مقالات لكتاب سوريين تناولت “داعش”
داعش بين خيوط اللعبة الأمريكية/ د.آزاد أحمد علي
وصلت بهدوء وسرية رسالة بريطانية الى وزارة الخارجية الأمريكية، الرسالة كانت تتضمن صعوبة احتفاظ بريطانيا بهيمنتها ووصايتها على مناطق عديدة من العالم، ومواجهة المد الشيوعي فيها، وخاصة في تركيا واليونان. كانت تلك الرسالة دعوة بريطانية صريحة لأمريكا لملئ الفراغ الذي سيتشكل جراء انسحابها غير المعلن، وخوفا من ان يشغلها الاتحاد السوفيتي السابق. كانت الرسالة – الحدث المفصلي في شباط عام 1947، وعلى ما يبدو بدأت مع تلك الرسالة ( الدعوة) مرحلة جديدة من استجماع القوة والنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، لدرجة ان وزير خارجيتها يومئذ (جورج مارشال) وجه خطابا خاصا الى الأمركيين حفزهم لتحمل أعباء المسؤلية في حماية أمن وسلامة العالم. هذا ما أكده مايلز كوبلاند في كتابه: The Game of Nations (لعبة الأمم. بيروت 1970 تعريب: مروان خير)، كما أسهب: بان السياسة الأمريكية الجديدة اعتمدت مبدأ ترومان، اضافة الى مشروع مارشال. جوهر تلك السياسة كانت تهدف الهيمنة والتغلغل في مناطق واسعة من الشرق الأوسط، بمنهجية سلمية، سميت في الوثائق الدبلوماسية السرية: “التخطيط السياسي للصراع على مناطق النفوذ، في العالم عن طريق الحرب الباردة.”
ما هو مثير للانتباه بعد مرور أكثر من ستين سنة على الانطلاقة الدبلوماسية الأمريكية السرية، أن تلك الخطة قد بدأت من سورية:” كان المفروض ان يكون العراق اول اهدافنا، فحكومته بوليسية مكروهة، الا ان الفريق المكلف بالتنفيذ في العراق لم يستطع مباشرة ذلك دون علم البريطانيين وموافقتهم… كما اسقطنا من حسابنا التدخل في شوؤن لبنان والاردن ومصر لاعتبارات شتى، وبحساب البواقي فلم يبقى امامنا الا سورية.” ص66
استهدفت سورية كمفتاح لتغيير الشرق الأوسط. وبناء عليه قررت امريكا تغيير الحكم المدني فيها برئاسة شكري القوتلي، واعدت ضابط كردي طموح ومغامر هو حسني الزعيم ليقوم باول انقلاب في سورية، وربما في العالم بعد الحرب العالمية الثانية. سعت امريكا لإتخاذ سورية المساحة الأولى لرقعة اللعب الأممية: “كان انقلاب حسني الزعيم في 30 مارس 1949 من اعدادنا وتخطيطنا.” ص 73
شكل انقلاب الجنرال الزعيم عمليا الخطوة السياسية الامريكية الأولى في المنطقة، وتم تقديمه ليكون لاعب أمريكا المعتمد. الا ان حسني الزعيم فشل في حكم سورية وتمرد على طاقم الدبلوماسية السرية، ولم يلتزم بتطبيق السياسة الأمريكية بحذافيرها. تم البحث عن رجل جديد لمتابعة المهمة. نفذ مركز اللعبة الأممية في وزارة الخارجية الأمريكية، مخططها المستند على قاعدة: “اذا لم تربح اللعبة يجب تغيير اللاعبين”. فدعمت انقلابا عسكريا في مصر، اطاحت الملك فارورق، واستلم تنظيم الضباط الأحرار الحكم، تحت عنوان ثورة يوليو 1952. كان اللاعب الأمريكي الجديد ضابطا طموحا من بيئة فقيرة هو جمال عبدالناصر. دعمت أمريكا ناصر في الخفاء، حتى أصبح قائدا للعالم العربي، وأحد ابرز زعماء العالم، ومؤسسي دول عدم الانحياز.
تصاعدت الفعالية السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط بعد عام 1947، لتعويض التراجع في السياسة الكولونيالية التقليدية البريطانية، ولوقف المد الشيوعي، ولتأمين المصالح النفطية الأمريكية، اضافة الى توفير بيئة مناسبة لولادة واستمرارية دولة اسرائيل، عن طريق انشاء نظم حكم جديدة، تخدم هذه الأهداف والمخططات عمليا، وتعادي أمريكا شعاراتيا. وكانت قاعدة اللعبة الأمريكية تختزل في عبارة: “امريكا تجيد صنع أعدائها”.
اعتمدت الادارات الأمريكية لاحقا على ما اسست له تلك المجموعة الدبلوماسية -الاستخباراتية في أعوام (1947 – 1958)، ولم تتحرر من أسر مخططاتها لاحقا. ان قراءة واستذكار بداية الدور الأمريكي في الشرق الأوسط، ومعرفة بيئة انشاء ما يسمى بمركز اللعب العالمي، وكذلك مؤسسة (CIA) لاحقا يبدو ضروريا، لأن السياسات التي اعتمدت تثير تساؤلات حول جذور تاريخ الشرق الأوسط السياسي الحديث، وثقل (CIA) في الانقلابات والثورات، وحتى تشكل بعض الدول العربية في النصف الثاني من القرن العشرين. ان المحلل والمتابع يحتاج الى مزيد من المعلومات والحقائق حول تلك الخطط والنشاطات التي عرفت في وزارة الخارجية الأمريكية: “بدبلوماسية ماوراء الكواليس.”
ان القراءة الراهنة للأحداث السياسية توحي بتكرارها بصيغ متحاكية في كل من سورية ومصر. فبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الانتفاضات العربية، وتتبع الموقف الأمريكي، يتبين حرص أمريكا منذ الأيام الأولى على عدم التدخل الظاهري والتروي، خاصة من قبل وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون. إلا أن نشاطات السفير الأمريكي في دمشق روبرت فورد _ والتي لامجال لحصرها هنا _ كانت تدل على ان امريكيا ترغب في متابعة لعبتها السياسية في سورية، بل ان تجدد اسس اللعبة برمتها. جدير ذكره ان كوبلاند كان قد اشار عام 1969 الى ان النجاح الأمريكي في سورية يحتاج الى رجل قوي ومتعطش للسلطة، تساعده نخبة حاكمة، لكي تستقر أوضاع البلد. وهذا ما تحقق عام 1970. السفير روبرت فورد فشل في دبلوماسيته، التي لم تكن تماما تجري وراء الكواليس، فاستقال. وعلى الرغم من ذلك مازالت الادارة الامريكية تحتفظ بخيوط اللعبة، وان لم تقرر بعد بقيادة اوباما – حتى اجتماعه الأخير مع وفد ائتلاف قوى المعارضة السورية – كيفية استعادة فرصتها الضائعة، أو اي لعبة ستشارك فيها. لكن ماهو مؤكد ان أمريكا عند انطلاقتها الأولى الى فضاء السياسة العالمية قد بدأت من سورية، واختارت طريق الانقلابات العسكرية لتنفيذ مخطاطاتها، وان لم توفق فيها.
ثمة تساؤل يفرض نفسه اليوم في سياق استذكار هذه الأحداث التاريخية، فيما اذا ارسلت وزارة الخارجية الأمريكية ايضا رسالة سرية الى روسيا تفصح عن رغبة أمريكا في الانسحاب من المنطقة، او الشرق الأدنى على أقل تقدير، تدعو فيها روسيا _ كدعوة بريطانيا لها قبل أكثر من ستين سنة _ لملئ الفراغ الاستراتيجي الذي سيتشكل جراء انسحابها؟! والذي سيملئ حكما من قبل قوى محلية او منظمات متطرفة. ربما تم فعلا توجيه مايشبه الرسالة، أو الدعوة، والا لماذا كل هذا التخبط الأمريكي في سياسات المنطقة، وهذه الخسارة الواضحة والمتكررة في ساحة لعبتها المفضلة “سورية”. الا اذا تنبهنا الى حقيقة ان الساسة الأمريكان يفضلون دائما ان تستمر اللعبة السياسية وتطول، وان خسروا في جولاتها المتكررة، لأنهم مولعون بمتعة الممارسة ذاتها، كما انهم عن طريق اطالة اللعبة فقط يعيدون اكتشاف مصالحهم، وما ينبغي ان يفعلوه بالضبط في أشواط اللعبة المتناوبة بين سورية ومصر.
أخيرا ان غزوة داعش لمدينة الموصول في 10 حزيران 2014، وحربها على اقليم كوردستان في 3 آب، وتزايد الدعم الدولي لكوردستان في الدفاع عن مواطنيها، واشتداد حدة المعارك، قد تجبر داعش للانسحاب من سورية. واذا اخذنا تصريحات الرئيس اوباما بافتراضه ان مدة الهجمات الجوية على مسلحي داعش قد تطول. فالمشهد برمته بات يثير الكثير من التساؤلات، فهل شارفت اللعبة الأمريكية في سورية على الانتهاء؟ أم ان خيوط اللعبة قد تشابكت أكثر من المتوقع بعد صعود داعش؟ المؤكد ان الادارة الأمريكية ابدت فعالية وحزما لدرجة اوحت بأنها الوحيدة التي مازلت تمسك بخيوط اللعبة السياسية التي شملت العراق بقوة أكثر من أي وقت آخر.
“داعش”.. الإسلام في خطر/ بشير البكر
ساد الظن في منطقة الشرق الأوسط أن القمع والإرهاب بلغ ذروته مع نظامي حافظ الأسد وصدام حسين، ولم يخطر في بال أحد أن أياماً أكثر رعباً سوف تأتي. واعتقد العالم أن جرائم التطهير الطائفي والعرقي انتهت في ختام المأساة اليوغسلافية، ولن تقبل البشرية رؤية أحدٍ يجيز لنفسه حقَّ تهجير جماعاتٍ بشرية أصيلة، ويقتلعها من ديارها بقوة السلاح، مهما كانت المبررات والدوافع.
هل كان أحد يعتقد أن المنطقة ستعيش زمناً تفرض فيه جماعات باسم الإسلام الجزية على المسيحيين في هذا الشرق، الذي تشكل المسيحية فيه مكوناً رئيسياً وجزءاً من شخصيته الثقافية والاجتماعية وهويته الوطنية على مر العصور؟
يمكن للمرء أن يقول، اليوم، من دون تردد أو مبالغة، أن الإسلام في خطر، وهو يواجه محنةً كبرى، لم يسبق له أن عرفها حتى في فترات الانحطاط التي عاشتها الأمة في عصور غابرة، وإذا لم يتحرك المسلمون بسرعة، فإن دينهم وشخصيتهم، حاضرهم وتاريخهم وماضيهم معرض لخطر كبير.
الخطر، اليوم، على الإسلام من داخل الإسلام، وليس من خارجه، وأعداؤه، اليوم، مسلمون من بلاد المسلمين، وليسوا جيوشاً قادمة من الخارج. هؤلاء من يقدمون أنفسهم على أنهم “البرابرة الجدد”.
آن للمسلمين أن يتوقفوا عن عقد المؤتمرات والندوات التي تدعو إلى حوار الأديان، ويكفوا عن الخطابة في المساجد بشأن تسامح الإسلام، فذلك لا يفيدهم، بعد الآن، في شيء، لأن هناك نفراً منهم يرتكب جرائم موصوفة، ويجد من يؤيده ويدعمه بالمال والفتاوى.
ماذا ينفع المسلمين الدفاع عن صورتهم أمام الاعلام الغربي، وهناك من يصفّ مسلمين آخرين في طوابير على جدران المساجد، ويطلق عليهم النار في ظهورهم، بدعوى أن إسلامهم ليس الإسلام الصحيح؟ وفوق ذلك، يقوم بتصوير عمليات الإعدام وبثها على “يوتوب”، وهو يتفاخر ويتلذذ بهذه الجرائم؟
نحن أمام نفر من المسلمين مرضى نفسياً، وهؤلاء ليسوا أقلية، ولم يعودوا مختبئين في مغاور تورا بورا، بل صاروا يسيطرون على حواضر عربية كبيرة من الموصل إلى حلب، وتحولوا قوة اقتصادية كبيرة، بعدما وضعوا أيديهم على مصادر الثروات، وهم يتقدمون كل يوم، منذرين بتفجير المنطقة.
إذا كان هؤلاء يكفرون المسلمين، ويفتون بجلدهم وإعدامهم، فما الذي ينتظر أبناء الطوائف الأخرى؟ لا توجد إجابة أكثر صراحة مما قاموا به في حلب والرقة والموصل ضد المسيحيين واليزيدية وغيرهم.
تبين أن هؤلاء ليسوا أقل دموية من بشار الأسد الذي لم يتورع عن استخدام السلاح الكيماوي ضد أطفال الغوطة، وقتل قرابة ألف في ليلة واحدة قبل عام. وعلى الرغم من تلك الجريمة الموصوفة استمر في الحكم وواصل القتل، وبقي “العالم الحر” يتفرج عليه، وهو يتفنن في مجازره ضد الأبرياء العزل في سورية.
لن يكون أبو بكر البغدادي أفضل من بشار الأسد، بل هو وجه العملة الآخر، فإذا كان العالم عاجزاً عن إيقاف الأسد عند حد، فلماذا سوف يكلف نفسه العناء ليواجه البغدادي، وإذا كان الأسد قد أعاد انتخاب نفسه، ولم يمنعه أحد، فلماذا لا يعلن البغدادي نفسه خليفة؟ ومما لا شك فيه أن البغدادي اعتمد هذا القياس وهذه القدوة.
مضى زمن الكلام الإنشائي، ودفن الرؤوس في الرمال والتهرب من تحمل المسؤولية، تحت بند أن هناك فئة جانحة، لا تمثل الإسلام والمسلمين، انحرفت عن طريق الحق. لا أحد يصدق هذا الخطاب اليوم، وهو يرى بأم عينه أن الفئة الضالة باتت تياراً عريضاً، ومن كانوا يعيشون في المغاور يحكمون مدناً عريقة، مثل الرقة والموصل، وهم في طريقهم إلى تفجير المنطقة برمتها بإثارة حروب عبثية، لن تقف عند إعادة رسم الخرائط، كما هو حاصل، الآن، في العراق وسورية، فمعركة “داعش” مع الأكراد قدمت المبرر لتوسيع رقعة سيطرة الأكراد على مساحات شاسعة من العراق وسورية، بدعم غربي صريح.
قدم “داعش” المبرر لتخلي العالم عن الشعب السوري، وكان المستفيد نظام الأسد، وها هو يعيد الكرة في العراق، ليخرج الأكراد هم الرابح الأكبر من المعادلة.
العربي الجديد
السياسة الأميركية في العراق وسوريا والإخفاق المستمر/ حواس محمود
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية في الآونة الأخيرة أن القوات الأميركية جاهزة لتنفيذ ضربات ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف بـ «داعش» إذا أمر الرئيس باراك أوباما بذلك، ولكن وإزاء هذا الإعلان لا نحتاج إلا إلى مراجعة سريعة للسياسة الأميركية في العراق لنتبين حجم التناقض الصارخ في السياسة الأميركية بخاصة في عهد الرئيس أوباما فهو الذي أمر بسحب قواته المتواجدة بالعراق التي كانت موجودة إبان إسقاط نظام صدام حسين بعد احتلال العراق 2003 من قبل بريطانيا وأميركا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، ومن حينها لم يستقر الوضع بالعراق، بخاصة في ظل حكم نوري المالكي لفترتين انتخابيتين وحصول دكتاتورية الأغلبية التي تسيئ للديموقراطية، واتجاه نظام المالكي للطائفية وبخاصة بعد الثورة السورية المباركة، وجاء تحرك داعش في العراق ومن ثم في سوريا لضرب الثورة السورية وخدمة نظام الأسد إعلاميا بأن الثورة ما هي إلا عصابات مسلحة وتكفيريين، ومساندة المالكي للأسد في حربه المكشوفة على الشعب السوري، السياسة الأميركية المتراخية والضعيفة، أثرت على الوضع في العراق فتمددت داعش وسيطرت على الرقة السورية ومناطق أخرى، ومع حالة الاحتقان في المناطق السنية العراقية والتدخل الإيراني الفاقع والصارخ في السياسة العراقية والضعف الأميركي في التأثير على سياسة المالكي الطائفية جعل من الوضع العراقي على كف عفريت كما يقولون، أميركا البوشية التي أعلنت مقاومة الإرهاب وضربه ها هي على يد أوباما تجد إرهابا متسعا وكبيرا يتمدد ويتضخم في المنطقة وأميركا واقفة تتفرج ولا تحرك ساكنا، انه الفشل الأميركي في ادعائه ضرب الإرهاب كما وانه الفشل الأميركي الكبير في نشر الديموقراطية في العالم العربي.
الآن أميركا الأوبامية أمام مفترق طرق تجاه داعش والمجموعات المتطرفة، ليست السنية وحسب وإنما ها هي الفصائل الشيعية هي الأخرى تتضخم وتمارس العنف سواء في سوريا أو العراق أو لبنان، وهاهو الإرهاب والتطرف قد وصلا إلى ليبيا والسودان وغيرهما من الدول العربية.
السياسة الأميركية على يد أوباما تسجل فشلا ذريعا في القدرة على حل أي مشكلة تتعلق بالإرهاب في الشرق الأوسط، وأمس في صيف 2013عندما فر الداعشيون والقاعديون من سجن أبو غريب لم نسمع أي إدانة من أميركا لهذا العمل الذي شابته ألف شبهة من تواطأ المالكي مع داعش قد حصل لارتكاب المجازر بحق المدنيين لتدعيم مقولة الأسد انه يحارب إرهابيين، وبالأمس القريب داعش يسيطر على مناطق كبيرة من العراق وتسلم قطعات عديدة من الجيش العراقي أسلحتها ويهرب ضباط وجنود من دون مقاومة وأميركا تلتزم التفرج وعدم التحرك
الفشل الأميركي ليس في العراق وحده فحسب وإنما في سوريا والعالم العربي برمته. ففي سوريا وجدنا أن أوباما الذي اعتبر أن الأسد غير شرعي وان أيامه معدودة، وأن استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر إلا أنه لم يحرك ساكنا عندما استخدم النظام الاسلحة الكيماوية والذي ادى الى مقتل نحو 1500 شخص في الغوطتين الغربية والشرقية، بينما وعود أوباما ذهبت أدراج الرياح مفتقدا بذلك الهيبة الدولية لنفسه ولأميركا أيضا باعتباره زعيما لها، متذرعا باتفاق مع موسكو لتدمير الأسلحة الكيماوية، ومع كل التغاضي عن مأساة الشعب السوري وتعرضه للويلات والسجون والتعذيب التشرد في دول الجوار وأصقاع العالم افتقدت أميركا سمعتها كدولة عظمى في العالم وازداد التطرف في سوريا من خلال زيادة عدد الجهاديين والمتطرفين وكذلك التنظيمات المتطرفة واحتدام الصراع الطائفي البغيض.
إن تحركت أميركا من جديد بأمر من أوباما ضد داعش في العراق فمعنى ذلك أن تغيرا قد بدأ في السياسة الأميركية تجاه التطرف والإرهاب ولكن ذلك مرهون بحجم التحرك ونتائج هذا التحرك ومدى قدرته على تجنب الآثار المترتبة على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط .
()كاتب وباحث سوري
المستقبل
داعش» والكرد و «مسرحيّات» السيطرة/ داريوس الدرويش
يصف بعض المتابعين، وخصوصاً من المعارضتين السوريّة والكرديّة، المعارك التي تدور بين وحدات حماية الشعب (التابعة عمليّاً لحزب الاتحاد الديموقراطي) وتنظيم «داعش» على أنّها مسرحيّات معدّة مسبقاً بين الطرفين، وبرعاية النظام السوري، بهدف إحكام سيطرة كلٍّ منهما على مناطقه وزيادة شعبيّته بأسلوب يشبه الأسلوب الذي اتّبعه النظام في «مواجهته» مع إسرائيل.
يعيب هذا التحليل/الوصف أمران أساسيّان: الأول، أنّه يستند إلى ربط مبالغ فيه بين الفاعل ونتائج فعله ذهنيّاً، فـ «داعش» ستحاول «التمدّد» خارج حدودها لأنّها تطبّق أيديولوجيّتها ومبادئها التي تبرّر وجودها، وستطبّقها بغض النظر عن الآثار الجانبيّة لفعلها ضمن مناطق الآخرين عموماً. في الوقت نفسه، سيقوم الآخرون أيضاً بالردّ على العدوان متى حصل، كذلك بغض النظر عن الجهة التي يصدر منها أو مدى استفادتها داخليّاً، هذا إن وُضِع ميزان القوّة جانباً. فحروب الطرفين تندلع بناءً على غايتهما بالسيطرة أو الدفاع، وليست مرتبطة مباشرة بتأثيراتها على الجهة الثانية، زد على ذلك أنّ الوظيفة التي تؤدّيها حالة الحرب داخليّاً على المجتمعات متشابهة في شتّى أنحاء العالم، وليست حالة خاصّة بالجهتين السابق ذكرهما.
الأمر الثاني هو عدم تفسير هذا التحليل لأسباب وقوع الطرفين في خسائر استراتيجيّة (يُفترض أنّ المسرحيّات لا تسبّبها عادةً) نتيجة الحرب خلال مناسبات عدّة، فـ «داعش» التي خسرت بشكلٍ ما حاضنتها الشعبيّة في ريف الحسكة ما كانت لتدخل معارك كهذه تكبّد حاضنتها ضرائب باهظة، جعلتها تفكّر مليّاً قبل إظهار تأييدها لـ «داعش» مرّة أخرى، كما الحال في تل براك وتل حميس وقرى أخرى في المنطقة. وما كانت وحدات حماية الشعب لتدخل في معارك خاسرة في تل أبيض وريفها من محافظة الرقّة والتي جعلت مجرّد الشكّ بانتماء أحدهم إلى حزب الاتحاد الديموقراطي جريمة عقابها النفي والمصادرة إن لم يكن القتل. وهذا بينما كانت سابقاً المقارّ التابعة لتيّار الحزب المذكور تعمل في المدينة بشيء من الحريّة، يضاف إليها تعرّضهم لاستغلال الأحزاب الكرديّة الأخرى لهذه الهزيمة إعلاميّاً لتأكيد مساوئ استبعادها عن إدارة المنطقة وجيشها.
ليس مجانباً للصواب القول إنّ «داعش» تؤدّي «وظيفة» للنظام، بل إنّ وجودها بحدّ ذاته قد يُعتبَر خدمة له، عبر محاربة الطابع المدني والمعتدل للثورة السوريّة وتحويله إلى طابع متطرّف ونكوصي يعود إلى قرون عدّة خلت. لكن، في الأغلب، فإنّ أصوليّة «داعش» المعروفة هي التي تمنعها من تجنّب أداء هذه الوظيفة على حساب التخلّي عن مبادئها، فمن «ابتغى العزّة بغير الإسلام أذلّه الله» بحسب مفهومهم.
ومن جهة أخرى، فالمقاربة السابقة لا تعني أنّه لا تتمّ فعلاً الاستفادة من هذه الحروب في التسويق الداخلي لحزب الاتحاد الديموقراطي. فهو يشنّ حملة شرسة ضدّ التنظيمات الأخرى أثناء كلّ حملة عسكريّة وبعدها، خصوصاً إن كان الائتلاف قد أصدر بياناً «سلبيّاً» من وجهة نظرهم، فعندها يتمّ كيل الاتهامات عبر كل وسائل الإعلام التي يمتلكها الحزب لتصوير المجلس الوطني الكردي (المنضوي في الائتلاف) بأنّه «متاجر بدماء الشهداء»! وتتمّ ترجمة هذه الاتهامات الإعلاميّة إلى حالات نفي واعتقال واعتداء بالضرب على الصحافيين وأعضاء الأحزاب الأخرى وإغلاق مقارّهم. كلّ هذه الانتهاكات وغيرها تؤدّي إلى اعتقاد غير واقعي ربّما حول تقصّد هذه الجهة إشعال فتيل الحرب مع «داعش» وغيرها لتبرير أفعالها داخليّاً.
لا يقود ربط حزب الاتحاد الديموقراطي و «داعش» بالنظام بأسلوب التبعيّة له وتحكّمه مطلق بهما إلى أيّ تفسير جدّي أيضاً، فهذا الربط يفتقر الى الأدلّة الملموسة (ماديّة أو منطقيّة) التي تقطع الشك باليقين، بل يعتمد على تحليل وظيفة هاتين القوّتين بشكل غائي، أي اعتبار أنّ حقيقة كون نتائج أفعالهما تصبّ في خدمة النظام يجعلهم «عملاء» للنظام أو من صنائعه. لكن أليس من الممكن القول إنّ تشتّت المعارضة المسلّحة وفشل الائتلاف أيضاً يصبّان في خدمة النظام والجهات الأخرى؟ فلماذا لا تُطبّق هذه القاعدة عليهما أيضاً؟
يضاف أن هذا التحليل يبدو وكأنّه هروب من المسؤوليّة، فحين تكون إحدى الجهات التي تحاربها المعارضة تابعةً للنظام، عندها لن تُحمَّل المعارضة مهمّة البحث في الأسباب الحقيقيّة الكامنة وراء نشأة هذه الجهات، وإن لم تكن المعرفة بأسباب نشوئها صحيحةً، فلن تكون معرفة مآلاتها سهلة، لا بل سيؤدّي اعتبار كهذا إلى تفاقم زخم هذه الجهات وازدياد شعبيتها ونفوذها بشكل يوحي فعلاً أنّ الثورة انتهت.
* كاتب كردي سوري
الحياة
داعش: بداية النهاية/ علي العبدالله
عكست المكاسب العسكرية التي حققها تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) في الساحتين العراقية والسورية كفاءة عسكرية في التخطيط والتنفيذ عززها استعداد مقاتليه للتضحية بأرواحهم في سبيل تحقيق هدف التنظيم وقيادته جسده ؤبدء كل هجوم بعمليات انتحارية بسيارات مفخخة وباقتحامات جريئة تثير الفزع في صفوف العدو وتحطم مقاومته بعد ان تدمر اعصاب قادته قبل عناصره.
ربطت تقديرات عسكرية نجاح داعش في المواجهات التي خاضها الى الآن بتبنيه تكتيك القوات الخاصة البريطانية في مهاجمة المواقع والتي تعتمد الهجوم المباغت والسريع جداً بالآليات مع كثافة نيران سريعة لا تسمح للمدافع برفع رأسه، وقبل الوصول الى الهدف بمائة متر يترجل القسم الاكبر من المقاتلين وينطلقون بسرعة قوية جداً، وكأنهم يجتازون سباق مئة متر، مع استمرار الرماية الكثيفة من قبل الآليات من الخلف، على ان يتم تقدمهم بخط مائل وليس مباشراً لتقليل نسبة الإصابة، يتقدّم المهاجمون بطريقة جري السرطان المائل لتحاشي رصاص المدافعين، ويقتحمون الموقع ويقتلون او يأسرون القوة المدافعة.
غير ان النظر في ساحة المعركة ان من حيث مساحتها وامتدادها الجغرافي او من حيث طبيعة الخصوم وتشكيلاتهم وتكويناتهم الاجتماعية والعرقية والدينية والمذهبية تشي بوجود ضعف في قدرة العقل الاستراتيجي للتنظيم على صياغة خطة منطقية وعملية شاملة جعله يبالغ في قدراته ويفتح معارك متعددة وعلى اكثر من جبهة وضد اكثر من خصم في ذات الوقت متجاهلا ميزان القوى وردود الافعال المحلية والإقليمية والدولية، والنتائج المترتبة على المعارك، وتقلبات الصراع، ما يطرح احتمال تعرض الانتصارات والمكاسب الاولية التي حققها الى انتكاسة وخسارة معظم الاراضي التي سيطر عليها وما يرتبه ذلك على مستقبل الصراع، فإدارة الصراع ليست مجرد هجوم مباغت وقتل اعداد من قوات الخصم والسيطرة على ارضه وعتاده، على اهميتها، بل للأمر صلة وثيقة بالتصور النهائي لمستقبل الصراع وبالرؤية السياسية التي تحكم إدارة الصراع والتعاطي مع الساحتين العسكرية والمدنية وتقدير تبعات كل خطوة وكل مرحلة في ضوء القدرة الذاتية وربط التقدم الى نقاط ومعارك جديدة بالقدرة على تأمين الخطوط الخلفية والتواصل مع بقية القوات وخطوط الامداد والتأمين اللوجستي خلال التحرك الى نقطة تالية.
ان دراسة مدققة في ساحات القتال ان من حيث امتدادها الجغرافي او تركيبتها السكانية، من حيث العرق والدين والمذهب، تكشف حجم الخصوم والأعداء الذين استفزهم داعش، وإذا نظر الخبير العسكري الى علاقات هذه التركيبة السكانية العرقية والدينية والمذهبية والسياسية سيجد ان داعش قد استعدى نصف الكرة الارضية دفعة واحدة واستدعاها الى الانخراط في الصراع ولعب دور ما في المعارك الدائرة على الساحتين العراقية والسورية. اذ كيف يمكن لقائد عسكري او هيئة اركان ان تضع خطة هجومية تشمل مساحة واسعة من الارض تتطلب السيطرة عليها وتأمينها مئات الآلاف من المقاتلين، تسكنها شعوب تنتمي الى اعراق واديان ومذاهب لها امتداداتها في دول الجوار، وتابعة لدول ترتبط بعلاقات وتحالفات سياسية وعسكرية مع دول اخرى تمتلك قدرات بشرية وعسكرية وتلزمها اتفاقات بتقديم العون لهذه الدول. كيف يمكن ان يقرأ معلق عسكري اندفاع قوات داعش في جغرافية سوريا واعتمادها سياسة الفرض والقهر والإلزام السلوكي على المواطنين، ووضع اليد على مقدراتها عبر اثارة الرعب بقطع الرؤوس والأطراف والصلب والعقوبات الجماعية، دون ان يستدرج رد فعل، فالخوف والتخويف لا يدوم اذا كان الموت واردا لأتفه الاسباب ما يحفز الانسان على التخلص من شبح الموت بمواجهته عله يقضي على اسبابه. وكيف سيقرأ معلق عسكري اندفاع داعش في تحطيم طموحات قوى عشائرية كبيرة وسلبها ما غدت تعتبره حقها في نفط ابار تقع في اراضيها، وقتل افرادها وشيوخها بتجاهل تام لثقافتها القائمة على الثأر والانتقام مهما طال الزمن( يقولون في ديرالزور الشاوي/الريفي خوذ روحه ولا تاخذ ماله، فكيف اذا اُخذ ماله وأرواح ذويه) . وكيف سيقرأ محلل استراتيجي اندفاع داعش في مهاجمة المواقع العسكرية المتبقية للنظام السوري في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة(الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة في الرقة، والمطار العسكري في ديرالزور، ومواقع عسكرية في محافظة الحسكة) والقتال ضد قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في اكثر من جبهة، وهجومه في غرب وشمال العراق وجنوبه واحتلاله بلدات وقرى مسيحية، وكوردية ايزيدية (15 بلدة تضم أقليات مسيحية وأزيدية) وطرد سكانها، وهم السكان الاصليون للبلد، ويتقدم باتجاه اربيل ويشتبك مع الكورد هناك، ويبعث قواته الى جنوب بغداد، حيث بلدات جرف الصخر واللطيفية واليوسفية، ويتمدد منها شرقاً إلى ديالى، وغرباً إلى الأنبار، التي تخضع له غالبية بلداتها، ويسعى الى دخول بغداد من جنوبها، وتطويق محافظة كربلاء من بلدة المسيب، والوصول الى المراقد المقدسة، فيستفز ملايين الشيعة الذين يعتبرونها ارضا مقدسة وتضم رفات ائمتهم وقادتهم وأحبتهم في ذات الوقت. وهل يكفي اعتماد تكتيك فتح جبهات متعددة لإرباك الخصم ودفعه الى نشر قواته على مساحة واسعة من الارض للدفاع عن مناطق مهددة دون الالتفات الى اضطراره هو الى نشر قواته كذلك، فالإشغال والمناورة وتجنب معارك مباشرة تحقق بعض اهدافها في البداية بإجبار الخصم على اعتماد سياسة دفاعية تجمد قسما كبيرا من قواته لكنها ماتلبث ان تغدو عقيمة لان الخصم سيرتب ردوده وعملياته على مواجهة هذا التكتيك ويحتاط له.
لقد وحّد داعش خصومه ودفعهم الى التنسيق والعمل المشترك للتصدي لعدوانه، واستدعى دولا كثيرة للانخراط في المواجهة لاعتبارات عرقية او دينية او مذهبية او مصلحية، وأسس لحسابات جديدة وتوازن قوى مختل في غير صالحه، فلن يطول الوقت حتى يجد نفسه تحت مرمى نيران كثيفة لا قبل له بها، وهذا سيدخله في مرحلة تراجع وانكسار، وربما هزيمة شاملة، انها بداية النهاية للتنظيم ولخلافته البائسة التي اراد بها قهر الانسان وإذلال الشعوب واستعبادها باسم الدين الذي تقدسه وتتبع هديه.
المدن
انتشار «داعش» والحرب عليه!/ فايز سارة
لعله من الشائع المعروف أن تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق»، هو الأساس الذي بني عليه تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» المعروف بـ«داعش» اليوم، ومعروف أيضا أن التنظيم بني في العراق في ضوء التطورات الصراعية في بلد هزته حرب لها أبعاد داخلية وخارجية، حيث الصراع في الداخل بين السنة والشيعة العراقيين من جهة، وخارجيا كان هناك صراع العراقيين مع الوجود الأجنبي في عراق صدام حسين الذي جلب التحالف الدولي العسكري إلى العراق خاصة الوجود الأميركي، وتناغمت التطورات العراقية مع رغبة التطرف الديني الذي يمثله تنظيم القاعدة في الوجود والتمدد في العراق، فكان ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» كأحد التعبيرات.
ورغم نشاط تنظيم الدولة في العراق، الدعوي والسياسي والعسكري لسنوات طويلة، فقد ظل التنظيم مغمورا ومحدود الأثر هناك، ولم ينجح في الانتشار والتمدد إلى دول الجوار على نحو ما هو عليه الآن، وهو انتشار وتمدد اقترن بتطورات الواقع السوري، خاصة في العام الأخير، الأمر الذي يتطلب بالفعل التوقف مع التطورات السورية المتعلقة بهذا الجانب ورؤية أثرها في تمدد «داعش»، وقد بات يشكل تهديدا إقليميا ودوليا حسبما قدر مجلس الأمن الدولي في قراره الأخير، حيث اعتبر «داعش» و«جبهة النصرة» تنظيمين إرهابيين، وقرر قطع التمويل عنهما تحت الفصل السابع القاضي باستخدام القوة لتنفيذ القرار في إطار «مواجهة الإرهاب في كل الدول»، كما قال المندوب الروسي في مجلس الأمن الدولي.
لم يشكل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق» أي وجود في سوريا حتى أواخر النصف الأول من عام 2013، وهذا لا يمنع من احتمال بعض خلايا نائمة له أو بعض مؤيدين في إطار بيئة التطرف الديني التي أخذت تظهر، وتتسع، أواخر عام 2012، مستفيدة من تطرف النظام ودمويته ومن نداءات عسكرة الثورة سواء تحت شعار حماية الثورة أو سعيا إلى إسقاط النظام.
ورغم أن تحذيرات متكررة ومتواصلة للجميع وللمجتمع الدولي ظهرت في أوساط المعارضة والثورة ومن كتاب وصحافيين، حذرت من احتمال ظهور وتمدد تنظيمات التطرف، وأخذ الثورة إلى العنف والدم، ودفع البلاد نحو الأفغنة والعرقنة، فإن تلك الدعوات لم تقابل بجدية وسط استمرار إرهاب النظام، وزاد عليها فسح المجال أمام تدفق قادة وكوادر من «القاعدة» وأخواتها إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام عبر دول الجوار، وكان أخطرها في صيف عام 2013 عبر عملية تهريب سجناء التطرف في سجون العراق، وتمرير أغلبهم إلى سوريا، ولم يكن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بعيدا عن تلك العملية الإجرامية.
وإذ التحق المتطرفون الوافدون إلى سوريا بالتشكيلات المسلحة، التي اتخذت لها شعارات إسلامية، فإنهم أخذوا في بناء أنوية تنظيمية تخصهم داخل تلك التشكيلات، وكان المثال الأبرز في حركة أحرار الشام، التي استولت على الرقة بعد طرد قوات النظام منها في ربيع عام 2013، ومنها خرج تنظيم جبهة النصرة، ثم خرج من الأخير التنظيم السوري لدولة العراق والشام «داعش»، وما لبث الأخير أن استولى على الرقة قبل أن يتمدد بشكل ظاهر في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
وجاء التمدد بالتوازي مع تعزيز قدرة التنظيم بشريا وماديا وتسليحيا. ووسط عنف وإكراه ورشوة سكان المناطق التي تمت السيطرة عليها بتوفير احتياجات يومية، جرى ضم عناصر جديدة للتنظيم خاصة من أعضاء تشكيلات مسلحة هشة ولا تملك إمكانات مادية للاستمرار، ثم استعين بما وفرته مخابرات نظام المالكي وغيره من أسلحة وأموال للتنظيم، إضافة إلى سيطرة التنظيم على مصادر الثروات في المنطقة ومنها آبار النفط، مما حول «داعش» إلى أغنى تنظيم إرهابي في العالم.
وأهلت التطورات السابقة التنظيم لفورة في العراق للاستفادة من ظروف عراقية أبرزها واقع الانقسام والصراع في تكويناته السياسية والطائفية والعرقية مع نزوع المالكي للاستمرار في قيادة السلطة الديكتاتورية المدعومة من إيران والداعمة لنظام الأسد، ووفرت فورة «داعش» العراقية إمكانات مالية وعسكرية وبشرية للتنظيم ذهب قسم منها إلى سوريا، وهي الإمكانات التي استخدمها في هجومه الواسع عبر شرق سوريا من دير الزور إلى الحسكة مرورا بالرقة إلى ريف حلب وبعض ريف إدلب.
ومما لا شك فيه أن فورة «داعش» في العراق، وتمدده في سوريا، مع بروز طموحاته في إقامة دولة «خلافة» إسلامية، قام بنشر خريطتها مؤخرا تشمل بلدانا في العالم العربي وجواره، أمور عززت مخاوف العالم، فأخذت الأحاديث والخطوات تتوالى عن الحرب على «داعش»، من إعلان ضرب قواته في العراق وصولا إلى قرار مجلس الأمن الدولي الأخير.
غير أن هذا المسار في الحرب ضد التنظيم لا يأخذ بعين الاعتبار ولا يعالج معطيات أدت وتؤدي إلى استمرار «داعش» ونموه سواء في مستوى السياسات الإقليمية أو الدولية المحيطة بالوضعين السوري والعراقي، وهو يتجاهل البيئتين السورية والعراقية اللتين ولدتا التنظيم وساعدتا في تقويته وانتشاره وسط حالة من الفوضى والدمار والقتل وإضعاف المجتمعات، كما يتجاهل سياسة النظامين السوري والعراقي وما يقوم به الاثنان في البلدين وضد الشعبين.
ولئن خرج نوري المالكي شخصيا من هذه المعادلة، فإن الأهم خروج نظامه منها، في حين أن الأسد ونظامه ما زالا حاضرين بقوة فيها، والأسوأ من ذلك أن أحاديث وتنظيرات يتوالى طرحها حول ضرورة جلب الأسد ونظامه للمشاركة في الحرب على «داعش»، وهي نكتة سمجة، لأن نظاما خلق بيئة وجود وانتشار تنظيم إرهابي، ولم يدخل في مواجهة معه، مطلوب منه الانخراط في جهد دولي في الحرب على التنظيم.
ولعله لا يحتاج إلى نقاش كثير قول إن الحرب على «داعش» تبدأ وتتزامن مع الحرب على نظام الأسد الذي يمارس إرهاب دولة وعلى نظام بغداد الذي يماثله في استمرار بيئة تنمي الإرهاب، والأهم مما سبق ضرورة تقدم المجتمع الدولي لأخذ مسؤولياته ومعالجة أوضاع المنطقة عامة والوضعين السوري والعراقي بشكل خاص اللذين يضعان المنطقة والعالم أمام تحديات الإرهاب المزدوج؛ إرهاب التطرف من جهة وإرهاب الدولة من جهة أخرى.
كاتب وصحافيّ سوريّ، وعضو الهيئة السيّاسيّة في الإئتلاف الوطنيّ لقوى الثورة والمعارضة حاليا ومستشار سياسي واعلاميّ لرئيس الائتلاف