صفحات العالم

مقالات عن مجزرة التريمسة


رسائل التريمسة

عبدالله اسكندر

كلما ارتكبت مجزرة في سورية، تتجه الأنظار إلى مجلس الأمن كي يتخذ قراراً ملزماً بوقف العنف، وتالياً إلى روسيا التي لا تزال تمانع مثل هذه الخطوة.

وجاءت مذبحة التريمسة بين ثلاثة مواعيد مهمة. الأول جولة الموفد كوفي أنان على دمشق وطهران وموسكو. وهي الجولة التي تحول خلالها من موفد مشترك – دولي عربي، أي ينقل صيغة التفاهم العربية – الدولية التي تبلورت في النقاط الست، إلى مروّج لمسار جديد خاص.

الثاني، زيارة موفدين من المعارضة السورية، بشقيها المجلس الوطني المتشدد في مواقفه وقبله التيار الديموقراطي الداعي إلى حوار داخلي ما والمعارض لأي تدخل خارجي، من أجل توفير صيغ طمأنة في شأن المصالح الروسية في المرحلة المقبلة.

والثالث، عودة الملف السوري إلى مجلس الأمن، سواء في إطار بحث مهمة المراقبين وتمديدها أو في قرار جديد يتناول الأزمة السورية عموماً، وكيفية دفع خطة أنان (الأولى أو الجديدة؟) إلى حيز التطبيق.

وقراءة رسائل المذبحة الجديدة في ريف حماة تأتي في هذا الإطار السياسي، خصوصاً أنه ليس هناك أي شك في الطرف الذي ارتكبها، وهو القوات السورية النظامية والشبيحة. لقد اعترفت دمشق رسمياً بأن قواتها هي التي تقوم بعمليات في المنطقة واعترفت بعثة المراقبين، وللمرة الأولى ومن دون لبس، أن القوات النظامية هي التي ارتكبتها.

ويطرح السؤال عن دوافع النظام إلى ارتكاب هذه المذبحة، في الوقت الذي يسعى أنان إلى إشراك الحليف الإيراني في الحل ويتوجه إلى الحليف الروسي في إطاره، وفي الوقت الذي يعود الملف إلى مجلس الأمن. وقد رأينا الردود العربية والدولية المنددة والمطالبة بالفصل السابع وبعضها بالتدخل الخارجي.

الأرجح أن النظام يريد استدراج مثل هذه المواقف ويدفع الأمور إلى تصعيد ميداني وسياسي، من أجل قطع الطريق على أي احتمال للحوار، سواء جاء عبر أنان أو موسكو، ناهيك بالطبع عن رفضه المطلق لأي بحث في مرحلة انتقالية.

على المستوى الظاهري قال النظام كلمته في هذه المسألة، عبر تنظيم انتخابات برلمانية وحكومة «وحدة» مع «معارضة» داخلية، إلى حد تسمية أحد هؤلاء المعارضين وزيراً للحوار والمصالحة. أي أن النظام قام، شكلياً، بما عليه. ويبقى إقناع «المجموعات المسلحة والإرهابيين» بالانضمام إليه. وهذا بالضبط ما ركزت عليه موسكو في تبرير موقفها المناهض لأي قرارات دولية ملزمة لوقف العنف.

والرسالة التي يبعث بها النظام حالياً هي لحليفه الروسي الذي يبعث بإشارات متعارضة في شأن الحوار وأطرافه. والتصعيد في هذا الإطار يلزم الحليف بتأييد النظام وخطواته السياسية.

أما الرسالة البعيدة المدى فهي تنطوي على تسعير للنزاع بما لا يبقي أي شك في طبيعته الطائفية، الأمر الذي يدخل الأزمة في معادلة جديدة، تفرض على جميع الأطراف الدوليين إعادة النظر في تقويمهم للوضع وللأدوار التي يمكن أن يقوموا بها، خصوصاً لجهة التدخل المباشر. من البديهي أن اتخاذ هذا النزاع البعد الطائفي يدفعه إلى أن يصبح جزءاً لا يتجزأ من نزاع إقليمي، أي انزلاق فيه يتحول حرباً إقليمية لا تستبعد إيران وتركيا، ناهيك عن دول الخليج والأردن. والجميع يدرك أن دول المنطقة والدول الكبرى لن تبقى بمنأى عن مثل هذا النزاع الذي لا ترغب فيه، لأسباب كثيرة، وستعمل على أن تحول دونه أو اشتراكها فيه. أي أن التصعيد الطائفي يبعد شبح التدخل الخارجي أكثر من كونه مستدرجاً له.

وبذلك تكون الدماء السورية، مرة أخرى، هي الثمن الذي يقدمه النظام من أجل البقاء في السلطة وتخويف العالم من عواقب سقوطه. وعلى روسيا أن تقرر الآن ما إذا كانت تلتقط هذه الرسائل الدموية أم أنها ستبقى تتصرف وكأنها لا تعرف.

الحياة

تريمسة يا تريمسة

    احمد عياش

إذا قرر طفل أن يسأل أمه التي تهدهده كي ينام وهي ترنم أغنية “تريمسي يا تريمسي يا حبة العديسي” الشعبية أليست “تريمسي” الاغنية هي “تريمسة” حماه التي شاهد ضحايا مجزرتها على شاشة التلفزيون؟ بماذا تجيبه؟ ستنفي بالطبع العلاقة بين الأغنية والمجزرة. ولكنها ستقرر أن لا ترنم مجدداً بالأغنية وستفتش عن أخرى. فطفلها لن يتردد في السؤال مجدداً. من الأفضل أن تكون كلمات الأغنيات خالية من الاشارة الى مكان أو زمان أو اشخاص يستحضرون سوريا. لكن أمر هذا الطفل وأمه يبقى أهون من أمر أمهات وآلاف الاطفال الذين فتك بهم الطاغية السوري. هو لا يلغي اغنيات الاطفال بل يلغي المترنمين بها والمستمعين الصغار الذين ينامون على انغامها.

تغيير الأغنية لا يقاس بتغييب الفاعل. في لبنان لا يغني اتباع الطاغية لأنهم أصلاً لا علاقة لهم بالأغنيات بل يتكلمون بلسانه. الى درجة أنهم يستنكرون الموت باعتباره فعل من افعال الموتى لا من افعال قاتلهم. يطبقون بحزم اجراءات التقشف على اسعاف الجرحى في صفوف النازحين السوريين، ويدققون ويعتقلون على المعابر الحدودية جواً وبراً وبحراً كل من يشكون بأنه فار من جحيم الطاغية. لا عجب فهم يأكلون من خبز الطاغية ويضربون بسيفه الذي أثخن لبنان جراحاً.

يتباهى “حزب الله” بأن الجنوب هو الأكثر استقراراً في لبنان وربما في الشرق الأوسط، وفي سوريا يتباهى بشار الأسد بأن الجولان المحتل هو ايضاً الأكثر استقراراً في سوريا، وحليفه القيصر الروسي بوتين عندما زار اسرائيل أخيراً قدم التطمينات بأن ترسانة اسلحة تابعه السوري ولاسيما منها الكيماوية في حرز أمين. ولأن الجنوب اللبناني الأكثر استقراراً ومثله الجولان السوري فلا ضير أن يُنقل الجيش من مربع اليونيفيل الى الحدود الشمالية من دون أن يعترض معترض. فالخطر لم يعد من اسرائيل بل أصبح في سوريا. كم هي محظوظة اسرائيل. فالقرار 1701 الذي أنتجه “الانتصار الإلهي” في حرب تموز 2006 أقام سياجاً دولياً يرعاه ليس قوات اليونيفيل فحسب بل جيش “حزب الله” ايضاً. اما في سوريا، فقد أكد النظام في صورة لا لبس بها ان قدراته الجوية والبحرية والبرية هي لمحاربة العدو في الداخل وليس على الحدود. انه العدو الرابض في دمشق وحماه وحمص وادلب ودير الزور وحلب ودرعا وكل الارياف. فإذا لم تنفع معه المدرعات تكلمت المدافع بعيدة المدى. وإذا عجزت المدافع تحدث الطيران الحربي. وإذا سألك أحدهم من أين للنظام هذه القدرة فأجب بأنها من ثمار “الممانعة” و”المقاومة” على مدى أكثر من 40 عاماً. لا ينفع أن تتوقف الأم عن الترنم بـ”تريمسي يا تريمسي” فالاطفال أذكى من الطاغية وأعوانه وهم قادرون أن يغنوا “يا مال الشام يللا يا مالي”. فالطاغية وأعوانه الى زوال مهما طال المطال فيا حرية تعالي.

المجزرة السورية

يوسف بزي

ليست السلطة وحدها هي مطلب صدام حسين أو معمر القذافي أو بشار الأسد. هؤلاء تحديداً يختلفون في استبدادهم عن حسني مبارك أو زين العابدين بن علي مثلاً. فالرئيس المصري المخلوع كانت معقودة له مؤسسة الرئاسة، وله السيطرة على أجهزة الأمن الداخلي، فيما فقد في السنوات الأخيرة هيمنته على الإعلام، وأظهرت الانتفاضة الشعبية العارمة “استقلالية” الجيش، ولم يبد الجهاز البيروقراطي الضخم أي ولاء سياسي فعلي سوى للدولة وليس لشخص الرئيس أو حاشيته. والقمع بكل أشكاله، كان يخضع لموازين وحسابات داخلية وخارجية، تجعل السلطة مقيدة نسبياً وعاجزة عن إبادة المعارضة أو نفيها. وهذا ما ينطبق على حال سلطة بن علي. وحتى في الاقتصاد، ورغم فداحة استغلال النفوذ وما رافقه من فجور وفساد كبيرين، فإن الأعمال والثروة المالية لم تنحصر أبداً بيد السلطة وحدها، وربما كان تحسّن أحوال الطبقة الوسطى وتوسّعها هما من الأسباب المباشرة للثورتين المصرية والتونسية. إذ إن التوسع في السفر وازدياد فرص التعليم وانتشار التكنولوجيا، ساهم كله في محاصرة السلطة، وقلل كثيراً من انقياد المجتمع وطاعته العمياء للسلطة.

كان بقاء مبارك وبن علي أو سقوطهما يخضع لـ”شرعية” الطاعة التي يبديها المجتمع أو يخرج عليها. لذا، فإن ذهاب مبارك إلى السجن وبن علي إلى المنفى، بعد مقاومة ركيكة وكاريكاتورية (بضعة أسابيع وحسب)، يكشف أن ثمة حدوداً سياسية وأخلاقية كانت تحفُّ سلطتهما. لقد افتقد مبارك وبن علي لخطاب إيديولوجي توتاليتاري يدجنان به المجتمع. لذا كانت “السياسة” (الرأي والاعتراض) ممكنة، ولو في حدها الأدنى، في مصر وتونس.

في حال عراق صدام وليبيا القذافي وسوريا الأسد، ليست الرئاسة هي المطلب، بل مصادرة الدولة ودفن المجتمع، وإزالة كل تمايز أو تعدد لأوجه السلطة (تشريعية أو قضائية أو تنفيذية) وتوحيدها في عقله وفمه ويده.

هكذا يغدو الشخص هنا هو “الأمة” مجسدة فيه. هو “الإرادة” الوحيدة و”الدستور” الحي. الديكتاتورية التامة، والفاشية في أحط صورها. ومن أجل ديمومتها تتحول السلطة إلى مشروع عنف مستمر، تنخرط في حرب مفتوحة على المواطنين. شرط الطاغية هو نصبه العداء ضد مجتمعه. وهذا ما يتيح له، أخلاقياً، ممارسة القتل، وسحق أي تمرد أو اعتراض، بكل وسائل القوة المتوفرة له.

ليس النفوذ والجاه والمال والشهرة فحسب، مطلب من هم على شاكلة القذافي أو بشار الأسد، بل “التمتع” بممارسة السيطرة المطلقة، الانغماس في لذة التسيُّد القسري، وفي لذة التغلب العنيف، والبحث عن نشوة الفوز بمصارعة الآخرين وقتلهم إن أمكن. صدام حسين والقذافي كانا يستعرضان أساليب هذه الممارسة، بوصفها دعاية مؤثرة إضافية لقوتهما. بينما يلجأ الأسد الإبن إلى تمويه الوحشية بمظهر التهذيب واللطف، بل وأحياناً بمظهر الرقة العاطفية. وبهذا المعنى، هو ديكتاتور “حديث”، تلفزيوني ـ إعلامي وترويجي، يطلب الإعجاب من قتلاه ومن ضحاياه ومن المتفرجين.

الثورتان التونسية والمصرية، اكتفتا بالتظاهر والعصيان المدني. النزول إلى الميادين والتظاهر والاعتصام، مزق “العقد” المبرم بين المواطنين والسلطة، التي مارست عنفاً محدوداً ومتوقعاً وهزيلاً، فانتهى أمرها سريعاً ورحلت. أما في حال صدام، فحتى الثورة الشعبية المسلحة لم تكن كافية لإزاحته، وتطلب الأمر حرباً خارجية بائتلاف دولي قادته الولايات المتحدة، فيما القذافي سقط بحرب داخلية خسرها، لفرط تخريبه المنهجي لكل تنظيم، ومنه الجيش المنظم. أما بشار الأسد، فمصيره لم يحسم بعد، رغم مرور سنة ونصف السنة على حربه الضروس ضد الثورة السورية، مستثمراً البناء (أو التخريب) الممنهج الموروث من عقود الاستبداد البعثي وعقود ديكتاتورية أبيه، المصحوبة بخطاب توتاليتاري وبتقاليد عريقة ومديدة في التدجين وفي زرع الخوف والرعب.

الدولة، في غايتها، تسعى إلى تحقيق السعادة العامة، والخاصة. أما عندما تكون في عهدة ديكتاتورية من صنف بشار الأسد، فهي تنتقل من سوية “التسلط الطبيعي” إلى علاقة الإرهاب من طرف واحد، السعادة للسلطة والإرهاب المستديم للمجتمع. لذا فإن السمة المميزة للثورة السورية بين ثورات الربيع العربي، ستكون “المجازر” والقتل الجماعي. الاستبداد هنا يصير عنفاً محضاً. والثورة لن تكون حقيقية ولن تستمر إن لم تكن عنيفة بدورها. كل اعتراض على “العنف الثوري” ليس طرحاً أو اقتراحاً حالماً ومثالياً، بل هو يغدو تسليماً لحصرية العنف بالسلطة واستسلاماً لها. وأكثر من ذلك، إذا لم يشكل العنف الثوري رادعاً ولم يتقدم بالثورة نحو أهدافها، يغدو طلب العون العنيف من الخارج مطلباً “انسانياً” ومشروعاً.

لقد حان وقت وقف المجزرة.

المستقبل

مجزرة تريمسة وصدمة عنان

رأي القدس

مجزرة تريمسة التي وقعت امس الاول وسقط فيها اكثر من ثلاثمئة قتيل، هي ‘وصمة عار’ اخرى في جبين النظام السوري تضاف الى مجازر اخرى في الحولة وبابا عمرو وغيرهما.

لا يستطيع النظام السوري تبرير هذه المجزرة بالقاء اللوم على الجماعات المسلحة مجددا مثلما جرت العادة في جميع المجازر السابقة، لان الصور لا تكذب.

كوفي عنان المبعوث الدولي الى سورية، والمتهم من جهات عدة بمحاباة هذا النظام ادان هذه المجزرة باقوى العبارات يوم امس، وقال ‘ان القوات السورية استخدمت اسلحة ثقيلة ضد القرية المنكوبة في محافظة حماة’، وعبر عن صدمته من القتال العنيف وسقوط عدد كبير من القتلى والمصابين واكد في الوقت نفسه ‘الاستخدام المؤكد للاسلحة الثقيلة مثل المدفعية والدبابات والطائرات العمودية’.

عنان لا يمكن ان يلقي بهذه الاتهامات جزافا، فالرجل يحظى بثقة النظام السوري، وخرج عن المألوف عندما طالب باشراك ايران في مفاوضات او مخططات تتعلق بايجاد حل سياسي للازمة في سورية، والاكثر من ذلك انه زار العراق ويخطط لزيارة موسكو يوم الاثنين المقبل في اطار جهوده لوقف حمام الدماء في سورية، وترتيب انتقال سلمي للسلطة.

لا نفهم الاسباب التي تدفع بالنظام الى ارتكاب هذه المجازر بين الحين والآخر وبمثل هذه القسوة، فالضحايا مواطنون سوريون من المفترض ان يحافظ على ارواحهم، وتوفير كل الرعاية والامان لهم حتى لو اختلفوا مع توجهاته وطروحاته.

الادعاء بوجود عصابات مسلحة في القرية المنكوبة، او بعض عناصر الجيش السوري الحر لا يمكن ان يبرر، حتى لو كان صحيحا، قتل الابرياء بالصورة التي شاهدناها عبر شاشات تلفزة عدة بعضها مقرب من النظام.

فاذا كان النظام يعتقد انه بمثل هذه المجازر يمكن ان يبث الرعب في نفوس الشعب السوري ويدفع الجزء المنتفض منه للتراجع عن انتفاضته فهو مخطئ تماما، لان هذا الشعب لم ترهبه المجازر السابقة، واستطاع ان يواصل ثورته لاكثر من 16 شهرا متواصلة دون ان يتردد في تقديم الضحايا والشهداء.

لا بد ان النظام يسقط في مصيدة الوهم التي تفيد بضرورة تكثيف استخدام حلوله الامنية الدموية لاثبات قوته وتماسكه بعد الانشقاقات الكبرى التي حدثت في الايام الاخيرة، وتمثلت في هروب العميد مناف طلاس وانشقاق السفير السوري في العراق نواف الفارس، وهما من اكثر الشخصيات قربا لدائرة الحكم الضيقة.

قوة النظام، اي نظام، تتجسد في تعاطيه الانساني مع مواطنيه، وعلى اسس المساواة والعدالة، حتى في الاوقات الصعبة، ولكن يبدو ان النظام السوري يتصرف بطريقة مخالفة تماما لهذا المنطق.

كنا نعتقد ان مجزرة الحولة ستكون الاخيرة، رغم بشاعتها، وكم كنا مخطئين، وبتنا على قناعة بان مجازر اخرى ربما اكثر بشاعة في الطريق الى هذا الشعب السوري المنكوب.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى