صفحات العالم

مقالات عن معركة حلب


معركة حلب أم معركة سقوط النظام؟

    علي حماده

في الايام الأولى لبدء معركة حلب، وصفها إعلام النظام في سوريا بأنها معركة النظام، وأصر على تشبيهها بمعركة دمشق التي استطاعت فيها قواته ان تحاصر الاحياء المنتفضة وتجبر الجيش الحر على الانسحاب. وفي هذه الأثناء قام وزير خارجية بشار الاسد وليد المعلم بزيارة لطهران خرج بعدها وبجانبه وزير الخارجية الايراني ليصرّح بأن بلاده تتعرض لـ”مؤامرة كونية” وان النظام سينتصر على الاعداء. ثم توالت تطمينات من النظام الى الحلفاء، او قل الايتام في لبنان، بأن حلب ستكون ضربة كبيرة للثورة و”الجيش الحر”. مرّت الايام وسقطت فيها أكثر من نصف احياء حلب بيد “الجيش الحر”، وذلك بسهولة غريبة بعض الشيء، وخصوصاً اذا ما عرفنا ان بشار كان يعتبر منذ الايام الاولى للثورة أن حلب هي نقطة قوته الأساسية، وان تحالفه مع بورجوازية المدينة وعصابات الشبيحة والتهريب والمخدرات في هذه المنطقة كفيلة بمحاصرة اي حراك ثوري. ولذلك شهدنا طوال الأشهر الماضية اقتصار الحراك على المدينة الجامعية حيث الطلاب من كل ارجاء محافظة حلب والشمال السوري، والذين أبقوا على شعلة الثورة في أصعب ظروف وفي مناخات صعبة جداً. افتخر بشار بأن حلب بيده، واليوم يعيش مرحلة فقدان حلب برمتها. ومع انه يحشد لمعركة كبيرة في مقبل الساعات والايام، فإن حلب كشفت الكثير من مواطن ضعف النظام، وبيّنت حقيقة ان البيئة التي توهم النظام انها تواليه ولن تتزحزح هي متحركة بل متغيرة الى حد بعيد. ولعل أهم ما كشفته حلب يتلخص بحقيقة انه لو قيض لـ”الجيش الحر” الحصول على تسليح متطور مضاد للدبابات وللطائرات على علو منخفض، لانتهت المعركة اليوم قبل الغد. ولكن يبدو ان الضؤ الأخضر لم يصدر بعد الى الجهات المعنية برفع مستوى تسليح “الجيش الحر” الذي يستمد ٩٩ في المئة من سلاحه من غنائم المعارك التي يخوضها ضد جيش بشار. لذا عندما قالت مصادر فريق المراقبين الدوليين بالأمس إن “الجيش الحر” يمتلك في حلب دبابات واسلحة ثقيلة كنا تمنينا لو زادت بالتوضيح ان هذه غنائم المعارك. لقد وصف النظام معركة حلب بأنها أم المعارك وانها ستكون فاصلة. وفي المقابل، بدا الثوار محافظين في توقعاتهم مخافة ان يكرروا مناخات التفاؤل المبالغ فيها كالتي اشاعوها خلال معركة دمشق الأولى إثر تفجير مقر الامن القومي و قتل جنرالات بشار. ولكن النظام عاد وخفض منسوب التفاؤل بالتخلي عن وصف ام المعارك، بالرغم من كلام وليد المعلم. واللافت جدا ما حدث البارحة لمناسبة عيد الجيش في سوريا حيث لم يجر اي احتفال، ولو رمزياً، بالمناسبة، كما لم يوجه بشار كلمة مباشرة عبر اي وسيلة اعلامية اساسية، بل اقتصر الأمر على “أمر اليوم” الذي نشر في مجلة الجيش، وتحدث فيه عن “الاعداء في الظهر”. وهذا تحديداً ما يكشف حال النظام راهناً وقد تخلّى عن مظاهر المكابرة والنكران.

بالأمس غرقت شبكة “تويتر” بهذه التغريدة: “ليست معركة حلب، بل معركة اسقاط النظام”!

فهل تصدق تغريدات انصار الثورة؟

النهار

معركـة حلـب

مقالة افتتاحية في صحيفة الباييس الإسبانية – 3 – 8 – 2012

ترجمة: الحدرامي الأميني

المعارك من أجل السيطرة على حلب، المدينة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في سـوريا، والتي يستخدم فيها بشار الأسـد المدفعية والدبابات والطائرات ضد السكان المدنيين، تُفاقِم من مأساة هذا البلد العربي. وبالقدر الذي يتسع فيه نطاق الحرب الأهلية وتزداد ضراوتها، تزداد الفظائع وتتعمق الكارثة بين المدنيين، مع مئات آلاف الفارين وعشرات الآلاف على حافة الجوع، وفق ما تحذر منه الأمم المتحدة.

بعد أكثر من أسبوع على قيام النظام السوري بزج كل ما يملكه ضد المدينة الشمالية التي يسكنها مليونان ونصف مليون نسمة، لم تصل معركة حلب إلى خاتمة حاسمة. الثوار يحافظون على مواقعهم وهناك المئات من القتلى والجرحى. الأســد، الأقل غطرسة باطراد، يعتبر أن حلب قضية جوهرية لأن خسارتها يمكن أن تمثل ضربة استراتيجية ونفسية غير قابلة للانعكاس.

إن أبعاد الحرب الأهلية السورية وتباينها الذي لا يُحتَمَل يجعل تدخلاً خارجياً، يذهب إلى ما هو أبعد من إرسال الأسلحة إلى الثوار من قِبَل تركيا وقطر أو من المساعدة المحدودة من المخابرات المركزية الأمريكية التي أذن بها الغامض أوباما، يجعله أمراً لا يمكن تأجيله. ومثل كل قوة ذات قاعدة شعبية، فإن الثوار السوريين، رغم جرأتهم، يفتقدون إلى التسليح والانضباط الضروريين من أجل هزيمة جيش مُجَهَّز ويملك رخصة بالقضاء على مواطنيه.

الشلل الغربي، الذي تغذيه المخاطر قريبة المدى، زاد من أبعاد الإرهاب. والولايات المتحدة بشكل خاص، بعد عام تقريباً من المبادرات الديبلوماسية العقيمة، التي شهدت عليها بالأمس استقالة كوفي أنان، يجب أن تكون في مقدمة ذلك المسعى وأن تقيم تعاوناً رسمياً مع الجيش السوري الحر.

تتحول الثورة الشعبية بشكل سريع إلى حرب طائفية. ومع، أو بدون، نهاية واضحة في حلب، ستنطوي إطالة أمدها على مخاطر ضخمة تتعلق بانتقال العدوى، وعدم الاستقرار الإقليمي، والدور المتنامي للجهادية. إن السماح بهذا هو ارتهان خطير لسوريا التي يجب أن تنبثق بعد سقوط الطاغية.

http://elpais.com/elpais/2012/08/02/opinion/1343934773_322752.html

الثلاثاء

حلب ليست بنغازي… ولكن

    علي حماده

هكذا بعد مرور ما يربو على عام ونصف يتجه ثوار سوريا بخطى ثابتة وبكثير من بذل الدم والتضحيات الى اقامة المنطقة العازلة كأمر واقع في الشمال السوري بين مدينة حلب والحدود مع تركيا. فمعركة حلب استراتيجية لذا يستميت النظام ليس في الدفاع عن مواقعه فيها بل في تدميرها حجرا حجرا لمنع الثورة من الاستقرار في العاصمة الاقتصادية للبلاد واقامة ما يشبه “بنغازي” جديدة، علما ان بنغازي في ليبيا سرعان ما جرت حمايتها بالمظلة الاطلسية مما حولها قاعدة انطلاق اساسية لاسقاط نظام العقيد معمر القذافي في معاقله في الغرب الليبي. في حالة مدينة حلب يمكن القول ان المعطى سيكون مختلفا عن بنغازي، لكن نتائجه ستكون مشابهة الى حد ما. فالفارق الاكبر بين الحالتين ان سوريا ليست مقسمة الى منطقتين على غرار الحالة الليبية، إذ لا يملك بشار سيطرة حقيقية على اي منطقة في سوريا عدا مناطق العلويين غير الوازنة في الصراع السوري. ومن الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب وعلى طول الحدود مع دول الجوار نلاحظ ان الثورة مشتعلة والقتال في كل مكان ولا يستثني قلب العاصمة دمشق ووصل حالياً الى قلب العاصمة الاقتصادية صاحبة الثقل السكاني الكبير حلب. من هذا المنطلق سيكون سقوط حلب بيد الثوار محطة مفصلية اخرى على طريق اسقاط بشار ولكنها لن تكون منطقة آمنة كبنغازي طالما لم يفرض حلف “الناتو” حظرا جويا ولم يحولها بمساعدة الجيش التركي منطقة عازلة.

لا يعني ما تقدم ان حلب لن تكون خطوة كبيرة الى الامام، بل على النقيض ستكون قفزة كبيرة، وهي كذلك حتى اليوم في خضم المعارك. فأين نحن من مرحلة سابقة كان النظام فيها يعتبر ان العاصمتين السياسية ( دمشق) والاقتصادية ( حلب) لن تفلتا من قبضته وانهما الاساس في تركيز دعائمه لمواجهة الريف الثائر؟ هكذا مع استمرار بشار في القتل من دون حساب انتهى به المطاف الى مواجهة معطى جديد يتمثل في اطباق الريف والمدن الاقل حجما على مدينتي حلب ودمشق، فضلا عن أن احياء شعبية مهمة في المدينتين تشارك في الثورة منذ أيامها الاولى. ومهم التوقف عند مشهد ريفي حلب ودمشق اللذين يحشران النظام في حصار لا فكاك منه على رغم القدرة النارية الهائلة التي يملكها ولا يتوانى عن استخدامها في كل مكان بوحشية لا مثيل لها.

في المبدأ مهما صار في حلب، وحتى في حالة ميلان ميزان القوى لمصلحة النظام فان الامور لن تعود الى ما كانت عليه. اما ريف حلب فقد خرج منه بشار ولن يعود والمهم اليوم ان يصل الدعم العسكري النوعي الى الثوار. بمعنى ان سلاحا متطورا مضادا للدبابات وآخر محمولاً ضد الطائرات سيقلب المعادلة كلياً لمصلحة الثورة. استنتاجنا الاول من معركة حلب ان بشار يستنفد احتياطاته البشرية المقاتلة في مقابل هوامش واسعة امام الثوار. وما يهمنا لبنانيا ان يخرج “حزب الله” نفسه بسرعة من التورط بدماء السوريين. بسرعة وفورا!

النهار

الخميس

تدمير دمشق وحلب: مسؤولية المعارضة ودولها

    جهاد الزين

تُدمَّر مدينتان أو أجزاء واسعة منهما في غضون أيام قليلة هما دمشق وحلب بصورة لم تحصل فيهما منذ خمسمائة عام على الأقل حتى مقارنةً بالقصف الفرنسي الجوّي لدمشق عام 1945. من المسؤول عن ذلك اخلاقيا بالدرجة الأولى؟

أتابع بالقدر المتاح لي من الدقة مجريات الصدامات العسكرية في دمشق وحلب ليس إهمالاً مني للمناطق والمدن الأخرى وخصوصا حمص الشهيدة (فعلا لا هذراً) وإنما لأن المواجهات العسكرية في المدينتين الكبريين في سوريا هي التطور النوعي السياسي المأساوي الأخطر منذ اندلعت التظاهرات الشعبية السلمية التي شكّلت الثورة السورية قبل أن تتحول الى حرب أهلية بإدارة إقليمية دولية وبمزيج متداخل وخاص من الأنماط الأسباني اللبناني الكمبودي اليوغوسلافي السوداني الليبي!

هذه المتابعة لا تعتمد على وسائل الإعلام التلفزيوني إلا بشكل ثانوي وإنما على “سلّة” من المتابعة على “الفايسبوك” ومواقع الإنترنت والإتصالات الشخصية مع بعض الديبلوماسيين من دول معنية بالصراع في وعلى سوريا، والأهم من كل ذلك مع بعض الأصدقاء من قادة الرأي في المعارضات السورية ولاسيما الآتين من الأراضي السورية إلى بيروت. وبيروت هي عمليا اليوم عاصمة “الداخل السوري” الحقيقية لا القاهرة ولا اسطنبول ولا باريس بالمعاني الإنسانية والإجتماعية والثقافية والإغاثية فضلاً عن “السياحية” إذا كان بإمكاننا أن نشتقّ مصطلح “السياحة الحربْ أهلوية” على غرار مصطلح “السياحة الدينية”…إضافةً إلى أنها (أي بيروت) تحتل مساحة ما، وتحت الطاولة غالبا، كعاصمة للإتصالات السياسية والعسكرية والتمويلية وإنما بشكل أقل أهمية بكثير – يجب الإعتراف! – من عواصم كالرياض وموسكو وطهران والدوحة واسطنبول وواشنطن حيث تولد “طبقة” سياسية سورية جديدة على غرار الولادة اللندنية للطبقة السياسية العراقية الجديدة قبل عام 2003. ودور بيروت الجامع لكل أطراف الوضع السوري هو مختلف عن دور شقيقتها طرابس الشام التي تلعب مع أريافها المسلمة دور أحد مراكز الحرب الأهلية السورية لصالح طرف دون الآخر… في مقابل طرطوس واللاذقية.

أكتب كل هذه المقدمة بحثاً عن صيغة أعبِّر فيها عن موقف نقدي لم أستطع تلافي المصارحة به وهو يُشْغِل ذهني وضميري منذ بدأت نكبة دمشق وحلب.

إنها فعلاً نكبة. تُدمَّر مدينتان أو أجزاء واسعة منهما في غضون أيام بصورة لم تحصل فيهما منذ خمسمائة عام على الأقل حتى مقارنةً بالقصف الفرنسي الجوّي الشهير لدمشق عام 1945.

من المسؤول عن ذلك اخلاقيا بالدرجة الأولى؟ أرجو هنا أن نبتعد عن الكلام السهل من أن النظام السوري وحده مسؤولٌ. فلا نحتاج أنا وغيري لمن يخبرنا عن وحشية هذا النظام وعنفه وإجراميته كنظامٍ استبدادي تدفع سوريا بكاملها أساسا ثمن عدم وجود طريقة سلمية لتغييره مثل ليبيا والعراق ولكن قطعا – والشكر للآلهة – بعكس تونس ومصر أيا تكن البدائل الأصولية “الفقيرة” تغييرياً لأن ما هو أهم ويُراهَن عليه هو الثقافة والسياق السلميان للتغيير اللذان نحتاج في “الهلال الخصيب” العربي لنتعلّمْهما سلطةً ومعارضةً.

لهذا كان يجب أن نسأل ومنذ اللحظة لأولى للمواجهات في دمشق وحلب: من المسؤول عن هذا الإقحام القسري العسكري الذي تحوّل الى كارثة للمدينتين؟ الجواب الواضح هو المعارضة السورية المسلحة والقوى الإقليمية والدولية التي تدعمها. هل كان هذا عقاباً للمدينتين على عدم اشتراكهما الفعلي في التظاهرات السلمية ضد النظام وهل الجواب على هذا الإنكفاء، أياً تكن أسبابه الإقتصادية والأمنية والطبقية وحتى السوسيولوجية والسياسية، هو في معاقبة المدينتين بفرض واقع تحولّهما الى ساحتي حرب فيما يعلم المسؤولون في أنقرة وواشنطن والدوحة والرياض أن رد النظام سيعني تدمير المدينتين؟

بعيداً عن الديماغوجيا الثورية (خصوصا المبنية بعضها على مصالح جديدة) يجب الإعلان وبصوتٍ عالٍ مهما كانت “الأكلاف” الترهيبية أنه لا نتيجة سياسية ثورية كانت تستحق تدمير دمشق وحلب أو توريطَهما في سياق تدميري نعرف جميعا أنه كان مفتعلاً عسكريا بعكس الحالة أوالحالات في حمص وحماه وإدلب وأريافها (وريف دمشق ودرعا ودير الزور) التي كانت تستند الى إرادة الكثير من أهاليها.

لكن المسألة أخلاقيا تتخطى هذا النطاق. فالخبث الذي نعرفه عن سياسات الدول، مثل سياساتها في الحروب اللبنانية واليوغوسلافية والليبية والعراقية، وبمعزل عن الشحنة الفضائلية الأكيدة لإسقاط نظام استبدادي، من يضمن لنا أن هذه الدول القادرة والمتقدمة إقتصاديا من شمال سوريا الى أوروبا والولايات المتحدة لا تريد سوريا مدمّرةً تعرف هي أنها وحدها ستسيطر على سوق إعادة إعمارها مع كل ما يعنيه ذلك من تواطؤ نعرفه في الحالة العراقية بين فساد الطبقة الجديدة (كالقديمة) وبين مصالح الشركات الكبرى التي لا تزال “تعيد إعمار العراق” دون طائل حتى في الكهرباء والخدمات الأساسية المستمرة في وضعها المزري في بغداد والعديد من المدن الأخرى.

هل كانت “الثورة” لا تتم إلا بتدمير دمشق وحلب؟ ألم يكن من الأنظف معنويا ترك النظام عارياً امام مسؤوليته عن القمع والتدمير؟ ألا تستحق مدينتان مثل دمشق وحلب إعطاء أولوية غير عمياء لسلامتيهما؟

حتى اليوم – وبتواضع – لم أستطع أن أفهم قرار حزب الكتائب اللبنانية عام 1975 فتحَ المعركة في مواجهة سيطرة المسلحين الفلسطينيين العنيفة على مناطق من بيروت الغربية…حتى الآن لم أفهم كيف يقرر حزب الكتائب وهو مَن كان يطرح نفسه يومها ممثلاً لـ”أم الصبي” اللبناني – أي الموارنة – فتحَ معركة الفنادق الشهيرة في المنطقة الأكثر أهمية إقتصادية في العاصمة ويضرب عبرها مصالح فئات من البورجوازية اللبنانية الأكثر ديناميكية إقتصادية من فندق “السان جورج” (المعطل اليوم على يد بورجوازية مسلمة!) الى “الفينيسيا” و”الهوليداي إن” وغيرها؟… بورجوازية كان جناحها المسيحي هو المسيطر رأسماليا بدعم خليجي… إنها المعركة الطاحنة التي ستنتهي بمكاسب مالية لبعض الفصائل الفلسطينية التي استطاعت اقتحام بنوك معينة مع فتاتٍ حصل عليه بعض حلفائها اليساريين اللبنانيين فيما استولت قوات الكتائب المهزومة في الفنادق على خيرات مرفأ بيروت الذي استقرت فيه.

أعطي هذا المثال على كيف يمكن أن تدمِّر “أم الصبي”…الصبي، وهو ما تسبّبت المعارضة السورية العسكرية (ودولها) بمثله. أقول تسبّبت لكي أواصل التمييز بين المسبب والفاعل إذا كان لا بد من عدم نسيان وحشية النظام… مثلما كنا نحن اليساريين ولا نزال نشتم الإمبريالية الأميركية كمقدمة لأي موقف أو تحليل نريد جعله شرعياً على المستوى الفكري.

طبعاً كل هذا النقد ينطلق من موقف أساسي يجب التذكير فيه حتى لو فقد جدواه العملية وهو موقف رفض العسكرة… عسكرة ثورة حقيقية عميقة في المجتمع السوري كانت تضم طلائع شبابيةً حقيقية فيه لا نعرف أين أصبحت الآن بعدما انتقلت الراية الى البندقية. فمن يضمن من بعد الآن؟

لا أحد…

النهار

الثلاثاء

الجيش السوري الحر… ورهان تعادل القوى

أرييل زريولنك

منذ عدة أيام تجمع الآلاف من قوات الجيش والثوار في مدينة حلب الواقعة في شمال سوريا، استعداداً لخوض معركة حاسمة أطلق عليها أحد قادة الثوار اسم “أم المعارك” في هذه المدينة التي ظل المراقبون حتى أيام قريبة يتوقعون أنها ستظل خارج نطاق معارك الحرب الأهلية التي تدور في سوريا في الوقت الراهن.

وفي تصريح له لوكالة الأنباء الألمانية قال “أبوعمر الحلبي”، ممثل الجيش السوري الحر، إن هناك 3000 مقاتل قد انضموا إلى الـ 2500 مقاتل الموجودين بالفعل داخل وحول مدينة حلب.

ووفقاً لـ”سي. إن.إن” فإن 48 شخصاً من الـ200 شخص الذين لقوا مصرعهم في مختلف أرجاء المدينة قد لقوا حتفهم في ذلك الجزء منها المصنف من قبل اليونسكو باعتباره من مواقع التراث العالمي. وكانت هذه هي المرة الأولى التي يفوق فيها عدد القتلى في حلب في يوم واحد عددهم في أي مدينة من المدن السورية الأخرى منذ أن اندلعت الانتفاضة ضد نظام حكم الأسد.

   وفي غضون ذلك قالت “فيكتوريا نولاند” المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تشعر بالقلق من احتمال وقوع “مذبحة في حلب”. وقالت نولاند في تصريح لـ”النيويورك تايمز”: “على ما يبدو فإن هذا هو ما يخطط له النظام”.

ويقول المحللون إن الرهانات مرتفعة للغاية فيما يتعلق بحلب لأن المقاومة المسلحة تدرك أنها إذا ما خسرت معركتها هناك فإن ذلك سيكون بمثابة انتكاسة خطيرة بالنسبة لها يمكن أن تؤدي -على أقل تقدير- إلى تحييد تأثير الثورة لعدة شهور قادمة. أما بالنسبة للأسد فإنه يعرف أن خسارته معركة حلب قد تكون النقطة التي تميل فيها كفة الميزان ضده وتصبح إرهاصاً بسقوط حكومته.

وتشير أدلة عديدة إلى أن قوات الجيش السوري النظامي لم تكن مستعدة لمواجهة قوة الثوار عندما حاولوا الاستيلاء على المدينة منذ أسبوع، أما الآن فإن تلك القوات كما يبدو تمكنت من إعادة تنظيم صفوفها وحشد المزيد من القوات لمواجهة المقاتلين المنتمين للمعارضة، وهو ما يبدو من خلال قيامها بقصف أحياء المدينة بقذائف المدفعية والهاون ومدافع الطائرات العمودية.

وعلى رغم الشجاعة الفائقة التي يبديها المقاتلون الثوار إلا أنهم ما زالوا أقل تسليحاً بكثير من قوات الجيش وكذلك أقل عدداً وخصوصاً مع تدفق المزيد من قوات الجيش، ولذا فسيتطلب الأمر منهم جهوداً كبيرة من أجل السيادة على أرض المعركة في ضوء هذه الظروف.

وفي حديث عبر الهاتف لناشط المعارضة “ماجد النور” قال إن الثوار قد حصلوا على موطئ قدم لهم في وسط مدينة حلب بالإضافة إلى مواقع أخرى في غرب وشرق المدينة، وإن كانت قوات النظام ما زالت تسيطر على نقاط الدخول للمدينة، وكذلك بعض طرقها الرئيسية وشوارعها التجارية، وتقوم في الوقت الراهن بشن حملة لاستعادة بعض الأحياء السكنية التي استولى عليها الثوار.

والرأي السائد بين المحللين هو أنه على رغم أن استيلاء الثوار على أحياء من حلب كان بمثابة مفاجأة مدوية وغير متوقعة، إلا أن أي تغيير تكون لهم فيه اليد العليا على ساحة المعركة قد يكون قصير المدة، لأنهم عندما استولوا على تلك الأحياء في البداية فإن ذلك كان يرجع إلى حد كبير إلى أنهم قد أخذوا قوات الجيش النظامي على حين غرة. أما الآن وبعد أن نظمت تلك القوات صفوفها وحصلت على مدد إضافي من الجنود والسلاح فإنها قد تعمد إلى استخدام الوحشية البالغة في إخراج الثوار من المواقع التي استولوا عليها كما فعلت في دمشق.

ويقول “توني كارين” المحلل في مجلة “التايم” إننا إذا ما قارنا ميزان القوى في سوريا في الوقت الراهن بميزان القوى عندما قام ثوار “الفيت كونج” في فيتنام عام 1968 بهجومهم الذي أقنع القادة العسكريين الأميركيين بأن “حرب فيتنام باتت غير قابلة للكسب”، فإنه يمكن الوصول إلى نتيجة مؤداها أن المكاسب التي حققتها قوات المعارضة خلال الأسابيع الأخيرة قد أثبتت للنظام أنه لن يتمكن من استعادة سيطرته على كامل أجزاء البلاد مرة أخرى، كما لن يتمكن من سحق قوات المعارضة بشكل كامل.

وبالنسبة للملايين من السوريين فإن ذلك يوكد حتمية تغيير النظام وهو تأكيد سيقنع كثيرين من حلفاء الأسد الأقل تطرفاً في دعمه بتغيير موقفهم والبحث عن بدائل لهذا النظام.

وبالنسبة للمواجهة في حلب التي تدور رحاها في الوقت الراهن فإن الاحتمال الأكبر هو أن نتيجة هذه المعركة قد تعكس ما حدث في دمشق الأسبوع الماضي عندما تمكنت قوات الجيش السوري النظامي من إجبار الثوار على التراجع.

علاوة على ذلك فإن قادة قوات الثوار لا يتوقعون أن يتمكنوا من أن يحافظوا على سيطرتهم على الأحياء التي استولوا عليها نظراً لتفوق قوات الجيش النظامي في القوة النيرانية، وتصميم الأسد نفسه على عدم السماح بأي حال من الأحوال بسقوط ثاني أكبر مدينة في البلاد في أيدي الثوار.

ومن هنا يمكن القول إن معركـة حلـب قد لا تكون هي المعركة الحاسمة في الصراع الدائر في سوريا حالياً، وإنما المتوقع هو أن تكون مقدمة لوضع من تعادل القوى الاستراتيجي يجد فيه النظام نفسه غير قادر على تدمير قوات الثوار، وتجد قوات الثورة أيضاً نفسها فيه مفتقرة للقوة النيرانية اللازمة لتدمير النظام، وهو ما يعني أننا قد نشهد المزيد من المذابح خلال الأسابيع وربما الشهور التالية.

– مراسل الشؤون الخارجية – ينشر بترتيب خاص مع خدمة«كريستيان ساينس مونيتور»

الاتحاد

الجمعة

معركة حلب والتعقيدات الدولية

د.نقولا زيدان

تواجه الثورة السورية ببسالة ورباطة جأش جديرة بالاعتزاز والإكبار الآلة العسكرية للنظام الأسدي الدموي في مدينة حلب التي طالما انتظر الشعب السوري ومن ورائه قوى الربيع العربي انتفاضتها البطولية التي نشهدها الآن.

وقد حشد النظام السوري نخبة جيوشه المدعمة بالدبابات والمروحيات والطيران الحربي للدفاع عن مواقعه المنهارة داخل المدينة. وأياً كانت نتائج المعركة التي تكاد تبدأ الآن فإنها ستعتبر دون شك انتصاراً عظيماً للثورة، ذلك ان حرب العصابات أو حرب الشعب المسلح ليست سوى التمهيد أو المقدمة للزحف الشامل الذي يكتسح النظام بأسره، مع سقوط العاصمة دمشق في موعد تاريخي قادم لا ريب فيه.

إلاّ ان معركة حلب، وهي مأثرة تاريخية ستردد صداها الأجيال القادمة، تدور رحاها وسط تعقيدات إقليمية ودولية شديدة الأهمية. فالنظام التركي ما زال متحفظاً إزاء تورطه العسكري في المدينة المتاخمة لحدوده الجنوبية الغربية. ثم ان الإيراني قد بدأ يدق ناقوس الخطر حيال سقوط حلب بيد الثوار ويطلق التحذيرات من أي تدخل تركي عسكري محتمل. ولا يبدو الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو راغباً في تشجيع تركيا على التدخل، إذ ما زال متوجساً من نشوب نزاع إقليمي واسع النطاق.

وفي خضم هذه المعركة يبرز العامل الكردي ليزيد الوضع على الحدود السورية تعقيداً، فالحركة اليائسة للنظام الأسدي بتسليمه أمن خمس محافظات على حدوده الشمالية مع تركيا لحزب العمال الكردستاني قد اثار شهية أكراد العراق وسوريا في آن معاً لطرح المشكلة الكردية من بابها الواسع، خاصة انها تترافق مع تدهور العلاقات بين اقليم كردستان العراقي وحكومة نوري المالكي ذات الولاء الإيراني. ولا يخفي الأكراد نواياهم في سد الفراغ المتوقع في المناطق الكردية السورية بعد سقوط الأسد ونظامه المتداعي. ذلك ما يثير حفيظة ومخاوف أنقرة من احتمال انتفاضة كردية واسعة في المناطق التركية الشرقية. وقد قام عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني السوري وهو كردي، بزيارة اربيل للاطلاع على نوايا أكراد الشمال العراقي بهذا الصدد، إذ ان شكوك حزب العمال الكردستاني في هذا المفصل التاريخي انتهازي مشين وطعنة في ظهر الثورة ويطيل نزع النظام الأسدي وموته.

ولعل ما يثير الدهشة ما صدر عن وزير الدفاع الأميركي في زيارته لتونس، وعن رئيس الوزراء التركي أردوغان، من تصريحات باعثة على القلق حول نوايا أميركا وتركيا في ما يتعلق بمرحلة ما بعد الأسد. وملخص تصريحهما يكمن في الخوف على وحدة الجيش السوري النظامي وعدم تكرار تجربة العراق المأسوية عندما قام الأميركيون بحل الجيش النظامي العراقي فأدخلوا العراق في فوضى عارمة ما زالت تداعياتها ماثلة حتى الساعة.

