مقالات لكتاب سوريين تناولت جنيف 2
مؤتمر «جنيف 2» وطبخ الحصى/ حسين العودات
حسين العودات نادراً ما تتباين آراء الأطراف المعنية، تجاه عقد أي مؤتمر دولي أو إقليمي، كما هو حال تناقض الأطراف المدعوة لمؤتمر جنيف2، الذي تختلف آراء تيارات المعارضة السورية حوله إلى درجة التناقض، ويكاد المراقب لا يعثر على نقاط التقاء بين هذه الأطراف، فلكل طرف رؤيته للمؤتمر، وشروطه التي ينتظر أن يستوفيها لينعقد، ولذلك يصعب الاتفاق على موعد المؤتمر، وعلى جدول أعماله أو توجهه العام، أو حتى على تحديد عدد المشاركين فيه، وانتماءاتهم وتياراتهم السياسية، فضلاً عن الدول المشاركة، ولهذا ربما يفشل المؤتمر قبل انعقاده، ولذلك تراجع عدد المتفائلين بعقده، وخاب أمل الشعب السوري مسبقاً بأنه سيحقق وقف العنف والتدمير والترحيل واللجوء، كما خاب أمله بإعمار سوريا، أو بالتحديد البدء بإعمارها.
يبدو أن تأثير الدول الخارجية الغربية والعربية أصبح هائلاً في الأزمة السورية برمتها، فقد خرجت هذه الأزمة خارج الحدود، منذ أن استخدمت السلطة العنف والسلاح، وبدأت عمليات القصف والتدمير والاعتقال والتعذيب، ورفضت أي حوار بينها وبين شرائح المجتمع السوري وتياراته وأحزابه ومنظماته، وأعطت فرصة لمن يريد أن يتدخل في الشأن السوري، بسبب صلفها وعنفها وخروجها على أي قانون أو تقليد، وبررت لبعض أطراف المعارضة طلب العون الخارجي أو انتظاره سياسياً كان أم عسكرياً، وسهلت للدول الأخرى الشراكة في تناول الأزمة وتداولها، وهكذا انتقلت الأزمة كلها إلى أيادي الدول الكبرى والتكتلات الإقليمية، وتراجع دور الشعب السوري وتيارات المعارضة وتنظيماتها في التأثير فيها.
وصارت هذه الأطراف متلقية فقط، من دون أن يتاح لها المشاركة في اتخاذ القرار، وانتظرت الخارج كي يقوم بهذه المهمة، ثم بدأ دور بعض الدول الأخرى خاصة الأوروبية يتراجع، ويفقد فاعليته لصالح الأمريكيين والروس، وصار دور الأطراف الدولية والمحلية، فضلاً عن الشعب السوري ثانوياً متمماً، مهمته الأساسية إعطاء الشرعية للقرارات التي يتخذها الطرفان الروسي والأمريكي. والكل ينتظر اتفاق هذين الطرفين أو اختلافهما، ليعرف التوجهات العامة لمسيرة الأزمة ومساراتها المقبلة.
ترغب السياسة الروسية الآن عقد المؤتمر بعد أن كانت لا تشجع عليه سابقاً، لأنها أصبحت تعتقد أن عدم انعقاده سيحول سوريا كلها إلى فوضى ومدار نفوذ للإرهاب الذي تخشاه، بعد أن أيقنت استحالة استعادة السلطة السورية السيادة على المساحات التي خسرتها لصالح المعارضة المسلحة، التي كانت تأمل أن تحققها السلطة قبل انعقاد المؤتمر، لكن السياسة الروسية هذه تشترط مسبقاً ألا يقرر مؤتمر جنيف 2 المقبل تنحية الرئيس الأسد أو يعطي صلاحية إدارة الجيش والأمن للحكومة الانتقالية، وأن يبقى الرئيس هو الموجه للقوات العسكرية.
أما السياسة الأمريكية فلم تعد متحمسة كما كانت لعقد مؤتمر جنيف، رغم الصخب الذي تثيره حول حماسها له، لأنها حققت أهدافاً عديدة مسبقاً، مثل نزع الأسلحة الكيماوية السورية والتدمير الذاتي لسوريا من دون أن تخسر جندياً أو دولاراً ولم تكن قبلاً مهتمة كثيراً بمأساة الشعب السوري، وتلاقي ضغطاً من تيار إسرائيلي متطرف مازال يرغب بإطالة عمر الأزمة السورية، حتى يتم تدمير ما تبقى، وخاصة قواعد الصواريخ والقواعد العسكرية وإدارة الدولة، كي تتحول سوريا إلى دولة فاشلة.
في الجانب العربي لا تريد بعض السياسات العربية انعقاد المؤتمر بالشروط الحالية، وتعمل لتزويد المعارضة بأسلحة أكثر فعالية حتى يتحقق التوازن العسكري بين المعارضة والنظام، وبالتالي يذهب النظام إلى المؤتمر ضعيفاً منهكاً، ويمكن عندها اتخاذ قرارات تلزمه وتحل الأزمة حلاً جدياً، وتحقق الأهداف التي أقرت في مؤتمر جنيف1، وخاصة إعطاء صلاحية كاملة للحكومة الانتقالية، وبدء مرحلة انتقالية جدية تأخذ سوريا إلى المسار الديمقراطي وتخلصها من الحكم الشمولي القائم، وتعارض السياسة الأمريكية هذا الموقف لأنها تخشى أن يتسرب السلاح المرسل للمعارضة إلى جهات أخرى، لا تخضع لسيطرة المعارضة.
أما المعارضة السورية فهي كالعادة منقسمة بدورها حول الموقف من المؤتمر، فالمعارضة الداخلية تريد عقد المؤتمر معتبرة أنه وسيلة لفتح الطريق لحل الأزمة، بينما ترفض المعارضة الخارجية بشكل عام حضور المؤتمر، إيماناً منها بعدم جدوى هذا المؤتمر إلا إذا قرر الكبار تنحية الرئيس مسبقاً والموافقة على إعطاء صلاحيات مطلقة للحكومة الانتقالية أو على الأقل إعطائها ضمانات بذلك، وهذا ما لم يقبله الروس ولا الأمريكيون حتى الآن.
لقد فشلت الجهود التي تبذلها الدول المعنية في توحيد التيارات المعارضة السورية وفصائلها، كما فشلت هذه الفصائل نفسها في تحقيق هذا الهدف، مع أن المطلوب هو الاتفاق على وفد موحد، وعلى أهداف موحدة، وليس دمجاً تنظيمياً لتيارات المعارضة، رغم أن المراقبين والمحللين وبعض الدول ذات النفوذ يعتقدون أن عدم انعقاد مؤتمر جنيف، أو فشله إذا عقد، سيطيل الأزمة السورية سنوات أخرى، وبالتالي يكون الشعب السوري هو الخاسر الأكبر نتيجة هذه التناقضات، ويستمر بدفع دمائه وأملاكه ومستقبله مقابل ذلك.
