صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت الحرب على “داعش” والأوضاع في سورية

 

 

 

 

 

زلابية/ أحمد بيضون

الضربات الجوية لداعش، بلا تتمّةٍ برّية ولا أفق سياسيّ معلوم، لا «تَقْلي زلابيةً»، على قول ابن الرومي.

ودخول أمريكا حرباً لا يعني بالضرورة أن تكسبها فهي قد خسرت حربين من الصنف نفسه في السنوات الأخيرة، على الرغم من نشرها عسكراً على الأرض. قد يعني دخولها الحرب قدرتها المميّزة على تحمّل هزيمة أخرى بعد هضم التحدّي الذي حملَها على تحريك عسكرها.

تشبه الضربات الجوية «صفحةَ الماء يُرمى فيه بالحجرِ» إذا تابعنا اقتراض الصور من الشاعر نفسه.

فكتلة الحجر تطرد الماء من حيث تقع لتنشره إلى مسافات متباينة حولها. وهي تجعل الدوائر «تنداحُ» (والعبارة لابن الرومي أيضاً) من حولها. أي أنها تدفع داعش، في الحالة التي نواجه، على التوسّع إلى بلاد أخرى: إلى لبنان،مثلاً، وإلى الأردن، ناهيكم بدول الجزيرة… ولا ضرورة لتحريك المقاتلين أنفسهم من سوريا أو من العراق بل بات يمكن الاعتماد على مقاتلين تستنبتهم داعش من المجتمعات المحيطة.

أقدمَت أمريكا على دخول هذه الحرب بعد تردّد مديد. وهي تباشرها من الجوّ بعقيدة «زيرو كاجولتي» (صفر إصابات) التي جنحَت إليها (وإن لم تنجح في التمسك بها) منذ حرب تحرير الكويت سنة 1991. وهذه عقيدةُ دولةٍ تحترم أرواح جنودها وتخشى الرأي العام في ديارها… ولكنها، من الجهة الأخرى، عقيدةٌ ترفع كلفة تحريك العسكر وحمايته إلى مستويات خيالية وتحدّ من فاعليته القتالية فوق ذلك. وهذان أمران يطيلان أمد الحرب ويعودان فيزيدان ضغط الرأي العام على مؤسسة الحكم بسبب تراكم الأكلاف على اختلافها ورزوحها على الحياة الاقتصادية خصوصاً. هذا إلى ما يجرّه هذا الأسلوب في القتال من زيادة هائلة في ضحايا المدنيين ومن أضرار مختلفة أخرى حيث تدور المواجهة وما يلي ذلك من ضغط سياسي أو معنوي على الدولة المحاربة…

يتّحد هذا كلّه ليضعف الدولة الفائقة القوّة في مواجهة تشكيلٍات مقاتلة يمثّل الانتحار أسلوبها الأبرز في القتال وتحصي «شهداء»ها بـ»الملايين» سلفاً ولا تترددّ في إرهاب خصومها بالقول «بالذبح جيناكم» دونما تحسّبٍ من لطخة يتركها على صورتها هذا الشعار أو ما شاكله من قولٍ أو فعل. وهي، إلى ذلك، لا تسترخص شيئاً استرخاصها أرواح المدنيين الذين توزّعهم بين الجنّة والنار بحسب مقتضى الحال ولكنها ترسلهم إلى العالم الآخر في كلّ حال.

و»ما أَنْسَ لا أَنْسَ» – يقول ابن الرومي أيضاً – ما يتعهّده الأمريكيون ومن معهم من الأطلسيين من شدٍّ لأزْرِ التشكيلات «المعتدلة» في المعارضة السورية ومن اجتراح لـ»حرسٍ وطنيّ» في العراق يسدّ مسدّ الجيش الذي ظهر فشله الصاعق في الموصل… هاتان هما القوّتان اللتان ستقع عليهما أعباء القتال البرّي أو معظمها، على ما يظهر. ولكنّ السائد، في ما يتّصل بالتشكيلات السورية المشار إليها، هو الشكّ في «اعتدال» بعضها والشكّ في وجود البعض الآخر. والسائد في ما يتّصل بالعراق، هو التشكيك في أن تُفلح الطبعة الجديدة من «الصحوات» حيث أخفق جيشٌ أُنفِقَتْ عليه بلايين. نحن حيالَ شكٍّ وتشكيك، إذن، وهذا لا يعادل الجزم الذي لا يبدو أحدٌ قابضاً على مفاتيحه، في الظرف الحاضر. ذاك ما يعوّل عليه المعسكر المواجه لداعش وهو يزهو بضمّه نحواً من خمسين دولة ولكنه استجلب من الجهة الأخرى موقفاً تركياً ذا خطرٍ موسوماً بتقلّبات جزئية، مدروسة بلا ريب. وهو، إلى هذا، يُقْبِل على المواجهة بأنظمةٍ عربيةٍ، نفطية وغير نفطية، لم تلفحها الثورات مباشرة ولكنها أظهرت، مع ذلك، ما هي عليه من وهن حين يُستطلع المستقبل ومن ضعف في الجاذبية حين تُذكر البدائل. وكانت النفطية منها، على الخصوص، متّهمة أصلاً بالاستواء موئلاً للقاعدة ثم لِما تخلّفت به هذه الأخيرة من أشباهٍ ونظائر…

أَوْلى من ذلك بالنظر القريب أن المعسكر نفسه إذ استبعد «التعاون» مع النظام الأسدي واستبقى، مع ذلك، برنامجه القتالي في سوريا، قد أثار مواجد النظام المشار إليه، بطبيعة الحال، وأثار معها حرَد الحليفين المعهودين لهذا النظام: روسيا وإيران. أما مفعول المعارضة الروسية فقد يُقْتصر على خلخلة الشرعية الدولية للحرب الجديدة، وهذه شرعية فقدت بكارتها مراراً. وأما الثنائي السوري – الإيراني فستجهد المشاورات المكتومة والمعلنة في تلطيف غيظه. ثم إنه يملك في مواجهة المعسكر الذي استُبعد من عضويته وسائل متنوّعة عزّزتها الخبرة الطويلة. يتعين الانتباه، فوق ذلك، إلى أن الطرف الإيراني، وهو أقوى الاثنين، يباشر هذه المرحلة الجديدة من المواجهة وعينه على مفاوضاته النووية وعلى ما في يده من أوراق منشورة بين صنعاء وبيروت. والمفاوضات النووية والأوراق الإقليمية قوّة للنظام الإيراني يتصرّف بها في التجاذب المتواصل ولكنهما عبءٌ عليه أيضاً تمتحن العقوباتُ الدولية قدرتَه على حمله. ما الذي يُحتمل أن تفعله إيران وتابعها السوري؟ لم يخطئ من ذكّر بسوابق البراغماتية الفاقعة التي سبق أن أبداها الطرفان في تاريخ أمسى طويلاً. أبدتها إيران حيال أمريكا نفسها وإسرائيل في ما سمّي إيران غيت وأبدتها من الجهة الأخرى حيال الولايات المتحدة وحيال تنظيم «القاعدة» معاً في حربي أفغانستان والعراق، إلخ. وأبداها النظام الأسدي حيال الولايات المتحدة أيضاً في هاتين الحربين وفي أزمة لبنان، بعد اغتيال رفيق الحريري، وقبل ذلك في حرب تحرير الكويت وحيال تنظيم «القاعدة» أيضاً في محطّات وصيغ مختلفة بينها تهريب «المجاهدين»، بعد تدريبهم، إلى العراق المحتلّ وبينها فصْل فتْح الإسلام في لبنان وبينها، مؤخّراً، إطلاق سراح سجناء القاعدة من سجن صيدنايا لصَبْغ الثورة السورية، وهي لا تزال حركة متظاهرين سلميين، بصبغة الإرهاب الإسلامي… وبينها، أخيراً لا آخراً، سكوت النظام طويلاً طويلاً على توسّع داعش نفسها في شرق سورية وشمالها. إلخ.

هذا كلّه لا ينذر بحلف صريح يضمّ داعش إلى الثنائي الإيراني السوري. ولكنه ينذر، على الأرجح، بلعبٍ ثلاثيّ معقّد يتعاقب فيه تشجيعُ داعش ولَجْمُها ومحاولةُ الاستثمار في ما تحقّقه على الأرض بغيةَ تحصيل مكاسب من الأمريكيين وحلفائهم على جبهاتٍ أخرى لقاءَ التخفيف من الغلواء الداعشية. وهذا لعبٌ يجب أن يُنْظر فيه إلى أثره في المشادّة المكتومة أو شبه المكتومة بين «متشدّدي» النظام الإيراني و»معتدليه». وفي هذا كلّه، لن يوجد في الميدان من يحتسب الضحايا والدمار في العراق وفي سوريا. تلك مهمّة قد يتولاها مركزٌ صغيرٌ ما واقعٌ في خارج الميدان. وأما الذين هم في الميدان، على اختلاف المواقع، فمهمّتهم مقتصَرة على الاستكثار من الضحايا والخراب.

يرجّح إذن أن تخطئ الزلابيةُ أفواهَ المتلمّظين… يرجّح أن تكون هذه الحرب المستأنفة محطّة على طريق بلادنا الطويل نحو مصير يبدو الآن أغمض ملامح ممّا كان قبل سنتين أو ثلاث… ولكن لا تَغْلب على صُوَره القريبة، في كلّ حال، بشائرُ خلاصٍ…

كاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

التحالف من دون استراتيجية وبلا سوريين/ عزمي بشارة

لا يمتلك ما يسمى التحالف الدولي ضد الإرهاب، بقيادة أميركية، استراتيجية سياسية واضحة، تتجاوز القصف من الجو، كفعل موجه ضد تنظيم داعش، مع أنه يظهر، وكأنه يمتلكها في العراق، لأن أميركا ضغطت لتشكيل حكومة جديدة هناك، ولأن الناطقين باسمها يكرّرون كلاماً، عن دورٍ للعشائر العربية السنية، مستعاراً بشكل عام من تجربة “الصحوات” في مرحلة سابقة. أما في سورية، فيغيب حتى هذا المظهر.

وفي حين يقصف التحالف تحركات داعش على أجزاء من سورية بالقنابل الذكية، يرمي النظام أجزاء أخرى منها بالبراميل الغبية، وكأننا إزاء تقسيم عملٍ بينهما. وما من تقسيم عمل فعلاً، ولكن ممارسات التحالف أصبحت عرضة لهذا التأويل، لأنه لا يملك استراتيجية للتخلص من داعش، ولا لإطاحة النظام. بدون هذا، لا يمكن فهم تحالف أربعين دولة ضد داعش. هل يصدّق أحدٌ لزومَ كل هذا؟ لو كانت ثمة خطة سياسية حقيقية، من أي نوع، لما احتاجوا إلى أربعين دولة، تحصر نفسها في التناوب على مهمة واحدة، هي القصف من الجو، وبعضها يشارك رمزياً ليسجّل موقفاً.

وتنقسم المواقف الإقليمية إلى اثنين: 1- ترغب إيران بالانضمام إلى التحالف بشرط أن يحارب الإرهاب لمصلحة النظام. أما التدخل نفسه وأميركا نفسها فليسا عائقاً، ولم يكونا عائقاً كهذا في العراق وأفغانستان. 2- تشترط تركيا وجود استراتيجية للتخلص من داعش والنظام، والوسيلة تدخّل بريٌّ، يبدأ بفرض منطقة حظر طيران، وإقامة مناطق عازلة لإيواء اللاجئين السوريين داخل بلادهم.

أما الدول العربية فلا تشكّل محوراً من أي نوع (لا اعتدال ولا مقاومة)، فالنظام السوري يريد الانضمام إلى التحالف، و”شرطه” الوحيد أن يقبله التحالف عضواً فيه. وتنضم دول عربية، جماعات ووحدانا، إلى أميركا بدون شروط، أما البقية فخارج السياق.

أما الغائب الرئيسي عن النقاشات المتواصلة حول دور ما يسمى بالتحالف الدولي ضد الإرهاب فهو الشعب السوري وممثّلوه. وجذور الغياب في نكبة الشعب السوري الثانية، بعد نكبته بنظام يشن عليه حرب إبادة ويحرق بلاده. فحتى في أعقد الظروف، وأحلك الأوقات، لم تنشأ قيادة وطنية موحدة، تخضع لها قوى مسلحة في مرحلة الثورة المسلحة. وذلك لأسباب عديدة، لا مجال هنا للخوض فيها.

أذكر منها قلة التجربة السياسية والتنظيمية في ظل الاستبداد وفي المنافي العربية، والنرجسيات، حتى في صغائر الأمور، بعد قمع غير محدود للـ “إيجو” في ظل الاستبداد، وتشتت التنظيمات المسلحة الناجم أساساً عن بدايتها العفوية، كمبادرات دفاعية محلية، بقيادات محليةٍ لم ترقَ إلى مستوى القيادة الوطنية، وتعميق تشتتها بازدياد نفوذ قوى مسلحة، ترفع شعاراتٍ دينية سياسية، لا علاقة لها بأهداف ثورة 2011. وأخيراً، تواصل الدول مباشرة مع المعارضة المسلحة، وليس عبر قيادة سياسية موحدة.

لم يشاور التحالف سورياً واحداً (لا في الدولة ولا في المعارضة) بشأن استراتيجيته. فهو لا يعترف بشرعية النظام، ولا يأخذ المعارضة بجدية. والأخيرة تتضمن مناضلين أشداء، حملوا السلاح ثلاث سنوات متواصلة، ولا يجوز تجاهل تجربتهم الفريدة؛ كما تشمل سياسيين ومثقفين، عانوا السجون والمنافي، ويعرفون سورية والمنطقة، ولديهم تصورات مهمة.

ولكن، هذه التجارب الثمينة ستذهب هباءً، لأن المعارضة المسلحة والسياسية مشتتة، وغيّبت في تشتتها حتى وثائق مهمة، التزمت بها فصائلها السياسية كافة عام 2012. فحين تحتدم المناوشات على عضوية ورئاسة هيئاتٍ لا وجود فعلياً لها، لا يتذكر أحدٌ وثائق تتعلق بمستقبل سورية، سبق أن أجمعت عليها المعارضة؟

في غياب الخطط التي تحدد الهدف والاستراتيجية والأدوات، لا يسقط النظام، بل يتآكل ويهترئ، إلى أن يتهاوى، وتتداعى معه سورية.

العربي الجديد

 

 

 

سورية على نار هادئة: تحييد «النصرة» وتركيا ستنتظر/ جورج سمعان

مدينة كوباني الكردية تحدد جانباً من سياسة تركيا ودورها في التحالف الدولي. انقاذ المدينة كما وعدت ليس امتحاناً لمدى جديتها في دخول الحرب على «داعش». أعلنت وتعلن استعدادها للتدخل ميدانياً في سورية. لكن موقفها مما يحدث في شرق شمالي سورية واضح منذ اليوم الأول. لا تريد التدخل ما دام أن الحرب على عين العرب تستنزف الطرفين، الجهاديين من جهة و»قوات الحماية الشعبية» القريبة من حزب العمال الكردي من جهة ثانية. كما أن تدخلها يبقى رهن ضوء أخضر من شركائها في حلف «الناتو» خصوصاً الولايات المتحدة. لا تملك حرية تامة للتصرف. أبدت استعداداً لشن عمليات ضد «الدولة الإسلامية» وضد قوات النظام السوري. والهدف الأخير له محاذير ميدانية يمكن أن تجبر أعضاء الحلف على الإنجرار إلى مواجهة لا يتوافر لها اجماع الأعضاء المشاركين. فماذا إذا واجه تدخلها ردوداً من دمشق أو طهران وموسكو؟ ليس هذا المحظور الوحيد. يثير دخول قوات تركية أراضي سورية حفيظة العرب المشاركين في الحملة أيضاً.

هؤلاء العرب لم ينخرطوا في القتال رغبة في القتال. لهم مبرراتهم وأسبابهم. بين الأسباب بالطبع المخاوف التي أثارها تمدد «الدولة الإسلامية» وانعكاس ذلك على أمنهم الداخلي. فضلاً عن أن طروحات «الجهاديين» تشكل في المبدأ تحدياً لهوية دولهم و»إسلام» مجتمعاتها. والأهم من ذلك أن هؤلاء العرب المشاركين في الحرب يريدون ترجمة أو استثمار هذه المشاركة سياسياً. يريدون توكيد قدراتهم الذاتية على صون أمنهم وأمن الإقليم «العربي»، في مواجهة «الآخرين»، إيران وتركيا وروسيا وغيرها. وبالتالي لن يهضموا تدخلاً تركياً على الأرض السورية، وهم لم يهضموا حتى اليوم تدخل إيران وما تملك من أوراق. بل إن اندفاعهم إلى المشاركة في الغارات سبيلهم إلى حجز موقعهم وكلمتهم في أي تسوية سياسية في بلاد الشام كلها. حتى مصر البعيدة والمنشغلة لن يروقها تدخل الجيش التركي أو دخوله. قد لا تسمح لها الظروف اليوم أن تكرر ما فعله الرئيس جمال عبد الناصر في الخمسينات عندما أرسل أسطوله إلى اللاذقية خوفاً من نشوب حرب في المنطقة إثر قيام «حلف بغداد». لكنها لن تعدم وسائل الاعتراض، عبر حلفائها الخليجيين وغيرهم من دول الجوار السوري.

لا خلاف على أن لتركيا دوراً جوهرياً في التحالف الدولي. موقعها الجغرافي يجعلها رأس حربة في قتال «داعش» في سورية والعراق معاً. لذلك ارتاحت دول التحالف عندما عادت أنقرة عن موقفها المتحفظ في مؤتمري جدة وباريس. بدت هذه الدول كأنها وجدت أخيراً ضالتها. عاد الطرف الغائب الواجب حضوره. لذا لم يجاف رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو الصواب عندما قال إن أي بلد آخر لا يملك تأثير تركيا في الأحداث الدائرة في سورية والعراق، كما أن ما من بلد سيتأثر بهذه الأحداث مثلها. لكن إجازة البرلمان التركي للجيش التدخل في هذين البلدين والسماح باستقبال قوات أجنبية منضوية في التحالف الدولي لا تعني أن شركاءها ينتظرون تحديد ساعة الصفر لانضمامها إلى العمليات العسكرية. أنقرة مثلها مثل باقي عشرات الأعضاء في هذا التجمع الكبير، لديها شروطها السابقة وحساباتها الخاصة. افصحت عنها ولم تخفها منذ اليوم الأول. تريد الموافقة على إقامة منطقة عازلة يحظر فيها الطيران السوري، وضمان عدم تسليح الأكراد بعتاد نوعي متطور وحماية المناطق «المحررة» من نظام الرئيس بشار الأسد تمهيداً لإسقاطه. وجادلت طويلاً قبل قيام التحالف بأن من أسباب انتشار «داعش» هو الظلم الذي لحق بأهل السنة في كل من العراق وسورية. وهي هنا لا تختلف عن كثيرين يعتبرون أن ما حصل نتيجة طبيعية للسياسات التي تنهجها إيران، وكذلك تلك التي اعتمدها معظم الشركاء في التحالف حيال ما جرى ولا يزال من دمشق إلى بغداد.

والواقع أن لتركيا الحق في أن تصر على لائحة شروط وأهداف وأولويات. تريد، كما فرنسا إلى حد كبير، أن تبدو مستقلة بقرارها عن الدور القيادي للولايات المتحدة. وهو ما يعزز صورتها في مواجهة المعارضة الداخلية، وفي الشارع العربي والإسلامي عموماً. كما أن أنقرة، مثل باريس وشركاء آخرين، لم تعد تثق بسياسة الرئيس باراك أوباما، بعد تجربة الكيماوي العام الماضي عندما تراجع عن ضرب دمشق في اللحظة الأخيرة. وهي تعي جيداً أن الشركاء اتفقوا على التحالف لقتال «داعش». لكنهم لم يتفقوا على الخطط والأهداف النهائية لهذه الحرب الجديدة والأولويات. هذا سبب جوهري يجعلهم لا يعرفون متى تنتهي. لم يصدف أن توافقت عشرات الدول على خوض مواجهة واسعة على امتداد بلاد الشام وكل واحدة منها لها مبرراتها وأجندتها الخاصة من هذه المواجهة. وهذا أيضاً سبب في غياب تحديد واضح لدور واحد مشترك أو لدور كل قوة مشاركة. بعضهم يركز على المسرح العراقي وآخرون على السوري وغيرهم لا يرى سوى المناطق الكردية هنا وهناك. حتى الدول التي لم تنضوِ في هذا التحالف تختلف نظرة كل منها إليه. لكنها كلها لا تبدي انزعاجاً بل تعد العدة بثقة وثبات لتنال حصتها من الحصاد الأخير مهما تأخر!

نجحت إدارة الرئيس باراك أوباما في دفع هذه المجموعة الدولية والإقليمية الكبيرة إلى المشاركة في الحرب على «الدولة الإسلامية» من دون أن تقدم أهدافاً نهائية. كأن المطلوب أن تظل الجبهة في المنطقة مفتوحة، كأن القضاء على هذه «الدولة» سريعاً ليس الهدف الآني. لعل احتواءها هو الهدف الملح لضمان بقاء النار مشتعلة حتى انهاك من يجب انهاكهم. وثمة مؤشرات إلى أن إدارة أوباما تركز على الساحة العراقية. وهدفها من الغارات التي تشنها على «داعش» في سورية وضرب المصافي وآبار النفط هو قطع كل منابع التمويل التي تعزز قواتها في العراق. علماً أن هذه الغارات تساهم في تدمير ما بقي من بنى ومعالم وأوصال في هذا البلد. لم تبد اهتماماً بضرب «جبهة النصرة» على رغم أنها فرع من فروع «القاعدة»، وتسيطر على مناطق واسعة في الجنوب والشمال السوريين. بل بدا في الأيام الأخيرة أن ثمة قراراً بتحييد هذه «الجبهة» واستثنائها من الغارات، لئلا تشرع الأبواب أمام تقدم قوات نظام الرئيس بشار الأسد لملء الفراغ الذي يخلفه انسحاب جنود «أبي بكر البغدادي».

هذا الاستثناء يطرح كثيراً من الأسئلة عن جدية أميركا في ضرب جميع «الجهاديين» في سورية حالياً وتسليح الفصائل المعتدلة بما يمهد لتسوية سياسية بعد تغيير ميزان القوى على الأرض. معروف أن من أسباب امتناع إدارة أوباما عن تسليح «الجيش الحر» عتاداً فاعلاً ونوعياً خوفها من وقوع هذا السلاح في أيدي المتطرفين. كانت تقلقها ولا تزال نظرةُ بعض فرق هذا الجيش إلى «النصرة» فصيلاً يساهم في الحرب على النظام. بخلاف النظرة إلى «داعش» التي حيدتها دمشق وأطلقت يدها في قتال باقي المعارضين على الأرض، بغية إضعاف هؤلاء من جهة، وتقديم المعارضة إلى العالم «مجموعة من الإرهابييين»! أل يقود تحييد «النصرة» مرحلياً إلى بقاء الخوف الأميركي من انتقال السلاح النوعي إلى «الجهاديين؟

واضح من سير العمليات أن لواشنطن حسابات في سورية تختلف عن حساباتها في العراق. وتختلف عن حسابات باقي الشركاء، من دول عربية وتركيا وفرنسا وغيرها. تلتقي وإيران في مساعدة بغداد على التخلص من «داعش». وتزيد في تعزيز سلطات إربيل ومضاعفة القدرات العسكرية لقوات «البيشمركة» لتكون مؤهلة جيداً ومستعدة للدفاع عن الإقليم إذا كان لا مفر مستقبلاً من تغيير خريطة الشرق الأوسط وولادة كيانات جديدة. لكن إدارة أوباما تحاذر إغاظة إيران الحساسة حيال مصالحها في سورية ولبنان تالياً، لئلا ينعكس ذلك على موقفها في المحادثات الخاصة بالملف النووي، وفي سعي الغرب إلى ما يسميه إعادة تأهيل الجمهورية الإسلامية لتكون لاعباً إيجابياً في المجتمعين الإقليمي والدولي. مثلما تحاذر أيضاً إثارة روسيا على رغم ما بينهما في أوكرانيا.

رغبة تركيا في التدخل ميدانياً في سورية قد لا تترجم سريعاً في ظل التركيز الأميركي على الساحة العراقية. ولم تتقاعس أنقرة وحدها عن نجدة كوباني، مع أن قواتها قادرة على التدخل من دون اجتياز الحدود. طائرات التحالف تأخرت أيضاً في الإغارة على «داعش» التي تحاصر هذه المدينة. انشغلت بقصف مقرات ومواقع للتنظيم شرق سورية وبضرب مصاف وآبار نفط … تسهيلاً للمواجهات في العراق. الساحة السورية مؤجلة على نار هادئة، إلى أن يجهز تدريب خمسة آلاف من «الجيش الحر». وهو رقم ليس كافياً لتغيير ميزان القوى على الأرض. هذا ما قاله جنرالات البنتاغون. وهذا ما يعرفه «ائتلاف المعارضة». إذاً لا بد من أن ينتظر السوريون شيئاً آخر غير تدريب بضعة آلاف… ومعهم ستنتظر تركيا والعرب الراغبون في التغيير في دمشق. سينتظرون التفاهم الأميركي – الإيراني. فلا وجه شبه بين ما حدث لنوري المالكي وما يمكن أن يحدث للرئيس بشار الأسد. ظروف البلدين مختلفة، وتوزيع القوى مختلف، وكذلك مصالح القوى الداخلية والخارجية. صحيح أن أميركا عادت إلى العراق لكن إيران لم تخرج منه. كما أن النظام لا يزال قائماً وإن دخلت عناصر ومكونات جديدة في اللعبة السياسية. أما في سورية فالمطلوب تغيير النظام. والتدخل العسكري الخارجي لإسقاطه بالقوة يفتح مواجهة واسعة مع كل من موسكو وطهران التي لن تساوم. فهل التحالف مستعد لمجاراة رغبات رجب طيب أردوغان وشروطه في التغيير أم يساعده فقط على إقامة شريط عازل وآمن في انتظار تسويات؟

الحياة

 

 

خزّانات الشرق الأوسط الجديدة/ سامر فرنجيّة

لجأ عشرات الآلاف من أكراد كوباني إلى تركيا هاربين من تقدّم «داعش»، وتاركين وراءهم مدينتهم التي استقبلت خلال الأعوام الماضية آلاف النازحين من الاقتتال في سورية. وليس بعيداً من مأساة كوباني، هجّر التنظيم الجهادي مسيحيي الموصل وإيزيدييه، باعثاً بهم على طريق المنفى، الذي يبدو أنّه لن ينتهي إلاّ في الهجرة النهائية إلى الغرب، لتبدأ من هناك مأساة أخرى، هي مأساة التأقلم مع مجتمعات باتت تضيق على مهجّريها القدامى قبل الوافدين الجدد.

تأتي عملية النزوح هذه بعد أكبر عملية تهجير شهدها المشرق العربي في الآونة الأخيرة، طاولت السوريين وأعادت توزيعهم وخيمهم على دول غير راغبة فيهم في ما يشبه لعبة الكراسي الموسيقية، ولكنْ بنسخة دموية تعيد فيها موسيقى الحرب ترتيب كتل بشرية على صعيد منطقة منكوبة. وعلى رغم مآسيهم، جاء من ينافس السوريين على كرسيهم الهش في هذه اللعبة. فلم يجد عمر الحجيري، وهو الهارب من عرسال وقصفها، مكاناً ينصب فيه خيمته بعدما «شغل اللاجئون السوريون معظم الأراضي هنا، ويبدو أنه ليس سهلاً إيجاد مكان نأوي اليه»، كما روى لحسن الساحلي (المدن، 7/8/2014). الهجرة تعيد البحث إلى الدرجة الصفر من الوجود، بحيث تتصارع كائنات مستباحة على حقها في نصب خيمة.

في ظل التهجير والتهجير المضاد والمضاعف، بات من الصعب نسج أية رواية سياسية حول هذه المأساة المتنقّلة خارج الخطاب الإنساني ومطلب التدخّل الخارجي، مما أصبح أقرب شيء إلى دعاء علماني موجه إلى آلهة الطائرات بلا طيار. وهذا الدعاء ليس إلاّ إشارة إلى فقدان أية إمكانية للخطاب بتسييس مآسي تلك الكائنات المستباحة وإعادة تأهيلها من نتيجة الهزيمة إلى مقدّمة الثورة.

شكّل النازح في لحظات تسييسه «الآخر» للدول والقوميات والحدود، كائناً يعبّر في هجرته عن التاريخ الأسود للحاضر واستحالة استكماله. وحول هذا الطابع الإنتهاكي لتجربة الهجرة والمنفى، رسم البعض دوراً سياسياً للنازح وللمتكلّم باسمه، أي المثقف المنفي، ينمّ عن تجربته المعقّدة مع الزمان والمكان وقدرته على عكس وجهات نظر متناقضة تشكّك في تقدمة الحاضر لذاته. غير أنّ «آخر» هذا النازح المنتهك كان النازح «الفعلي»، النازح الذي لا يتكلّم ولا ينتهك ولا يعكس وجهات نظر متناقضة، بل يبحث عن بقعة من الأرض يعيد بناء ما تبقى من حياته عليها. لم يبق لهذا النازح إلاّ الدعاء للآلهة الجديدة والغضب لعدم استجابتها لطلباته.

عبّر كريم، المهجّر إلى كردستان بعد سقوط مدينته سنجار في أيادي «داعش»، عن مرارته تجاه ما اعتبره سكوت الآلهة عن مجزرة طاولت قومه: «قتلوا أكثر من ألفي إيزيدي في يوم واحد، والعالم بأكمله لم يصرخ إلاّ: أنقذوا غزة، أنقذوا غزة». هكذا لخصّ المهجّر الجديد قدره كضحية لا صوت لها لاحتكار هذا الدور من قبل ضحايا غزة (ذي نيو يوركر، 6/8/2014). وقبل كريم وأقليّات العراق وتهجيرها، كان صدر الضحايا السوريين قد ضاق أيضاً بالأفضلية التي منحها العالم لمنافسيهم الفلسطينيين، على رغم مجازرهم ومهجريهم الذين باتوا يفوقون عدد سكان المخيمات الفلسطينية. فلم يحظوا بالتدخّل الأجنبي على رغم إبادتهم الكيماوية أو بتظاهرات التنديد على رغم مجازر الفلسطينيين بينهم، بل واجههم صمت ولوم ضامر على ما آلت عليه الأمور.

قد لا يشارك فلسطينيو غزة المحاصرون النازحين الجدد وقراءتهم للمزاج العام الدولي. لكنّ لهذه الصرخة دلالة على التنافس القائم بين ضحايا المشرق العربي على ما تبقّى من اهتمام العالم بمآسيهم. ففي هذا السباق إلى القعر، يقف الفلسطينيون ونكبتهم بوصفهم النموذج عن الضحية-المعيار، التي تشكّل رغم مآسيها طموح الضحايا الجدد في المنطقة. وعندما صرخ أبو الخيزران، في خاتمة رواية «رجال في الشمس»، «لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟»، مطلقاً عملية تسييس النازحين، لم يكن يتوقع غسان كنفاني أنّ يوماً سيأتي ينافس فيه سكان المشرق العربي الفلسطينيين على موقعهم في هذا الخزّان، أو حتى يحسدونهم لدقّهم جدرانه بعد عقود من الهجرة.

ليس من مقاومة اليوم لتدّق هذه الجدران، أو لتحوّل المهجّر إلى حامل لمعانٍ أبعد من فقدانه مكانه، بل مجرّد ضحايا يتزاحمون للدخول إلى خزّانات المشرق الجديدة، مدركين مصيرهم الأسود. لم يقرأ ضحايا حادث غرق القارب الذي كان ينقل مهاجرين إلى أوروبا رواية كنفاني، ولكنهم أعادوا تمثيلها، مستبدلين البحر بالصحراء والقارب بالخزّان وإجرام مهرّبي اليوم بضعف مهرّبي الأمس. حاول المهاجرون الفلسطينيون والسوريون دقّ الجدران كما طُلِب منهم، ولكن لا جدران فوق البحر. وحاول من قبلهم مهجّرو النظام المصري الجديد دقّ جدران الخزّان الذي احتجزوا فيه من قبل الشرطة. لكن لم يأتِ الردّ إلاّ على شكل عبوات من الغاز المسيل للدموع أطلقتها الشرطة، ليلقوا حتفهم في مشهد يعيد آخر صفحات «رجال في الشمس». لا أحد يسجّل أنّ النازح الجديد عربي ولا أحد سيحذر من غضبه، فهو سوف يجوع ولن يأكل لحم مغتصبيه. لا شعر سينقذ هؤلاء النازحين ويعيد تأهيلهم. فهم بالكاد سيحظون ببعض دراسات وإحصاءات قد تفيد بعض الشيء في عملية التسوّل الدولية.

هجرة النازح الجديد لن تحمل في طيّاتها مشروعاً سياسياً، بل قد تعبّر عن انهيار نقاط ارتكاز تلك المشاريع، التي تساقطت واحداً تلو الآخر منذ بداية الثورات. وبهذا المعنى، قد يكون النازح الأكبر الخطابات السياسية التي باتت تطوف باحثة عمن يحملها، ولم تجد إلاّ خيما محروقة.

الحياة

 

 

 

 

أتراك وأكراد حيال… “داعش”/ حازم صاغية

راهناً يقتصر التصدّي البرّي لتنظيم «داعش» على المسلّحين الأكراد، على تعدّد بلدانهم، وقد تنضمّ إليهم تركيّا بعد تصويت برلمانها وتفويضه جيشها شنّ عمليّات في الخارج.

وهذا قد يثير، بالنسبة إلى العرب، مسائل عدّة منها ما هو سياسيّ وتنظيميّ وما هو ثقافيّ بالمعنى العريض للكلمة، خصوصاً بعد الانهيارين المريعين لجيشين عربيّين، العراقيّ في الدفاع عن الموصل ثمّ اليمنيّ في الدفاع عن صنعاء. وهذا فضلاً عن أنّ الكثير من المشاعر العربيّة التي تناهض تقليديّاً الأكراد أو الأتراك، قد تسبغ على «داعش» بعض التعاطف، أو تنشئ تقاطعاً بين «داعشيّة» ما وعروبيّة ما. وهو بعض ما شهدنا في العراق على شكل تلاقح بين التركة الصدّاميّة و «الخلافة» الجديدة.

لكنّ الأهمّ بالمعنى السياسيّ المباشر للكلمة، وفي حال نزول القوّات التركيّة على الأرض، أنّ الطرفين المعنيّين، الأتراك والأكراد، يقاتلان بنظريّتين متعارضتين وبنوايا متعارضة: فرجب طيّب أردوغان يريد أوّلاً أن يرى سقوط بشّار الأسد، ولا بأس بسقوط «داعش» في هذه الغضون، فيما الأكراد، الأتراك منهم والسوريّون، يريدون إسقاط «داعش» أوّلاً، ولا يُخفون برودتهم وتردّدهم في ما خصّ إسقاط الأسد.

وثمّة من يجدون أدلّة على هذه الميول المتضاربة. فاستمرار محاصرة مدينة كوباني (عين عرب) تدفع كثيرين إلى الريبة حيال أنقرة، ويصل الأمر بـ «حزب العمّال الكردستانيّ» إلى اتّهامها بما لا يقلّ عن دعم «داعش». أمّا تعاون السنوات القليلة الماضية بين نظام الأسد و «العمّال الكردستانيّ»، بما فيه فرعه السوريّ، فيبقى المأخذ الأوّل على «الكردستانيّ» المصنّف، دوليّاً وتركيّاً، تنظيماً إرهابيّاً.

وهناك، والحال على ما هي عليه، خشيةٌ مبرّرة من أن يحوّل الأتراك مسألة الكرد والعدوان عليهم إلى مجرّد مسألة إنسانيّة عنوانها المهجّرون والنازحون، بحيث يتعاطون معهم بأبويّة ويطالبونهم بامتثال الأبناء وانضباطهم فيما يُترك لهم وحدهم التفكير والقرار. وهناك، في المقابل، خشية مماثلة من أن يغلب على الأكراد سلوك الأبناء حين يعميهم النزاع مع الأب، وهو هنا تركيّ، عن تنظيم «داعش».

ووفق سلوكين كهذين، يغرق الطرفان في شبر ماء. هكذا يغيب عن أردوغان أن الإنجاز الأكبر لتركيّا هو، في آخر المطاف، استئناف العمليّة السلميّة المتعثّرة مع «حزب العمّال الكردستانيّ». أمّا الأكراد فتغيب عنهم حقيقة أنّ لا مستقبل لهم مع الأسد، ليس فقط لأنّ ذلك يضعهم في وجه الأتراك، بل أيضاً لأنّ مشكلة الأقلّيّات غير العربيّة، خصوصاً الكرديّة، لا يحلّها نظام بعثيّ واستبداديّ.

فهل يمكن، في بيئة القتال ووسط آلامه، التوصّل إلى صيغة أرفع من هواجس الجانبين التركيّ والكرديّ، صيغةٍ تقول بمقاتلة الطرفين، الأسد و «داعش»، بحيث تجتمع في خندق واحد الدولة الأمّة الأقرب إلى هذه المواصفات في الشرق الأوسط، والأقلّيّة الأكثر اضطهاداً وسعياً إلى إنشاء نفسها في كيان سياسيّ؟ أم أنّ ذلك كلّه لا يعدو كونه أماني في شرق أوسط لا مكان للأماني فيه؟

الحياة

 

 

 

كوباني والحرب على الإرهاب و«قبر السلطان»… أحصنة طروادة لأردوغان في عرين الأسد/ وائل عصام

■ لعلها اللحظة التي انتظرتها تركيا طويلا من اجل وضع قدمها في سوريا.. فالظرف الدولي والاقليمي يوفر غطاء يشرعن التدخل التركي، لاقامة منطقة حدودية عازلة اكثر من اي وقت مضى.

اذا اقدمت تركيا بالفعل على تدخلها، فلن يكون لحماية كوباني الكردية بقدر ما هو لاضعاف حزب الـ pyd الكردي، وابعاد ميليشيات الاكراد عن حدودها.. ولن يكون لمحاربة «داعش» بقدر ما هو لتوجيه صفعة لنظام الاسد ودعم فصائل المعارضة له، بتوفير ملاذ آمن لهم داخل الاراضي السورية وخرق سيادة النظام بمنطقة عازلة عن صواريخه وطائراته.

يريد الاتراك استثمار الحملة الدولية على الارهاب لمصلحتهم، ولن يشنوا حربا بالوكالة عن الغرب، كما تفعل الدول العربية، فمحاربة «داعش» واضعافه هي من ضمن اهداف الاتراك، ولكنها ليست اولوية. كهدف استراتيجي فإن اسقاط نظام الاسد هو الاولوية. وكهدف مرحلي فان اقامة منطقة عازلة سيريح تركيا من اعباء مليون ونصف المليون نازح سوري، كما ان هذه المنطقة العازلة (ان تحققت) ستتيح للاتراك اعادة ترتيب ودعم فصائل المعارضة المسلحة الاسلامية المناوئة لـ»داعش»، التي ترتبط معها بعلاقات وطيدة، كأحرار الشام والتوحيد وصقور الشام، وحتى الفصائل المنضوية بهيئة اركان الجيش الحر الاقل راديكالية كفصيل جمال معروف… لأن دعم هذه الفصائل هو الضامن لابقاء قوة سنية مسلحة في وجه النظام، في حال تم اضعاف تنظيم «داعش»، الذي باتت هزيمته مصلحة ايرانية وهدفا للنظام ايضا، فلا يمكن تخليص النظام من خصومه من غير التوثق من إعادة تأهيل الفصائل المعارضة لتكون قادرة على حماية مناطق المعارضة ومواجهة النظام عسكريا، خصوصا ان الهزائم الكبيرة الاخيرة التي لحقت بالنظام كانت على يد «داعش» في الرقة وريف حماة الشرقي وليس فصائل المعارضة الاخرى. كل الباحثين الاتراك المقربين من مراكز اتخاذ القرار في الحكومة التركية يؤكدون ان سياسة حكومتهم ينصب على «معالجة عميقة لموضوع الارهاب» بالقضاء على اسباب ظهوره المتمثلة بالنظام، وهو ما اعلنه اردوغان نفسه قبل ايام. فهو ينظر للصراع في سوريا بعين تركية تعادي النظام قبل «داعش»، لا بعين امريكية تعادي «داعش» أكثر من النظام، وهي نظرة تروق لثوار سوريا الذين استفزهم التدخل الدولي لضرب «داعش» فقط وليس الاسد!

ولا ننسى ان مجرد الشروع في اقامة هذه المنطقة الفاصلة على الحدود التركية يحتم طرد قوات النظام السوري من نقاط ما زال يتشبت بها عند الحدود التركية، وهي كسب في اللاذقية، وجسر الشغور في ادلب، والحسكة.

كوباني المهددة، والحرب على الارهاب، اضافة لقبر «السلطان»، كلها اذن «اغطية شرعية» توفر مناخا اقليميا ودوليا محفزا لتركيا للتدخل في سوريا لأهداف واولويات تختلف عن اهداف الحلف الدولي، الذي يتدخل حاليا لمحاربة «داعش»، كوباني وقبر السلطان والحرب على الارهاب احصنة طروادة لتركيا في عرين الاسد!

كثيرا ما تكون مصائب قوم عند قوم فوائد، وما اشبه كوباني اليوم بالدامور اللبنانية عام 1976، يومها تدخل الجيش السوري بحجة الدفاع عن المسيحيين الموارنة الذين لم يكونوا حلفاءه، فعاد واصطدم بهم واغتال قادتهم، وهكذا فان التدخل التركي (ان حصل) لن يكون لعيون الاكراد في «عين العرب كوباني».

وكما نفذت الميليشيات المسيحية مجزرة في الكرنتينا لترد عليها قوات الحركة الوطنية والفلسطينيين بمجزرة في الدامور، فان هجمات الميليشيات الكردية على القرى العربية منذ عام (وآخرها مجزرة اوقعت عشرين مدنيا عربيا بضمنهم اطفال) ارتدت اليوم على الاكراد بهجمات «داعش» الذي تتحالف معه مجموعات عربية عشائرية من القرى العربية قرب كوباني، التي ارتكبت هي الاخرى مجازر وتجاوزات، اما المستفيد من هذا الصراع فهم الاتراك الذين منحهم صراع تنظيم الدولة وميليشيات الاكراد فرصة لموطئ قدم في سوريا.

ولكن هل ستنجح تركيا فعلا في تنفيذ خطوتها بدخول بري محدود لاقامة منطقة عازلة، سواء بـ5 كيلومترات أو 30 كيلومترا؟

اعتقد ان الامر يتوقف على موقفين معارضين اساسيين، الامريكيين والايرانيين، فلا بد لتركيا ان تقنع امريكا بان خطوتها لن تؤدي لزعزعة موازين القوى لصالح المعارضة الاسلامية، خصوصا في دمشق، فالغرب اراد ابقاء توازن القوى بين المعارضة الاسلامية والنظام، لأنه لا يملك افقا للتعامل مع نظام اسلامي في دمشق، كما انه لا يريد تنامي نفوذ قوة الاسد كمحور اساسي في التحالف الايراني، لذلك قد يرفع الفيتو الامريكي على التدخل التركي في حال تمكنت انقرة من اقناع الغرب بأن خطوتها تصب في اطار حملتهم لمكافحة الارهاب.

اما ايران، فعلينا ان نتذكر انها نجحت لحد الان في حماية مناطق نفوذها السيادية في الاقليم، من بيروت الى دمشق لبغداد، بل زادت عليهم صنعاء! ولعل الخرق الوحيد الذي واجه إيران هو خسارة الموصل ومعظم المحافظات السنية في العراق على يد «داعش» وخروجها عن سيطرة حكومة بغداد الموالية لها، وهو ما اضطر قاسم سليماني للنزول لميدان المعركة بنفسه. وعلى هذا الاساس فان «داعش» قد تكون سببا غير مباشر هذه المرة لترسيخ خروج المنطقة الشمالية لسوريا من سيطرة النظام نهائيا هذه المرة، بريا وجويا، ولكن هذه المرة على يد قوات تركية. لذلك فان الخطوة التركية قد تواجه بلا شك بغضب ايراني كبير، ورغم ان العلاقات التركية الايرانية قوية الا ان الملفين السوري والعراقي كانا من ابرز نقاط الخلاف المستعصية منذ سنوات بين البلدين، لكن قد تضطر ايران للخضوع للخطوة التركية في التدخل في سوريا، بعد ان عجزت عن ممانعة التدخل الغربي بحملة مكافحة الارهاب في مناطق نفوذها في العراق وسوريا، رغم معارضتها الشديدة لها… وفي حال تمكنت فعلا تركيا من تحقيق خطتها بإقامة منطقة عازلة ستكون بذلك اولا قد منحت ثوار سوريا اول بقعة ارض سورية محررة تحظى بحماية جوية وبرية، وتكون تركيا الاردوغانية قد بدأت في استعادة نفوذها الامبراطوري العثماني في «شام شريف»!

٭ كاتب فلسطيني

القدس العربي

 

 

 

 

 

 

 

الشرق الأوسط

 

 

الفوضى في سوريا/ ديفيد اغناتيوس

يجب على الفصائل المتناحرة التي تشكل «المعارضة المعتدلة» في سوريا أن تعمل على توحيد جهودها، ولكن يتعين أيضا القيام بالشيء ذاته من جانب الدول الأجنبية، التي تعمل على تمويل مزيج فوضوي من المقاتلين داخل سوريا، فقد أتاحت هذه المكائد الأجنبية المجال أمام تنظيم «داعش» الإرهابي لتهديد المنطقة.

منذ بداية اندلاع الثورة ضد الرئيس بشار الأسد عام 2011، أصبحت سوريا مسرحا لحرب بالوكالة تتورط فيها قوى إقليمية، تريد جميعها الإطاحة بالأسد، ولكن يتنافس بعضها ضد بعض أيضا. أمدت تلك القوى، في أوقات مختلفة، الجماعات المتمردة السنية، بالمال والأسلحة، التي وقعت في نهاية المطاف في أيدي المتطرفين.

التدخل الخارجي في سوريا جعل الوضع أكثر سوءا، عندما قامت دول مجاورة بإرسال مقاتلين من «حزب الله» وميليشيات عراقية، لإنقاذ جيش الأسد. أسفر هذا عن المزيد من الأعمال الوحشية.

شاركت الولايات المتحدة والسعودية والأردن عام 2013 في تدريب وتسليح المعارضة السورية المعتدلة في معسكر بالأردن الذي تدعمه وكالة الاستخبارات المركزية. ولكن لم يكن هذا البرنامج قويا بما فيه الكفاية لتوحيد ما يقرب من 1000 كتيبة متناثرة في مختلف أنحاء البلاد. وأسهم هذا التفكك في تشويه سمعة ائتلاف الثوار، الذي عُرف باسم الجيش السوري الحر.

قادة المعارضة السورية يستحقون بعض اللوم جراء هذا الهيكل الفوضوي، ولكن ازدادت حالة الفوضى سوءا بسبب القوى الأجنبية التي تعاملت مع سوريا وكأنها ملعب لأجهزتها الاستخباراتية. ويذكّرنا هذا التدخل الذي تحركه المصلحة بتدخل مشابه ساعد على إلحاق الخراب بلبنان وأفغانستان واليمن والعراق وليبيا أثناء الحروب الأهلية التي اندلعت فيها.

وقد قللت الولايات المتحدة من صراع الأشقاء، من خلال تشكيل تحالف أوسع من الدول لمحاربة «داعش». ولكن دون وجود قيادة أميركية قوية، و«شراكة» أفضل من جانب تلك الدول، من المرجح أن يكون مصير هذا التحالف التفكك، ويبدأ الصراع من جديد. وشرحت لي بعض المصادر الموجودة هنا، وفي الريحانية‎ (منطقة انطلاق الثوار تقع على الحدود التركية – السورية) كيف أصبحت سوريا مسرحا لأجهزة الاستخبارات المتنافسة.

بدأت الجهود الخارجية لتسليح وتدريب المسلحين السوريين منذ أكثر من عامين في إسطنبول، حيث أنشئ «مركز للعمليات العسكرية»، لأول مرة في فندق بالقرب من المطار. وكان الشخص القيادي ناشطا قطريا ساعد من قبل في تسليح المسلحين الليبيين، الذين أطاحوا بمعمر القذافي. وكان يعمل مع القطريين شخصيات بارزة من الاستخبارات التركية.

ولكن تفككت الوحدة داخل غرفة عمليات إسطنبول، عندما بدأ الأتراك والقطريون تأييد المقاتلين الإسلاميين. كانوا يعتقدون أنهم سوف يكونون أكثر عدوانية. وبرز هؤلاء الإسلاميون على الساحة، بوصفهم المقاتلين الأكثر جرأة، وكان نجاحهم سببا في اجتذاب المزيد من الدعم. ويصر الأتراك والقطريون على أنهم لم يدعموا، عن قصد، جبهة النصرة المتطرفة أو «داعش».

ولكن الأسلحة والأموال التي قدموها إلى ألوية إسلامية أكثر اعتدالا شقت طريقها لتقع في أيدي هذه الجماعات الإرهابية، وتغاضى الأتراك والقطريون عن الأمر.

من جهته، لفت مصدر استخباراتي عربي إلى أن «غرفة العمليات كانت عبارة عن فوضى»، وأوضح أنه حذر مسؤولا قطريا من هذا الأمر، وأجاب قائلا: «سوف أرسل أسلحة إلى تنظيم القاعدة إذا كان من شأن هذا أن يساعد» في الإطاحة بنظام الأسد. وفي سياق متصل، قال المصدر الاستخباراتي العربي: «الجماعات الإسلامية أصبحت أكبر وأكثر قوة، بينما يصبح الجيش السوري الحر، يوما بعد يوم، أكثر ضعفا».

أسست تركيا، التي تطمح إلى المزيد من السيطرة على الجبهة الشمالية، مركزا جديدا للعمليات العسكري في أنقرة يُطلق عليه اسم «موم» (MOM) استنادا إلى الحروف الأولى من اسمه التركي. وحتى هذه اللحظة، لا يزال هذا المركز العسكري يحاول التنسيق بين أنشطة الثوار، ولكن يُعد هيكل القيادة ضعيفا.

وقال المصدر الاستخباراتي: «الجيش السوري الحر ليس مستعدا بعد للسيطرة على الأرض». ولكن تعكس الفوضى داخل صفوف الجيش السوري الحر الفوضى الأكبر للقوى الخارجية التي تمول المعارضة. وإلى أن ينسقوا العمل معا كما ينبغي، سوف تستمر الفوضى في سوريا.

* خدمة «واشنطن بوست»

صحافي وروائي. وهو محرر مشارك وكاتب عمود في صحيفة “واشنطن بوست”. كتب ثمانية روايات، بما في ذلك الجسم من الأكاذيب.

الشرق الأوسط

 

 

من ثورة الخميني إلى ثورة “داعش”/ حازم صاغية

في 1948 ولدت إسرائيل. هذه الدولة الغريبة هزّت مفاصل المنطقة، لكنّها لم تقض على الدول القائمة وعلى خريطتها كما ارتسمت بعد الحرب العالميّة الأولى. هكذا، وعلى رغم العداء المتبادل والحروب، اندمجت إسرائيل، ولو اندماجاً ضدّيّاً، في نظام المنطقة العريض.

في 1958 قامت الوحدة المصريّة–السوريّة بزعامة عبدالناصر. لكنّ هذه الوحدة بدل أن تُسقط الحدود وخريطة «دول التجزئة»، سقطت هي نفسها قبل أن تحتفل بعيد ميلادها الرابع. لقد لفظتها خريطة كانت تملك من أسباب القوّة ما لا يُبديه الظاهر دائماً. وكاستطراد على انهيار الوحدة، اندلعت في اليمن «الحرب الأهليّة العربيّة الأولى»، على ما سمّاها البعض، ولم تسقط الخريطة ولا انشقّ اليمن.

في 1967 كان الحدث المزلزل: ثلاث دول عربيّة، في عدادها مصر الناصريّة، تنهار أمام الدولة العبريّة. الأمر لم يستغرق أكثر من ستّة أيّام احتُلّت فيها الضفّة الغربيّة وسيناء والجولان. مع هذا لم تُمزّق الخريطة فيما توافق العالم على أنّ الاحتلال ناشز، وأنّ الطبيعيّ عودة ما احتلّ إلى أمّه الخريطة.

وفي 1975، وبعد خمس سنوات على تمرين أردنيّ–فلسطينيّ عابر، افتتح اللبنانيّون والفلسطينيّون زمن الحروب الأهليّة المفتوحة التي استدرجت أطرافاً لا حصر لها، جيوشاً محتلّةً ومالاً وسلاحاً ومخابرات. لكنّ لبنان لم يُقسّم، وما بين 1982 و2000 مكث سكّانه ينتظرون إدراج أراضيه المحتلّة داخل خريطته.

نجاة الدولة العربيّة القائمة وصون خريطتها لم ينجما عن أيّ تماسك مزعوم للمجتمعات العربيّة، ولا عن رغبة في الحياة المشتركة يصعب الاستدلال عليها. لقد كانت الحرب الباردة السبب الأهمّ في تلك النهايات السعيدة التي كانت تتلو اقتراب الدول من هاويتها. فالغرب والشرق أرادا لعقود مديدة أن يقتصر التغيير على الأنظمة وألاّ يطاول الحدود. ولم تستطع عدالة القضيّتين الكرديّة والفلسطينيّة أن تضمن لأيّ من الطرفين دولة تخترق الخريطة المعصومة. وقد تعدّى هذا المبدأ منطقتنا إلى مناطق أخرى كنيجيريا، حيث لم يُفض تمرّد بيافرا، أواسط الستينات من القرن الماضي، إلى انفصال. أمّا في الجوار الأقرب كقبرص، فقد حيل بين التقسيم الفعليّ الذي قام أواسط السبعينات والتقسيم الشرعيّ الذي استُبعد.

مع انتهاء الحرب الباردة، وقبيل اندلاع الهويّات الصغرى والأوّليّة، جرّب صدّام حسين حظّه بغزو الكويت. لكنّ المحاولة الخرقاء في بداياتها جاءت خرقاء في نتائجها أيضاً. وبدا بالفعل أنّ كسر الخرائط، حتّى بعد انتهاء الحرب الباردة، يتطلّب ما هو أكثر من خفّة صدّام. إنّه يتطلّب مهابة آية الله الذي شكّلت ثورته قاطرة الردّ الأهمّ على «استقرار» الحرب الباردة.

فثورة الخميني التي زيّنت لنفسها أنّها تشقّ «طريقاً ثالثاً»، كانت أكثر ما لم تحتمله خريطة المنطقة، وهي شكّلت أقوى المعاول في تصديعها. لقد استفزّها صدّام بخفّة سبقت خفّته الكويتيّة فردّت بحزم أكبر في تصدير ثورتها الذي التحم بالأوضاع العصبيّة والأهليّة لمحيطها المجاور. هكذا تغيّر لبنان تغيّراً عميقاً في ظلّ الوصاية السوريّة و «حزب الله»، ويتغيّر اليمن الذي قد ينفرط على أيدي الحوثيّين، كما تغيّر العراق الذي باتت تنفر خرائطه الفرعيّة من خريطته الجامعة، فيما ابتلع الانقسام الأهليّ في البحرين مطالب التغيير العادلة. ومن استفزاز العالم السنّيّ بما ترتّب على ثورة الخميني إلى «داعش» بوصفها، بين أمور أخرى، استفزازاً للاستفزاز، صارت الخريطة لوحة حبر يزيله أيّ ماء.

وكلام كهذا ليس صادراً عن عداء شوفينيّ لإيران، وهو ليس تفسيراً تآمريّاً يغضّ الطرف عن أسباب الانهيار العميق في أنسجتنا الوطنيّة، كما أنّه ليس بالضرورة لطماً ونواحاً على مصير تلك الدول أو حكم قيمة سلبيّاً على ذاك المسار. فإيران الخمينيّة ربّما كانت أداة تاريخ يصعب تأجيل انفجاره إلى ما لا نهاية. لكنّ ثورتها تبقى أكثر ما لم تستطع المنطقة هضمه على مدى قرن هو عمرها.

الحياة

 

 

 

وبايدن أيضاً بعد أوباما!/ الياس حرفوش

يروي السفير الأميركي السابق في دمشق روبرت فورد في مقال نشره قبل يومين في جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية أنه للمرة الأولى منذ انطلاق الثورة السورية قامت جماعات من المعارضة المعتدلة نهار الجمعة الماضي بإحراق العلم الأميركي خلال إحدى تظاهراتها التي خرجت احتجاجاً على قصف الطائرات الأميركية مواقع المعارضة في شمال سورية، بينما تجاهلت هذه الطائرات مواقع النظام في حملتها على ما تسميه الحرب على الإرهاب في سورية.

كيف انتهى الأمر بمقاتلي المعارضة السورية إلى إحراق علم البلد الذي كانوا يعتبرونه حليفاً بعد أن وعدهم رئيسه في أكثر من مناسبة بإنقاذهم من النظام الذي قتل عشرات الآلاف منهم ودمر الجزء الأكبر من بلدهم؟

هؤلاء المعارضون لا يمانعون أن تقصف الطائرات الأميركية مواقع «داعش»، التنظيم الذي سرق ثورتهم وشوّه أهدافها، نتيجة الجرائم والأعمال الوحشية التي يرتكبها. اعتراضهم ليس على القضاء على هذا التنظيم، لكنهم يعترضون على حالة العمى التي أصابت إدارة باراك أوباما. فهم لا يجدون فرقاً بين أعمال التهجير والذبح التي يرتكبها تنظيم «داعش» في مناطق نفوذه وتلك التي ارتكبها النظام السوري ولا يزال في حق معارضيه. ما هو الفرق، في نظر هؤلاء، بين ذبح عامل الإغاثة البريطاني آلان هيننغ بسكين أحد مقاتلي «داعش» الذي قيل إنه «الجهادي جون» البريطاني الجنسية، وذبح الشاب السوري إبراهيم قاشوش واقتلاع حنجرته ورمي جثته في نهر العاصي بعد تشويهها؟ وما الفرق بين إقدام إرهابيي «داعش» على تهجير المسيحيين والإيزيديين والشيعة وسواهم من الأقليات من مناطق نفوذ التنظيم في شمال العراق ومن المناطق السورية ذات الغالبية الكردية المتاخمة للحدود التركية وما يقوم به النظام السوري من أعمال تهجير على أوسع نطاق لسكان المناطق المعارضة، الذين بات عددهم يقارب ربع الشعب السوري، في أقل تقدير، والذين أصبحوا لاجئين في المخيمات أو في العراء، وعبئاً على دول وشعوب الجوار، في لبنان وتركيا والأردن وسواها؟

بحّت أصوات كثيرة، من قادة وسياسيين ومعلّقين من مختلف دول المنطقة، منذ بداية الأحداث في سورية في ربيع العام 2011 وهي تدعو إدارة أوباما إلى حزم أمرها ومساعدة حكومات هذه الدول ودعم المعارضة السورية بما يلزمها لوقف جرائم النظام السوري. يومها لم يكن في صفوف المعارضة «داعشيون» أو «جبهة نصرة». كانت الأكثرية من الضباط والجنود الذين انشقوا عن الجيش النظامي وأرادوا قيام نظام في بلدهم يحمي حقوق أبنائه على اختلاف اتجاهاتهم الحزبية وانتماءاتهم الدينية والمذهبية، نظام يضع حقوق المواطنة فوق حقوق الطائفة، على عكس ما هي الحال في «سورية الأسد».

هؤلاء المعارضون المعتدلون الذين كانوا يطمحون إلى قيام سورية جديدة على أنقاض نظام القمع الطائفي هم الذين لم يجد أوباما أوصافاً لإهانتهم سوى قوله عنهم إنهم «مجموعة من الأطباء والمزارعين والصيادلة السابقين وما إلى ذلك…» وعندما انتهى أصحاب المهن «الحقيرة» هؤلاء (في نظر أوباما) إلى الفشل، حلّ محلهم السفاحون والإرهابيون الذين كانوا هم أيضاً في نظر أوباما «فريقاً من الهواة» قبل أن ينتبه أو ينبّهه من حوله إلى حجم الخطر الذي أخذ يشكّله هؤلاء «الهواة» على أمن المنطقة وأمن البشرية بأسرها.

الآن يلقي أوباما وإدارته مسؤولية فشل سياساته وتخبّطها في المنطقة على دول المنطقة نفسها، رغم أن المسؤولين فيها لم يتوقّفوا عن تحذير هذه الإدارة من أخطار ما تفعله على الأمن الإقليمي والعالمي. وإذا بنائب أوباما، جوزف بايدن، يتحفنا خلال لقاء مع طلاب جامعة هارفارد باتهام تركيا والإمارات والسعودية بتمويل تنظيم «داعش» وتسليحه. كيف ينتهي أمر الدولة العظمى برجل في موقع نائب رئيسها إلى إطلاق تهم لا يردّدها سوى الجَهَلة وأصحاب النيات المشبوهة، ومن منبر إحدى أرقى جامعات العالم؟ سؤال لم يعد مستغرباً طرحه في زمن هذه الإدارة، التي تتجاهل أن تمويل «داعش» وتسليحه، في العراق كما في سورية، يتم بأسلحة وأموال أميركية، وصلت إلى البغدادي من مخازن نوري المالكي بعد أن انسحبت قواته الشيعية ورفضت حماية المناطق السنّية، لأنها ليست مسؤولة عنها (!)، ومن منابع النفط في الشمال السوري التي تخلّى عنها جيش الأسد أو عجز عن حمايتها.

الحياة

 

 

 

سكين للأكراد!/ امين قمورية

نال الجيش التركي من مجلس النواب التفويض الذي أراده للتدخل العسكري في العراق وسوريا… لكنه لم يحرك قطعة عسكرية واحدة خلف الحدود!

المجزرة في حق الأكراد في عين العرب (كوباني) مستمرة على مرأى من جنود السلطنة الجديدة… ومع ذلك فإن انقرة التركية لم يحركها نزف الدم الكردي!

الجلسة النيابية التركية جاءت على خلفية الخطر الداهم لـ”داعش” وبناء على انضمام بلدهم الى الائتلاف الدولي ضد هذا التنظيم… غير ان الناطق باسم الحكومة أصرّ في الجلسة على ان الخطر في سوريا ومنها مصدره نظام دمشق الذي تسبب بالحرب الأهلية والارهاب اللذين بدورهما أنجبا “داعش”!

أنقرة تترك الاكراد يذبحون على حدودها، وفي الوقت نفسه تستعد لإعلان منطقة حظر طيران آمنة شمال خط العرض 36 تشمل حلب التي يستميت النظام السوري لاستعادتها… وكأن هذا الاعلان موجه ضد دمشق وليس ضد “داعش” التي يفترض انها هدف الحرب الجديدة!

إذاً، ماذا تريد أنقرة في سوريا؟

حتما، هي لا تحبذ رؤية القوى الكردية السورية تغتنم فرصة ظهور فراغ جغرافي واستراتيجي في المناطق التي سيخليها “داعش” بالقوة، لملئه والتحضير لإقامة كيان فيديرالي في كردستان الغربية على غرار كردستان العراق يمهد لقيام كردستان الكبرى. انقرة لا تريد ان يزهر “الربيع الكردي” على حساب مصالحها، حتى لو كان الثمن مأساة جديدة للأكراد. كذلك هي تعرف ان لا قدرة ايضا للمعارضة السورية مهما قوي ساعدها على ملء هذا الفراغ، وتاليا، هي الاقدر على ملئه في الوقت المناسب وبعد اضطرار الجميع الى مناشدتها انقاذهم من شر “داعش” والنظام معا ولاسيما منهم الأكراد.

منذ اكثر من اربع سنوات اقحمت تركيا أوراقها في لعبة تقاسم النفوذ والبحث عن دور في المنطقة… احترق الكثير من هذه الاوراق بسبب الرهانات الخاطئة حينا والتكابر والاخطاء القاتلة احيانا اخرى. خسرت الكثير في مصر وتونس وهي في عداد الخاسرين الآن في اليمن بطرد حليفها “الاخواني” في حزب الاصلاح. ومع ذلك، تحاول ان تركب موجة “داعش” (المتهمة بالمشاركة في صنعه) لاستعادة ما خسرته في العراق وسوريا… ولكن هل تسلم جرتها هذه المرة ام ان الجرة ستكسر على رأس الجميع بما فيهم رأسها؟

السلوك الملغوم والمفخخ لـ”الفاتح العثماني” الجديد ليس من شأنه الا إبعاد الاصدقاء من حوله وتكتيل الخصوم ضده… لكن اللعنة في هذا الشرق المشؤوم، ان خلو الساحات من الدور العربي الوزن، أفسح للإيرانيين في ملء نصفها حيث تطاول ايديهم عقائديا وسياسيا، وأعطى الاتراك فرصة تكرار تجاربهم الفاشلة مرات ومرات لملء ما يعتقدون انه ملعبهم الطائفي.

النهار

 

تحالف داعشي – دولي!/ راجح الخوري

اذا كانت استعادة الموصل من “داعش” تحتاج الى سنة على ما يقول الجنرال جون آلن منسق عمليات التحالف الدولي ضد التنظيم الإرهابي، فقد يصل ابو بكر البغدادي وجماعته الى واشنطن في خلال هذه المدة، وخصوصاً مع العراقيل التي تواجه تأمين القوات التي يفترض ان تتصدى للإرهابيين على الأرض .

ثمة اجماع على ان الغارات لن تحسم المعركة، وخصوصاً بعدما فقدت اميركا وشركاؤها عنصر المفاجأة ما أتاح للإرهابيين النزول تحت الارض، وهناك قرار في واشنطن والعواصم الأوروبية بعدم المشاركة بقوات برية، وهذا يتطلب مزيداً من الوقت لتأمين قوات عراقية سواء من الجيش او من مقاتلي العشائر السنّية في الأنبار، إضافة طبعاً الى قوات كافية من البشمركة لمواجهة “داعش” !

في سوريا يبدو الوضع اكثر تعقيداً، ذلك ان الأميركيين أمضوا سنتين لتدريب لواء من خمسة آلاف مقاتل من “الجيش السوري الحر” في الأردن، في حين يقول آلن ان هناك حاجة الى ١٥ ألف مقاتل لمواجهة “داعش” وتعبئة الفراغ الذي يتركه تراجع الارهابيين بدلاً من ان يقوم الاسد بتعبئته، ثم ان مبلغ الـ٥٠٠ مليون دولار التي رصدها الكونغرس لتدريب هؤلاء وتسليحهم لن تصرف قبل سنة ٢٠١٥ !

كل هذا يدعو الى الانتباه الى ان مسار الميدان العسكري لم تؤثّر فيه الغارات الجوية كثيراً. صحيح انها أصابت مواقع عسكرية ومراكز نفطية للإرهابيين، لكن ها هو فريديريك هوف المستشار المستقيل لباراك اوباما يقول ان “داعش” يمكن ان تجتاح بغداد، وخصوصاً انها تقف على مسافة كيلومترين منها، وها هو حيدر العبادي يعارض مشاركة المقاتلات العربية في العمليات فوق العراق نزولاً طبعاً عند الموقف الايراني، ويماطل في التشكيلات العسكرية التي يفترض ان تقوم بالمواجهة في المناطق السنّية، على خلفية ما يسميه آلن الرغبة في تشكيل ضباط من “غير الملوثين بالمالكي”!

الموقف التركي الذي سبق ان برز في قول رجب طيب اردوغان ان مدينة كوباني الكردية خط احمر تراجع امس الى مستوى تحذير “داعش” من اجتياح مزار سليمان شاه مؤسس الأمبراطورية العثمانية، اما الأكراد الذين وصلوا من العراق لدعم اخوتهم في كوباني فقد منعتهم القوات التركية مستعملة القنابل المسيلة للدموع، في حين باتت المدينة مهددة بالسقوط والمذابح .

المثير ان الدواعش في العالم يقرعون النفير لخلق تحالف بينهم، يواجه التحالف الدولي الذي تحدث عنه اوباما، فها هي حركة “طالبان” تدعم “داعش” وتعد بمدّها بالمقاتلين، وها هي بؤر ارهابية كثيرة في المغرب العربي تعلن تأييدها لـ”الدولة” الاسلامية”، وآخرها كتيبة عقبة بن نافع على الحدود الجزائرية – التونسية، والملاحظ ان دينامية الارهابيين تتقدم دينامية الحرب على “داعش”، وهو ما يطرح كثيراً من الشكوك والتساؤلات .

النهار

 

 

الصراع على “السنّة”/ ماجد كيالي

ثمة استسهال في الحديث عن “السنّة”، ومبالغات وتعميمات، وصلت حد قيام البعض بتبرير ظهور “داعش” باعتبارها ردة فعل على شعور الجماعات السنيّة بالمظلومية. وعدا عن اعتبار هذا التنظيم ظاهرة طبيعية، نشأت ضمن سياق تاريخي ومجتمعي وسياسي معين، وهذا غير صحيح باعتقادي، فإن هذا الحديث ينطوي أيضاً على إشكاليات عديدة، فضلاً عن أنه يخضع لتوظيفات سياسية مختلفة.

من حيث الإشكاليات، يبدو مجافياً للواقع الحديث عن “السنّة” كطائفة، لسبب بسيط مفاده أن المنتمين الى هذه الطائفة لايعرّفون أنفسهم على هذا النحو، فهم تاريخياً لم يختصروا هويتهم بالطائفة أو بالدين، كونهم لم يتعرضوا لاختبارات تفرض ذلك، وبالنظر الى شعورهم كغالبية وأنهم بمثابة الشعب ليس بالمعنى الحصري وإنما بالمعنى الرمزي. فوق ذلك فإن “السنّة” لايتأطرون كطائفة، أسوة بالطوائف الأخرى، سواء كانت إطارات دينية، أو سياسية. مثلاَ، لايوجد تراتبية، ولا مرجعية، دينية، عند “السنة” مثل التي عند “الشيعة”، أو عند الطوائف المسيحية؛ فلا الأزهر استطاع ذلك، ولا أية مؤسسة أخرى.

في السياسة ثمة مركزان، ان صح التعبير، حاولا تزعم “السنّة”، وهما الحركة “الوهابية”، لاسيما بعد أن باتت عقيدة لدولة، وحركة “الإخوان المسلمين”. لكن هاتين الحركتين أخفقتا في ذلك، بدليل التحولات الحاصلة أخيراً، في مصر وتونس. أما منظمة “القاعدة”، فهي لم تنجح في التحول حركة شعبية، لكونها كحركة دينية متزمتة وعنيفة، لاتتلاءم مع تقاليد التدين السنّي الوسطي والمعتدل. أما بالنسبة لـ “داعش”، فربما يكفي القول أن أكثر ضحاياها كانوا من “السنة”، وأنها لم تجد لها حاضنة شعبية في سوريا، وأن أول من واجهها، ودخل في صراع دام معها، هم جماعات “الجيش الحر” والقوى الإسلامية الأخرى. طبعاً، يمكن قول أشياء أخرى عن واقع التعددية والتنوع عند جمهور “السنة”، الذي تشكلت منه القاعدة الأوسع لمعظم التيارات القومية واليسارية في العالم العربي.

اما لجهة توظيف الحديث عن “السنة” فهو ينبع من جهتين، الأولى، من بعض التيارات الإسلامية التي تظن انها بذلك تستثمر في مناخات “الربيع العربي” لتعزيز مكانتها، من طريق الادعاء بمظلومية “السنًة”، ومحاولة تمثيلهم، رغم أن ذلك يتعارض مع الطابع الوطني والسياسي للحراكات الشعبية، ويظهرها كمجرد تحركات طائفية، ودينية، وهو أمر غير صحيح ومضر.

والثانية، تتأتى من إيران والقوى المحسوبة عليها، والتي تجهد لتغطية طابعها الطائفي، وطمس الطابع السياسي لما يجري في سوريا والعراق، وتصويره على انه مجرد تحرك لقوى طائفية ولجماعات إسلامية سنية متطرفة. وبالطبع فإن ظهور “داعش” ساهم في تعزيز هذه الرواية، رغم انه نشأ بعد عامين من اندلاع الثورة السورية.

 

 

 

عين العرب على تركيا وعين اردوغان على الأكراد/ د. عصام نعمان

عيون السوريين، عرباً وكرداً، تتركّز هذه الأيام على مدينة «عين العرب» (كوباني) الكردية في شمال سوريا. مقاتلو «داعش» اخترقوا دفاعاتها، وأهاليها يستميتون في الدفاع عنها. اجتياحها ليس ضربة مؤلمة لسوريا العربية فحسب بل للشعب الكردي في كل مكان ايضاً. حزب العمال الكردستاني أعلن النفير العام مستنفراً الأكراد في تركيا وسوريا والعراق لنصرة «عين العرب» وانقاذها. زعيمه عبد الله اوجلان أكد في بيان من سجنه في جزيرة ايمرالي « انه إذا نجحت محاولات تنظيم «داعش» في الاستيلاء على المدينة وارتكاب مجزرة فيها فان ذلك يعني انتهاء محادثات السلام مع تركيا».

إذا كانت عيون السوريين والأكراد مركّزة على «عين العرب» فان عين رجب طيب اردوغان مركّزة على سوريا ولاسيما على أكرادها في شمالها الشرقي المتعاطفين مع أكراد ديار بكر في جنوب شرق تركيا . اردوغان لم يخفِ يوماً عداءه لبشار الأسد ورغبته في إزاحته. السبب؟ لان الرئيس التركي «إخواني» متعاطف مع الإخوان المسلمين السوريين ، انصاره المفترضين في تحقيق حلمه العثماني، ولان أكراد سوريا يناصرون النظام في وجه المعارضة السورية المسلحة التي فتح لها اردوغان حدود بلاده لدعمها بالرجال والسلاح والعتاد.

مع صعود تنظيم «داعش» وإعلانه «دولة الخلافة الإسلامية» بين نهري دجلة والفرات في سوريا والعراق، وقيام الولايات المتحدة بحشد حلفائها في «تحالف دولي» لمواجهة «الإرهاب»، أدرك اردوغان ان واشنطن جادة في إعادة رسم الخريطة السياسية للمشرق العربي وان الفرصة حانت ليشارك فيها بغية انهاء المشكلة الكردية في بلاده على حساب سوريا والعراق.

زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كاليتشدار أدرك مبكراً اغراض غريمه اردوغان . فقد رفض تأييد «مذكرة الحرب» بشان تفويض الجيش التركي دخول أراضي دولٍ اجنبية . قال ان هذا التفويض يُراد من ورائه النظام السوري، وان لا منطق في إدخال جنودنا إلى أراضي دول في الشرق الاوسط نعرف سلفاً انه مستنقع …

«داعش» لم يعبأ بإجازة البرلمان التركي دخول جيش اردوغان إلى سوريا ربما لانه متأكد من انه لن يتدخل ضده.

لو كان يخشى فعلاً من تدخل تركيا ضده لما هاجم «عين العرب» . حتى لو تدخّل الجيش التركي فان ذلك سيكون بالتنسيق معه. لمإذا ؟ لان لتركيا كما لـِ «داعش» عدواً مشتركاً هو «وحدات حماية الشعب الكردي»، حليفة النظام السوري في مقاومة المعارضة المسلحة بمعتدليها ومتطرفيها ، أو ربما من أجل تبرير إقامة المنطقة العازلة التي يريدها.

ثمة تواطؤ ،إذا، بين انقرة و»داعش» . تواطؤهما يشمل ، على ما يبدو، الولايات المتحدة ايضاً . ذلك ان غاراتها الجوية على قوات «داعش» المدرعة التي تهاجم «عين العرب» غير مؤثرة البتة. ناطق باسم أكراد المدينة المدافعين عنها وصفها بانها «غارات استعراضية». من الواضح ان واشنطن ليست ضد انقرة في تعاطيها السلبي، واحياناً الوحشي، مع أكراد تركيا. هي فقط ضد المسّ بأكراد كردستان العراق حيث لها استثمارات ومصالح كبرى. ألم تبقَ ساكنة طوال ثلاث سنوات من الحرب في سوريا وعليها، حتى بعد سقوط الموصل في أيدي مقاتلي «داعش»، ولم تتحرك إلاّ بعد ان توجّه هؤلاء نحو اربيل، عاصمة كردستان العراق؟

استهداف سوريا يبدأ بمحاولة اقتطاع منطقة عازلة في شمالها الشرقي بغية ضرب أكرادها ومنعهم من إقامة حكم ذاتي في محافظة الحسكة مخافةَ ان تنتقل عداوه إلى منطقة ديار بكر التركية المجاورة . خطوة كهذه خطيرة وغير مأمونة العواقب:

– سوريا ستعتبرها عدواناً ومسّاً بسيادتها وقد تردّ بعنف .

– ايران ستعتبرها عدواناً ايضاً وقد تردّ في العراق أو على الحدود الشرقية لتركيا.

– روسيا سترفضها بالتأكيد وقد تبادر إلى الإعلان عن تزويد سوريا بأسلحةً متطورة للدفاع الجوي من طـــراز 300-S قـــادرة عــلى إسقاط اكثر الطـــائرات الأمريكية تــــوراً التي تملـــكها تركيا و»اسرائيل».

إلى ذلك ، سيُضطر أكراد العراق ، ازاء انفجار الأزمة الكردية مجدداً داخل تركيا ، إلى دعم أخوتهم الأكراد في تركيا وسوريا . موقفهم المنتظر هذا يقرّبهم من عرب العراق ما يؤدي إلى ابتعاد حكومة بغداد عن الولايات المتحدة والتقرّب من روسيا.

أكثر من ذلك ان تدخل اردوغان «الاخواني» في سوريا سيستفز مصر السيسي المعادية للإخوان المسلمين، وقد تجرّ معها السعودية ودول أخرى في الخليج إلى مواقف سلبية من تركيا.

باختصار، الولايات المتحدة ستكون محرجة بالتأكيد إذا ما ركب اردوغان رأسه وقام بتحركات مؤذية لسوريا مباشرةً ولإيران وروسيا مداورةً . لذلك ستحسب واشنطن خطواتها بدقة متناهية لان من شان أي «دعسة ناقصة» ان تؤجج حرباً باردة قابلة للتحوّل ساخنة مع روسيا وايران، وربما تؤدي لاحقاً إلى خروج مصر من مدار واشنطن ناهيك عن خروج العراق ايضاً …

٭ سياسي وكاتب لبناني

القدس العربي

 

 

 

تركيا وأمريكا وتنظيم الدولة… خيار واشنطن المزيد من الضربات الجوية التي لا تغير شيئا/ يمن خالد

هناك عملياً ثلاث نظريات لحل أزمات المنطقة والشرق الأوسط، ويمكن استعراض أبرز ملامح الحلول المفترضة.

الحل الأمريكي: هو مجرد رؤية مفروضة على شركاء الحرب معها، وهي رؤية تقوم على إعلان حرب طويل الأمد يستمر لعشر سنوات والهدف منه ليس التخلص من تنظيم الدولة بل تحقيق منافع وأهداف اقتصادية ضخمة، قد ينتج عنها وفق العقل الأمريكي تبدلات جغرافية على الأرض لكن التعامل مع النتائج من الان هو أمر مؤجل والمطلوب فقط القيام بتشكيل تحالف الديناصورات مع صغار المخلوقات، يقوم بموجبه النظام العربي الرسمي والأكراد بدفع فواتير الحرب لعشر سنوات من المال والرجال، وستنتهي هذه الحرب بدمار كامل للبنية التحتية العربية وستمنع أي نهضة اقتصادية للمنطقة أو ستوقف عجلتها لان توريط دول خليجية ليست ذات بنية أمنية قوية قد تواجه انتقام تنظيمات إسلامية، يعني الإضرار بالاقتصاد العربي بعمومه، وعودة العرب لمربع تقديم النفط مقابل بقاء الانظمة.

الرؤية التركية: وتقوم على قيام شريط عازل في الأراضي العراقية والسورية، ووظيفة هذا الشريط في العراق تطويق حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية لمنع وصول السلاح إليه، ووضع الأكراد أمام خيارات الحلول السياسية فقط، وهو أمر ترى فيه تركيا انه سيحد من شبح الحرب وعودتها في تركيا ويضع الجميع في مواجهة الحل السياسي، من أجل بقاء تركيا مثل أي أمة كبيرة تضم قوميات عديدة، مثل بريطانيا واسبانيا وغيرها. وبالتالي تريد تجفيف مسببات الحرب، لمنع قيام حرب مستقبلية، وأما المنطقة العازلة في سوريا، فالهدف منها حماية مئات الآلاف من الأكراد أولا، خصوصا الذين تركوا أكثر من مئة قرية ومدينة وتحولوا إلىنازحين، فبمجرد القبول الدولي بهذا الشريط سيعيدهم إلىقراهم الحدودية وسيسمح هذا الشريط بإقامة مخيمات للاجئين السوريين داخل سوريا، وسيضع المنظمات الدولية وكافة الانظمة في العالم أمام مواجهة حقيقية لإغاثة اللاجئين السوريين وحمايتهم، وبقاء ارتباطهم في وطنهم.

هذه الخطة تلاقي معارضة أمريكية قوية، لان الأمريكان لا يريدون حماية المدنيين الأكراد وانما يريدون استمرار زجهم في الصراع للاستفادة منهم كقوة عسكرية تقاتل لعشر سنوات ضد تنظيم الدولة لان الأطراف السورية في المعارضة السورية ليست موضع ثقة أبدا، فالأمريكان يتخيلون ان معظم المعارضة السورية ستقف في المستقبل إلىجانب تنظيم الدولة، وبالتالي يتخيلون ان الأكراد وحدهم هم المؤهلون للقتال على الارض وبقاء الحرب مفتوحة.

الأمريكان يريدون استمرار الأزمة السورية لسنوات طويلة، لانها مدخل خراب العالم العربي ومدخل استمرار بيع السلاح وتدفق الأموال العربية على الغرب، وأما وجود منطقة منزوعة السلاح من طرفي الصراع في سوريا فسيعمل على تسريع الحلول السياسية، وانهاء حلم الأمريكان باستمرارها.

رؤية تنظيم الدولة الإسلامية: هذا التنظيم نشأ بشكل طبيعي في بيئة محلية مليئة بالظلم والسبب الأول لنشوء هذا التنظيم هي الانظمة الرسمية، ثم المؤسسة الدينية العربية، والتي هي مؤسسة ظلت ولا تزال تقف مع الظلم ولم تأخذ دور الحياد، هنا من الطبيعي جدا ان يشكل الشباب العربي منظمة تواجه الانظمة والمؤسسة الدينية العربية، وهذا الشباب يقاتل حتى الموت لانه اصلا لا يملك خيارات الحياة في العالم العربي، وبما اننا في جغرافيا معقدة، وفي بيئة حاضنة لتنظيم الدولة، فالحرب كشفت نتائجها منذ الان، فهزيمة القوى العسكرية الكردية أسقطت أول عامل في حسابات الأمريكان، ووجود الصحوات في العراق وما يجري إعداده من صحوات في سوريا، كلها لا تطيل أمد الحرب، وسيبقى خيار الأمريكان المزيد من الضربات الجوية التي لا تغير في المعادلة شيئا.

وسيكتشف الأمريكان متأخرين ان مشروعهم لانهاء تنظيم الدولة الإسلامية، زاد من مساحة حدود هذه الدولة، وستكتشف الدول العربية المشاركة في الحرب انها وحدها تواجه خطر المتشددين المحليين الذين سيعملون على تشكيل حالات داخلية، لان كل معارضة عربية قادمة، سيكون تنظيم الدولة قدوة لها، فالقانون يقول إياك ان تذهب إلىالحرب إذا كنت لن تعود منها بطلا، فالجميع سيلتهمونك وانت عائد في الطريق.

٭ كاتب فلسطيني مقيم في تركيا

أالقدس العربي

 

 

 

 

«عين العرب»… هل الغارات «حرث في بحر» داعش؟

رأي القدس

ارتفعت رايات «داعش» السوداء لاول مرة امس في شرقي مدينة عين العرب او كوباني السورية على الحدود مع تركيا بعد معركة استمرت ثلاثة أسابيع، وسط توقعات بمجازر وحرب شوارع بين قوات التنظيم والمسلحين الاكراد.

والى جانب الاهمية الثقافية لعين العرب التي هي مركز منطقة تاريخية هامة في سوريا، تنتشر فيها الاوابد الأثرية التي تعود لحضارات آرامية و آشورية قديمة، فقد اكتسبت اهمية رمزية واستراتيجية، باعتبارها اول اختبار لمدى قدرة التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة على منع «داعش» من توسيع «دولته» عبر الحملة الجوية فقط.

وعلى الرغم من ان غارات التحالف لم تتوقف عن استهداف قوات التنظيم المنتشرة في شرق المدينة وجنوبها طوال الاسابيع الماضية، الا انها فشلت حتى الان في انقاذ المدينة التي اضطر اغلب سكانها الى الهروب تحت القصف المدفعي من «داعش» الى الحدود التركية القريبة. ولا شك ان نجاح «داعش» في الاستيلاء على عين العرب سيمثل دفعة معنوية لقواته في مختلف الجبهات، كما انه سيثير اسئلة صعبة بشأن ما اذا كان من الضروري اجراء مراجعة لـ «استراتيجية اوباما» التي تعتمد على الهجمات الجوية مع استبعاد ارسال قوات برية غربية الى العراق وسوريا.

ومن بين الاسئلة المشروعة التي سيتعين على التحالف ان يجيب عنها قريبا، كيف سينجح في مهاجمة قوات «داعش» المتمركزة داخل مدن او تجمعات سكنية ان كان فشل في تحييد تلك التي كانت تتمركز في الصحراء خارج عين العرب؟

وحسب تصريحات للمتحدث باسم البنتاغون جون كيربي قبل عدة ايام، فان «طائرات التحالف استطاعت رصد العديد من القواعد العسكرية ومخازن الاسلحة التابعة لـ «داعش» لكنها لم تستطع ان تستهدفها تجنبا للخسائر البشرية الكبيرة»، وهو ما لا يصدقه قطعا خطيب الفلوجة الشيخ حميد الجميلي الذي اعتبر الجمعة الماضية ان الغارات الجوية التي يشنها التحالف بدعم من حكومة بغداد اصبحت تشكل «نوعا من الابادة الجماعية لأهل السنة» في غرب العراق.

وربما يجد الشيخ الجميلي سندا لزعمه في حادثة القاء طيارين من القوات الجوية العراقية مساعدات غذائية بدلا من القنابل على داعش الاسبوع الماضي(..) اذ انهم ربما القوا قنابل بدلا من مساعدات على السكان في مناطق اخرى(..).

لقد أحسن «داعش» الاستعداد للغارات، اذ قام باعادة انتشار واسعة لقواته، كما ابقى راياته السوداء على كثير من المباني بعد اخلائها، ضمن خطة واسعة للخداع العسكري، تثبت حرفية قياداته الذين ينتمون الى الجيش العراقي السابق.

ولا يقتصر الفشل على الجانب العسكري بل يمتد الى الناحية الاستخباراتية التي هي الاساس الحتمي لاي حرب ناجحة، وهو ما كشف عنه اعتراف مسؤول عراقي امس بنجاح ثلاثة آلاف عنصر من «داعش» في دخول محافظة الانبار، قادمين من مناطق مختلفة في سوريا والعراق، وهو ما اعتبره محقا «انتكاسة امنية كبيرة».

أما على الارض، فعلى الرغم من تعهدات رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو بـ «عدم السماح بسقوط عين العرب»، فقد اكتفت تركيا حتى الان بمراقبة ما يحدث، بعد ان وضعت قواتها القريبة من المدينة في حال الاستنفار.

وكان النظام السوري أعلن انه سيعتبر اي تدخل تركي بمثابة عدوان، فيما اشارت تقارير الى ان انقرة وضعت شروطا للتدخل بينها ان يقطع الاكراد السوريون اي صلة بالنظام، وان يتراجعوا عن اعلان منطقة حكم ذاتي، بالاضافة الى الشروط التي اعلنتها القيادة التركية من قبل، وبينها ان يستهدف التحالف اسقاط النظام، وان ينشئ منطقة عازلة على الحدود التركية السورية، وهو ما يلقي في المحصلة شكوكا على امكانية حدوث ذلك التدخل.

اما عراقيا فقد اعلن رئيس الوزراء العراقي بوضوح ان حكومته ترفض وجود اي قوات برية اجنبية، سواء غربية او عربية، لمحاربة داعش وهو ما يزيد الوضع تعقيدا.

ومع توسع غارات التحالف سواء من جهة عدد الطلعات او نطاقها او عدد الدول المشاركين فيها، يبرز السؤال المشروع ان كانت الحملة الجوية ستتحول الى نوع من «الحرث في البحر» مع استمرار «داعش» في تحقيق «الفتوحات»، او حتى احتفاظه بمواقعه؟

واذا كان التخطيط لاستعادة الموصل، التي استولى عليها «داعش» في ليلة ليلاء، سيحتاج الى عام على الاقل حسب تصريحات للتحالف، فكم من الاعوام سيتطلب القضاء على «داعش» حسب استراتيجية «اوباما» العقيمة او «العرجاء» على افضل تقدير؟

القدس العربي

 

 

 

عن “داعش” و”الأجانب” و”الدولة:/ عبد الوهاب بدرخان

لا يزال اسم تنظيم «داعش» يسبب إرباكاً في غرف الأخبار في العديد من المؤسسات الإعلامية العربية، فمنها ما اعتمد «الدولة الإسلامية»، باعتبار أنها التسمية التي خلعها التنظيم على نفسه، ومنها ما لا يزال يستخدم «الدولة الإسلامية للعراق والشام» ليبرّر بعدئذ إيراد «داعش» كإيجاز لها.

هذه المشكلة حُلّت بشيء من البساطة في الإعلام الغربي الذي سرعان ما اختصر الاسم بالحروف الأربعة الأولى (آي.اس.آي.اس.– اسلاميك ستايت اوف ايراك أند شام)، والبعض فضّل «الـ» مكان «اس» الأخيرة (ليفانت – المشرق، بدلاً من «الشام») من دون أن يشرح أسبابه، أو ربما استخرج مصطلحاً تاريخياً، علماً بأن خياراً كهذا لا يخلو من خبث سياسي، كونه يوسّع «الدولة» المزعومة الى أبعد مما طمح إليه «داعش» كأن يضم أيضاً لبنان وفلسطين، وبات شائعاً أخيراً استخدام الـ «آي.اس.» في إشارة إلى «الدولة الإسلامية»، لكن «هذه ليست دولة ولا إسلامية»، وفقاً لعبارة ترددت كثيراً في تصريحات رؤساء وسياسيين غربيين أرادوا لفت الرأي العام إلى عدم المزج بين ديانة هي الإسلام، وبين تنظيم إرهابي.

غير أن المزج حصل فعلاً، فالرأي العام لا وقت لديه للبحث والتمحيص، بل يختار أقصر الطرق ليفهم من هم هؤلاء الذين يذبحون الرهائن أمام الكاميرات، ومن أين جاؤوا بهذا التقليد، ثم أن هناك في الإعلام الغربي من يتبرع بتفسيرات سطحية ومبسّطة، وأحياناً متعمدّة الإساءة، لتظهير الإسلام والمسلمين في صورة سلبية وشنيعة.

في أحد النقاشات سأل مسؤول إعلامي غربي: ماذا تريدونا أن نسمّيهم؟ وهل هذه مهمتنا أصلاً؟ تابع مفصّلاً: نعم نعرف أنهم ليسوا دولة ولا يمثلون الإسلام، مثلما أن تسمية «حزب الله» اللبناني – الإيراني، أو جماعة «أنصار الله» اليمنية – الحوثية – الإيرانية، أو حركة «جند الله» البلوشية – السنّية – الإيرانية، وكذلك تسمية «جيش الرب» الأوغندي، أو «جيش الرب للمقاومة» في أفريقيا الوسطى، لا تعني أن الله هو من أجاز لهذا الحزب، أو ذلك الجيش أو تلك الجماعة استخدام اسمه…

واستخلص أن تجهيل الاسم، أو التلاعب به «ليسا من شأن الإعلام، فضلاً عن أنهما لا يفيدان بشيء»…

المصادفة وحدها هي التي رتّبت الحروف الأولى، وجعلت إيجاز الاسم العربي متاحاً بـ «داعش»، فصار أكثر شهرة من الأصل.

وككل اسم لا يلبث أن يتخّذ من المسمّى جسماً ومفهومه، تماماً مثل «الغطش» والبغش والإرزيز والأفكل التي تصوّر في اللامية الشنفرية حالاً إنسانية صعبة أقرب إلى حال النازحين الهاربين من ظلم الطغاة والإرهابيين، بل إن اسم «داعش» أغرى متداوليه باستخدام كلمة تبطن معنى الوحشية، وتحتمل التصرّف بها «استدعاشاً» و«دعشنةً» و«تدعيشاً»، حتى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي استلهمه للدلالة إلى مَن هو أكثر إرهاباً وبشاعةً منه، فالتقط مفاوض فلسطيني الفرصة ليقول إن بنيامين نتنياهو يدير إسرائيل كما يدير «البغدادي» ما يسمّيه «دولته». كانت هذه من المرّات النادرة التي يسمح فيها مسؤول إسرائيلي بالحديث عن الإسلام، متناسياً نظرة العالم إليه وإلى الدماء التي سفكها، والدمار الذي ارتكبه في غزّة، متناسياً أيضاً أن بعض مستوطنيه أقدموا على إحراق فتى فلسطيني وهو حي، كانت تلك أيضاً جرائم «داعشية» جداً.

في أي حال، تبقى التسمية مهمّة، فالإصرار على «داعش» إصرار على هامشية هذا التنظيم، في حين أن اسم «الدولة الإسلامية» يرنّ كما لو أنه يعني المسلمين جميعاً ورغماً عنهم، وكلما ذُكر يبدو كأنه يكسب «اعترافاً» لا يستحقه.

يكفي أن خوف الناس في مناطقه جعلهم يختصرون اسمه بكلمة واحدة «الدولة»، والأخطر أنه أصبح بالنسبة اليهم بمثابة «دولة» تملأ الفراغ الذي أخلته «الدولة» في العراق وسوريا، ومن شأن ذلك أن يشوّه المفاهيم خصوصاً إذا طال مكوثه، كما يبشّر أقطاب «التحالف» الدولي، فـ«طالبان» لا تزال هي «الدولة» عند القاطنين تحت سيطرتها، ورغم أن «التحالف» الدولي أسقط نظامها في أفغانستان، وأمضى ثلاثة عشر عاماً يحاربها، إلا أن انسحابه بنهاية هذه السنة يشعل منذ شهور التوقّعات بعودتها.

ثمة اسم آخر يترادف حالياً مع «داعش»، وهو «الأجانب»، ومن حسن الحظ أنه لم يُطلَق عليه اسم «المهاجرين» (!) طالما أنهم تركوا ذويهم وحياتهم في بلدان غربية ليلتحقوا بـ «البغدادي»، وقبل ثلاثة أسابيع خصص مجلس الأمن الدولي جلسة على مستوى رئاسي للبحث في قضية «المقاتلين الأجانب» في صفوف «داعش»، فهؤلاء يشكلون المساهمة الغربية، المتعمّدة أو غير المتعمّدة، في تصدير الإرهاب.

إنهم في غالبيتهم من العرب المسلمين، الذين ولدوا لعائلات مهاجرة، أو نموا في بيئة غربية يُفترَض أن يكونوا تجرّعوا فيها ثقافةً صلبة في «سلميّتها» وبعيدة تماماً عن الوحشية «الداعشية». اللافت أن العرب والغربيين يسمونهم حالياً «الأجانب»، فلا أحد يريد الاعتراف بانتمائهم إليه أو بمسؤوليةٍ ما ولو غير مباشرة عن صيرورتهم المنفّرة.

وإذا بـ «داعش» يعني أيضاً «اللا مكان» و«اللا انتماء»، رغم ما يبذله من جهد للتوسع الجغرافي والترسّخ بين الناس وفي الأرض.

الاتحاد

 

 

 

أنقرة: هل تتطابق حسابات المنزل والسوق؟/ سمير صالحة

باستثناء الأقلام الإيرانية والسورية أو المحسوبة على البلدين، لن يتعرض رجب طيب إردوغان وحكومة العدالة والتنمية لهجمات تذكر في الإعلامين العربي والغربي وحتى التركي المعارض في الأيام العشرة المقبلة على الأقل. ليس لأنها أيام عيد ومعايدة؛ بل لأنه بات معروفا أن أنقرة تستعد دستوريا وسياسيا وعسكريا للالتحاق بمشروع الحرب الدولية على تنظيم داعش بعدما التقى إردوغان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الذي نقل له قبول واشنطن لمعظم المطالب والاقتراحات التركية، مقابل أن يحسم الرئيس التركي موقفه ويطلق عبارة التحول في الموقف التركي «المنطق الذي يفترض أن تركيا لن تشارك عسكريا في المعارك هو خاطئ».

يبدو أن رجب طيب إردوغان نجح مرة أخرى في الجلوس أمام طاولة المعادلات والترتيبات الإقليمية الجديدة؛ فنحن قلناها منذ البداية؛ أنقرة تعرف تماما صعوبة بقائها بعيدا عن المغامرة وضرورة قبول التحدي عندما تتضح الخطط. فما الذي يدفع أنقرة، شريك الغرب وجار العالم العربي، للمغامرة بقبول «داعش» شريكا سريا لها وهي تعرف خطورة الثمن الباهظ الذي ستدفعه إذا ما قررت الوثوق بتنظيم محكوم بالزوال؟

هدف أنقرة لم يكن التهرب أو الابتعاد عن المشاركة في العمليات القتالية بقدر ما كان الحصول على الضمانات التي كانت تريدها قبل تغيير موقفها من موضوع الحرب على «داعش».

فهي قالت منذ البداية إنها لا تثق بقدرة العمليات الجوية على حسم المواجهة عسكريا، كما أنها لا تثق بقدرة المقاتلين المحليين على دفع «داعش» للاستسلام. وإنها لن تكون بعيدة عن المشاركة الفعلية طالما أنها المعني الجغرافي والعرقي الأول في منطقة حدودية تصل إلى 1250 كلم، وهي مجموع طول الحدود التركية المشتركة مع سوريا والعراق. أرادتها عملية مدروسة واضحة المعالم وتحظى بالغطاء القانوني الأممي أو الدولي الواسع، وتأييد مباشر من قبل دول المنطقة المؤثرة. وترفض أن يتحول المشروع إلى مصيدة تقحم المنطقة في نزاعات إقليمية لا تنتهي، وأن تفتح هذه الحرب الباب أمام النظام السوري للخروج أقوى في مواجهة المعارضة.

أنقرة بعد هذه الساعة لا تريد، وعند الانتهاء من العمليات الحربية، أن ترى نفسها محاصرة بالملفين السوري والعراقي، وبالمطرقة الإيرانية، والسيف الروسي، مسلطين فوق رأسها، خصوصا أن الإدارة الأميركية عودتنا المساومة على إنجازاتنا وانتصاراتنا نحن لتتقاسمها مع أعدائها قبل أصدقائها، وهذا ما تفعله مع إيران في هذه الآونة. لذلك هي طالبت منذ البداية بتحديد وإعلان الهدف الحقيقي للعملية، وتثبيت آلية التحرك، وتقاسم الأدوار والمهام بين القوى التي ستشارك في العمليات القتالية، والشفافية الكاملة في قراءة مستقبل ومسار العمليات السياسية في العراق وسوريا بعد تحرير هذه المناطق من هيمنة «داعش»، ثم حسم مسار ملف المسألة الكردية على المستوى الإقليمي قبل بروز الفراغ الجيو – استراتيجي في شمال سوريا بعد تطهير المناطق هناك من «داعش».

أنقرة قلقة أن يورطها البعض في مستنقع المعارك الحربية ثم يتركها وسط الطريق بعد إنجاز عملية «داعش»، وهي خطوة ليست مستغربة في أن تنقلب هذه العواصم مرة أخرى على تعهداتها. الصمت الإيراني والروسي رغم كل هذه الاستعدادات للحرب يعني أنهما سيلعبان الورقة الكردية لاحقا ضد أنقرة، فما الذي ستفعله العواصم الغربية ودول المنطقة العربية عندها؟

إردوغان أوجز مضمون خطة التحرك التركي عبر تحريك وحدات قتالية من التحالف لإنجاز المهمة التي ستكون متعددة الأهداف والجوانب، وتسهل لمشروع سياسي تغييري في سوريا.

إقامة منطقة أمنية في شمال سوريا توفر ضمانات الحظر الجوي فوقها بحماية من قوات التحالف، وأن يشمل ذلك تسليح المعارضة السورية المعتدلة وتدريبها ودعمها هناك للصمود في وجه النظام، وأن توفر هذه المنطقة عودة اللاجئين السوريين خارج بلادهم وتقدم لهم المساعدات اللازمة.

المنطقة العازلة التي تطالب أنقرة بإقامتها داخل الأراضي السورية سيكون لها أكثر من مهمة ودور، لكن أهمها حتما هو قطع الطريق على محاولات تغيير الخريطة السورية الدستورية والسياسية التي قد تثير شهية أكراد سوريا بعد إزاحة «داعش» وظهور الفراغ الذي قد يتدافع البعض لملئه بشكل أو بآخر، كما حدث في شمال العراق قبل سنوات. هي لا تريد أن تجد نفسها محاصرة بكيانين كرديين ينتظران اللحظة المناسبة للتوحد والذوبان على حسابها.

أكراد شمال سوريا لن يترددوا في استخدام ورقة «كوبانيه» و«القامشلي» سياسيا ودستوريا. وكلام صلاح الدين دميرطاش القيادي الكردي الموجود في الولايات المتحدة، في محاولة لمعرفة تصورها المستقبلي حيال القضية الكردية ببعدها الإقليمي، يحاول محاصرة أنقرة عبر تحميلها المسؤولية عن أي مجازر ترتكب ضد الأكراد، مؤكدا أن ما يجري الآن في المنطقة سيكون سببا لتحولات إقليمية واسعة، وأن مسار ملف المصالحة الكردية في تركيا سيتأثر بنتائج ما يجري في شمال سوريا. ولا يعني ذلك سوى الاستعداد لتحريك هذا الملف مع اقتراب الحرب على «داعش» هناك.

التصعيد الكردي الأخير ضد حكومة العدالة والتنمية واتهامها باختيار «داعش» في معركة «كوبانيه» سببه ليس الأدلة التي تملكها هذه القيادات حول التنسيق بين أنقرة والتنظيم، بل محاولة محاصرة الموقف التركي وإضعافه، وقطع الطريق على طلب المنطقة العازلة التي تعوق تقدم تكريس الانفصال السياسي والدستوري لأكراد شمال سوريا عن الوطن الأم، وإلا فكيف يتجاهل أكراد سوريا وتركيا أن المتنفس الوحيد لكوبانيه هو الوجهة التركية، ثم استقبال 200 ألف كردي خلال أسبوع واحد فروا من المعارك وهجمات «داعش»، وبعد ذلك «التغاضي» عن انتقال مئات المتطوعين الأكراد وعبورهم الحدود التركية باتجاه الداخل السوري؟

أنقرة أخطأت في مسألة التردد في الوقوف عسكريا إلى جانب أربيل في معركة الموصل، لكنها تعلمت الدرس في جبهة شمال سوريا.

إردوغان لا يتكلم الإنجليزية، لكنه لو لم يحصل على الكثير من الضمانات والتعهدات لما وجه رسالة «أوكي بويز أيم كامينغ» لحلفائه الغربيين.

اكاديمي ومحلل سياسي تركي

الشرق الأوسط

 

 

 

إيران وموقفها من “داعش”/ عبدالزهرة الركابي

عرض المحللون في المنطقة صوراً متفاوتة عن الموقف الإيراني من تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وأشار بعضهم الى العلاقة الملتبسة التي تربط طهران بالتنظيم الإرهابي الأُم (القاعدة).

وبعدما اجتاح (داعش) أراضي ومدناً خمس محافظات عراقية في يونيو/ حزيران الماضي وبدون قتال يُذكر، عاد هؤلاء المحللون الى (نبش) خلفيات هذه العلاقة، خصوصاً وأن طهران حليفة حكومة المالكي السابقة، ولديها نفوذ كبير على هذه الحكومة مثلما هو معروف، ناهيك عن ميليشياتها التي تتخذ مسميات عدة في بغداد والمدن العراقية، وأن تخاذل القوات المسلحة (جيش وشرطة) في التصدي لعناصر هذا التنظيم، لم يكن بعيداً عن أغراض نوري المالكي، بإعتباره القائد العام للقوات المسلحة، كي يمرر حالة الطوارئ كمناورة منه، على طريق إتاحة الفرصة وبلورتها، بغرض البقاء في الحكم لفترة ثالثة، بيد أن حسابات البيدر لم تتطابق مع حسابات الحقل.

ولذلك، فإن ما يلفت الإنتباه هو، عدم إنضمام إيران الى التحالف الدولي الذي تقوده أميركا لمحاربة (داعش)، على الرغم من أن المصادر الأميركية تقول، إن واشنطن غير راغبة في إنضمام إيران الى هذا التحالف، وقال وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال جلسة الاستماع في لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الشيوخ الأميركي، بشان استراتيجية إدارة أوباما في محاربته لتنظيم (داعش) في العراق وسوريا، (إن سبب عدم دعوة بلاده إيران للقتال ضد (داعش)، يعود إلى سياساتها في سوريا).

وأضاف كيري (أن طهران لو أرادت المشاركة معنا في هذه الحرب عليها أولاً سحب مقاتلي حزب الله اللبناني الذين يحاربون في سوريا عوضاً عنها وإيقاف دعمها لنظام بشار الأسد)، مؤكداً (أننا لا نشك بعداء إيران لداعش).

في حين قال المرشد الإيراني علي خامنئي في صدد حديثه لدى خروجه من المستشفى حيث خضع لعملية جراحية في البروستاتا، (أنه منذ الأيام الأولى لهجوم المتطرفين الإسلاميين، طلبت الولايات المتحدة من خلال سفيرها في العراق تعاونًا ضد داعش، لكني رفضت لأن أياديهم ملطخة بالدماء).

واللافت أيضاً في السياق نفسه، أن تركيا لم تنضم الى هذا التحالف، على الرغم من تحالفها مع أميركا، وعضويتها في حلف (الناتو)، في وقت راجت إتهامات قوية نحوها، كونها تدعم (داعش) لوجستياً وتسليحياً، حتى إن الميليشيات الكردية (البيش مركة) خلال حربها ضد هذا التنظيم في شمال العراق، عثرت على أسلحة تركية في مواقع تركها عناصر هذا التنظيم في إحدى المعارك، وهو أمر أثار دهشة واشنطن التي كانت في السابق، لم تهتم بهذه الإتهامات الموجهة الى أنقرة في هذا الجانب، بيد أن هذه الإتهامات تعززت على أثر قيام دول خليجية بتوجيه إتهامات مباشرة الى أنقرة في هذا الموضوع.

وحيال هذه الإتهامات ودفاعاً عن بلاده، قال وزير الخارجية التركي جاويش اوغلو، انه (يشعر بالحزن مما يوجه لتركيا من اتهامات ظالمة، خصوصاً بشأن المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق).

وبالتالي، فإن طهران تشعر بالخشية من تمدد (داعش) الى داخل حدودها الغربية، لا سيما وأنه يتواجد بكثافة في محافظة ديالى التي تحدها من الغرب، ومن الممكن أن يتطور هذا التمدد شمالاً الى المنطقة الكردية التي تحاذي إيران من الغرب والشمال، بدليل مسارعتها الى تزويد الميليشيات الكردية (البيش مركة)، كأول دولة أجنبية تقوم بدعم هذه الميليشيات بالسلاح، حسبما ذكره الزعيم الكردي مسعود البارزاني.

كما أن الميليشيات التي تدعمها ايران مثل (عصائب الحق – زعيمها قيس الخزعلي ومنظمة بدر زعيمها هادي العامري -) وغيرها، لم تتجه لمحاربة (داعش) في الموصل أو كركوك أو الرمادي، وإنما ركزت جهدها القتالي في محافظة ديالى التي تقع في الحدود الشرقية للعراق والمحاذية لإيران وفقاً لما أسلفناه.

ويبقى أن موقفها من التحالف الذي تقوده أميركا ضد (داعش) سلبي، وذلك لأسباب عدة: أولاً تخشى طهران أن يهدد هذا التحالف نفوذها في العراق، خصوصاً إذا ما تطور هذا التحالف بإرسال قوات برية الى العراق، فربما يؤدي تواجد القوات البرية في العراق، الى صدام مع الميليشيات التي تدعمها في العراق، خصوصاً وأن قوة نفوذها مستمدة من تواجد هذه الميلشيات، وأن ضعف هذا النفوذ بلا شك سيجعل العملية السياسية خارج أسار التدخل الإيراني، بل ويحررها من جاذبية البوصلة الإيرانية.

ثانياً تريد طهران أن تكون سوريا في هذا التحالف كشرط لإنضمامها إليه، وهي تريد من وراء هذا الشرط أن تجعل قوات نظام الحكم في سوريا بمنأى عن أي ضربة أميركية، إذا ما تطور الأمر وراحت الطائرات الأميركية والتحالفية بالإغارة على أهداف تطال (داعش) وقوات النظام الحاكم معاً، كي لا تستفيد الأخيرة من تدمير مواقع التنظيم المذكور، وثالثاً طهران قلقة من إستبعاد روسيا عن هذا التحالف، مثلما هي قلقة جداً من إنضمام دول عربية عدة إليه، لأن من شأن هذا الإنضمام أن يعيد النفوذ العربي الى العراق، وهو ما لا ترضاه طهران بالتأكيد.

المستقبل

 

 

 

اعتذروا من أردوغان!/ ربيع بركات

«لم يعد القدوم إلى تركيا بالسهولة نفسها»، يقول أبو يوسف، القيادي الأمني في «الدولة الإسلامية» ذو الأعوام السبعة والعشرين في مقابلة أجريت معه في مقعد خلفي لسيارة هوندا بيضاء متحركة في مدينة ريحانلي التركية. «أنا نفسي اضطررت للقدوم إلى هنا من خلال مهربين. لكن، كما ترى، ما زالت هناك طرق وأساليب للقيام بذلك.. معظم المقاتلين الذين انضموا إلينا مطلع الحرب أتوا من تركيا، كذلك أتت معداتنا وإمداداتنا». (واشنطن بوست ـ 12 آب 2014، في تحقيق بعنوان «في تركيا، حملة متأخرة على المقاتلين الإسلاميين»).

على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، تحديداً بعد تمدد تنظيم «الدولة الإسلامية» وخرقه ما كان البعض يظنه خطوطاً حمراء في الإقليم، نُشر كمٌ كبير من المقالات والتحقيقات الميدانية في عدد من الصحف الغربية الكبرى، بغرض الإضاءة على «القاعديين الجدد»، الذين غيروا خرائط في الشرق الأوسط، ووعدوا بمزيد من «التغيير» على مستوى العالم.

التحقيق المذكور أجري في ريحانلي جنوب تركيا، حيث سبق أن وقع انفجاران ضخمان أوديا بحياة اثنين وخمسين شخصاً العام الماضي. ينقل فيه الكاتبان أنطوني فايولا وسعود ميخينيت، أثناء تجوالهما في الأسواق الشعبية للمدينة الصغيرة، أحاديث بعض السكان الذين باتوا يتأففون علناً من تحول بلدتهم إلى معبر لـ«الجهاديين» القادمين من كل اتجاه. يؤكدان وجود جرحى من مقاتلي «الدولة الإسلامية» و«النصرة» في مستشفيات ريحانلي، ويقتبسان كلاماً لسياسي تركي محلي يقول فيه إن بلاده «رحبت بكل من يريد مواجهة الأسد من غير تمييز، فيما (بعض) هؤلاء الآن يقتلون وينشرون المرض، ونحن ندفع الثمن».

يكاد المرء يشتبه بأن نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن أوعز بإجراء التحقيق المذكور قبل أن يخطب في مجموعة من الأكاديميين في جامعة «هارفرد»، ويشير في سياق كلامه إلى أن «همّ حلفائه الوحيد كان إسقاط الرئيس السوري، ما دفعهم إلى تقديم مئات الملايين من الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة إلى كل الذين يريدون مواجهته»، فكانت النتيجة أن «حصل مقاتلو «النصرة» و«القاعدة» على المساعدات».

إعتذر بايدن عن كلامه، كما هو معلوم، في اتصال هاتفي أجراه برئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان، بعدما استشاط الأخير غضباً واتهمه ضمناً بالتلفيق، مؤكداً أن «المقاتلين الأجانب لم يمروا عبر تركيا بأسلحتهم يوماً ليدخلوا سوريا».

ولعل بايدن استذكر، أثناء اعتذاره، مقالة موقعة باسم هيئة التحرير في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية بعنوان «إجابة ضرورية على داعش» (24 آب 2014)، رأت فيها الصحيفة، في ما يشبه الرسالة المفتوحة إلى الإدارة الأميركية، أن مواجهة تنظيم «الدولة» تقتضي تنسيقاً مع دول الإقليم، تركيا ودول الخليج على وجه الخصوص، مؤكدة وجوب فرض رقابة على التبرعات المالية الآتية من قطر والكويت، وتدفق الأسلحة من السعودية، وعبور مقاتلي «الدولة الإسلامية» وأسلحتهم من تركيا.

لكن بايدن، تماماً كما نصحت الصحيفة، آثر إيلاء الأولوية لترتيب تحالف إقليمي ضد الإرهاب، على الدخول في مواجهة كلامية مع أركان التحالف المفترضين. هذا ما يفعله الذين يفقهون معنى السياسة وضرورات البراغماتية على أي حال، وقد التزم بايدن بهذه المقتضيات.

إعتذر، وفي ذهنه ربما، أن ما قاله ليس بجديد، بل هو منشور، حرفياً، في صحف على امتداد القارة الأوروبية أيضاً. سبق لـ«الغارديان» البريطانية قبل أسابيع، على سبيل المثال، أن نشرت مقالة (23 آب 2014) تنقل امتعاض مسؤولين أمنيين أوروبيين من عدم تعامل الأتراك بجدية مع قضية تسلل «الجهاديين» عبر حدودهم، ومن «غياب إرادة حقيقية لذلك» على مدى العام ونصف العام المنصرمين.

لقد تنبه بايدن، متأخراً، إلى صعوبة تمرير ما قاله في إطار الضوابط التي تفرضها الأصول الديبلوماسية، فسارع إلى تطويق آثار تصريحاته لطي الموضوع. لكنه فوجئ، على الأرجح، بحجم رد الفعل عليها، تحديداً ذاك الآتي من أنقرة. فالقضية ليست بالسر الذي يُراد لها أن تكونه. حتى الدوريات السياسية غير المعنية بإجراء تحقيقات ميدانية تشير إلى هذه المسائل كحقائق دامغة، في الغالب استناداً إلى معلومات يوردها مسؤولون غربيون، سياسيون أو أمنيون.

فقبل أسبوع مثلاً، شرح ميشال كوبلوف في «فورين أفيرز» (1 تشرين الأول 2014) معلومة تكاد تصبح بديهية لفرط تكرارها، عن دور جهاز الاستخبارات التركية MIT المتصل بمكتب رئيس الحكومة مباشرة (خلافاً لأجهزة الجيش)، في تسهيل عمل الجماعات «الجهادية» حيناً وغض الطرف عنها أحياناً. كذلك فعل الكاتب البريطاني القدير، المختص بشؤون الشرق الأوسط، باتريك كوكبورن، في دورية «لندن ريفيو أوف بوكس» (21 آب 2014)، برغم إشارته إلى تقارير تفيد بأن تركيا ضيقت أخيراً على حركة «الجهاديين» عبر حدودها مع سوريا، بعدما كانت تلك الحدود الممتدة على طول 510 أميال، مشاعاً مفتوحاً لحركة هؤلاء.

من عليه أن يعتذر من أردوغان إذاً؟

نائب الرئيس الأميركي؟ الجسم الصحافي في الغرب، أو القسط الوافر منه على أقل تقدير؟ أم الشخصيات «الجهادية» الواردة تصريحاتها في تقارير وتحقيقات تُجرى في الجنوب التركي وتُنشر على الملأ ويقرأها الملايين؟

لقد تخطت القضية حدود الاعتذار، في أي اتجاه كان، ومنذ زمن.

فثمة من لم يعد يكترث للتصريحات ولا لحدودها أو لردود الفعل عليها، بعدما بات مصيره معلقاً على مواجهة الحقائق العارية بما تيسر.

أنظروا إلى كوباني النازفة سكانها. اسألوا نساءها المقاتلات اللواتي «تساوي الواحدة منهن مئة رجل» عن عنوان الاعتذار الحقيقي. ودعوا بيريفان ساسون التي فضلت الموت على السبي، ووثقت موقفها بالصوت والصورة، تدلكم عليه.

لو أن الأوان لم يفُت، لكان عنوانه هناك حتماً!

السفير

 

 

 

 

مأزق أوباما: إطاحة بداعش والأسد أو تدخل أميركي بري/ حسين عبد الحسين

مثلما وضع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الغالبية الشيعية الحاكمة في العراق في موقف أجبرها على استبدال نوري المالكي وحكومته بحكومة وحدة وطنية، وضعت تركيا واشنطن امام خيارين كلاهما مرّ: إما توسيع التحالف الدولي ليشمل قوات أرضية من دول مجاورة وتشمل مهمته الإطاحة بتنظيم “الدولة الإسلامية”، ونظام الرئيس السوري بشار الأسد سوية، أو الإبقاء على الصيغة الحالية للتحالف التي تعتمد على ضربات جوية دولية وقوات محلية غير نظامية لمحاربة التنظيم، وهي ضربات يبدو أن نتائجها غامضة حتى الآن.

وفيما كان رئيس الحكومة التركية، أحمد دواد أوغلو، يتحدث عن استعداد بلاده للمشاركة في تحالف شامل يطيح بداعش والأسد معاً، أو تبقى خارج الحرب الدولية الدائرة ضد “داعش”، كانت تقارير بعيدة عن التداول الإعلامي تتواتر الى العاصمة الأميركية مفادها ان “القيادة الوسطى” للجيش الأميركي، كثفت من طلعات مروحيات أباتشي المقاتلة لاستهداف مركبات عسكرية ومرابض مدفعية تابعة لـ”داعش” على أطراف بغداد.

الطلعات المقاتلة لمروحيات فوق بغداد تثير أسئلة حول وعد الرئيس بإبقاء الجزمات الأميركية خارج العراق وسوريا”، كتب الخبير اليميني المعروف والتر رسل ميد في موقع مجلة “ذي اميريكان انترست”. وأضاف ميد: “إذا كانت الاباتشي تطير في مهمات قتالية فوق بغداد، ذلك يعني ان وعد الرئيس صار ملتوياً، إن لم يكن قد انكسر كلياً”. وختم بالقول انه على عكس المقاتلات التي لم تسقط في الحروب، شهدت حرب العراق سقوط 12 مروحية أميركية، و”من المؤكد ان داعش تدربت على اسقاط مروحيات النظام السوري”.

واستخدام الاباتشي الأميركية في بغداد يأتي في وقت يبلغ عدد المستشارين العسكريين هناك حوالي 1500، في وقت قررت قوات خاصة من المارينز، يبلغ عديدها 2300، نقل مقرها الى الكويت، حيث أناطت القيادة العسكرية بهؤلاء مسؤولية إنقاذ أي طيارين أو مقاتلات أو مروحيات تسقط خلف خطوط “داعش”، ما يعني أن واشنطن استعدت فعلياً لاحتمال إشراك جنود على الأرض تداركاً لأي طارئ.

هكذا، صار يبدو أن واشنطن تنحو، رويداً رويداً، الى الاستناد الى جيشها الصغير المرابض في العراق والكويت في الحرب ضد داعش، وهذا الاستخدام صار يبدو لا مفر منه مع استمرار داعش في التمدد وتشديد قبضتها على بلدات تحاصرها، مثل كوباني – عين العرب السورية، على الرغم من الضربات التي تشنها المقاتلات الأميركية لثني مقاتلي داعش عن تقدمهم.

ولأن المقاتلات الأميركية والعربية والعالمية لم تعد بعد بالنتائج العسكرية المطلوبة على الأرض، تقول الانباء المتواترة في العاصمة الأميركية ان الإدارة عكفت على الاتصال بالحكومات الحليفة، وخصوصاً حكومات منطقة الشرق الأوسط، لحثها على تشكيل تحالف من جيوشها النظامية للمشاركة في دحر داعش.

ويبدو أن هذا التمني الأميركي فتح للأتراك، وربما غيرهم من الحكومات الإقليمية في المنطقة، فرض شرط توسيع الحرب لتشمل نظام الأسد، فضلا عن داعش.

ويقول مسؤولون اميركيون ان الاتراك قالوا إنهم غير مستعدين لاستخدام جيشهم للتخلص من داعش حتى يأتي مكانها “تنظيمات إرهابية أخرى” أو حتى يعود “النظام السوري” الى المناطق التي يتم تحريرها.

هكذا، وجد أوباما نفسه في مأزق، ففكرة تحالف من القوات الأرضية بإشراف أميركي نتائجها مضمونة أكثر بكثير من الغطاء الجوي لميليشيات كالجيش السوري الحر ومقاتلي العشائر العراقية. لكن في الوقت نفسه، يؤمن أوباما – منذ اليوم الأول لاندلاع المواجهات العسكرية داخل سوريا – بضرورة الحفاظ على الجيش السوري النظامي تلافياً لوقوع الأراضي التي يسيطر عليها في ايدي “داعش” او “جبهة النصرة” او تنظيمات أخرى لا تحبذها الولايات المتحدة.

وكان رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي قال امام الكونغرس ان قوة من 12 الى 15 ألف مقاتل مطلوبة لاستعادة الأراضي التي استولت عليها داعش في سوريا.

“من دون مقاتلين اميركيين على الأرض لتنظيف المدن والقرى التي احتلها البغدادي، سنكون امام حرب طويلة ومحبطة سينقلب الاميركيون ضدها”، حسب الكولونيل غاري اندرسون الذي خدم مع ديمبسي في العراق. ويقول اندرسون في مقالة في مجلة “فورين بوليسي” ان “ديمبسي تكتيكي بارع… يعرف ان استراتيجية أوباما بشكلها الحالي مصيرها الفشل”.

من أين تأتي الولايات المتحدة بـ 15 ألف عسكري في وقت يبدي الاميركيون رفضهم التام حتى لانتشار 1500 مستشار عسكري واشتراك بضع مروحيات مقاتلة في العراق؟ الإجابة تكمن في تحالف دولي واسع تشترك فيه قوات تركية واردنية وسعودية. ساعتذاك، تطيح هذه القوة بداعش والأسد، وتحفظ الأمن ريثما يتم بناء قوات محلية كالجيش الحر والعشائر.

لذا، أطل المسؤولون العراقيون، بعد أكثر من شهر على الطلعات الجوية الأميركية فوق العراق لضرب داعش، ليحذروا من مغبة تجاوز قوات اجنبية لسيادتهم.

هل يوسع أوباما المشاركة الأميركية، ام يتلقف العرض التركي؟ للحصول على الإجابة، لا بد من رصد ديمبسي وتصريحاته في الأيام والاسابيع المقبلة.

المدن

 

 

 

 

 

 

تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)/ مشروع شمولي جهادوي يهدف لبناء دولة هيمنوية توسعية

يرى الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط ومدير معهد الدراسات الأمنية والاستراتيجية في برلين، فولكر بيرتيس، في تحليله التالي لموقع قنطرة أن وصف وسائل الإعلام لتنطيم “الدولة الإسلامية” بأنه مجرد “ميليشيا إرهابية” هو بالأحرى تقليل من خطر هذا التنظيم، وأن الأصح هو الحديث حول مشروع بناء دولة جهادوي.

أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنَّ “الدولة الإسلامية” (داعش) ليست إسلامية ولا دولة، في خطاب ألقاه في العاشر من شهر أيلول/ سبتمبر 2014 وشرح من خلاله استراتيجية القضاء على هذا التنظيم. على الأرجح أنَّ الرئيس الأمريكي قد قال ما تفكِّر به الغالبية العظمى من المسلمين. بيد أنَّه، مثلما أخشى، غير مُحِقّ تمامًا في هذا الوصف.

لقد نشأ هذا التنظيم، الذي يُطلِق على نفسه اليوم اسم “الدولة الإسلامية”، كفرع عراقي من تنظيم القاعدة. وكان يُعرَف حركيًا من حين إلى آخر باسم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، ومن ثم باسم “الدولة الإسلامية في العراق”. ثم استفاد من الحرب في سوريا من أجل التوسُّع هناك، وهكذا أطلق على نفسه بالتالي اسم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. ومنذ استيلائه على مدينة الموصل في شهر حزيران/ يونيو 2014، صار هذا التنظيم يُطلق على نفسه فقط اسم “الدولة الإسلامية”. أمَّا زعيمه، أبو بكر البغدادي، فهو يدعو إلى إعادة إقامة الخلافة الإسلامية وقد نصَّب نفسه بنفسه خليفةً على المسلمين، أي الزعيم الروحي والسياسي لجميع المسلمين.

وبناءً على ذلك فإنَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) لا يعتبر ببساطة مجرّد “ميليشيا إرهابية”. فهذا الوصف المنتشر في وسائل الإعلام هو بالأحرى تقليل من خطر هذا التنظيم، والأصح هو الحديث حول مشروع بناء دولة جهادوي. تشير الجهادوية إلى ذلك الفكر المتطرِّف في الإسلام، المعروف لنا من تنظيم القاعدة والجماعات المشابهة له: عقيدة تراهن، خلافًا لأهم المذاهب الإسلامية، على خوض حرب غير محدودة زمانيًا ومكانيًا ضدّ جميع الأشخاص غير المؤمنين ومعتنقي الأديان الأخرى، وترى أنَّ هذه الحرب هي فريضة من فرائض الدين.

داعش أكثر بكثير من مجرد ميليشيا إرهابية

لا يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من العراق وحسب، بل يسيطر كذلك على مناطق في سوريا. ولذلك يضطر الأهالي وخاصة الأقليات المضطهدة مثل الأكراد في سوريا إلى الهروب من ديارهم واللجوء خلف الحدود إلى تركيا أو الأردن.

وفي الواقع نحن نواجه هنا تنظيمًا سلطويًا، بات يسيطر في الوقت الراهن على نحو ثلث مساحة كلّ من سوريا والعراق. وهنا في هذه المساحة يعيش سكّان يصل عددهم إلى نحو ثمانية ملايين نسمة، وهنا يمارس أيضًا تنظيم الدولة الإسلامية مهامًا شبه حكومية. فهو يقوم بتطبيق قضائه الخاص، الذي يقوم على مفاهيم الشريعة الإسلامية الأكثر تطرفًا، وبجباية الضرائب وبتجنيد الجنود، بالإضافة إلى استخراج النفط وتصديره. زد على ذلك أنَّه يحافظ على توفير السلع للسوق وتزويد السكَّان بالطاقة الكهربائية.

وبالتالي فإنَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” هو مشروع شمولي توسُّعي هيمنوي. فتنظيم الدولة الإسلامية يعلن أنَّه يمثِّل دولة المؤمنين ويدَّعي أنَّه لا يوجد سوى تفسير واحد صحيح لأصول الدين. وهذا التنظيم يعتبر جميع المسلمين الذين يفكِّرون بطريقة مختلفة أو ينتمون إلى الطوائف الأخرى كفّارًا غير مؤمنين؛ أمَّا أتباع الديانات الأخرى فيحتمل وجودهم في أحسن الأحوال مقابل دفعهم الجزية.

كما أنَّ تخلي تنظيم “الدولة الإسلامية” عن لاحقة اسمه الجغرافية “في العراق والشام” يُبرز نوايا التوسُّع إلى خارج هذه الحدود. وبعكس غيره من مشاريع بناء الدولة فإنَّ تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يسعى إلى الحصول على الاعتراف الدبلوماسي أو العضوية في هيئة الأمم المتَّحدة: فهو يرفض ببساطة نظام الدول المتعارف عليه دوليًا. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ أبا بكر البغدادي قد طالب لنفسه بصراحة من خلال تنصيب نفسه خليفةً للمسلمين بحقّ اتّباعه من قبل جميع المسلمين في العالم. ولكن في الواقع لا تتّبعه إلاَّ بعض الجماعات الإرهابية الأصغر، على سبيل المثال في باكستان.

وتنظيم “الدولة الإسلامية” يهدِّد سلامة الأهالي في المنطقة وأمن مصالحهم. كما أنَّه يهدِّد أيضًا مصالحنا الأمنية الأوروبية والألمانية. وعلى الأرجح أنَّ توسُّع تنظيم الدولة الإسلامية يهدِّد بشكل مباشر بالامتداد إلى إقليم كردستان في شمال العراق وإلى أجزاء أخرى من سوريا بالإضافة إلى لبنان والأردن. وبدورها تعتبر المملكة العربية السعودية مهدَّدة من خلال التعاطف الذي يحظى به تنظيم الدولة الإسلامية في المجتمع السعودي، أكثر من كونها مهدَّدة باحتمال اجتياح أراضيها من قبل مقاتلي هذا التنظيم.

على الأرجح سوف تسفر غزوات تنظيم الدولة الإسلامية وسيطرته على مناطق جديدة عن موجات لجوء إضافية أكبر وستُحمِّل دولاً مثل الأردن أو لبنان أو تركيا عبئًا أكبر بكثير من طاقتها. وفي حال أنَّ تنظيم الدولة الإسلامية تمكّن من إثبات نجاحه، فعندئذ سوف يُجنِّد المزيد من قوى الشباب الجهاديين القادمين أيضًا من أوروبا وروسيا ودول أخرى، والذين سوف يعود بعضهم فيما بعد إلى بلادهم.

في مؤتمر دولي عقد في باريس في الـ15 من أيلول/ سبتمبر 2014 تناقش ممثّلون من نحو ثلاثين دولة حول تعاونهم ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية. يؤكّد الخبير في شؤون الشرق الأوسط، فولكر بيرتيس، أنَّ وصف تنظيم “الدولة الإسلامية” بأنَّه “ميليشيا إرهابية” يعتبر هو بالأحرى تقليل من خطر هذا التنظيم. وذلك لأنَّ هذا التنظيم لا يهدّد فقط سلامة الأهالي في المنطقة وأمن مصالحهم، بل يهدّد أيضًا المصالح الأمنية الأوروبية والألمانية.

إنَّ ما يدعو إلى القلق أكثر بكثير من عدد المقاتلين، الذين من الممكن لتنظيم الدولة الإسلامية أن يجنِّدهم – ويتراوح عددهم بحسب تقديرات مختلف الأجهزة الأمنية بين عشرة آلاف وثلاثين ألف مقاتل – هو بقاء المقاومة المحلية ضدّ حكم داعش الإرهابي محدودةً نسبيًا. وفي المقابل هناك قطاعات كبيرة من الأهالي تتكيَّف مع وجود هذا التنظيم – ليس لأنَّها تعتبر تنظيم الدولة الإسلامية جيدًا، بل لأنَّها ترى أنَّ حكومتي بغداد ودمشق أسوأ منه بكثير، وذلك لكونها تشعر أنَّها مُهمَّشة ومقموعة من قبل هاتين الحكومتين.

ومن دواعي القلق أيضًا أنَّ تحالف الدول السُّنّي الذي تقوده المملكة العربية السعودية لا يُقدِّم بديلاً إيديولوجيًا مُقنِعًا: إذ إنَّ الخطاب الديني والسياسي لهذا الخليفة الذي نصّب نفسه خليفة على المسلمين وكذلك ما يكمن خلف هذا الخطاب من تفسير شمولي للإسلام، لا يكاد يختلف عما يمكن سماعه في خُطَب الجمعة أو من علماء الدين والفقهاء الذين تدفع أجورهم الدولة في الملكة العربية السعودية.

بإمكان الولايات المتَّحدة الأمريكية والدول الأوروبية والقوى الدولية الأخرى دعم شركائها الإقليميين في الحرب ضدّ تنظيم “الدولة الإسلامية” ويجب عليها فعل ذلك أيضًا. وهذا يشمل الضربات الجوية لإضعاف تنظيم الدولة الإسلامية أو تقديم مساعدات الأسلحة للشركاء المحتاجين مثل حكومة إقليم كردستان. بيد أنَّ الوضع يقتضي قبل كلّ شيء جهودًا دبلوماسية وإنسانية.

سوريا في حاجة إلى هُدَن عديدة

يجب على هؤلاء الشركاء أن يخوضوا بأنفسهم المعركة السياسية والعسكرية الحقيقية، وذلك لأسباب تتعلق بالمصداقية. وكذلك لا يمكن تحقيق الحلول الدائمة من أجل العراق وسوريا على أية حال إلاَّ على الصعيد السياسي، وليس من خلال العمل العسكري.

إذ لن يتمكَّن العراق من إعادة تجميع مكوِّناته من دون وجود حكومة تجمع في الواقع جميع مكوِّنات العراق في بغداد، وتمنح أيضًا العراقيين العرب السُّنة الشعور بأنَّ لديهم حصَّتهم من الدولة. وكذلك تحتاج سوريا في البداية إلى هدنة، إلى العديد من الهُدَن المحلية بين قوَّات النظام والمتمرِّدين المعتدلين، الذين يخوضون الحرب على جبهتين ضدّ النظام وضدّ تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا هو السبيل الوحيد لمنع استمرار تقدُّم تنظيم الدولة الإسلامية وتمهيد الطريق بشكل تدريجي لحلّ سياسي، قد يحافظ على بقاء سوريا كدولة متماسكة. وضمن هذا السياق توجد من بين مهمات أخرى مهمة تقع على عاتق مبعوث الأمم المتَّحدة الجديد إلى سوريا.

ولكن مع ذلك لا يمكن إنهاء الحرب سواء في العراق أو في سوريا من دون تخفيف حدة التوترات بين المملكة العربية السعودية وإيران: إذ إنَّ النزاع الدائر بين هاتين القوتين الإقليميتين يعمل على استمرار إشعال نار الاستقطاب الطائفي بين السُّنة والشيعة في المنطقة ويؤدِّي بالتالي إلى دعم نواعير تنظيم “الدولة الإسلامية” والجهاديين الآخرين بالمزيد من المياه المسمومة.

ولهذا السبب يتعيّن على الدبلوماسية الألمانية والأوروبية أن تسعى أيضًا إلى تحقيق توازن بين كلّ من طهران والرياض – وهذا فقط هو الصحيح.

فولكر بيرتيس

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014

 

 

 

 

 

دماء كوباني في عنق أردوغان؟/ موناليزا فريحة

تطبق “الدولة الاسلامية” تدريجاً على عين العرب. ايام قليلة وتصير على مرمى حجر من حدود تركيا. لا غارات الائتلاف الدولي نجحت في ردعها ولا التهديدات التركية الفارغة أحبطت خططها. بعد ثلاثة أسابيع من الحصار، تستعد كوباني لأن تكون ضحية جديدة للااستراتيجية الأميركية وسياسة الابتزاز التركية.

قدرة المقاتلين الاسلاميين على مواصلة هجماتهم في سوريا كما في العراق ليست الا دليلاً على الفاعلية المحدودة للغارات الجوية. في غياب شبكة قواعد وعملاء على الارض، لايتوقع خبراء أكثر من مكاسب موقتة للحملة الجوية. وبتدمير آلية هنا ومعسكر هناك، لن يستطيع الائتلاف الدولي دحر تنظيم بقدرة “داعش” وبالتكتيكات القتالية العالية التي أظهرها، فضلاً عن الذخائر والمعدات المتطورة التي غنمها من الجيش العراقي ومقاتلي المعارضة السورية. والدليل على ذلك واضح. فعلى رغم الغارات المستمرة في العراق منذ الثامن من آب، وفي سوريا منذ الثالث والعشرين من ايلول، لم يتوقف التنظيم عن شن هجمات في كلا البلدين، محققاً مكاسب في الانبار وعلى مشارف بغداد، ومتوغلاً في كوباني بعد محاصرته اياها ثلاثة أسابيع.

ما هي الا أيام حتى يوسع التنظيم المتشدد نفوذه أكثر ويضيف الى سجله الدموي مذبحة جديدة. دولته ستنبسط من الموصل في العراق الى حلب في سوريا وتصير على مشارف تركيا. ومع أنه ليس ثمة ما يوحي بأن أنقرة تنوي الذهاب إلى أبعد من عرض القوة السياسي في مجلس النواب والعسكري على حدودها، لا ضمانات أنها تركيا ستكون بمنأى عما يحصل على الجانب الاخر من حدودها.

التفويض الذي حصل عليه الرئيس التركي للتدخل في سوريا والعراق واسع وفضفاض. هو يطلق يده في ضرب “داعش”. ومع ذلك، تكشف تصريحات المسؤولين الاتراك أن أولويتهم ليست الانضمام الى الائتلاف لضرب التنظيم، وإنما الافادة من هذا الحشد الدولي لأغراض أخرى. بالتأكيد لن تنضم أنقرة الى حرب اذا كانت ستصب في مصلحة الاكراد. حتى أن بعض التقارير تحدث عن مطالبة قادة استخبارات أتراك الاكراد السوريين بالتخلي عن مطالبتهم بالحكم الذاتي شرطا لمساعدتهم. غير أن سقوط كوباني قد يعيد النزاع التاريخي مع أكراد تركيا الى نقطة الصفر.

لانقرة حسابات جديدة – قديمة قد لا تكون أكثر دقة من سياسة “تصفير المشاكل”. فمنذ 2011، تطالب باقامة منطقة عازلة ومنطقة حظر جوي في شمال سوريا. وفي معاييرها، يمثل نظام الاسد خطرا أكبر عليها من “داعش”. وعلى رغم أن اقامة منطقة الحظر لم تعد احتمالا بعيدا في ظل تحرك مقاتلات الائتلاف في أجواء سوريا واجازة مجلس النواب التركي تمركز قوات أجنبية على أراضيه، لا يزال التباعد كبيرا بين أنقرة وواشنطن، وخصوصا من حيث المطالبة التركية بتدخل مباشر ضد الاسد. ولن يكون تغيير موقف واشنطن في أي حال بسهولة الحصول على التفويض النيابي.

النهار

 

 

 

 

سقوط المدن المحاصرة / حسام عيتاني

ليست وظيفة العالم إنقاذ المدن المحاصرة. على العكس تماماً. فـ»العالم» مُمثلاً بقواه المؤثرة، هو الذي يزج المدن في حالات حصار ميؤوس منها لتكون مهمته بالضبط هي التفرج على المحاصرين يبادون على أيدي أعدائهم.

قبل أسابيع قليلة، مارس العالم وظيفته هذه ووقف صامتاً أمام مذبحة رهيبة تعرض لها أهل غزة المطوقون منذ أعوام عدة من الشقيق ومن المحتل سواء بسواء. كانت معدلات الضحايا المدنيين اليومية تزيد على المئة. استعرضت الشاشات أشلاء الأطفال والأطراف المبتورة والرؤوس المهشمة بفعل الآلة الوحشية الإسرائيلية. وفاق الدمار الوصف وأتى على ما يشبه البنية التحتية التي أشادها الغزيون متحدّين صعوبات خارقة. وباستثناء تظاهرات محدودة الأهمية والأثر وبعض التحركات في الأوساط الأكاديمية واليسارية، التزم العالم اللامبالاة والتجاهل. انتهت الحرب وبقي الحصار.

في رام الله 2002 وسراييفو 1992-95 وبيروت 1982، كانت الحالات متشابهة. العالم، ببساطة ووعي، لا يريد التدخل. المأساة الإنسانية لا تعنيه والحسابات السياسية الباردة تتولاها نخبة (في الدول الديموقراطية) أو طغمة (في الدول المشابهة لدولنا)، تُحسن إدارة العلاقات العامة والتوجيه الإعلامي وتسويق المواقف.

ومن السهولة بمكان إلقاء اللوم على المحاصَرين وتحميلهم وزر الخطايا التي أفضت إلى وقوعهم بين براثن الوحوش المهاجمة. فياسر عرفات، على سبيل المثال، فجّر انتفاضة لا أفق سياسياً لها. ومسلمو البوسنة يطالبون باستقلال لا يستحقونه، ورعونة منظمة التحرير وتورطها في الحرب الأهلية استدرجا إسرائيل إلى اجتياح لبنان وأهالي غزة رضوا بسيطرة «حماس» عليهم ومكنوها من تحويل القطاع إلى مقر للعمليات الإرهابية.

واليوم نسمع تبريرات مشابهة في شأن كوباني/ عين العرب. هناك من يُلقي اللوم على سياسات حزب الاتحاد الديموقراطي «بي واي دي»، (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) منذ اندلاع الثورة السورية. فالحزب، بحسب هؤلاء، لم يتخذ موقفاً واضحاً من نظام بشار الأسد، ومارس التسلط الفئوي حيث استطاع، فشكّل الهيئات الإدارية والأمنية من الموالين له وأبعد منافسيه مستخدماً كل الأساليب القمعية، وساهم بإدراك أو من دونه في تعزيز النزعات القومية الشوفينية عن العرب والكرد. وعندما ظهر «داعش»، كان الجوار العربي للمناطق الكردية في حال استياء من الحزب وسياساته وسلوكه.

واضح أن هذه الصورة تبسيطية وأحادية الجانب ولا تعكس التعقيدات والصعوبات التي واجهتها القوى الكردية المختلفة منذ 2011، ولا المناخات التي أفضت إلى تصدر الـ»بي واي دي» المشهد الكردي السوري بعد تصاعد الخطاب المذهبي والتحريضي الذي دشنه نظام الأسد واستجابت له شرائح واسعة من المعارضة. لكنها تنتمي إلى «أدبيات» لوم المُحَاصَرين وتفهم دوافع المحاصِرين.

المشهد الأعرض يُبرز لاعبين أشرس وأعنف وعلى استعداد للضرب تحت الحزام لتحقيق أهدافهم وأزمات أخطر حتى من سقوط مدينة ترمز إلى التعدد والتنوع. هناك الصراع الكردي- التركي وامتداداته العابرة للحدود، ومسألة استقلال إقليم كردستان في شمال العراق والعلاقات العربية –الكردية التي تزداد سوءاً بدل أن تجد علاجاً لها.

عليه، سيكون سقوط كوباني، إذا تمّ، مأساة إضافية لشعوب هذه المنطقة تفاقم، ليس العداوات القديمة والمستجدة فيها فقط، بل خصوصاً درجة إمساك القوى الإقليمية والدولية بمصائر الشعوب ومستوى النفاق السياسي وهو سمة مشتركة عند كل المتفرجين على سقوط المدن المحاصرة.

الحياة

 

 

أوباما لن يساوم على دمشق/ زهير قصيباتي

لم يكن نبأً ساراً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن تتحول معركة «داعش» للسيطرة على مدينة عين العرب، قنبلة موقوتة في تركيا، حيث فرض حظر تجول في بلدات سالت فيها دماء كردية تركية على وقع الخوف من مجزرة كبرى في المدينة، بعد قتال شرس. وليس مبالغة القول إن «شطارة» أردوغان في رهانه على حاجة الأميركيين والغرب عموماً إلى الدور التركي في الحرب على «داعش»، انقلبت إلى حصار لأنقرة لا يقل شراسة عن قتال هذا التنظيم في عين العرب.

«الشطارة» انتهت عملياً إلى صدمة، وخيبة كبرى للأتراك الذين يشكون «تعنّت» الأميركيين في رفض ثلاثة شروط أعلنها أردوغان للقبول بتدخل ينقذ المدينة المنكوبة من مصير مأسوي.

صحيح أن أنقرة لن يمكنها في النهاية التعايش مع هيمنة «داعش» على معظم الحدود السورية- التركية، لكن الأكيد ايضاً أن إدارة الرئيس باراك أوباما أعطت ما يكفي من المؤشرات للجهر بأن تبديل نظام الرئيس بشار الأسد ليس من مهمات التحالف… على رغم رفض واشنطن تعويم شرعية هذا النظام.

وما يفهمه الأتراك من الضغوط الأميركية خلال الساعات الأخيرة، هو أن إدارة أوباما لا تقايض تدخُّلاً تركياً لإنقاذ عين العرب، بقرار بإطاحة النظام السوري، ولا تنوي في أي حال استجابة طلب أردوغان إقامة منطقة آمنة داخل أراضٍ سورية يتولاها الأتراك براً وبعمق خمسين كيلومتراً، فيما التحالف يحميها جواً بحظرٍ تفرضه طائراته.

وما يدركونه في أنقرة أن سبب خيبة أردوغان ثم عناده هو اقتناعه برغبة الأميركيين في توريطه بمستنقعات تنظيم «داعش» بلا أي مقابل… باستثناء متطلبات حماية أمن تركيا من خطط التنظيم وأخطاره بعدما وصل مقاتلوه إلى حدودها. وفيما يشتبه الأكراد بتواطؤٍ ما بين «داعش» وتركيا، تشتبه أنقرة بتواطؤ أميركي أشعل فتيل الغضب داخل جمهورية أردوغان، فأفلت في الشارع.

يريد الرئيس التركي إبعاد «داعش» من الحدود وعين العرب بتدخُّل بري للتحالف، وتريد واشنطن ان يتولى أردوغان المهمة، أي ابتلاع كرة النار أو ما قد يعتبره فخاً، لأن الخروج من مستنقع الحروب في سورية أصعب بكثير من الانزلاق إليه. وقبل عين العرب، تراقب طهران أنقرة بعين الريبة، فيما ينتشر مئات من الخبراء الروس والإيرانيين في حلب، تحسُّباً لأي تدخل تركي، بل تذهب معلومات إلى حد تأكيد إنذار إيراني وُجِّه إلى أنقرة بالامتناع عن اختراق الحدود السورية، أو مواجهة «عواقب» تدخُّل عسكري مضاد.

ولعل تحذير رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني علي لاريجاني من إغفال «التحركات التركية الخطرة» يطلق العنان لذروة الصراع بين طهران وأنقرة الذي بدأ صامتاً في العراق وتحوّل صاخباً في سورية، من بوابة عين العرب، وعلى حساب مصالحهم.

ضغوط من واشنطن والغرب، ضغوط إيرانية وأخرى من الأمم المتحدة، كلها تحشر اردوغان بين فكي كمّاشة قتال «داعش» على الأرض، وضبط الشارع وغليانه في تركيا، حيث الغالبية من عشرة ملايين كردي على الأقل، لن تكتفي بالتنديد بالتفرّج على المذبحة.

الخيبة من الأميركيين صدمة، علماً أن الرئيس التركي أدهش أوباما إذ ظن الأخير التفويض البرلماني لحكومة أحمد داود أوغلو بمثابة شارة خضراء للجيش التركي، لكي يستعد للقتال تحت راية التحالف… على الأرض. استمرأ أردوغان عض الأصابع مع واشنطن، فإذا بالتحذيرات الإيرانية تكرِّس لديه مزيداً من الارتياب بالأهداف الأميركية. هو لا يراهن بالطبع على تبديل الرئيس الأميركي خطط الحرب، أو مسار الضربات الجوية التي تحيّد ما بقي من قوة عسكرية للنظام السوري.

عين على واشنطن وأخرى على طهران، وبينهما مصير عين العرب… كل الضغوط تركت أردوغان في بداية عهده المنتصر في الداخل، أمام خيارين: قتال تنظيم «الدولة الإسلامية» وجهاً لوجه، وراء الحدود، أو قتال شوارع في جمهورية «العدالة والتنمية» مع الذين يصطادون في ماء «داعش» العَكِر.

الحياة

 

 

 

 

أهل النظام لن يثوروا على الأسد لكن إخفاقاته تحبطهم/ عبدالوهاب بدرخان

أواخر عام 2011 كان طرفا الصراع في سورية يعتقدان بأن ثمة أملاً بنهاية قريبة وممكنة للأزمة. فلا مصلحة للنظام في أن تطول، والمعارضة بمختلف أطيافها لا تريد تخريب البلد أو مزيداً من الضحايا. وإذا بمسؤول كبير من صلب النظام يفاجئ مجالسين يثق بهم بقوله: للأسف، لا حلّ قريباً، وأخشى ألا يكون هناك حلٌ أبداً، فإيران مصممة على القتال حتى آخر عَلَوي في سورية!

واليوم، بعد مضي نحو أربعة أعوام، ومع بلوغ ضحايا الطائفة العلوية مئة وسبعة آلاف بينهم أكثر من ستين ألف عسكري، يمرّ أبناؤها بمشاعر مريرة إزاء تطوّرات تتناقض كثيراً مع ما بنته من آمال في حسم عسكري تعهّده النظام، وفي انفراج سياسي وعد بإنجازه بعد الانتخابات الرئاسية. فما صُوِّر بأنه «الحسم» لم ينهِ الأزمة، وما قيل أنه انفراج تمخّض عن حكومة هزيلة ينصبّ عليها حالياً كل انتقادات العلويين، فهم كسائر الموجودين في سورية يخشون انتقاد النظام.

في الآونة الأخيرة توالت خيبات الأمل والمآسي، وشاهد العلويّون أبشع المذابح على أيدي تنظيم «داعش» في محافظة الرقة، من سقوط الثكنة الكبيرة التي كانت مقر الفرقة 17 المحاصر منذ منتصف عام 2013، فمقر اللواء 93، ثم مطار الطبقة، بالإضافة إلى فظائع رافقت السيطرة على حقل الشاعر النفطي في حمص الذي استطاعت قوات النظام استعادته لاحقاً. مئات القتلى في غضون أيام ليسوا جميعاً من العلويين، وأشرطة للإعدامات الميدانية تذكّر بأشرطة مماثلة لجرائم «شبّيحة» النظام، ورواية عن هروب كبار الضباط من مطار الطبقة وانتقائهم للجنود الهاربين معهم لقاء بدل مالي وتركهم الآخرين. كلّها وقائع قلبت مزاج العلويين وعكسها موقع «وينن» الذي نقل في أحد الأيام هذه العبارة الموجهة إلى بشار الأسد «الكرسي لك والتوابيت لأولادنا». وفي المرحلة نفسها راجت تلك النكتة السوداء عن مسؤول سوري يزور عائلة شهيد من الجيش ويقول لهم: ابنكم بطل رفع رأس الوطن وافتدى سيد الوطن بدمه، مبروكة علينا شهادته. ويردّ أبو الشهيد: شكراً إلكم سيدي، وعقبال ابنكم.

بعد ذلك مرحلة إنشاء التحالف الدولي ضد الإرهاب ومحاولة النظام إيجاد دور له بأي شكل وأي صيغة. كانت تلك فرصة اعتبرها موالون النظام محوريةً لعله يرمّم «شرعيته» الداخلية ويستعيد مكانته الإقليمية. وعندما بدأت عمليات القصف الجوي تأكد لهم أن مراهنات الأسد على ورقة الإرهاب لم تنجح، على رغم أن مانشيتات صحف دمشق عنونت بالبنط العريض: «واشنطن وحلفاؤها في خندق واحد مع الجيش السوري لمكافحة الإرهاب»… وبموازاة القصف الدولي وهجوم تنظيم «داعش» لاحتلال عين العرب/ كوباني واقتلاع الأكراد منها، خلال الأسبوع الماضي، تسبّب تفجيران متزامنان بالقرب من مدرسة في حي عكرمة الذي تقطنه غالبية علوية في حمص بمجزرة مروّعة قضى فيها 47 طفلاً (بينهم فلسطينيون) من أصل 54 ضحية، وتحوّل تشييعهم إلى تظاهرة احتجاج عبّر فيها المواطنون المألومون عن غضب عارم وطالبوا بتغيير المحافظ وقادة الأمن. لم يبثّ التلفزيون الرسمي ما سجّلته كاميرته لكن «اليوتيوب» تكفّل بنقل تصريحات الاستياء من الإهمال والتهاون في الحماية وعدم المشاركة في الحداد. وتضمنت مواقع التواصل الاجتماعي تساؤلات وشكوكاً فضلاً عن اتهامات مباشرة مفادها أن أجهزة النظام هي التي افتعلت التفجيرين، وبذلك ينضم حي عكرمة إلى عشرات الأحياء في دمشق ومدن أخرى التي لا تبرّئ النظام من جرائم في المناطق الموالية. لكن أين مصلحة النظام إذا صحّ أنه الفاعل في حي عكرمة؟ يبدو أن الحدس الشعبي أكثر نفاذاً وسرعةً من كل التحقيقات، فليس حدثاً عادياً أن يتهم موالون «نظامهم»، خصوصاً أنهم يعرفونه جيداً. أما المحللون فيقولون أنه سعى من جهة إلى مخاطبة «التحالف» الدولي بأن الإرهاب يضرب العلويين في منطقة قريبة من العمليات العسكرية وهم أقلية فيها، ومن جهة أخرى أراد أن يشد عصب الطائفة ويذكّرها بأنها مستهدفة أكثر مما كانت ولا سبيل أمامها غير الولاء له.

من الواضح أن النظام يشعر بأنه يسجّل خسائر في بيئته الحاضنة، وليس مؤكداً أنه اختار الأسلوب الأفضل لرصّ الصفوف وراءه، ذاك أن تظاهرة حي عكرمة وردود الفعل الرسمية عليها وإصرار المنظّمين على تسييرها على رغم محاولات مستميتة لإثنائهم عنها ذكّرت الكثيرين بتلك التظاهرة الصغيرة التي شهدها حي الحريقة التجاري في دمشق (منتصف شباط/ فبراير 2011) واعتبرت الأولى في الانتفاضة الشعبية. لكن هل يعني ذلك أن «والموالين» على وشك الثورة على النظام؟ لا طبعاً. هناك نقمة وسخط واحتقان، فهم لا ينسون مئات العسكريين والمدنيين المعتقلين في سجونه، ولا رهائن قرى الساحل المحتجزين لدى فصائل معارضة منذ آب (أغسطس) 2013 أو رهائن عدرا العمالية المحتجزين أيضاً منذ كانون الأول (ديسمبر) 2013 ويرفض النظام مقايضتهم بمعتقلين للمعارضة. وهناك كثير من المآخذ والانتقادات والشتائم معطوفة على شعور بأنهم «وقود لحرب باتوا يشاهدون نتائجها» كما كتب أحدهم على صفحته في الفايسبوك، وأن النظام يستخدمهم للمحاربة من أجل بقائه، حتى أن «الشبيحة» صاروا يشبّحون عليهم هم أيضاً. وهناك أيضاً تخبط وخوف من المجهول وتساؤلات صريحة هل لا يزال النظام قادراً على حمايتهم، بالإضافة إلى استخلاصات من نوع «من يتمسّك بالأسد يريد فقط إطالة المأساة وتعميق الخسائر» و «الأسد ليس حلاً لأي شيء، هو مجرد كارثة»، فضلاً عن اقتراح شائع ومتكرر لـ «إقامة حكم ذاتي في مناطق العلويين» أو «أسرع طريقة لإنهاء الحرب: التخلص من بشار الأسد، وحكم ذاتي للعلويين» مع ملاحظة بأن هذا الاقتراح «لا يعني تقسيم سورية، إنه الحل الوحيد للمحافظة على الكيان السوري»…

في السابق لم يكن العلويون جميعاً على المسافة نفسها من النظام ولاءً أو تأييداً أو إعجاباً، وككل الطوائف الأخرى (السنّة والمسيحيون) كانت لديهم غالبية صامتة وخائفة مثل الآخرين ومتعايشة معهم، وكالآخَرين كان لديهم حشد من الموالين المستفيدين من النظام و»نخبة» قليلة من المعارضين المطالبين بإصلاحه. ومنذ ثمانينات القرن الماضي راح العلويّون المستفيدون ينفردون بـ «امتيازات» السلطة ويحتكرون قوّتها فغدوا عماد النظام.

مع التدرّج الانحداري، ومن الباب المذهبي وتركّز مفاصل الدولة في أيدي الأنسباء أمكن للإيرانيين الارتقاء من «التحالف» مع حافظ الأسد إلى اختراق نظام بشار الأسد للتحكّم بحلقته الضيّقة وقراره العسكري والسياسي، فضلاً عن التصفية الجسدية لمَن لا يحظى بثقتهم.

قبل اشتعال الانتفاضة الشعبية في 2011 كان علويّو النظام في أعلى درجات الامتلاء بالذات والثقة بأنهم مطبقون على مفاصل الدولة إطباقهم على رقاب السوريين وأنفاسهم. لذلك بدت الانتفاضة تحدّياً لسلطتهم لا بد من وأده في المهد ولا يمكن أن يُعامل إلا بالقمع والعنف. أما النظام فعجز في تلك اللحظة (أحداث درعا) عن التصرّف كـ «دولة»، أي لجميع السوريين، واعتبر أن «دولة الطائفة – العائلة» هي المستهدفة بل المهدّدة بالانهيار إذا كان عليها أن ترضخ للضغوط الشعبية وتقدّم «تنازلات». وللتمويه على الخلفية المذهبية للعنف اجتمع الموروث البعثي والمكتَسَب الإيراني لتبريره بنظرية «المؤامرة الكونية» على النظام وعلى نهج «المقاومة والممانعة» الذي يتّبعه.

وفيما مضى الأسد في رحلته الدموية من أجل البقاء، وقعت الغالبية العلوية الصامتة رهينة أخطاء علويّي النظام والعداوات التي زرعوها، فلا النظام ترك فسحة لـ «مصالحة وطنية» يحتاجها اليوم لإعادة تأهيل نفسه ولا أتيح للطائفة أن تبقي جسوراً مع الفئات الأخرى. أما الإيرانيون فلم تسعفهم حنكتهم ولا براغماتيتهم ولا خططهم للبحث عن حلول سياسية، قادهم العمى الأيديولوجي للجنوح إلى صراع سنّي – شيعي في بلد تجاهلوا أن ثلاثة أرباع سكانه من السنّة كما اكتشفوا أن شيعة علويّيه مرتبطة فقط بتمكينهم من الاستحواذ على السلطة.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

 

أكراد سورية بين كمين الأسد وخبث أردوغان/ حسان حيدر

لم تنفذ تركيا أياً من الوعود التي قطعتها منذ بدء الثورة السورية. بقي تهديدها لنظام بشار الاسد كلاماً بكلام، واستعدادها للتدخل الى جانب الثوار سحابة صيف لا تمطر، ووعيدها بإقامة منطقة حظر جوي مجرد أقاويل. لم يقنع الاتراك أحداً بجديتهم، حتى الاسد نفسه لم «يقبضهم» ولو انه داوم على استخدام مواقفهم للحديث عن تدخلات خارجية في شؤون «بلاده». تراجعوا مراراً عما خططوا له او تكلموا عنه، لكن اخطر ما فعلوه هو تأكيدهم انهم لن يسمحوا بسقوط مدينة كوباني الكردية عند حدودهم، ثم وقوفهم متفرجين على مقاتلي «داعش» وهم يجتاحونها من دون ان يحركوا ساكناً، حتى اعتبر البعض ان الموقف التركي اللفظي ساهم في تحريض المتطرفين على احتلالها.

مشكلة كوباني تتلخص في ان اكراد سورية وقعوا في كمين نصبه لهم نظام بشار الأسد وكانت تتمته هجوم «داعش»، وعندما حاولوا النجاة منه، أدار الخبث العثماني لسان أردوغان ويده، فوضع شروطاً تعجيزية لأي تحرك، ممتنعاً عن مساعدة من يعتبرهم اعداءه القوميين.

عندما حقق «الجيش السوري الحر» انتصارات ميدانية متتالية على الجيش النظامي، وخصوصاً في المنطقة الممتدة بين الرقة وحلب، لجأ حاكم دمشق الى حيلة قديمة مارسها والده من قبل عندما استخدم الاكراد في مواجهة تركيا وقدم الدعم الى «حزب العمال الكردستاني» بقيادة زعيمه عبدالله اوجلان، قبل ان يتخلى عنه بعد ضغط تركي ودولي وصل الى حد التهديد باجتياح شمال سورية.

استمال بشار الاسد زعيم «الاتحاد الديموقراطي» الكردي صالح مسلم، وسحب قواته النظامية من مناطق نفوذه ليسمح له باقامة نوع من «الحكم الذاتي» ويضعه في مواجهة «الجيش الحر» بعدما ساهم في تشكيل «وحدات الحماية الشعبية» وتسليحها. ومع ان الزعيم الكردي العراقي مسعود بارزاني نصح مسلم بعدم الذهاب بعيداً في سعيه الى «الاستقلال» لان ذلك قد يشتت القوى الكردية ويعوق مسعى اقامة الدولة الكردية المستقلة في شمال العراق، الا ان «الاتحاد الديموقراطي» دخل في مواجهات مسلحة مع الثوار السوريين ومع سائر القوى الكردية التي انتقدت تعاونه مع نظام الاسد واتهمته باغتيال معارضيه في استلهام لاسلوب حزب اوجلان المتحالف معه.

وعندما قرر «داعش» توسيع حدود «دولة الخلافة» التي أعلنها في شرق وشمال شرقي سورية واستكمال سيطرته على الشمال في اتجاه حلب، بدأ حملته لاحتلال كوباني وجوارها الكردي. لم تتحرك دمشق بالطبع لانقاذ «حليفها» مسلم الذي استقدم مئات المقاتلين من «حزب العمال الكردستاني» لمعاونته في حماية المدينة، بينما وقف الجيش التركي مكتوف اليدين وهو يشاهد المدينة تتهاوى تحت موجات القصف والاقتحام.

وعلى رغم اختلاف المصالح والحسابات، بل العداوة، شاركت دمشق وأنقرة في تدفيع الاكراد الثمن. بشار الأسد يريد لـ «داعش» ان تتقدم ولو على حساب الاكراد الذين ورطهم لانتزاع المزيد من مناطق المعارضة السورية ومحاصرة «الجيش الحر» ومهاجمته لاحقاً في حلب، واردوغان يعتبر ان اضعاف الاكراد المسلحين في كوباني وغيرها يخفف العبء الامني عن جنوب بلاده، ويحسن وضعه في المفاوضات مع حزب اوجلان. صحيح ان الاتراك فتحوا حدودهم امام عشرات آلاف اللاجئين المدنيين الفارين من كوباني، لكنهم اقفلوها لاحقاً في وجه من بقي يقاتل في المدينة.

المذبحة المقبلة في عين العرب محنة جديدة سيتجاوزها اكراد سورية التواقون الى الحصول على حق تقرير المصير، لكن دون ذلك افخاخ وكمائن كثيرة يؤمل ان لا يقعوا فيها مجدداً، وان يعرفوا ان تحالفهم مع الثورة السورية هو الطريق الوحيد لرسم مستقبل مختلف لهم.

الحياة

 

 

 

بايدن قال ما يضمره أوباما/ هشام ملحم

ما الذي يجمع معركة كوباني – عين العرب، والانتقادات الارتجالية التي وجهها نائب الرئيس جوزف بايدن إلى حلفاء أميركا في الخليج وتركيا، والانتقادات التي تضمنتها مذكرات وزير الدفاع السابق ليون بانيتا لاداء الرئيس أوباما؟ كل هذه التطورات تتمحور على اشكالية الاسلوب القيادي للرئيس اوباما: الحذر المفرط والتردد في اتخاذ القرار، واعتماد استراتيجية الحد الادنى وتفادي الحسم، والريبة في التعامل مع الحلفاء، وتحميل الآخرين مسؤولية الاخفاقات.

معركة كوباني تبين بوضوح ان استراتيجية الحد الادنى في مواجهة خطر ما يسمى “الدولة الاسلامية” (داعش) تقضي بالتركيز اولا على العراق لوقف تقدم التنظيم في اتجاه بغداد وكردستان، والقيام بالحد الادنى من الهجمات في سوريا لعرقلة امدادات “داعش” وقطع مصادره المالية (وقف انتاج النفط) وضرب مراكزه القيادية. لذا فإن انقاذ كوباني ليس أولوية، وكذلك رفع حصار المعارضة السورية في حلب بكماشة النظام و”داعش”. الحملة الجوية على “داعش” لا تزال محدودة، وهي مصممة لوقف توسع التنظيم أكثر مما هي مصممة لدحره وحتما ليس لهزيمته، لان ذلك يقتضي مشاركة قوات برية. واشنطن المتأخرة جدا في تدريب المعارضة السورية وتسليحها تخطط لتدريب خمسة آلاف مقاتل في عملية تبدأ في 2015 وتنتهي بعد سنة.

الانتقادات الارتجالية والمتهورة لبايدن، على رغم انها تتضمن حقائق لا يمكن نكرانها، تعكس شكوك البيت الابيض في الحلفاء العرب والاتراك، وهذه المشاعر تعكس مواقف أوباما ومساعديه في البيت الابيض واتصالاتهم مع الحلفاء، الذين يشككون بدورهم بثبات أوباما على مواقفه. ما قاله بايدن عن تركيا صحيح الى حد كبير، فهي فتحت حدودها للجهاديين وسلحت بعض الفصائل الاسلامية المتطرفة، قبل ان تدرك حديثاً خطر “داعش”. صحيح أيضاً أن أثرياء خليجيين تبرعوا بمبالغ كبيرة لتنظيمات اسلامية متطرفة بينها “جبهة النصرة” وغيرها ووفروا السلاح لها، قبل ان توقف دول الخليج وتحديدا الكويت المساعدات المالية وقطر مساعداتها العسكرية.

اللافت والنافر في كلام بايدن هو عدم تحميله النظام السوري مسؤولية تحويل الانتفاضة السلمية الى صراع مذهبي، أو “تعايش” النظام مع “داعش” طويلاً والتقاء مصالح الطرفين في ضرب قوى المعارضة الاخرى التي كانت تحارب النظام. طبعاً لا يمكن ان نتوقع ان ينتقد بايدن تردد وتلكؤ رئيسه في التصدي لنظام الاسد بعد استخدامه السلاح الكيميائي او تدريب المعارضة وتسليحها. أوباما وبايدن يحوّران التاريخ عندما يدّعيان أن المعارضة كانت دائما ضعيفة (اوباما) أو أنه لم تكن ثمة معارضة معتدلة (بايدن).

ولكن ما لم يقله بايدن، قاله ليون بانيتا: تردد أوباما في مساعدة المعارضة و”تذبذبه” في ضرب سوريا، بعث الى العالم برسالة خاطئة.

النهار

 

 

 

 

فضائح من كوباني الى الرمادي؟/ راجح الخوري

هل هناك تحالف دولي من ٤٠ دولة يشن فعلاً الحرب على “داعش” منذ شهرين ويحصد الفشل حتى الآن؟

النتائج الميدانية تبدو مفاجئة لا بل فاضحة، وخصوصاً بعد شهرين من القصف الجوي الذي يبدو انه لم ولن ينفع في وقف التقدم الذي يحرزه الارهابيون على الأرض سواء في سوريا او في العراق.

كل الأخبار من كوباني او بلدة عين العرب الكردية على حدود تركيا التي اجتاحت “داعش” أحياء عدة فيها، والتي أبلغنا رجب طيب اردوغان انها على وشك السقوط متناسياً كل تصريحاته السابقة عن انها “خط احمر وأن تركيا لن تسمح بسقوطها”، لكن المفاجأة الثانية الصاعقة جاءت من العراق حيث نجحت “داعش” في اقتحام الرمادي في الأنبار عبر سيناريو غريب وفاضح يطابق طريقة سقوط الموصل.

اذا كان الموقف التركي المتفرّج على سقوط كوباني ينتظر استجابة الاميركيين شروط اردوغان الثلاثة للتدخل الميداني، أي اقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا لخلق ملاذات آمنة للاجئين داخل الاراضي السورية، وإسقاط بشار الاسد مع “داعش”، وضمان تفكيك الحلم الكردي باقامة دولة مستقلة، فإن سقوط الرمادي الذي سيفتح الطريق امام “داعش” للوصول الى بغداد يطلق تساؤلات فاضحة ومخيفة منها:

لماذا انسحبت القوات الحكومية من المدينة لتتمركز في قاعدة الحبّانية جنوباً وتركتها للإرهابيين، ومن أين جاءت الأوامر بالانسحاب، ثم هل تعمّدت حكومة حيدر العبادي ترك المدينة عرضة للسقوط؟

رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت يقول: “ان الأنبار وصلت الى طريق مسدود بسبب ضعف الإمدادات لأبناء العشائر والشرطة من الحكومة المركزية وقوات التحالف الدولي”، وحذّر من انه اذا سقطت الأنبار فذلك قد يعني مقدمة لسقوط بغداد.

واذا كان الجنرال جون آلن يقول بأن تحرير الموصل يحتاج الى سنة، في حين يحتاج تجهيز ١٥ ألف مقاتل من المعارضة السورية الى اكثر من سنتين، للتمكن من مواجهة “داعش” وتعبئة الفراغ الذي يمكن ان تتركه بحيث لا يحل النظام محلّها، فإن أخبار القتال في الميدان الممتد من الموصل الى كوباني مروراً بالرقة ودير الزور وغيرها، تشكل دليلاً عملياً يؤكد تصريحات وزير الدفاع الأميركي السابق ليون بانيتا عن “ان الحرب ستستمر نحو ثلاثين عاماً وان تهديد “داعش” قد يمتد ليصل الى اليمن وليبيا والصومال ونيجيريا”.

بانيتا يرى ان امام باراك اوباما فرصة لإصلاح الأضرار التي تسبب بها من خلال إظهار العزم والقيادة بعدما “ضلّ طريقه في القتال ضد الارهابيين”، ومثل هذا الكلام يدفعني الى طرح السؤال تكراراً:

الحرب العالمية لم تحتج الى ٤٠ دولة، فكيف تواصل “داعش” اجتياحاتها في العراق وسوريا تحت أنظار الأميركيين وحلفائهم؟… عجيب!

النهار

 

 

 

لعبة “البوكر” في عين العرب وما بعدها!/ علي حماده

كبيرة هي لعبة “البوكر” بين اللاعبين المؤثرين على مصير عين العرب (كوباني) ولا سيما بين اللاعبين الرئيسيين تركيا والولايات المتحدة، فكلا القوتين العظمى والاقليمية تناور لكسب اللعبة التي تناسبهما، بأقل التنازلات الممكنة. الاميركيون يريدون تدخلا تركيا داعما من الخطوط الخلفية يمنع سقوط عين العرب، وان اقترن بدخول محدود لقطعات الجيش التركي، لكنهم يرفضون الى الآن الاجندة التركية التي تشدد على الربط الآلي بين الحرب ضد “داعش” واسقاط نظام بشار الاسد، فضلا عن انهم اعلنوا البارحة بلسان الناطق باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) ان موضوع اقامة المنطقة العازلة غير مطروح في الوقت الحالي، وان المطروح هو عمليات عسكرية فقط. اما الطرف التركي الذي يناور من أجل جلب التحالف الدولي الى صف رؤيته، وانتزاع قرار بالمنطقة العازلة، والعمل بجدية على اسقاط نظام بشار الاسد فيمارس سياسة الانتظار الثقيل رافضا الرؤية الاميركية الضيقة للحرب ضد “داعش”. هذا لا يعني ان خيار الاميركيين يقضي بالابقاء على النظام في سوريا، حيث الخلاف ليس على النهاية بل على التوقيت، وخصوصا ان النظام يعاني حالة اهتراء متقدمة في كل مكان، في وقت يتكون شعور لدى العديد من المراقبين بأن المعارضة السورية على اختلاف فصائلها تنتعش مجددا.

وإذا كانت أنقره تصرّ على وضع خريطة طريق واضحة في وجه خريطة الطريق الاميركية الغامضة، فإن هذا الامر يستدعي موقفا عربياً جدياً يبدأ بالدخول في لعبة “البوكر” الكبيرة، عبر فتح قنوات التواصل الجدية مع الاتراك، كي لا يستفيد الايرانيون من تشتت القوى الداعمة للتغيير في سوريا. من هنا فإن صمت الدول العربية المعنية، وانكفاءها عن اللعبة غير منتج، بل ان نتائجه ستكون عكسية، باعتبار أن الاميركيين يوحون أنهم يتحدثون نيابة عنهم، وأنهم هم من يلعبون أوراقهم على طاولة “البوكر” الكبيرة في الاقليم. حان الوقت لكي يجلس العرب الى الطاولة فلا يقتصر دورهم على الاشتراك في الغارات الجوية في سوريا. ويقيننا ان تفعيل التواصل مع تركيا في هذه المرحلة بالتحديد يفوّت على الايرانيين فرصة استعادة المبادرة التي فقدوها في المرحلة الاخيرة. كما أنه يقيد حركة الرئيس الاميركي بارك اوباما الذي يضع مسألة التفاوض حول النووي الايراني فوق كل اعتبار، بل انه يوحي أنه يراهن على صفقة تاريخية اميركية – ايرانية تذكر بتلك التي عقدها الرئيس السابق ريتشارد نيكسون مع الصين قبل اربعة عقود اثر زيارته التاريخية لبكين. ولعلّ أوباما يطمح الى أن يدخل التاريخ على انه الرئيس الاميركي الذي أنهى صراعاً مع إيران دام أكثر من خمسة وثلاثين عاما.

في مطلق الاحوال تبدو هوامش المناورة ضيقة في لعبة “البوكر” حول عين العرب وما بعد عين العرب. المهم أن يجد داعمو الثورة السورية مساحة مشتركة يقفون فوقها لموازنة حيوية الايرانيين ومناورات الاميركيين.

النهار

 

 

 

تركيا تستعد لعملية بريّة؟/ سركان دميرتاس

المصدر: “حرييت”- ترجمة نسرين ناضر

في اليوم الأخير من عيد الأضحى، أشارت التقارير من بلدة كوباني الكردية الواقعة في الجهة السورية من الحدود، إلى أن تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) يقترب من السيطرة على البلدة بعد أسابيع من الصدامات العنيفة مع “وحدات حماية الشعب”، الجناح المسلّح لـ”حزب الاتحاد الديموقراطي”.

وقد أقرّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بخطورة الوضع في السابع من تشرين الأول الجاري لدى مخاطبته اللاجئين السوريين في مخيم إصلاحية في بلدة غازي عنتاب الحدودية، قائلاً: “كوباني على وشك السقوط”، وناشد الحلفاء الغربيين التعاون مع تركيا من أجل شن عملية برية.

على الرغم من أن تركيا تعي الخطر الذي يمكن أن يترتّب على الاستقرار في المنطقة في حال سيطر تنظيم “داعش” على كوباني، إلا أنه من غير المرجّح أن تخوض أنقرة حملة عسكرية ضد الجهاديين، وذلك لسببين أساسيين:

أولاً، لا تريد تعزيز الحكم الذاتي الذي يعمل الأكراد السوريون على إرسائه في شمال سوريا منذ أواخر 2012. فنشوء كيان كردي يتمتّع بدرجة متزايدة من الحكم الذاتي في شمال سوريا، في خطوة مكمِّلة للكيان الكردي القائم في شمال العراق، لن يكون تطوراً ساراً بالنسبة إلى تركيا.

لكن إذا امتنعت تركيا عن التحرك، قد تكون لهذا الأمر تداعيات على عملية التسوية الجارية حالياً بين السلطات التركية والأكراد، إذ إن السياسيين الأكراد والرأي العام الكردي يرفعون الصوت أكثر في انتقاداتهم الحادة للحكومة. ومن شأن ذلك أن يمارس تأثيراً سلبياً على جهود بناء الثقة بين الحكومة والأكراد داخل تركيا وخارجها.

ثانياً، تعتبر أنقرة أنه في حال إرسال قوات برية تركية، سيكون عليها أن تعالج المرض بذاته وليس عوارضه. علاوةً على ذلك، تعتبر الحكومة التركية أن إضعاف “داعش” من خلال الوسائل العسكرية، من دون اتخاذ أي خطوات ضد الأسد، لا يؤدّي سوى إلى مساعدة النظام السوري على استعادة السيطرة على البلاد. ونظراً إلى اضمحلال رغبة المجتمع الدولي في إطاحة الأسد، يمكن استخدام التهديد الذي يمثّله “داعش” من أجل دفع العالم الخارجي نحو الاستمرار في إيلاء أهمية لهذه المسألة.

وقد عبّر رئيس الوزراء التركي محمد داود أوغلو بوضوح عن هذا الموقف في مقابلة مع قناة “سي إن إن إنترناشونال” في السابع من تشرين الأول الجاري، قائلاً: “نحن مستعدّون لفعل كل شيء إذا كانت هناك استراتيجيا واضحة تضمن لنا أن حدودنا ستكون محميّة بعد رحيل داعش. لم نعد نريد أن يكون النظام موجوداً عند حدودنا، ويدفع بالأشخاص إلى الهروب إلى تركيا. لا نريد أن تنشط تنظيمات إرهابية أخرى هناك”.

وأبدى استعداد تركيا لشنّ عملية برية في سوريا، معتبراً أن الهدف منها “ليس فقط معاقبة تنظيم إرهابي واحد، بل أيضاً القضاء على كل التهديدات الإرهابية في المستقبل، وكذلك وضع حد لكل الجرائم الهمجية التي يرتكبها النظام ضد الإنسانية”.

والتقى داود أوغلو مع أردوغان في الإشارة إلى أنه لدى تركيا ثلاثة شروط كي تقدّم دعماً فاعلاً لقوات التحالف المناهض لتنظيم “الدولة الإسلامية”: بناء ملاذات آمنة في سوريا، وإقامة منطقة محظورة الطيران، وتدريب المعارضة السورية المعتدلة. المسألة هي أن شركاء تركيا لا يعتبرون مشكلة الأسد ملحّة بقدر مشكلة “داعش” وسواه من التنظيمات الجهادية. ولذلك لا يزالون متردّدين في إسقاط النظام، نظراً إلى التشوّش الشديد في المشهد الشرق أوسطي.

ما نستنتجه من كلام أردوغان وداود أوغلو هو أن القوات التركية لن تدخل سوريا لمساعدة الأكراد في كوباني أو محاربة “داعش”. فسيناريو التدخّل البري لن يحدث في هذه الظروف إلا إذا كان الهدف تغيير النظام في سوريا، أي إطاحة الأسد بالقوة.

انطلاقاً من كل ما تقدّم، سوف تستغرق تركيا وشركاؤها الغربيون وقتاً إضافياً قبل أن ينسّقوا مواقفهم ويحدّدوا ما هي أولوياتهم.

النهار

 

 

 

 

الإمبريالي الصادق/ أمجد ناصر

نحن لا نصدِّق جو بايدن. إنَّه نائب باراك أوباما، رئيس أكبر إمبريالية اليوم، وليس جورج حبش، جيفارا، أو هوشي منه. وبما أننا لا نثق بالإمبرياليين، ولا نصدّقهم، معيبٌ أن نستشهد بهم، أليس كذلك؟

هذا حال قوى عربية، طاعنة في الممانعة، لم تصدِّق أن بايدن “بقَّ” جوهرته حول الأنظمة العربية التي تدعم الإرهاب (مع أن الأنظمة التي قصدها لا تخطو خطوة بدون علم واشنطن)، حتى راحت تتهافت عليها. قال بايدن، الإمبريالي! قوله عن الدول التي تدعم الإرهاب في سورية، فرفعته تلك القوى حجَّة، لا يمسّها الباطل، على أن ما يحصل في سورية إرهاب في إرهاب، وليس ثورة ولا من يحزنون، وبأثر رجعي، وصولاً إلى أطفال درعا الذين دغدغوا جلد النظام البليد ببعض الشعارات.

لو أن الأمر اقتصر على هذه الفترة التي غطت فيها “داعش”، قصداً، على أي وضع آخر، لربما قلنا مثلهم، أين هي الثورة السورية الآن؟ ومثلهم كنا لنقول (وقلنا مائة مرة) إنَّ “داعش” منظمة إرهابية، بربرية، ولو جاءتنا بـ “رأس كليب”، ولن تأتي به أصلاً. بيد أن الجماعة لا يتحدثون، في معرض رفعهم كلام بايدن إلى مرتبة الحجة الدامغة، عن اليوم. ليس عن “داعش” ولا “النصرة” ولا “أحرار الشام”، وإنما عن فكرة الثورة السورية، عن الدماء الأولى، عن الشبان الذين لم يرفعوا سوى أصواتهم، عن شعارهم أنَّ الشعب السوري واحد. ففي عرف الذين يستشهدون بكلام بايدن (يا سبحان الله!) لا يحتاج نظام الأسد إلى ثورة. فهو الثورة، وأيُّ ثورة على الثورة ثورة مضادة. وأي ثورة على الثورة مؤامرة، وأي خلخلة للاستبداد خلخلة لأسس المقاومة والممانعة ضد إسرائيل!

نعرف أيَّ مآلٍ وصلت إليه الثورة السورية، اليوم، وندرك أن التساؤل عنها، وجوداً وأثراً، مشروعٌ. هذا من حق السوريين أولاً، ومن حق الذين يساندونهم في صراعهم في سبيل الحرية الحقّ، والوطنية الحقّ، والمقاومة التي لم تنس أن لها أرضاً محتلة منذ سبع وأربعين سنة!

مآل الثورة السورية، حتى الآن، محزن. ولكنه متوقع. أيُّ قادرٍ على التفكير السليم كان يعرف أن بقاء الثورة السورية في العراء وقتاً طويلاً سيؤدي إلى مساراتٍ لم تكن في أصل الثورة، ولا في أساس شعاراتها الأولى. أيُّ واحد، ومن دون خبرة سياسية، كان قادراً على تخمين إمكانية تسرّب من لا علاقة لهم بالثورة، كما يريدها السوريون، إلى ساحتها. ليس جديداً هذا. فقد حصل، من قبل، في غير مكان. اخذل المعتدل يأتيك المتطرف. دع الذين يمكن أن تكون بينك وبينهم جسور مشتركة يأتيك من يقطع الجسور. هذه قاعدة، تقريباً، وسورية ليست استثناءً، حتى لو تكلمنا عن الطبع الشامي الميّال إلى الاعتدال وإقامة الجسور، وأخذ شيء إذا تعذر أخذ كل شيء.

كان يمكن أن لا يحدث كل ما حدث، في سورية، لو أن النظام استجاب لدعوات التغيير الأولى التي اعتبرها (بعدما رفضها) محقة بعض الشيء. لكن، هذا لم يحدث. وليس مهماً، الآن، السبب الذي جعل النظام “يركب” رأسه، فقد سالت دماء كثيرة تحت الجسر وفوقه، وليس بمقدور أحد استرجاع تلك اللحظة “الممكنة”.

بماذا يفكر النظام، الآن، وطائرات “التحالف” تحلِّق في سماء سورية؟ إذا كان الذين هرعوا لتحنيط كلمات بايدن عن الإرهاب هو ما يفكر فيه النظام، فلا أمل في حلٍّ سياسي، ولا أمل في أن يجد النظام السوري، وحلفاؤه، معارضةً تؤمن بمبدأ الطاولة أصلا. إذا كان هذا ما يفكر فيه النظام السوري، فهو لم يستفد من نحو أربع سنين من الدم والدمار والتهجير. فليس مهما أن نقول لبايدين “من لسانك ندينك”، بل ما هو استعدادنا للحفاظ على ما تبقى من حياة في سورية، الركن الركين لبقاء المنطقة.

العربي الجديد

 

 

 

على واشنطن أن تختار: نحن أو إيران/ عبد الرحمن الراشد

قبل ثلاث سنوات كان «داعش» فرقة ذئاب صغيرة من بضع عشرات، اليوم هو قطيع من نحو ثلاثين ألفا، والسبب الاستهانة بخطره كجماعة فكرية تكفيرية انتحارية تبنت شعارا جذابا؛ مقاتلة النظام السوري الذي قتل عشرات الآلاف من المدنيين. وهكذا أصبح خطاب «داعش» السياسي، إنسانيا وأخلاقيا ودينيا، مقنعا جدا لكل المسلمين في أنحاء العالم.

إذا فهم المسؤولون الأميركيون هذه المقدمة البسيطة فإنهم سيدركون كيفية معالجة الوضع الخطير في العراق وسوريا، لكن إن استمروا في جهلهم فإنه سيستحيل عليهم كسب المعركة مهما كان حجم النيران والجهود العسكرية المبذولة في إطار التحالف القائم.

حاليا، واشنطن ترفض فكرة إقامة المنطقة المحمية للاجئين السوريين، داخل أو على حدود بلادهم، حيث يمكن أن يلجأ إليها ملايين النازحين، الهاربين من النظام. ونتيجة القرار الخاطئ ستكون ترك ملايين اليائسين السوريين فريسة لـ«داعش» و«النصرة»، اللذين يبيعان لشباب اللاجئين وعودا بهزيمة النظام ودخول الجنة. سيكون سهلا على «داعش» أن يجند آلافا من الفارين السوريين، إذا اقتنعوا بأن التحالف الغربي الدولي همه فقط مقاتلة «داعش» لا حمايتهم، فـ«داعش» بالنسبة لهم قتل بضعة آلاف من الناس، أما نظام الأسد فقد قتل منهم أكثر من ربع مليون إنسان. ولو تمكن المتطرفون من استمالة اللاجئين فسيستحيل على العالم الانتصار عليهم. على الحكومة الأميركية أن تدرك أن «داعش» هو نتيجة للفوضى، والفراغ، وضعف السلطة المركزية في دمشق، وأن القضاء على التطرف والإرهاب بمشروع سياسي أيضا يرضي أغلبية السوريين، وليس فقط المسيحيين الذين هم واحد في المائة من السكان، أو العلويين، ولا تزيد نسبتهم على عشرة في المائة. من دون مشروع سياسي تعلن عنه من الآن، ستسوء الأمور، وستزداد الجماعات الإرهابية استغلالا للوضع، وتكبر عددا وشعبية. وستقلب الرأي العام ضد التحالف فيكون مكروها عند ملايين السوريين، وملايين المسلمين المتعاطفين معهم.