إلاّ ان هذا الحرص الأميركي والتركي على وحدة الجيش السوري النظامي لا يخلو من التناقض، إذ كيف تحتضن تركيا الجيش السوري الحر وتشكل كما هو معروف قاعدة له، وتستضيف المجلس الوطني السوري ركن المعارضة الأساسي واللذان يدعوان، كواجب وطني أخلاقي وكمطلب تاريخي وكحاجة ماسة، ضباط وجنود الجيش النظامي السوري للانشقاق والالتحاق بالثورة، أي بعبارة أخرى ضرورة تفكيك وفراط عقد هذا الجيش، وفي آنٍ معاً ضرورة الحفاظ على وحدته وكيانه كما يرغب الأميركيون والأتراك ومن ورائهما حلف الناتو؟ فهل يعقل ان نطلب الشيء ونقيضه في آنٍ معاً؟

أما السياسة الأميركية حيال الثورة السورية فقد كادت تستهلك ذاتها في خطب هيلاري كلينتون وتصريحاتها التي لا تتوقف عن دعوة المعارضة السورية للتوحد وتعيب عليها تشتتها في تيارات عدة، وكأنها تحصر مشكلة عدم إنجاز مهام الثورة ألا وهي الإطاحة بنظام الأسد وزبانيته جميعاً، في استمرار تواجد فصائل عدة للمعارضة السورية. هذا في الوقت الذي لم تقدم أميركا في مؤتمرات أصدقاء الشعب السوري سوى بعض تجهيزات الاتصالات وتكرار النصائح الثمينة وتلاوة التعويذة المستهلكة الممجوجة الا وهي دعوة الأسد للتنحي. هذا في الوقت الذي تقدم له روسيا وإيران دعماً لوجستياً بلا حدود، عدا ما تشير إليه المعلومات من إرسال مقاتلين من الحرس الثوري الإيراني وعناصر من حزب الله اللبناني للانضمام لكتائب الأسد في محاولاتها اليائسة لسحق الثورة السورية، حيث ما زالت المعارك تدور في قلب دمشق وحمص ودرعا ودير الزور.

ان قوى المعارضة السورية الجذرية وعلى رأسها الجيش السوري الحر، ليزاوجا بنجاح بين نضج سياسي متقدم وثابت من جهة وبطولات ميدانية في ساحات القتال، مثيرة للاعجاب والاحترام، من جهة أخرى، فرغماً عن الاختلال الفاضح في ميزان القوى بين الجيش النظامي والجيش السوري الحر والمقاومة الشعبية، حيث يحشد الأسد قوات ضخمة وطيراناً حربياً من مروحيات وطائرات الميغ المتطورة لخوض معركة حلب، يواجه الثوار هذه الآلة العسكرية في المدينة بلا أي غطاء جوي قط، انها لمأثرة بطولية هائلة تسطّر الآن ملحمة تشرّف تاريخنا العربي المعاصر. وليس عيباً بمكان ان ينضم إلى الجيش السوري الحر في معاركه مجاهدون عرب استفزتهم الحمية الوطنية والقومية بل الدينية، اولئك الذين ينعتهم الإعلام السوري الرسمي بالارهابيين.

إن مأثرة بل ملحمة حلب البطولية أياً كانت نتائجها هي علامة مشرقة فارقة في تاريخ الثورة السورية التي تكتب بالدم وبالشهادة.

وقد أحسن صنعاً هيثم المالح بالاضطلاع بمهام تشكيله حكومة سورية مؤقتة. وهذه الخطوة تندرج في إطار التوحيد الفعلي لقوى المعارضة الجذرية. كما ان أكراد سوريا هم جزء لا يتجزأ من الشعب السوري الثائر وواجبهم الوطني يملي عليهم الانخراط في صفوف القتال السياسي والكفاح المسلح بعيداً عن أية اعتبارات فئوية ضيّقة الأفق. إن ذلك ليتطلب من قيادة المجلس الوطني السوري حنكة ودراية وسعة صدر عالية القدرة، ذلك وصولاً محتماً إلى الإطاحة بالنظام الأسدي الفاشي، يوم الانتصار المكلل بالمجد والظفر.

المستقبل

الثلاثاء

حلب تقرر مصير دمشق

غسان الإمام

في الوضع الميداني، يبدو واضحا أن تعديلا طرأ على استراتيجية النظام مراعاة لظروف القوات النظامية. فقد أصيبت بالإرهاق. وتعاني من الاستنزاف في اشتباكاتها مع تنظيمات المعارضة المسلحة.

الاستراتيجية الجديدة تعتمد التركيز على الاحتفاظ بحلب ودمشق فقط. والكف عن النشر الواسع للقوات، بعد إخفاق الهجوم المضاد لاسترداد المناطق الريفية «المحررة»، في الشمال. والشرق. والجنوب.

بعد التصفية الجسدية التي تعرضت لها القيادة العسكرية/ الأمنية (18 يوليو/ تموز)، أعاد ماهر وبشار تشكيل هذه القيادة، بما يسمح لها بإحكام قبضتها على الجيش والأجهزة الأمنية. فغدا اللواءان علي مملوك وعبد الفتاح قدسية، على رأس مكتب الأمن القومي، فيما أسندت رئاسة الأركان، إلى العماد علي أيوب الذي يقال إنه صاحب استراتيجية التخفيف من نشر القوات العسكرية، وتجميعها داخل دمشق وحلب وحولهما، لضمان بقاء النظام أطول مدة ممكنة. وللادعاء أمام العالم بأنه ما زال مسيطرا على العاصمتين السياسية والاقتصادية.

إذا كان تقليص وجود القوات النظامية صحيحا، فلماذا نسمع أن الاشتباكات ما زالت مستمرة في المدن المتوسطة، كدير الزور. درعا. حمص. حماه. إدلب…؟ عمليا، لم يعد النظام يملك احتياطا كافيا للزج به، في وقت واحد، في مختلف هذه المدن.

القوات البرية التي ما زالت موالية جرى تجميعها في القواعد العسكرية والجوية في مختلف أنحاء سوريا. ومنها يتم قصف المدن الثائرة بمدافع الهاون والصواريخ. والإغارة عليها بأسطول حديث ومتطور من طائرات الهجوم المروحية التي زودت بها روسيا نظام بشار. ولا تملك فصائل المعارضة المسلحة، بعد، السلاح الثقيل أو العدد الكافي من المقاتلين، ولا سيما المنشقين عن الجيش، لاقتحام هذه القواعد.

إحكام السيطرة على دمشق وحلب يقتضي إبقاء الطريق الدولي الرئيسي بينهما سالكا أمام حركة القوات النظامية. النظام يعاني من صعوبة بالغة في تأمين هذا الطريق (نحو 400 كيلومتر)، ولا سيما في مفصل حمص/ حماه. ولم تستطع قواته السيطرة تماما عليهما، على الرغم من «التطهير المذهبي» للقرى السنية في سهل الغاب المجاور، من خلال المجازر المروعة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية، ورديفتها ميليشيا النظام (الشبيحة) المنطلقة من القرى العلوية هناك.

في دمشق، استعادت القوات النظامية السيطرة على الأحياء والضواحي الشمالية (برزة. القابون. حي الأكراد). والشرقية (جوبر. حرستا. دوما). وارتكبت الشبيحة مجازر متعددة ضد السكان المدنيين. في جنوب دمشق، عاد الهدوء النسبي إلى حي الميدان الضخم. لكن الاشتباكات ما زالت مستمرة في أحياء البؤس المجاورة (التضامن. القدم. نهر عيشة. الحجر الأسود. مخيم اليرموك أضخم المخيمات الفلسطينية في سوريا).

الاعتقاد السائد هو أن أغلبية المسلحين المتسللين إلى جنوب دمشق أتت من سهل حوران (درعا)، وبينهم مسلحون سلفيون أردنيون، بالإضافة إلى المسلحين المحليين. ولا تعني السيطرة على دمشق أن النظام حسم الوضع فيها. فالدمشقيون (الشوام) يتوقعون مسلسلا متواليا من التسلل لهز قبضة النظام على العاصمة. وهو يستخدم الصواريخ والمدفعية المنصوبة على أعلى جبل قاسيون لقصف الأحياء المتمردة.

انفرجت الأزمة التموينية في العاصمة. خف التزاحم على الأفران ومحطات البنزين. فرت قطاعات من البورجوازية الدمشقية إلى لبنان، وسبقتها إليه مدخراتها ورساميلها المالية، ظنا بأن لبنان أكثر أمنا وأمانا من سوريا. أما الأسر العلوية فقد فرت من «مستوطناتها» في أطراف العاصمة، إلى مسقط رأسها في الجبال المطلة على الساحل السوري، تاركة وراءها شبابها (الشبيحة)، وجنود الحرس الجمهوري، في قواعدها وثكناتها في قلب المدينة وضواحيها.

في إطار الاستراتيجية الجديدة، يحاول النظام استعادة مدينة حلب من التنظيمات المسلحة التي سيطرت على أطرافها وأحيائها الشعبية، وصولا إلى قلبها. ولأنه لم يعد يملك قوة احتياطية كافية في الشمال، فقد زج في معركة حلب، بآخر ما تبقى له من القوات المدرعة المنسحبة من الأرياف الشرقية والغربية.

كان الانسحاب من محافظة إدلب (غرب حلب) تاما، الأمر الذي مكن الجيش الحر هناك من الإيقاع بالمنسحبين. فدمرت دبابات. وأسر جنود. وضباط. وشبيحة. بل اتجهت فصائل مسلحة من إدلب إلى حلب، للمشاركة في معركتها الفاصلة.

معنويات الثوار في حلب عالية، على الرغم من النقص في الذخيرة والعتاد. يتراوح عدد الفصائل المقاتلة بين ثلاثة آلاف، إلى خمسة آلاف مقاتل. ويتوقع أن يرتفع العدد إلى عشرة آلاف مقاتل، إذا ما طالت المعركة أسابيع. ولعل قسوة المعركة تجبر هذه الفصائل على الالتحام والتنسيق بينها.

المعركة بدأت، عمليا، صباح السبت الماضي، بعد قصف جوي استمر نحو أسبوع بالمروحيات والطيران النفاث. لكن محاولة القوات النظامية، في هجمتها الأولى، استعادة حي صلاح الدين الثائر (غرب المدينة) أخفقت.

هذا هو مجمل الوضع الميداني. على المستوى السياسي، أكتفي بالقول، إن معركة حلب ستقرر مصير دمشق. فمعركتها محتمة، إذا تمكن الثوار من الاحتفاظ بحلب. إذا استعادت قوات النظام حلب، فآمل أن أكون مخطئا، في تحميل تركيا التي تدير المعركة من خلف الحدود، مسؤولية الخسارة الفادحة. فقد شجعت ودفعت إلى المدينة بأعداد غير كافية من الثوار، للصمود أسابيع طويلة في مدينة محاصرة.

تركيا، في الواقع، تخوض معركة سوريا بالكلام. لا بالسلاح. نعم، ساعدت في تحرير ريف حلب. لكنها مع قطر والولايات المتحدة ما زالت مترددة في تسليح الثوار. السبب التأخر في فرز فصائل الثورة، لتجنب خطر تسليح الفصائل الجهادية (القاعدة).

يخوض الثوار السوريون معركة حلب وحدهم. وهم يعلمون أن العالم قد تخلى عنهم. لا تركيا. ولا أميركا. ولا أوروبا، ستدخل في هذه المرحلة «الأولمبية». حتى أردوغان ذهب إلى لندن. واكتفى بالصلاة والدعاء هناك، لثوار حلب بالنصر.

موقف الجامعة العربية ليس بحال أحسن من تركيا. سحبت الجامعة التفويض العربي من المبعوث الدولي كوفي أنان. لكنها ما زالت تتفاهم معه بلغة بوتين الروسية! فقد دعت إلى تشكيل حكومة انتقالية من معارضة الداخل. والخارج. والجيش الحر… ومع من أيضا؟ آه. مع «نظام الأمر الواقع». مع نظام بشار!

مع ذلك، تحفظت الجزائر. العراق. لبنان، على قرارات الجامعة، بحجة أنها تتدخل في شؤون سوريا الداخلية. وتمس بكرامة الرئيس الجزار، بدعوته إلى التنحي. لا عتب على «ملا» العراق نوري المالكي. ولا على «الملا» عدنان منصور وزير خارجية «آية الله» نجيب ميقاتي. إنما العتب على بوتفليقة. ينسى الرئيس الجزائري أن ملايين السوريين الفقراء تبرعوا بنقودهم. بمدخراتهم. بحليهم، للثورة الجزائرية، لتعيش الجزائر عربية. حرة. مستقلة.

لا أطالب سي بوتفليقة بأن يتبرع لملايين السوريين الفقراء الثائرين. إنما، على الأقل، أن يرد الجميل للخليجيين المنتصرين لأشقائهم السوريين. فقد آواه الخليجيون وأكرموه، عندما تقطعت به السبل في صحراء السياسة.

الشرق الأوسط

السبت

استقالة أنان ومصير «ستالينغراد – حلب»: نقلات نوعيّة وفاصلة

عادل مالك *

جاءت استقالة كوفي أنان المفاجئة من مهمّته كوسيط عربي – أممي في الأزمة السورية لتؤكد من جديد فشل جميع الحلول الهادفة إلى وقف العنف المدمّر والانتقال إلى «مرحلة الحل السياسي». وعلى رغم أن بان كي مون سيلجأ إلى تعيين بديل عن أنان فإن الأمر المشكوك به هو تحقيق أي اختراق للأزمة التي انتقلت مع معركة حلب الفاصلة إلى واقع أكثر حسماً من ذي قبل. للمرة الأولى منذ اندلاع شرارة الثورة في سورية، وبعد ما يقرب من سبعة عشر شهراً بدأ بعض العناوين يحمل نوعاً من التوصيف المحدّد لما يجري ولما يمكن أن يحمله الآتي من الأسابيع والشهور. وعلى سبيل المثال لا الحصر اعتراف الرئيس بشّار الأسد بأن المعارك الشرسة التي تشهدها مدينة حلب «سوف تقرّر مصير الشعب السوري والأمّة». وهذا يعني بوضوح أن ما ستنتهي إليه المواجهات المدمّرة في مدينة حلب ستكون له الغلبة ضمن إطار ما يُطلق عليه «الحل الأمني».

واستناداً إلى المعلومات المتوافرة على الصعيدين اللوجيستي والميداني في العاصمة الاقتصادية السورية والمهمة، فإن المواجهات القائمة ستنتهي ببعض الحسم وإلى أين يتجه مسار الثورة في سورية؟

نظراً إلى شراسة وحدّة المواجهات بين جيش النظام وجيش الثورة يمكن أن نطلق على ما يجري بـ «ستالينغراد – حلب». وإذا ما عدنا إلى بدايات الانتفاضة في سورية ونتذكر التوصيفات التي أطلقت على ما جرى وما يجري نعثر على الآتي:

وزير خارجية تركيا ومنظّر «الأردوغانيّة» أحمد داود أوغلو تخوّف من «لبننة» الوضع في سورية.

وزير خارجية بريطانيا وليم هيغ يتوقّع «بلقنة» الوضع فيها.

إلى آخر التوصيفات الواردة في اللائحة. ولكن تعدّدت التسميات والتوصيفات والنتائج واحدة وهي تلتقي كلّها عند اقتراب سورية والمنطقة من مرحلة التفتيت.

وبهذا التطوّر يكون مخطط «تقسيم المقسّم، وتجزئة المجزأ» قد بلغ مرحلة متقدمة جداً. فيما «الفيتوات» الروسية والصينية بالجملة تقبض على الجانب الدولي من الأزمة السورية، وبات مستحيلاً التوصل إلى أي تسوية من دون الأخذ في الاعتبار «مصالح الشرق والغرب معاً».

لماذا التركيز على مواجهات حلب؟

لأكثر من سبب فهي ثاني أكبر مدينة في سورية ويتطلع الثوّار إلى إحداث عملية اختراق نوعية بالسيطرة على منافذ الدخول والخروج من وإلى حلب.

على أن النقطة المحورية في ما يجري هذه الأيام تكمن في السعي إلى سيطرة «الجيش السوري الحرّ» على خلق محطة عبور مفتوحة بين سورية ككل وتركيا، الأمر الذي يسهّل بدوره، في حال إنجازه، عملية ترابط سورية – تركية.

هل نحن في مرحلة بداية النهاية للحرب المستعرة في سورية؟

رداً على التساؤل: إن جرعة التفاؤل المتوافرة لا تكفي باعتبار ما تشهده سورية أوشك على النهاية، بل على العكس من المتوقع أن تشتد عوامل الضغوط العسكرية المتبادلة بين الطرفين أملاً بالحصول على «حصّة» عندما يحين الموعد المنتظر والذي لا يملك أحد مفاتيحه. وفي خضم الأحداث الجارية ارتفعت نغمة «الأسلحة الكيماوية» حيث يسود اعتقاد لدى الدوائر الغربية الأميركية منها والأوروبية أن سورية تملك هذا النوع من الأسلحة وأن الخشية تراود واشنطن وباريس وعواصم أخرى من احتمال انتقال هذا النوع من السلاح إلى عناصر خارجة عن إرادة وإدارة النظام في سورية. وتردد في هذا المجال أن خططاً تمّ تنفيذها وقضت بنقل الأسلحة الكيماوية إلى خارج الحدود السورية وإلى «حزب الله» تحديداً.

وهذا هو عامل «توازن الردع» أو «توازن الرعب» كما أطلق عليها السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير ليل الأربعاء – الخميس.

وفي سياق ربط تطوّرات المنطقة بعضها ببعض جرى ربط تلقائي بين الأسلحة الكيماوية والملف النووي الإيراني. وتلازم ذلك مع تطوّر لافت يتصل باحتمال لجوء الإدارة الأميركية إلى قرار من خارج إطار مجلس الأمن، طالما أن الفيتو الروسي هو الذي يقف حجرة عثرة دون استصدار أي قرار من مجلس الأمن.

وما أشبه اليوم بالبارحة. كلّنا يذكر سيناريو الغزو الأميركي – الغربي العراق تحت شعار امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل. وكيف قفزت الولايات المتحدة في عهد الرئيس جورج دبليو بوش (إياه) فوق رأي المجتمع الدولي وقامت بعملية الغزو المعروفة… والنتائج التي انتهت إليها، وكيف انسحبت القوّات الأميركية تاركة العراق بلداً مقطّع الأوصال.

هل من مجال لتكرار السيناريو العراقي في سورية؟ يصعب كثيراً التصوّر بأن الولايات المتحدة يمكن أن تُفكر بالقيام بعمل عسكري ضد سورية لإخضاع نظام الأسد بخاصة أن باراك أوباما يصارع هذه الأيام لمعركة تجديد رئاسته لأربع سنوات جديدة. ومن غير المعقول أن يتورط عسكرياً سواء في سورية أو في إيران كما يشيّع بقايا «المحافظين الجدد».

في الشهر الثالث من الأزمة السورية كتبنا عبر هذا المنبر بالذات ما يأتي: «إن أمام سورية الخيارات الآتية: الاتجاه نحو حرب استنزاف، أو الجنوح نحو حرب أهلية، وإلّا أبغض الحلال التقسيم». فإذا بالتطورات تفضي إلى سقوط سورية في كل هذه الأنواع من الحروب دفعة واحدة.

على أن انهماك المنطقة والعالم بما يجري في سورية لا يعني حصر أخطار ما يجري فيها على الداخل السوري بل على عدد من دول الجوار وفي الطليعة لبنان والأردن.

وإذا كان لبنان طرح شعار «النأي بالنفس» فهذا لا يكفي لتجنيبه أخطار البركان السوري وحممه المتطايرة في غير اتجاه. وهذا ما يحتّم على كل اللبنانيين من دون أي استثناء إدراك أخطار الإعصار السوري المدمّر والارتقاء في الممارسات الوطنيّة إلى مستوى ما يجري. ومن المفارقات التي أظهرها اندلاع النيران السورية ملاحظة ما يأتي:

عند قيام حرب العراق كانت الحدود السورية – العراقية نقطة عبور للمقاتلين من سورية إلى العراق. ومعروفة تلك القصة حول ما دار بين الرئيس بشار الأسد، ووزير خارجية الولايات المتحدة كولين باول. وفي هذا اللقاء حاول باول أن يمارس الضغوط المختلفة على سورية وضرورة ضبط الحدود مع العراق، وعدم السماح لـ «الإرهابيين» العابرين من سورية إلى العراق.

وكان رد الأسد على باول: بينكم وبين المكسيك حدود مترامية الأطراف، فهل تمكّنتم من ضبط التنقل عبر هذه الحدود من مهربي المخدرات وغير ذلك من الممنوعات؟ والآن يجري العكس: هناك «هجرة» معاكسة من «الإرهابيين» من العراق باتجاه سورية للانضمام إلى الجيش السوري الحرّ والعمل على تقريب أجل نظام الأسد.

ومفارقة أخرى: خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز من عام 2006 شهدت في المناطق اللبنانية على اختلافها هجرة شعبيّة جماعيّة اتقاءً من القصف الإسرائيلي المجنون. وتوجّه الكثير من اللبنانيين المقتدرين إلى دمشق فرفعوا نسبة الإشغال في الفنادق والشقق، والآن تحدث الهجرة المعاكسة، هجرة السوريين من دمشق وغيرها، إلى سائر المناطق اللبنانية. ويثير تزايد أعداد اللاجئين عبر الحدود الشرعية وغير الشرعية مخاوف لدى السلطات اللبنانيّة من أن تتحوّل كثافة الرعايا السوريين الهاربين من جحيم المعارك في سورية، إلى أزمة لاجئين جديدة، قد تتحوّل في ما بعد إلى إقامة المزيد من المخيّمات على غرار المخيّمات الفلسطينية.

وبعد… كل الذين راهنوا على أن نظام بشار الأسد سيسقط في وقت مبكر بعد اندلاع الثورة، أكّدت التطوّرات أنهم كانوا على خطأ. لذا، يتطلب الوضع الحالي إجراء مراجعة عميقة وشاملة لتصحيح «مسار الثورة»، وهذا الأمر ينطبق على الدول المجاورة لموقع الحدث، وهذا ينطبق على القوى الكبرى لذا، يحتّم الوضع السوري المأزوم على القوى المتدخلة والمتداخلة فيها إجراء عملية تقويم لكل ما جرى حتى الآن وما هي الرؤى المستقبلية للأزمة القائمة، وكيفية التفاهم على منطق الأمور عبر التوافق على تقاطع النفوذ والمصالح.

أكّدت التطوّرات أن النظام لم يتمكّن بعد من حسم هذه الثورة التي قامت بوجهه، وفي المقابل لم تتمكن قوى المعارضة من فرض سيطرتها.

* إعلامي لبناني

الحياة

السبت

سقوط حلب يمهد لاندلاع حرب اقليمية!

سليم نصار *

للمرة الاولى يتحدث الرئيس بشار الاسد عن معركة حلب، وأهميتها في رسم مستقبل البلاد، مطالباً الجيش النظامي بالصمود والدفاع عن ريفها وشوارعها.

وقد تزامن اعلان هذا الموقف السياسي مع الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير الخارجية وليد المعلم لطهران، بحجة اطلاع الرئيس احمدي نجاد على خطورة الوضع العسكري في حلب. ومع ان تفاصيل محادثاتهما بقيت طي الكتمان، إلا ان اعلان الوزير السوري عن دحر كل «القوى الكونية»، يشير الى طلب النجدة من حليف اقرب اليه من روسيا والصين.

ويبدو ان المعلم استخدم وصفاً جديداً لتضخيم الدور الذي تقوم به تركيا لعل ايران تزيد من مساعداتها وتدخلها بهدف منع سيطرة المعارضة. لذلك قال في مؤتمره الصحافي ان بلاده لا تحارب «الارهابيين» فقط، بل «قوى كونية» مساندة. وكان بهذا الوصف الشامل يشير الى جنسيات المتطوعين من امثال نشطاء «القاعدة»، اضافة الى مناصرين قدموا من الشيشان والسويد وفرنسا والجزائر والاردن، تحت شعار «كتيبة المجاهدين الموحدة».

وقد استخدمت الصحف الاجنبية ظاهرة تدفق المتطوعين للتذكير بمغامرات المتسللين الذين اغرقوا العراق بالدم. وكانت سورية في حينه تؤمّن لهم فرص العبور من اراضيها.

يقول المراقبون ان ايران مترددة في اقحام نفسها في شكل سافر في حرب قد تستغلها الولايات المتحدة وإسرائيل لتسديد ضربة الى منشآتها النووية. اضافة الى هذا المعطى، فإن ادخال قواتها عبر العراق الذي تهيمن عليه، قد يضيف الى الازمة بعداً مذهبياً تستغله تركيا لاستقطاب السنّة مقابل تدخل شيعة ايران.

من اجل تخفيف اعباء الضغوط التي تمارسها تركيا على سورية، قامت دمشق بخطوة غير متوقعة عندما وضعت خمس مدن في شمال البلاد في عهدة حزب العمال الكردستاني. ثم اعلنت ان فرعه السوري الذي ينشط تحت اسم «حزب الاتحاد الديموقراطي» هو الذي سيتولى مسؤولية ادارة المدن الخمس. وبما ان انقرة تعتبر جماعة عبدالله اوجلان قوى متمردة على سلطتها، فقد هدد رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان باستخدام حقه في ملاحقة المتمردين الاكراد داخل الاراضي السورية.

والثابت ان هذه العملية اقلقت اردوغان كثيراً بدليل انه ارسل وزير خارجيته احمد داود اوغلو الى اربيل للقاء رئيس الاقليم مسعود بارزاني، والاتفاق معه على معارضة الخطوة السورية. ثم امر بإجراء مناورة في منطقة لا تبعد اكثر من كيلومترين عن الحدود السورية، الامر الذي اعتبره المراقبون رسالة استفزاز لحكومة دمشق.

وتقول وكالة الاناضول للأنباء ان انقرة بدأت المناورة بخمس وعشرين دبابة، وأن قيادة الجيش التي همشها اردوغان عادت لتظهر في صورة الاحداث.

يتذكر اللبنانيون ان الغزو الاسرائيلي صيف 1982 ساعد سورية على التقرب من زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبدالله اوجلان بهدف اشعال الجبهة مع تركيا. وهكذا منحت دمشق اوجلان ومقاتليه حرية التحرك في كل مكان. وبناء على تلك الامتيازات، تجاهلت الحكومات اللبنانية معسكرات تدريب خمسة آلاف كردي في سهل البقاع. وقد جنى النظام السوري من نشاط جماعة اوجلان الشيء الكثير لجهة استنزاف تركيا على مختلف الصعد.

ومثلما يقود التوتر القائم حالياً بين سورية وتركيا الى مواجهة عسكرية محتملة… كذلك كاد دعم دمشق للكردستاني في خريف 1998 يتسبب في اندلاع الحرب. لكن تدخل حسني مبارك وتوسطه السريع نفّسا الاحتقان ومنعا انفجار الازمة. ونتج من تلك الوساطة توقيع «اتفاقية اضنة الامنية» التي تعهد بموجبها الرئيس الراحل حافظ الاسد بإخراج اوجلان من سورية (10 – 10 – 1998) وبناء على تعهد حافظ الاسد طرد عبدالله اوجلان من سورية، وراح يتنقل بين موسكو وأثينا وروما، قبل ان يتم اختطافه في نيروبي ويودع السجن في تركيا.

وقد حافظ الوريث بشار الاسد على تطبيق اتفاقية اضنه بما يرضي صديقه السابق اردوغان، فإذا به يسلم مئة من عناصر الكردستاني الى السلطات التركية. كما طلب من الاكراد الانضواء تحت شعار جديد سمّاه «حزب الاتحاد الديموقراطي». وهو الحزب الذي كلفه الاسد ادارة المدن الخمس التي تفصل بلاده عن تركيا. كل هذا، بسبب تأييد حكومة اردوغان للمعارضة السورية، وتبنيها كل الطروحات المناقضة لحلول التهدئة والوفاق.

اردوغان من جهته دافع عن موقفه بالقول انه لا يعتبر ما يجري عند جارته شأناً داخلياً سورياً، الامر الذي يمنعه من الوقوف موقف المتفرج ازاء حمام الدم الذي يجري على حدوده الجنوبية.

وقال ان اتهامه بالاستعداد للحرب ضد النظام السوري، لا اساس له من الصحة، بدليل ان الاحداث وفرت له فرص التحرش والاستفزاز. ولو انه يسعى الى الصدام لاستخدم حادثة اسقاط الطائرة الحربية لشن حملة عسكرية.

وقد توقف اردوغان مراراً امام التصريح الذي ادلى به الاسد لصحيفة «جمهورييت»، واتهامه بأنه سنّي مذهبي! وتصدى لهذه التهمة بكشف سلسلة مواقف مناقضة كاعترافه بأنه تدخل شخصياً مع جورج بوش لمنعه من اطاحة نظام الاسد عام 2005… وأن انقرة اغضبت الولايات المتحدة واسرائيل لأنها أيدت «حزب الله» الشيعي في حرب 2006 ثم ذهب في دفاعه عن هذه التهمة الى ابعد من ذلك يوم جاهر بحق ايران في تخصيب اليورانيوم للاغراض السلمية.

ويستدل من مجمل التحركات، ان المعركة في حلب قد انتقلت الى مستوى الحسم، على نحو يهدد بتوريط المنطقة في حرب شاملة. خصوصاً بعدما قررت الادارة الاميركية السماح بتمويل المعارضة. ورأى الوزير الروسي لافروف في هذه الخطوة اعترافاً غير رسمي بشرعية المعارضة باعتبارها البديل المستقبلي للنظام القائم. كما رأى في عملية التمويل مزيداً من تدفق الاسلحة، لأن التمويل لا يحدد هدف المساعدات التي تمنحها اميركا عادة لأنظمة قائمة. ويتردد في واشنطن ان توقيت الاعلان عن التمويل، تزامن مع اشتداد حدة المعارك في حلب، العاصمة الاقتصادية لسورية.

وكتب عدد من المراسلين ان المدينة الثانية تتعرض منذ عشرة ايام لمذبحة جماعية بسبب قصف الأحياء السكنية بالمدفعية وصواريخ المروحيات. وربما كان الدافع الى تسخين جبهة حلب، سقوط حي صلاح الدين، وتدفق المتطوعين الى أحياء اخرى. ويبدو ان الاهمية الاستراتيجية التي اولاها بشار الاسد لهذه المدينة، قد اعطت قوات الجيش حافزاً اضافياً لزرع الخوف ومنع وصول المساعدات للمعارضة من مناطق مجاورة.

ازاء المعارك التي وصفت بأنها «ام كل المعارك»، وبأنها المعركة الاهم في الحرب ضد نظام بشار الاسد، قال الوزير الروسي سرغي لافروف: «من غير المنطقي ان يسمح الجيش السوري للثوار بالسيطرة على مدينة مهمة بهذا القدر…» والسبب، في رأي قادة النظام، ان الطريق الطويل الممتد من حلب الى دمشق، تصبح تحت إمرة المعارضة المسيطرة على جزء كبير من اطراف البلاد، سيطرتها على درعا وحمص وحماه وإدلب ودير الزور والقامشلي. كذلك نجح رجال «القاعدة» في السيطرة على معابر الحدود الى تركيا والعراق.

قادة سورية يخيفون الغرب بالتلويح ان البديل – في حال سقط النظام – لن يكون ممثلاً بالمعارضة، بل بمنظمات جهادية تصغر «القاعدة» امام طموحاتها. وفي التقارير ما يشير الى عشرات الجهاديين الذين جاءوا من الكويت للمشاركة في القتال. ويشكل هذا التطور تهديداً خطيراً للنظام، وللمعارضة الممثلة بالجيش السوري الحر. ويشاع ان هناك عشر منظمات تتبنى ايديولوجيات مختلفة، قد نفذت عمليات في مناطق القتال.

خلال اجتماع اردوغان في لندن مع ديفيد كامرون، ابلغه ان سورية كدولة بدأت تتفكك، وان هناك اكثر من 18 الف نسمة قتلوا منذ آذار (مارس) 2011. ووفق تقديراته، فإن هناك اكثر من ربع مليون لاجئ غادروا باتجاه تركيا ولبنان والاردن والجزائر وكردستان ودول اخرى. اما عدد الفارين من الجيش فقد تجاوز 15 ألف ضابط وجندي.

وعلى رغم الدعم الروسي – الصيني – الايراني، فإن تركيا تستعد لإقامة حزام امني يقيها نتائج التداعيات التي تهدد استقرارها في حال انتصرت المعارضة وتدفقت فلول المعارضين. وعليه يتوقع المراقبون دخول قوات ايرانية عبر العراق بهدف حماية دمشق من الحصار والفوضى والاضطرابات. وربما قامت هذه القوات بإخفاء الترسانة الكيماوية التي تملكها الحكومة السورية خوفاً من وقوعها في ايدي رجال المعارضة.

وكانت مجلة «دير شبيغل» قد ذكرت – استناداً الى معلومات استخبارات غربية – ان الحكومة السورية وضعت مستودعات الاسلحة الكيماوية في عهدة موالين للنظام، وأنها نقلتها الى قاعدة السفير العسكرية الواقعة على مسافة عشرين كيلومتراً من مدينة حلب.

رئيس وزراء اسرائيل نتانياهو ووزير الدفاع باراك، اعلنا الاسبوع الماضي ان اسرائيل ستضطر الى مهاجمة مخزونات السلاح الكيماوي لدى سورية، خوفاً من نقلها الى «حزب الله». ومعنى هذا ان الارض السورية ستتحول الى ساحة مشرعة لكل دول المنطقة، تماماً كما كانت اسبانيا عام 1939 عندما حولتها الحرب الاهلية الى بؤرة نزاع للشيوعية والفاشية وتيارات سياسية اخرى.

وخوفاً من الوصول الى هذا المأزق، حمل الرئيس الروسي بوتين معه الى رئيس وزراء بريطانيا بعض المقترحات المتعلقة بتسوية مرضية ربما توفر عليه وعلى حليفه الرئيس الاسد عواقب نزاع عسكري لن يسلم كلاهما من تحدياته. خصوصاً ان ديفيد كاميرون يقوم حالياً بدور ساعي البريد مع الرئيس باراك اوباما، وأن مقترحات بوتين ربما شكلت بارقة امل داخل النفق المظلم، خصوصاً بعد استقالة كوفي انان.

بقي ان نذكر ان الرئيس الروسي الذي يتقن فنون لعبة الجودو منذ كان مندوباً للاستخبارات السوفياتية في برلين، ادعى انه جاء ليتفرج على المتبارين في هذه اللعبة. وقد فاته ان يرى بالطبع الأداء الذي قدمته لاعبة الجودو اللبنانية كارن شماس، التي قدمت من اميون لتؤكد ان المنافسة الرياضية لا تخضع لقواعد الخلافات السياسية!

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

وما أدراك ما حلب؟

حسين شبكشي

تتوجه أنظار العالم المتابع لتداعيات الثورة السورية إلى مدينة حلب؛ لأنها أكبر المدن السورية وقلب البلاد الاقتصادي.. أصبحت خارج منظومة الحكم، وباتت بشكل أو بآخر وأكثر من 70 في المائة من أحيائها في قبضة الجيش السوري الحر، فهو الذي يدير المخابز والمستشفيات والمرور والدفاع المدني والإسعاف، واحتل مراكز الشرطة والمخابرات.

حلب بقيامها بهذا الشكل تسببت في صدمة هائلة للنظام السوري، فهو كان «ضامنا» ومتأكدا من ولاء حلب التام، سواء بمشايخها في المساجد المرتبطين بشكل مباشر بمفتي الجمهورية، أو بتجارها وصناعها الذين كانوا ينالون من المزايا ما لا يناله غيرهم، ومجموعة «محسوبة» من العشائر كانوا على علاقة قوية بالمخابرات وأجهزة الأمن، وكانوا يتولون دعم الشبيحة وتوفيرهم حتى باتوا ضامنين لولاء حلب وأهلها «بالقوة» والترهيب.

وحلب نفسها كانت دوما مثالا للتعايش الاستثنائي، فهي خليط من كل الأعراق والأطياف والمذاهب. فيها جالية مسيحية مهمة جدا قيمة وعددا، وكذلك فيها جالية أرمنية مؤثرة ولافتة، مع عدم إغفال الجالية الكردية أو الإيطالية أو التركية.

حلب التي أفرزت نماذج لا تنسى من علماء الدين مثل عبد الرحمن الكواكبي، أهم من تحدث عن الظلم والاستبداد والطغيان، وعبد الله سراج الدين وعبد القادر عيسى، وغيرهم، مع عدم إغفال أسماء رنانة في عالم السياسة كان لها المجد والتأثير، مثل رشدي كيخيا، مؤسس حزب الشعب العريق، أو ناظم قدسي رئيس الجمهورية في قلب عهد سوريا الديمقراطي القصير، وسعد الله الجابري، السياسي الاستثنائي الوطني المخضرم الذي تسمى على اسمه الساحة الأهم في قلب حلب.

حلب لم تكتف بتقديم هذه العينات من الناس، ولكنها قدمت أهم رموز التجارة والصناعة والاقتصاد في سوريا لأسر مثل ميسر والعداس والجابري والمسلاتي وحمامي والزعيم وكيالي وغيرهم، بل إن حلب قدمت أيضا أسماء عظيمة في الفنون بكل أشكالها، فمن ينسى لؤي كيالي أهم فنان تشكيلي في تاريخ سوريا، أو صباح فخري المطرب السوري الأشهر، وميادة الحناوي الصوت السوري الأشهر، أو وليد إخلاصي أحد أهم روائيي سوريا، كلهم من أبناء حلب.

هذه هي المدينة العريقة صاحبة الطراز المعماري المميز والمطبخ ذائع الصيت. من هذه المدينة التي سميت حلب الشهباء؛ لأن نبي الله إبراهيم عليه السلام حلب بقرته الشهباء فيها، واحتوت بعد ذلك إحدى أهم القلاع في التاريخ الإسلامي، قلعة حلب، لتصبح اليوم حلب هي قلعة الثورة، وبمواجهتها لقوات الأسد بطائراتهم ودباباتهم وصواريخهم وعدم تمكينهم من دخول المدينة أبدا، كبدوا النظام خسارة نفسية ومعنوية بالغة الخطورة والأهمية.

النظام يدرك أن سقوط حلب في أيدي الثوار هو نهاية عملية لأي نوع من الجدل الذي يروج له من أنه يحكم سوريا، وأن ما يحدث فيها هو «حرب عصابات مسلحة»، والثوار يدركون تماما أن حلب هي الجائزة الكبرى، هي الجدار الأعظم الذي ستسقط عليه كل حجج وأكاذيب وأساطير ودجل نظام الأسد. وبالتالي هي ليست فقط أم المعارك، ولكنها «المعركة» نفسها. لم يتوقف القتال في سائر المدن بما فيها العاصمة دمشق، وكذلك في المدن الأخرى: درعا ودير الزور وحمص وحماه، ولكن التركيز يبقى على المدينة الأولى والكبرى، وخصوصا بعد نجاح الثوار في تأمين خط حدودي متصل مع الحدود التركية لتوصيل الأطعمة والأدوية والسلاح، سيعطي ذلك الأمر الثوار العزيمة والتشجيع والمدد اللازم لمواصلة المشوار، بل الانتصار الذي يبدو قريبا جدا.

الأتراك من جهتهم يعدون العدة على حدود سوريا بالعتاد والجنود لأجل ضربة استباقية ضد أي حراك كردي يجهز له السوريون والإيرانيون لتوسيع طموح الأكراد لتأسيس دولة لهم، وهي مسألة مستحيلة وخط أحمر بالنسبة للأتراك. مشهد حلب الأخير هو الذي سيكون مسمار النعش الأخير في نظام آن أوان الخلاص منه ودفنه. حلب قيل عنها قديما إنها بلد الطرب والكبب، ولكن من الممكن إضافة أنها بلد الأخذ بالثأر والكرامة.

الشرق الأوسط

الطريق الى حلب من القطيف الى الاناضول

محمد صادق الحسيني

وليد المعلم صاحب شعار ‘سنلغي اوروبا من خريطة العالم’ يصل الى طهران في زيارة مفاجئة وخاطفة وغاية في الاهمية وذلك للقاء اركان قادة بلد مسحوا من ذهنهم منذ ثلاثة وثلاثين عاما بلدا اسمه امريكا ليناقشوا احتمالات الحرب والسلام على بوابات حلب التي بات من ينجح في اعادة الهدوء لها هو من سيمسك في زمام المبادرة لتشكيل نظام عالمي جديد كما يقول الروس والصينيون والايرانيون وكما يخوضها السوريون!

ثمة تحرك دؤوب في البحر كما في البر كما في الجو السري منه اكثر من المعلن يدور من حول بلاد الشام وايران هدفه محاولة لي ذراع محور المقاومة من البوابة السورية، ظنا منهم بانها البطن الرخوة في الجسم الممانع!

هو التحرك ذاته يقوم به الجانب المقاوم وشعاره لابد من اسقاط مثلث سفك الدماء الامريكي العثماني الجديد والبترودولار العربي الرجعي كما يسميه اهل هذا المحور، والتي باتت قدراتهم تصل الى خليج عدن وباب المندب على تخوم البحر الاحمر وهم الجاهزون والمستعدون للوصول الى مياه الاطلسي بانتظار صدور اشارة القيادة العامة للقوات المسلحة الايرانية كما يقول قادة الحرس الثوري والجيش الايراني تماما كما هي الحال فيما يخص خارطة طريق اغلاق مضيق هرمز ورسم معادلة ما بعد هرمز كما يطلقون عليها!

يتساءل عديدون اليوم ما الذي جرى في الساحة العربية والمسلمة حتى صار العديد من الحكومات الملكية فضلا عن الجمهورية القومية منها والاسلامية متحمسة الى اعلى درجات الحماس لحملات جمع التبرعات النقدية والتسليحية لجماعات معارضة لحكومة بلد عربي اختلفنا او اتفقنا معه، ويتم التمديد لتلك الحملات لايام واسابيع، فيما كانت نفس هذه الحكومات تمنع في يوم من الايام حتى الدعاء على مواطنيها لنصرة جنود الله من ابناء المقاومة الاسلامية والعربية ضد الكيان الصهيوني في حرب تموز من العام 2006 فضلا عن مشاركتها الفعالة في قطع كل المواد التموينية واللوجستية ومصادرة ما جمع من اموال نقدية في المطارات لابناء غزة ؟!

سؤال في الاجابة عليه تكمن اجوبة عديدة على كثير مما يحصل اليوم حول سورية وايران ولبنان وفلسطين ام القضايا التي يتم التآمر عليها من تحت الطاولة وعلى الطاولة، بل وعلى المكشوف وباسم الثورة العربية والاسلامية!

الا يذكرنا هذا بما جرى للعرب والمسلمين على مشارف وغداة وبعد الحرب العالمية الاولى وخديعة ‘الثورة العربية الكبرى’ ووعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو المشؤومين؟!

يقول متفائلون بمستقبل شعوب المنطقة بمن فيهم الشعب السوري العظيم ان مفاجآت كبرى في طريقها للوقوع ستغير عمليا من وجه المنطقة وجغرافيتها السياسية بما يجعل الصورة الحالية تنقلب تماما وبعض الخرائط المزيفة تزول وفي مقدمتها ‘اسرائيل’ وبعضها الذي ظل مشطوبا بقرار دولي مقيت تعود الى الضوء بقوة ارادة هذه الشعوب المنتفضة اي فلسطين!

بالمقابل يقول متشائمون بمستقبل الحكام العرب والعثمانية الجديدة التي تسللت للمنطقة العربية باسم الاسلام وفلسطين بان ثمة غيوما سوداء انكليزية وامريكية وفرنسية ومن جنسيات غربية كثيرة ومتعددة في سماء المنطقة تنذر بالشؤم عليها وتدفع لاحتمالات نشوب حروب طائفية وعرقية ومذهبية لا تبقي ولا تذر!

في هذه الاثناء لم يبق سر لم ينكشف حول نشاط الاستخبارات الاجنبية الصهيونية والامريكية منها بشكل خاص والغربية عموما والعربية بشكل شفاف وعلني وانطلاقا من حدود تركيا والاردن ولبنان والعراق، الا وبان وظهر على السطح ولسان حالها جميعا يقول لا بد من اسقاط نظام الرئيس بشار الاسد ايا تكن الاثمان والنتائج والتداعيات!

على الجانب الآخر لم يبق سر لم ينكشف ايضا حول موقف الداعمين لنظام الرئيس بشار الاسد من روس وصينيين وايرانيين ومقاومين لبنانيين وغير لبنانيين، وهم يقولون بصراحة وشفافية انه لا مكان في قاموسنا السياسي لشيء اسمه ما بعد الاسد في سورية!

هذا يعني ان معركة كسر عظم دولية وكونية تدور حاليا على وحول ابواب دمشق وحلب وسائر المدن السورية بين محورين باتا مكشوفين للعالم:

الاول يدور حول مقولة بقاء ‘اسرائيل’ عمليا شاء ان يقبل من هو بهذا المحور او ابى!

والثاني هو المحور الذي يدور حول فلسفة المقاومة وثقافتها ايضا ايا يكن التفسير الذي يقدمه المدافعون عن نظام الرئيس بشار الاسد مقبولا عند العامة من المجتمع السوري والعربي والدولي ام مرفوضا!

ولكن يبقى السؤال المحير يلاحق المتفائلين والمتشائمين ما الذي بقي من منظمتي الجامعة العربية ومنظمة التعاون الاسلامي، بعد هذا الانقسام الاقليمي والدولي العميق الحاصل الآن حول مستقبل واحدة من الدول الاساسية المؤسسة للمنظمتين ؟!

ثم هل بات من الجائز والمشروع من الآن فصاعدا ان ندفع بعربات مدفعيتنا وطائراتنا وصواريخنا وكل ما نملك من رؤوس اموال لتسليح وتمويل المنظمات المسلحة المعارضة لهذا النظام او ذاك ونساعدها في التسلل الى داخل المدن والارياف العربية والمسلمة لتهديمها على رؤوس اهلها بذريعة ان هذا النظام العربي او المسلم ديكتاتوريا او مستبدا او يغرد خارج سرب النظام الدولي الغالب والمتحكم بما يسمى بالمجتمع الدولي؟!

الامر الذي قد يزيد الامر تساؤلا واستغرابا هو ان هؤلاء المسلحين المعارضين – وهذا امر لم يعد سرا – باتوا اقلية بالمقارنة مع مئات اذا لم يكن آلاف ممن يسمون ‘بالجهاديين’ من عشرات البلدان العربية والغربية وهم الذين اقر الغرب واذعن ومعه الملكيات والجمهوريات العربية والمسلمة بانهم ليسوا سوى مجموعات ارهابية لابد من اجتثاثها وهم الذين لم ينفكوا من ملأ آذاننا بطنينها!

ثم الا يخاف او يقلق هؤلاء من اشتعال مناطق الذهب الاسود المحيطة بحكوماتهم والتي ينتفض اهلها مع كل صبح ومساء وهم يطالبون باوليات حقوق المواطنة من البحرين الى القطيف الى ‘الاراضي الشاسعة من تركيا الكردية والعلوية’، واذا ما قررت احدى الدول القوية والقادرة على الزج بكل ما تملك لانقاذ هؤلاء البشر المظلومين من حكامهم الطغاة لانها قررت الا تحبهم وتقطع المجاملات معهم ؟!

ومع ذلك كله يغلب جو المتفائلين على جو المتشائمين، وهم القائلون بان ما جرى من تحول في الوعي العربي والمسلم بشكل عام لم يبق للغرب مجالا ان ينتصر على تفاؤلهم وهو الذين باتوا مسلحين بالاضافة الى تفاؤلهم بقدرات عصرية وتقنية كبرى تستطيع ان تهزم مشاريع الغرب التفتيتية في اللحظة الاكثر عسرا سلما جاء ذلك او حربا !

القدس العربي

ثورة سوريا الكاشفة الفاضحة

 حمد الماجد

ثورة سوريا إذا انتصرت فلن تقلب موازين القوى في المنطقة أو تربك بعض التحالفات فحسب، بل هي في الحقيقة شرعت في هز بعض المفاهيم التي لو لامسها أحد أو حام حول حماها لصنف على أنه طائفي. فقبل اندلاع الثورة السورية، كان الذي يحذر من امتطاء إيران للتبشير الشيعي لتعزيز تمددها السياسي، أو يتحدث عن التوافق الطائفي بين نظام إيران ونظام سوريا – يعتبر في الحقيقة طائفيا أو في أقل الأحوال فيه لوثة طائفية، وقد كان هذا التحذير المبكر من خطورة هذه الاستراتيجية الإيرانية حكرا على التيارات السلفية التقليدية والسلفية المسيسة، وأما حركة الإخوان والتيارات الإسلامية المقاربة لمنهجها فكانت تتحاشى منازلة الاستراتيجية الإيرانية أو التصدي لها ناهيك بفضحها وتعريتها، صحيح أنها تتذمر من النفس الطائفي في الاستراتيجية الإيرانية، لكنها تمتنع عن المصادمة بسبب وجود تقاطعات في المصالح بين بعض أذرعها في الدول العربية وإيران التي عرفت من أين تؤكل كتف العالم السني.

وقد نجحت آلة الدعاية الإيرانية منذ اندلاع ثورة الخميني، ومعها دعاية حلفائها في المنطقة، في خداع الشعوب العربية والإسلامية، مرة تحت شعار الوحدة الإسلامية، ومرة باسم مقاومة إسرائيل، ومرة من خلال ابتزاز الدعم المادي، كما هو حاصل مع حركة حماس، التي ما إن اندلعت الثورة السورية حتى أحرق لهيبها المظلة المزيفة التي تجمعها بالثورة الإيرانية.

وحتى لو سكت قادة حماس عن الحديث عن التورط الإيراني الطائفي في سوريا، فقد كفتهم أذرع «الإخوان» في بقية الدول العربية عن الحديث الصريح في كشف المخطط الإيراني الذي عرته الثورة السورية، فمن تصريحات الشيخ القرضاوي المحذرة من انتشار التشيع في مصر، إلى موقف الشيخ الغنوشي المعترض على التبشير الشيعي في تونس وتأييده لتصريحات القرضاوي، إلى التحول الواضح في الخطاب الإسلامي الحركي الناقد لإيران ودعمها لنظام بشار، المدفوع بأجندة طائفية واضحة، وأما ذروة هذا التحول فكانت في التصريح المدوي للرئيس المصري محمد مرسي حين قال إن السعودية ترعى الإسلام السني ومصر عليها الحماية، ولا نحتاج إلى مزيد تأمل حتى نخلص إلى أن هذا التصريح موجه بالدرجة الأولى لإيران، التي لم تترك بلدا سنيا واحدا إلا ورعت نشاطها التبشيري فيه، فأحدثت خلخلة في الوحدة المذهبية لهذه الدول التي لا تعرف للتشيع وجودا، وشوهت تناغمه الذي كانت تتفاخر به.

وهذا الأزهر المتسامح، الذي وصل تسامحه درجة تدريسه المذهب الفقهي الجعفري بالتساوي مع المذاهب الفقهية السنية الأخرى، غيّر هو الآخر لهجة خطابه بعد إدراكه لخطورة الأخطبوط الإيراني الملوث بتصدير آيديولوجيته المذهبية، وأيد في خطوة لافتة إدراج مواد جديدة في الدستور المصري تحرم وتجرم سب الصحابة وأمهات المؤمنين، مما يدل على أن إيران بالغت في استغباء العالم السني ومؤسساته وعلمائه وحركاته، فانقلب السحر على الساحر وصارت تندب حظها وهي ترى تنامي الوعي بمخططاتها في نشر آيديولوجيتها.

أعود إلى التحول الاستراتيجي في موقف الحركات الإسلامية السياسية تجاه إيران ومخططاتها التي عرتها الثورة السورية، الذي يجب أن يرعى ويؤخذ بيده، خاصة أن هذه الحركات وصلت إلى قمة الهرم السياسي في كل من مصر وتونس. فإذا كنا نحذر من خطورة التقارب بين الحركات الإسلامية السياسية مع إيران وهي في المعارضة، فمن باب أولى أن توثق الدول العربية العلاقة معها وهي في السلطة، وخاصة السعودية.

دماء الشهداء السوريين الزكية عزيزة وغالية على نفوس العرب، والدمار الذي تسبب فيه نظام بشار الفاشي شديد، والتضحيات ضخمة، لكن المقابل كبير وكبير للغاية، فالثورة السورية هي الكاشفة لمخططات إيران الطائفية، الفاضحة لدعاواهم بمناصرة المظلومين، تماما مثل سورة التوبة التي سميت بالكاشفة الفاضحة، لأنها كشفت أساليب وألاعيب النفاق في العهد النبوي.

حلب.. أم المعارك

عمر كايد

بدأت رسميا معركة حلب، والتي ينظر إليها بأنها المعركة الفاصلة بين الجيشين السوري والحر، والتي تشرف عليها بطريقة مباشرة أو تديرها عدد من أجهزة المخابرات العالمية والإقليمية.

بحسب المعلومات يحتشد الفريقان بكل عدتهم وعتادهم ليخوضوا معركة كسر العظام أو المعركة الحاسمة. مصادر ذكرت أن الكثير من عناصر الجيش الحر انسحبوا من دمشق وحمص وإدلب وتوجهوا إلى حلب. مصادر أخرى أفادت أيضا أن الأتراك زودوا أفراد الجيش الحر بصواريخ مضادة للدروع وصواريخ أرض جو فضلا عن بعض الأسلحة المتطورة.

في المقابل، لن يقبل النظام أن ينكسر في حلب، لما يعرف من تبعات هذه الهزيمة. وخصوصا فيما يتعلق من تحولها إلى بنغازي أخرى. وعليه، فإن الجيش دفع بالكثير من وحداته وعناصر النخبة للخوض في معركة شوارع.

المؤشرات تقول، إن معركة حلب ستكون هي الأشرس، وإن ما ستسفر عنه تلك الواقعة سيحدد مسار الصراع وهوية المنتصر ومستقبل الأزمة، وذلك للأسباب الآتية:

1- مدينة حلب هي الأكبر في سوريا من حيث المساحة، أما حلب وريفها أي المحافظة فتضم النسبة الأعلى من السكون إذ يبلغ عددهم أكثر من خمسة ملايين نسمة.

2- تعتبر مدينة حلب العاصمة الاقتصادية لسوريا، والرئة التي تتنفس منها البلاد. ويقال إن حلب تنتج 90% من الصناعة والمنتجات في سوريا، وعليها يقع العبئ الأكبر في التصدير. كما أن حلب كان لها الفضل في التصدي للحصار الاقتصادي الذي فرضته أنقرة خلال الأزمة. لقد استطاعت حلب أن تعوض ما كانت تستورده سوريا من تركيا، فأقبل الناس على المنتجات التقليدية الحلبية. كما أن إيران فتحت أسواقها لاستيراد كل ما يفيض عن حاجة الصناع والعمال. والهدف هو بقاء الاقتصاد قويا في سوريا، لكي تبقى الحياة الاقتصادية طبيعية، فلا يحدث تململا لدى الناس، ولا ينفض رجال الأعمال عن مدينتهم. لكن بسبب طول الأزمة انهار الاقتصاد وتراجعت العملة والتصنيف الائتماني، الأمر الذي دفع معظم رجال الأعمال إلى سحب أموالهم وإغلاق مصالحهم والسفر خارج البلاد، ودخول حلب بالتالي وبشكل قوي على خط الأزمة. وبما أن الاقتصاد هو عصب السياسة، فإن من يحسم معركة حلب، هو من سيحسم الصراع في سوريا.

3- معظم سكان حلب من الطائفة السنية، وتضم نسبة لا بأس بها من المسيحيين، أما العلويين فينتشرون في أحياء قليلة ومعظمهم نزحوا عن المدينة. وبما أن المعركة تحولت بشكل كبير إلى معركة مذهبية فإن الجيش الحر سيلقى احتضانا واسعا من قبل الأهالي، الأمر الذي يسهل عليهم القتال. في المقابل، سيجد النظام نفسه في موقع حرج، ربما يضطر إلى استخدام الطائرات، واعتماد سياسة الأرض المحروقة وهدم البيوت والأحياء على ساكنيها. أمام هذا المشهد، فإن التوقعات تشير إلى أن ما سيحصل في حلب من مجازر ومن عدد للضحايا ربما سيفوق كل ما سجلته الأحداث من قتل في سوريا منذ بدء الأزمة حتى الآن، خصوصا إذا ما وضعنا في عين الاعتبار أن كل هذه المواجهات ستكون بمنأى عن أي توثيق مرئي، فالصحفي الذي سيتجرأ الدخول في أتون هذه المعركة، سيصطلي بنارها على الأرجح.

4- وجود المقاتلين العرب والإسلاميين وتوافدهم بكثافة مؤخرا إلى هذه المدينة، سيزيد من ضراوة المعارك، لما لهؤلاء من خبرة معهودة في القتال، وصمود في الميدان.

5- كثير من المراقبين يتوقعون تدخلا عسكريا تركيا وشيكا، لا سيما إذا ما مالت الدفة لصالح النظام في حلب. وإن تصريحات أردوغان وكلينتون وما أوردته جريدة الواشنطن بشأن عدم استبعاد الخيار العسكري، تؤكد أن هذا الخيار بات مطروحا بقوة على طاولة البحث.

6- استيلاء الجيش الحر على مستودع للأسلحة وعثوره على أقنعة واقية من الغازات، يؤشر أن الجيش قد يعمد إلى استخدام بعض الأسلحة المحرمة دوليا.

 في الختام، المعركة العالمية بين القوى الكبرى تدور في حلب، التكاليف ستكون باهظة، والمعركة ربما ستطول، والاحتمالات مفتوحة على أي سيناريو. المنطقة تتشكل والنظام العالمي يتغير من حلب. الخاسر الوحيد هو سوريا والشعب السوري بغض النظر عمن سيفوز في المعركة، وربما هذا ما يريده الغرب للمحافظة على أمن إسرائيل. معركة من معارك التاريخ الحديث الحاسمة، سيقال عنها الكثير…. لننتظر ونراقب.

كاتب ومحلل سياسي

ايلاف

ملحمة حلب

جاسر عبد العزيز الجاسر

الجميع ينظر صوب مدينة حلب، السوريون والعرب والمجتمع الدولي وكل من يتدخل في الأزمة السورية، أصدقاء الشعب السوري، الدول العربية المجاورة والبعيدة، روسيا والصين وإيران التي أصبحت جزءاً من المشكلة، جميعهم يرقبون المعركة الدائرة في حلب منذ عشرة أيام، نظام بشار الأسد يعدها أم المعارك، والثوار من أبناء الجيش السوري الحر يعتبرونها واحدة من المعارك التي سيحدد مصيرها بقاء النظام السوري وحكم بشار الأسد.

الثوار من كتائب الجيش السوري الحر الذين يقاومون ببسالة الهجوم العنيف الذي تقوم به كتائب بشار الأسد القادمة من دمشق والذي تشارك فيه الطائرات المروحية والدبابات والمدفعية الثقيلة، إذ تذكر المعلومات أن أرتال الدبابات القادمة من دمشق يسعى النظام الحاكم إلى إدخالها إلى المعركة حيث تذكر المصادر أن قرابة مائة وخمسين دبابة توجهت إلى حلب فضلاً عن وجود دبابات سابقة حول المدينة. كما قامت الطائرات المروحية بالمشاركة في قصف أحياء المدينة التي تتعرض إلى نيران المدفعية الثقيلة، ومع هذا فالثوار الصامدون والمدينة تقاوم ببسالة حيث لا يزال الثوار يتمركزون في الأحياء الشمالية الغربية وبالتحديد في حي صلاح الدين في حين تتجمع قوات كتائب الأسد في حي الحمدانية وكلية المدفعية، وقد استطاع الثوار عرقلة إمدادات جيش النظام باعتراض أرتال الدبابات والمدرعات والآليات العسكرية على الطريق الرابط بين دمشق وحلب ونظراً لبعد المسافة بين المدينتين حيث يضخ النظام القوات التي يثق بضباطها وقادتها من الطائفة العلوية من المعسكرات المحيطة بدمشق وهو ما سيجعل دمشق هدفا قادما لعناصر الجيش السوري الحرب الذي يستدرج كتائب الأسد ويوزعها على الأطراف ثم يشن هجومه على العاصمة لإضعاف المركز «دمشق» وإذ ما استطاع الثوار إطالة معركة حلب ستنتهي بهزيمة كبيرة للنظام الذي سينهك قواته ويبعدها عن العاصمة، فيما يتواصل الثوار مع إمداداتهم وقواتهم لأن الجبهة الشمالية الغربية من حلب تتواصل مع امتدادات ومواقع الجيش السوري الحر في إدلب وفي منطقة الحدود مع تركيا.

البشائر تشير إلى بداية انهيار قوات الأسد وأن الجيش السوري الحر يعزز قوته وبقاءه في حلب بالصمود كل هذه المدة التي ستكون أحد أهم ملاحم البطولة للثوار السوريين.

الجزيرة السعودية

الأربعاء

حلب ليست أم المعارك

إيلي فواز

لن تكون حلب أم المعارك، كما توقع كثيرون. إنما عنوان لطبيعة المرحلة الأمنية التي تلجها  سوريا.  حرب استنزاف يقودها الجيش السوري الحر بإمكانيات متواضعة ضد قوات نظامية لا تتورع لحظة عن استعمال كل ترسانتها البرية والبحرية والجوية. والقلق، كل القلق أن يستعمل الأسد إمكاناته الكيميائية في حرب مرشحة أن تكون أكثر دموية مما هي عليه، كما فعل نصفه البعثي الآخر في حلبجة العراق.

نتيجة المعارك الدائرة في شوارع حلب لن تحسم الحرب لأيٍّ من الأطراف المتقاتلة. وانسحاب الجيش السوري الحر، إن حصل منها، لن يكون مثابة ضربة قاضية له، إنما انسحاب تكتيكي، إلى مناطق أخرى، واستدراج جيش بشار إلى معارك أخرى، تمهيداً لاستنزافه وإنهاكه أكثر فأكثر.

الأسد يحاول أن يعوض عن الضربة الأمنية القاسية التي تلقاها جراء تفجير الشام، ويحاول أن يظهر بمظهر من يسيطر على الوضع الميداني، بعد أن أدخل الجيش السوري الحر المعارك إلى قلب الشام، وسيطر بشكل مفاجئ على المعابر الحدودية، وبعد أن تتالت الانشقاقات العسكرية والديبلوماسية فصولاً.

وكل النقل الحي من أرض المعركة من على الشاشات الحليفة للأسد، التي تظهر جيشه مسيطراً على الوضع الميداني، إنما تصب في السياق نفسه: الأسد لم يسقط، ومعنوياته لم تترنح.

الأسد لم يسقط بعد، والسبب يعود إلى المواقف الدولية من الأزمة السورية. فروسيا تريد المحافظة على النظام، وإجراء عملية تجميلية له ليس إلا. وهي تعتقد أن التخلص من بشار الأسد قد يسلّف الثوار انتصاراً، ويمهد لاستلام شخصية مقربة منها الحكم، كمناف طلاس مثلاً. وبالتالي إنقاذ ما تبقى من النظام، ومنع الإسلاميين من تولي الحكم في الشام.

أما الولايات المتحدة، فلا تريد التدخل في سوريا. والحديث عن دخولها حمى الانتخابات الرئاسية، ليس سوى حجة إضافية لعدم رغبتها في اتخاذ موقف حاسم من الأحداث لحليف حرب الخليج السابق. الولايات المتحدة ببساطة، لا تملك استراتيجية سياسية واضحة لسوريا. فهي مجرد شاهد يعترض من وقت إلى آخر على مماراسات الأسد.

تحذر من مجازر قد يرتكبها. وتبرر نأيها عن الأزمة السورية، بتأكيدها على لسان بعض المسؤولين، أن الوضع في حلب مثلا ليس بخطورة ما كان عليه الوضع في بنغازي.

في ظل المعطيات الدولية الحالية، فإن الأزمة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية بفعل تقاعس الغرب عن مساعدة الثوار في قلب النظام، مرشحة الى الاستمرار بل أكثر. هي تتجه وبشكل متسارع إلى ما يخشاه الغرب: حرب طائفية، تفكك مؤسسات الدولة، استقطاب الواقع السوري القاعدة وأخواتها.

فطالما يرفض الغرب تزويد الثوار بسلاح نوعي، كالذي تبرعت به الولايات المتحدة للمجاهدين الأفغان على شكل صواريخ شتايغر المضادة للمروحيات، والتي غيرت وجه التاريخ الأفغاني.

وطالما يرفض اية مساعدة تكتيكية، كتأمين منطقة حظر جوي، أو منطقة عازلة يستطيع الثوار الانطلاق منها، سوريا قد تعيش سنين طويلة من حرب أهلية وسخة.

إن مجرد صمود الثورة في وجه ماكينة القتل السورية، لما يقارب العامين هو انتصار لها. وتضحياتها الكبيرة ستثمر. ولكن ليس بالسرعة التي يتمناها العالم.

وليس بالثمن الذي يريد تفاديه. إن مسؤولية الغرب في استمرار  الأزمة السورية كبيرة جداً.  فنهاية الأسد ستقررها صواريخ الشتايغر فقط.

الأربعاء

معركة حلب والمواجهة مع تركيا

خيرالله خيرالله

ثمة سؤال يفترض في اركان النظام السوري، او ما تبقى منهم طرحه:هل من افق للقمع؟ كيف يمكن للنظام متابعة إمساكه بسوريا بعد كلّ ما حصل في السنة ونصف السنة الماضية؟ ما الذي سيفعله النظام بحلب واهلها، على افتراض انه استطاع تدمير المدينة على رؤوس اهلها؟ ألم يتعلّم شيئا ان حماة عادت وانتفضت بعد ثلاثين عاما من تدمير جزء منها وقتل الآلاف من اهلها وتشريد عشرات آلاف العائلات؟.

ليس في استطاعة ايّ من اركان النظام الاجابة عن اي سؤال من هذا النوع. من كان يمتلك بعض الشجاعة والجرأة على مواجهة الواقع قرر التخلي عن النظام. هذا ما فعله العميد مناف طلاس وغيره من الضباط والمسؤولين مثل السفير في بغداد نوّاف الفارس.

يعرف شخصان مثل مناف طلاس ونوّاف الفارس كلّ شاردة وواردة عن النظام. ولم يكن خروجهما من سوريا، بالنسبة الى الاوّل، ومن النظام بالنسبة الى الثاني، سوى مؤشر على ان مرحلة انتهت وان ثمة حاجة الى تغيير جذري. انه تغيير يؤدي، في احسن الاحوال، الى مرحلة انتقالية. البديل من المرحلة الانتقالية حروب صغيرة او كبيرة ذات طابع مذهبي او مناطقي او حتى اقليمي معروف كيف تبدأ وليس معروفا كيف تنتهي. هذه الحروب بدأت بالفعل، لكنها ما زالت محصورة في الوقت الراهن في انتظار ما ستسفر عنه معركة حلب وما ستؤدي اليه المواجهة التي يفتعلها النظام السوري مع تركيا. يسعى النظام الى مواجهة مع تركيا عن طريق حزب العمّال الكردستاني الذي يتزعمه عبدالله اوجلان. انه اوجلان نفسه الذي سلمته السلطات السورية الى تركيا بطريقة غير مباشرة عندما أبعدته عن اراضيها في العام 1998.

شهدت الايام القليلة الماضية تطورين في غاية الخطورة. يتمثل التطور الاوّل في تفجير “خلية الازمة” في دمشق ومقتل قياديين امنيين على رأسهم هشام اختيار (او بختيار) وآصف شوكت. اما التطور الثاني فيتمثّل في حشد قوات في محيط حلب ومباشرة الهجوم عليها والسماح في الوقت ذاته للمقاتلين الاكراد بالعمل ضد تركيا انطلاقا من الاراضي السورية.

ماذا يعني ذلك؟

يعني التطوران ان النظام لا يمتلك اي مخيلة من اي نوع كان، وانه يظنّ ان في استطاعته ترويض المدن والمناطق السورية على غرار ما فعل الاسد الاب في العام 1982 مع حماة. اكثر من ذلك، يظن النظام ان هناك ورقة يستخدمها مع تركيا اسمها حزب العمال الكردستاني.

يرفض النظام السوري ان يتعلم شيئا من تجارب الماضي القريب. يعتقد الرئيس بشّار الاسد ان الشعب السوري يحبّه وان لديه مؤيدين ومناصرين ومحازبين في درعا ودوما ودمشق والزبداني وحمص والرستن والقصير وحماة وادلب ودير الزور وحتّى بانياس واللاذقية الخ… لم يستوعب في اي لحظة انه خسر كلّ شيء وانه لا يمتلك اصلا اي شرعية، وان كلّ ما كان يستطيع عمله هو الخروج من البلد او الانتقال الى القرداحة، في حال كان ذلك ممكنا، والتمتع بالثروة التي جمعتها العائلة.

المؤسف بعد الذي حصل انه لن يكون قادرا على التمتع لا بالسلطة ولا بالثروة، وان السوريين سيلاحقونه الى يوم القيامة بدعم من المجتمع الدولي. لم يعد لديه مكان يلجأ اليه سوى ايران وروسيا. وفي حال استمرّت الاوضاع في التدهور، قد لا يجد ملجأ في اي من هذين البلدين، خصوصا ان النظام الايراني آيل الى السقوط عاجلا ام آجلا. لا مكان لمثل هذا النوع من الانظمة التي تعتقد ان لديها دورا اقليميا تلعبه يفوق حجمها وإمكاناتها…

كان الاعتقاد السائد بعد الذي حصل في لبنان بين العامين 2004 و2005، اي بعد التمديد للرئيس اميل لحود واغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه ثم خروج القوات السورية من الاراضي اللبنانية، ان بشّار الاسد جديد في السياسة ولا يعرف الكثيرعن لبنان واللبنانيين وان ثقافته لا تتجاوز ما يروى له عن ان لبنان بلد “هشّ” وذلك من اجل ارضاء غروره. لم يستطع التعاطي سوى مع اسوأ انواع اللبنانيين. ولذلك عجز عن فهم طبيعة الوطن الصغير وتركيبته الفريدة والمتنوعة، بحسناتها وسيئاتها. يتبيّن كلّ يوم ان هذه التركيبة اقوى بكثير من التركيبة السورية، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار ما تعرّض له لبنان منذ قرر العرب ان يكون الجبهة الوحيدة المفتوحة مع اسرائيل!…

بعد اندلاع الثورة في سوريا، تبيّن انه لا يعرف شيئا عن بلده وعن مواطنيه ايضا. ظنّ بكل بساطة ان في امكانه ان يكرر مع المدن ما فعله والده في حماة قبل ثلاثين عاما. لم يتخيّل يوما انه كان عليه التخلي عن السلطة بعد شهرين او ثلاثة اشهر من بدء الاحداث وظهور مدى عمق الرفض الشعبي له وللنظام.

الجديد الآن انه يبحث عن مشكل كبير مع تركيا التي مارست سياسة ضبط النفس الى ابعد حدود منذ بدء الثورة السورية. يمكن لتركيا قبول امور كثيرة، لكنها لا يمكن ان تقبل لعب ورقة حزب العمال الكردستاني. مثل هذا التطور في غاية الخطورة وقد سبق للنظام السوري ان لعب هذه الورقة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي وانتهى به الامر الى الاستسلام امام الاتراك وتسليم اوجلان والاعتراف بأن لواء الاسكندرون لم يعد “اللواء السليب”.

يشير التصعيد مع تركيا الذي يترافق مع الحملة على حلب الى نهاية مرحلة في سوريا. ما الثمن الذي ستحصل عليه انقرة يوم صدور الاعلان الرسمي عن نهاية النظام؟ هل يمكن ان تكتفي بالتفرّج على ما سيدور في سوريا؟

المستقبل

الخميس

سورية وإيران: من معركة حلب إلى الحرب ضد «المؤامرة الكونية»

عبدالوهاب بدرخان

اختار كوفي انان لحظة دوي المدافع في حلب ليُسمِع صوته قائلاً إنه كان «كبش فداء» للدول الكبرى التي عهدت اليه بمهمة لا تريد لها النجاح أصلاً. لعله ظن أن هناك من سيهتم لوسيط لم يحسن إبداء الاهتمام بالشعب السوري وأدار مهمته كما لو أنها موجهة الى تلميع النظام السوري وتمكينه من التحكّم بعمل بعثة المراقبين الدوليين. فكما اكتشفت الجامعة العربية أن محمد الدابي كان فخّاً، وقعت الأمم المتحدة بدورها في فخ روبرت مود، ففي سياق تقويم المهمة وأسباب إخفاقها يلقي فريق انان باللوم على تفاهمات مود مع أجهزة النظام وتقاريره غير الواقعية.

وعلى رغم أن مهمة انان صارت، مثل مستقبله، أي وراءه، إلا أن الطرف الذي لا يزال متمسكاً بها هو الذي أفشلها فعلاً، أي النظام السوري نفسه. اذ أكد وليد المعلم، متحدثاً من طهران، احدى عاصمتين مع موسكو يستطيع مسؤول سوري زيارتهما هذه الأيام، التزام حكومته تطبيق خطة المبعوث «الدولي – العربي»، خصوصاً أنها في رأيه تحقق أمرين: منع التدخل الخارجي وتغليب الحل السياسي للأزمة… وطالما أن المرشحين لـ «التدخل الخارجي» لا يزالون محجمين عنه، فأي «حل سياسي» يُرتجى من حاكم يدكّ عاصمتيه السياسية والاقتصادية؟ تأتي الاجابة من علي أكبر صالحي، الذي اعتبر أن حكومة انتقالية أو نقلاً منظماً للسلطة «ليس سوى وهم» وطالب بمنح الحكومة السورية «فرصة لتنفيذ الاصلاحات». من الواضح أن وزير الخارجية الايراني هذا لم يدرك أن تلك الاصلاحات لم تكن أيضاً سوى وهم، ومع ذلك يريد أن يبيعه للشعب السوري وللعالم.

ما الذي دعا دمشق الى إيفاد وزير الخارجية الى ايران في هذا التوقيت؟ ليقول وليد المعلم إن النظام أخمد معركة دمشق وأنه في سبيله الى حسم معركة حلب، التي اعتبرتها أبواقه «أم المعارك» وأنه بعدها سيسيطر مجدداً على كل البلد، فمَن يريد بعدئذ محادثته في «حل سياسي» فليتفضّل، لكن عليه أن يمرّ بطهران هذه المرّة. صحيح أن النظام مطمئن عموماً الى دور روسيا التي استطاعت تعطيل مجلس الأمن لمصلحته ولا تزال تحاول مع الولايات المتحدة للمضي في حل يقوده النظام، لكنه مدرك أن موسكو تسانده لأسبابها وليس اعجاباً به، لذا فهو يسعى الى التحوّط من أي مفاجأة روسية. وما دام النظام يعتقد أن حلب «آخر المعارك» وأنها ستنهي مرحلة دقيقة بالنسبة اليه، فقد حان الوقت اذاً لتفعيل دور الحليف الايراني، بالاعتماد عليه اقليمياً، لنقل الأزمة الى دول الجوار وما بعدها. والوزير علي أكبر صالحي قال إن «هناك دولاً تضع امكاناتها كافة من أجل إضعاف سورية»، وأن «عواقب ما يحصل في سورية ستتجاوزها الى المنطقة»…

يبقى أن يتأكد النظام السوري من صلابة بعض افتراضاته: 1 – أن تكون طهران مقتنعة فعلاً بإمكان انقاذه وبجدوى ذلك على المدى الطويل اذا صحّ أنه قادر على الصمود على المدى القصير، و2 – أن تكون واثقة بصواب الخيارات التي اتخذها لمواجهة «المؤامرة الكونية» عليه وبالتالي عليها، و3 – أن تكون مستعدة الآن لتسييل استثماراتها السياسية الاقليمية من أجله كحليف لا بديل منه، و4 – أن تكون مؤمنة بأن انقاذه هدف يستحق منها أن تساهم في زعزعة منطقتي الشرق الأوسط والخليج، فكما أن سورية و «لبنان حزب الله» شكّلا منذ عام 2000 ذراعاً ضاربة احتياطية دفاعاً عن ايران، فلا بدّ لها اليوم من أن تنبري لدرء الخطر عنهما، و5 – أن تكون موقنة بأن الاستحقاق المتوخى يوجب عليها المجازفة حتى لو لم يرتبط مباشرة بأمنها الوطني وبالتحديات التي تواجهها بسبب أزمة الملف النووي.

لا شك في أن ايران تراقب الوضع السوري وتواكبه عن كثب وعلى كل المستويات منذ بدايات الثورة الشعبية، وكما وصفت «الثورة الخضراء» التي شهدتها على أثر تزوير انتخابات 2009 بأنها «مؤامرة»، فإنها لا تحتاج الى من يقنعها بأن ثمة «مؤامرة» أيضاً في سورية. لكن طهران تمكنت من سحق المعارضين الايرانيين وتابعت مزاولة سياساتها القمعية كالمعتاد، وحين هبّت نسائم «الربيع العربي» لم تتردّد في ادّعاء أبوّته هنا وهناك الى أن بلغ سورية فانكشف زيف هذه الأبوة التي لم تعد ترى في ذاك «الربيع» سوى «مؤامرة» ينبغي إحباطها. وعلى رغم أن نظام دمشق لم يفلح في سحق معارضيه، إلا أن ما يريح ايران أنه لا يزال قائماً ومصمماً على القتل والتدمير، ما يعني في عرفها وفي ضوء تجربتها أنه قادر على البقاء والنهوض لمواصلة الوظيفة التي حددتها له. بديهي أن علاقته بها مختلفة نوعياً عن علاقته بروسيا، فهي لا تملك سوى التمسك به لعدم اتضاح معالم بدائله المفترضة، وعلى رغم اتصالاتها المعلنة وغير المعلنة عنها مع بعض اطراف المعارضة، إلا أن الوقت دهمها ولم تتمكن من بناء مصلحة وجسور معها. وقد تكون طهران درست احتمالات القيام بـ «انقلاب داخلي» يتيح لها فرض أمر واقع وتحريك خيوط حل «غير عسكري»، لكن طبيعة النظام أثبطت عزمها وفوّتت عليها مثل هذه الفرصة، فهي اشتكت من أنه لا يطلب نصحها إلا في اطار «الحل الأمني». يضاف الى ذلك أنه كلما مرّ يوم، أصبحت التنازلات المطلوبة لشراء «الحل» أكثر صعوبة، فالنظام لا يريد التنازل، بل أن يكون «بطل الثورة» و «بطل الاصلاح» في آن.

قد تكون طهران توقعت أن تؤدي الأزمة السورية الى فتح ملف المنطقة وخرائطها، لكن ليس الى هذا الحد، فالمعطيات الراهنة تفرض عليها مراجعة مجمل استراتيجيتها. كانت اعتادت طوال الأعوام الأخيرة وضع الأجندات أو التسلل اليها أو التحكّم بها، كما أنها حاربت بالعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين وبتنظيم «القاعدة». أما اليوم فهي إزاء أجندة لم تتوقعها ومواجهة لم تخطط لها ولم تستدرجها ولم تحدد توقيتها ولا تضمن السيطرة على تطوراتها ونتائجها وتداعياتها على أمنها ومشاريعها. غير أنها مدعوة الى الانغماس فيها، فالاصطفاف الدولي بات واضحاً، و «المؤامرة» هي «المؤامرة»، وما دامت تصدّقها فإما أن تكسب «ورقة» سورية أو تخسرها. لكن كيف، ولماذا؟ طبعاً ليس من أجل المقاومة والممانعة. صحيح أن تشظي المنطقة يمكن أن يكون لمصلحتها، مثلها مثل اسرائيل، لكن الى متى، فإيران تنطوي أيضاً على تنوع إثني قابل للتفجير. وما الذي يضمن أن شيعة الخليج سيجارونها في اللعبة الجهنمية التي يدعوها النظام السوري الى خوضها ضد السعودية وقطر والبحرين من أجل انقاذه في حين أنها كانت بيّتتها لاستباق أي استهداف مباشر لها، إلا اذا كانت تعتبر أن هذا الاستهداف حاصل فعلاً من البوابة السورية.

فيما كان مغول النظام السوري يحاولون اقتحام حلب، قبلة مدن الشرق، وينتهكون تاريخها وعمرانها، ويرتكبون مجازر في معضمية الشام ودرعا، اتفق الوزيران الايراني والسوري على أن «المؤامرة الكونية» من صنع اسرائيل التي تصعب تبرئتها من أي تآمر. فهل حان الوقت لدفع «حزب الله» الى حرب جديدة ضد اسرائيل، وهل إن دمار لبنان يمكن أن ينقذ النظام السوري؟

الحياة

الأربعاء

عن حلب وأخواتها والـدهشـة

فواز طرابلسي

أخطر ما نجح الإعلام المتعولم في إنجازه، بالتعاون مع الفهلوة المحلية، هو حرماننا ملكة الدهشة.

كل شيء معلوم وكل شيء مفهوم. خاصة عندما يكون في الأمر مؤامرة والمؤامرة دائماً «واضحة». واضحة إلى درجة أنها لا تحتاج إلى دهشة أو برهان أو وضوح.

ولكل حدث سبب. هكذا ببساطة، بمثل بساطة أن يكون لكل حادث حديث.

ولكل سؤال جواب. وتوجد أحياناً أجوبة لا أسئلة لها. وهنا تتجلى عبقرية المعلقين والمحللين والخبراء والسياسيين والأكاديميين والجيو ـ استراتيجيين.

فمثلاً، نحن محرومون من الدهشة إزاء الثورات العربية. فما الحاجة إلى الدهشة إزاء نزول عشرات الملايين من العرب إلى الشوارع في نصف دزينة من البلدان العربية بالتتابع، ملايين ترفع شعاراً يعلن إرادة مشتركة في إسقاط الحكام والأنظمة ويكرر مطالب متشابهة عن العمل والحرية والخبز والكرامة. الأمر عادي. وواضح الوضوح.

يحل الربيع العربي محل الدهشة العربية. والربيع لا يحتاج إلى شرح، ولا سببية له لأنه… طبيعي، أي لأنه فصل متكرر يعود كل عام في مواقيت معروفة، طبعاً حسب موقع البلد من خطوط العرض والطول. ثم أن الربيع يسمح بكل الألاعيب البلاغية الممكنة فيحل بعده خريف الخيبة، مثلاً، أو يطبق عليه الشتاء المظلم أو يعقبه صيف يريده الرئيس عمر البشير ملتهباً ليحرق ثوار السودان الشباب بلهيبه.

ولا بد من الاستطراد هنا والقول إن حرماننا ملكة الدهشة يترافق على نحو رائع مع نقيضه: إقناعنا بأن التحليل العميق يكون في البحث عن النوايا، وهي دائماً «مبيّتة». والبحث في النوايا هو الابن الشرعي للتربية الاستبدادية الأمنية حيث لا أهمية للقول أو التصريح أو الفعل، الأهمية هي لما وراءها من نوايا. والنوايا دائماً «وراء» وليست أمام لسبب ما. ومن حيث النوايا، فالكل مشبوه والكل متهم إلى أن تثبت… التهمة.

أقف أمام مشاهد الجثث والدمار والعويل والخراب في حلب وأدهش.

أدهش لكي لا ينعدم فيّ الإحساس الإنساني الأولي. وأدهش لكي أقول للتلفزيون: لن تستطيع أنت وأربابك أن تجعلني أعتاد على القتل والعذاب والظلم والكبت والقمع والاستغلال. مقاومتي أن أدهش وسوف أظل أدهش.

ولست أدهش لحلب وحدها. أدهش لحلب وأخواتها ـ درعا والرقة ودير الزور واللاذقية وحمص وحماه ودمشق وغيرها. أدهش كيف أمكن لنظام حاكم وقد تقلّص إلى حدود قبضة، حديدية ولا شك، أن يظل يمني النفس بأنه قادر على إحراز النصر في حرب يدكّ فيها مدن البلد الرئيسية واحدة تلو الأخرى، ويقتل الألوف، ويعتقل عشرات الألوف، ويهجّر مئات الألوف، وذلك بعد أن كرر عملته في معظم الأرياف والضواحي لسنة ونصف وأزود. من دون طائل، أو بطائل أفدح ما يكون من الأرواح والممتلكات والتفكيك في نسيج سوريا الإنساني والمجتمعي.

وأدهش أكثر فأكثر، كيف يمكن لرجال ونساء هذه القبضة من البشر المتبقية، أن تتصور أنها سوف تستطيع بعد هذا كله أن تعيش مع شعب عملت فيه كل تلك العمائل.

وتسوقني الدهشة ذاتها للتساؤل أي نظام هو هذا الذي درّب ويدرّب عناصره، من سياسيين وحزبيين ورجال أعمال وموظفين وأمنيين وعسكر، على تراتبيات في العلاقات في ما بينهم، وتراتبيات في العلاقات بينهم وبين شعبهم، تمر عبر نداء الرئيس لمرؤوسه بـ«ولاه» و«يا حمار». بل ازدادت دهشتي عندما شاهدت منذ أيام على الـ«يوتيوب» مشهداً لتحقيق في أحد معتقلات «الجيش السوري الحر» مع «شبّيح» يتعاطى معه الضابط «الحر» بالنداء ذاته والمسبّة ذاتها!

والدهشة هنا ألم.

ويتضاعف الألم مع المزيد من الدهشة. تعرف حروب القبائل والشعوب، قديمها والحديث والمعاصر، «الأشهر الحرم» يعلن خلالها المتقاتلون عن هدنات ينصرف خلالها كل طرف لشؤونه التي تتراوح بين الاعتناء بجرحاه وممارسة نشاطاته الاقتصادية والحياتية والتموّن للجولات المقبلة بالغذاء والسلاح والذخيرة، أكانت هذه الأخيرة

السيوف المهندة أم السهام المسمومة أم قذائف الـ«أر. بي. جي». وعلى حد علمي فإن شهر رمضان ينتمي إلى «الأشهر الحرم». والدهشة أنه لم يخطر لهذا الطرف أو ذلك في سوريا أن يقترح هدنة خلال هذا الشهر المبارك أو حتى أن يعلنها من طرف واحد على سبيل التكتيك والإحراج. جاء الإعلان عن «الشهر الحرام» موعداً لـ«النصر». أي لمزيد من الدمار والدماء. فعجبي. ثم عجبي. ودهشتي.

ولن تقف دهشتي عند هذا الحد.

فبعد أن عشتُ حربين أهليتين في لبنان، وعاينت عن قرب ثالثة مصغرة في جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية، وتابعت حرباً رابعة عن بُعد في الجزائر، وقرأت ما تيسّر عن الحروب الأهلية الإسبانية والإيرلندية والراوندية، ودرّست مادة الحروب الأهلية عموماً، والحروب الأهلية اللبنانية خصوصاً، لخمس عشرة سنة ونيّف، لا أزال أقف مدهوشاً، بل مشدوهاً، أمام لغز قايين وهابيل. وهو «أبو الدهشات» وأمها، بسؤاله القاهر: لماذا يقتل الأخ أخاه؟ ولا عزاء لي أني لست الوحيد المتورّط في حالة التساؤل والدهشة هذه. فالكتب السماوية كلها، وقبلها ملحمة جلجامش الوثنية، تعود بالاجتماع البشري إلى تلك الجريمة التي تحب الأنثروبولوجيا أن تسميها «الجريمة التأسيسية»، وهي الجريمة التي يقال إنها وقعت في سهل البقاع، بين لبنان وسوريا المعاصرتين. ولا تزال هذه الزبور القديمة تحار جواباً: لماذا الفلاح قتل أخاه الراعي؟

عودة إلى عالمنا المعاصر.

بالأمس، أدلى السيد ليون بانيتا، المدير السابق لـ«السي. أي. إي» ووزير الدفاع الأميركي الحالي، بتصريح قال فيه إنه يجب أن يبقى الجيش السوري «متماسكاً» عندما يرحل الرئيس الأسد.

فلعل أحداً، ممن قرأوا أو لم يقرأوا عمودي يوم الأربعاء الماضي، يفسّر لي هذا التصريح ويحرّرني من عذابات هذه… الدهشة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى