صفحات سوريةعلي العبداللهمحمد علي الأتاسي

مقالات لكتاب سوريين تناولت الجبهة الاسلامية في سورية

ميثاق ‘الجبهة الاسلامية’ واخوان سوريا/ محمد علي الأتاسي

عندما أعلن الائتلاف الوطني السوري في 15 ايلول/سبتمبر عن تكليف الدكتور أحمد طعمة تشكيل الحكومة، كان واضحا أن هذا الاعلان، تم بمعزل عن إرادة العديد من الفصائل الاسلامية المقاتلة والفاعلة في الداخل السوري. لم يتأخر طويلا رد هذه الفصائل وجاء على شكل بيان سمي ‘البيان رقم واحد’، نشر بتاريخ 24 ايلول، ووقع عليه يومها 11 فصيلا اسلاميا بمن فيهم جبهة النصرة. وقد أوضح البيان أن هذه القوى تعتبر ‘أن كل ما يتم من التشكيلات في الخارج دون الرجوع إلى الداخل، لا يمثلها ولا تعترف به، وبالتالي فإن الائتلاف والحكومة المفترضة برئاسة أحمد طعمة لا تمثلها ولا تعترف بها’. كما دعا البيان ‘جميع الجهات العسكرية و المدنية إلى التوحد ضمن إطار إسلامي واضح ينطلق من سعة الإسلام ويقوم على اساس تحكيم الشريعة وجعلها المصدر الوحيد للتشريع′.

لم تمض أسابيع قليلة حتى ترجم ‘البيان رقم واحد’ بالإعلان عن تشكيل الجبهة الاسلامية السوريا في 22 تشرين الثاني/نوفمبر من خلال بيان مصور ظهر فيه قادة سبعة من أهم الفصائل الإسلامية المقاتلة وغابت عنه جبهة النصرة وبعض الفصائل الاسلامية الصغيرة. وكما ‘البيان رقم واحد’، جاءت ولادة الجبهة الاسلامية في تعارض مع سياسات الإئتلاف الوطني وفي ظل مرجعية حاكمية الله والدولة الاسلامية، وقد أشار البيان، الذي تلاه أحمد عيسى الشيخ قائد لواء صقور الشام، الى رغبة هذه الفصائل في ‘بناء دولة إسلامية راشدة تكون السيادة فيها لله وحده مرجعا وناظما وحاكما لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة’.

هذا التحالف العسكري، وجد بعد أسبوع ترجمته الفكرية من خلال ميثاق الجبهة الاسلامية، الذي نشر في 26 تشرين الثاني/نوفمبر وشكل أول وثيقة متكاملة تبين وتشرح التوجهات الفكرية والسياسية لستة من أهم الفصائل الاسلامية المقاتلة في سوريا كلواء التوحيد وأحرار الشام ولواء الاسلام.

أول ما يلفت النظر في هذه الميثاق هو غياب الجبهة الإسلامية الكردية عن التوقيع عليه، مع أنها كانت حاضرة قبل اسبوع عند الإعلان عن تشكيل الجبهة الاسلامية. وهذا على ما يبدو مرتبط بمقاربة الميثاق الضبابية لموضوع حقوق الاكراد في سوريا. مع ذلك فإن ميثاق الجبهة الاسلامية يبقى من الاهمية بمكان، ليس لانه يكشف الرؤية السياسية لأهم الفصائل الاسلامية المقاتلة، وليس لأنه يقدم ‘مشروع أمة’ كما جاء في عنوانه الرئيسي، ولكن لأنه يعبر عن الشرخ الكبير الذي بات يفصل بين المعارضة السوريا على تنوعها وبين التنظيمات الاسلامية المقاتلة على الأرض، سواء تعلق الأمر بالخطاب والبرامج السياسية، أو بالتطلعات والرؤى لسوريا المستقبل، أو بالمراجع الفكرية والايديولوجية.

يكفي في هذا السياق المقارنة بين ميثاق الجبهة الاسلامية وبين الاوراق والرؤى التي أصدرتها جماعة الاخوان المسلمين في سوريا خلال العقد الماضي ابتداء من مشروع ميثاق الشرف الوطني ومرورا بوثيقة ‘المشروع السياسي لسوريا المستقبل’ في العام 2004 ووصولا الى ‘عهد وميثاق’ الجماعة في آذار/ مارس من العام 2012 الذي نشر بعد إندلاع الثورة. أول ما يلفت في هذه المقاربة هو السقف المتدني للممكنات السياسية والفكرية الذي إستطاعت فصائل الجبهة الاسلامية أن تجتمع من تحته، والذي هو من دون أدنى شك، نكوص فكري وسياسي وثقافي، مقارنة بخطاب جماعة الاخوان المسلمين في سوريا أو بغيرها من تيارات الاسلام السياسي المنخرطة في الحياة السياسية في الكثير من بلدان الربيع العربي.

ليس هناك أدنى شك أننا مع ميثاق الجبهة الاسلامية، أمام خطاب سياسي وديني يستند الى واحدة من المنظومة السلفية الأكثر فقرا وتواضعا فكريا. نحن أمام خطاب نكوصي، منقطع عن أغلب الانتاج الفكري والفلسفي الذي أنتجه حتى مفكري ما يسمى ‘الصحوة الاسلامية’ في العالم العربي بخصوص علاقة الاسلام بالدولة ومفهوم الحاكمية والسيادة السياسية. نحن أمام خطاب يدعو الى الدولة الاسلامية التي ‘تكون السيادة فيها لشرع الله مرجعا وحاكما وموجها وناظما لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة’.

خطاب يرى في مصطلح الدولة المدنية ‘وصفا غير محدد الدلالة… وإصطلاح مرفوض لما يسببه من تضليل وإضاعة لحقوق’، لكنه لا يسأل نفسه عن الضبابية في مطالبته أن تكون ‘السيادة لشرع لله’ وعن الكيفية التي يمكن أن تحكم وتوجه وتنظم ‘سيادة شرع الله’ تصرفات الفرد والمجتمع والدولة !

يكفي في هذا السياق أن نقارن بين هذا الخطاب وبين ما جاء في ‘وثيقة العهد’ للاخوان المسلمين بخصوص الدولة المدنية والتي ترى فيها ‘دولة مدنية حديثة، تقوم على دستور مدنيّ، منبثق عن إرادة أبناء الشعب السوري، قائم على توافقية وطنية، تضعه جمعية تأسيسية منتخَبة انتخاباً حراً نزيها، يحمي الحقوق الأساسية للأفراد والجماعات..’.

لا يخفي ميثاق الجبهة الاسلامية عداءه للديمقراطيه كونها تقوم على ‘أساس أن التشريع للشعب عبر مؤسساتها التمثيلية بينما في الاسلام (إن الحكم الا لله)’. ويكفي هنا أن نقارن مرة أخرى بين هذا الخطاب وبين ما ورد في ‘وثيقة عهد’ الاخوان المسلمين بخصوص مفهوم ديمقراطية لجهة أنها ‘دولة ديمقراطية تعددية تداولية، وفق أرقى ما وصل إليه الفكر الإنساني الحديث، ذات نظام حكم جمهوري نيابي، يختار فيها الشعب من يمثله ومن يحكمه عبر صناديق الاقتراع، في انتخابات حرة نزيهة شفاقة’.

وإذا كان الأخوان المسلمون في وثائقهم حاولوا تناول موضوع ‘الاقليات’ من خلال مقاربة مبدأ المواطنة عندما دعوا في ‘وثيقة العهد’ الى ‘دولة مواطنة ومساواة، يتساوى فيها المواطنون جميعاً، على اختلاف أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، تقوم على مبدأ المواطنة التي هي مناط الحقوق والواجبات، يحقّ لأيّ مواطن فيها الوصول إلى أعلى المناصب، استناداً إلى قاعدتي الانتخاب أو الكفاءة’. فإن ميثاق الجبهة الاسلامية لم يتلفظ حتى بكلمة ‘مواطن سوري’ ولم يقر حتى بوجود ‘السوريين’ كجماعة سياسية، بل تكلم فقط عن ‘المسلمين في سوريا’، ولم يعط للاقليات من حقوق سوى عبارة أن ‘الشريعة الغراء صانت حقوقها لمئات السنين’.

الطريف هنا، أن القارىء لميثاق الجبهة، ينتابه الاحساس أن هذا الميثاق معني أحيانا بمخاطبة جمهور داعش بدلا من عموم السوريين، ومعني بمنع داعش من المزاودة عليه في بعض التوجهات. فهو يرحب في واحدة من الفقرات بجهاد المهاجرين من العرب والاجانب، ويطالب بالحفاظ عليهم وعلى كراماتهم وجهادهم، ولا يذكر أي شيء نقدي تجاه بعض ممارساتهم.

لكن لا شيء في ميثاق الجبهة يعبر عن ‘قتل السياسة’ بما هي فن التوافقات والممكن، سوى إخراج القائمين على الجبهة أنفسهم، من أي مسار لأي عملية سياسية إدا لم تقر بسيادة الله على الدولة، وتأكيدهم الشمولي والقاطع بان الجبهة ‘لن تشارك باي عملية سياسية تخالف الدين أو تجعل السيادة لغير الله عز وجل، فكل عملية سياسية لا تعترف بأن التشريع حق لله وحده لا شريك له هي مناقضة للدين، ووسيلة غير مشروعة لا يمكن للجبهة المشاركة فيها أو الاعتراف بها أو الركون اليها’. أما كيف يكون التشريع لله وحده؟ وكيف تكون السيادة لله وحده؟ وما هو دور الناس والمؤسسات والبنى الاجتماعية؟ فهذا النوع من الأسئلة الشائكة لا تعني منظري الجبهة الاسلامية.

لا شك أن هذه الهوة التي تفصل بين خطاب المعارضة السياسية، بما فيها جماعة الاخوان المسلمين، وبين خطاب الجبهة الاسلامية، إذا دلت على شيء فعلى الشروخ الأكبر التي باتت تفصل بين عالمين يزدادان تباعدا داخل صفوف الثوره، والذي أشار اليهما بعين ثاقبة الصديق مصطفى الجرف في واحدة من كتاباته الفيسبوكية: عالم المجتمع الذي أنتجته الدولة الحديثه، مجتمع الطبقات الوسطى والمتعلمة، المتبنية لأسلوب وطريقة الحياة العصرية، وعالم المجتمع التقليدي البعيد عن تأثير الدولة الحديثة والمكون من الطبقات الشعبية والفقيرة، التي دفعت الثمن الابهظ في الثورة وجردت من كل وسائل العيش الكريم وتركت وحيدة في مواجهة همجية النظام وأسلحته الفتاكة. يضاف الى هذا، الهوة والشرخ بين مجتمع الريف ومجتمع المدينة خصوصا عندما يتعلق الامر بمدن غنية كدمشق وحلب. وهناك أيضا الشرخ بين بعض الاسلام السني الصوفي وحتى الاسلام المديني وبين الاسلام السني الريفي والعشائري الذي إزداد في الآونة الأخيرة راديكالية وتقبلا لأفكار السلفية الجهادية.

لاشيء يعبر هذا الشرخ في ميثاق الجبهة سوى إصرار أصحابه ليس فقط على اسقاط النظام وتفكيك مؤسساته الأمنية والعسكرية، ولكن أيضا خلطهم بين السلطة المستبدة والدولة السورية التي تأسست مع انتهاء الانتداب الفرنسي، من خلال مطالبتهم بـ’تفكيك وإنهاء سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية’، أي الغاء كل مايمكن أن يتبقى من الدولة السوريا في حال تم إسقاط النظام الاسدي. ولنا في إلغاء الهيئة الشرعية في مدينة حلب لمهنة المحاماة خير دليل الى أي إتجاه يمكن أن تمضي بنا الامور إذا ما وجد ميثاق الجبهة طريقه للتطبيق العملي.

يبقى أن الفاجع في نص هذا البيان هو غياب كلمات ومصطلحات ارتبطت بالثورة السوريا في بداياتها من مثل ‘الحرية’ و’الكرامة’. كلمات عبرت في ذلك الوقت عن الالتقاء في ظل الثورة بين الريف والمدينة، بين الليبراليين والاسلاميين، بين الرغبة في التغيير والتطلع الى المستقبل، بين الصمود والامل. في حين بتنا اليوم في وضع أصبح كل ما يرمز للدولة الحديثة مرتبطا في عيون شرائح مهمة من السوريين، بالدولة القمعية الاستبدادية التي أمعنت ولا تزال في قتلهم وتشريدهم.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

سورية: جبهة إسلامية ومشروع أمة؟/ علي العبدالله *

أعلنت سبع قوى عسكرية اسلامية توحدها تحت مسمى «الجبهة الإسلامية»، وأصدرت ميثاقاً يعرفها ويحدد طبيعتها وأساليب عملها وأهدافها.

عمل جيد وهام ان تتفاهم فصائل عسكرية وتتوحد لتقوم بجهد عسكري منسق، وهذا كان استحقاقاً موضوعياً في سياق الثورة، ولكن الجبهة لم تكتف بذلك بل تجاوزت مسألة التوحد العسكري الى توحد «عسكري، سياسي، اجتماعي، اسلامي، شامل»، واعتبرت نفسها «مشروع أمة»، ما أثار جملة تساؤلات ووضع علامات استفهام حول منطقية التوجه وموضوعيته في ضوء طبيعة المكونات المؤسسة واللحظة السياسية التي تمر بها الثورة السورية ومستدعياتها؟

لعل اول الاسئلة التي تطرح هنا هو مدى منطقية المهمة التي رفعتها الفصائل المؤسسة؟ ففي اللحظة التي تحتاج اليها الثورة لفعل ميداني يعيد التوازن والثقة بقواها، ويبعث الامل في نفوس ابناء الثورة والشعب بأن تحقيق هدفهم في الحرية والكرامة ما زال ممكناً، وان الثورة ما زالت قادرة على الانجاز والتقدم على طريق النصر، عبر تبني الجبهة خطة مواجهة واقعية وطموحة، يأتي برنامج الجبهة ليتحدث عن اهداف بعيدة، اهداف ما بعد اسقاط النظام وتحرير البلد من الاستبداد والفساد، اهداف دولة اسلامية وحكم وإعادة بناء سورية… الخ. اهداف مقطوعة الصلة عن اللحظة التي تعيشها الثورة، وعن المصاعب التي تواجهها.

اما ثاني الأسئلة فيتعلق بمنطقية هدف بناء «دولة اسلامية تكون السيادة فيها لشرع الله -عز وجل- وحده مرجعاً وحاكماً وناظماً لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة»، كما جاء في الميثاق، وجديته. اذا المعلوم ان الدولة ليست جزءاً من العقيدة الإسلامية، وأنها لم تكن من المهام او الاهداف التي جاء بها الاسلام وطرحها على الناس، من دون ان نغفل ان المسلمين اقاموا نوعاً من الدولة البسيطة في ضوء حاجتهم لإدارة شؤون حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، والتعاطي مع محيط غير مسلم فيه المعادي والمسالم، فالدولة الوليدة لم تكن فرضاً عقائدياً ملزماً (ينفرد الشيعة من بين كل المذاهب الاسلامية باعتبارها جزءاً من العقيدة، والإمام يختاره الله علا شأنه)، بل كانت بنت الحاجة، ضرورة اجتماعية، وقد عكست الطرق المتباينة التي اختير فيها الخلفاء الراشدون دور المسلمين الأوائل في الاجتهاد والتأسيس لعملية غير محددة أو مقننة، عملية اقتضاها الواقع واستدعتها المرحلة، كما عكست اجوبة الفقه الاسلامية على أسئلة طبيعة الامامة وشروطها والشروط الواجب توفرها في الإمام، انها (الإمامة) بنت لحظتها وبيئتها فقالوا من شروطه ان يكون مسلماً صالحاً سليم الجسد والعقل قرشياً، والشرط الاخير بخاصة دليل واضح انها ليست بنت العقيدة بل بنت ظروفها وبيئتها، حيث سيادة القبلية ومكانة قريش في العرب والإسلام، اذ من غير المعقول ان تنطوي رسالة جاءت لهداية الناس أجمعين من دون قيد من مكان وزمان ان يكون الامام فيها قُرشياً حصراً.

أما القضية الأهم فقضية «شرع الله» الذي تعتبره الجبهة «مرجعاً وحاكماً وناظماً لتصرفات الفرد والمجتمع والدولة»، فصيغة شديدة العمومية، اذ المتعارف عليه ان صفة «شرع الله» تطلق على كل ما انزله الله على نبيه (عليه الصلاة والسلام). لكن هذا الشرع واسع وعام فيه العقائد والعبادات، فيه قيم سياسية واقتصادية واجتماعية، والأمور الحياتية، فيه المحكم والمتشابه حتى شاع وصفه بحمّال اوجه، وفق تعبير ينسب للخليفة الرابع علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ..الخ، وكان فهم اجزاء منه مصدر خلاف بين المسلمين في مراحل التاريخ الاسلامي الطويل (الجبر والاختيار).

لذا لا تشكل صيغة شرع الله اجابة كافية لتحديد طبيعة برنامج سياسي وأهليته، ناهيك عن انتشار فهم غير دقيق في اوساط الاسلاميين بعامة والسلفيين منهم بخاصة في تعاطيهم مع مسألة الحكم ناجم عن خلط في التعاطي مع بعض المفاهيم القرآنية وتجاهل الحدود والطبائع التي تنطوي عليها مثل الحديث المرتبط بالحكم بما انزل الله حيث يعتبر متعلقاً بالسياسة، في حين انه في واقع الامر يتعلق بالقضاء والفصل بين الناس في قضايا الحقوق والمال والتجارة، بينما قضايا السياسة استخدم لها الذكر الحكيم مفردة أمر «وشاورهم في الأمر» و «امرهم شورى بينهم»، ووصف رجال الدولة بـ «أولي الامر». فالدقة هنا مطلوبة لأنها تسمح بالفصل بين المواضيع والمواقف وتبيان الحق من الباطل.

هذا من دون ان نهمل وجود قضايا خلافية، واجتهادات خارج السياق، وإضافات املتها الظروف، عرفها التاريخ والفقه الإسلاميان، وضرورة اعادة النظر في كثير منها، والتدقيق في المواقف التي تواضع عليها الفقهاء في الماضي، وقادوا الامة في ضوئها، او التي اختلفوا حولها منها قضايا هامة وخطيرة مثل الشورى معلمة ام ملزمة، وشيوع الاخيرة تحت تأثير اجتهادات وعاظ السلاطين، والقبول بإمارة المتغلب والخضوع لها، وتبني مواقف بالاستناد الى قراءات قاصرة اصبحت مسلمة مثل قضية النسخ في القرآن… الخ. ففي قضية الشورى ملزمة ام معلمة تجاهل تام لما حصل مع النبي، حامل الرسالة، اذ من المعلوم انه شاور الصحابة بخصوص صلح الحديبية وأنهم رفضوا القبول به، وأشاروا على الرسول بالسير نحو مكة، وانه عملا بمنطق الشورى استسلم لرأيهم وركب ناقته القوصاء ليسير بهم الى مكة لكنها ابت السير فقال لهم انها مأمورة وان للسماء رأيا يخالف الرأي الذي توصلنا اليه فاحبط المسلمون وساد قنوط ثقيل حتى كسره الرسول الكريم وباقتراح من عائشة ام المؤمنين بالقيام بتقصير الشعر ونحر الاضحية فلما فعل تبعه المسلمون وانفرجت الغمة. أما كارثة النسخ فيكفي ان نعرف ان الفقهاء الذين تبنوا مقولة النسخ قالوا ان آية «فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ»(التوبة- 5) المشهورة بآية السيف قد نسخت 124 آية لندرك المدى الذي انزلق اليه دعاة النسخ وظنهم بالله الذي حاول ان يضعنا في صورة جلالته، من خلال تقريبها الى افهامنا من طريق اسمائه الحسنى الـ99 فنهملها ونتبنى موقفاً ابسط دلالاته ان الاله الذي نؤمن به لا يملك الصفات التي وصف نفسه بها: العليم، القادر، الجبار، المهيمن، العزيز، الوهاب الخ.

كان يكفي الفصائل المؤسسة ان تهدي جمهور الثورة توحدها، وان تبدأ بتقديم براهين على الفارق بين الوحدة والتفرق بتحقيق مكاسب على ارض المعركة تعيد الثقة والأمل الى نفوس ملايين اللاجئين والنازحين، الارامل واليتامى والثكالى، وان لا تغرقنا في متاهة فكرية، وان تنتظر تحقيق الهدف الأول: اسقاط النظام، وتأخذ دورها عبر المشاركة في تنفيذ برنامج الانتقال الى نظام جديد يحقق الحرية والكرامة لكل المواطنين من دون اعتبار للدين او المذهب او العرق او الجنس، عبر صياغة دستور جديد والذهاب الى انتخابات رئاسية وبرلمانية، فتتقدم ببرنامجها الى جمهور الناخبين لتأخذ ما تستحقه من اصوات وتحتل مكانها بين قوى المجتمع الفاعلة في ادارة الدولة والحكومة.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى