مقالات لكتاب سوريين تناولت جنيف 2
أوسلو سوري؟؟/ راتب شعبو
هناك الكثير مما يسوغ المشابهة بين “القضية السورية” والقضية الفلسطينية. ليس فقط من حيث عدد اللاجئين وتحول السوريون إلى مشردين في أصقاع الأرض وإلى أشخاص غير مرغوب فيهم في كل دول العالم، حتى أن الدول القليلة التي تقبلهم، إنما تفعل ذلك شفقة على شعب منكوب. وليس فقط من حيث أن السوريين الثائرين باتوا منذ فترة طويلة في عمر ثورتهم يتعاملون مع النظام على أنه قوة احتلال. وليس فقط من حيث تدويل القضية السورية وتحولها إلى الموضوع السياسي الأول في مجمل المحافل الدولية والإقليمية. وليس فقط من حيث حجم الكارثة التي نجمت عن هذا الصراع وانعكاساتها على المنطقة والعالم.
أوجه الشبه هذه بادية وصريحة، وهي تسوغ الحديث عن وجه شبه لا يريد أحد أن يراه، وذلك ببساطة لأنه ليس في مصلحة الطرفين الرسميين في الصراع أن يظهر هذا الوجه أو أن يُرى. لم تعد قضية الشعب السوري ملكاً لطرف. تحول “الحق السوري” إلى قضية شعب ما أن يتنصل منها أو يساوم عليها طرف حتى يخرج طرف أو أطراف يقلبون الطاولة عليه ويعيدون الموضوع متفجراً وحاراً من جديد. ذاك هو وجه الشبه الذي نعنيه والذي تعمى عنه عيون “الرسميين”. وجه الشبه هذا يزيد من تعقيد القضية السورية، لكنه واقع لا يمكن تحييده. تأسست في الملحمة السورية الحزينة منصة ثابتة جاهزة لكل من يرفض “التسوية” ولا يقبل بأقل من “زوال الاحتلال”. هذه المنصة لن تخلو من الشاغلين ما لم تشعر غالبية الشعب السوري أنها نالت ما أرادت. وهذا بالضبط ما يبرر الكلام عن “قضية سورية”، أي خروج الموضوع من يد الأطراف الرسمية مهما كانت ومهما حازت من قوة، وتحوله إلى ما يشبه “الحق العام” الذي لا يمكن لأحد الالتفاف عليه أو التنازل عنه.
رسم السوريون سقفاً عالياً، وبالغوا بالأمل ربما، لكنهم سندوا سقفهم العالي وأملهم بالكثير من الدماء والمعاناة والصبر، وهذه دعائم ليس لأحد أن يقوضها كائناً من كان. على هذا بات حق السوريين سيد نفسه، ولا سيد عليه. للسوريين حقوق ضائعة منذ عقود، قد يكون ثمة ما يفسر سكوتهم عن هذا سابقاً. ظنوا، مثلاً، أن هناك تنمية تبرر تضحيتهم بحقوقهم السياسية، وظنوا أن هناك تحريراً يستحق أن يُؤجل من أجله استرداد الحقوق من سلطة مستبدة، وربما ظنوا أن “التطور الموضوعي” يمكن أن يقسر السلطة السياسية على فك احتكارها. وتبين لهم بعد عقود أن جميع هذه الظنون آثمة. اليقين الذي سيطر على حطام هذه الظنون هو أن السلطة المستبدة هي غاية ذاتها وأن كل شيء، بما في ذلك الأخلاق والقيم الوطنية، يفقد وزنه أمام هذه الغاية. فتحركوا لاسترداد ما سكتوا عنه سابقاً. السكوت الطويل وتمكين المغتصب من الغلبة، تكرس لديه الشعور بالأحقية. ولا يحتاج المرء إلى مجهود فكري كي يدرك أن السوريين لم ينتظروا كل هذا القدر من الاستعداد للقتل والاحتراف في خنق الآمال وتفجير الثورات من الداخل. غير أنهم واجهوا ذلك بثبات لم يكن ينتظره أعداؤهم أيضاً.
يمكن أن تنجح الأطراف الدولية في عقد جنيف الثاني. ويمكن أن يستثمر طرف قوته على الأرض لفرض “تسوية” لصالحه، لكنه سيكون حينها مصاباً بالوهم الذي اصاب صناع اتفاق أوسلو فوجدوا أنفسهم بعده محاصرين ثم مسمومين، ووجدوا أن البساط السياسي يسحب من تحت أرجلهم لصالح تيارات أكثر جذرية. ليس الغرض من قولي إعطاء حكم قيمة على هذا الاتفاق أو ذاك، وليس غرضي أيضاً رفض أو قبول جنيف الثاني، فقد يدخل هذا في باب الحرتقات والشطارة السياسية. الغرض فقط عرض حقيقة ثابتة، هي أنه حين يتعدى حجم التضحيات حدوداً معينة، تتحول مطالب المضحين إلى “قضية”، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من عجز أي طرف عن مصادرتها تحت طائلة السقوط السياسي.
وماذا لو اضطر «الائتلاف» إلى حضور «جنيف2» ؟/ عمر قدور
حتى الآن لا يبدو ائتلاف المعارضة السورية قد حزم أمره على المشاركة في مؤتمر «جنيف2»، إذا استمر التوافق الروسي-الأميركي على عقده. أعضاء الائتلاف منقسمون على المشاركة كما تُظهر تصريحاتهم، وكتلة المجلس الوطني فيه استبقت المناقشات ببيان يرفض المشاركة، مع طرح إمكانية الانسحاب من الائتلاف في ما لو لم يستجب لرفضها. هذا قد يعني أن الائتلاف أمام احتمال التفكك على خلفية الانقسام على «جنيف2»، لكن المؤشرات الحالية غير حاسمة إذ لا يُستبعد في المقابل أن تضغط القوى الدولية والإقليمية المؤثرة في الائتلاف والمجلس فتتغير مواقف الكتل والأعضاء استجابة للضغوط.
في أثناء ذلك لا يوجد ما يوحي باستعداد الائتلاف لمواجهة احتمال المشاركة في شكل جدي، فمهما كانت الضمانات التي ستُمنح له في مقابل مشاركته، إن لم نقل مهما كانت الضغوط، سيتعين عليه الدخول إلى المفاوضات بأوراق تفاوض معدّة جيداً. إذ سيكون من الخفّة الاعتقاد بأن أي مؤتمر من هذا القبيل سيكون عملية تسليم واستلام سلسة وسريعة، ولو كانت الدول الراعية له تريد ذلك لسهّلت تدفق الأسلحة إلى المعارضة قبل أشهر، ولكانت الأخيرة في موقع يهدد بالحسم العسكري.
التحديات ستكون كبيرة جداً أمام وفد المعارضة في جنيف، فهي المطالبة بأن تثبت جدارتها بقيادة المرحلة الانتقالية، ومن دون الإجابة عن كثير من الأسئلة ستفشل في إقناع الأصدقاء والأعداء، وليس مستغرباً أن تفشل كلياً في نظر مؤيديها من السوريين أيضاً. وإذا كان ترتيب الأولويات سيخضع لاعتبارات دولية، فإن سلّمها سيكون حافلاً بقضايا خارجية وداخلية شائكة لا يكفي لمعالجتها ما تردده شخصيات المعارضة في إطلالاتها الإعلامية؛ أي أن الوفد المنتظر ينبغي أن يعتمد على مستشارين في كل الاختصاصات الحقوقية والعسكرية والأمنية، وحتى السياسية!
لم يعد خافياً أن الوضع الأمني وتداعياته الإقليمية هو أكثر ما يؤرق الدول الغربية، وأكثر ما يستثمر فيه النظام وحلفاؤه لمحاصرة الثورة، وقد بدأت «دولة العراق والشام» التابعة لتنظيم «القاعدة» حربها الشاملة على «الجيش الحر» فعلاً، الأمر الذي يستدعي صياغة إستراتيجية أمنية لمواجهة «القاعدة» والإرهاب. لا يفيد هنا مجرد القول ان النظام هو من استجلب «داعش» وأخواتها إلى الساحة السورية، لأن الغرب خصوصاً يعرف رياء النظام في قضية مكافحة الإرهاب، ويعرف تماماً استخدامه المزدوج لها، ويسلّم له تالياً بقدرته على الإمساك بعناصر «القاعدة» عندما يشاء. فضح السلوك الأمني للنظام، مع تقديم بديل أفضل، هو حاجة سورية أيضاً، لأن تنظيم «القاعدة» يتوسع على حساب المناطق المحررة، ويهدد بالدرجة الأولى ما تبقى من سكانها فضلاً عن تهديده لفكرة الكيان السوري ككل.
الغوص في هذا الملف قد يمثّل اختباراً لمطلب إسقاط النظام الأمني الذي هو جوهر الاستبداد، وهو لن يكون بعيداً من طرح العقيدتين الأمنية والعسكرية الجديدتين، لذا لا بد من أن يكون مشفوعاً بتصور واقعي عن هيكلة الأجهزة الأمنية والجيش، وبمخطط واضح لمواجهة ظاهرة أمراء الحرب التي قد تنجم عن وجود تنظيمات عسكرية لا تقبل بالسلطة الجديدة ولا بإلقاء السلاح. فرضية التحالف بين الجيشين الحر والنظامي بعد دمجهما في عقيدة قتالية واحدة، تحت إشراف حكومة انتقالية، تنبغي دراستها بعناية. بصرف النظر عن جنيف، كان مطلوباً دائماً من المعارضة أن تضع تصورات دستورية لمستقبل سورية. وإذا كان الدستور النهائي يُقرّ في اقتراع عام عندما تسنح الفرصة، فإن وجود مشروع لدستور جديد هو بمثابة التمرين النافع على التفكير السياسي. القول بالعودة إلى الدستور الذي كان معمولاً به قبل انقلاب «البعث» لا يلبي التطلعات، إضافة إلى أنه لا يُحدث صدمة سياسية محرِّضة توازي طرح دستور جديد. الأهم أنه لا يساهم في تهدئة المخاوف إزاء التغيير، فمن المعلوم أن القوى السياسية الفاعلة اليوم ليست أبداً تلك التي كانت قبل خمسة عقود. إعادة الإعمار واحدة من أهم القضايا التي يمكن المعارضة أن تحرج بها وفد النظام وحلفاءه، إذا أعدّت دراسات تفصيلية عن الدمار الذي ألحقه النظام بالبلد، وإذا قدّم الحلفاء وعوداً سخية للتمويل في حال نقل السلطة. النظام يقدّم أرقاماً متدنية جداً عن الخسائر، وهي تقتصر فقط على خسائره من الاحتياطي النقدي والتي لا تشكّل وفق بعض التقديرات سوى ما نسبته 3 في المئة من إجمالي الخسائر العامة. تستطيع المعارضة، إذا حصلت على دعم إقليمي ودولي موثّق وموثوق، أن تحرج النظام وحلفاءه بالأرقام الفعلية المطلوبة، لأن الناتج المحلي وحده غير كافٍ لإعادة الإعمار على المدى المنظور، ولأن بقاء النظام بأمراء حربه سيمنع الاستثمارات السورية المهاجرة من العودة كما حصل في تجربة الثمانينات من القرن العشرين.
التمويل سيكون مطلوباً ربما بإلحاح أكبر من أجل تطبيق العدالة الانتقالية، فهناك مئات آلاف الأسر التي فقدت معيلها بسبب القتل أو الإعاقة، وهي تحتاج إلى تعويضات عاجلة. من جانب آخر؛ ثمة حقوق فردية لعائلات الضحايا لا يكفي القول بالمصالحة الوطنية لإسقاطها، وسيكون من العدل التعويض عليها مادياً لمساعدتها على التسامح، وهذا أمر يختلف عن التعويض الإنساني المتعلق بإغاثة أو تأمين معيشة بعض الأسر.
حتى الآن لا مؤشرات مشجعة تدفع المعارضة إلى حضور «جنيف2»، بخاصة في ظل ما يُشاع عن صفقة أميركية- روسية على حسابها. على رغم ذلك ربما يكون المؤتمر، إذا أحسنت المعارضة استغلاله، فرصتها لاكتساب شرعية دولية إن أثبتت جدارتها السياسية، وإذا صحّت الإشاعات عن وجود صفقة مجحفة فهي أيضاً فرصتها لإخراج ما يجري في الخفاء إلى العلن وربما قلب الطاولة على الجميع، حينها قد يكون التهديد بالانسحاب أكثر جدوى من المقاطعة المسبقة.
في الطريق إلى «جنيف2»، تستطيع المعارضة إحراج النظام وحلفاءه بشروط من نوع آخر، كأن يكون وفد النظام مخولاً صلاحية اتخاذ القرارات، وأن يعلن النظام قبوله بـ «جنيف1» بلا قيد أو شرط. أما ما هو أسوأ من المقاطعة فهو الاضطرار تحت الضغط الدولي إلى المشاركة في اللحظة الأخيرة، بلا تحضير جيد لملفات التفاوض. في الواقع إن تحضير بعض هذه الملفات مطلوب بـ «جنيف2» ومن دونه.
الحياة
مطبّات جنيف والخيارات الصعبة أمام المعارضة السورية/ لؤي صافي *
تبحث الإرادة الدولية عن حل سياسي ينهي الصراع ويعيد الهدوء إلى سورية. لكن الشعب السوري لا يبحث عن هدوء بل يبحث عن حرية وعن نظام سياسي يحترم الحقوق ويسمح بمشاركة المواطن في الحياة العامة. وهنا مكمن المخاطر التي يستشعرها السوريون الذين ضحوا للحصول على حريتهم والمخاوف التي تعتورهم من السقوط في اتفاقية تبقي النظام وتكافئ المجرمين.
الحل السياسي له عنوان اسمه «جنيف»، وله مضمون اسمه بيان جنيف. لكن هذا البيان معقد ومفتوح على تفسيرات مختلفة. الموقف المبدئي، والمنطقي، الذي يتخذه كل من يعرف حقيقة النظام وإصراره على الحل العسكري هو رفض التعاطي مع «جنيف 2». بيد أن هذا يبدو أنه رفض للحل السياسي، واستهتار بالظروف الصعبة التي يعيشها السوريون، وتكريس لحالة الدمار التي تعيشها البلاد. ورفض جنيف 2 يعطي النظام الفرصة للهروب إلى الأمام وتحقيق مكاسب ديبلوماسية ثم توظيفها سياسياً وعسكرياً لمحاصرة الثورة.
هذا يعني أن على المعارضة السياسية والعسكرية تطوير استراتيجية للتعاطي مع جنيف تساعد في الحد الأعلى على الوصول إلى أهداف الثورة في الحرية والمساءلة والديموقراطية، وتسعى في حدها الأدنى إلى تعرية حقيقة النظام وتضعه في مكانه الصحيح في ميزان استخدام القوة والاستهتار بالحقوق.
من الناحية النظرية ومن حيث المبدأ يمكن لمبادرة «جنيف 2» أن تسهم في تحقيق أهداف الثورة السورية في التحول الديموقراطي وإنهاء حكم الأسد، نظراً لأنها تسعى إلى تحقيق مبادئ إعلان جنيف لعام 2012 التي تقوم على أساس خطة النقاط الست التي أعلنها كوفي عنان في مبادرته المعروفة والتي لاقت دعماً أممياً من خلال قراري مجلس الأمن رقم 2042 و 2043.
تطوير استراتيجية للتعاطي مع جنيف ومفاوضات نقل السلطة في سورية يجب أن يستحضر السياق الجيوسياسي والمصالح الإقليمية والدولية المتشابكة التي تسعى إلى التأثير في منحى المفاوضات وشكل النظام المستقبلي في سورية. وهذا يستدعي تسليط الضوء على مصالح ومواقف القوى الأساسية الفاعلة بدءاً من النظام ومروراً بالقوى الدولية والإقليمية وانتهاء بالقوى الداعمة.
موقف نظام الأسد من جنيف يقوم على أساس إعلان الرغبة في حل سياسي على مستوى الخطاب والمضي في الحل العسكري على مستوى الفعل. ولم يتمكن بشار الأسد، رغم محاولات فاشلة، من إخفاء التزامه بالحل العسكري. وقد أظهر في مقابلته الاخيرة مع جريدة «الرأي» أنه غير معني بالحل السياسي وأن مشاركته إن تمت تهدف إلى تحييد القوى المناؤئة في الصراع العسكري. هذا الموقف يتبناه حليفا النظام الرئيسيان، روسيا وإيران. ازدواجية تعاطي النظام وحلفائه يضع المعارضة في وضع صعب لأن عليها أن تأخذ بعين الاعتبار خطاب النظام السياسي المضلل في الوقت الذي تعمل لمنعه من كسب الوقت والدعم الخارجي والداخلي، والحيلولة دون توفير الفرصة له لرفع الضغوط الدولية عليه والتهرب من استحقاق نقل السلطة.
من ناحية أخرى تواجه المعارضة صعوبة في الحصول على الدعم السياسي والعسكري الكافي لتحقيق نصر واضح على نظام يخالف كل المعايير الدولية المقبولة. فالدول الغربية مترددة في تقديم الدعم الكافي بسبب مخاوف تتعلق بأمن إسرائيل وظهور التيارات الإسلامية المعادية للمصالح الغربية في المنطقة. وعلى رغم وقوف دول شقيقة وداعمة خلف الثورة عموماً و»الائتلاف» خصوصاً، وفي مقدمها تركيا والسعودية وقطر، إلا أن هذه الدول مرتبطة بتحالفات استراتيجية مع الغرب تمنعها من التحرك خارج دائرة القرار الدولي.
الدول الصديقة الداعمة أعلنت أكثر من مرة دعمها الكامل للثورة وأهدافها. ولكن هذه الدول غير قادرة على اتخاذ مواقف بعيدة عن الموقف الأميركي، نظراً لوجود تحالفات عسكرية واستراتيجية بينها وبين الولايات المتحدة، وتأثير أي موقف منفرد على هذه العلاقة التي من الواضح أن أياً منها ليست مستعدة للتضحية بها من أجل انتصار الثورة. لذلك تسهم الدول الداعمة في العمل الديبلوماسي لإقناع إدارة أوباما بتغيير موقفها من الثورة من جهة، وتقديم المعونات العينية كلما سمحت الإرادة الدولية بذلك.
إضافة الى الموقف الدولي تتحكم في التفاوض عوامل القوة والضعف الذي يميز قدرات وأداء المعارضة والنظام. النظام يستفيد من تقاطع المصالح الجيوسياسية في المنطقة والتي تصب في صالحه، كما يستفيد من الاختلال الكبير في موازين القوة الذي يميل لصالحه بصورة كبيرة. تعويل النظام الكبير على قدراته العسكرية والأمنية وإصراره على الحل العسكري تحول مع مرور الوقت إلى عامل ضعف، لأنه أدى إلى تمزيق الجهاز الأمني والعسكري. لكن النظام يستفيد من تمزق المعارضة وفقدانها للخبرة السياسية اللازمة لتوظيف نقاط الضعف عند النظام في معركتها السياسية ضده.
ضعف المعارضة الأساسي يتمثل بحالة التمزق والتنازع بين أطرافها على المستويين السياسي والعسكري. الانقسام السياسي الكبير بين المعارضة السياسية «الداخلية» المتمثلة بهيئة التنسيق والقوى السياسية المتعاطية معها، والتي يتحدد سقف مطالبها بتحقيق مشاركة سياسية أوسع مع النظام وتوسيع دائرة الحريات السياسية. في حين تطالب قوى المعارضة وفي مقدمها «الائتلاف» بتنحية الأسد والفريق الأمني المحيط به وانجاز تحول ديموقراطي كامل في البلاد.
النظام يستفيد أيضاً من دعم الأقليات الطائفية والدينية والقومية التي اختارت الولاء للنظام خوفاً من تهميشها في نظام سياسي لا تثق في قدرته على حمايتها، أو خوفاً من بطش النظام الذي يعمل وفق مبدأ: من ليس معي فهو ضدي. وتزايدت المخاوف بعد دخول جماعات دينية تدعو إلى إقامة دولة دينية وفرض الشريعة الإسلامية بالقوة على المجتمع، وتقاد من قبل قيادات غير سورية أو سورية مجهولة الهوية.
النظام يستفيد أيضاً من تماسك قوات النخبة في الجيش النظامي والدعم المالي والعسكري المستمر الذي يتلقاه النظام من حليفيه الرئيسيين، إيران وروسيا. النظام سيكون قادراً على الاستمرار لوقت طويل طالما استمر هذا الدعم وبقي توازن القوى على حاله. كسر إمكان الاستمرار تتطلب تغييراً جذرياً في هاذين العاملين.
هذا يعني أن على المعارضة أن تعمل على زيادة مستوى التنسيق الداخلي وإيحاد جبهة داخلية متماسكة. توحيد الصفوف ورفع مستوى التنسيق بين القوى السياسية والثورة سيدفع القوى الداعمة إلى إعادة النظر، في ضوء التآكل المستمر في قوى النظام العسكرية والمالية، في مواقفها من الثورة وطريقة التعاطي معها، كما سيؤدي إلى تغير كبير في موازين القوى الداخلية.
يتضمن بيان جنيف الذي أصدرته «مجموعة العمل من أجل سورية» جملة ثغرات يمكن أن يستفيد منها النظام لتعطيل المفاوضات وخلط الأوراق لإحراج المعارضة. في ما يلي أهم هذه الثغرات:
أولاً: التزام المجتمع الدولي بإنهاء المعاناة. الأشهر الماضية أظهرت ضعف هذا الالتزام واستعداد المجتمع الدولي للتعايش مع مستوى عال من القتل والدمار. وبالتالي المطلوب من «الائتلاف» تحديد خطوات معينة في التعاطي مع الاستخدام المفرط للعنف وإعطاء ضمانات محددة لذلك.
ثانياً: لا يلزم بيان جنيف النظام بوقف العنف ولا يحدد إجراءات رادعة في حال استمراره في عمليات القتل. وعلى رغم أن القرارين الدوليين 2042 و 2043 يطالبان النظام بوقف عمليات القتل والاعتقال التعسفي فإن هذين القرارين غير ملزمين.
ثالثاً: يدعو البيان إلى البدء بالعملية الانتقالية ويطالب الأطراف بتحديد جدول زمني لها، ولكنه يترك المبادرة كاملة بين الفريقين المفاوضين من دون تقديم أي ضمانات لتنفيذها.
رابعاً: هناك سكوت كامل بخصوص مصير الاسد، وهذه الثغرة ولدت تفسيرين لاتفاق جنيف: التفسير الروسي الذي يبقي الأسد في موقعه بالتوازي مع الحكومة الانتقالية، والتفسير الأميركي الذي يخرجه من موقع الرئاسة. في غياب وجود تفسير واحد فإن العملية التفاوضية غير ممكنة لأن الأسد لن يتنازل تلقائياً عن موقعه كما هو واضح من تصريحاته.
خامساً: يعطي البيان الحكومة الانتقالية «كامل السلطات التنفيذية» من دون إشارة إلى السلطة العسكرية والأمنية المرتبطة في النظام السوري بمنصب الرئيس. بالتالي المطلوب توضيح هذه النقطة من قبل الراعي الدولي للمفاوضات.
سادساً: ينص البيان على إعادة «النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية». لكنه لا يحدد آليات للمراجعة والجهة المعنية بذلك. لذا يلزم إضافة مهمة انتخاب هيئة تأسيسية تتولى مسؤولية كتابة الدستور الجديد للبلاد.
سابعاً: يشير البيان إلى «أطراف» تمثل الجميع وتشارك في العملية التفاوضية. من الضروري الاصرار على وجود طرفين أساسيين لا غير يمثل أحدهما الحكومة ويمثل الآخر «الائتلاف»، المحاور الوحيد من طرف المعارضة. النظام وحليفته روسيا يطالبان بمشاركة أطراف بعينها، وهذا سيمنح النظام فرصة للعب على حبلين.
على رغم الصعوبات والتعقيدات التي تحيط ببيان جنيف فإن المعارضة لا تعدم الخيارات، ويمكنها أن تحول جنيف إلى معركة سياسية رابحة تعطيها تقدماً كبيراً يدعم مكاسبها. وبطبيعة الحال فإن الخيارات ما زالت غير واضحة تماماً ولكن مقاربة النجاح في مواجهة جنيف تتكون من العناصر الخمسة الآتية:
أولاً: دعوة القيادات السياسية والعسكرية للقوى الأساسية الفاعلة للمعارضة السورية إلى لقاء تشاوري لتبادل الرأي والوصول إلى تصور مشترك.
ثانياً: الإصرار على أن يلتزم النظام والقيادة الروسية بصراحة بأن المفاوضات تهدف إلى قيام هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، بما فيها الصلاحيات الأمنية، لنقل السلطة والإعداد لانتخابات عامة تحت رعاية دولية لانتخاب مجلس تأسيسي لوضع دستور جديد وحكومة انتقالية.
ثالثاً: الحصول على ضمان أممي، قبل بدء أي مفاوضات، يحظر على النظام استخدام الطيران الحربي والأسلحة الثقيلة لاستهداف المراكز السكانية.
رابعاً: الإصرار على وصول مجلس الأمن إلى اتفاق على تنحي بشار الأسد والقيادات الأمنية المحيطة به، وذلك بالتوازي مع تشكيل هيئة حكم انتقالي. والإصرار كذلك على أن هذا ليس شرطاً إضافياً، بل فعلاً ينبثق مباشرة من تأسيس هيئة حكومية بكامل الصلاحيات تنهي صلاحيات رئيس الجمهورية.
خامساً: تحديد جدول زمني للمفاوضات وفق نقاط مفصلية، لمنع تحول المفاوضات إلى ذريعة لتدمير المدن والقرى السورية.
سادساً: رفض أي محاولة لإحضار مفاوضين من خارج المعارضة الواسعة الممثلة بـ «الائتلاف الوطني»، لأن هذا يعني أن ممثلي النظام المتضامنين داخلياً سيواجهون جبهة ممزقة من المعارضة، وهذا سيعطي فريق النظام القدرة على ضرب أطراف المعارضة بعضها ببعض.
هل تستطيع المعارضة تبني المقاربة السابقة والتمسك بها. هناك بالتأكيد شكوك نتيجة ضعف المعارضة التنظيمي، والشرخ الذي حدث أخيراً بين «الائتلاف» وقوى الثورة داخل البلاد. أضف إلى ذلك غياب الإعداد المطلوب للتعاطي مع جنيف.
غياب الثقة والمخاوف المتعلقة بالإعداد للمؤتمر شكلت الأساس الذي بنت عليه الأمانة العامة للمجلس الوطني السوري موقفها الرافض للمشاركة في جنيف. وهذه المخاوف حتى ولو فهمت أسبابها، تنعكس سلباً على العمل السياسي للمعارضة، وتعطي النظام فرصة ذهبية للتهرب من مسؤولياته.
* كاتب سوري
الحياة
السوريون عشية جنيف 2/ فايز سارة
لعله من البديهي القول إن أوضاع السوريين عشية الحديث عن انعقاد مؤتمر «جنيف 2» هي الأصعب في تاريخهم الحديث والمعاصر، وهو قول تؤكده المعطيات العامة والشائعة عن واقع الحال السوري سواء كان لجهة المعطيات الخاصة بالنظام أو تلك المتعلقة بالمعارضة وبعموم الشعب السوري، ولكل واحد منهم وضعه الصعب في إطار الوضع السوري العام.
لقد استنفد النظام كل قدراته في حربه ضد السوريين.. فاستخدم كل أسلحته الآيديولوجية والسياسية والإعلامية والمادية، فكذب وضلل وبذل كل طاقته في تفتيت السوريين، ودفع كل وحداته العسكرية والأمنية في مواجهة خصومه في المدن والقرى، واستخدم كل الأسلحة التقليدية من طائرات وصواريخ ومدرعات وصولا إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل، واستعان بكل تحالفاته الدولية والإقليمية في معركته، قبل أن يستقدم خبراء ووحدات عسكرية وميليشيات طائفية لتشارك في القتال اليومي إلى جانبه ضد الشعب وضد تشكيلات المعارضة العسكرية، بل إنه لم يوفر الاستخدام المبطن لجماعات التطرف، وخاصة الجماعات المرتبطة بـ«القاعدة»، في معركته، قبل أن يوافق على التخلي عن سلاحه الكيماوي الذي طالما اعتبره الأهم في عناصر قوته وقدرته في تهديد الآخرين في الداخل والخارج.
ورغم وقوف المعارضة في الخندق المقابل الذي يجعلها أفضل حالا من الناحية السياسية، فإنها من حيث البنية ووضوح الأهداف والأداء، أثبتت أن وضعها صعب هي الأخرى.. فلا هي استطاعت أن تتوحد في بنى وتحالفات عامة، بل صار منها ما يعاني من انقسامات وتشظيات أفقية وعمودية في آن معا، وهي لم تتمكن من خلق رؤية عامة، وتحديد أهداف واضحة في المستويين المرحلي والأبعد منه، وفي كل الأحوال لم تتعد مستوى الشعارات التي طرحها الشارع السوري، وعجزت عن صياغة خطط تعجل من الوصول إلى تحقيق الشعارات. وأثبتت المعارضة عجزها عن الاستفادة من ظروف إقليمية ودولية داعمة، كان يمكن رغم ضعف ذلك الدعم أن تعزز قدرتها وفرصها في دور أكبر في القضية السورية.
لقد عانى السوريون من جرائم القتل والتدمير والتهجير بفعل سياسات النظام، وعانوا من عجز المعارضة عن القيام بدورها في قيادتهم نحو أهدافهم، وكلاهما كان بين عوامل عززت نمو التطرف الديني وزيادة حضور ونفوذ جماعات «القاعدة» من «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق والشام»، إضافة إلى معاناتهم الشديدة من ظروف حياتية ومعيشية بلغت مستوى كارثة إنسانية غير مسبوقة سواء في داخل سوريا أو بلدان اللجوء، وفي الحالتين عجز العالم وقصر في مساعدتهم لمواجهة الكارثة، الأمر الذي زاد من ضعفهم، وإن كان الأخير لم يغير في نظرتهم للنظام الذي لم يعد من الممكن التوافق معه تحت أي شروط.
صعوبات الواقع السوري وأخطاره، والتي يعني استمرارها ترديات أكثر سوف تنعكس في المحيط الإقليمي والدولي، ربما كانت هي أهم العوامل الدافعة إلى تحرك دولي نحو «جنيف 2»، رغم تمايز أجندات الداخلين في رعايته والمشاركين فيه بين حدين مختلفين، أحدهما أميل لمعالجة أقرب إلى مصالح النظام، وآخر أقرب إلى مصالح السوريين ومعارضتهم، وهو تمايز يعبر عن نفسه في الحوارات العامة والثنائية الجارية اليوم بين عواصم معنية وأخرى مهتمة بمؤتمر «جنيف 2» وما يمكن أن يتمخض عنه. غير أن الحوارات العامة والثنائية، لا تسير خارج ضوابط عامة، إنما ترسم ملامحها المعطيات الواقعية، التي كرستها حرب النظام الدموية ضد السوريين، وما تمخض عنها، إضافة إلى خلاصات المساعي الإقليمية والدولية لتسوية الوضع السوري، ولا سيما بيان «جنيف 1» ذي النقاط الست في عام 2012، وقد رسم «خارطة طريق» كانت في حينها كفيلة بتغيير النظام وفتح الباب لتحول سياسي عميق في الحياة السورية، وكلاهما أمر دفع النظام وحلفاءه لرفض تطبيقها وتوفير دورة من الدم والدمار والتهجير على مدار أكثر من عام على أمل أن يكسب النظام معركته ضد السوريين، لكن ذلك لم يتحقق، ولن يتحقق، كما تشير الوقائع.
إن «جنيف 2» باعتماده بيان «جنيف 1» أساسا حسب المداولات وحسب أوراق يجري تبادلها بين الأطراف المعنية والمهتمة، يوفر فرصة حل سياسي للوضع السوري، ليس فيها مكان لقادة النظام الأمني – العسكري الذين غرقوا في جرائم لا يمكن أن يفلت أصحابها من العقاب، ويفتح الباب أمام هيئة حكم انتقالي تقود سوريا نحو نظام ديمقراطي تعددي، يحفظ حقوق السوريين ويضمن مشاركتهم في إدارة شؤونهم بصورة طبيعية، بل إنه يوفر بمجرد الموافقة عليه إجراءات تشمل وقف عمليات النظام العسكرية واستخدام أسلحته ضد المدنيين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة ودخول المساعدات بكل الطرق.
«جنيف 2» بالمحتويات التي يجري التداول فيها، يمثل فرصة أخرى للسوريين تخرج بهم من عمق ما صاروا إليه من كارثة، وما يتهددهم ومحيطهم في السير إلى أعماقها. والتحدي الرئيسي للعالم وللسوريين هو التعامل بجدية ومسؤولية مع «جنيف 2»، ولا شك أن مقدماته الإجرائية هي البرهان العملي وليست الإعلانات والنصوص والوعود!
الشرق الأوسط
المعارضة السورية ومؤتمر جنيف 2/ منذر خدام
مما لا شك فيه أنّ مشاركة المعارضة السورية في مؤتمر جنيف هي من المشكلات التي حالت في السابق دون انعقاده في المواعيد الافتراضية، التي حددت له سواء في أواخر شهر أيار أو في النصف الأول من حزيران الفائتين. وهي اليوم لا تزال مشكلة عالقة أمام انعقاده في منتصف شهر تشرين الثاني المقبل كما هو مفترض بحسب التوجيه الروسي الأميركي للأمم المتحدة. ومردّ هذا التعقيد يعود أساساً إلى طبيعتها كمعارضة، وإلى ارتهان كثير من فصائلها وقواها لدول عربية وأجنبية لها أجنداتها الخاصة في سوريا.
من المعلوم أنّه خلال نحو أربعة عقود من حكم البعث لسوريا، في عهدي رئاسة حافظ الأسد ونجله بشار الأسد، لم يسمح بوجود معارضة حقيقية منظمة له، فكان يجري قمعها باستمرار وزجّ منتسبيها في السجون، بل كان يتم تصفية من كانا يحسبانه خطراً على حكمهما.
في مثل هذه الظروف كان من الصعب وجود معارضة حقيقية لها قواعدها الجماهيرية، ولذلك عندما أيقظها الحراك الشعبي المطالب بالحرية والكرامة والديمقراطية من ثباتها وتشرذمها، جاهدت للحاق به عن طريق المزاودة عليه بالشعارات، التي كان بعض قواها العاملة في الخارج تصدرها له في الغالب الأعم، بدلاً من تقديم خطاب سياسي عقلاني يوجه الحراك ويحافظ على سلميته. إضافة إلى ذلك فإن وجود الكثير من المعارضين في الخارج جعلهم موضع تنازع إرادات الدول التي لها أجنداتها الخاصة في سوريا، مستخدمة سخاء تدفقاتها المالية لها ولأفرادها، والتسهيلات اللوجستية التي قدمت لها.
اليوم توجد ثلاث أطر رئيسة للمعارضة السورية وهي هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، والائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، والهيئة الكردية العليا، وهي التي من المفترض أن تشارك في المؤتمر سواء منفردة أو في وفد موحد. بالنسبة لهيئة التنسيق التي تبنت منذ البداية نهج الحراك السلمي، ورفضت نهج العنف الذي اتبعه النظام في الرد على مطالب الشعب العادلة، كما رفضت خيار عسكرة الانتفاضة، فهي اليوم ترى أن مسار تطور الأحداث جاء ليثبت صحة وجهة نظرها. فخيار العنف لم و لن يفضي إلى أية نتيجة سوى إلى تدمير البلد وتمزيق وحدة شعبه، وانه لا حل في سوريا سوى الحل السياسي التفاوضي. استناداً إلى هذه الرؤية فقد اتخذت مع حلفائها في مؤتمر الإنقاذ الذي انعقد في دمشق بتاريخ 23/9 / 2013 قراراً يناشد فيه السيد الأخضر الإبراهيمي، المبعوث الدولي والعربي إلى سوريا، بأن يبادر للدعوة إلى مؤتمر دولي تحضره جميع الأطراف المعنية وخصوصا روسيا وأميركا والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية للبحث في أفضل السبل لحل الأزمة السورية وتأمين الانتقال إلى نظام ديمقراطي. وعمدت الهيئة في حينه إلى تسويق الفكرة والقرار، الأمر الذي استحسنه الروس والأميركيين والأخضر الإبراهيمي. وتحضيراً لاحتمال عقد مؤتمر كهذا، والمشاركة فيه، فقد قدمت الهيئة مشروعاً متكاملاً للحل السياسي التفاوضي في سوريا لكلّ من روسيا وأميركا وغيرهما من الدول المعنية، وتم نشره في وسائل الإعلام. وبعيد إعلان كيري ولافروف عن الدعوة إلى عقد مؤتمر «جنيف 2» في لقائهما في موسكو في بداية شهر أيار الماضي، وفي أول لقاء بين الهيئة والمفوض الأميركي بالملف السوري السيد روبرت فورد، بعيد لقاء موسكو بين وزيري خارجية روسيا وأميركا، قال السيد فورد «ها نحن ننفذ القرار الثالث من مقررات مؤتمر الإنقاذ الخاص بكم، وان رؤيتكم للحل السياسي التفاوضي جيدة ويمكن أن تكون ورقة أساسية في المؤتمر، لكن يلزم أن تعدوا مذكرة تنفيذية لها». وهذا ما فعلته الهيئة لاحقاً. إضافة إلى ذلك ومن أجل تسهيل مشاركة المعارضة بوفد مشترك في المؤتمر أبدت الهيئة استعدادها لذلك شريطة التوافق على رؤية سياسية مشتركة لعملية التفاوض، واقترحت في حينه أن يرأس الوفد الذي ينبغي أن يدعى بوفد المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية، السيد رياض سيف، وهو كما هو معروف من الائتلاف. باختصار فإن الهيئة إذ تذهب للمشاركة في جنيف فهي تذهب برؤية واضحة واستعداد كامل.
لكن للأسف لا يمكن قول ذلك بالنسبة للائتلاف الوطني السوري والهيئة الكردية العليا. لقد استغرقت الشعارات عمل الائتلاف، وصعدت به إلى أعلى درجات سلم التطرف السياسي والشخصنة. لذلك فهو منذ وقت مبكر رفض أي حوار مع النظام القائم، تحت ضغط مطالب دولية معينة، مغذية لديه أوهام احتمال سقوط النظام سريعا، وانه الممثل الوحيد والشرعي للشعب السوري. إضافة إلى ذلك فإن الطبيعة التركيبية للائتلاف لا تسمح له بالتوافق على نهج سياسي تفاوضي واحد، وعلى خارطة طريق واحدة للخروج بسوريا إلى فضاءات الحرية والديمقراطية. لذلك نجده يرفض لاحقاً ما تم التوافق عليه في المؤتمر المشترك للمعارضة السورية في القاهرة في شهر حزيران من عام 2012 ، ورفض أيضاً، بعد أقل من 24 ساعة الاتفاق الذي وقعه مع هيئة التنسيق في القاهرة من أجل توحيد المعارضة السورية. اليوم وأمام استحقاق عقد «جنيف 2»، فإن الائتلاف يكاد يكون في وضعية من عدم التوازن والإرباك بسبب تناقضاته الداخلية، وكذلك بسبب التجاذبات الدولية التي يتعرض لها، والتي ركز بعضها (السعودية وقطر) على إضعاف قوته التمثيلية من خلال دفع بعض المجموعات المسلحة، التي هي بالأصل خارج نطاق تمثيله السياسي، للتجمع وإعلان الخروج على الائتلاف ورفض تمثيله السياسي. كل ذلك انعكس في تصريحات قادته المتناقضة بخصوص الموقف من المؤتمر واحتمال المشاركة فيه، وبالتالي لن يكون مفاجئاً احتمال فرط عقده، بحسب روبرت فورد، وتصريحات بعض قادة الائتلاف مثل كمال اللبواني وغيره.
أما بخصوص الهيئة الكردية العليا التي تمثل تجمع الأحزاب الكردية الرئيسية، فإن جل اهتمامها منصبّ على حقوق الكرد، التي هي أيضاً موضع خلاف شديد في ما بينهم بسبب، أيضاً، طبيعة هذه الأحزاب والتجاذبات الدولية والكردية الخارجية التي تتعرض لها، وكذلك توزعها بين هيئة التنسيق الوطنية والائتلاف الوطني السوري. منهم من يريد الانفصال عن سوريا ويجاهر به ويدعو إلى الوحدة مع كردستان العراق، ومنهم من يطالب بالفدرالية في سوريا كصيغة جيدة لتحقيق حقوقهم، لكن منهم أيضا من يطالب بسوريا موحدة أرضاً وشعباً على أن يتم الإقرار الدستوري بالوجود القومي الكردي، وتحقيق كل ما يعزز الهوية الكردية الخاصة على قاعدة المواطنة الواحدة المتساوية.
أمام هذا الاستعصاء في وحدة مواقف المعارضة، وصعوبة مشاركتها في مؤتمر جنيف بوفد موحد، تجري محاولات من بعض الدول الأوربية مثل اسبانيا ومن ورائها ألمانيا وربما أميركا أيضاً، لتخطي عقبة تشرذم المعارضة الحالي وذلك بالتحضير لمؤتمر جامع لمعارضين سوريين ينتمون إلى مختلف تشكيلات المعارضة السورية السياسية والعسكرية، من المتوقع أن يعقد أواخر الشهر الجاري في «البيت العربي» في قرطبة للاتفاق على خارطة طريق تمثل وجهة نظر المعارضة السورية التي سوف تتبناها في مؤتمر «جنيف 2»، وأن تتفق على وفد التمثيل لها، فهل تنجح اسبانيا بما عجز عنه آخرون؟
* رئيس مكتب الاعلام
في «هيئة التنسيق الوطنية» السورية
الأخبار
جنيف2 بلا بند سابع والمجلس الوطني/ غسان المفلح
يكتب الكثير هذه الايام عن جنيف2 وكأنه قارب النجاة للسوريين، ومن يرفض الالتحاق به، يفوت فرصة على نجاة شعبنا من القتل، ومن جهة أخرى رفض غالبية قوى المعارضة للذهاب لجنيف2 باعتباره فرصة جديدة لاستمرار النظام في قتل شعبنا، وهذه القوى وعلى رأسها المجلس الوطني الذي اعلن موقفا، رافضا لحضور جنيف2 بالشروط الحالية، دون أن يقدم استراتيجية بديلة لشعبنا في كيفية التخلص من هذه المجزرة المتنقلة من مدينة إلى أخرى، خاصة بعد أن أصبح التدخل السافر الايراني واداوته من حزب الله إلى الحوثيين إلى بعض الفصائل الشيعية العراقية أمرا تغض الطرف عنه، الامم المتحدة والقوى الدولية، كما لعبت من جهة اخرى استخبارات دولية واقليمية لتحويل سورية إلى ساحة للجهادين من كل حدب وصوب، بعدما ارادها النظام كذلك، على مبدأ دمر عدوك أنى تسنى لك، وعدوه منذ ولادته وحتى هذه اللحظة، كان الشعب السوري. لأن النظام الدولي الذي أتى بهذا النظام كان يعرف ويرى، أن على هذا النظام حتى يأتي ويستمر عليه ألا يكون لديه عدوا سوى شعبنا. ولد لكي يمنع الحياة عن هذا الشعب، الحياة التي باتت تعيشها غالبية شعوب الارض. من هي القوى الراعية لجنيف2 ومن هي القوى التي تريد الحضور:
– روسيا لم تطرح خيارا واحدا منذ أول يوم في الثورة وحتى الآن، على الأقل يحاكي طموحات شعبنا الطبيعية في الحرية، ودولة القانون والمؤسسات وحقوق الانسان كل هذا الملف لايعنيها ابدا، ووضعيتها الدولية وخياراتها السياسية ووزنها، تركها أسيرة لخيار- إما الاسد أو نحرق البلد.
– إيران شريكة في الجريمة، فما الذي يمكن لشعبنا انتظاره في جنيف2 من إيران؟
– بقية دول العالم اندرجت أخيرا ضمن المعطى الامريكي، والذي لايزال حتى اللحظة يتعامل مع الشعب السوري، بكونه ملفا أمنيا، من جهة بحكم إسرائيل وجيرتنا لها أو جيرتها لنا!! ولم يرتق الملف للحد الادنى من الانسانية، على مبدأ شعب من حقه العيش كبقية شعوب الارض.
– من ضمن هذه الدول، كلها لانبرأ دولة واحدة في تصدير الجهاديين لسورية، وكأن سورية والجيش الحر كان ينقصها الرجال!!؟ ولا نبرأ دولة من موضوعة تحويل سورية لساحة تصفية حسابات.
– الطغمة الاسدية خيارها واضح من سلوكها- إما الاسد أو نحرق البلد- هذا الخيار مغلق على وحشية قل نظيرها. لدرجة أن معطياتها للدول الاخرى عن جنيف بأنها حولت المعتقلين مئات الالوف واللاجئين والنزوح ملايين والتجويع مدن بكاملها إلى ورقة تفاوض، فكيف يمكن الذهاب لحل سياسي كما يريده دعاته مع هذا النوع من العقل المجرم؟ هنالك من يحمل المعارضة مسؤولية العسكرة بالتساوي مع النظام في ماحدث، نقول لهم: إذا افترضنا أن اللاجئين والنازحين تتحملهم العسكرة وفق منطقكم!! فهم خارج همومكم. طيب معتقلي السلمية بعشرات الألوف والتجويع والحصار بلش من أيام السلمية وشهدائها بالالاف…ماذا عنهم؟ ولماذا يكافأ طغيان الاسد الاجرامي بعد كل هذا؟ مع ذلك إذا لم يستطع المجلس والقوى الرافضة لجنيف2 توضيح استراتيجية بديلة لتحقيق اهداف الثورة، سيتحول هذا الموقف لرفض سلبي فقط، لأن جنيف2 المطروح أمريكيا هو بدون فصل سابع اممي يفرض نتائجه. لم تقدم الدولتان الراعيتان لجنيف2 آليات محددة عن كيفية تطبيق نتائج هذا الجنيف2 إذا عقد. لهذا على المجلس والقوى الرافضة أن تطالب بعقد جنيف2 تحت البند السابع وبقرار من مجلس الامن، وتصيغ رفضا ايجابيا إذا لم تتضح الصورة والجدوى من جنيف2 من أجل وقف هذه المجزرة المتنقلة.
ايلاف
لماذا يبدو الذهاب إلى جنيف من واجبات المعارضة السورية؟/ إياد شربجي *
بعيداً من الاستعراضات المجانية والمواقف الشعبوية التي أبدتها بعض أطراف المعارضة السورية من «جنيف2»، هل يفكّر أحد حقاً بالجدوى الفعلية للذهاب إلى المؤتمر المذكور من عدمه؟
الوقائع تقول إن النظام السوري هو أكثر من يشكك في جدوى المؤتمر المذكور ويحاول التقليل من أهميته، ويصرّ على أنه إن حدث فيجب أن يكون المكوّن الأساسي للطرف المفاوض المقابل، المعارضة المدجّنة التي صنعها في الداخل، ومن يرصد التصريحات الروسية المتوازية حول عدم جديّة المعارضة في الذهاب، والتشكيك المستمر في قوتها وسيطرتها على الأرض، يعرف أن شيئاً يدور في الخفاء عنوانه العريض «من مصلحة النظام السوري إفشال جنيف2».
بالعودة إلى حيثيات قرار الأمم المتحدة الصادر في 28 أيلول (سبتمبر) الفائت حول تفكيك ترسانة السلاح الكيماوي السوري، والذي كان ثمنه المباشر إلغاء الولايات المتحدة ضربتها العسكرية المزمعة، كان واضحاً أن الأميركيين لم يكونوا ليقبلوا بوضع سمعتهم العسكرية والسياسية في العالم والمنطقة على المحك لولا وجود اتفاق روسي – أميركي ناجز قضى بحزمة متكاملة تفضي، فضلاً عن إلزام النظام السوري تفكيك ترسانته الكيماوية، إلى إلزامه الذهاب إلى «جنيف2».
بطبيعة الحال لا أحد يراهن على الموقف الأخلاقي للأميركيين من الثورة، بمقدار ما ينسجم ذلك مع سياق منطقي للبعد المصلحي للولايات المتحدة مما يجري، والتي تريد إيجاد حل سياسي قبل أن تصبح سورية بثقلها الجغرافي والديموغرافي مفرخة للتنظيمات المتطرّفة المحاذية لإسرائيل ومنابع النفط في الخليج. لقد وضّح كيري ولافروف، ثم جاء الإبراهيمي ليؤكد، أن «جنيف2» استمرار وتكملة لما تم الاتفاق عليه في «جنيف1» حول إنجاز انتقال سياسي للسلطة يستبعد الأسد من المعادلة، وهو ما شدّد عليه كيري وفابيوس غير مرّة، مؤكدين أن «جنيف1» ليس مطرحاً للنقاش والتفاوض، وهذا السيناريو هو تماماً ما يرعب النظام السوري كون ما بعد الكيماوي ليس كما قبله، ومجال المناورة الذي برع فيه النظام السوري في السابق، لم يعد متاحاً بعدما أصبح الثمن ضربة عسكرية مع، أو من دون، الفصل السابع الأممي.
فالتزام النظام السوري تطبيق قرار تفكيك ترسانته الكيماوية بهذه الانبطاحية التي بهرت حتى الأميركيين، وسماحه للمراقبين بالدخول إلى أهم تحصيناته العسكرية السريّة وفعل ما يشاؤون، ثم قول الجعفري الصريح إن «السلاح الكيماوي في مكان آمن، وتحت السيطرة الكاملة للسلطات السورية»، والذي جاء لينفي كل ادعاءات النظام السابقة عن وصوله إلى أيدي «المنظمات الإرهابية»، إنما يدلّ بما لا يدع مجالاً للشك أن تحذيراً روسياً صارماً جاء للأسد بأن الأمر جدّي هذه المرّة وعليه أن يتوقّف عن التلاعب والفبركة وشراء الوقت. فالأسلحة الأميركية لاتزال مذخّرة، وهذا الأمر يبدو أنه سينسحب على مقررات «جنيف2» التي ستقوّض بالتأكيد سلطة الأسد وتجبره على الابتعاد من الواجهة، وهو ما تمنّع عنه طيلة 30 شهراً سبقت.
وبالمحصّلة يدرك النظام أنه هو فقط (من دون المعارضة السورية) من سيُجبَر على تقديم التنازلات، ذلك أن المعارضة إياها لا ثقل حقيقياً لها يمكنّها من الوفاء بالتزاماتها، ولا تستطيع بالتالي تقديم ما ليس لها، بينما هو مضطر لذلك كونه طرفاً موجوداً على الأرض، ويتزّعم سلطة «شرعية» أبرمت اتفاقات دولية مع الأمم المتحدة، ولا مجال أمامه إلا تقديم تنازلات محسوسة لا يمكن فبركتها. وحيث أن هذا المأزق واقع لا محالة على النظام إذا ما قامت المعارضة بانتهاز الفرصة وإنجاح المؤتمر، بات لزاماً عليها للاعتبارات السابقة الجلوس على طاولة التفاوض وأخذ ما يمكن أخذه بالتفاوض مما لم تتمكن الثورة من تحصيله بالقتال، بل هذه ربما أول فرصة حقيقية للمعارضة السورية لتفرض وزناً لها كطرف حقيقي في المعادلة.
التحدّي الحقيقي الآن ليس اتخاذ قرار الذهاب، بل ماذا سيحمل الائتلاف في حقيبته إلى هناك، وكيف سيقوم بإدارة ملفه التفاوضي، وكم سينجح بتوحيد صفوفه الداخلية وتمتينها، وجبهته التركية – السعودية – القطرية الداعمة.
* كاتب وصحافي سوري.
الحياة
«مجموعة لندن» في «أصدقاء سورية» تنسّق موقفها من «جنيف-2» لعرضه على «الائتلاف»
إبراهيم حميدي
قالت مصادر ديبلوماسية متطابقة لـ «الحياة»، أمس، إن الأيام المقبلة ستشهد اتصالات مكثفة بين «مجموعة لندن» التي تضم 11 دولة من «مجموعة أصدقاء سورية»، وذلك بهدف الوصول إلى موقف موحّد من عقد مؤتمر «جنيف-2» لإبلاغه إلى قيادة «الائتلاف الوطني السوري» المعارض في اجتماعها يومي 24 و25 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.
وتشمل هذه الاتصالات انعقاد اجتماع لكبار موظفي «مجموعة لندن» في إسطنبول يوم الإثنين المقبل بهدف السعي إلى «ردم الفجوة» بين الدول الـ 11 بعد ظهور تباعد في المواقف في الاجتماع الأخير. وقالت المصادر إنه في حال حقق ممثلو الدول الـ 11 تقدماً في لقائهم فسيُعقد اجتماع لهذه الدول على المستوى الوزاري في لندن أو إسطنبول لاتخاذ موقف موحد يحمله السفراء وكبار الموظفين إلى اجتماع الهيئة العامة لـ «الائتلاف» الذي يسبقه اجتماع للهيئة السياسية.
ولفتت المصادر إلى أن دولاً غربية «فوجئت» بالموقف الذي أعلنه «المجلس الوطني السوري» المعارض برفضه المشاركة في «جنيف-2» والتلويح بسحب أعضائه من «الائتلاف» في حال قرر الأخير المشاركة في «جنيف-2»، مشيرة إلى أن ممثلي الدول الغربية سيعملون على عقد اجتماعات مع رئيس «المجلس الوطني» جورج صبرا لإقناعه بـ «اتخاذ موقف بنّاء» من المؤتمر الدولي.
ويقول قريبون من «المجلس الوطني» إن لديه 22 عضواً رسمياً في «الائتلاف» و47 عضواً في شكل عملي، من أصل 114 عضواً في الهيئة العامة لـ «الائتلاف»، فيما قلل آخرون من تهديد «المجلس» بالانسحاب بسبب قرب دخول عشرة أعضاء أكراد إلى «الائتلاف» بعد اتفاقه مع «المجلس الوطني الكردي».
وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري أجرى محادثات مع المبعوث الدولي – العربي الأخضر الإبراهيمي في لندن مطلع الأسبوع بهدف تسريع انعقاد المؤتمر وإزالة العقبات أمامه. وأشارت المصادر إلى أن «الهدف الأوّلي» هو عقد مؤتمر «جنيف-2» في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل بدل منتصفه، كما كان قد أُعلن سابقاً.
ووفق المصادر، فإن الاتصالات الغربية ستركز على ثلاثة مسارات: الأول، قيام «مجموعة لندن» بالتوصل إلى موقف مشترك في ما بينها ثم تنسيق ذلك مع «الائتلاف». الثاني، قيام الإبراهيمي بجولة إقليمية بعد عيد الأضحى المبارك، تشمل لبنان وسورية وإيران والأردن وعدداً من الدول الإقليمية. الثالث، إجراء كيري اتصالات ثنائية مع نظرائه الإقليميين لـ «ازالة الشكوك» التي ظهرت بعد صفقة السلاح الكيماوي بين أميركا وروسيا.
وتابعت المصادر الديبلوماسية أن الدول الغربية تحض المعارضة على صوغ «استراتيجية واضحة» وألاّ يقتصر موقفها على رفض المشاركة في المؤتمر الدولي وستحض الدول الإقليمية على «ربط المسارين العسكري والسياسي بهدف الوصول إلى نتائج مع استمرار الضغط العسكري والديبلوماسي بهدف تحقيق تقدم في عملية السلام». وعكف بعض الدول على صوغ رؤية للمرحلة الانتقالية مربوطة باقتراح تدريب قياديين في «الائتلاف» على أصول التفاوض.
وميّزت المصادر بين موقفي «الائتلاف» و «المجلس الوطني»، قائلة إن الدول الغربية «لا ترى مشكلة» في المبادئ التي أعلنها رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا للذهاب إلى «جنيف-2» والتي شملت توجيه دعوة من السعودية وقطر وتركيا ومصر وتوافر «غطاء عربي» من جامعة الدول العربية وأن يكون هدف المؤتمر تنفيذ كامل بنود «جنيف-1» خصوصاً ما يتعلق بتشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات. وتابعت المصادر أن «المشكلة الحقيقية» تكمن في موقف المتشددين في «المجلس الوطني».
وكانت مصادر معارضة قالت لـ «الحياة» إن موقف «المجلس الوطني» بُني على «فهم عميق» للوضع الراهن، سواء بعد درس بيان جنيف الأول الصادر في حزيران (يونيو) العام الماضي والذي أظهر وجود «الكثير من الثغرات» المتعلقة بمصير الرئيس السوري بشار الأسد، وصلاحيات الجسم الانتقالي، ومعنى الصلاحيات الكاملة، وعلاقة الجيش والأمن بهذه الحكومة الانتقالية، وتنفيذ أي شيء يجري الاتفاق عليه، إضافة إلى اعتقاد قيادة «المجلس الوطني» أن موقفها «ينسجم مع موقف الشارع» وتخوفها من انطلاق عملية سياسية ترمي إلى «التغطية وشرعنة» صفقة السلاح الكيماوي. وكانت مصادر تحدثت عن احتمال تمديد ولاية الرئيس الأسد بموجب الدستور الحالي والتي تنتهي منتصف العام المقبل، على أساس غياب التوافق السياسي وتردي الوضع الأمني في البلاد.
وعُلم أن وزير الخارجية القطري خالد العطية التقى قيادة «المجلس الوطني» في إسطنبول قبل يومين، كما التقى ديبلوماسي روسي قياديين فيه، إضافة إلى تلقي رئيس «المجلس الوطني» اتصالاً من وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس واتصالاً آخر من مسؤولين في الإدارة الأميركية واجتماعه بمسؤول تركي. وأوضحت مصادر المعارضة أن الموقف الفعلي لـ «المجلس الوطني» يقوم على أربعة مبادئ: «الأول، توافر ضمانات أن الرئيس السوري ليس جزءاً من الحل. الثاني، تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تشمل كل الوزارات. الثالث، جدول زمني محدد لعملية جنيف. الرابع، صدور نتائج المؤتمر بقرار دولي ملزم».
من جهتها، قالت المصادر إن الجهود الديبلوماسية لـ «مجموعة لندن» ترمي إلى تهدئة «الغليان» الذي ظهر بعد الاتفاق الأميركي – الروسي والبحث عن النقاط المشتركة بين أعضائها وبين «الائتلاف» و «المجلس الوطني» للخروج بموقف موحد، على أمل انعقاد «جنيف-2» في نهاية الشهر المقبل لـ «إطلاق» العملية السياسية التي ستأخذ وقتاً ليس بقليل. وتابعت أن الدول الغربية لا تزال تعتقد أن عملية جنيف هي «المسار الوحيد» للوصول إلى حل يحفظ وحدة سورية السياسية ويبعدها من التطرف ويحقق تطلعات شعبها.
الحياة
نريد ضمانات؟!/ سمير العيطة
موقفٌ تطلقه اليوم بعض أطياف المعارضة السوريّة مفاده: “لن نذهب إلى جنيف 2 إلاّ بضمانات دوليّة”. ونسأل: ما هي هذه الضمانات المطلوبة؟ وما هي الدول التي ستقدّمها؟ ومقابل ماذا؟
أكثر ما يزعج في هذا التعبير هو أنّ أطياف المعارضة هذه ما زالت تتعامل مع ما تعيشه سوريا وأهلها بمعايير دول الخارج، وكأنّ الدمّ السوريّ الذي بذل ومعاناة الناس لا تعطيها شرعيّة كافية لكي تفرض نفسها. ولم تأخذ الدرس واضحاً من انقسامات الخارج وتخاذله حتّى أضحى نضال شعبٍ من أجل الحريّة حرباً أهليّة وخطراً على وحدة البلاد. كانت وزيرة الخارجيّة الأميركيّة السابقة هيلاري كلينتون قد قالت منذ البداية لرئيس المجلس الوطني أن لا تدخّل عسكريّاً خارجيّاً في سوريا. ومع هذا استمرّ الإصرار طويلاً على أمل أن يحدث هذا التدخّل بالاعتماد تارة على هذه الدولة وأخرى على تلك. والآن تحوّل طلب التدخّل الخارجيّ إلى مجرّد… طلب ضمانات.
إذا كان هناك ما يسمّى تفاوضاً في “جنيف 2” فإنّ وثيقة جنيف واضحة. إنّها تنصّ حرفياً على وقف القتال وإطلاق سراح المعتقلين وحريّة دخول الإغاثة والتظاهر السلميّ. فما معنى إذاً أن يطالب بهذا كشرطٍ للتفاوض، في حين أنّه بحدّ ذاته أرضيّته. كما تقول وثيقة جنيف 1 أنّ الحلّ يكمن في “خطوات واضحة لا يمكن الرجوع عنها مع جدول زمنيّ ثابت”… يوفّر “إقامة جسم حكم انتقالي”… “ستكون له كامل الصلاحيات التنفيذيّة”… “وسيتمّ تشكيله على قاعدة التوافق المتبادل”… وأنّ هذا يمكن أن يتمّ “عبر إعادة النظر بالنظام الدستوريّ”.
هناك التباسات مقصودة في هذه التعابير. ولكنّها تعني بالأساس أنّ من سيذهب إلى جنيف سيستطيع أن يقول “لا” ويوقف كلّ شيء. وأنّه يستطيع أن يفسّر تعبير “جسم حكم انتقالي كامل الصلاحيّات” كما يحلو له، مثلاً أن يقول أنّه يتضمّن رئيس جمهوريّة مقبولاً من الطرفين.
فما هو الضمان الذي يمكن أن تقدّمه الدول الخارجيّة لك أكثر من أنّ الـ”لا” التي يمكن أن تقولها تعطّل كلّ شيء؟ وما المخاطر؟ أنّ المعارضة يمكن أن تنقسم على نفسها بين أصحاب الـ”لا” وأصحاب الـ”نعم”. هناك وثائق القاهرة التي وقعها جميع الأطراف. أو أنّ بعض ممّن يسمّون “أصدقاء سوريا” سيتخلّون عنك لأنّ النظام سيعطي لإسرائيل ما لا تستطيع أن تقدّمه، وأنّ إسرائيل في نظرهم أهمّ منك ومن مئات آلاف القتلى السوريين. هذا سيحدث في كلّ الأحوال، مع “جنيف 2” أو بدونها.
* * *
المشكلة إذاً ليست في الضمانات، والانهزاميّة هي في تعطيل عقد “جنيف 2”. بل هي في ألاّ يعقد “جنيف 2” بحدّ ذاته. وألاّ يكون الوعد الدوليّ به سوى فقاعة اختبار أخرى لبعض أطياف المعارضة… ألم يتعلّم السوريّون شيئاً من تجربة الفلسطينيين المريرة، أنّ التفاوض هو أفضل سلاح لمن يملك حقّاً تجاه من يملك القوّة. وكلّ القضيّة هو أن تكون أنت من يمثّل الحقّ وآلام الشعب وآماله… كلّ أطياف الشعب.
كاتب سوري
النهار