأييد الأميركي الأعمى لأمن إسرائيل. وفضلاً عن أن أوباما أيد حق إسرائيل في الرد في العملية الأخيرة، فإن ما قام ويقوم به نتانياهو منذ يومين يتمتع بدعم أميركي كامل تأكيداً لاستعادة الود بين الجانبين. وإزاء ضمان الجانب الفلسطيني للحصول على زهاء 150 صوتاً في الأمم المتحدة للإعتراف به دولة غير عضو (من أصل 193 دولة عضواً)، فإن واشنطن تمارس ضغوطاً هائلة على الجانب الفلسطيني كي يمتنع عن الخطوة.
لقد تأكد نتانياهو بإعلانه الحرب ضد غزة من عودة التطابق بينه وبين أوباما إزاء الفلسطينيين، بل حصل على الضوء الأخضر من أوباما نفسه بعد المحادثة الهاتفية المهينة التي أجراها الرئيس الأميركي مع الرئيس الفلسطيني الأحد الماضي التي حاول فيها ثنيه عن التوجه الى الأمم المتحدة لانتزاع الاعتراف والتي انتهت إزاء إصرار أبو مازن الى ما يشبه التهديد حين قال له أوباما «إنكم ستشعلون المنطقة برمتها». هذا فضلاً عن الضغوط الوقحة والمهينة التي يمارسها الأميركيون ومعهم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على دول عربية كي تضغط على أبو مازن لصرف النظر عن توجهه.
والتطابق بين نتانياهو وأوباما يؤكد صحة ما ذهب إليه معلقون أميركيون عند حصول ما يسمى «التباين» حول إيران، من أن الأول يرمي من وراء تضخيم الخلاف، الى الحصول على مقابل لعدم شن حرب يعرف أن لا قدرة له عليها بمفرده، هو تأييد خطواته إزاء الفلسطينيين.
3 – انها اختبار (وتحدٍ) إسرائيلي، وأميركي أيضاً، لدول الربيع العربي عموماً وأنظمتها الجديدة ولمصر خصوصاً، ولمدى استعدادها لتحقيق شعارات الحركة الشعبية التي انتفضت على الأنظمة الاستبدادية إزاء القضية الفلسطينية. وهما اختبار وتحدٍ ليسا فقط لأن مصر شعرت بالخديعة الإسرائيلية بعدما كادت جهودها تنجح في تثبيت الهدنة، بل لأن النظام الجديد في مصر معني، كغيره من الأنظمة الجديدة باستعادة الكرامة إزاء الصلف الإسرائيلي والاستعلاء الأميركي، وهو ما فرض ردود الفعل المصرية التي لم تكن لتحصل أيام النظام القديم.
والأرجح أن اختبار الربيع العربي عبر حرب غزة الجديدة لن يكون على المدى المتوسط والبعيد لمصلحة إسرائيل وهذا ما لا تدركه واشنطن وتل أبيب…
الحياة
نتنياهو يهبّ لنجدة بشار؟
علي حماده
أول التعليقات التي صدرت عن ديبلوماسيين غربيين في بيروت اثر بدء العملية العسكرية الاسرائيلية ضد غزة، لم تستبعد ان تكون من بين أهدافها اضافة الى البعد الانتخابي الداخلي الاسرائيلي، محاولة خلط الاوراق في البعد العربي المباشر، اي احداث اختراق سلبي على مستوى المعركة الديبلوماسية التي يديرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس لتقديم طلب الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في الجمعية العامة للامم المتحدة، ومن ناحية أخرى دفع الصراع العربي – الاسرائيلي الى الواجهة بما يخدم مصلحة النظام في سوريا غداة تعرضه لضربة سياسية كبيرة تمثلت في تشكيل الائتلاف الوطني في الدوحة، ثم اعتراف جامعة الدول العربية به، وبدء دورة الاعترافات به اوروبياً واميركياً. كل ذلك مع التقدم النوعي الذي تحققه الثورة السورية على مسرح القتال في كل مكان، وبالتحديد مع توسع نطاق معركة دمشق، واعلان وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك أن الجيش السوري الحر يسيطر على معظم القرى المتاخمة للجولان المحتل. الضربة الاسرائيلية في غزة تستهدف أساساً حركة “حماس” التي تغيرت كثيراً عما كانت عليه سنة ٢٠٠٨ في حرب غزة السابقة. فقد حصلت الثورات العربية ولا سيما في مصر حيث وصل “الاخوان المسلمون” الى الحكم، ثم اشتعلت الثورة في سوريا، وخرجت “حماس” من دمشق، وانسحبت بهدوء من المحور الايراني – السوري، لتنكفئ الى غزة في محاولة منها لصنع “شرعية” حكم اكثر استقراراً.
هل قام نتنياهو بالعملية العسكرية لنجدة بشار كما يتهم ثوار سوريا؟ غالب الظن ان اسرائيل لا تحدد سياساتها في اطار خدمة الآخرين، لكنها لا تنظر بعين الرضا والارتياح الى الثورة لكونها تحدث تغييرات كبيرة في المعادلات التي قامت منذ اربعة عقود بين اسرائيل ونظامي حافظ وبشار الأسد. فعلى مدى أربعين عاماً لم يخرق الأسد الأب والابن الخطوط الحمر مع الدولة العبرية.
في مطلق الاحوال تبدو العملية العسكرية الاسرائيلية ضد غزة عملية سياسية اكثر منها عملية لحسم عسكري. فالغارات قد ترمم الردع الاسرائيلي لفترة، لكنها لن تنهي خطر الصواريخ، ولن تنهي “حماس” في غزة، لكنها بتزامنها مع العديد من التطورات الساخنة في المنطقة تذكر العالم بأن الشرق الاوسط المثقل بالازمات والصراعات المتقاطعة يقف على فوهة بركان. والعملية العسكرية الاسرائيلية الأخيرة تبرز الحاجة الى مزيد من الانخراط الدولي في تفكيك الالغام القابلة للانفجار. واول الالغام الازمة السورية حيث الحاجة الى الدفع في اتجاه حسم الامور واخراج بشار الاسد من الحكم، ومعه تدمير الجسر الايراني الى المنطقة. وثانيها الصراع العربي – الاسرائيلي بالمسارعة الى اطلاق عملية سلام جدية تنتهي بولادة دولة فلسطين المعترف بها دولياً.
خلاصة القول، إن المنطقة التي طال انتظارها انتهاء الانتخابات الأميركية تحتاج الى ديبلوماسية أميركية منخرطة أكثر مما كانت عليه في الأشهر الثمانية عشر الأخيرة.
النهار
سوريا وإسرائيل.. مرة أخرى
طارق الحميد
بعد مقال «إسرائيل تحاول إنقاذ الأسد»، المنشور الثلاثاء الماضي، كان السؤال الرئيسي المطروح: هل فعلا تقوم إسرائيل بإنقاذ الأسد؟ ولماذا لا يكون الجيش الحر هو من يريد جر إسرائيل للمعركة؟ وأسئلة كثيرة، فالواضح أن كثيرين باتوا قلقين من اقتراب الأزمة السورية للحدود الإسرائيلية، وخطورة انعكاسات ذلك.
وما يجب التنبه إليه هنا أمران؛ الأول أنه من المؤكد أن من مصلحة إسرائيل بقاء حدودها مع سوريا بشكل آمن ولأربعين عاما مقبلة، كالتي مضت، حيث كان نظام الأسد، الأب والابن، خير حارس لاتفاقية وقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل، رغم سعي النظام الأسدي لإحراق المنطقة بمعارك وأزمات مع إسرائيل، سواء في غزة، أو لبنان، أو تسخين الملف المصري الإسرائيلي، منذ اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية. وذلك استثمارا للشعار الكاذب للمقاومة والممانعة، حيث تكون المقاومة في كل مكان إلا الجولان. وهذا الواقع، وعلى مر أربعة عقود، كان موضع تقدير إسرائيلي؛ حيث لم تقم إسرائيل بتقليم مخالب الأسد إلا عندما يخرج عن قوانين اللعبة، بين فترة وأخرى، ودائما ما تقوم إسرائيل بخطوات استباقية ضد نظام الأسد، الذي دائما ما يردد أنه يحتفظ بحق الرد! وما يؤكد هذا الأمر التصريحات الإسرائيلية المتكررة حول أهمية المحافظة على حدود هادئة وآمنة مع سوريا، كما كانت بالطبع طوال أربعة عقود!
الأمر الآخر المهم هنا هو أن جميع ما طرحه النظام الأسدي من تهديدات منذ بدء الثورة، سواء على لسان مقربين منه، أو عبر الإعلام الإيراني، أو ما قاله بشار الأسد نفسه حتى في مقابلته الأخيرة مع «روسيا اليوم»، تم تنفيذه، أو الشروع فيه، سواء في لبنان، أو الأردن، أو على الحدود مع تركيا، وكذلك العراق، ولم يتبق إلا أمران اثنان من تلك التهديدات لم يقم النظام الأسدي بفعلهما وهما إقحام إسرائيل في الأزمة السورية، واستخدام الأسلحة الكيماوية. والآن بدأ النظام الأسدي باستخدام الورقة الإسرائيلية، وسارعت إسرائيل للرد عليه، ثم عادت وأحجمت، وربما إلى حين، مدعية ضبط النفس لأنه بات من الواضح أن تدخلها يعني حماية الأسد، لا أكثر ولا أقل، خصوصا أن المجتمع الدولي بات يتحرك بشكل أسرع، وأكبر الآن، وقبله الدول العربية، وخصوصا الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري كممثل وحيد للشعب السوري، من قبل العرب وفرنسا وأميركا. فحتى زيارة وزير الخارجية الروسي للسعودية ستكون أمام واقع من الصعب تجاهله، أو القفز عليه، وهو أن الخليجيين هم أول من اعترفوا بالائتلاف الوطني السوري. وبالتالي فليس هناك الكثير مما يمكن أن يقدموه للروس، فكما يقول أحد أبرز الساسة العرب في المنطقة إن روسيا كمن يبيع الآيس كريم في الظهر، وتغالي في السعر دون أن تشعر أن الآيس كريم قد ذاب بين يديها. والخطورة الآن أن تأتي «الهبة» الإسرائيلية لتعيد تجميد هذا الآيس كريم!
ولذا فنحن أمام خطرين حقيقيين، هما تدخل إسرائيل في الأزمة السورية ولخبطة الأوراق، والخطر الثاني أنه لم يتبق إلا الأسلحة الكيماوية من قائمة تهديدات الأسد التي لم تستخدم بعد. عدا عن ذلك فإن كل حيل الأسد وتهديداته قد تم استنفادها.
الشرق الأوسط
الحرب الأولى على غزة بعد إقفال مكاتب «حماس» في دمشق
حازم الأمين
الحملة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، بفظاعتها ووحشيّتها، هي الاختبار الأول لعلاقة القضية الفلسطينية مع المنطقة في ظل حركة التغيير الواسعة التي شهدتها دول رئيسة مثل مصر وتونس واليمن، وما تشهده سورية الآن من مساعٍ لتغيير النظام فيها.
من المؤكد ان ثمة شيئاً تغير، وأشياء كثيرة ما زالت تقاوم التغيير. ولعل الدور المصري هو المؤشر الجديد هنا، ذاك ان تغييراً يبدو انه جوهري يرشح مصر لوراثة الدور الذي من الممكن ان تخسره سورية، ومن ورائها ايران، في التأثير في مسارات حركة النزاع واتجاهاتها، وفي بلورة لغة تفاوضية مختلفة. طبعاً، من المبكر الحسم بإمكان قيام القاهرة بهذه المهمة، لكن ثمة مؤشرات لا يمكن إهمالها. فحماس طلبت ان تتولى القاهرة تلقي الاقتراحات الدولية حول التهدئة، والأخيرة بادرت الى خطوات جديدة على صعيد تبني الحركة الفلسطينية. ثم إن حقيقة ان مصر يحكمها اليوم الإخوان المسلمون، الذين تندرج حماس في تنظيمهم الدولي، عامل لا يمكن إهماله في قياس وتفسير أداء حماس على صعيدي العلاقة مع جارتها الكبرى مصر، وفي التكتيك اليومي على الجبهة.
ولعل إقفال مكاتب حماس في دمشق بالشمع الأحمر وانتقال قيادتها الى كل من القاهرة والدوحة وعمان لن يكونا ضعيفي الأثر على ما يجري، على رغم ان مخزون السلاح ما زال ايرانياً، ومؤشرات تأثير دمشق وطهران يمكن رصد بعض صورها في أداء الحركة الإسلامية الفلسطينية.
وهنا ينتقل المرء من الرصد الى التساؤل عما اذا كانت حماس فعلاً قد انشقت عن المحور المسؤول عن قتل أربعين ألف سوري في غضون أقل من سنتين. وبعيداً عن العمق الأخلاقي لاحتمالي الانشقاق وعدمه، فإن مصلحة حماس تقضي فعلاً أن تكون قد أقدمت على الانشقاق، لسببين بديهيين: الأول حقيقة المسافة الهائلة التي صارت تفصل بين كل من دمشق وطهران وبين الشارع العربي الذي من المفترض ان تكون جماعات الإخوان المسلمين جزءاً رئيساً منه، والثاني ان القضية الفلسطينية ما عادت تحتمل الارتباط بأنظمة من نوع نظامي دمشق وطهران. فابتذال القضية الفلسطينية في شوارع المدن السورية أرخى بثقله على كاهل القضية الفلسطينية على نحو جلي، ويقع جزء من المسؤولية عن ذلك على حماس نفسها. لكن الحركة بدورها تملك أكثر من غيرها من القوى الفلسطينية القدرة على رأب صدع محتمل مع المزاج العربي بسبب القابلية الإخوانية للتسامح مع الشقيقة الفلسطينية الصغرى التي من الممكن ان تُعامل على أنها آبت الى رشدها بعد سنوات من العقوق.
لكن مظاهر انشقاق حماس عن المصالح السورية والإيرانية ما زالت غير كافية حتى يحكم المرء بحصوله. فالحركة لم تُقلع عن نموذج في خوض الحروب وفي استثمارها، كانت رسمته مخيلات في دمشق وطهران، كما أنها لم تنقل إيقاع الحرب من الحساب الإقليمي الى الحساب الوطني الفلسطيني، ومعادلة «عشرة قتلى منا في مقابل جريح منهم تساوي انتصاراً»، لا يمكن تصريفها بما انتقل اليه الوعي المستجد في ظل التغيير الكبير الذي شهدته المنطقة. هذا الأمر يمكن رصده على نحو واسع في الاستفتاءات الإلكترونية التي شهدتها الساحات الافتراضية وشبكات الإعلام الاجتماعي.
لا يمكن حماس إلا ان تعتبر بالحقيقة التي حملتها صفحات «فايسبوك» حول رقم القتلى في الحربين على السوريين وعلى الفلسطينيين، وما شكلته قسوة النظام في سورية من انتكاسة للظلامة الفلسطينية في ظل اشتغالها في موازاة ظلامة أخرى. ولعل في مسارعة الحكومة السورية الى ادانة العدوان على غزة درساً أوضح وأجلى لجهة استقباله بسخرية واسعة في الشوارع الافتراضية وغير الافتراضية. وهنا يبدو الخطر داهماً وملحّاً في حال وقعت حماس في إغراء محور الممانعة المتصدع وإغوائه. فهي تكون قد غامرت بضم الظلامة الفلسطينية الى منظومة الاستبداد التي تهتز بفعل حركة التغيير.
القرار ليس سهلاً، ذاك ان حركة الصراع مع اسرائيل بشكلها الذي تبلور في العقود الثلاثة الفائتة تمت صياغتها وفق منطق الخطاب البعثي والخميني، والانتقال بهذا الصراع الى مستوى جديد لن يكون حركة سهلة. ثمة مصالح إقليمية مختلفة تماماً، وخريطة النزاع يجب ان تكون متصلة بحسابات تراعي حقائق دول جديدة راعية ومحتضنة.
الأهم من هذا كله هو السؤال عن مدى قدرة حماس على الانتقال من حركة تتقاطع فيها مصالح اقليمية الى حركة تمثل المصالح الفلسطينية، وذلك انسجاماً مع حقيقة ان التغيير في المنطقة أعاد الاعتبار الى الهمّ الداخلي للمجتمعات والدول، وهو من الأمور القليلة التي يمكن ان يسجلها المرء لما جرى في عديد الدول التي أنجزت التغيير. وهنا علينا ان نتذكر كم تشبه الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ثمانينات القرن الفائت الانتفاضات العربية في لحظة انطلاقها، فيما العسكرة في الانتفاضة الثانية كانت وجه الانتكاسة والانقسام.
من الواضح ان جهداً تبذله «الممانعة» المترنحة في دمشق وبيروت وطهران، يهدف الى إطراب حماس بالخطاب القديم، ومن غير المستبعد ان تكون أوساط في الحركة قد أسكرها الخطاب، لكن نزع الظلامة الفلسطينية عن محك صراع المجتمعات العربية مع أنظمتها المستبدة أمر لا بد من انجازه حتى تندرج القضية الفلسطينية في سياق حركة التغيير.
الانتقال بخطوط الصراع الى مستويات جديدة مهمة لا بد منها. التغيير في العالم العربي تم إحداثه بحركة غير مسلحة في ظل تفوق الأنظمة على مجتمعاتها بالسلاح. اذاً، اعادة الاعتبار الى سلمية الصراع تفوق بقدراتها التغني بصاروخ لم يصل الى هدفه. اسرائيل تملك ترسانة أسلحة أقوى، تماماً كما يملك النظام في سورية ترسانة أسلحة أقوى. واذا كان النظام في دمشق نجح في جر الثورة الى السلاح، فإن نجاح المهمة الفلسطينية يتمثل في العودة الى ما يمكن ان يتفوق به الفلسطينيون على الإسرائيليين، وهو إقناع العالم بحقهم في دولة على حدود الـ67، وهو ما لن يؤمّنه صاروخ ايراني يتيم.
الحياة
حرب أولى خارج «الممانعة»
حسام عيتاني
تقف غزة، مرة جديدة، وحيدة في وجه الجلاد. تنهال عليها الطائرات بالحديد المُعدّ لأجساد الأطفال الهشة. فيرد أهل القطاع بما ملكت أيديهم من فتات السلاح.
لا مجال مع غزة وفلسطين إلا الانحياز الى الضحية، الى القتيل، الى الطفل المحتضر، الى العاجز عن انتزاع حقه رغم سطوعه كالشمس. لا مجال إلا للتضامن مع من يخسر الساحة الدولية والمعركة الاعلامية ويعاني التهميش والإهمال المقصود من الأقربين والأبعدين.
الصحيح والضروري اليوم هو تأييد رد اهل غزة على محاولات اجنحة اليمين الاسرائيلي المزايدة في التطرف، بدماء الفلسطينيين. والضروري هو أن يفهم الجمهور الاسرائيلي ان الألاعيب الانتخابية بين نتانياهو وليبرمان وباراك، ستكون مكلفة اذا حاول هؤلاء استثمارها في ما يبدو كأرض مستباحة امام الغطرسة الاسرائيلية. رغم ذلك، يصعب اغفال الشعور بانجرار الفصائل المسلحة في غزة الى الحفرة التي حفرها نتانياهو.
ومن الضروري أيضاً رؤية ان الجولة الحالية من القتال هي الأولى منذ نهاية الانتفاضة الثانية ورحيل الرئيس ياسر عرفات، التي تخوضها قوة أعلنت انفصالها عن «محور الممانعة» (الإيراني – السوري)، وبالتالي عن منظومة مصالحه واعتباراته، في وجه الجيش الاسرائيلي. عليه، لن يكون من السهولة على المحور المذكور توظيف النتائج واستغلال المآسي التي قد يسفر عنها القتال اليوم، في آلته السياسية والدعائية. ما يعني ان «رسملة» التضحيات الفلسطينية في حسابات النظامين الايراني والسوري، قد انتهت. كلام المسؤول في «حماس» خالد مشعل واضح في هذا السياق.
بيد أن بين الابتعاد عن التوظيف المركنتيلي للتضحيات الفلسطينية من جانب قوى خارجية، وبين مراكمة التضحيات ذاتها في اطار سياسة وطنية مستقلة ذات برنامج تحرري واضح، بون شاسع. فالساحة الفلسطينية ما زالت منقسمة وما من إشارة واحدة تقول بقرب تشكيل الفلسطينيين وحدة سياسية ما. وخيبات الامل، من اتفاق مكة الى اتفاق القاهرة وجولات المفاوضات المتنقلة، بين التيارين الفلسطينيين الكبيرين، «فتح» و «حماس»، لم تبرح مرارتها الأفواه بعد.
ولا مفر من الاعتراف أن المواجهة العسكرية الحالية تجري وفق افضل الشروط لاسرائيل، والأسوأ للفلسطينيين. ورغم التغيير الكبير الذي حصل في مناخ المنطقة جراء الثورات العربية وسقوط نظام حسني مبارك الذي ساهم في حصار غزة بدل ان يساندها في حرب كانون الاول (ديسمبر) 2008، إلا ان ذلك لا يبدو كافياً في إحداث تغيير استراتيجي في الوضع الفلسطيني. وعلى هذا المستوى، يظهر أن العطب الداخلي الفلسطيني من العمق والخطورة بحيث يغري، أولاً، حكومة نتانياهو باستغلاله مراراً وتكراراً وابتزاز السلطة في رام الله وحكومة غزة، مع مطلع كل شهر واستحقاق دفع الرواتب للعاملين في مؤسسات الحكم الذاتي وشن الحروب الصغيرة على القطاع كلما رغبت اسرائيل بذلك، ويشجع بعض الفلسطينيين على تكريس الوضع القائم والبحث فيه عن منافع ضيقة، ثانياً. وان ردود الفعل الفلسطينية وسهولة وقوع الفصائل في الشراك الاسرائيلية، بل المساهمة في نصبها من طريق عمليات استعراضية، ثالثاً، تجعل من العسير الرهان على أي تغيير في «العقل» الذي يدير المعركة من جانب الفلسطينيين.
والأخطر، ان الجميع يعرف بانسداد الافق أمام هذا النوع من العمل الفلسطيني، وان «عملية عمود السحاب» ستكون نتائجها، على الصعيد الفلسطيني، نسخة عن «عملية الرصاص المصبوب»، وان جل ما يمكن ان يجنيه الفلسطينيون من القتال الحالي هو منع الحكومة الاسرائيلية من جني ثمرة عدوانها، فيما سيظل الانقسام الداخلي معيقاً لأي تقدم حقيقي على طريق استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.