مقالات لكتاب سوريين تناولت أزمة الاتئلاف والمعارضة السورية
نحو “منظمة تحرير” سورية/ عبد الناصر العايد
منذ أن أغلقت أبواب قاعات مؤتمر جنيف، تتواصل بهدوء وصمت عملية تصنيع ما يشبه منظمة التحرير الفلسطينية في سوريا، كقيادة سياسية-عسكرية للثورة. ويتوخى مصنعو هذه “الأداة” الجديدة، تحقيق أجنداتهم السورية بجهود موحدة.
الاستراتيجية أميركية بالأصل، ونجمت عن أبحاث لمراكز دراسات ومؤتمرات جمعت شخصيات أمنية رفيعة، من الولايات المتحدة وأوروبا وبعض دول الخليج العربي. وهيمن عليها هاجس ما يسمى بظاهرة الجهاد العابر للحدود، وكيفية القضاء عليه، أو إبقائه حبيس دوامة الصراعات الشرق أوسطية. وذلك عبر خلق مجموعة من الأعداء الحيويين له، كي ينهكونه في حاضنته الاجتماعية ويمنعون تمدده. وقد تكفلت الولايات المتحدة من خلال إنشاء مركز العمليات العسكرية (Military Operation Center) والمعروف اختصاراً بـ (MOC) ، بتأمين الدعم العسكري للفصائل التي يثبت تشاركها معها في هدف محاربة الإرهاب. وتعهدت واشنطن بتقديم الأسلحة والذخائر والدعم اللوجستي والخطط والاستراتيجيات والتدريب والدعم الاستخباراتي، لتمكين تلك الفصائل من تحقيق انتصارات على النظام من جهة، وعلى المتشددين من جهة أخرى، للفوز بالشرعية والسلطة على الأرض في المجتمع السوري.
أما الطرف الخليجي الذي تتزعمه السعودية، والذي سيتكفل بالتمويل، فإن مطالبه تتمثل في أمرين، أولهما ضمان بقاء يده هي العليا إقليمياً في الشأن السوري، وثانيهما البقاء على صلة مع قضية الحرب على الإرهاب لما تمثله من خطر وتهديد مباشر للسعودية.
ولتحقيق كلا الهدفين تدفع السعودية بأحمد الجربا، الذي تسعى إلى تنصيبه زعيماً أوحد للثورة السورية، على غرار ما كان يمثله الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، على أن يتم تصنيع منظمة تحرير، أو ما يشبهها، وبطريقة مماثلة لما تم اتباعه عند صناعة شخصية السيسي.
تم تمهيد الطريق فعلياً لظهور التشكيل الجديد، ودخوله إلى ميدان العمل بوصفه التنظيم الضرورة، ووليد الداخل الثوري السوري، من خلال إفراغ الساحة من المؤسسات المؤثرة التي يمكنها أن تنافسه. فقد دُمرت هيئة الأركان العامة، بحرمانها من الدعم، والإقالات المتتالية وتهشيم بنيتها، وحُيّد الائتلاف بوضع قيادة ضعيفة و”متعاونة” على رأسه، وشلّت الحكومة المؤقتة بإقالة رئيسها من دون انتخاب بديل له.
وفي إطار هذه العملية المتساوقة أيضاً، أُعلن في الأيام القليلة الماضية عن تشكيل ما سمي بمجلس قيادة الثورة، والصيغة المعروضة على الإعلام لهذا المجلس تتضمن مجمل عناصر المشروع أعلاه. إضافة إلى كافة القوى الدولية والإقليمية المشتركة فيه، وتضمّ الإسلاميين السوريين المناوئين للإسلام الجهادي العابر للحدود، والتشكيلات المعتدلة التي تحوز على الرضا الغربي، والأخوان المسلمين. حتى أن إقليم كردستان العراق، ممثلاً بحضوره القوي في أحد الفصائل الرئيسية الموقعة على بيان “واعتصموا” ممثل في المشروع.
وفي هذه الأثناء، يتولى التشكيل الأكثر ولاء للجربا، والذي تلقى النصيب الأعظم من دعمه المالي عبر السنوات السابقة، مهمة إنشاء مقر الزعيم الثوري في منطقة جبل الزاوية الجبلية الوعرة، لتأمين أكبر قدر من الحماية الشخصية وحرية العمل له.
لا يتبقى والحالة هذه سوى الإعلان عن قائد لمجلس قيادة الثورة، والذي وعد البيان الأول بالإعلان عنه خلال مدة لا تزيد عن الشهر والنصف، وهي مدة كافية لتلقي الانطباعات وردود الفعل، واستكشاف ما تبقى من الحيز الذي سينطلق فيه المشروع.
أما الائتلاف الوطني، والحكومة المؤقتة، فإنهما سيبقيان قيد الوجود، للاضطلاع ببعض المهمات الخدمية والإغاثية المتقطعة، وللضرورات السياسية والقانونية، ريثما يتم الإعتراف بالمجلس الجديد، ممثلاً شرعياً وحيداً للثورة السورية.
المدن
معارضة لا تجيد سوى المعارضة/ غسان الياسين
منذ أن قبل الدكتور برهان غليون مبدأ المداروة في رئاسة المجلس الوطني لحظة تأسيسه، كان الإرباك واضحاً في أداء المعارضة السورية. فكيف لرئيس تكتل سياسي معارض أن ينجز شيئاً مهماً خلال ثلاثة أشهر فقط؟ لكن مؤسسي المجلس كانوا على عجلة من أمرهم، لأنهم أسسوه والحل الليبي حاضر في أجنداتهم ومداولاتهم لدرجة أنهم خصصوا اجتماعات طويلة جرت فيها مناقشة التدخل الخارجي، وكان عنوان هذه المحادثات الطويلة داخل أروقة المجلس: هل نطلب تدخلاً خارجياً أم لا نطلب؟! وكأن مسألة التدخل العسكري مرتبطة فقط برغبتهم ولا علاقة لسياسات الدول ومصالحها في اتخاذ هذا القرار الصعب.
مراهقة سياسية كل ما فعلته المعارضة السورية خلال ثلاث سنوات من تأسيس كياناتها. المشاكل الداخلية للمجلس الوطني تم استنساخها ونقلها إلى أروقة الائتلاف الوطني الذي شكل ليكون مظلّة جديدة تضم أطيافاً واسعة من المعارضة وليكون العمل داخله أكثر مرونة بعدما فقد المجلس كل قدرة على تطوير أدائه.
لقد شُكل الائتلاف وحظي بدعم كبير في بداية تأسيسه سواء من دول تسمى أصدقاء سورية أو من جمهور الثائرين في الداخل. لكن سرعان ما تفشى المرض داخل جسمه وكاد ينهار قبل حوالى عام حين قرروا توسيعه ليضم أطيافاً جديدة سمّيت حينها «الكتلة الديموقراطية» بزعامة المعارض والكاتب ميشيل كيلو. ولولا تدخل سفراء دول فاعلة ومؤثرة في تفاصيل الحدث وحضورهم الشخصي غالبية جلسات التوسيع، لتفكك الائتلاف.
ما جرى كان يعكس عمق الخلافات بين كل تكتلات المعارضة وهشاشة هذا التحالف، لأن عقلية المحاصصة الحزبية كانت سيدة الموقف منذ تأسيس المجلس الوطني واستمرت بعد تشكيل الائتلاف.
«لو كان لدينا معارضة غير هذه المعارضة لسقط النظام منذ زمن طويل»، مقولة يمكن أن نتفهمها إذا رددها مواطن سوري مقهور لوسيلة إعلام، أو بعد مجزرة ما. لكن، أن يرددها معارضون هم بالأساس موجودون داخل الأجسام السياسية التي تمثل الثورة فهذا أمر يدعو إلى الشفقة، سواء على المعارض الذي يرددها أو على الكيان الذي ينتمي إليه. ذاك أنها مزاودة رخيصة وتجارة بالشعارات الوطنية الهدف منها الإيحاء لجمهور الثائرين بأنه شخص وطني تهمه المصلحة العامة أكثر مما تهم بقية زملائه.
لا علاقة لتأخر إسقاط النظام بحال المعارضة وأدائها. فالموضوع مرتبط بحسابات دولية وإقليمية معقدة وتزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، خصوصاً بعد الذي حدث في أوكرانيا وبعد سيطرة «داعش» على مناطق واسعة في العراق. لكن المعارضة تتحمل مسؤولية كبيرة في تفتت المجتمع السوري وزيادة حدة الانقسامات الحاصلة داخل بنية الكيان السوري. وقد انعكس ضعف أدائها وعدم امتلاكها رؤية واضحة على الداخل السوري وكثرت الانقسامات داخل الكيانات العسكرية أو تلك التي تسمى كيانات ثورية، والتي شكلت في الداخل بعد اندلاع الثورة. فهي معارضة كان كل هدفها قبل الثورة أن تكون موجودة في السلطة، أي أن تقتسم السلطة مع النظام. وإذ افترضنا حسن النوايا فهي كانت تسعى إلى تغييرات طفيفة في بنية الحكم القائمة.
لقد جاءت الثورة كحالة تغيير جذرية لكل ما هو قائم في سورية، خصوصاً بعدما أبدى النظام استعداداً عالياً لسحق محكوميه وأعلنها منذ اليوم الأول حرب وجود شعارها الأسد أو نحرق البلد. لذا، كانت الثورة أكبر من قدرات المعارضة وإمكاناتها، وتجلى ذلك بعدم امتلاكها رؤية سياسية واضحة وخطة ممنهجة لاستجلاب الدعم اللازم، وأيضاً عدم امتلاكها أدوات جديدة لقيادة ومأسسة العمل داخل المؤسسات التي شُكلت لتدير المناطق الخارجة عن سيطرة النظام «المحرّرة». إن لسان حال المعارضة اليوم يردد مقولة مكسيم غوركي: خلقنا لنعترض.
* كاتب سوري
الحياة
الائتلاف الوطني من الجربا إلى البحرة/ فايز سارة
تتوالى منذ أسابيع هجمة على قيادات في الائتلاف الوطني السوري، وتركز الهجمة على اتهامات بالفساد وباستخدام المال السياسي، وإقامة المطابخ السرية، التي تصنع سياسة الائتلاف. وتضيف إلى ما سبق تخطئة المسار السياسي للائتلاف في العام المنصرم من عمره، وهي الفترة التي تولى فيها رئاسة الائتلاف عضو الكتلة الديمقراطية أحمد الجربا، فيما شارك عدد من كوادر الكتلة ومقربون منهم مسؤوليات قيادية فيه، وهو وضع يقارب الوضع الحالي للائتلاف، حيث يتولى رئاسته هادي البحرة العضو في الكتلة الديمقراطية، يشاركه عدد من كوادر الكتلة ومقربون منهم في مسؤوليات قيادية بالائتلاف.
والحق أنه في الحالتين فإن وصول الجربا وكذلك البحرة وفريقهما إلى قيادة الائتلاف جرى بالوسائل الديمقراطية المعروفة وعبر صندوق الانتخاب، وفازوا على منافسين آخرين كانوا مرشحين لتولي المسؤوليات ذاتها وسط رقابة ومعايير قانونية، مستندة إلى وثائق الائتلاف، التي لم يكن بين من وضعوها أحمد الجربا وهادي البحرة وأغلبية فريقيهما، مما يعني أن التشكيك في وصولهما إلى مواقعهما لا يتجاوز الكيدية السياسية، إن لم نقل الكيدية الشخصية، أو الاثنتين معا. وهذا ما يمكن تلمسه بصورة عملية ومؤكدة لدى مراجعة محتويات الهجمات في وسائل الإعلام.
وقول أصحاب الهجمات بوجود الفساد والمال السياسي لا يتجاوز هو الآخر فكرة الكيدية السياسية والشخصية، لأن القائلين بتلك الاتهامات لم يقدموا أي إثباتات حول مزاعمهم، بل إنهم لن يستطيعوا أن يقدموا مثل تلك الإثباتات لعدم وجودها أصلا، خاصة في ظل وجود منافسين ومعارضين أقوياء لهم داخل الائتلاف، ووسط إصرار فريقي الجربا والبحرة على مشاركة الآخرين في أنشطة الائتلاف وتحركاته في المستويات الداخلية والخارجية.
أما في موضوع المطبخ السري المزعوم في الائتلاف فإن تعريف المطبخ السري يجعلنا في حالة من الالتباس، هل هو قيادة الائتلاف التي كان بعض ممن يشنون الهجمات بين كوادرها الرئيسة؟ أم هو في حلقة أضيق تتألف من الرئاسة وحلقة من المستشارين والخبراء الملتفين حولها؟ وفي كل الأحوال، ليس من الشائع في أي مؤسسة أو هيئة أن يجري طرح وتداول موضوعات تحظى بأهمية استراتيجية بصورة علنية وعلى نطاق واسع خاصة إذا كان وضع المؤسسة أو الهيئة كحال الائتلاف الذي يواجه بيئة دولية وإقليمية مركبة ومعقدة، ونظاما دمويا له تحالفات لا تقل خطرا عنه على السوريين وعلى الائتلاف.
وإذا كان الائتلاف الوطني وقيادته خلال العام الماضي لم يزعم أبدا أنه قام بكل ما ينبغي، وما يفترض أن يقوم به من أجل قضية الشعب السوري وثورته، فمما لا شك فيه أنه سعى لتحقيق تقدم في جملة من الموضوعات الدبلوماسية والسياسية، وكل هذه الخطوات جاءت مختلفة عن محصلة المرحلة التأسيسية، التي سبقت مجيء فريق الكتلة الديمقراطية برئاسة الجربا إلى قيادة الائتلاف.
لقد مضى الائتلاف في العام الماضي لتشكيل الحكومة السورية المؤقتة، وأنجزها، وعملت الحكومة ولو بإنجازات محدودة، كما يؤكد فريق الكتلة الديمقراطية الذي شارك في إقالة الحكومة مؤخرا نتيجة تقصيرها، وجرى ضم ممثلين عن المجلس الوطني الكردي في إطار توسعة التمثيل السياسي للسوريين في الائتلاف، وذهب الائتلاف إلى «جنيف 2» في إطار المعركة السياسية مع نظام بشار الأسد حتى لا يترك للأخير فرصة الاستفراد بالرأي العام وبالمجتمع الدولي وإقناعهما بأنه «المتعاون مع المجتمع الدولي» و«القابل للحلول السياسية»، وأن المعارضة وعلى رأسها الائتلاف في واد آخر، وأنهم مجرد «قتلة ومتطرفين» و«راغبين في الاستيلاء على السلطة الشرعية».
وزاد الائتلاف على عمله السابق نشاطا دبلوماسيا ملحوظا، فيه عشرات من اللقاءات والزيارات لعواصم عربية وأجنبية، بينها الأكثر صلة وعلاقة بالقضية السورية من أجل تعزيز مكانتها، وتقوية مركز الائتلاف الوطني في المعادلة السياسية بعد أن كاد الائتلاف يصبح خارج المعادلة قبيل مجيء الجربا وفريقه إلى رئاسة الائتلاف، حيث لم تتم دعوته إلى اجتماع الدوحة في صيف عام 2013 كما هو معروف.
صحيح أن ما تقدم لا يمثل طموحات ما ينبغي أن يكون عليه حال الائتلاف، وهو يواجه نظاما أوقع العالم في الحيرة والعجز بفعل ما ارتكبه من جرائم، وما خلفه من مشاكل وتحديات.. فكيف يكون حال الائتلاف بقدراته المحدودة ووسط بيئة إقليمية وعالمية مرتبكة وعاجزة عن اتخاذ مواقف جادة ومسؤولة؟
لقد بنى الائتلاف في عامه الماضي ما يعتقد أنه أساس لاستراتيجية وخطط هدفها العودة إلى سوريا، وهي عودة سياسية وعسكرية وبشرية واقتصادية، تقوم على فكرة انتقال الائتلاف والحكومة والأجهزة التابعة لها إلى منطقة آمنة من الأراضي السورية خلال الأشهر القليلة المقبلة، والخشية أن هدف الهجمات على الائتلاف وقيادته السابقة والحالية هو تقويض هذه الخطة، التي يفترض أن يشارك فيها كل الائتلاف وطاقات سورية من خارج الائتلاف. لقد صار عهد الجربا وفريقه جزءا من تاريخ الائتلاف، يمكن أن نحكم عليها بالوقائع، أما مرحلة البحرة وفريقه فهي مرحلة ماثلة، سوف نحكم على نتائجها في وقت لاحق. وفي كل الأحوال علينا أن نخرج من زمن المكائد السياسية والشخصية، ومن لديه وثائق وأسانيد حقيقية فعليه أن يقدمها للتحقق منها، وإذا ثبتت مصداقيتها فإن كل من ارتكب مخالفات أو أخطاء ينبغي أن يتعرض للمساءلة، وهذه قضية لا مساومة فيها، ولا ينبغي المساومة فيها.
كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الإئتلاف
الشرق الأوسط
نظام الاستبداد والعقلية الاستبدادية/ لؤي صافي
يتهم بشار الأسد خصومه السياسيين بالخيانة في خطاباته المتكررة، وتنظيم «داعش» ومن لف لفه يسم القوى الثورية الخارجة عن سلطانه بالكفر، وكلاهما يستبيح الخصوم والمعارضين، وكلاهما يسعى إلى فرض رؤيته الأحادية على الآخرين. لكن المشكلة لا تقف عند أعداء الثورة السورية بل تنخر في الجسد المنتفض على الظلم والاستبداد. فقد أظهرت تجربة السنوات الثلاث ونيف الماضية من عمر الثورة جهوداً مهمة للتخلص من نظام الاستبداد، ولكنها لم تشهد قدراً كافياً من العمل للتخلص من عقلية الاستبداد التي ولّدت النظام كما ولّدت التطرف والتشدد، والتي انتشرت خلال العقود الأخيرة على مستوى السلوك والثقافة العامة داخل المجتمعات العربية التي خضعت لأنظمة مستبدة.
مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بخطاب التخوين والتهديد تجاه قوى ثورية وسياسية معارضة لم تتماه في رؤيتها ومواقفها مع تلك التي تبناها معارضون آخرون أطلقوا أحكام التخوين والعمالة ضد رفاق الدرب الثوري الذين لم يتفقوا معهم. العديد من الكتائب المقاتلة أصدر بيانات بعد اتخاذ «الائتلاف الوطني» السوري قرار المشاركة في مفاوضات جنيف، ونهجت في خطابها نهج التخوين والتهديد وهدر الدماء. أصوات مشابهة صدرت مؤخراً نحو مبادرة أحمد معاذ الخطيب، واتهمته بالتآمر على الثورة وخيانتها فقط لأنه دعا إلى إنهاء حالة الاقتتال والدخول في حل سياسي لا تتوافر شروطه الموضوعية.
السنوات الثلاث الماضية قدمت لنا جملة من المواقف «الاستبدادية» من شخصيات وأفراد محسوبين على الثورة، ويعملون داخل صفوفها، تظهر بين الفينة والأخرى من خلال أقوالهم ومواقفهم تجاه مخالفيهم. فالاستبداد عقلية وطريقة في التفكير والعمل قبل أن يكون نظام حكم. الاستبداد السلطوي كظاهرة من ظواهر الاجتماع السياسي يتولد في مجتمع تغلب على أفراده الشخصية الاستبدادية، وهي شخصية أنانية وثوقية عدوانية في سلوكها وردود أفعالها، سواء امتلكت السلطة أو القوة أم لم تمتلك.
العقلية الاستبدادية تتميز، أولا، باستغراقها في ذاتها ومشاعرها وهمومها ورؤيتها الذاتية، فهي غير قادرة على التعاطف مع غيرها، وتفهم مواقف مغايرة لموافقها التفصيلية، واستشعار أن اختلاف الظروف والخبرات يمكن أن يولد خيارات متعددة، وأن هذه الخيارات يجب أن تحترم طالما بقيت ضمن الإطار العام الذي تحدده الأهداف المشتركة. وبالتالي فهي لا تحترم الاختلاف والتعدد وتصر دائماً على أن تفرض رؤاها ومواقفها على الآخرين حتى عندما تختلف خبراتهم واهتماماتهم.
وتتميز العقلية الاستبدادية ثانياً بموقف وثوقي أحادي، يساوي بين القناعات الذاتية أو المواقف الشخصية والحقيقة المطلقة من جهة، وبين قناعات الآخرين والباطل الكامل من جهة أخرى. فالحق هو ما ارتآه صاحب العقلية المستبدة والباطل ما ارتآه من يخالفه. وبالتالي فصاحب العقلية الاستبدادية يلجأ إلى تكفير (في الحالة الدينية) وتخوين (في الحالة الوطنية) من يخالفه الرأي والاجتهاد والفهم والاعتقاد.
وأخيراً، وبناء على ما تقدم، فإن العقلية الاستبدادية تتميز بالعدوانية، لأنها تسارع إلى الهجوم واستباحة المخالف في الرأي والموقف، فتلجأ إلى شيطنته وكيل الشتائم والأوصاف التحقيرية على مستوى الخطاب، وصولاً إلى الاعتداء الجسدي والعملي عند القدرة للتخلص من المخالفين والمعارضين. وفي هذه المرحلة الأخيرة يتجسد الاستبداد على مستوى الأنظمة الاستبدادية، والشخصيات والحركات التسلطية، التي تعاني منها شعوب الربيع العربي.
طبعاً هذه ليست دعوة إلى الامتناع عن النقد والاختلاف. الاختلاف في الرأي أمر طبيعي لأن المجتمع الإنساني الحر متنوع بطبيعته، والنقد ضروري لتصحيح الأخطاء وإثراء الرأي. ما ندعو إليه هو التأكيد على أن الثورة التي تسعى إلى التحرر من حالة الاستبداد يجب أن لا تقتصر في جهدها التغييري على تغيير رموز الاستبداد وحسب، بل أن تبذل غاية وسعها لتغيير العقلية والممارسات التي يمثلونها والتي حملتهم إلى تدمير البلاد وتهجير العباد، وهي عقلية الاستبداد وممارسات التسلط.
* كاتب وناشط سياسي سوري
الحياة
الائتلاف الوطني السوري.. ماذا بعد؟/ جديع دواره
انتهت قبل نحو شهر انتخابات قيادة الائتلاف الوطني السوري المعارض، وحلّت وجوه جديدة مكان سابقتها، في عملية رافقها، وما زال، لغط كثير، وشهدت استقطاباً حاداً بين الكتل والأفراد، ولم تخل من كيل اتهامات، ما جعل أصواتاً تتعالى لتشكيل جسد جديد للمعارضة، يطيح “المتآمرين” الذين يتصرفون على الطريقة “الأسدية”!
صراع” انتخابي” اتسم بالنزعة الشخصية، وعكس تأثير الداعمين والمتدخلين، وأكد وجود شروخ تتعلق بالمحاصصة وتبادل الصفقات بين الأشخاص والكتل، ليتكشف أن ما ظاهره عملية ديمقراطية، في واقعه، أبعد ما يكون عن تقاليد “تداول القيادة” التي تجعل من التنافس الانتخابي ميداناً لصراع الرؤى والأفكار والبرامج، وتقديم الجديد للجمهور.
تنافس كان ينتظر السوريون منه إجاباتٍ عن أسئلة مؤجلة وملحة، من قبيل: إلى أين نحن ذاهبون، ما الممكنات السياسية والعسكرية لإنجاز التغيير المطلوب، ما الخطة، ما البرامج على المديين، القريب والبعيد، كيف يمكن تجاوز الاستعصاء والدوران في حلقة مفرغة، لماذا أخفقنا حتى اليوم، ماذا يمكن أن نقدم للسوريين الذين أنهكهم الحصار والجوع والقتل، كيف يمكن فتح نافذة أمل في الأفق السياسي المسدود..إلخ؟ كانوا ينتظرون مضامين تغني العملية السياسية، وتدفعها إلى الأمام.
لكن، هيهات، كما يقال بالعامية، تعبيراً عن الخيبة، فقد طفت على السطح لغة تخوين وتبادل اتهامات، عن مكائد ومطابخ سرية، و”شللية” واستفراد بالقرار. وهذه لا تتكشف، عادة، إلا بعد إقصاء ومشاحنات، ما يجعل الحديث عنها يفتقد المصداقية، ويجعل تفسيرها ألصق بالصراع على المواقع، وهذا غالباً ما يتغذى على ارتباطات شخصية، إقليمية ودولية.
واقع كان له صدى سلبي في أوساط المعارضة عموماً، يصف أحد الناشطين الشباب، المتربعين على قيادة المعارضة بـ”الديناصورات” غير القادرين عن تجاوز عقدة “الأنا المتضخمة”. وتسأل ناشطة بمرارة: هل من معقول أن يكون هؤلاء قدر السياسة بالثورة؟ وتتابع مخاطبة أعضاء “الائتلاف”: كفى.. لقد أخطأتم بالتقدير والتصرف والتبصر مرة وألف مرة، آن الأوان لكي تتنحوا وترحمونا من أخطائكم ونزواتكم الهرمة… هذه ستكون أكبر خدمة للثورة.
في مقابل مزاج السخط المتنامي تجاه ما يحدث في “الائتلاف” وكيل الاتهامات لقياداته
”
… يعاني من ضعف التكوين السياسي ـ التنظيمي، وما يجعل أزمته تتجاوز الأشخاص وكفاءاتهم، وتدلل على خلل بنيوي، مع حفظ الفوارق بين قيادة وأخرى، في تعميق الشروخ أو محاولة تخطيها”
بالفشل والفساد، ظهرت أصوات تمتدح الخصال الشخصية للقيادة الجديدة، وتعول عليها، فتصف الرئيس الجديد لـ “الائتلاف” بأنه “هادئ وعميق التفكير”، ونائبه بـأنه “نزيه”. ويؤكد هذا الأمر، مرة أخرى، أن صورة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في العقل الجمعي للمعارضة عموماً أبعد ما تكون عن صورة المؤسسة التي لها منهج ورؤية في التفكير والعمل، لها عقل جمعي منتج، بل ينظرون إليه، بحسب ميزات شخص رئيسه “الأخلاقية”، وكأن تلك الميزات، على أهميتها، يمكن أن تكون بديلاً عن المؤسسة.
غياب الرؤية والبرامج لدى الائتلاف، وغياب الحامل الاجتماعي السياسي الممتد أفقياً وعمودياً، في نسيج القوى الفاعلة ومكوناتها في الثورة، ولدى الشعب السوري عموماً، يجعلنا نتحدث عن كيانٍ هش، بلا جذور عميقة، يعاني من ضعف التكوين السياسي ـ التنظيمي، وما يجعل أزمته تتجاوز الأشخاص وكفاءاتهم، وتدلل على خلل بنيوي، مع حفظ الفوارق بين قيادة وأخرى، في تعميق الشروخ أو محاولة تخطيها.
المفقود اليوم في “الائتلاف” هو غياب الشفافية، لم تتحدث أي من قياداته المتعاقبة للسوريين الذين تدعي تمثيلهم، أين أصابت وأين أخطأت. ماذا أنجزت، أين وصلت، ما الخلاصات التي خرجت بها. وكل ما رشح مجرد ردة أفعال لأشخاص حانقين غادروا لسبب أو لآخر مواقعهم.
كما أن الحريصين على “الائتلاف” يشيرون إلى خط بياني المنحدر لنجوميته، فعلى الرغم من أنهم ينظرون إليه “منجزاً وطنياً”، ما كان له أن يحصل ما حصل عليه من تأييد ودعم واعتراف قوى عالمية، إلا بفضل تضحيات السوريين، لكنهم يدركون أنه بحاجةٍ، اليوم، إلى جهود استثنائية وجماعية، للخروج من عنق الزجاجة، جهود جماعية من داخله وخارجه، تتصف بالانفتاح والشفافية وقبول التغيير، وتغليب الحس الوطني على الشخصي.
وهذا لن يكون دون تشخيص دقيق “للداء” الذي حال دون تحوله مؤسسة وطنية جامعة، تمثل كل ألوان الطيف السوري المعارض الفاعل من سياسيين وعسكريين ومدنيين، وتعتمد خريطة طريق وبرامج عمل واضحة، ولديها تقاليد مؤسساتية للمحاسبة والمراقبة وتقييم الأداء، وآليات عمل، تمكنها من قيادة المعركة، لإسقاط النظام، وبناء البديل المنشود.
هناك مثل شعبي “الثلم الاعوج من الثور الكبير”، وسيرة “الائتلاف” السوري، اليوم، مليئة بالأثلام، ما يعني أن قضية إصلاحه تتجاوز وجود هذا الشخص في هذا الموقع أو ذاك، بل تحتاج إلى مراجعة شاملة، تصل إلى حد تفكيك ما هو قائم، وإعادة بنائه، على أسس جديدة، كضرورة لوقف حالة التصدّع والتشظي، وتآكل المصداقية، والخروج من حالة العطالة السياسية.
العربي الجديد
الائتلاف الوطني السوري أمام مفترق طرق: استدراك موقع القيادة السياسية أو التفكك/ شمس الدين الكيلاني
باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في وحدة الدراسات السورية المعاصرة. له العديد من الدراسات الثقافية والسياسية، منها صورة أوربا عند العرب في العصر الوسيط، وصورة الشعوب السوداء في الثقافة العربية، وصورة شعوب الشرق الأقصى في الثقافة العربية، وتحولات في مواقف النخب السورية من لبنان1920 -2011، والشيخ محمد عبده، والإسلام وأوروبا المسيحية القرن 11-16، والعود الأبدي، والعديد من الدراسات الأخرى.
حملت الثورة السورية الأمل والحماسة في قلوب السوريين ولكن لم تواكبها قيادات تحظى بثقتهم وتأييدهم؛ فالمجال السياسي السوري كان في حالة اضمحلال عشية الثورة، وقد تبيّن للجميع، من خلال التجربة، أنّ المشكلة الأساسية في تشكيل الهيئة الجامعة للمعارضة تتمثّل في عدم وجود أحزاب كبيرة مؤثّرة جماهيريًا لملأ الفراغ القيادي للثورة. لذلك تشكّلت الهيئات القيادية بعد الثورة من الأفراد؛ إذ صعد بعضهم بفضل حضورهم في الفضائيات، وبعضهم الآخر بسبب تاريخ عذاباتهم في معتقلات النظام، أو بصفتهم ممثلين لأحزاب أو تيارات سياسية تتعيّش على تاريخها الماضي لا على فاعليتها في الحاضر، والتي لا تستند إلى قاعدة جماهيرية تدعمها. وصعد بعض الناشطين مع الثورة واستلهموا أهدافها بالتعاضد مع مثقفين مستقلين. ولذا بحث الثائرون عن “الممكن” من هيئات قيادية تسعفهم في إدارة شؤون الثورة ومتطلباتها الوطنية؛ فأعربوا عن تأييدهم لـ “المجلس الوطني السوري” عند تأسيسه، ثم نقلوا تأييدهم بعد انكشاف عجزه (لعوامل ذاتية وموضوعية) إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. وما لبث أن تراجع التأييد لهذا الأخير بسبب عجزه أيضًا عن تلبية متطلبات الثورة وتنظيم كتائب الجيش السوري الحر وضبط العلاقة معها. وإضافة إلى “خذلان” ما يُسمى “أصدقاء سورية” للمجلس الوطني ثم للائتلاف بطريقة أظهرت عجزهما عن تلبية متطلبات النصر للشعب السوري، كان للعامل الداخلي دوره الكبير في انكشاف ذلك العجز، وبخاصة خلال فترة رئاسة السيد أحمد الجربا للائتلاف والتي انتهت بإعادة تشكيل هيئته القيادية.
الائتلاف بين النجاحات والإخفاقات
إنّ النجاح الذي حصل عليه الائتلاف خلال حضوره مؤتمر جنيف 2 ومساهمته في كشف حقيقة موقف النظام المعادي للتسوية أمام العالم، ما لبث أن تبدّد بسبب تقاعس المجتمع الدولي والقصور الذاتي. فقد تقاعس الغرب عن تسليح المعارضة، في الوقت الذي حافظ فيه على صمته تجاه تدفق الرجال والسلاح من حلفاء النظام روسيا وإيران والميليشيات الشيعية لقتال السوريين وتهجيرهم. ولم تكن الذرائع الغربية سوى تسويفًا بانتظار تسوية تحافظ على النظام وتضحي ببعض رموزه! لقد استمرت الإدارة الأميركية في الضغط على الجميع كي لا يمدوا المعارضة بأي مساعدة ملموسة. واقتصرت نتائج زيارة وفد الائتلاف إلى واشنطن، بعد اجتماع جنيف 2 ولقاء الرئيس باراك أوباما، على إعطاء بعثة الائتلاف في الولايات المتحدة صفة البعثة الدبلوماسية إلى جانب الإعلان عن مساعدات إنسانية (غير فتاكة). وزادت عليها التأكيد على دعم الولايات المتحدة للشعب السوري والمعارضة في مواجهة التطرف المزدوج الذي يمثله نظام الأسد وجماعات التطرف الديني.
ومع صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” المفاجئ في العراق وشمال سورية، لم تعد إدارة أوباما تنظر إلى الشرق الأوسط إلّا من خلال مكافحة الإرهاب وبعيون أيديولوجية، إذ يبدو فيها “إرهاب” داعش والقاعدة – من منظور أيديولوجي أمني غربي – أكثر خطرًا وشرًا مما يرتكبه النظام السوري من تدمير للمدن وقتل أكثر من مئتي ألف سوري وتشريد الملايين عن ديارهم وقتل الآلاف داخل المعتقلات؛ فهذا كله لا يعد “إرهابًا”، بل هو من قبيل مظاهر استبداد “نظام علماني” يمكن تعديل سلوكه والتساهل معه! وبهذا، كان من المتوقع والطبيعي أن يستعيد النظام وداعش قوتهما من جراء منع تسليح الجيش الحر، واستمرار تدفق السلاح من إيران وموسكو للنظام، حتى أصبح الجيش الحر محاصرًا بين جيش الأسد الذي تعاضده الميليشيات الشيعية، وبين داعش القادمة من سجون الأسد والمالكي. وقد اتفق الطرفان (داعش والنظام) على إستراتيجية واحدة هي: تجنُّب الصدام بينهما – تواطؤًا أو توفيرًا للقوى – وحصر معركتهما مع الجيش الحر والتوسع على حسابه، وتأجيل صدامهما، إن كان لا بد منه، لقادم الأيام!
خلافات البيت الداخلي للائتلاف
كان لا بد من انعكاس ذلك العجز والخذلان سلبيًا على أداء الائتلاف وتراجع الثقة به. فانفجرت خلافاته الداخلية في ضوء المشكلات الموضوعية التي يعجز أطرافه عن معالجتها، وتفاقمت النزعات الفردية في سلم القيادة. وإذا كان الائتلاف – ومن قبله المجلس الوطني – قد عانى التجاذب على الهيمنة ما بين مؤسستي الرئاسة والأمانة العامة؛ فقد طغت هيمنة الرئاسة في عهد أحمد الجربا على هيئات الائتلاف الأخرى، مع ميلٍ إلى اتّباع سياسة المحاور العربية، بدلًا من المثابرة لوضع قضية السوريين العادلة خارج دائرة الخلافات العربية، وتحويلها إلى عامل وحدة لا سببًا للفرقة، وذلك في ظرفٍ يحتاج فيه السوريون إلى معاضدة العرب جميعًا. فأثر ذلك النهج في الإنجاز الفعلي للائتلاف، واتسعت رقعة الخلافات والتحديات، مع تهميش العمل المؤسسي في الهيئات القيادية، وتقاعست قيادته عن تقوية دور الحكومة المؤقتة وتوسيع نشاطها في المناطق المحررة خشية بروز دور الحكومة ورئيسها أحمد طعمة، من خلال إنجازه في الداخل، فيصبح في موقع يؤهله أن ينافس مركز رئاسة الائتلاف في القيادة!
وفي سياق المراجعة لعمل الائتلاف، نبّه فايز سارة مستشار رئيس الائتلاف إلى أنّ نقد السوريين للائتلاف يتضمن وجود قوى وشخصيات غير معروفة فيه، أو ذات هويات سياسية لها إشكاليات في الواقع السوري، كما يتعلق بقدرات الائتلاف المحدودة في حين تعجز دول عظمى وغنية عن توفير حاجات السوريين، ويتعلق النقد أيضًا بالتأثيرات الإقليمية والدولية فيه. فإذا كان النقد لا يأخذ تلك المعطيات في الاعتبار، فهو نقد غير إيجابي[1]. بينما أشار لؤي صافي، عضو الهيئة العامة للائتلاف، إلى بروز ظواهر سلبية فيه، وهي: التنافس والتزاحم والتنازع، وضعف التزام القواعد والأنظمة التي تحكم منظمات الثورة وتنظم عملها، والمركزية في العمل، وعدم توزيع المسؤوليات بطريقة منهجية ووفق إجراءات واضحة[2].
إنّ تلك الثغرات وغيرها انسحبت على العلاقة بين الرئاسة والحكومة المؤقتة، ونتج منها تقصير الحكومة في عملها في الأراضي المحررة، والتي كثيرًا ما اصطدمت أيضًا بميل الكتائب المسلحة إلى الهيمنة على إدارة تلك المناطق. وتوّج رئيس الحكومة المؤقتة عمله بإقالة هيئة الأركان من دون التشاور مع هيئات الائتلاف. فردّت قيادة الائتلاف بالطريقة ذاتها؛ فلم تكتفِ بإلغاء قرار رئيس الحكومة، بل عملت الهيئة العامة للائتلاف على إقالة الحكومة، وذلك في ختام اجتماع عقدته في 20 و21 تموز/ يوليو 2014، وأكدت على ضرورة خلق أرضية جديدة للعمل تنتقل فيها الحكومة إلى الداخل.
غير أنّ هذه الخلافات التي برزت على السطح كشفت عن مشكلات أعمق يعانيها الائتلاف. ويبدو – كما أوضح سمير نشار عضو هيئة الائتلاف – أنّ إقالة طعمة كان لها دوافع “سياسية” وأخرى تتعلق بالأداء. كما تتعلق بمحاولة إزاحة هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على الحكومة، بالإضافة إلى الخلافات حول إقالة هيئة أركان الجيش السوري الحر التي لا تدخل ضمن صلاحيات الحكومة[3]. وتلا ذلك خلافات ونقاشات حادة تمخض عنها انتخاب هادي البحرة رئيسًا للائتلاف في 9 تموز/ يوليو 2014، إلى جانب انتخاب محمد قداح ونورا الأمير وعبد الحكيم بشار نوابًا له، ونصر الحريري أمينًا عامًا للائتلاف. وقد أوحى ذلك بالرغبة في عزل الإخوان المسلمين عن الواجهة. غير أنّ الإخوان أوضحوا “أنه لا يمكن تفسير إبعاد الإخوان عن الائتلاف بنظرية المؤامرة وإنما لأسباب تنافسية عديدة بين قوى الائتلاف، وزرع قوى علمانية كبيرة لدى إعادة تشكيل الائتلاف, ورغبة بعض الدول الداعمة في إقصاء الإخوان كسياسة عامة في المنطقة. غير أنّ الإخوان كقوة راشدة ستقبل نتيجة الانتخابات”[4].
ظروف تغيير المواقع القيادية وعوامله
اختار الائتلاف الوطني هيئته الرئاسية الجديدة، في مرحلة صعبة يستمر فيها النظام السوري في حربه الشاملة المدمرة على المدن والريف لا سيما على مدينة حلب، وفي الفترة التي انتهى فيها النظام من محاولة تجديد (شبابه) بإعادة انتخاب بشار الأسد لرئاسة ثالثة وفرضها كأمر واقع على الجميع، وأيضًا في الفترة التي صعدت فيها داعش وتوسع مجال سيطرتها ليشمل الرقة ودير الزور – إلّا القليل – وباتت تتطلع نحو الحسكة وحلب بالتزامن مع إعلان “الخلافة”. وبعد أن تعاظمت ثقة داعش بنفسها وسطوتها، يبدو أنها صارت تضيق بالهدنة غير المعلنة مع النظام؛ فشرعت في التمدد على حسابه، واجتاحت الفرقة 17 في الرقة، وهي آخر مواقع النظام في المحافظة.
ولعل الصورة الأشمل والأبسط للمشهد السوري وخريطة توزّع القوى فيه، تتجلى في تمركز ما تبقى من نظام في قلب مدينة دمشق والساحل، مع شريط قلق يصل بينهما، وسيطرة داعش على محافظتي الرقة ودير الزور ومحاولات تمددها في محافظة الحسكة لتتجه نحو ريف حلب الشمالي. فشهد النصف الثاني من تموز/ يوليو 2014 صدامات واسعة بين الطرفين أنهت إستراتيجيتهما القائمة على تجنّب الصدام وتمركز عملهما على التوسع على حساب فصائل الجيش الحر، والفصائل الإسلامية (الوطنية). وفي الجهة المقابلة، أعلنت “الجبهة الإسلامية” في حلب وريفها حل كل الفصائل الأخرى التابعة لها مقابل التوّحد تحت اسم واحد بقيادة عبد العزيز سلامة الذي تولى قيادة لواء التوحيد بعد اغتيال عبد القادر صالح. ويأتي قرار التوّحد في وقت يجري الحديث عن إعادة هيكلة الجيش الحر وتشكيل قيادة جديدة و”جيش وطني”، وتتقدم فصائل الجيش الحر على جبهات القلمون ودرعا وحماة، وهي المسارح الأبرز لإنهاك النظام. وقد عثر الثوار على مذكرات الجنرال الإيراني عبد الله السكندري بعد مقتله في مدينة حماة، وصف فيها الوضع الإستراتيجي لقوات النظام وحلفائه باليائس أمام استنزافها طويل النفس من قوات المعارضة[5].
هل هو إصلاح جذري أم تجميل شكلي؟
لا توحي المظاهر الأولية بالإصلاح؛ فهادي البحرة كان مقربًا من أحمد الجربا، بالإضافة إلى أنه كان أمين سرّ الكتلة الديمقراطية في الائتلاف التي دعمت انتخاب الجربا قبل أن تتفكك ويتخلى قسم منها عنه. ومن جهة أخرى، هناك دواعٍ للتفاؤل، فقد فاز البحرة في الانتخابات، بفضل توافق واسع في الهيئة العامة، ومن ثمّ فإنّ أمامه فرصة لجمع شمل البيت الداخلي، والارتقاء بالائتلاف إلى مستوى مؤسسة ذات لجان ومكاتب تخصصية، وتحتكم إلى العمل البرامجي الممنهج. كما أنّ انتخاب هيئة رئاسية جديدة، لم ينغمس أفرادها بمشكلات ماضي الائتلاف ومحاورها، تؤهلها – إن أرادت – للعمل على إحداث التغيير؛ فتشرع قيادة الائتلاف الجديدة بوضع خطة عامة يكون منطلقها التوجه إلى الداخل، ويعني هذا التواصل مع جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والفصائل العسكرية. وتقتضي من الائتلاف أن يثبت أهليته وجدارته، لبعث الثقة لدى السوريين بالمستقبل، وأن يثبت كذلك للمجتمع الدولي أنه يحظى بتأييد الداخل وقبوله؛ كي يحظى بمكانه المستحق في جميع المؤسسات الدولية والإقليمية لتمثيل الشعب السوري بمختلف أطيافه ومكوناته[6].
وعلى الرغم مما يمكن أن يُقال عن الائتلاف وسلبياته – وهي كثيرة – ومع الاتهامات الموجهة إليه بعدم قدرته على أداء دوره في تمثيل الثورة سياسيًا، فإنه يبقى حتى الآن الجهة السياسية الرسمية التي اعترفت بها أكثرية دول العالم بشكلٍ أو آخر، كما حافظ حتى الآن على توجهاته المدنية والديمقراطية التي تلتقي مع التوجهات الديمقراطية للقاعدة الشعبية العارمة للثورة وخزانها البشري. فالكتلة الأساسية من الشعب السوري لا تزال تحافظ على تعلقها بقيم الحرية والكرامة والدولة المدنية الديمقراطية، وهو ما أثبته استطلاع الرأي العام الذي قام به المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عندما كشف عن أنّ أكثرية السوريين ما زالت محافظة على تعلقها بنموذج الدولة المدنية الديمقراطية. هذه الكتلة هي الرصيد الشعبي الحقيقي للثورة وعليها يقع الرهان، مما يرتّب على الائتلاف أن يتحمل مسؤولية التعبير عن مرامي هذه الكتلة التاريخية ومقاصدها. ويبقى الائتلاف يمثل تجمعًا لقوى سياسية متنوعة تعكس خريطة القوى السياسية السوريّة. ومن ثمّ، فإنّ إقصاء الائتلاف أو التضحية به لا يخدم القوى المدنية الديمقراطية في الثورة ولا التيارات الديمقراطية في المعارضة، بل إنّ التصحيح هو الحل الأنجع لتعديل المسار؛ فالتاريخ هو عمل تراكمي لا يقوم على النفي العدمي!
لعل الظروف الصعبة التي يواجهها الائتلاف تشكل حافزًا لإمساكه بزمام المبادرة لاستعادة ثقة الجمهور بقيادته. ويقتضي هذا الارتقاء إلى مستوى التحدي التاريخي المصيري، بالترفّع عن الصغائر الشخصية وتوسيع دائرة المشاركة والنقد الذاتي، وتجنيب الائتلاف الدخول في سياسة المحاور العربية، وتكريس الجهد لتهيئة شروط النصر. وبالمقابل تلوح أمام الرئيس الجديد فرصة جمع شمل البيت الداخلي للائتلاف، وبخاصة أنه أتى بعد توافق كتلتين رئيستين فيه، هما كتلة الجربا وكتلة مصطفى الصباغ، إضافة إلى دعم كتل أخرى، فضلًا عن أنه يحظى بثقة أطراف مختلفة، سواء داخل الساحة السورية أو على صعيد الأطراف العربية والإقليمية والدولية. وفي هذا السياق، كتب عبد الباسط سيدا رئيس المجلس الوطني الأسبق “إنّ الجميع بات مدركًا خطورة الأزمة وعلى دراية بأبعادها وتبعاتها. وأصبح الجميع على يقين تام بأنه إذا استمرت الأمور على حالها، فالائتلاف برمته مهدد. لذا علينا أن نعمل لتوحيد القرار السياسي والعسكري، وذلك لن يكون من دون حوارات حقيقية بناءة، وجهود منظّمة جادة، تساهم في نقل عمل الائتلاف والحكومة والمؤسسات التابعة لهما إلى الداخل الوطني، بغية التفاعل مع القوى الميدانية، وترسيخ أسس العمل المشترك استعدادًا لمواجهة مختلف التحديات. ولا بد من أن نعطي القيادة الجديدة للائتلاف الفرصة عبر التعاون معها، وتوجيـه النقد البنّاء لها في الوقت المناسب. أما المنطق العدمي الذي يدعو إلى الانطلاق دائمًا من الصفر، فلم ولن يمكّننا من الاستثمار الحكيم لتجربة المعارضة السورية المتراكمة، بسلبياتها وإيجابياتها، لمصلحة مشروع مستقبلي يليق بسورية”[7].
[1] فايز سارة، “الائتلاف في مرمى النقد”، الشرق الأوسط ، 12 تموز/ يوليو 2014، انظر:
http://www.aawsat.com/home/article/136696
[2] لؤي صافي، “الائتلاف الوطني السوري”، ميدل إيست أونلاين، 2 حزيران/ يونيو 2014، انظر:
http://middle-east-online.com/?id=177767
[3] “(الائتلاف السوري) يقيل رئيس حكومة المعارضة الموقتة”، المستقبل، 23 تموز/ يوليو 2014، انظر:
http://www.almustaqbal.com/v4/article.aspx?Type=NP&ArticleID=625757
[4] صحيفة الغد، 30 تموز/ يوليو 2014.
[5] غازي دحمان، “شكرًا لأنكم خارج الجبهات”، المستقبل، 27 تموز/ يوليو2014، انظر:
http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=626196
[6] عمر كوش، “هل يغير انتخاب البحرة مسار الائتلاف؟” الجزيرة نت، 14/7/2014، انظر:
http://goo.gl/nd9u6s
[7] عبدالباسط سيدا، “الائتلاف الوطني السوري بين الأزمة والمطلوب”، الحياة، 26 تموز/ يوليو 2014.
الزواج الليبرالي ــ الإسلامي في سوريا/ محمد سيد رصاص
بعد أيام من قيام «المجلس الوطني السوري» في اسطنبول يوم 2 تشرين أول2011، وكان يضم أساساً الإخوان المسلمين و«إعلان دمشق» الذي يشكل «حزب الشعب الديمقراطي» عصبه الرئيسي، كان تعليق أحد أعضاء «الحزب الشيوعي – المكتب السياسي»، وهو من الذين عانوا من الملاحقة والاعتقال لفترة امتدت من 1980 إلى 1996، التالي: «شهوة هذا الزواج مع الاخوان المسلمين موجودة عند رياض الترك منذ عام 1980».
عملياً، كان «المجلس» المقام في اسطنبول بعد حوالى سبعة أشهر من بداية الأزمة السورية، حصيلة استقطابات برزت في الحياة السياسية السورية المعارضة منذ قيام «اعلان دمشق» في 16 تشرين الأول 2005 عندما اصطف في «الاعلان» الليبراليون والاسلاميون في صف ضد ناصريي «حزب الاتحاد الاشتراكي» وماركسيي «حزب العمل الشيوعي» حتى أسقط مرشحو الأخيرَين لقيادة «الاعلان» أثناء انعقاد مجلسه الوطني العام في 1 كانون الأول 2007. كان الخلاف مع الناصريين والماركسيين في «الاعلان» متمحوراً حول الموقف من «العامل الخارجي» حيث رفض ليبراليو «اعلان دمشق» واسلاميوه خلال سنتين اتخاذ موقف سلبي من «المشروع الأميركي للمنطقة» البادئ في العراق المغزو والمحتل ثم في لبنان القرار 1559 وما بعد 14 آذار 2005، وهو ما أدى إلى تفجير «الاعلان» في يوم 1 كانون الأول 2007 وخروج الناصريين والماركسيين منه.
بعد فشل «جنيف 2»
حصل فرز جديد تبلور في انتخابات تموز لرئاسة «الائتلاف»
كانت الخطبة لذلك الزواج في «اعلان دمشق» ولو خرج «الاخوان» منه في 7 كانون الثاني 2009 لما أعلنوا تجميد نشاطاتهم المعارضة للنظام أثناء حرب غزة، وخرجوا أيضاً في الوقت نفسه من «جبهة الخلاص» التي جمعتهم في حزيران 2006 مع عبد الحليم خدام، ما زعزع علاقتهم مع «الاعلان» وليبرالييه من دون أن ينهيها. فشلت تلك الخطبة الليبرالية ــ الاسلامية في 7 كانون الثاني 2009 ثم أعيد أحياؤها في الدوحة أثناء المحادثات التي جمعت «الاعلان» و«الاخوان» و«هيئة التنسيق» في الأسبوع الأول من أيلول 2011 لتشكيل «الائتلاف الوطني السوري». ولما فشلت تلك المحادثات على خلفية رفض «الهيئة» لـ«التدخل العسكري الخارجي» وضرورة تضمين الوثيقة التأسيسية للائتلاف تلك العبارة، اتجه «الاعلان» و«الاخوان» إلى تأسيس مجلس اسطنبول الذي انبنى على مراهنة على تكرار سوري للسيناريو العراقي والليبي لو لم يأت الفيتو المزدوج الروسي ــ الصيني في مجلس الأمن يوم 4 تشرين الأول 2011، بعد قيام «المجلس» بيومين، وإعلانه بدء توازنات دولية تمنع تكرار تجربة «الناتو» مع مجلس مصطفى عبد الجليل في ليبيا.
كان لقاء الليبراليين السوريين مع الاسلاميين مبنياً على تلاقيات فكرية ــ سياسية انبنت على المقولة التالية: «النظام جفف الينابيع الداخلية للتغيير، لذلك من غير الممكن الاعتماد عليها من أجل احداث توازنات داخلية كافية لاحداث التغيير بوسائل محلية، لهذا من المشروع الاعتماد على القوى الخارجية الدولية أو الاقليمية، كما جرى ضد عراق صدام حسين وضد ليبيا معمر القذافي، من أجل اسقاط النظام». كان «المجلس» في خريف2011 مبنياً على توجه أميركي ــ تركي ــ قطري بدأ ملموساً منذ يوم 18 آب 2011، لما دعا باراك أوباما الرئيس السوري «للتنحي» لأول مرة منذ بدء الأزمة السورية في درعا 18 آذار 2011. وكان واضحاً، منذ مصر ما بعد حسني مبارك وتونس ما بعد زين العابدين بن علي، ملامح الاعتماد الأميركي على «الاسلام السياسي» في مرحلة «الربيع العربي» ليكون بديلاً أميركياً من الأنظمة الجمهورية القائمة في البلدان الخمسة التي حصل فيها هذا «الربيع».
تكسرت موجات «الربيع العربي» في دمشق عام 2012: ترافق هذا منذ 11 أيلول 2012، يوم مقتل السفير الأميركي في ليبيا في بنغازي، مع بدء التنائي الأميركي مع «الاسلام السياسي» وبداية نقل التلزيم الأميركي لـ«المجلس» ثم «الائتلاف» – المقام في الدوحة يوم 11 تشرين الثاني 2012 – من أنقرة والدوحة إلى الرياض المعادية للاخوان المسلمين منذ أيار 2013. وكان عنوان هذا التلزيم التوسعة التي جرت في «الائتلاف» أواخر ذلك الشهر لاضعاف الاسلاميين والتي حصلت من خلال ادخال مستقلين وأيضاً يساريين سابقين، بعضهم كان ماركسياً، تحولوا إلى الليبرالية ولكن لم يكونوا مثل ليبراليي «اعلان دمشق» على وفاق أو رؤية متطابقة مع «الاخوان»، وقد اجتمعت عندهم التبعية للسعودية مع الخلاف مع «الاخوان» و«اعلان دمشق» بشأن القبول بالتسوية مع النظام عبر بيان جنيف1 التي قبلها الوافدون الجدد إلى «الائتلاف». خلال ثمانية أشهر حتى انعقاد مؤتمر «جنيف 2» في 22 كانون الثاني 2014 كان الوافدون الجدد للائتلاف في صراع ضدي استقطابي ضد «الاخوان» و«الاعلان»، حيث كان الأخيرون عصب «كتلة الـ44» التي انسحبت من الائتلاف بسبب القبول بـ «جنيف2». بعد فشل «جنيف 2» حصل فرز جديد تبلور في انتخابات تموز 2014 لرئاسة «الائتلاف»: وجد الليبراليون الذين أتوا عبر توسعة أيار 2013 أنفسهم في تناقض وتباعد، لأسباب تنظيمية أكثر منها سياسية، مع مستقلي هذه التوسعة التي أتت عبر قطار سعودي وبرعاية أميركية، وفي تقارب مع ليبراليي «اعلان دمشق» و«الاخوان» والاسلاميين والمستقلين كافة المحسوبين على أنقرة والدوحة. في تلك الانتخابات كان الخاسر الأكبر أمام الجربا والبحرة وليبرالي جديد مثل فايز سارة (مارس دور بروتوس مع رفاقه الليبراليين الآخرين) هم ليبراليون جدد، مثل ميشيل كيلو وموفق نيربية، الذين كانوا ماركسيين وأعضاء في «الحزب الشيوعي- المكتب السياسي» قبل أن يتحول كثير من أعضاء هذا الحزب ويؤسسوا «حزب الشعب الديمقراطي» بزعامة رياض الترك في أيار 2005 ويتبنوا «الليبرالية الجديدة» ويتجهوا إلى توجيه مراكبهم وفق الرياح الأميركية التي هبت على المنطقة مع سقوط بغداد بيد واشنطن في يوم 9 نيسان 2003.
في توسعة أيار2013 لـ«الائتلاف» وفي انتخابات رئاسته في تموز 2014 وقبلها في معركة ذهابه إلى «جنيف2» من الواضح أن الفريق الذي يجمع الاسلاميين والليبراليين الجدد هو الخاسر دائماً أمام الفريق الآخر الذي هو تحت مظلة واشنطن والرياض. ولن يزيد في قوته انضمام شخص مثل ميشيل كيلو الذي أطلق عليه أحدهم منذ 2005، لما جمع في العام نفسه بين عضوية «لجنة تطوير البعث» قبيل المؤتمر القطري لحزب البعث في حزيران 2005 ولعب دور رئيسي في توليد جنين «اعلان دمشق» في 16 تشرين أول 2005، الذي بدأ الحمل به في لقاء جمعه مع علي البيانوني في المغرب في أيار2005، لقب «جنبلاط سوريا» لكثرة تقلباته وشقلباته السياسية. هل يؤدي احساس رياض الترك بالمصائر الخاسرة والخائبة للزواج الليبرالي ــ الاسلامي إلى اتجاهه نحو فسخ هذا الزواج، وإلى مراجعة حصيلة مراهناته منذ خريف 2003 التي لم تصب كراتها ولا مرة شباك المرمى ولا حتى أخشابه الثلاثة؟
* كاتب سوري
الأخبار