مقالات لكتاب سوريين تناولت الائتلاف الوطني السوري
ائتلاف السوريين
سلام الكواكبي
بعد نقاشات مستفيضة وحوارات متشابكة وجهود مخلصة، توصلت قوى المعارضة السورية إلى التآلف وانتخبت رئيسا جديداً مع نائبين له. ضم الائتلاف الوطني السوري ممثلين عن غالبية القوى السياسية الفاعلة على الأرض وشخصيات وطنية ممثلة للتطلعات السورية على مختلف مشاربها. وشارك المجلس الوطني السوري، بعد إعادة هيكلته على أسس انتخابية وليس توافقية، بمجموعة كبيرة من المقاعد في الكيان السياسي الجديد.
توالت الاعترافات بالجسم السياسي السوري الجديد. فقد اعترفت فرنسا وتلتها تركيا وإيطاليا، وبصورة مجتزئة أميركا، بالائتلاف كممثل شرعي وحيد للشعب السوري بانتظار استكماله تشكيل حكومة مؤقتة يغلب عليها التكنوقراط. وجاءت التعبيرات الديبلوماسية مرحّبة من الدول الأخرى مع جرعة ترقب. من جهتها، لم تستطع الجامعة العربية أن تُشغل مقعد الدولة السورية الفارغ بممثلين عن الائتلاف الجديد بسبب تعنت بعض الدول الأعضاء ممن تخشى أن تصلها رياح التغيير أو من تلك التي تنأى بنفسها عن كل ما هو مسؤولية سياسية ووطنية وعسكرية تاركة قوى مسلحة غير مسؤولة تسيطر على دكاكينها التوافقية. وأتى تردد بعض الدول الأخرى مفاجئا للبعض ولكنه يدل على عجز ديبلوماسي في تفعيل آليات القرار في ضوء التغييرات الحاصلة في هذه الدولة أو تلك.
بالتأكيد، لا يعوّل السوريون كثيرا على دور هذه المنظمة الاقليمية إلا في حاملها الرمزي. وهم أيضا لا ينتظرون الكثير من الاعترافات الدولية خارج التأثير المعنوي واستعادة بعض الصدقية الأخلاقية التي تأخرت أشهرا عدة وتسهيل الحصول على المساعدات الإنسانية.
المهمات السياسية والتنظيمية كبيرة الحجم وهائلة المعنى أمام الائتلاف الجديد الذي سيحاول بالتأكيد عدم الوقوع في استعادة تجربة عدم فاعلية المجلس الوطني المترتبة عن ضعف الدعم الدولي، وعدم التواصل الفاعل مع القوى الثورية، والأنا المتضخمة لبعض أعضائه، وصيغته التوفيقية والتوافقية، رغم كل النيات الوطنية الصادقة.
وبانتخاب أحمد معاذ الخطيب رئيسا إلى جانب سهير الأتاسي ورياض سيف، يبدو أن السوريين ابتعدوا عن فكرة المحاصصة الطائفية أو المناطقية التي أراد لهم الجميع، بدءا من السلطة وانتهاء بالمبادرات السياسية الدولية والأممية، أن يتبنوها. وما حملته كلمات الخطيب في حفل توقيع الائتلاف من بساطة عميقة ومن توجهات أخلاقية، لا يمكن أن توصف بالمثالية، افتقدها الخطاب السياسي عموما منذ فترة، كان مؤشرا لوعي وجداني بصعوبة إدارة المرحلة بعيدا عن الوعود الخلابة والتصريحات المبالغ بها التي يُنتظر سماعها ممن يتولون منصبا جديدا بهذه الأهمية.
وعلى رغم من أن ممثلي جميع القوى السياسية كانوا حاضرين إعلاميا منذ آذار 2011 بخطابات مهمة، فإنه من الظلم أن تُعتبر كلمات الخطيب داخلة في السياق نفسه لأنها محدودة التفاؤل بحلول إعجازية وواضحة الرسائل الأخلاقية والوطنية وقوية الاعتماد على تواصل إنساني مع قوى الشباب والنساء التي همشتها السياسات التقليدية. الاعتماد على الذات صنعة سورية بامتياز، والرئيس الخطيب يعي هذا الأمر منذ اليوم الأول.
النهار
الائتلاف الوطني وضرورة اليقظة أمام مخاطر السيناريوهات الثلاث
د. سمير التقي
لم تعد سورية في خطر وحسب، بل صار الخطر وجودياً كما لم يكن. فبشار الأسد حاول طوال حكمه إثبات أنه أفضل الحلول السيئة، واستمر خلال الثورة كذلك، وهو في مواجهة هذا النمط المجيد الجديد من الثورة الذي ابتدعه شباب وأبطال الحراك الثوري بما هو نقيض تاريخي أرقى للنظام وبما هو نتاج عقل وأداة أكثر تحضراً وتطوراً اجتماعياً وسياسياً من مجمل منظومة النظام، فإن بشار أراد أن يفرض على الثورة من خلال عنفه البربري العاري، وحله الأمني الأخرق، أن تتحول ارتداداً إلى الوراء لتصبح مسخاً متخلفاً من طينته وجنسه.
وبحله الأمني ومنطقه الملتوي حاول بشار شرذمة المعارضة الخارجية، كي تصبح الثورة عنفاً عارياً بربرياً وعصابة بل بندقية بلا عقل، وكائناً أحمق عنيفاً جاهلاً يمضي بلا أي هدف سياسي.
لكن الثورة السورية المجيدة أثبتت أنها تجاوزت سن الطفولة السياسية، وأنتجت بديلها التاريخي المجيد. فلقد فعلها السوريون متفردين، دون انتظار هاتف من أحد ولا صفقات الدولية وإذ يقتات شعبنا اليوم بالفتات ويقسم رغيفه مشتركاً فإن على القوى الدولية أن تستنتج باكراً أن شعبنا لم ولن ينحني لبشار، ولا لأي غاصب غاشم آخر.
لن نقبل إلا أن تكون الثورة ناجزة بإسقاط كامل للنظام بكل رموزه وأدواته، ولن نقبل إلا الاستقلال كاملاً، كما لم نقبل سابقاً بالاستقلال إلا ناجزاً شامخاً عام 1936.
نعم، تقف سورية الآن على أعتاب مخاطر سياسية داهمة ومصيرية. فلقد نجح بشار جزئياً في أن يولد نقيضاً له من جنسه من خلال استشراء التطرف، ومع ذلك فإن السؤال الراهن لم يعد حول مصير سلطة بشار؟ فهو إلى مزبلة التاريخ قريباً لا محالة، بل أصبح السؤال كيف يمكن إنقاذ البلاد من براثن هذا الوحش قبل أن تنهار كل مكاسب وقيم الاستقلال، وكل ما أسسته سورية عبر تاريخها؟.
إن الثورة ليست مجرد شطب لتاريخ ماضٍ، بل هي بناء على أفضل ما أنتجه عقل وفكر وعرَق شعبنا على مدى العقود. فكيف يمكن أن نرضى بأن نخرج بسورية بربع ‘حرية’ تفتقد لأمجد ما انجزه شعبنا، ألا وهو استقلال الوطن وسيادته.
سورية كانت وستبقى أرض للعروبة والوطنية والتعدد، وإلا ما كنّا جديرين بدماء الثوار. سورية اليوم أمام مخاطر التقسيم والانكشاف التام على القوى الاقليمية الطامعة بمختلف راياتها. ولئن كانت الحرب الأهلية لم تصبح حقيقة عامة بعد، فإنها بلا شك وشيكة، مروعة وفادحة.
ثمة مخاطر ومطامع حقيقية اقليمية ودولية تحاول إعادة هيكلة منطقة سايكس بيكو، وتقطيعها عبر مشاريع تبدأ من فريد زكريا ولا ينتهي عند بريماكوف. فهذا يريد ممراً إلى البحر، وذاك يحاول قطع الطريق عليه واستعادة احلامه الماضية، وفي حين يلهث البعض وراء هذه القوة أو تلك، فإننا نؤكد هنا أن الغرب والشرق على حد سواء لن يتدخل إلا ليقصف بيوتنا وقرانا بحجة تواجد عناصر القاعدة فيها، وكل من يعتقد أن الغرب سيتدخل مباشرة في الصراع لإنقاذنا واهمٌ ومخدوع، ومنطق النصائح والسياسات التي يخرج بها السيد فورد إلى إدارته تذكرنا بالمنطق الاغترابي الكارثي لبرامرتز في العراق. وعلى الثورة ألا تشتري السمك في الماء أبداً، وهذا شاهدٌ آخر على سذاجة وهم التدخل الغربي.
والله لو أن بعض هذه القوى الخارجية سعت فعلاً لتمكيننا من إسقاط النظام وفتح طريق الحرية أمام سورية المستقبل، لاطمأنينا (مؤقتا وجزئياً). لكن العديد من المؤشرات والدلائل تثير خشيتنا وجل ما نخشاه هو صفقة تذهب فيها سورية من يدنا، وتبقي أدوات النظام. فبعد أن شبعنا خطوطاً من كل الألوان، وشربنا كل المقالب التي حرمنا فيها من حقنا في الدفاع عن النفس لن نقبل بأقل من سيادة الثورة. لا حاجة بنا للاستجداء وكل من يدعي ان الغرب لا يأبه لمصائر الوضع في المنطقة يعلم ان الغرب والشرق بات بعد الربيع العربي قلقاً على كل البنى الاستراتيجية التي أسس لها ويخطط لها لاحقاً في المنطقة. نعم سنفاوض ونتفهم ونتبادل المصالح لكن سيادتنا واستقلالنا الناجز وحماية الثورة من اي صفقات تحت الطاولة تجريها هذه القوة الاقليمية أو الدولية أمر لا مساومة عليه. إننا لا ندعو هنا للارتداد نحو سياسة انعزالية او مغامرة بل يجب عمل كل شيء على المستوى الدولي لاختصار درب العذابات المروع الذي سقط فيه شعبنا تحت براثن وحش دمشق ومن الطبيعي والمفهوم ان تؤخذ هنا التحالفات الدولية بعين الاعتبار وأن يجري جهد دبلوماسي وسياسي مضن من اجل التوفيق بين رؤية الثورة لسورية الجديدة ولسيادتها ومصالحها من جهة وبين المصالح الإقليمية المتقاطعة في منطقتنا من جهة أخرى. نحن إذاً امام ثلاثة سيناريوهات مترابطة بتسلسل زمني. أولها أن يغيب بشار الأسد، وينهار نظامه خلال أسابيع أو شهور قليلة مقبلة. في هذه الحالة ينبغي على قوى الثورة أن تكون جاهزة للتشارك مع كل القوى الخيرة وكل فئات الشعب السوري وما تبقى من مؤسسات الدولة لرسم طريق المرحلة الانتقالية. هنا ينبغي على قوى الثورة الأصيلة أن تكف عن القبول بالسير وراء الشعبوية والطفولة السياسية، بل أن تــــقولها وتثبتها الآن بصراحة: إنها ستدافع عن أهلنا من العلويين والمسيحيين والدروز والأكراد، وغيرهم من إخوتنا في الوطن بنفس روح التضحية والتصميم والقناعة التي تقاتل فيـــها النظام الطائفي، الذي نطــــمح لإسقاطه وتفكيك مكوناته. لامجال للالتباس هنا هذه هي النزاهة والقيادة السياسية المطلوبة من أجل سورية المستقبل، ونحن لن نسير خلف أية عفوية عبيطة همجية جنونية تستكمل حريق البلاد. ولا مجال إلا للقول أيضاً أن الثورة ستقتص بسلطة التشريع والقانون من كل من تلوثت أيديهم بدماء السوريين الأبرياء أياً كانوا.
هذه ثورتنا، وهي لن تقبل بأقل من وطن جديد بعيد عن كل ما يمت لطائفية بشار والمطامع الإقليمية والدولية. ولدينا هنا بضعة أسابيع قبل أن يفرض سقوط الشمال من قبضة النظام واقعاً جديداً يحتم على قوى الثورة السورية احباط محاول النظام الاستئثار بدمشق وقطع الطريق على بشار من أن يكون أفضل الحلول الكارثية لسورية.
وإلا فإننا سنمضي نحو السيناريو الثاني: يعلم بشار أن لا أم المعارك في حلب ولا في أختها دير الزور مكتوب لها اية ثمرة، فإن فشلت المعارضة السياسة في توحيد قواها وتأمين الأساس السياسي كشرط لإطلاق التفاعل التسلسلي لمرحلة ما بعد بشار، فإن تفكك الدولة من جهة وتقدم الثوار عبر انتصاراتهم العظيمة في الشمال رغم بدائية وسائلهم من جهة أخرى، سيؤدي إلى أن يسير بشار في السيناريو الذي يعمل عليه منذ الآن، ألا وهو: الاحتفاظ بما تبقى من دمشق سانداً ظهره غرباً إلى حليفه عبر الحدود اللبنانية، آملاً أن يتمكن، عبر سلسلة من المذابح، من تأمين شبه كيان، ليكون مجرد جنرال حرب على رأس شقفة من سورية، عله يكون جزءاً من حل إقليمي ما في المستقبل. وإلا فما معنى تهديد لافروف وفورد بتقسيم سورية؟ .
لكن ماذا لو استمر توازن الضعف القائم بين الثورة وقوى الثورة ولم يتمكن بشار من حرف الصراع في هذا الاتجاه رغم سقوط الشمال؟ وطالما أن بابا نويل التدخل الأجنبي لن يأتي فإننا سننحدر نحو السيناريو الثالث: إذ لا يبقى أمام بشار إلا دفع البلاد نحو حرب أهلية شاملة ومفتوحة.
فأمام سيناريوهات التقسيم أو الحرب الطائفية البغيضة أو مخاطر اختطاف الثورة وتدجينها عبر صفقات او أجندات إقليمية، فان السيناريو الآمن الوحيد هو سيناريو الوحدة والتصميم على السير بالثورة إلى النهاية. العامل الحاسم في قطع الطريق على أي من هذه السناريوهات هو مدى قدرة قوى الثورة والشعب على قطع الطريق سواء على ألاعيب النظام أو على القوى الخارجية المتربصة. إنها الوحدة ثم الوحدة ثم الوحدة.
كان تشكيل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية انجازاً وطنياً كبيراً. وبغض النظر عن حيثياته وكواليسه المعروفة جاء تشكيل الائتلاف نجاحاً لكل مخلص لقضية الوطن السوري الحر الكريم. إنها محاولة جدية لإنتاج عقل جماعي يكون الأداة السياسية القادرة على قهر هذا الديناصور الذي أنشب أظافره في لحم أطفالنا وتاريخنا ومجتمعنا، وكل ما أنتجه شعبنا منذ الاستقلال. لقد أطلق تشكيل الائتلاف تداعيات مهمة لمصلحة الثورة، وكان انتخاب الشيخ معاذ الخطيب، هذه الشخصية الوطنية المرموقة، خياراً صحيحاً تماماً، ولسنا هنا في معرض مدح الشيخ، لكنه بكل ما يتمتع به من مناقب يشكل عاملاً حكيماً موحداً من جهة، وضمانة مهمة لدرء مخاطر الطريق. وسيلتف لاشك عندي ان الشعب السوري سيلتف بقوة حول الائتلاف تدعيماً وتعزيزاً عبر المزيد من الوحدة.
لكن التجربة علمتنا أن التحديات قد تكون أكبر منّا جميعاً. فالثورة لن تمحض مصيرها على عماها لأي كان سوى لروحها الحرة التي لن تقبل إلا بالخلاص التام من كل أمراض وبقايا المرحلة السابقة.
الطريق لا تزال محفوفة بالمخاطر والمنزلقات. ومن يعرف تاريخ سورية الوطني يدرك أن القضية الوطنية فيها كانت وستبقى أهم الأقانيم التي تحدد الوعي السياسي والاجتماعي للشعب السوري. إن يقظة الشعب ستبقى تترقب كل خطوة سيخطيها الائتلاف، ونحن نثق أن الائتلاف لن يقبل إلحاق الثورة بأية أجندة غير الأجندة الوطنية الموحدة الجامعة للشعب السوري الحر بكل مكوناته وطوائفه، ومن هذا المنطلق، وبغض النظر عما يحتاجه الائتلاف من مأسسة وتطوير لأدواته السياسية والتنظيمية، فإن ثورتنا وائتلافنا الوطني يحتاجان إلى الحذر والتنبه الشديد من تلك الصفقات التي قد تدبّر من وراء ظهر الثورة. نحن لا نقصد توتير ولا تعقيد علاقاتنا في هذه المرحلة مع أي من الأطراف الدولية، لكن عيوننا ستبقى مفتوحة. فسورية كانت منذ أربعة آلاف عام العقدة الاقليمية الأهم، وكي تبقى كذلك فإنه ينبغي لنا، نحن السوريين، أن نكون جديرين بها.
‘ كاتب سوري – رئيس مركز الشرق للأبحاث – دبي
القدس العربي
بداية العد العكسي للنظام السوري
عمر كوش
العد العكسي
تحول مفصلي
تركيبة الائتلاف وأهدافه
الدعم الدولي
لا يجادل عاقل في أن النظام السوري يمكنه الاستمرار في حكم السوريين، أي أن يحكم سوريا على طريقته إلى الأبد، فنهاية هذا النظام محتومة، وبدأت عندما كسرت جموع السوريون حاجز الخوف، وخرجوا في تظاهرات سلمية تطالب بإسقاطه، وما زالوا مصرين على بولغ غايتهم، ونيل مرادهم في الحرية والكرامة، بالرغم من الكلفة الإنسانية الباهظة التي يدفعونها يومياً، منذ أكثر من عشرين شهراً، فضلاً عما يلاقونه من ملاحقة، وتهجير، وتشريد، وتخريب، وتدمير، وحرق لأملاكهم، وأماكن عيشهم وسكناهم.
العد العكسي
ويبدو أن العدّ العكسي لنهاية النظام قد بدأ بالفعل، وأيامه باتت معدودة، خاصة بعد التطورات التي حدثت في الداخل السوري، والتحولات التي عرفتها المعارضة السورية، التي تكللت في نجاح “المبادرة الوطنية السورية” في تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، بوصفه مظلة سياسية واسعة، حاضنة لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومنوط بها مهام عديدة، لعل أهمها توحيد المجموعات والتشكيلات العسكرية في الداخل، وتقوية المجالس المحلية في مختلف المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتمكين الناس في الداخل السوري، من خلال تأمين ممكنات مقاومتهم واستمرار حراكهم الثوري.
ويدفع التفكير باقتراب نهاية النظام إلى الخشية من الفراغ الذي قد يحدثه سقوط مفاجئ. وما يدعم توقع السقوط المنتظر هو فقدان النظام السيطرة على مساحات كبيرة من سوريا، وذلك بعد التقدم الواضح للجيش السوري الحر والتشكيلات العسكرية الأخرى، بالرغم من فارق القوة العسكرية واللوجستية ما بين قوات النظام وسائر المجموعات العسكرية المدافعة عن الثورة، الأمر الذي يفسره، ليس فقط حالة الإنهاك التي بات يعاني منها الجيش السوري، بعد إقحامه في معارك الشوارع والأحياء والبلدات السورية، وحدوث انشقاقات متتالية ومتسارعة في تركيبته، بل هناك أمور عديدة، تتعلق بأن المجندين داخل الجيش النظامي مكرهون في معظمهم على القيام بما يطلب منهم، تحت تهديد الإعدام الميداني والتصفية والاعتقال، وقسم منهم مغرر به، ويستخدم ضحية أو وقوداً لخدمة بقاء رموز النظام في السلطة.
بالمقابل، فإن غالبية الثوار يدافعون عن أحيائهم وبلداتهم وأماكن عيشهم وسكناهم في وجه اجتياحات وحدات الجيش وقوى الأمن وقطعان الشبيحة، وبالتالي، فإنهم مسلحون ليس بالعزيمة والإصرار والاستعداد للتضحية فقط، بل يحظون بالاحتضان من طرف الناس، الذين يجمعهم الإيمان بضرورة الخلاص مهما كانت التضحيات والخسائر.
وهناك تقارير تشير بوضوح إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وشحّ الموارد المالية، التي يسخرها النظام من أجل تمويل شبيحته وقواه الأمنية والعسكرية، وهبوط قيمة الليرة السورية السريع، في الآونة الأخيرة، أمام العملات الأجنبية، بما يؤشر على اقتراب النظام من حالة الإفلاس والانهيار المالي والاقتصادي، التي يحدّ منها بشكل أو بآخر، تدفق الدعم المالي والاقتصادي الإيراني، والإسناد الروسي، ودعم بعض أفراد مافيات النظام وأعوانه، الذين عاشوا طويلاً على نهب مقدرات البلد واستثمار حالة الفساد والإفساد، إلى جانب دعم بعض الأطراف من دول الجوار وسواها.
تحول مفصلي
ويعتبر نجاح “المبادرة الوطنية السورية” في تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، عاملاً هاماً، سيلعب دوراً كبيراً في التعجيل بإسقاط النظام، وهو أمر يعيه النظام السوري تماماً ويخشى تبعاته، الأمر الذي يفسر اعتبار بعض الناطقين باسم تشكيل الائتلاف بمثابة إعلان حرب.
والمفارقة في الأمر، والمثير للسخرية المرّة، في نفس الوقت، هو أن كل ما تقوم به طائرات ودبابات وقوات أمن وشبيحة هذا النظام، منذ أكثر من عشرين شهرا، ضد الثائرين والمدنيين في مختلف المدن والمناطق السورية لا يعتبر في معياريته المخاتلة والزائفة حرباً على الشعب السوري.
ويأتي تخوف النظام السوري من تيقنه بأن الائتلاف، ليس تشكيلاً سياسياً فقط، بل لأنه مظلة سياسية واسعة، حاضنة لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومنوط بها مهام عديدة، لعل أهمها توحيد المجموعات والتشكيلات العسكرية في الداخل، وتقوية المجالس المحلية في مختلف المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتمكين الناس في الداخل السوري، من خلال تأمين ممكنات مقاومتهم واستمرار حراكهم الثوري.
ويمثل الائتلاف الوطني الجديد تحالفاً حقيقياً، من حيث ضمه غالبية قوى ومكونات الثورة، وجاء كي يعبر عن تحول مفصلي في مسار الأزمة السورية، الأمر يفتح الباب واسعاً أمام متغيرات وتطورات جوهرية في المشهد السوري على مختلف المستويات، السياسية والدبلوماسية والقانونية، ويحدث تغيراً في ميزان القوى الميداني على الأرض.
وما يجعل الائتلاف الوطني حدثاً مفصلياً، هو قدرته على قيادة الحراك الثوري، وفق منهج واضح وخطط ممأسسة، واتخاذ خطوات تسهم في التعجيل بسقوط النظام، خاصة وأن إجماعاً داخلياً تحقق حوله، وحول المبادرة الوطنية، بوصفها حاجة داخلية، فرضتها ظروف الثورة، بمعنى أن ولادة الائتلاف جاءت استجابة لحاجة الثورة السورية، ولإنهاء مطالب وذرائع القوى الخارجية، التي اشترطت ضرورة وحدة قوى المعارضة السورية، مقابل دعم الثورة، أي إنها لم تأت على يد ساسة الولايات المتحدة أو فرنسا أو تركيا أو قطر وسواها، بل إن توافق قوى الثورة السورية هو الذي صنعها، مع عدم التقليل من أهمية الجهود التي بذلها مسؤولون قطريون وبعض سفراء دول أصدقاء الشعب السوري، وساهمت بشكل حثيث في تقريب وجهات النظر.
وتفرض ظروف الوضع السوري على الائتلاف الوطني، أن تكون الأولوية هي تلبية احتياجات الحراك الثوري، بوصفه مصدر الشرعية الحقيقية لأي تشكيل سياسي، ولعل خروج السوريين في تظاهرات “جمعة دعم الائتلاف الوطني”، تعني اعتراف وتأييد الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، الأمر الذي يلقي على الائتلاف مهمة التواصل الممأسس والمدروس مع الفصائل والقوى والشخصيات المعارضة في الداخل بشكل فعّال، والاستماع لآرائهم وإشراكهم الفعلي في قرارات وتوجهات هيئات الائتلاف. إضافة إلى إشراك مختلف قوى الائتلاف في الرؤية والتوجهات الإستراتيجية والخطوات التكتيكية، التي تهدف إلى تمكين الثورة من بلوغ مرادها، فضلاً عن التنسيق والتوجيه والتعبئة لمختلف جهود وطاقات قوى الثورة.
وما يدعم نشأة الائتلاف، بناء على حاجة داخلية، هو أنه وفور الإعلان عن التشكيل الجديد للمعارضة السورية، بدأت تصدر بيانات التأييد والدعم داخل سوريا، من مختلف التنسيقيات والمجالس المحلية، المدنية والثورية، في المحافظات والبلدات السوية، ومن الجيش الحر وتشكيلات عسكرية عديدة، الأمر الذي يعني بداية عملية إعادة ترتيب موازين القوى لمختلف القوى الفاعلة في الثورة السورية.
تركيبة الائتلاف وأهدافه
نجح “ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية” في ضم طيف واسع من خارطة المعارضة السياسية وقوى الثورة السورية، فهو يضم ممثلين عن “المجلس الوطني السوري”، وعن “المجلس الوطني الكردي”، والمجالس المحلية لجميع المحافظات السورية، والعديد من الشخصيات الوطنية المستقلة، وشخصيات منشقة عن النظام.
كما يضم ممثلين عن الهيئة العامة للثورة السورية، ولجان التنسيق المحلية، والمجلس الثوري لعشائر سوريا، ورابطة العلماء السوريين، ورابطة الكتاب السوريين الأحرار، والمنتدى السوري للأعمال، وتيار مواطنة، وهيئة أمناء الثورة، وحركة معاً، وحزب الاتحاد الاشتراكي، العضوين في “هيئة التنسيق للتغيير الوطني في سوريا”، والكتلة الوطنية الديمقراطية السورية، وممثلين عن تنظيمي الحركة التركمانية.
ويمكن أن نقرأ خارطة القوى والشخصيات المشاركة في الائتلاف، من حيث شمولها غالبية القوى الفاعلة في الثورة السورية. وهو أمر لم يتحقق -من قبل- في أي تشكيل سياسي للثورة السورية، والأهم هو أن قادة الائتلاف هم من نتاج الثورة في الداخل السوري، وساهموا في حراكها على الأرض، وتعرضوا للسجن والملاحقة، واضطروا إلى مغادرة بلدهم.
كما أن التشكيل الجديد، لا يُلغي ولا يُهمّش أياً من القوى الثورية والمعارضة، بل يوفّق بينها جميعاً في بنية تنظيمية، تنهض على التحالف، بما يضمن العمل المشترك البنّاء، خاصة وأن الثورة السورية بأمس الحاجة لوجود قيادة قوية، قائمة على المشاركة والندية، لا على التفرد والاستئثار، وتعمل على الاستجابة لحاجات الثورة، وعلى تطمين جميع أبناء سوريا، بمختلف انتماءاتهم وحساسياتهم إلى مستقبلهم، الأمر الذي يكسب هذه البنية التنظيمية التأييد الشعبي، بما يعني امتلاكها الشرعية اللازمة للحصول على الاعتراف بها كممثلٍ له.
وأكدت وثائق الائتلاف على الحفاظ على السيادة الوطنية، واستقلالية القرار الوطني السوري، والحفاظ على وحدة التراب الوطني السوري، ووحدة الشعب السوري، وعلى رفض الحوار أو التفاوض مع النظام السوري، وأن لا يبدأ الحل السياسي في سوريا، إلا بتنحية بشار الأسد، ورحيل كافة رموز السلطة القامعة، وضمان محاسبة المسؤولين منهم عن دماء السوريين، مع التأكيد على أن المرحلة الانتقالية، هدفها تأمين قيام سوريا المدنية التعددية الديمقراطية. فضلاً عن أن الائتلاف سيسعى إلى إنشاء صندوق دعم الشعب السوري، ودعم الجيش الحر، وإدارة المناطق المحررة، وتأمين الاعتراف الدولي.
والمتوقع أن ينبثق عن الائتلاف مجلس عسكري أعلى، يضم ممثلي المجالس العسكرية والكتائب المسلحة، ولجنة قضائية، وفي نهاية المطاف يشرف على تشكيل حكومة مؤقتة من التكنوقراط. وذلك على خلفية الانطلاق من اعتبار وحدة العمل العسكري شرطاً أساسياً لبلوغ أهداف الثورة السورية، بدءاً من إسقاط النظام، وحماية الشعب، وتأمين المرحلة الانتقالية، ومنع إشاعة الفوضى بعد السقوط، والتعامل مع الفلتان الأمني، وصولاً إلى تشكيل جيشٍ وطني حقيقي، لذلك من المهم التواصل مع القادة العسكريين على الأرض بغرض تحقيق هذا الهدف في إطار تشكيل إطار مجلس عسكري أعلى يعمل تحت سقف وطني.
ويبدو أن وعي غالبية الثوار متقدم في هذا السياق، حيث أخذت تتشكل مجالس محلية في المناطق المحررة، وعدد من الكتائب والمجموعات بدأت تدرك أهمية تجميع القوى، على خلفية إدراكها بأن الوحدة والتنظيم هما الطريق الأقرب لإسقاط النظام. وقد ظهرت بالفعل تكتلات وتشكيلات رئيسية تضم داخلها عدداً من الكتائب الفرعية، وهو أمر يسهم في توحيد العمل العسكري.
الدعم الدولي
لم يتأخر الاعتراف الدولي بالائتلاف، حيث دشّن مجلس التعاون الخليجي الاعتراف بالائتلاف، بوصفه “ممثلاً شرعياً للشعب السوري”، فيما بقيت جامعة الدول العربية دون هذا السقف. وجاء الاعتراف الفرنسي، ثم التركي، بالائتلاف كـ”ممثل شرعي وحيد للشعب السوري”، ليعطي دفعة قوية للائتلاف، وسيتبعها اعترافات دولية وعربية أخرى، بالرغم من التردد والتلعثم الأميركي حيال الاعتراف بالائتلاف ودعمه. كما أن الحديث عن مناطق حظر الطيران قد عاد إلى التداول إلى جانب إمكانية الإمداد بالأسلحة النوعية للجيش الحر.
ولا شك في أن الدعم الدولي للائتلاف سيسهم في تقصير عمر النظام، ولعل الأجدى بقوى النظام ورموزه الرحيل قبل فوات الأوان.
الجزيرة نت
أين الإئتلاف الوطني من – الدولة الإسلامية- في شمال سوريا؟
فلورنس غزلان
مازالت الأرض رخوة تحت قدمي الإئتلاف الوطني السوري المُشَّكل حديثاً، لم يستقم عوده بعد ولم يشكل لجانه ومؤسساته، كما أنه لم ينشيء حكومة انتقالية تعتمد التكنوقراط في تشكليها ” كما نوه “، ناهيك على أنه تعهد بالحوار والتشاور مع أطراف معارِضة أخرى لم تنضوِ حتى الآن تحت جناح الإئتلاف وبالذات التي تختلف معه ، وعليه أن يبادر للقاء بها والسعي لانضمامها بين صفوفه وتمثيلها من خلال توسيع رقعة التمثيل في الإئتلاف …وباعتقادي أنه بدأ خطواته العملية بهذا الاتجاه…، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم مع تسارع الحدث المُعَرقل لكل توافق واجتماع ، مازال أمامه مهمة أساسية منوطة به وبدوره …إن أراد أن تجتمع عليه المعارضة بكامل أطيافها والشعب السوري بمجمل تكويناته…ألا وهو الجناح العسكري للثورة ودور الإئتلاف في توحيده وتمثيله ..وأن يحدد موقفه بوضوح من شراذم وطفيليات تعتاش على مثالب الثورة وعلى أذرع خارجية من جهة وتمويلية ذات مصلحة أيديولوجية تدعمها من تحت الطاولة ، تنفذ من خلالها أجندات لاتصب بمصلحة الثورة ولا بما حلم به ويحلم المواطن السوري، الذي يقدم الغالي والنفيس من ولد وعمل وسكن وسكينة أياً كان انتماءه المذهبي أو العشائري…الثورة وأبناءها أرادوا وطناً سورياً حراً، أرادوا كرامة ومساواة ، أرادوا عدالة لاتميز ولا تفضل…أرادوا راية الاستقلال رمزاً لدولتهم ورفعوها في مظاهراتهم وفوق كل مبنى حرروه ، رسموها فوق المدارس والجدران…ووشموها فوق أذرعتهم لتجتمع تحت خفقاتها كل أبناء سوريا بحدودها الأربعة ومدنها وريفها…فكيف تجرؤ جماعات معظم عناصرها غريب عن الوطن ، فشلت في إنشاء حلمها في العراق وافغانستان، فراحت تحفر خنادق ومتاريس وترفع أعلاماً سوداء …لاتمت لتاريخنا السوري ولا لثورتنا بصلة، تعيش وَهمَ الماضي وتسعى لجعله واقعاً مفروضاً متخذة من كتائبها المشبوهة وأموالها القذرة طريقاً لانشاء إمارتها…
فأن يأتي الرد وعلى لسان من منحناه ثقتنا، السيد معاذ الخطيب:” بأن معظم الشعب السوري مسلماً وغير مسلم يحب الإسلام، وأن هؤلاء ..فئة تعبر عن رأيها “! ، ــ التعبير عن الرأي لايعني فرضه على الآخر، ومحبة الإسلام كدين لاتعني أن نشرع لمن يريد أو يوكل نفسه ناطقاً باسم الله ودينه أميراً سياسياً علينا! ــ وأعتقد أنه نوع من تدوير الكلام والالتفاف على الشفافية والصراحة التي نرجوها، هذا أولاً ، وثانياً …أرجو ومعي ملايين من أبناء الوطن، بأن الوقفة الحازمة ومن اللحظة ضروية لتجنب المنزلقات فيما بعد ، والتي يعدها هؤلاء مستقبلاً لسرقة الثورة من أبائها الحقيقيين، وتسمح لنا بالتساؤل:ـ
لماذا لايتم انضواء هؤلاء تحت قيادة الجيش الحر الموحدة ومركزيتها وتوزيع أفرادهم على كل الكتائب دون أن يُسمح لهم بالتكتل وإحتلال مواقع ومساحات من الأرض لايستطيع أي عنصر من الجيش الحر دخولها أو فرض سيطرته عليها !، باعتباره الجيش المشروع والمعترف به من الشعب السوري وباعتبار قيادة المجلس العسكري في محافظة حلب هي المسؤولة والشرعية ؟!!
فلو عملت كل كتيبة على هواها، وكل فصيل رفض الانصياع، فلن نتفاجأ بعد أيام قليلة أن نعيش صراعاً بين من يرفض القيادة السورية الموحدة ومن ينصاع لها، فنهدي حينها لبشار الأسد نصره علينا،ــ وخاصة أن الكثير من الإشارات توحي بأن بعض هذه الكتائب هو صنيعة النظام كما كان حاله حين أنتج في الماضي القريب ” فتح الاسلام ” ودمر مخيم نهر البارد، فهل نتعلم من عبر ودروس لم يمض عليها وقتاً طويلاً؟ ــ وألا ندفع بالثورة للغوص في وحل حرب أهلية لاتختلف عن العرقنة والصوملة بشيء..أهذا مانريده ومايريده الائتلاف الوطني؟!.
باريس 19/11/2012
الائتلاف الوطني السوري فرصةٌ ذهبية.. وأخيرة…
وائل ميرزا
من المرفوض أن يُصبح الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية كياناً مُقدساً لا يجوز نقده أو مساءلته ومحاسبته، فهو في نهاية المطاف اجتهادٌ بشري استُخدِمَ العقل الجمعي في التخطيط لقيامه. والتعامل مع الائتلاف وشؤونه الآن من خلال العقل الجمعي السوري هو الضمان الأكبر لنجاحه في أداء مهماته.
من هنا، لا تثريب على أحدٍ في أن يقدم ما يراه من النصح والمشورة، ومن واجب الائتلاف وأعضائه الاستفادة من كل مساهمةٍ تأتي في هذا الإطار، بل وإيجاد آليات جديدة تبادر باستيعاب فائض طاقة السوريين التي انفجرت في كل مجال مع هذه الثورة.
لكن الخطيئة الكبرى تتمثل في الغفلة عن نافذة الفرصة التي فتحها إطلاقهُ في هذه المرحلة. فولادة الائتلاف لم تكن أمراً يسيراً كما يظنّ البعض.. ونقول لمن يؤمنون بالحسابات البشرية فقط إن تجميع قدرٍ كبير من التوازنات والحسابات الحساسة التي توافرت محلياً وإقليمياً ودولياً هو الذي سمح بتلك الولادة.. ولمن يؤمن بوجود إرادةٍ ربانية غالبة، نؤكد أن ثمة قدراً كبيراً من التوفيق والتيسير كان لا بد أن يوجد لكي يظهر الائتلاف إلى الواقع.
لهذا، يجب أن يكون الفشلُ ممنوعاً في هذه المرحلة. والعمل لتجنب أي نوعٍ من أنواعه مسؤوليةٌ تحملها كل الأطراف السورية المساهمة في الثورة دون استثناء.
فقيادة الائتلاف مسؤولة، وحين تنال تلك الدرجة من القبول والدعم الشعبي بناءً على مصداقيتها التاريخية وانبثاقها من رحم الثورة، فإن هذا يرفع درجة مسؤوليتها للعمل باستمرار من أجل بناء مؤسسة تليق بتلك الثورة، تكون قادرةً على ترتيب الأولويات، واستيعاب كل من له قدرةٌ على العمل الفعال المهني المحترف بعيداً عن الخلفيات الأيديولوجية والولاءات الشخصية، مع حتمية التركيز على الإنجاز السريع والحقيقي في كل المجالات.
ويجب أن تتذكر القيادة باستمرار أنه لا يوجد شيء يؤكد شرعية الائتلاف وإمكان استمراره أكثر من الإنجاز الفعلي الذي يجب أن يشعر به السوريون بوضوح. وسيكون من الخطأ اعتقادُ هذا الطرف أو ذاك بأن الائتلاف يستمدّ قوته من أي مصدرٍ آخر غير إرادة أبناء الثورة وشعبها الكبير.
ثمة شرائح من شياطين الإنس والجنّ تعمل هذه الأيام ليل نهار لتشغل القيادة عن مهمتها الحقيقية، وتزرع بين أعضائها الهواجس والوساوس، وتحرفها عن التركيز على واجبها الأصيل. ولن يظهر الكمون الخطير لمثل هذه الممارسات إلا بإقرارنا ببشرية القيادة من ناحية، وبأنها بكل عناصرها وجدت نفسها فجأة في موقعٍ يتطلب نقلات كبيرة وجذرية في طرق التفكير والعمل والإدارة والقيادة.. وإذا كان دور الرصيد الثقافي والاجتماعي السابق مهماً دون شك، فإن ثورةً إداريةً ومؤسسية أصبحت مطلوبةً للارتفاع إلى أهلية ملء مواقع قيادةٍ يُفترض بها أن تفكر وتتصرف وتُقرر وتُخطط على مستوى قيادة الدول ورجالاتها.
فضلاً عن هذا، لا نقاش في أن كل طرفٍ من أطراف الائتلاف مسؤول، من المجلس الوطني إلى المجالس المحلية، مروراً بالتنظيمات الثورية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني.
وفي معرض الحديث عن المجلس الوطني ومطالبته (المشروعة) بمزيد من المشاركة في صناعة القرار والتمثيل، ربما آن الأوان ليقف المجلس مع نفسه وقفة مراجعةٍ ونقد لأن كثيراً من ممارساته وخياراته السياسية في أثناء تشكيل الائتلاف لم تكن مدروسةً على الإطلاق. تكفي في هذا الباب أمثلة ثلاثة. فقد بدأ الخطأ الكبير من قبل المجلس في إعراضه عن ترشيح رموزه القوية وشخصياته الأساسية خلال انتخاب قيادة الائتلاف. ومع الاحترام لكل من ترشّح باسم المجلس، فإن طبيعة الترشيحات بدت وكأن فيها درجةً من القصد بألا ينجح ممثلو المجلس لغايةٍ في نفس يعقوب لا نعلم إن قضاها أم لم يفعل.
ثم إن رئيس المجلس السيد جورح صبرا كان مدعواً رسمياً للمشاركة في وفدٍ ائتلافي موحد توجد فيه القيادة بأسرها في أهم اجتماع دولي تلا إنشاءه، وعُقد في لندن لمناقشة موضوع حساس جداً يتعلق بإقرار صندوق الدعم ووضع آلياته. لكن رئيس المجلس رفض الحضور إلى لندن والانضمام للوفد في الزيارة لأسباب مجهولة، مفضلاً القيام بزيارة خاصة في مكانٍ آخر في نفس التوقيت.. لا ندري إن كان مثل هذا القرار فردياً أو جماعياً، لكنه أثار استغراب العديد من الدوائر الدولية، وأسهم في إشاعة أجواء توحي أن المجلس يُريد إفشال الائتلاف وجهوده من البداية من خلال المقاطعة. في حين كان لحضور رئيس المجلس أن يضع مسألة المشاركة في القرار على سكتها الطبيعية من اللحظة الأولى.
وتأتي ثالثة الأثافي من استمرار حالة التخبط والفوضى داخل المجلس الذي لم يستطع الاتفاق على ممثليه في الائتلاف، في حين لم تتبق إلا أيام لعقد اجتماع الهيئة العامة له في القاهرة. كما أن من الواضح أن ثمة انقساماً بين من يريدون نجاح الائتلاف بتجرد وإخلاص، وآخرين لا يزالون يحاولون وضع العصي في دواليبه بكل شكلٍ مُعلنٍ كان أو مستوراً.. وإذا كان هذا التحليل يحمل مصداقية فإن من غير اللائق أن يحاول المجلس القفز على أزماته التنظيمية من خلال التركيز على (منافسٍ) خارجي توضع عليه كل اللائمة.
أما ممثلو المجالس المحلية فحريٌ بهم أن يُثبتوا مصداقية تأهيلهم لتمثيل مناطقهم من خلال العمل الدؤوب والتواصل المستمر مع الداخل، لأن وجودهم يمثل جزءاً مقدراً من مصداقية الائتلاف لا يمكن تأكيده إلا بالعمل المحترف في مجالهم المحدد.
وفي نفس الإطار، تُصبح التكوينات الثورية مُطالبة أيضاً بإثبات مصداقية وزنها العملي السياسي والعسكري الثوري على أرض الواقع، بعيداً عن تضخّم الجانب الإعلامي في عملها والذي يوحي لكثيرين بأنهم يُعطون حجماً أكثر من حجمهم الحقيقي. ولا يكون هذا إلا بتواصلٍ داخلي فعال مع العاملين على الأرض لا يتمُّ توظيفه في سياقات تنظيمية أيديولوجية، وإنما في إطار إظهار عملٍ فعال يصب في خدمة الائتلاف.
ولن يمكن لأعضاء المجلس من (الشخصيات الوطنية) استحقاق تمثيلهم ما لم يكونوا بمثابة كتلةٍ تمثل صمام أمان للائتلاف، من خلال دورهم الفعال في تأكيد الجامع الوطني المشترك، والتحفز الدائم لحماية المجلس من أي عملية انسحابٍ أيديولوجي أو حزبي في اتجاهٍ من الاتجاهات.
ومن المؤسف على بعض مكونات المعارضة السورية وشخصياتها المحترمة التي أكّدت دعمها للائتلاف في البداية أن تنسحب وقد نصّبت نفسها حاميةً للأقليات وللتوجهات الليبرالية العلمانية بطروحات ثقافية تحمل شعارات وطنية كبرى. بل الأنكى أن تتسرب آراء لهؤلاء بدؤوا يطرحونها في مجالس إقليمية ودولية تتهم الائتلاف بأنه، مرةً أخرى، إسلامي التوجه والسيطرة!؟
نعم. تشكيل الائتلاف الوطني السوري فرصةٌ ذهبية وأخيرة.
لكن هذا لا يعني عدم مضي الثورة في تحقيق أهدافها، لأن الفرصة التي نتحدث عنها هي للساسة والمعارضين. وإذا أخفق هؤلاء في جمع صفوفهم ومأسسة أدائهم والقيام بدورهم، فلن تلفظهم فقط القوى الإقليمية والعالمية التي ستزهد فيهم بشكلٍ نهائي وغير قابلٍ للرجعة، وإنما سيكون هذا مدعاةً لأن تصل الثورة إلى قناعة بعدم صلاحيتهم النهائية، لتعمل على إفراز قيادة سياسية يمكن لها أن تكون أكثر التصاقاً بالثورة، لتعمل على خدمتها وتحقيق تطلعاتها.
لا مفر من ترتيب أمور الائتلاف بطريقة هي أشبه بالثورة على طرق العمل والإدارة والتنظيم التقليدية، واستبدالها بأخرى مبتكرة تستخدم لغة العصر وأدواته ومفرداته بكل حرفنة. وهي ثورةٌ أخرى يجب أن يتواجد فيها بكثافة شباب الثورة الأقرب إلى استخدام تلك اللغة والأدوات، في حين يبقى القادة رموزاً تُركز على صناعة الرؤى والمحددات الاستراتيجية ومراقبة تنفيذها.
وفي معزل عن هذه الروح ستضيع هذه الفرصة على جميع الساسة والمعارضين، ولن يكون بطاقة أحدٍ كائناً من كان الدخول في عملية جديدة لجمع المعارضة السورية بعد اليوم. وستنقلب المعادلة عليهم رأساً على عقب في زمنٍ يضمن الخسارة فيه من يلجأ للأساليب القديمة البالية، ويظهر فعلاً حاجة لقيادة سورية سياسية جديدة تكون الأولى لقيادة المراحل القادمة. والمشكلة أن الذي يعتقد أن كوادر هذه القيادة غير متوافرة واهمٌ إلى حدٍ كبير، ولا يعرف على الإطلاق ما يجري داخل سوريا.
ما أحقر التاريخ حين يكرّر نفسه
إلى الشيخ معاذ الخطيب: أيهما الأصدق الصوت أم الصورة؟
بطرس الحلاق
أُخذتُ بكلمتك النبيلة يا شيخ معاذ. في صوتك نبرة من نبرات ذلك التسعيني الرائع الشيخ كريّم راجح، كبير قراء دمشق، حين واجه الحاكم الظالم بمسؤولياته والسيف مسلط فوق رقبته، وفيه قلت حينها إنه «أبو ذر الحديث في شامنا المفداة». وفي صوتك نغمة من نغمات المرحوم عبد الرحمن الكواكبي، شهيد النضال ضد الاستبداد في مطلع القرن العشرين، حين طالب بالحرية والمساواة فوق الانتماءات الدينية، أساسا لبناء الوطن (كتابه الرائع «طبائع الاستبداد»، عام 1904). وفي صوتك لغة آباء الاستقلال المعمَّمين، حين دعوا للوحدة الوطنية. وفي معجمك مفردات عن سوريا بمجتمعها العريق الذي ساهم مساهمة متميزة في صنع الحضارة منذ فجر التاريخ؛ مفردات لم أسمعها من غيرك في حضرة أكبر قوة عسكرية في العالم وأكبر قوة غازية في المنطقة. وأفخر باعتزازك أمام الجبّارين بتاريخ أهلك. وكم أطربني تأكيدك على أن الكلمة الفصل في السلطة الوطنية ستكون كلمة الشعب حين يختار ممثليه في انتخابات حرة. صوت حر يبشّر بوطن حر.
أما الصورة – ولا أقصد صورتك الشخصية الجذابة، بل صورة جمهورك – فلا تتناسب مع الصوت النبيل، أقلّه حتى الآن.
ولا أعني صورة الأفراد الشخصية – فكل يستوجب الاحترام بقدر نبل موقفه – بل أقصد المواقف والوظائف. وأولهم المجلس الوطني السوري كهيئة سياسية. فقد دخل الائتلافَ مُكرها، بعد أن هدّده مموّلوه ودُعاته بفضح «فواتيره» (مقال محمد بلوط في سفير الاثنين 12/11/2012). ثم استحوذ على الائتلاف مباشرةً (له 22 صوتا من أصل 60) أو مداورةً، بما أن معظم «الشخصيات الوطنية» ينتمون إليه حاليا أو انشقوا عنه سابقا. يكاد يكون الائتلاف حكرا على تيار الإخوان المسلمين، وكلهم من الذكور. لا يمثل «الأقلية» الكبرى (أي النساء المواطنات) إلا سيدتان إحداهما كانت تدور في فلك المجلس. وأما الهيئات السياسية الأخرى فلا ذكر لها، إلا ممثل فريق رياض الترك. وأما فئات المجمتع الأخرى فتقتصر على موازنات إثنية هشة (الأكراد، الآشوريون …) وتمثيل غائم للعسكريين المنشـقين المهـنيين وللشبيبة التي أسست للحراك. وأما مناضلو المجتمع المدني التاريخيون فشبه مُغيّبون. فأين صورة المجتمع السوري الكاملة بما أن «الشعب السوري واحد، واحد، واحد»؟
وهناك ما هو أدهى. كلمة تلقى في حضور الأسياد، وهم بشكل مكشوف أصحاب المبادرة، كما أعلن عنها السيد رياض سيف، أي: سفير الولايات المتحدة في دمشق ووزير خارجية قطر. الأول سفير دولة تجلت ديموقراطيتها ونزاهتها في الدفاع عن الشعوب من الفيتنام وأميريكا اللاتينية إلى العراق وفلسطين مرورا بأفغانستان وغيرها. والثاني محرّك الإستراتجية الدولية بعد انتصار قوى المقاومة على إسرائيل عام 2006. إستراتجية تقوم على تأجيج الطائفية بين السنة والشيعة لحرف الشعوب العربية عن مسار التحرر الخارجي والداخلي. إستراتجية استزلمت، بفضل مواردها الهائلة، النخبة العربية شبه كاملة، وأضافت إليها دول أوروبا المنهارة اقتصاديا، بدءا من فرنسا: فها هي تغدق عليها المال بشكل مباشر (الاستثمارات) أو غير مباشر بشراء ترسانة من الأسلحة لا ندري ما جدواها، وتشتري مؤسساتها الثقافية، وتموّل حملاتها الانتخابية، بحيث أصبحت مدينة لها، لا فرق بين ساركوزي وهولاند. وواضح أن للولايات المتحدة وقطر هدفا سياسيا موحدا: إعادة رسم خريطة «الشرق الأوسط الجديد» الذي حبل به فريق السيد بوش ولا يزال مستمرا بدونه. ولا يتحقق هذا الهدف إلا بتفتيت الشعوب العربية بداية الأمر، وذلك بتجريدها من مشروعها الوطني أو القومي المبني على المصالح والثقافة المشتركة.
فأي وزن للشعب السوري في هذه الحسابات؟ وهل يعطي الديموقراطيةَ من يخشاها على مصالحه (الولايات المتحدة بأوباما أو بغيره) أو من يخشاها ويفقدها في نفس الوقت، شأن قطر ودول شبه الجزيرة التي تعتبر كلمة الديموقراطية نفسها مفردة أعجمية بلهاء. هل يعطي الشيء فاقدُه؟
الصورة نكراء مخيفة، ينكرها الحس الوطني. وذلك لأنها تضعنا على طريق المجلس الانتقالي الليبي بنتائجه التي تفقأ العين بنجاحها الباهر. وهذا المسار لا يصلح إلا لتحقيق أمرين، هما طلب القوى الخارجية. من جهة، ضرب إيران بكسر الحلقة الضعيفة في حلفها (النظام السوري) بدعم مباشر من إسرائيل، ومن جهة أخرى تهميش الحركات الجهادية المتطرفة لئلا تتحكم في المعادلة السياسية الدولية كما هي الحال في أفغانستان وفي الجوار الليبي. وأما مصير الشعب السوري فآخر ما يقلقهم.
أما نحن، فمطالبنا أخرى. هل نريد تدمير الدولة بمؤسساتها الوطنية وعلى رأسها الجيش الوطني، بحجة القضاء على نظام احتكره، أم ترميم هذه الدولة بسحبها من يد النظام لإعادتها إلى الشعب؟ أما لمسنا نتائج الحل الأول في العراق المشرع للحركات المتطرفة وللنظام الطائفي وللتدمير اليومي؟
هل نريد إخراج سوريا من حلف آحادي لندخلها في حلف أحادي نقيض للأول، أيا كان حكمنا على كل منهما، أم نريدها سيدة قرارها في تحالفات تخدم مصالح مشروعها الوطني وتؤهلها لبناء مشروع جماعي للمنطقة العربية من منطلق منفتح وبعيد عن الشوفينية؟
وهل نريد استعادة مسيرة الاستقلال (بعد أن جمّدها النظام الحالي منذ أكثر من أربعة عقود) في سبيل انجاز كيان وطني موحد وحديث، غني بتعدديته التاريخية وبانفتاحه الحضاري؟ أم نريد انتقاما يجتث نظام الطغيان ومعه كل من يعتبره أصحاب الضغينة – ومعهم أسياد العصر في المنطقة – شركاء وأعوانا للنظام، لمجرد انتمائهم لنفس الطائفة، فندخل إذاك في عملية تفتيت تنخر اليوم العراق، بعد أن جرّدته من تراث بشري مذهل بغناه، وتركته فريسة للميليشيات الرسمية وغير الرسمية، وللحركات التكفيرية والانفصالية. أمّا أسياد العصر فلا همّ يشغلهم ما دام النفط يتدفق!
فهل نستطيع أن نتجنب هذه المزالق القاتلة إلا بالتعبير عن إرادة مكوّنات الشعب السوري موحدة؟ وهل نستطيع أن نفرض مشروعنا على حليفنا المفترض إلا بالاستقواء بعزيمة شعبنا، إلا إذا أصبح الاستقلال أو الحرية أو الديموقراطية والمشروع الوطني هبةً من أصحاب النعم، أو نعمةً تغدقها من الخارج قوة عسكرية أو مالية؟
اعذرني على موقفي الساذج يا شيخي الكريم معاذ. منتهى آمالي أن تتمكن، بحكمتك وحصافتك المعهودتين، أن تؤلّب حولك من القدرات الوطنية ما يكفي للتعالي على طلاب الثأر ولتطويع القوى الخارجية التي لا تهتدي إلا بمصالحها. كم أحلم أن يكون اسمك يوما في السجل الوطني إلى جانب يوسف العظمة، أو ابراهيم هنانو وسلطان الأطرش وصالح العلي، أو فارس الخوري وحتى شكري القوتلي إياه. في مطلع القرن الماضي، انتظرنا الحرية من الأمير فيصل بن الحسين، فإذا به يخذلنا بعد أن خذله حلفاؤه في مؤتمر فرساي، فيجمع حقائبه ويغادر دمشق راضيا بـ«ترضية» وضيعة، هي منصب حاكم شكلي على العراق. فلم يبق في الساحة وقتها إلا ذلك الشهم، يوسف العظمة، يجابه الغزو والإذلال ببضع مئات من الكرام، شهادةً أمام التاريخ لا غير. وتكررت تجربتنا مع آخرين من الاتحاد السوفياتي «صديق الشعوب» إلى اميريكا «طليعة الديموقراطية». فلن ننتظر الحرية من جديد ممن انقلبوا على أجدادنا ولا من سواهم! ما أحقر التاريخ حين يكرر نفسه!
ومن سذاجتي أني لا أزال أعتقد أن حراك الشبيبة مفصل تأسيسي في تاريخنا بأكلمه: هبّة مواطنين في سبيل بناء الوطن وباليد العارية. سرعان ما فهم النظام القمعي القائم خطورة ذلك الحراك، فحرفه عن هدفه. وسال دم شبيبتنا الغالي. وهل انتفضنا نحن جميعا إلا تلبية لدعوتهم الرائعة؟ أيجوز أن ننقلب على رسالتهم البكر، فنقبل بالفئوية ونسلّم زمام أمورنا للخارج؟ وأنت الأعلم بأن التحالف مع قوى صديقة مخلصة على أساس مشروع وطني غير الاستقواء بها حين نكون ضعفاء. فلنستقوِ أولا بوحدة الوطن وإرادة أهله مجتمعين قبل كل شيء. إن كل محاولة لنقل آلية الحراك لغير الوطن إنما تؤول إلى قتل الشبيبة مرة أخرى – ما عاذ الله أن تكون في هذا الوارد.
دعني أحلم قليلا. هلاّ دعوتَ إلى مؤتمر وطني شامل يعبّئ كافة مكوّنات الشعب السوري التي، كما نعلم، مضطهدة كلها، بالرغم من ادّعاء النظام بحماية بعضها، إلا إذا صدّقنا أن الذئب يحمي النعاج. ولا بد من أن يعقد هذا اللقاء في حمى شعب عربي يشهد له تاريخه بالاستقلالية وسبق له أن ثار، كشعب مصر أو تونس مثلا. وفيه تُحدّد المسؤوليات والمهمات بدون استئثار بسلطة ودون تجيير لمصالح خارجية.
أيّدك الله بتأييد الشعب، أيها الشيخ الكريم.
دمتَ وفيّا لتاريخك المُشرّف في هيئات المجتمع المدني ولما أعلنته في خطابك الأول، لتبقى وفيّا للأمل فتصبح راية جديدة لوطن ذبيح ومتوثّب للنهوض، وتُكذّب مخاوفنا.
دمت أمينا لدم الشبيبة ونهجها الرائع، تيمنا بذلك «الأمين» الأول، محمد بن عبد الله، نبيّنا العربي ومؤسس صرح ثقافتنا.
النهار
مخاطر صراع المعارضة السورية.. المجلس والائتلاف
سمير سعيفان
ربما لم تتح الظروف أفضل مما كان. لكن إنجاز الائتلاف الوطني وانضمام المجلس الوطني له، رغم الملاحظات، خطوة هامة وكبيرة يمكن ويجب أن تحقق تقدما كبيرا وفرقا كبيرا بل ونقطة تحول في مسيرة الثورة السورية.
ولكن كان من اللافت أن يدعى جورج صبرا رئيس المجلس الوطني السوري ليلقي كلمة المعارضة السورية في ‘مؤتمر الشراكة في الاستثمار’ الذي عقد في دبي في 21 تشرين الثاني 2012 بينما لم يدع الشيخ معاذ الخطيب رئيس ‘الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة’ الذي تم تشكيله مؤخراً في الدوحة وانضم إليه المجلس الوطني كأحد مكوناته. وكان من اللافت أيضاً أن جورج صبرا في كلمته المشار إليها أعلاه لم يتطرق للائتلاف وكأنه لم يوجد. إذا أخذنا أيضاً استقبال جورج صبرا من قبل كل من وزراء خارجية السعودية والإمارات وتركيا، بينما لم يستقبلوا رئيس الائتلاف بعد. كل هذا يشير إلى ما يظهر للعلن الى عدم رضى سعودي إمارتي تركي على تشكيل الائتلاف الوطني بالشكل الذي تم فيه. وإذا كان موقف تركيا مفهوم لأنه كان وبقي داعماً للمجلس الوطني الذي تشكل في استانبول في مطلع تشرين الأول 2011، فكان من اللافت تبدل موقف السعودية والإمارات المتحفظ في دعمهما للمجلس الوطني. وكانت السعودية والإمارات قد شجعتا قيام الائتلاف الوطني منذ انطلاق النشاط لتكوينه.
ولمزيد من التعرف على موقف المجلس الوطني من الائتلاف دخلت إلى موقع المجلس على الإنترنت
h t t p : // a r . s y r i a n c o u n c i l . o r g/
فكانت أخباره قديمة يعود أحدثها للثاني من تشرين الثاني 2012. ثم دخلت على موقعهم على الفيسبوك
https://w w w . f a c e b o o k . c o m/T h e S y r i a n N a t i o n a l C o u n c i l
فكانت أخباره تازا. فقد أورد خبر خطاب جورج صبرا المذكور أعلاه في افتتاح مؤتمر المشاركة في الاستثمار. وقد بحثت في هذا الموقع فلم أجد حتى مجرد خبر أو ذكر للائتلاف وتشكيله ووثائقه وواقع أن المجلس أصبح جزءاً منه، وكأن الائتلاف لم يوجد بعد. الذكر الوحيد الذي وجدته هو خبر تسمية د. منذر ماخوس كسفير للشعب السوري في فرنسا. وكانت صيغة الخبر كالتالي ‘تعيين عضو المجلس الوطني والكتلة المؤسسة للمجلس وعضو الإئتلاف الوطني الدكتور منذر ماخوس سفيراً للشعب السوري لدى فرنسا’ أي تم تقديم اسم المجلس على اسم الائتلاف رغم أن ماخوس سمي بعد زيارة الائتلاف لفرنسا وليس بعد زيارة المجلس.
كما ورد في موقع المجلس على الفيسبوك ‘عقد المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري دورة انعقاد جديدة في اسطنبول الأحد (18 ت2/ نوفمبر 2012) بعد اجتماع الهيئة العامة في الدوحة وانتخابات الأمانة العامة والمكتب التنفيذي …….. ودعوة الأمانة لعقد اجتماع لبحث صلة المجلس بالائتلاف الوطني بعد التوقيع بالأحرف الأولى على وثيقة الإعلان، حيث سيتم بحث قرار المشاركة وطبيعته’. إذاً مازالت مشاركة المجلس في الائتلاف موضع نقاش وغير محسومة لدى المجلس. خاصة وأن المادة 11 من اتفاق تشكيل الائتلاف تنص على التالي: ‘لا يعد هذا الاتفاق ساريا إلا بعد المصادقة عليه من الجهات المرجعية لأطرافه أصولا’. ولم يعلن المجلس أن ‘جهاته المرجعية’ قد صادقت على الاتفاق، مما يترك الباب مفتوحاً للانضمام من عدمه. ولكن سلوك المجلس حتى الآن يشي بأن المجلس يرجح عدم الانضمام.
إعلان بعض الكتائب في حلب عن رفضها للائتلاف وإعلانها عن قيام دولة إسلامية والذي كان له الوقع السيء جداً على الثورة، وقدم خدمة جليلة للنظام، ثم قيام كتائب أخرى في حلب بإعلان تأييدها للائتلاف، كل هذا لم يكن ببعيد عن الخلاف بل الصراع القطري السعودي. هذا يعيدنا إلى الموافقة الصعبة للمجلس في الدوحة على الانضمام للائتلاف والتي تمت تحت ضغوط شديدة استمرت حتى منتصف الليل، فبدت موافقة المجلس كزواج بالإكراه. وهذا ما يبرز في مواقف المجلس الذي يتصرف وكأن الائتلاف غير موجود ولا علاقة للمجلس به.
لهذا الوضع مخاطره على الائتلاف بل وعلى المجلس نفسه والأهم على الثورة السورية، فوحدة المعارضة مع توحيد الكتائب المسلحة ووضعها تحت قيادة سياسية هو شرط يضعه المجتمع العربي والدولي لتقديم دعم أكثر فاعلية. وفعلاً، فقد لقي قيام الائتلاف الوطني بمجرد الإعلان عنه ترحيباً واسعاً من قبل المجتمعين العربي والدولي ومن الحراك الثوري على الأرض. وانعكس هذا في انطلاق اعترافات دولية بالائتلاف كممثل شرعي أو شرعي ووحيد للشعب السوري ومبادرة باريس لتسمية سفير لسورية، بينما عجز المجلس عن ذلك على مدى عام ونيف.
يبدو أن ثمة شيء أزعج السعوديين والإماراتيين في عملية تشكيل الائتلاف كما أن بعض أطراف الحراك وقوى المعارضة لم تكن راضية عن تكوين أعضاء الائتلاف ال 63 ونسب التمثيل. فقد لعبت قطر الدور الرئيسي، وبالتالي لم تؤخذ رؤية السعودية والإمارات، ولم تؤخذ رؤية بعض فصائل الحراك وقوى المعارضة بعين الاعتبار. فقد كان التشاور لتشكيل بنية أعضاء الائتلاف والجهات المشاركة ومن دعي اليه يكاد ينحصر بقطر تقريباً، ولم يتوسع التشاور ليضم السعودية والإمارات ولم يتوسع ليضم قوى ثورية ومعارضة أخرى ما زالت غير منضمة للائتلاف أو رفضت تلبية الدعوة للمشاركة فيه، لأن الدعوة وجهت لها دون أن يسبقها تشاور معها. هذا ما ترك ويترك اثارا واضحة على الائتلاف. ولأن الوحدة ضرورية جداً فلا بد من تجاوز نقاط الضعف هذه التي تمت بسبب الإسراع والاستعجال وبسبب عدم التشاور وبسبب المبالغة في مراعاة المجلس حتى في توقيت عقد لقاء المبادرة.
لأن الوحدة مطلوبة، فيجب تدارك نقاط الضعف هذه التي تخلق المخاطر الكثيرة. و على لقاء الائتلاف القادم أن يحسم النقاط التالية:
ـ الحرص وبذل الجهود كي يحسم المجلس موقفه إيجاباً بالموافقة النهائية على الانضمام للائتلاف، وإن لم يفعل، فيجب أن يحسمها بالاتجاه المعاكس. وفي حال موافقته على الانضمام أن يحل نفسه وأن يتم التعامل مع مكوناته على قدم المساواة مع المكونات الأخرى. فليس من المقبول أن يبقى المجلس كتكتل داخل الائتلاف. هذا يساعد بتجاوز الخلافات والخندقة السابقة. وحينها سيتم الانتفاع بكوادر وخبرات وعلاقات مكاتب المجلس في تشكيل مكاتب الائتلاف.
ـ أن يسرع الائتلاف في زيارة السعودية والإمارات والتعرف على رؤيتهما وتحديد مطالبهما بدقة والاتفاق على إجراءات تضمن دعمهما للمبادرة، فدعمهما له أهمية كبيرة لينضم إلى الدعم الآخر.
ـ أن تسرع قيادة الائتلاف بالتشاور مع مكونات ثورية أخرى ومع قوى ديمقراطية لم تدع أو لم تلب الدعوة والتشاور معها وبذل الجهود لضمان انضمامها للائتلاف. ونفس الأمر بالنسبة للمكونات الكردية.
ـ أن ينتهي الائتلاف من مسودات نظامه الداخلي وبنيته التنظيمية ومكاتبه وأن ينتهي من مسودات تكوين مكتب الإغاثة الموحد والمكتب العسكري والحكومة المؤقتة، وأن ينظم التشاور لتسمية من سيشغل عضوية هذه المكاتب. وأن يهتم بالاستعانة بأهل الخبرة والاختصاص. وبدون تنظيم عمله الداخلي بشكل جيد لن يستطيع القيام بالمهام الجسام الملقاة على عاتقه.
أن ينتهي الائتلاف من إجراءات إقامة كافة قياداته والعاملين الدائمين في مكاتبه في نفس المدينة (القاهرة) فبدون ذلك لا يمكن القيام بقيادة وإدارة فعالة.
ان ينتهي من وضع مسودات لخطة عمل شامله للائتلاف ومكاتبه.
ـ ان تعرض كافة هذه الوثائق على الاجتماع القادم للهيئة العامة للمجلس كي تقرها وتعلنها وتضعها قيد التطبيق لكسب ثقة الداخل أولاً والخارج ثانياً. يجب الخلاص من تقاليد العمل غير المنظم الذي ألفته المعارضة السورية، والخلاص من الاجتماعات الواسعة الطويلة التي لا تحضر بشكل جيد وتفتقد لجداول أعمال، والخلاص من النقاشات الطويلة والتي تضيع الوقت والتي ألفتها المعارضة سابقاً. ويجب الخلاص من حصر العمل بعدد ضيق من قيادات المعارضة/الائتلاف. فالمهام كبيرة وتتطلب عمل فرق عمل منظمة جيداً تقوم بعمل احترافي مقترن بالموهبة السياسية.
يبدو الائتلاف في وضع حرج وزمن ضيق، وعليه أن ينجح في كل ما ورد أعلاه وخلال شهر واحد للنجاح وهي مهمة صعبة.
‘ كاتب سوري
القدس العربي
الائتلاف السوري الجديد وتغيّر موازين القوى
عمر كوش
بيّنت تجربة تناثر تشكيلات المعارضة السورية أن المشكلة ليست خلافات سياسية بين تيارات وقوى، بل تفشي أمراض متعددة الأبعاد، عملت على تثبيط فاعلية أطرها وهيئاتها ومجالسها، وبدلاً من أن تشكل داعماً حقيقياً للثورة صارت عالة عليها، حيث لم تقدم لها الدعم الكافي، فضلاً عن عدم تمكنها من قيادة الثورة الشعبية الواضحة الأهداف. واكتفت قيادات المعارضة بترديد مطالب الناس، وما تصدح به حناجر المتظاهرين من شعارات المتظاهرين، الأمر الذي بيّن انقطاعها العملي عن وقائع الثورة ومسارها وتحولاتها.
وقد بذلت مساع عديدة مع “المجلس الوطني السوري”، كي يضم مجموعات المعارضة الأخرى، لكنه فشل في ذلك، بالرغم من عقد عدة اجتماعات لقوى المعارضة السورية، أهمها كان مؤتمر القاهرة، الذي عقد في الثاني والثالث من تموز / يوليو 2012، وصدرت عنه وثائق هامة.
ومع توالي جهود جمع قوى المعارضة في هيئة أو ائتلاف جديد، برزت مبادرة رياض سيف، التي عرفت باسم “المبادرة الوطنية السورية”، ولاقت قبولاً ودعماً قوياً لدى قوى دولية وإقليمية وعربية، حيث اجتمع في لقاء تشاوري بالعاصمة القطرية الدوحة، في الثامن من تشرين الثاني / نوفمبر 2012، ممثلون عن غالبية قوى وهيئات المعارضة السياسية السورية، إلى جانب شخصيات مستقلة، وممثلون عن قوى الحراك والمجالس المحلية للمحافظات السورية. وبعد ثلاثة أيام من الشد والجذب والنقاشات والاجتماعات، اتفق المجتمعون على تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، الذي يعتبر تحولاً في مسار المعارضة السورية، وتغيراً في موازين القوى، سيؤثر بلا شك بشكل كبير على مسار الأزمة السورية، وقد يسرع الوصول إلى نهايتها.
ويبدو أن عناصر عديدة، تقف وراء مسعى قوى المجتمع الدولي الفاعلة في الملف السوري لتجميع المعارضة تحت مظلة واحدة، أهمها، الخشية من الفراغ الذي قد يحدثه سقوط مفاجئ ووشيك للنظام السوري، بناء على التقدم الواضح للجيش السوري الحر والتشكيلات العسكرية الأخرى، وعلى حالة الانهاك التي بات يعاني منها الجيش السوري، بعد اقحامه في معارك الشوارع والأحياء والبلدات السورية، وحدوث انشقاقات متتالية ومتسارعة في تركيبته. إضافة إلى اقتراب النظام من حالة الإفلاس الاقتصادي وتناقص الموارد المالية، التي يعوض جزءا منها الدعم الإيراني، ودعم أطراف في الحكومة العراقية وقوى أخرى داخلية وخارجية. وهناك التخوف من تنامي قوة بعض التشكيلات المسلحة المتطرفة، ومن امتداد الأزمة السورية إلى دول الجوار، وخاصة إلى لبنان والعراق، حيث يحاول النظام السوري جاهداً تصدير أزمته إلى الخارج. يشهد على ذلك التوتر والمناوشات التي تشهدها الحدود التركية السورية، وكذلك الحدود الأردنية، إلى جانب التوتر والاحتقان الذي تعرفه الساحة اللبنانية، خاصة بعد انكشاف ملف التفجيرات الذي اتهم فيه الوزير اللبناني الأسبق ميشال سماحة، وتبعها عملية اغتيال رئيس شعبة المعلومات في الاستخبارات اللبنانية، حيث مازالت تبعات عملية الاغتيال تتفاعل في ثنايا توظيفات الطائفية السياسية في لبنان.
وقد عنى فوز باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية، انتهاء ساسة الولايات المتحدة من حساباتهم الانتخابية، والالتفات إلى الملفات الدولية، وبالتالي إعطاء الملف السوري المزيد من الاهتمام. وهو أمر يعيه الأوروبيون جيداً، حيث أعلنت بريطانيا، خلال زيارة رئيس وزرائها ديفيد كاميرون لمخيم الزعتري في الأردن في 7 تشرين الثاني الجاري، أنها ستفتح خط اتصال مباشر مع المعارضة المسلحة في سوريا، بعد أن كانت تقصر اتصالاتها على القادة السياسيين، ثم جاءت تصريحات رئيس أركان الجيش البريطاني، الجنرال “ديفد ريتشاردز”، عن إمكانية نشر قوات بريطانية حول الحدود السورية. إضافة إلى تصريحات، “أندرس فوغ راسموسن”، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، عن استعداد الحلف لحماية تركيا من أي خطر ناجم عن الصراع في سوريا، وتأكيده عن وجود خطط جاهزة في هذا الصدد.
ومع الإعلان عن التشكيل الجديد للمعارضة السورية، بدأ ينال الاعتراف الدولي، بالتزامن مع صدور بيانات التأييد والدعم داخل سوريا، من مختلف التنسيقيات والمجالس المحلية، المدنية والثورية، في المحافظات والبلدات السوية، ومن قوى المعارضة العسكرية، الأمر الذي يعني بداية عملية إعادة ترتيب موازين القوى لمختلف القوى الفاعلة في الثورة السورية.
والناظر في خارطة القوى والشخصيات المشاركة، يجد أنها شاملة لمختلف القوى الفاعلة في الثورة السورية. وهو أمر لم يتحقق من قبل في أي تشكيل سياسي للثورة السورية، والأهم هو أن قادة الائتلاف هم من نتاج الثورة في الداخل السوري، وساهموا في حراكها على الأرض، وتعرضوا للسجن والملاحقة، واضطروا إلى مغادرة بلدهم.
ويمكن القول إن المبادرة الوطنية السورية، التي تمخض عنها تشكيل الائتلاف، نشأت بناء على حاجة داخلية سورية، ولم تك وليدة ساسة الولايات المتحدة أو فرنسا أو تركيا أو قطر وسواها، أي صنعها سوريون، مع عدم التنكر للجهود الكبيرة التي بذلها المسؤولون في دولة قطر، وبعض سفراء دول أصدقاء الشعب السوري في العمل على تقريب وجهات النظر.
وكان رياض سيف المبادر الذي حملها، وأخذ على عاتقه مهمة جمع التأييد الدولي والإقليمي لها، والأهم هو تمكنه من جمع مختلف أطياف المعارضة لمأسسة المبادرة وجعلها صناعة سورية بامتياز. وقد عمل معه ناشطون ومعارضون، خلال الأشهر الثلاثة المنصرفة، كي يجدوا سبيلاً لإطلاقها، فبحثوا في ممكنات نجاحها، وفي حصولها على الدعم، الداخلي والخارجي، اللازمين لإنجاحها.
السفير
عن ائتلاف المعارضة السورية الجديد
مازن كم الماز
لعل ائتلاف المعارضة السورية الجديد هو فرصة جديدة , أخيرة أو من تلك الفرص الأخيرة , لإنقاذ المعارضة السورية من نفسها , أو بالأصح , من سخط الشارع السوري , الثائر خاصة .. ما بدا , أو قدم , على أنه “تنازل” أو “شعور عالي بالمسؤولية” تجاه الثورة و دماء السوريين لم يكن إلا مساومة جديدة من المساومات التي لا تنتهي بين أقطاب هذه المعارضة , و التي كما في كل مرة كانت تجري محاولة تزيينها بخطاب إنشائي منمق بلاغيا .. الحقيقة أن “الدور” الذي كان من المفترض أن تلعبه تلك المعارضة بطلب و تفويض اضطر إليه الشارع الثائر مجبرا و هو إدارة الصراع مع النظام على الجبهة الدبلوماسية تحول إلى عبء حقيقي على الثورة , بدلا من أن تكون “المعارضة” ممثلة الداخل في الخارج , أصبحت ممثلة الخارج لدى الداخل , و بدلا من مهمتها تلك انشغلت بتجميع الامتيازات و المكاسب و الصراع عليها , تلك المكاسب التي كان من المفترض أن تنتهي بيد الثوار أنفسهم الذين دفعوا ثمنها دما و جوعا و تضحيات .. و اتسم هذا التنافس و الصراع فيما بينها بدرجة مفرطة من السفسطة إن لم نقل الإسفاف لتدل على أن هذه النخب غير قادرة حتى على إدارة منطقية متوازنة لخلافاتها و أنها أيضا بالتالي لن تكون قادرة على إنتاج و ممارسة “لعبة سياسية” ذات ملامح ليبرالية ما في مرحلة ما بعد إسقاط النظام .. طبعا تفهم المعارضة تلك اللعبة و ذلك التنافس فيما بينها , و تزعم , أنه هو “الحرية القادمة” , حرية كل السوريين التي انتفضوا و ماتوا و يموتون من أجلها .. حتى هذا “الحد الأدنى” أو الصفري يبدو سرابا في الواقع بناءا على سلوك و تصرف المعارضة طوال الأشهر العشرين من عمر الثورة أو المذبحة السورية .. لا ضير في أن نعترف هنا أن هناك بالفعل مشكلة “قيادة” في الثورة السورية , هذه المشكلة هي أن الجماهير التي صنعت الثورة لم تستطع أن تقودها بنفسها , لم تستطع أن تخلق و تفرض مؤسساتها الشعبية الديمقراطية التي تعبر عنها , و التي تخضع لها و لإرادتها لا العكس , و هنا تكمن المشكلة .. المعارضة طبعا لا تريد مثل تلك المؤسسات , و لا الرضوخ لإرادة الجماهير من خلال الانخراط فيها , ما فعلته و تستمر بفعله هو أنها جاءت “لتملأ” ذلك الفراغ , خالقة نوعا من “تقسيم العمل” بينها و بين الجماهير : الجماهير تثور و تقاتل و تضحي بينما المعارضة تقود .. من الضروري هنا القول أن القبول بهذا “التقسيم” الجديد – القديم للمجتمع يعني في الواقع استمرار جوهر العلاقة الاستبدادية بين السلطة و المجتمع , بين النخبة السياسية و بين الطبقات الأفقر و الأكثر تهميشا , و قد يعني في الواقع إفراغ مفهوم و شعار الحرية , الشعار الرئيسي للثورة السورية , نفسه من أي معنى .. أيضا نعرف جميعا أن الخطب الرنانة للمعارضين لا تعني شيئا في الواقع , و أن المباريات الشعرية و النثرية في البلاغة تختلف تماما عن الوقوف في وجه الجلاد بالدم و اللحم العاريين .. باختصار لا تملك المعارضة شيئا لتقدمه للثورة , حتى الآن على الأقل .. على العكس تماما , لولا الثورة لكانت كل تلك المعارضة مجرد لا شيء كبير … مع ذلك يوجد هناك مبرر واحد فقط , لكنه قوي جدا في نفس الوقت , لدعم هذا الائتلاف , مثله مثل أي “مبادرة” أو “خطوة” أو أي شيء آخر أيا يكن يتعلق بمصير الثورة و الشعب السوريين , هي أن يؤدي قيامه بالفعل إلى حقن دماء السوريين التي يسفكها الجلاد عن طريق التسريع بإسقاطه , إذا كان تشكيل هذا الائتلاف قادرا على تحقيق هذا الهدف الذي يعني إنهاء المجزرة التي يرتكبها الجلاد بحق السوريين و فتح الطريق أمامهم لبدء حياة جديدة تقوم على أساس حريتهم فلا شك أن شيئا كهذا , إن كان واقعيا بالفعل , يجب دعمه و دون أي تردد .. أما إذا كان على سوريا على أن تحترق و يموت شعبها و يشرد على يد الجلاد كما بشرنا هو شخصيا منذ الأيام الأولى للثورة , بينما لا يملك هذا الائتلاف أو غيره إلا الخطب الرنانة في مواجهة قذائف القاتل , فليكن ذلك لكي يحصل السوريون على غد يعيشونه بكل حرية , سواسية و أحرار , ليس فقط لكي يحكمهم أمثال هؤلاء أو غيرهم …
( الأعزاء و الأصدقاء الذين علقوا و يعلقون على ما أكتب , أعتذر منكم بشدة , لأني لا أستطيع الرد عليكم مباشرة , عندي مشكلة كبيرة في التواصل بالانترنيت حاليا , أشد على أيديكم بكل ود ) …
“الائتلاف الوطني السوري”
سمير العيطة
هناك مناخ من التفاؤل بعد إعلان تشكيل “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، إلاّ أنّ هناك نواحيَ تستحقّ الإشارة إليها في بيان تشكيله بالرغم من نقاطه الإيجابيّة.
– تبقى مبهمة آليات انفتاحه على بقيّة أطياف المعارضة “المدعوّة”، ولكن التي لم توقّع بيان التأسيس، وكذلك على “كلّ القوى السياسيّة السوريّة ومكوّنات المجتمع بدون استثناء”.
– ترك تفصيل آليّة العلاقة بين هذا الائتلاف والمجلس الوطني إلى نظام أساسي يجب اعتماده مستقبلاً، وترك سريان مفعول هذا الاتفاق معلّقاً حتّى “المصادقة عليه من الجهات المرجعيّة لأطرافه أصولاً. والبند الأخير يضع سيفاً على رقبة الائتلاف من الجهات التي أقرّته، وخاصّة المجلس الوطني. إذاً هذا الاتفاق هو اتفاق مبدئي غير ساري المفعول في انتظار خطوات ثانية وثالثة، كما صرّح أحد قادة الدول الراعية، ليست واضحة المعالم بعد.
– ليس هناك إشارة في بيان الائتلاف إلى وثائق القاهرة، ما يعني إمكان الخروج عليها وعلى التوافق الأساسي لجميع أطياف المعارضة، خاصّة في ما يتعلّق بالعهد الوطني، الذي أريد منه أن يشكّل المرجعيّة الدستوريّة لأيّ تحالف شعبي واسع.
– يتحدّث بيان الائتلاف عن إمكان تشكيل “حكومة مؤقتة” بعد الحصول على الاعتراف الدولي. أي أن يخرج جسم تنفيذيّ من هذا الجسم التمثيلي. بالطبع سيلغي هذا الجسم التمثيلي دور المكتب التنفيذي في المجلس الوطني، وإمكان استجلابه للتمويل والدعم الدولي وضرورة إخضاعه لقواعد العهد الوطني (حيث أقرّ أن تضبط بشكلٍ دقيق الموارد المالية وإنفاق الأحزاب والجماعات السياسية). إلاّ أن تشكيل حكومة (حتّى لو استخدم تعبير مؤقتة، بدل الانتقاليّة) يطرح إشكاليّة الأرض التي ستبسط عليها هذه الحكومة سيادتها قبل سقوط السلطة الحالية، والمهمات التي ستوكل لهذا الجسم التنفيذي وآليّات الرقابة التي سيضعها الائتلاف، كجسم تمثيلي، على أعماله.
هناك التباس في كيفيّة حلّ الائتلاف. إذ يشار في نصّ وثيقته أنّه هو بنفسه من سيحلّ الحكومة المؤقتة بعد انعقاد المؤتمر. ومن الأصحّ أن يحلّ الائتلاف بذاته، لأنّه جسم تمثيليّ، تلقائيّاً بمجرّد أن يعقد المؤتمر الوطني بعد سقوط النظام، لأنّ المؤتمر جسم تمثيليّ سيّد نفسه؛ وتبقى الحكومة المؤقتة (كتسيير أعمال كما هي طبيعتها) حتّى يشكّل المؤتمر الوطني الحكومة الانتقالية.
– يشير بيان الائتلاف إلى تفكيك أجهزة النظام الأمنيّة، دون التوضيح، ما اذا كان يعني بذلك المخابرات فقط، أم الجيش النظامي أيضاً؛ في حين تنصّ وثيقة المرحلة الانتقالية على “إعادة هيكلة القوّات المسلّحة والأجهزة الأمنيّة بعد إخضاعها لسلطته (مجلس الأمن الوطني الذي يقرّه المؤتمر الوطني، والذي يمكن اعتبار المجلس العسكري الأعلى نواته)، بغية تطهير الأجهزة ممّن ثبت تورّطه، وحلّ الميليشيات المسلّحة (الشبيحة) وسحب السلاح من المدنيين وضمّ من يرغب من الثوّار إلى القوّات المسلّحة”. والفكرة وراء نصّ الوثيقة كانت لتجنّب إعادة تجربة الأميركيين في العراق والتي أدّت إلى نتائج كارثيّة.
– يخرج منطق المحاصصة الذي اعتمد في تشكيلة الائتلاف عن قواعد النديّة والتوافق التي وضعتها اللجنة التحضيريّة لمؤتمر القاهرة، وكانت سبيل نجاحه؛ ممّا يخلق مشكلات ليس فقط لتفعيل هذا الائتلاف، بل أيضاً حول الآليّات والمعايير المستقبليّة لدعوة المؤتمر الوطني العام، بعد سقوط النظام.
عضو المنبر الديموقراطي السوري
النهار
بحثا عن ممثل وحيد للمعارضة السورية
غياث نعيسة
صرحت هيلاري كلينتون في نهاية شهر ت1/أكتوبر الفائت بأن المجلس الوطني السوري، الذي كان قد تم اعلان تشكيله في 2 ت/ أكتوبر من العام الماضي، قد فشل في توحيد اطراف المعارضة السورية بمختلف أطيافها، على الرغم من الدعم الذي حظي به من دول الخليج وتركيا والدول الغربية، ودعت كلينتون في تصريحها المذكور الى تشكيل هيئة معارضة جديدة افضل “تمثيلا” للمعارضة السورية يكون المجلس الوطني السوري واحدا من مكوناتها فحسب.
كان لافتا من ردود الفعل الاولى والسريعة على تصريحها المعني حدثين. الاول هو توالى الاعلان عن عدة استقالات من المجلس الوطني السوري لشخصيات ومجموعات مثل لجان التنسيق المحلية. و الثاني ، كان، في الوقت عينه، الكشف عن مبادرة رجل الأعمال والمعارض رياض سيف، الذي هو نفسه عضو في المجلس المذكور، الداعية الى تشكيل هيئة معارضة جديدة غير المجلس الوطني السوري في استجابة واضحة ومباشرة لتصريح الادارة الامريكية.
حازت مبادرة رياض سيف، وفي الحال، على دعم من الحكومة الامريكية والفرنسية والقطرية ، وتم تحديد موعد اجتماعها التأسيسي في العاصمة القطرية الدوحة في بداية شهر ت2/نوفمبر الحالي.
عبر قادة المجلس الوطني السوري عن امتعاضهم من شعور انتابهم بأن الدول الراعية للمجلس قد تخلت عنهم، وتداعوا الى اجتماع في الدوحة، يسبق بأيام اجتماع تأسيس الهيئة الجديدة التي اعلن عنها رياض سيف، من اجل اعادة “هيكلة” المجلس . وفعلا بدأ هذا الاجتماع اعماله في 4 ت2/ نوفمبر وتمخضت اعماله عن اعلان توسيع عدد اعضائه من 280 الى 400 عضوا، وانتخاب مجلس تنفيذي اعاد كشف حقيقة هيمنة جماعة الاخوان المسلمين على المجلس، وفي نهاية اعماله قام المكتب التنفيذي للمجلس الوطني بانتخاب رئيس جديد له هو جورج صبرا من اليسار “الليبرالي” المتحالف مع الاخوان المسلمين، بالرغم من ان صبرا كان من الخاسرين في انتخابات المكتب التنفيذي ، لكن اعيد انتخابه من خلال مناورة للإخوان المسلمين الذين طلبوا من احد الناجحين في انتخابات المكتب التنفيذي التنحي والاستقالة منه ليفسح في المجال لإعادة انتخاب جورج صبرا.
كما اعلن وبعد نقاشات دامت بضعة ايام في الدوحة نفسها عن تشكيل هيئة جديدة للمعارضة السورية تحت اسم “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” بتاريخ 11 ت2/نوفمبر، تتكون من 63 شخصا ثلثهم الاول من اعضاء المجلس الوطني السوري وثلثهم الثاني من اولئك الذين استقالوا منه والثلث الاخير من خارج المجلس، مع قليل جدا من الوجوه الجديدة.
وكما حصل سابقا مع المجلس الوطني السوري فقد جرى الاعلان عن تشكيل هذه الهيئة المعارضة “الجديدة” بحضور ورعاية ممثلين عن القوى الاقليمية والدولية، هي نفس الدول الراعية للمجلس الوطني السوري.
في اليوم التالي لإعلان تأسيس “الائتلاف الوطني” اعترفت جامعة الدول العربية به كهيئة سياسية معارضة تمثل الطموحات المشروعة للشعب السوري، كما سارعت الحكومة الفرنسية بالاعتراف به كممثل شرعي للشعب السوري واعطت موافقتها على تعيين سفير له في باريس، وتتلاحق منذئذ، وان ببطء، الاعترافات الحكومية الغربية به.
والحال، لا يوجد فرق جوهري يميز بين المجلس الوطني السوري و “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، بل تجمعهما سمة اساسية مشتركة: انهما معارضة تشكلت حسب طلبات دول اقليمية ودولية وفق اجندات الاخيرة ومصالحها في بلادنا، ولم تأت كتتويج او كمحطة من التطور السياسي لكفاح الشعب السوري نفسه، وهكذا معارضة هي بالتالي ، رغم النوايا الطيبة للبعض من اعضائها، لا تخدم متطلبات تحقيق انتصار الثورة الشعبية السورية.
19/11/2012