البيان
المعارضة السورية والذهاب إلى جنيف2 / عمر كوش
حرك الاتفاق الروسي الأميركي حول نزع أسلحة النظام السوري الكيميائية المياه الراكدة التي كان مؤتمر جنيف2 يغطس فيها منذ شهور عدة، حيث كثر الحديث حوله، في أيامنا هذه.
لكن رغم كل الحراك الدبلوماسي والسياسي الذي تشهده العواصم والدوائر المعنية به، لا أحد يمكنه التأكيد على أن هذا المؤتمر سيعقد في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، بالنظر إلى اختلاف التفسيرات والحيثيات لنص جنيف نفسه، وافتراق مواقف قوى وأطراف الصراع، خصوصا بعدما أعاد الاتفاق الروسي الأميركي بعضا من “الشرعية الدولية” للنظام الأسدي، مع حملة دولية مشبوهة لإعادة تأهيله وتلميعه.
وهذا الأمر الذي جعل رأس النظام الأسدي يعلن بكل صفاقة استعداده للترشح لولاية رئاسية جديدة، ووضع شروطا رفض من خلالها التفاوض على تسليم صلاحياته كاملة إلى أي حكومة مؤقتة، مما يعني عدم التسليم برحيله أمام معارضة ينكر وجودها، ولا يعترف بها، بل ويلصق بها أبشع التهم، التي تثير هواجس وأحاسيس الساسة الغربيين، في تضليل متعمد، يعيه جيدا القاصي والداني في عالم السياسة.
المحصلة الصفرية
يبدو أن اللقاءات المتكررة بين كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، بنيت على خلفية موقف إستراتيجي مشترك، بين ساسة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، حول تركيز الجهود للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية، ينهض على أسس اتفاق جنيف الأول.
ترتب على ذلك أن دعوا إلى عقد مؤتمر دولي حول سوريا، وراحوا يحضرون ويحشدون لعقد جنيف2، ويعطون تفسيرات حوله، كلّ حسب وجهة نظره وفهمه، بما يتسق مع نفوذ ومصالح بلاده وأمنها القومي، حيث لم يكف الروس عن الدفاع عن الأسد ونظامه، ويتحدثون باستمرار عن ضرورة التخلي عن شرط تنحي الأسد، وسعوا إلى إشراك إيران في المؤتمر.
وبموازاة مع ذلك تراجع ساسة الولايات المتحدة الأميركية عن الضربة العسكرية، بعد أن حصلوا على صفقة تجريد النظام من سلاحه الكيميائي، ووافقوا على بدء التفاوض مع وجود المجرم في الحكم، دون أي عقاب على جريمته ضد المدنيين العزل في مجزرة الغوطتين، واكتفوا بالقول إنه لن يكون له دور في العملية الانتقالية، مع القبول بإمكانية مشاركة إيران، رغم كونها شريكا كاملا في قتل السوريين.
ولا شك أن الدعوة إلى مؤتمر جنيف2 تحمل في طياتها دعوة روسية أميركية للحوار مع النظام، بغية الوصول إلى حل مبهم للأزمة السورية، واقتضى ذلك تراجعا أميركيا عن الدعوة لرحيل الأسد كشرط مسبق للبدء بأي عملية سياسية.
وإذا أضفنا إلى ذلك أن الساسة الأميركيين قبلوا بدعوة إيران وحضور المؤتمر، فإن ذلك كله يعد تعزيزا لمواقف النظام المجرم، وإقرارا بدور حليفته إيران في حل الأزمة.
ومن الطبيعي أن تثار شكوك كثيرة حول مؤتمر جنيف2، خاصة لدى قطاعات واسعة من الحاضنة الاجتماعية للثورة السورية، حيث إن المهم لساسة كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا هو أن ينعقد المؤتمر دون أي ضمانات تتعلق بنجاحه في تقديم حل مقبول من قبل جميع الأطراف.
لذلك تبذل هذه الأطراف جهودا محمومة، وتمارس ضغوطا على المعارضة، كي تكون مسألة عقده حتمية، ومطلوبة بحد ذاتها، وكأنها مسألة قائمة وحدها، بوصفها إنجازا يطلب تحقيقه بأي ثمن، ولو على حساب دماء السوريين وعذاباتهم.
ويجد الناظر، في تطورات ملف جنيف 1 وجنيف 2، أنه رغم كل الحراك الدبلوماسي والسياسي الدولي، الذي تشهده المنطقة، فإن المحصلة صفرية، إذ منذ إعلان جنيف في 30 يونيو/حزيران 2012 أوكلت الإدارة الأميركية مهمة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية إلى ساسة الكرملين، دون أن تبذل أي جهد حقيقي بخصوص إيجاده، بل ولم تتشاور مع حلفائها الفرنسيين والبريطانيين والعرب، بغية إيجاد الحل المطلوب.
أكثر من ذلك راحت تتحدث عن المخاوف الكبيرة من سقوط النظام الأسدي، ووصول قوى إسلامية متطرفة إلى الحكم في سوريا، وظلت إلى وقت قريب تعتبر أن الوضع في سوريا لا يحظى بأولوية في سياستها الخارجية.
مواقف المعارضة
في المقابل، فإن مواقف بعض أطراف المعارضة السورية متضاربة ومرتبكة، إذ يرفض بعضها الذهاب إلى جنيف2، ويشترط بعض شخصياتها رحيل الأسد مقدمة لأية عملية تفاوض، في حين تقبّل آخرون الذهاب إلى مؤتمر جنيف2، بوصفه أمرا واقعا، حتى قبل معرفة تفاصيله.
والأدهى من ذلك أن ضغوطا عديدة تمارس على قوى المعارضة لحضور المؤتمر العتيد، حيث تتحدث بعض شخصيات المعارضة عن تهديدات، أطلقها السفير الأميركي، روبررت فورد، بقطع المساعدات الأميركية، مع أن إدارته تفرض حظرا على تقديم السلاح إلى المعارضة المسلحة، رغم تأكدها من خرق النظام الأسدي للخط الأحمر الذي وضع رئيسه، المتمثل باستخدام السلاح الكيميائي.
لعله من المضحك والمبكي في آن أن يهدد الساسة الأميركيون بقطع شيء لم يقدموه، رغم أنهم أشبعونا كلاما حول ضرورة “تغيير موازين القوى على الأرض” لإجبار النظام على الذهاب إلى جنيف، ولم يفعلوا شيئا في هذا الخصوص.
وليس جديدا، القول بأن كل أطياف المعارضة السياسية السورية لا تمتلك تصورا واضحا ومحددا حول المشاركة في جنيف2، وحول من يمثل المعارضة في وفد موحد، ومن يمثل النظام من رموزه الذين لم تتلوث أياديهم بدماء السوريين؟
الأمر الذي يطرح التساؤل عمن في النظام الأسدي يمتلك تفويضا سياسيا كاملا ولم تلوث أيديه بالدماء.
ويبدو أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في وضع لا يحسد عليه، إذ طالب رئيسه بالتوافق على “التمسك بثوابت الثورة مهما عظمت التضحيات”.
وأكد أن قراره السياسي بهذا الشأن، كما هو في كل شأن، مرتبط بعملية التواصل المستمرة مع الثوار على الأرض، ويخضع كل قرار يتخذه في النهاية، للتصويت من قبل الهيئة العامة للائتلاف.
وقد جرت حملة تشويه لأحاديث صدرت عنه في بعض المناسبات، رغم أنه شدد على أنه لا حوار مع المجرم بشار الأسد، وأن الحل السياسي يحتاج ظروفا موضوعية، وفي مقدمتها انسحاب قوات الحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله الغازية، والحصول على ضمانات عربية وإسلامية للتفاوض، انطلاقا من ثابتة تنحي الأسد ورموز نظامه المجرم، مع التمسك بحق الجيش السوري الحر بالاستمرار بالقتال للدفاع عن الشعب السوري.
ولعل قوى عديدة في المعارضة السورية تطالب بتنفيذ بنود جنيف1 الستة، قبل الذهاب إلى جنيف2، تلك القاضية بوقف إطلاق النار، وسحب وحدات الجيش من المدن والبلدات والقرى السورية، وإطلاق جميع المعتقلين منذ بدء الثورة السورية، والسماح بكل أشكال ومظاهر التظاهر السلمي، وتشكيل حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات كاملة، تشرف على إعادة هيكلة الجيش والأمن والقضاء، بغية الوصول إلى إقامة نظام ديمقراطي وتحقيق تطلعات الشعب السوري.
ما الذي سيحمله جنيف2؟
إن ما يثير التوجس لدى قطاعات الشعب السوري الثائر هو أن الولايات المتحدة الأميركية، الشريك الرئيس لجنيف2، لم تقف بالفعل مع الشعب السوري في محنته الكارثية، بل وضعت مع حلفائها الأوروبيين حظرا على توريد الأسلحة النوعية إلى الثوار والمقاتلين في الداخل السوري ضد قوات وشبيحة النظام الأسدي، ومنعت محاولات بعض الدول العربية تأمين مثل هذه الأسلحة لهم.
ومن الطبيعي أن يطالب السوريون بتحديد المتطلبات الإستراتيجية، التي يجب انتهاجها قبل الذهاب إلى جنيف٢، ومناقشة وتحديد الشروط التي ينبغي أن تتوافر لنجاح المفاوضات، التي عليها أن تنتهي برحيل نظام الأسد والدخول بمرحلة انتقالية، تفضي إلى سوريا جديدة، دولة مدنية، ديمقراطية وتعددية.
وعليه، فإن المطلوب هو وضع أسس واضحة ومحددة للمفاوضات، تنهض على منظور انتقالي سياسي حقيقي.
لكن المشكلة هي أن الإدارة الأميركية ما زالت غامضة حول ما تقوم به مع الجانب الروسي فيما يخص جنيف٢، ويكتفي مسؤولوها بالقول إن إدارتهم تريد “مسارا انتقاليا في سوريا”، لكن لا أحد يعرف -بالضبط- ماذا يعني هذا المسار، وماذا تفعل هذه الإدارة مع الجانب الروسي في شأن طبيعة هذا المسار الانتقالي.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو ما الذي سيحمله مؤتمر جنيف2 للسوريين، في ظل تجربة التسعة والعشرين شهرا التي خلت من عمر الثورة، ولم يقدم فيها “المجتمع الدولي” الدعم الذي يرتقي إلى مستوى الدعم الذي يتلقاه النظام السوري، والذي يجعل الحرب التي يخوضها ضد غالبية شعبه، تدار من طرف ساسة روسيا وإيران وحزب الله وبعض القوى السياسية في العراق، في حين أن الشعب السوري ترك وحيدا، يقتل منه النظام ما يشاء، ويجتاز كل الخطوط التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية وغيرها.
لا يختلف كثير من السوريين على تفضيل حل سياسي، يخلص السوريين من المجازر ومن الدمار والكارثة التي سببتها حرب النظام وحلفائه، فالناس في الداخل السوري أرهقتها المجازر والجرائم، تنام وتصحو على وقع قصف الطائرات والصواريخ ومختلف أنواع المدافع والراجمات.
ومع ذلك يختلف غالبية السوريين كثيرا حول أي حل سياسي يعيدهم إلى الوراء، أي إلى استبداد حكم آل الأسد.
وهناك تخوف من أن يلجأ النظام الأسدي إلى التفاوض، بوصفه لعبة لشراء الوقت، وهي لعبة يجيدها، مثله مثل وصيفه الإسرائيلي، الذي مارس هذه اللعبة عقودا طويلة مع الفلسطينيين، وتفاوض معهم مع أجل التفاوض فقط، أي من أجل إطالة أمد احتلاله للأرض الفلسطينية، والخوف من أن تتكرر اللعبة من أجل إطالة أمد احتلال آل الأسد لسوريا.
الجزيرة نت
الحكومة الكاملة الصلاحيّات، لماذا؟/ سمير العيطة
لنفترض أن جنيف 2 سينعقد، ولنفترض أنّه سينجح في التوصّل إلى حكومة توافقيّة كاملة الصلاحيّات. فماذا سيكون برنامج هذه الحكومة؟ وكيف ستنفّذه؟
الجميع يتفاوض اليوم عبر الإعلام على من سيحضر جنيف أو لا يحضره. وهل رحيل الأسد أو وقف القتال أو إطلاق سراح المعتقلين مدخل وشرط لجنيف أو مخرج له. لا أحد يتحدّث عمّا ستفعله الحكومة العتيدة في بلدٍ مهدّم مقطّع الأوصال وما تستطيع أن تقدّم لسوريين في وضعٍ إنسانيّ كارثيّ.
الائتلاف يقول أنّه سيرسي الاقتصاد الحرّ في حين فشل في تأمين الحدّ الأدنى من التنظيم والإغاثة ومكافحة الفساد وأمراء الحرب في المناطق “المحرّرة”. والنظام يقول أنّه سيبسط سيطرة دولة كانت سياساتها سبب أساسيّ في الانفجار السوريّ المدمّر. وفي الحقيقة لا شيء لدى هؤلاء وأولئك سوى مشروع البقاء في السلطة أو الوصول إليها. جميعهم ناسون أنّ الحكم هو بالتحديد خدمة الناس، خاصّة البسطاء منهم.
الخطوة الأهمّ هي برنامج إيصال الطعام والكساء إلى جميع السوريين حيثما تواجدوا، على أسس خطّة توضع مع الأمم المتحدة وتتعاون فيها الحكومة مع المجالس المحليّة على أساس بطاقات تموينيّة. وهذا يعني دمج “وحدة تنسيق الدعم” التابعة للائتلاف ضمن أجهزة التموين، وتنسيق عمل المؤسسات الإنسانيّة المختلفة. إلاّ أنّ هذه الخطّة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالخطّة الأضخم المتعلّقة بإعادة المهجرين والإعمار. فالمهجّرون داخلياً وخارجياً أضحوا يشكّلون ربع السكّان. فإلى أين سيعادون؟ إلى منازلهم المهدّمة أصلاً في العشوائيّات القديمة، أم إلى مدن وحواضر تؤسّس لسوريا المستقبل؟
من ناحية أخرى، لا يمكن أن يكون هناك حلّ سياسيّ دون إعادة سيادة القانون وضبط الأمن، وهذا يعني أوّلاً توحيد الجيش النظامي والجيش الحرّ في جيش وطنيّ، المشروع الذي أطلق ثمّ تمّ التلاعب بمفاهيمه في ما بعد.
وكذلك لا بدّ من إخضاع الأجهزة الأمنيّة وحلّ الميليشيات ومكافحة التنظيمات المتطرّفة. الأمر هنا يرتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بآليّات المصالحة والمحاسبة على الصعيد الكلّي والمحلّي.
تنفيذ كلّ ما سبق يتطلّب أموالاً ضخمة أكبر من قدرة الاقتصاد السوري بعد أن أنهكته الحرب. واللافت أنّ أيّاً من الدول التي تدعم جنيف 2 لم تعد بتمويل إعادة السلام والإعمار بعد جنيف 2. ثمّ من هي الدول القادرة على التمويل، إنسانياً وليس من أجل مصالحها الآنية، مع الحفاظ على سيادة القرار السوريّ؟ وكيف السبيل كي لا يلعب المال السياسي الخارجي بعد جنيف 2 ما لعبه قبله؟
التفاوض في جنيف ليس فقط على من سيحكم؟ بل على ما الذي سيفعله؟ وما صدقيته في ذلك؟
كاتب سوري
النهار
الواقع السوري وجنيف2 / فايز سارة
يبدو الانقسام السوري حول “جنيف2”، أمراً طبيعياً ومألوفاً في ظل التطور العام للأزمة في سوريا، وطبيعة البيئة الإقليمية والدولية المحيطة. ففي الواقع السوري ثمة عوامل تدفع الكثيرين إلى رفض الذهاب إلى “جنيف2”، وفيه أيضاً عوامل تدفع آخرين نحو المشاركة، وكلا الموقفين يملك من عوامل الدفع نحو “جنيف2” والابتعاد منه وسط البيئتين الإقليمية والدولية على السواء.
وسط هذا الانقسام الحاد بين رافضي ومؤيدي الذهاب إلى “جنيف2”، هناك فريق ثالث، يتراوح موقفه بين الصمت واللامبالاة، بما يشبه حالة الاستقالة من متابعة الحالة. إما لاعتقاده أنه خارج فاعليتها والتأثير فيها، أو لأن الإحباط وصل به إلى مستوى يمنعه من اتخاذ موقف في موضوع مثل “جنيف2”.
والحجة الأولى لرافضي الذهاب إلى “جنيف2”، تستمد قوتها من سياسة النظام الذي رفض منذ البداية أية معالجات سياسية للأزمة في المستويات الداخلية والخارجية، وأصرّ على العلاج الأمني العسكري للأزمة عبر سياسة القتل والتدمير والتهجير والحصار، واستغل كل مبادرة للحل السياسي للذهاب إلى الأبعد في سياسته الدموية واستفاد من المبادرات لكسب الوقت على أمل حصول متغيرات على الأرض تعزز نجاحه في الحل الأمني – العسكري.
والحجة الثانية عند رافضي الذهاب إلى “جنيف2”، هي إمكانية فرض حل عسكري من شأنه إسقاط النظام بالقوة، لقناعتهم استحالة إسقاط النظام أو تغييره بوسائل سياسية دولية أو محلية عبر ضغوطات وعقوبات ونشاطات شعبية ومدنية، مستندين إلى تجربة عملية امتدت لأكثر من عامين ونصف العام من جهة، وإلى تجربة عقود من حكم نظام استبدادي دموي عرفوه واختبروه من جهة ثانية.
ورغم وجاهة الحجتين، فإن من المهم أخذ بعض معطيات واقعية بعين الاعتبار في التعامل مع القضية السورية بصورة عامة، وفي النظر إلى آفاق حلها من جهة ثانية، ولعل الأبرز في المعطيات مجموعة نقاط منها:
أن القضية السورية وبعد نحو ثلاثة أعوام من بدايتها، وصلت إلى مستوى من صراع شبه مستقر في توازن قوة أو ضعف طرفي الصراع الداخلي، وصار لا بدّ من إدخال عناصر أخرى في الصراع لإخراجه من سياقه القائم، ويشكل التفاعل مع المجتمع الدولي بوابة لمثل هذا التحول الممكن، خاصة وأن المجتمع الدولي يتقدم لأخذ دوره عبر الدعوة إلى “جنيف2” على أمل وصول المؤتمر إلى حل سياسي للقضية بعد أن استبعد الحل العسكري لاعتبارات أغلبها تتعلق بمواقف الدول الكبرى.
والنقطة الثانية تتعلق بواقع وصول الأطراف الدولية والإقليمية الداعمة للنظام والمعارضة له إلى سقف مواقفها، دون أن يؤدي ذلك إلى حسم الصراع السوري. فكل من روسيا وإيران (رغم ما بينهما من تمايز في الموقف) لن تستطيعا دعم النظام في معركته الخاسرة إلى ما لانهاية، والدول الغربية والولايات المتحدة، والدول العربية المتعاطفة مع السوريين، لن تستطيع (وبعضها لا يرغب) تقديم الإمكانيات السياسية والمادية الكفيلة بإنهاء معاناة الشعب السوري وحسم صراعه مع النظام لصالح الثورة.
أما النقطة الثالثة فهي تتصل بواقع المعارضة السياسية والعسكرية. والأمر لا يتعلق في هذا الجانب بعدم وجود رؤية سياسية واضحة لدى المعارضة عن الأهداف القريبة والبعيدة، وكيفية الوصول إليها والأدوات المستخدمة، إنما أيضاً بموضوع الانقسام الحاصل سواء في المعارضة السياسية أو العسكرية، إضافة إلى ضعف الإمكانات المتوفرة ومحدوديتها في المجالات كافة، والتي من الصعب القول، إن اجتماعها يساوي الإمكانات المتوفرة لدى النظام والذي رغم ضعفه وإنهاكه، مازالت إمكانياته كبيرة ومتحكم بها مركزياً، ومازال له مركز واحد للقرار، بخلاف الوضع القائم في جانب المعارضة.
وقد يكون من المهم في هذه النقطة الإشارة إلى أن انقسام المعارضة، يجعلها تدخل في معارك سياسية، وأحياناً عسكرية، الأمر الذي جعل ساحة المعارضة ميداناً لمعارك لا تنتهي حول موضوعات بعضها يستحق الخلاف والاختلاف، وبعضها كيدي وآخر مختلق لا أساس له في الواقع، وكله لا يمنع من استخدام كل المبررات والذرائع والاتهامات والأسلحة، التي يشارك فيها منتفعين بالثورة وأمراء حرب وزعماء عصابات إجرامية.
والنقطة الرابعة أساسها الواقع الذي صارت إليه المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. فإضافة إلى الترديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية القائمة هناك وخاصة لجهة سيطرة التشدد والتطرف الديني والقومي، فقد تم تحويل المناطق إلى ساحات حرب يومية، فصلها الرئيس حرب النظام المستمرة من خلال مواقعه القريبة وعبر حرب الصواريخ والطائرات التي تقصف المدن والقرى، وفصلها الثاني حرب جماعات التطرف الديني مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة ضد قوات الجيش الحر، والمليشيات الكردية، وفصلها الثالث ممارسات عصابات إجرامية مسلحة، استفادت من الفوضى القائمة، وأخذت تمارس أعمالها قسراً ونهباً حتى للإمكانيات المحدودة للسوريين في تلك المناطق.
وإذا كانت الوقائع تشير إلى ضعف احتمال حل عسكري للقضية السورية، فإنها تدفع للتوجه نحو حل سياسي يعيد السلم الى البلاد وأهلها، ويحقق الأهداف الأساسية للثورة عبر مرحلة انتقالية هي بين مسلمات الواقع السوري. غير أن التوجه نحو حل سياسي، لا يجوز أن يتم دون ضمانات دولية فعالة، ودون خطوات إجرائية، تؤكد أن النظام الذي طالما كذب والتفّ على مساعي الحل السياسي، سوف يذهب في هذا الاتجاه.
المدن
جنيف2 والانفصال عن الواقع/ علي العبد الله
تسارعت التحركات الدولية لعقد مؤتمر دولي حول الوضع السوري، أو ما اصطلح على تسميته بجنيف2، بعد أن دخل في صلب القرار الدولي رقم 2118 الذي صدر بخصوص نزع أسلحة النظام الكيماوية، وقد جرت لقاءات ثنائية ومتعددة، وعقدت مؤتمرات واجتماعات للاتفاق على صيغته ودور الأطراف المحلية والإقليمية والدولية فيه.
ما الذي قاد إلى هذا التحرك، وهل سيعقد ويصل إلى نتائج محددة؟
ترتبط الدعوة إلى عقد جنيف2 بتغيرات محلية وإقليمية ودولية، غير أن العوامل الإقليمية والدولية هي التي استدعت هذا التحرك المتسارع. ذلك أنه بين جنيف1 والدعوة إلى عقد جنيف2 للعمل على تنفيذ بيان الأول الصادر يوم 30/6/2012 حصلت تطورات كثيرة وأحداث خطيرة (آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين وملايين النازحين واللاجئين، مدن وبلدات وقرى دمرت، وأطفال ماتوا جوعا بعد أن قتلت منهم الأسلحة الكيماوية المئات) دون أن يتحرك المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن الذي يتحمل مسؤولية حماية الأمن والسلم الدوليين، لوقفها، أحداث مرت وكأنها تقع في كوكب آخر تفصلنا عنه سنين ضوئية، إلا أن تداعيات الوضع الإقليمية (ملف اللاجئين وأثرهم على الأوضاع في الدول المضيفة وامتداد التوترات الطائفية والسياسية إلى دول الجوار، خاصة لبنان والعراق حيث قوات حزب الله اللبناني، وعصائب أهل الحق ولواء أبي الفضل العباس العراقيين تشارك في القتال إلى جانب النظام، وتنظيم القاعدة بفصيليه الدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة استغل الصراع وسعى إلى استثماره ووضع اليد على المجتمع السوري ما أدى إلى تصاعد الاحتقان والتوتر الطائفي السني الشيعي. وهذا أشعل الأضواء الحمراء قبل انفجار حرب طائفية شاملة في الإقليم والعالم.
أما على الصعيد الدولي فكان لاستخدام النظام الأسلحة الكيماوية في الهجوم على الغوطتين يوم 21/8/2013 أن أجج السجال الروسي الأمريكي، في ضوء تحرك الإدارة الأمريكية للرد على خرق خطها الأحمر، قبل أن ينحازا إلى البحث عن مخرج يجنبهما التورط في مواجهة غير مضمونة العواقب بالاتفاق على نزع أسلحة النظام الكيماوية، وحفظ ماء الوجه بربط تنفيذ الاتفاق بالتحرك لعقد مؤتمر دولي للسلام في سوريا.
غير أن الدعوة إلى عقد المؤتمر تمت بانفصال تام عما يجري على أرض الواقع من بطش وحشي يقوم به النظام وحلفاؤه ضد المواطنين في المدن والبلدات والقرى التي تتعاطف مع الثورة، كما لم تأت على خلفية محددة من الاتفاق على قراءة موحدة لنص بيان جنيف1 لا بين الروس والأمريكان، ولا بينهما وبين الأطراف المحلية والإقليمية والدولية الأخرى، حيث مازال الخلاف حول صلاحيات الهيئة الحاكمة ودور رئيس النظام في ضوء هذه الصلاحيات، ناهيك عن محاولة روسية قام بها وزير الخارجية لافروف باستبدال مفردة كافية بمفردة كاملة في نص البيان، ما يشير إلى رفضه الضمني لعملية انتقال كاملة للسلطة. وعدم الاتفاق على تركيبة وفد المعارضة وشكله ودور الائتلاف الوطني فيه، حيث مازالت روسيا تسعى إلى إغراق بند تمثيل المعارضة باقتراحات حول إشراك كتل وجماعات تتقاطع مع نظرتها إلى الصراع، والنظام غير قابل بالتفاوض مع المعارضة ومازال يصفها بالإرهاب، وحديث الإبراهيمي المبهم عن تشكيل وفد مقبول دون تحديد ما يعنيه. وعدم الاتفاق على الدول المشاركة، فالنظام يتحفظ على حضور أوروبا بعامة وفرنسا بخاصة، وهناك مسألة حضور إيران كقضية خلافية كبرى في ضوء دورها وحلفائها في القتال إلى جانب النظام. وقد قاد الخلاف حول الدول التي ستشارك إلى ميل الإبراهيمي لتبني خيار قائم على دعوة طرفي الصراع وأمريكا وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة فقط، وكذلك عدم الاتفاق على المدة التي سيستغرقها المؤتمر…الخ.
تعكس الخلافات السابقة عدم نضج ظرف عقد المؤتمر وبقاء نقاط جوهرية دون حل، خاصة مصير رأس النظام وغياب موقف موحد للمعارضة بما في ذلك المقاتلون.
تبدو الدعوة في ضوء ذلك خطوة في إطار عملية إدارة أزمة أكثر منها خطوة على طريق حلها ذلك أن أي تصور للحل لا يمكن أن يكون بعيداً عما يدور على أرض الواقع، وهذا كان يستدعي تحركاً منسقاً لوقف القتل والتدمير عبر فرض تنفيذ بنود مبادرة السيد كوفي أنان الستة كمقدمة لازمة لإيجاد مناخ سليم لإطلاق مفاوضات للاتفاق على مرحلة انتقالية تبدأ بتشكيل هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات. وهذا يتطلب وقف مد النظام بالأسلحة من روسيا وإيران، إشارت تقارير إلى أن روسيا قد زادت من شحنات الأسلحة للنظام بعد اتفاق جنيف1، ووقف مشاركة الأطراف الخارجية في القتال من جهة، ومن جهة ثانية الضغط على النظام للإقرار بطبيعة الصراع الحاصل: ثورة شعبية من اجل الحرية والكرامة والقبول بالتغيير والانتقال إلى نظام ديمقراطي.
صحيح أن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة قد حصل على دعم سياسي عبر بياني مجموعة أصدقاء الشعب السوري في لندن ووزراء خارجية الدول العربية في القاهرة، إلا أنه لن يستطيع المغامرة في المشاركة دون غطاء داخلي من قوى وفعاليات الثورة، وخاصة الكتائب المسلحة. في حين أن استخدام النظام للأسلحة الكيماوية وإنقاذه عبر المبادرة الروسية قد جعل قراره في قبضة حماته، وخاصة الروس، إلا أن هؤلاء الحماة غير متفقين على سيناريو موحد حيث لإيران تصورها الخاص الذي يرى تأجيل جنيف2 حتى تتبين نتيجة مفاوضاتها حول برنامجها النووي، لذا فإنه – النظام- سيحاول استثمار خلافاتهم لتمرير مطالبه وفرض شروطه ومطالبه ما يجعل الاتفاق مستحيلاً.
لقد أدرك الاتحاد الأوروبي عمق الخلافات وعدم نضج الظرف فأعلنت مصادر دبلوماسية فيه استبعادها عقد المؤتمر في موعد قريب، كما استبعدت في حال عقده تحقيقه نتائج ايجابية بسبب ما اعتبرته “اتساع الفجوة التي ما زالت قائمة بين نظرة النظام إلى الحل وما تريده المعارضة، فضلاً عن الاختلافات التي ما زالت تعوق الدعوة إليه، مثل هوية الأطراف السورية المشاركة والأطراف الخارجية واستمرار المشكلة المتمثلة بحضور إيران من عدمه”.
المدن
“جنيف – 2” بين الوعد والوعيد/ جورج صبرا *
ليس بين السوريين، ثوارهم ونشطائهم والمشتغلين منهم في الشأن العام وقواهم السياسية، وفي مقدمها «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» و»المجلس الوطني» السوري، من لا يؤيد تحقيق طموح الشعب السوري إلى الحرية والكرامة، بالنضال السلمي والعمل السياسي.
لم يكن حمل السلاح خيار السوريين، إنما كان فعل ضرورة بعد أن سدت في وجوههم كل أبواب العمل السياسي. واضطر جنود الجيش للانشقاق عن مؤسستهم الأم بعد أن تحولت إلى مؤسسة مهمتها الوحيدة قتل المتظاهرين السلميين وحماية فساد عائلة الأسد والمافيات المتحالفة معها.
طرق السوريون أبواب الإصلاح و «التغيير السلمي والمتدرج والآمن» لعشرات السنين، وذاقت المعارضة ويلات الملاحقة والتشرد والاعتقال طوال عقود جرّاء ذلك. وظلت ثورتهم سلمية لأكثر من ستة أشهر، وهي مدة طويلة تعتبر دهراً في عمر الثورات، رغم العنف الوحشي الذي مارسه النظام وحلفاؤه الإرهابيون والطائفيون بحق الشعب السوري منذ اليوم الأول للثورة. لم يتغير النزوع الأصيل لدى السوريين نحو السلم والتسامح والمصالحة، ولم يتغير نفورهم الأصيل من العنف والتطرف، فتعاملوا بكل جدية وإيجابية مع المبادرات السياسية، حتى تلك التي طرحت من دون مقومات على سبيل رفع العتب وإراحة الضمير.
على هذه الأسس، فإن «الائتلاف الوطني» و «المجلس الوطني» ملتزمان بالتعامل بجدية ومسؤولية وإيجابية مع أي جهد سياسي يوقف أعمال القتل ويحقن دماء السوريين وينهي معاناتهم ويحفظ وحدة البلد وسيادته واستقلاله ويفتح الباب أمام انتقاله من نظام القمع والتسلط والاستبداد إلى نظام ديموقراطي تعددي يقوم على حياة دستورية وانتخابات حرة وسيادة القانون. وفق هذه الروح تعامل «المجلس الوطني» مع مؤتمر جنيف 1، ويتعامل مع جنيف 2. وعلى هذا الأساس رفض «المجلس الوطني» السوري حضور المؤتمر وفق المناخات السائدة والمعطيات الحالية، ما يتعلق منها بالوضع على الأرض داخل البلاد، وطريقة معالجة الشأن السوري في إطار السياسات الإقليمية والدولية، نخص منها معالجة السلاح الكيماوي بالقرار 2118.
وبخلاف ما دأب المبعوث الدولي والعربي الأخضر الإبراهيمي على التصريح به، من أن المعضلة الرئيسية أمام مؤتمر جنيف هي انقسام المعارضة وتشكيل وفدها، فإن المعضلة الرئيسية هي تحديد الهدف النهائي للمؤتمر بوضوح كامل وعبر أجندة محددة يتوافق عليها راعيا المؤتمر والدول التي يمكن أن تشارك فيه، وتوفير القوة الملزمة لتنفيذ ما يسفر عنه.
ثار الشعب السوري في آذار (مارس) ٢٠١١ من أجل تحقيق هدف واضح لا يحتمل المراوغة والمساومة وأنصاف الحلول، وهو الحرية والكرامة والانتقال من عهد القهر والاستبداد والفساد إلى عهد الديموقراطية. وأجمعت قوى الثورة السورية على أن رحيل نظام بشار الأسد بكل رموزه وأركانه ومرتكزاته هو النتيجة المرجوة من الثورة، وهو بالضرورة النتيجة المرجوة من أي عملية سياسية تقنع السوريين وتكون قابلة للتنفيذ.
ولقد أحسن بيان لندن الصادر عن «مجموعة أصدقاء سورية» في سرد خريطة طريق للعملية السياسية المقترحة في جنيف، غير أن الرد الروسي على البيان جاء سريعاً وحاداً في رفضه هذه المحددات للعملية السياسية المقترحة لجنيف 2. رغم أن بيان لندن لم يجب على سؤال رئيسي هو في الحقيقة جوهر المخرج المنتظر للمأساة السورية: ماذا لو لم يحترم النظام هذه الخريطة؟ وكيف يمكن إلزامه بتنفيذها إذا لم يفعل بمحض إرادته، كما يتوهم البعض، أو بفعل الزخم الذي سيولده المؤتمر، كما يفترض ويأمل أكثر المتفائلين؟ وهذا ما نسميه «الضمانات».
إذا كانت الدول الراعية لاتفاق جنيف جادة في وضع نهاية للمأساة السورية فإن الامتحان الأول لهذه الجدية يتمثل بصدور قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي يفرض على نظام الإجرام والمراوغة والمخادعة أن يلتزم بما يرى العالم أجمع أنه السبيل الوحيد لإنقاذ سورية من حمام الدم الذي يغرقها النظام فيه، ولتجنيب المنطقة والعالم مخاطر امتداد حمام الدم هذا إليها.
إن إصرار بعض الدول، وعلى رأسها روسيا، على حرمان جنيف 2 من آليات العمل وقوة التنفيذ والإلزام يحول المؤتمر إلى مهرجان خطابي، يستعرض فيه كل طرف مواقفه ومطالبه ومزاعمه قبل أن ينفض المهرجان، بينما يتواصل ذبح السوريين وتدمير الأسس التي يقوم عليها كيان دولتهم.
عشرات السنين من عمر هذا النظام، وسلسلة طويلة من التجارب المريرة، لا تترك مجالاً للشك في أنه غير جاد في دخول مسار يؤدي إلى إعادة السلطة والحرية إلى الشعب السوري، وهو لن يتنازل عن أي قدر من السلطة إلا مكرهاً وتحت التهديد الجدي. والوضع في سورية لا يحتمل التجريب.
إن قراراً ملزماً من مجلس الأمن هو السبيل الأمثل والأكثر جدوى وشرعية لمنع النظام من استخدام جنيف لكسب الوقت وتحويل المؤتمر إلى غطاء لمواصلة القتل، بل وشرعنته وتقنينه. وتم اختبار ذلك في مسألة تجريد النظام من السلاح الكيماوي، ففي ظل القرارالأممي مارست مجموعة من الدول ضغطاً حقيقياً على النظام ليقوم بتسليم السلاح الذي قتل فيه الأطفال في الغوطة وهم نيام، فقام تحت التهديد بتسليم سلاح استراتيجي لطالما حرص عليه حرصاً شديداً، واعتبره ورقته الأقوى على الساحة المحلية والإقليمية.
سبيل آخر لإجبار النظام على قبول عملية سياسية تفضي إلى تحرر الشعب السوري يتمثل في دعم هذا الشعب وتمكينه من الدفاع عن نفسه، وهو حق طبيعي ضمنته الشرائع السماوية والأرضية وشرعة حقوق الإنسان، وتعترف به جميع الدول. وهذا لا يكون إلا بتقديم السلاح النوعي لـ «الجيش السوري الحر»، وتمكينه من فرض واقع جديد ومعادلة جديدة.
ليس خافياً أن الأمر يتطلب موقفاً دولياً حاسماً، فوحشية النظام التي فاقت كل الحدود، وفتحت الأراضي السورية لحشود من القوى الغازية المتطرفة التي استقدمها من وراء الحدود، واستخدامه أسلحة الدمار الشامل، والمخاطر الجمة التي تترتب على ترك النظام يقتل السوريين ويهجرهم، كل ذلك جعل الصمت على ما يجري في سورية مشاركة في الجريمة، وتهديداً للسلم والأمن والاستقرار في المنطقة.
إن النظر إلى مؤتمر جنيف باعتباره عملية تقاسم للسلطة، أو مشروع مصالحة بين السلطة والمعارضة نظرة قاصرة. فما يجري في سورية ثورة ديموقراطية للتحرر من الاستبداد، يتواجه فيها شعب لا حدود لقدراته على التضحية مع نظام لا حدود لطغيانه وجرائمه، وليست حرباً أهلية. وبالتالي لا يجوز أن يقزم مؤتمر جنيف ليصبح مجرد عملية تقاسم لكعكة السلطة، يخرج منها القاتل الجاني بحصة، صغرت أم كبرت، وبشرعية متجددة بهذا القدر أو ذاك، بينما يبقى الحق والحرية ومستقبل سورية في عداد الضحايا، وتتحقق بفعل ذلك مصالح كثيرين عدا سورية والسوريين.
من غير المجدي أن يسفر مؤتمر جنيف عن استبدال نظام الأسد بنظام هجين، ولا بتغيير وجوه الحكام بوجوه جديدة حتى لو كانت من صفوف الثورة. بل يجب أن يؤدي هذا المؤتمر، وأي عملية سياسية في سورية، إلى سقوط نظام الاستبداد والقهر والفساد، وقيام نظام ديموقراطي ودولة مدنية تكون وطناً حراً لكل أبنائها، تقوم على قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات لكل أبناء الشعب ومن جميع مكوناته.
ومن العبث والحالة هذه، ممارسة الضغوط على القوى التي تمثل الشعب السوري في أي مؤتمر محتمل، وهي «الائتلاف الوطني» بمكوناته الثورية والعسكرية والسياسية، لتقدم التنازلات وتقبل بالأمر الواقع، فشرعية «الائتلاف» مرتبطة بمدى التزامه بتحقيق أهداف الثورة وإنجاز مشروع تحرر الشعب السوري. و «الائتلاف» ليس سلطة ولن يكون، وفي نظامه الأساسي ما يشير بوضوح إلى أنه يحل نفسه عند سقوط النظام. إنه المعبِّر عن الثورة وحامل راية الشعب السوري والناطق باسم حقوقه والممثل الشرعي له، وهو الجسر الذي يقود إلى المؤتمر الوطني العام الذي يتولى إجراء التغيير الوطني المطلوب وإقامة الدولة الجديدة، دولة القانون والعدالة والمساواة.
* رئيس «المجلس الوطني» السوري
الحياة
جنيف السخرية الباذخة/ غازي دحمان
تشير قائمة المدعوين إلى جنيف، وكذا الظروف المحيطة بالمؤتمر المزمع عقده، إلى سخرية، باذخة، يمارسها المجتمع الدولي على ضفاف نهر الدم السوري المتدفق. هل يمكن مقاربة الحدث بغير هذه الأوصاف؟
رفعت الأسد بطل مجزرة حماة، وقاتل السوريين، يدخل على قائمة حضور مؤتمر جنيف، وبواسطة العرّاب فلاديمير بوتين، المورد الأكبر للأسلحة التي تشكل آلة قتل السوريين اليومية، بعناصرها المختلفة، من طائرات ودبابات وخطط حربية جرى تطبيقها في غروزني، ويتوقع إعادتها إذا نجحت تعديلاتها السورية.
قبل رفعت الأسد، كان قدري جميل معارضاً أيضاً، ولم تمنعه صفته كنائب لرئيس الوزراء من إدعاء صفة المعارض، والأمر نفسه ينطبق على علي حيدر وزير المصالحة الوطنية، المعارض الشرس، الذي حظي بلقاء علي الكيلاني بطل مجزرة بانياس والداعي لتطهيرها، حيث تكرّم هذا الأخير على الوزير المعارض بأن منحه فرصة للإشادة ببطولاته الوطنية بقتل أهل بانياس وإغتصاب نسائها وهو القادم من تركيا!
ليست المشكلة في دعوة هؤلاء لمؤتمر جنيف، طالما ستجري دعوة إيران الشريك المباشر لنظام الأسد في قتل السوريين، ورعاية روسيا، ليس بوصفها عضواً أساسياً في مجلس الأمن، ولكن بصفتها راعية للنظام وحامية للأقليات المظلومة في سوريا. إذاً لا مشكلة في ذلك، لكن ليس بصفتهم ممثلين لأهالي القتلى في سوريا وللنازحين والمعتقلين والمشردين. هذا كثير على الجرح السوري، ومبالغة في الاستهتار بالعقول الآدمية، بل أكثر من ذلك، هو نوع من التسخيف لمأساة جرى تصنيفها على أنها الأخطر في التاريخ المعاصر.
وإذا كان هذا الأمر يحصل على مستوى المدعوين، ترى ما الذي ستتفتق عنه ذهنية المجتمع الدولي فيما خص القضايا التي سيجري بحثها على طاولة مؤتمر جنيف؟ ثمة إرهاصات تشير إلى احتمال التوافق على قضايا تخص الأطراف الدولية، أكثر من تركيزها على مشكلة الشعب السوري. وفي هذا السياق، سيتم التركيز على الاطمئنان على مسار الكيماوي وتعزيزه. وفي هذا السياق، فإن مصير بشار الأسد يصبح خارج إطار البحث، بل ربما يجري التأكيد على تدعيم استمراره حتى إكمال المهمة، دون تقييدها ببرنامج زمني محدد، التسريبات تقول أن الأوروبيين ذاهبون في هذا الاتجاه، بعد أن وافق الأميركيون ضمناً على هذا الأمر في إطار اتفاق الكيماوي مع الروس.
ثمة قضية أخرى يتوقع أن تكون أساسية على طاولة جنيف، وكان نوري المالكي قد مهد لها في زيارته لواشنطن، والواضح أنها نتيجة اتفاق مدروس مع نظامي طهران ودمشق، وهي قضية محاربة الإرهاب، الذي يتسع تعريفه هنا ليشمل كل فعاليات الثورة السورية، حيث يسعى نظام بشار الأسد، في ظل هذه الرخاوة الدولية إلى التأكيد على دمج جهوده في قتل السوريين في إطار الحملة العالمية على الإرهاب. فبالنسبة له، لا يختلف قصف طائراته لأحياء دمشق وحلب وكامل المدن السورية عن قيام الطائرات من دون طيار في تعقب القاعديين في اليمن وباكستان، بل إنه يذهب أكثر من ذلك إلى حد الطلب من المجتمع الدولي شكره على قيامه بهذه المهمة وحيداً، وما على المجتمع الدولي، إن أراد تصحيح خطأه تجاه الحدث السوري، سوى استدراك الأمر ومساعدته بحربه على السوريين وتقديم الوسائل التقنية والفنية اللازمة لهذا الأمر، ولا بأس من مساعدة الجيوش إن أمكن!
أما قضية الحكومة الانتقالية، ودور الأسد في مستقبل سوريا، فتلك قضية سيتم الإصرار على أنها من حق السوريين، فوحدهم من يقرر. بالطبع، طيف السوريين ذاك من غير المسموح أن يشمل النازحين والمشردين والمحاصرين والشهداء، وبالتأكيد هو لن يشمل كائنات هلامية أيضاً، لكنه سيقتصر على المؤيدين لحكم الأسد، في حين يجري ضم الفئة الصامتة، التي لا تتيح لها ظروفها التعبير عن رفض الأسد بشكل صريح، كي لا تفقد وظائفها ومساكنها وأسباب رزقها، إلى خانة شعب بشار الأسد، ووفق حسبة النظام، وهي حسابات طالما يجري التصريح بها بشكل علني داخل سوريا، فإن النظام تؤيده جميع الأقليات من دون استثناء، إضافة إلى سكان المدن الأساسية دمشق وحلب، وهؤلاء يتم تقديرهم العددي بحوالي 70 في المئة من مجموع سكان سوريا! هذه الأرقام ستكون بجيب وليد المعلم وسيشهرها على طاولة مفاوضات جنيف، وبالفم الملآن سيعلن للعالم عن “شعب الأسد”، في حين سيحيل سكان المخيمات والبراري والذين أكلهم السمك في البحار إلى نمط شعب هائم غرر به الإرهابيون، وقد يطالب العالم إما بتسليمهم بصفتهم مطلوبين للعدالة، أو التكفل باعتقالهم بصفتهم خطراً على الأمن العالمي!
إضافة إلى ذلك، سيركز النظام على الوقائع الميدانية على الأرض، وما سيحققه من هنا حتى تاريخ انعقاد المؤتمر، وتلك قضية ذات أهمية خاصة بالنسبة للنظام، حيث يستعجل تحقيق بعض التقدم في مناطق معينة وبخاصة في أرياف دمشق وحلب بمساعدة حلفائه، بغض النظر عن حجم الدمار، وكمية القتل التي تتطلبها تحقيق تلك الإنجازات.
جنيف، وفق هذه المواصفات، لن يكون سوى تجهيز لمرحلة تدميرية أكثر قساوة ورعباً للسوريين، وهو لن يكون سوى موعد لمزيد من إنجازات القتل والاستباحة بحق السوريين. أما بالنسبة لأولئك، الذين يعانون نيابة عن البشرية كلها وبرعايتها، لن يكون جنيف سوى موسم لممارسة سخرية باذخة، تشترك فيها جوقة المجتمع الدولي، لتنعق بأبشع نشيد سمعته البشرية في تاريخها.
المستقبل