والخطأ الآخر هو محاولة البيت الأبيض إرضاء إيران، بدعوتها للتعاون في سوريا والعراق ضد «داعش». فكيف تستطيع إيران، التي يحكمها نظام شيعي متطرف، مساعدة التحالف وإيران لا تملك تأثيرا على السنة؟ ما الذي يمكن أن يفعله نظام طهران أكثر مما حاول فعله خلال السنتين الماضيتين؟ فقد بذل كل ما يملك إبان حكم حليفه نوري المالكي في العراق وفشل، وتسبب في انهيار الأنبار وخمس محافظات عراقية أخرى، وسقوط الموصل في قبضة «داعش»، ثاني أكبر المدن العراقية. أيضا فشل الإيرانيون في سوريا، فهم يقاتلون فيها بقواتهم من الحرس الثوري، وبعشرات الآلاف من ميليشيات حليفة دعما لنظام الأسد، وفشلوا، وفقد النظام سيطرته على ثلثي البلاد! فكيف ستستطيع إيران دعم التحالف وهي التي فشلت في العراق وسوريا؟

على واشنطن أن تكف عن التردد، وتتوقف عن ارتكاب الأخطاء المكلفة، فهذه الحرب على الإرهاب أخطر من حربها على «القاعدة» في أفغانستان والعالم، لأن عدد مقاتلي «داعش» وحده اليوم ضعف عدد مقاتلي «القاعدة» في ذروة نشاطها قبل عشر سنوات، وعدد «داعش» سيتضاعف خلال الأشهر القليلة المقبلة بعكس ظنون المحللين، ما لم تتم إقامة أنظمة سياسية مركزية في الدول التي تعاني من الانهيارات، مثل سوريا والعراق.

بإمكاننا أن نقول للحكومة الأميركية اذهبوا مع الإيرانيين وقاتلوا «داعش»، و«النصرة»، ونحن قاعدون هنا نتفرج، لكننا نعرف مسبقا أن النتيجة ستكون فشلا ذريعا ومريعا، تعم بعده الفوضى والخراب والإرهاب.

اعلاميّ ومثقّف سعوديّ، رئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط” ومدير عام قناة العربيّة

الشرق الأوسط

 

 

 

 

 

تركيا في قلب المعركة.. الأهداف والمخاطر/ سعيد الحاج

دور فاعل

أهداف تركية

ردود الفعل

ماذا بعد التفويض؟

بعد 11 عاما من رفض مجلس الأمة التركي السماح لقوات التحالف الدولي باستخدام الأراضي التركية خلال الحرب على العراق، تأتي موافقته الحالية على تفويض الحكومة التركية بإرسال القوات المسلحة التركية واستخدام قوات عسكرية أجنبية للأراضي التركية لتفتح الباب واسعا على أسئلة عديدة تتعلق بالأهداف والمسارات والنتائج.

دور فاعل

ذلك أن الموقف التركي تبدل بنسبة 180 درجة بعد تحرير الرهائن الأتراك من يد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، حيث انطلق عقال الدبلوماسية التركية في توصيفه كمنظمة إرهابية بعد زوال الخطر المباشر على حياتهم، إضافة لتصريحات عديدة على رأسها كلمة رئيس الجمهورية قبل توجهه لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تؤكد مشاركة “فاعلة” لتركيا في التحالف الدولي المتشكل حديثا، والتخلي تماما عن مصطلحات “الدور السلبي” أو الدعم اللوجستي والإنساني.

فإضافة إلى تخلصها من قيد المحتجزين، ترى تركيا في التطورات الميدانية المتلاحقة تهديدا لأمنها القومي، ذلك أن المعارك تدور الآن في منطقة كوباني ذات الأغلبية الكردية (عين العرب بالتسمية العربية) القريبة من حدودها، وسيعني سقوطها بيد داعش وصول الأخيرة إلى منطقة تماس مباشر معها.

من ناحية أخرى، يبدو حصار التنظيم لضريح “سليمان شاه” في حلب نقطة توتر كبيرة لأنقرة، فالضريح هو المنطقة الجغرافية الوحيدة خارج الحدود التركية (عدا عن السفارات والقنصليات) التي يعتبرها الدستور “أرضا تركية” وتحرسها فرقة من الجيش التركي قوامها 50 جنديا داخل الأراضي السورية، مما يستوجب الرد على أي اعتداء عليه.

أهداف تركية

لكن التفويض الذي أعطاه مجلس الأمة للحكومة بأغلبية 298 صوتا في مقابل 98 رفضا، لا يعني بالضرورة انصهار تركيا في التحالف الدولي لتحقيق الأهداف المرسومة خارجيا فقط، بل تلوح في الأفق أهداف خاصة بتركيا يبوح بها ما بين سطور المذكرة التي صدرت.

فلم يفت على المراقبين تركيز المذكرة على النظام السوري أكثر من “داعش” التي يفترض أنها سبب استصدار التفويض، متهمة إياه بدعم المجموعات الإرهابية وتشجيعها على التوجه نحو الحدود التركية، وبذلك يشكل النظام الذي “فقد مشروعيته” وفق المذكرة خطرا على الأمن القومي التركي.

ولئن قالت المصادر الحكومية إن النص يتناول “أي تهديد أو عملية تضر بالأمن القومي التركي”، فإن المعارضة وخاصة حزب الشعب الجمهوري رأى فيها توجها لإسقاط الأسد أكثر من مواجهة “الإرهاب”، الأمر الذي دفعه لرفض المذكرة، رغم ضغطه المستمر على الحكومة لمحاربة التنظيم.

من ناحية أخرى، تشي العمومية والشمولية في النص بالكثير، فهي حين تتكلم عن خطر الإرهاب تشير إلى “كل المجموعات الإرهابية” في سوريا والعراق، بما يفتح الأفق واسعا أمام الحكومة التركية لأي سيناريو محتمل في البلدين، كما أن النص الجديد يختلف عن مذكرة الأول من مارس/آذار 2003 بعدم تحديد سقف زمني أو عددي للقوات الأجنبية، إضافة لعدم تحديد دول بعينها والاكتفاء بالإشارة إلى “قوات عسكرية أجنبية”، الأمر الذي يمكن اعتباره إشارة إلى إمكانية احتضان وتدريب قوات معارضة للأسد على الأراضي التركية سعيا لإسقاطه.

ردود الفعل

ورغم أن المذكرة عبارة عن مجرد تمديد ودمج لمذكرتين سابقتين ومنفصلتين لكل من العراق وسوريا، إلا أنها تحمل بوادر موقف تركي متجدد ومفتوح على آفاق كثيرة، لم تتأخر القوى الإقليمية والدولية في تلقف إشاراته.

الولايات المتحدة الأميركية التي تقود التحالف الدولي عبرت عن سعادتها بتفويض مجلس الشعب، واعتبرت أن “الوقت قد حان للتحرك” بعد أن تفهمت بطء التفاعل التركي معها بسبب الرهائن المحتجزين لدى داعش. لكن السؤال يبقى مطروحا حول مدى تفاهم الطرفين على الأهداف والعمليات التي ستشارك فيها تركيا، سيما وأن عمليات القصف مستمرة يوميا منذ فترة طويلة على حدود تركيا حتى قبل موافقتها، وفي ظل تباين واضح بين الحليفين إزاء الموقف من النظام السوري والمنطقة العازلة مثلا.

أما إيران، الجار القوي والحليف الأبرز لبشار الأسد في المعادلة الميدانية، فلم تتأخر على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف في “تنبيه” نظيره التركي إلى ضرورة عدم زيادة التوتر في المنطقة، وألا يكون من ضمن مخططات تركيا استهداف دمشق، والاكتفاء بالأهداف المعلنة من محاربة “الإرهاب”. ومن نافلة القول أن أنقرة في غنى عن أي مواجهة مباشرة -عسكرية أو غير عسكرية- مع طهران، سيما بدون غطاء ومساعدة بل ومشاركة التحالف ككل.

ماذا بعد التفويض؟

من البديهي في عالم السياسة أن تحدد النصوص الحدود الدنيا لا سقوف الحد الأعلى للفعل السياسي، وعليه فإن هذه الوثيقة التي تلحظ جاهزية تركيا وحكومتها “للرد” على أي تهديد لأمنها القومي، تفتح الباب على مصراعيه أمام أي تحرك تريده تركيا خارج حدودها، ووفق ما تحدده مصالحها.

ولئن صرح وزير الدفاع التركي عصمت يلماظ بأنه “لا يجب توقع تحرك تركي سريع ومباشر” بعد التفويض، وأن تركيا ستستثمره فقط في حالة الدفاع عن نفسها وحدودها، إلا أن النص العام والفضفاض يعطي تركيا مساحة واسعة من المناورة والفعل. يشير إلى هذه المساحة تصريح أردوغان أنه “في ظل الأزمات التي تمر بها منطقتنا لا يمكن أن نبقى مقيدين أو مترددين”، كما يوضحها كلام رئيس الوزراء داود أوغلو عن “إستيراتيجية تركية كاملة وجاهزة” لمواجهة كافة الاحتمالات، وتؤكدها مناورات القوات المسلحة التركية حاليا والتي شملت “محاكاة حرب حقيقية”.

ويمكننا في هذا الصدد، رصد ثلاثة ملفات في غاية الحساسية والأولوية لأنقرة: الأول، المنطقة العازلة أو الآمنة على الحدود التركية السورية، والتي تريد منها تركيا حماية حدودها من أي عمليات هجومية من نظام الأسد أو داعش، واستيعاب موجات اللاجئين، واستعمالها كنقطة ارتكاز أو منطلق لأي عمل عسكري بري قادم.

ويشير تصريح الناطقة باسم الخارجية الأميركية جين ساكي أنهم “لا يناقشون الأمر بفعالية” إلى فشل أنقرة حتى اللحظة في إقناع حلفائها برؤيتها، وعليه فيبدو أن تركيا تتجه نحو إنجاز الأمر بقرارها الذاتي وإمكاناتها المحلية، وهو ما يفسر تأكيد الساسة الأتراك مؤخرا أن الأمر لا يحتاج إلى قرار جديد من مجلس الأمن، وأن القرار رقم 688 لعام 1991 يشكل غطاء قانونيا لهذه المنطقة ذات الأهداف الإنسانية.

الثاني، حماية حدودها من تقدم “داعش” نحوها، إذ تجري المعارك حاليا على مقربة منها بين التنظيم من جهة وبين المجموعات الكردية من جهة أخرى، كما يبرز ضريح سليمان شاه في حلب كعنوان بارز لأي تحرك تركي عسكري. وتجدر هنا الإشارة إلى تسريب أخبار عن خطة تركية جاهزة للتفعيل إذا ما تم المساس بالضريح أو القوة الحارسة له، تتضمن طائرات F16 تصل المكان خلال دقائق، وفرقة كاملة على أهبة الاستعداد، إضافة إلى طائرات بلا طيار، وقوة صاروخية داعمة.

الثالث، توازنات وتأثيرات المعارك الدائرة على عملية السلام مع الأكراد داخل تركيا، ذلك أن تحذير أكثر من مسؤول كردي من فشل العملية إذا ما سقطت كوباني بيد داعش دفع رئيس الحكومة إلى التأكيد على أن تركيا “ستفعل كل ما يلزم” حتى لا يحصل ذلك، بيد أن الأخيرة تخشى أن يؤدي انتصار واضح للأكراد إلى تصلب موقفهم أو تواصلهم سياسيا وجغرافيا واستراتيجيا مع أكراد العراق (خاصة في حال حصلوا على أسلحة ثقيلة)، الأمر الذي يهدد عملية السلام برمتها.

في المشهد العام يبدو أن مذكرة التفويض أعطت أنقرة فرصة مساومة قوية مع التحالف الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة لقبول المنطقة الآمنة على حدودها، حيث ترى تركيا أن المجتمع الدولي يتجه لتفهم مقاربتها بضرورة الحل الشامل لأزمات المنطقة وعدم الاكتفاء بمكافحة النتائج (داعش) عسكريا. بهذا المعنى -فيما يبدو- تستشرف تركيا فرصة تاريخية بدخولها الحلف للعمل على تحقيق حجر الأساس في سياستها الخارجية منذ سنوات وهو إسقاط نظام الأسد.

ونستطيع في هذا السياق أن نفهم كلام داود أوغلو عن عدم قبول تركيا “تحديد مصير كل من سوريا والعراق بدون وجود آليات القرار التركية”.

بيد أن أنقرة تخشى من منظومة ثلاثية الأبعاد قد تهدد مصالحها وأمنها القومي بدل تأمينهما، أولها مستنقع الحرب البرية الذي لا تريد تركيا التورط به وترغب في الاكتفاء بالضربات الجوية والمنطقة العازلة، وثانيها الحذر من أي مواجهة إقليمية أو دولية مع حلفاء دمشق ولذلك فقد تسعى لتدريب وتأهيل الفصائل العسكرية المعارضة لتعمل على الأرض.

أما ثالث هذه المنظومة فهو التنبه للأهداف والمآلات بعيدة المدى للتحالف الدولي والذي قد تؤدي استطالة حربه إلى تقويض مصالح تركيا المتمثلة في الاستقرار والتنمية الاقتصادية بما يعود سلبا على دور تركيا ومكانتها مستقبلا.

الجزيرة نت

 

 

 

التحالف الدولي يحارب اخطر عدو للتمدد الإيراني في المنطقة/ راغدة درغام

مرعب كل هذا الانشغال لدرجة الهوس بـ «داعش» وكأن العالم توقف على عجل. هذا التنظيم ينافسه فقط الرعب من وباء ايبولا. السبب المباشر وراء اعتلاء «داعش» المرتبة الأولى في الأولويات الدولية هو ان الرئيس باراك أوباما دخل الحرب على «داعش» فباتت هذه حربه التي استُدعيَ اليها بالذبح الهمجي والدموية والجريمة المنظمة التي تميّز ارهاب «داعش». الولايات المتحدة تغرق في هوسٍ تلو الآخر تقليدياًَ، لربما نتيجة انصباب الإعلام الأميركي على أمرٍ واحدٍ تلو الآخر وكأن العالم توقف عند الأولوية الأميركية بصفتها طبق اليوم، إذا جاز التعبير. خطورة هذا النمط هي ان احداثاً فائقة الأهمية تغيب كلياً عن الأذهان فيما تختمر لتصبح في المستقبل القريب الخطر الداهم الذي «يفاجئ» أميركا، والأخطر أن حلفاء الولايات المتحدة وأصدقاءها يهرولون لتلبية أولويتها العاجلة بلا اصرار على استراتيجية واضحة وبتلهٍ تام عما يجب أن يتنبه اليه هؤلاء في عقر دارهم وفي حديقتهم الخلفية. وهذا تماماً ما حدث أخيراً في اليمن عندما سقطت العاصمة صنعاء في أيدي الحوثيين «أنصار الله» الموالين لإيران فبات اليمن مرشحاً للتحوّل الى عنق السيطرة الإيرانية على مضيق هرمز والملاحة الدولية. هذا الى جانب تحوّله الى أكبر وأخطر تحدّ حدودي مباشر للسعودية. كيف حدث هذا ولماذا؟ الأجوبة كثيرة، بعضها غامض وبعضها مدهش، انما السؤال الأهم هو ماذا بعد؟ فاليمن بات لإيران كما لبنان كان وما زال لها. وكلاهما على حافة الانفجار بينما العالم يلبي الدعوة الأميركية الى الأولوية «الداعشية» في سورية والعراق. لبنان يقع بين مربّع جاريه – اسرائيل وسورية – و «حزب الله» و «داعش». واليمن مرشح لحروب استنزاف تتداخل فيها «القاعدة» و «أنصار الله» من الحوثيين وقبائل وعشائر مسلحة وجيش يبدو ان ولاءه حالياً للانتقام كما يجسّده الرئيس علي عبدالله صالح الذي رُحِّل، ثم عاد.

ادارة أوباما خاضت الحرب على «القاعدة» في اليمن عبر طائرات بلا طيّار DRONES لسنوات عدة، وهذا ما كان مناسباً جداً لها لأن حرب الطائرات بلا طيار لا جنود أميركيون فيها، ولا ضحايا أميركيون، لا جثث ولا دماء. كانت تلك الحرب المُفضلة لدى الرئيس الأميركي الذي يلبي مطالب الرأي العام الأميركي وهي: ان هذا الرأي العام لا يريد أن يشاهد دماء ولا ان يتلقى جثث جنود أميركيين عائدة من حروب الآخرين، كما يراها. يفضل الأميركيون الحرب البعيدة من الأنظار، ويريد الرأي العام الأميركي ألاّ يُحاط علماً بما تسفر عنه غارات الطائرات بلا طيار من ضحايا الضرر غير المباشر Collateral damage.

الأميركيون في حيرة من أمرهم عندما يتعلق الأمر بإيران. فهم يريدون علاقة تهادنية مع طهران انما ليس لدرجة المباركة الصريحة لامتلاك الجمهورية الإسلامية الإيرانية السلاح النووي. ينساقون وراء الأطروحات التي تحاول اقناعهم بأن العدو الإرهابي المسلم هو السُنَّة الذين قام 19 منهم بإرهاب 11/9، لكنهم يتذكرون أيضاً ان ملالي ايران وثوّارها هم من احتجزوا 444 أميركياً وأن أكثر من عملية ارهابية اتُهِمت ايران بها من الخُبر الى لبنان. ما لا يستوعبه الأميركيون هو تفاصيل الدور الإيراني في العراق أو في سورية أو في لبنان أو اليمن. فهذه تفاصيل معقدة بالنسبة الى الأميركي العادي، لا شأن له بها ولا مزاج. اما عندما يتعلق الأمر بصنّاع القرار في مراكز القرار، فهذا شأن آخر. ومن السذاجة الافتراض أن السياسة الأميركية مبنية على جهل أو سذاجة أو غباء.

ومن هنا ينطلق السؤال الأهم: لماذا تقنين كل الاهتمام والأولويات في محاربة «داعش» بحشد دولي وإقليمي وبإيعاز واضح هو: ان هذه حرب ستستغرق سنوات؟

وللتوضيح، فإن طرح هذا السؤال ليس بهدف التقليل من أهمية وضرورة مكافحة «داعش» أينما كان وبتحالف دولي جدي وحازم. الهدف هو الإضاءة على خطورة الهوس والانصباب الحصري على حرب «داعش» لسنوات بلا استراتيجية وأفق سياسي للحرب ذاتها، وبتجاهل رهيب لما يجري في بلد هش صغير كلبنان أو بلد كبير مرشح للاستنزاف اللعين كاليمن.

ما قد يساهم في انقاذ لبنان من السقوط بين فكي كماشة «حزب الله» من جهة، و «داعش» و «جبهة النصرة» من جهة أخرى هو الجغرافيا ووجود القوات الدولية في جنوب لبنان. اسرائيل قد تجد في حرب التصفيات بين «حزب الله» و «داعش» وأخواتها مصلحة لها لأن أعداءها منشغلون عنها.

لكن تحوّل لبنان الى ساحة استنزاف يدق ناقوس الخطر على اسرائيل بسبب عدم توافر مؤسسات يمكن اعتبارها صمّام أمان تضمن عدم انزلاق المعارك الى حدودها أو عدم تحول لبنان الى نقطة انطلاق لكل هذه التنظيمات ضدها. وهذا يقلق اسرائيل وحلفاءها الأميركيين والأوروبيين على السواء.

العنصر الآخر هو وجود قوات دولية في «اليونيفيل» التي قد تتحول الى رهينة جاهزة لقوى «داعش» أو «النصرة» إذا ما سادت الفوضى العارمة في لبنان. وهذا أيضاً يدق في أعصاب الأوروبيين بالذات.

لكن، وعلى رغم ذلك، يبقى لبنان غائباً نسبياً في مرتبة الأولويات الأميركية والأوروبية وكذلك العربية. انه صندوق المتفجرات الذي لا أحد يرغب أن يمسَّه وكأن مجرد التظاهر بأنه لن ينفجر هو صمام أمان. هذه سياسة خطرة ومرعبة وقد حان لواشنطن والعواصم الأوروبية ان تبدأ حقاً أن تخاف، وان تخاف كثيراً، إذا استمرت بالاختباء وراء الاصبع متظاهرة ان في ذلك أماناً.

هذه الدول تعرف تماماً مفاتيح تحصين لبنان من الانفجار وهذه المفاتيح ليست كلها في أيدي «داعش» أو «النصرة» أو أمثالهما. جزء من المفاتيح المهمة في أيدي طهران التي يستمع اليها «حزب الله» كلياً إن كان لجهة خوضه الحرب في سورية الى جانب النظام أو لجهة متطلبات السماح بانتخاب رئيس جمهورية من أجل الكف عن سياسة الفراغ. جزء آخر يقع في أيدي العواصم الغربية والعربية لجهة نوعية الحديث مع طهران في زمن تعاضد هذه الدول في الحرب على «داعش» وأمثاله.

الدول الغربية لا تريد فتح الحديث حول الأدوار الإيرانية في لبنان واليمن وسورية والعراق مع طهران، لأنها، على ما تزعم، لو فعلت لميّعت الحديث النووي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهذا هراء.

كل ما عليها ان تضع على الطاولة هو عنوانان: الطموحات الإيرانية النووية، والطموحات الإيرانية الاقليمية. ولو طرحت العنوانين معاً لتمكنت من التأثير في صنع القرار الإيراني لمصلحة قوى الاعتدال التي تريد التركيز على الداخل الإيراني ولا تسعى وراء الهيمنة الاقليمية التي تميّز استراتيجية قوى تصدير الثورة الإيرانية. فإذا أرادت ايران التخلص من العقوبات، عليها الكف عن التدخل الواضح في سورية لمصلحة الرئيس بشار الأسد ونظامه، وفي لبنان لمصلحة سيطرة «حزب الله» على البلد، وفي العراق لمصلحة استمرار انماط الإقصاء التي فرضها حليف طهران رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وفي اليمن لمصلحة احتلال الحوثيين العاصمة صنعاء. هكذا يجب على واشنطن ولندن وباريس وبرلين تناول المفاوضات مع إيران، لو كانت حقاً صادقة في دعم استقرار المنطقة وليس زعزعته.

المشكلة هي ان الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة لا تخاطبها بجدية وبالصراحة التي تقتضيها هذه المرحلة. تعتقد هذه الدول ان الانصياع الى الأولويات الأميركية هو شهادة على الولاء وإثبات للجدارة والثقة. واقع الأمر ان هذه الأنماط من التعامل تساهم حقاً في إضعاف الشراكة وفي تقويض الثقة. وحان وقت اعادة النظر.

تقول الدول الخليجية انها لا توافق على شرعنة الدور الإيراني في الدول العربية. حسناً، انها على حق. واقع الأمر انها امام أمر واقع عليها مواجهته إما عسكرياً أو سياسياً. فالأخطبوط الإيراني ممتد الى العراق وسورية ولبنان واليمن. التحالف الدولي يحارب أحد أخطر عدو للتمدد الإيراني في العراق وسورية ولبنان المتمثل في «داعش»، وبالتالي انه يريح ايران وحليفها في دمشق وشركاءها في العراق ولبنان. مهما كان الهدف من محاربة «داعش» في المصلحة الإنسانية وفي مصلحة الأنظمة العربية، ان الحرب على «داعش» تقع بقوة في المصلحة الإيرانية وهذا يجب أن يُطرح صراحة على طاولة الشراكة العربية – الأميركية في الحرب الطويلة الآتية.

ما لم يُطرَح، ستمضي ايران في تنفيذ أولوياتها بلا مقابل وبلا ثمن تدفعه سوية بالآخرين. ستفوز بالعراق مجدداً، وبسورية ولبنان كإفراز طبيعي للحرب على «داعش»، وستُرسخ فوزها باليمن نتيجة التغيب والغياب العربي والدولي عن هذا الملف.

ما حدث في اليمن شهادة على مفاجأة الغياب والتغيب المدهشين. السعودية فوجئت بسرعة وزخم الحدث اليمني واستيلاء الحوثيين على العاصمة. لماذا فوجئت واليمن على أبوابها؟ هذا هو المدهش. يقال ان المملكة انشغلت بموسم الحج، وإن من الصعب عليها فتح جبهة اليمن وهي منغمسة في جبهة الحرب على «داعش». يقال انها راهنت على حلفائها من العشائر الذين صدموها. ويُقال انها صُدِمَت بحدة انتقام وارتداد علي عبدالله صالح عليها وكما بضعف الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي الذي وجد ان جيشه هو حقاً جيش علي عبدالله صالح.

الأرجح ان الخطوات الآتية ستصب في رفع الحصانة عن علي عبدالله صالح من خلال قرار لمجلس التعاون الخليجي أو لمجلس الأمن الدولي على أساس المساواة الخليجية التي أعطت صالح الحصانة من منطلق انها غير قابلة لتكون مجزّأة. وهذا يعني تفكيك المبادرة أو الغاءها. الأرجح أيضاً أن يفرض مجلس الأمن عقوبات فعلية على علي عبدالله صالح وعلى القيادات الحوثية عبر تجيير الأموال ومنع السفر وربما المحاكمات على جرائم حرب.

فالجديد هو في إلغاء القديم، أي الغاء المبادرة الخليجية وإيقاف الحوار تحت السيف الحوثي. لكن الإلغاء ليس استراتيجية. انه عقاب على انتقام. ومن الضروري ألاّ يُهدَر ما تم التوصل اليه عبر الحوار من آلية سياسية لنقل اليمن الى الفيدرالية والديموقراطية.

أما الرهان على حتمية اضمحلال القوى والسيطرة الحوثية لأنها ستصبح منتشرة بضعف في كل أنحاء اليمن، فإنه بدوره رهان وليس استراتيجية. انه وصفة لحرب أهلية ولاستنزاف بلد عربي آخر يلي استراتيجية فاشلة تمثلت في استنزاف سورية ودمّرتها شعباً وحضارة ودولة.

حان الوقت للتوقف عن الاستراتيجية المبنية على «قد» يحدث هذا وذاك واستبدالها باستراتيجية ألف وباء، للانخراط والخروج. فالتغيب والانصياع تكتيك مدمر للمنطقة.

الحياة

 

 

أردوغان ينتقم في … عين العرب/ الياس حرفوش

كوباني فرصة لرجب طيب أردوغان للانتقام. في عين العرب الكردية ينتقم الرئيس التركي من واشنطن ومن حزب العمال الكردستاني، ممثلاً بالقيادة الكردية المحلية التي تسلمت السيطرة على كوباني من قوات النظام السوري، كما ينتقم من صديقه القديم الذي تحول إلى عدوّه خلال السنوات الثلاث الماضية، الرئيس بشار الأسد.

من كوباني يوجه أردوغان رسالة إلى الرئيس باراك أوباما مفادها: ما هكذا تخاض الحروب ولا هكذا توضع الاستراتيجيات. القصف الجوي وحده لن يحلّ مشكلتكم مع «داعش». كلام لا يقوله أردوغان فقط، بل ردده القادة العسكريون الأميركيون الذين شككوا في فعالية هذه الغارات، ما يستدعي السؤال: من يقود هذا التحالف؟ ومن يعطي الأوامر طالما أن القادة أنفسهم ليسوا مقتنعين بالنتائج، أي بهزيمة «داعش»، حتى أن بعضهم يتوقع ثلاثين عاماً قبل تحقيق هذا الانتصار الموعود؟!

يشترط أردوغان للتجاوب مع الرغبة الدولية في اقتحام الحدود ومواجهة «داعش»، أن يكون هدف هذه المعركة واضحاً، أي سقوط نظام بشار الأسد. ويشكك الرئيس التركي في أن يكون هناك إجماع غربي (باستثناء فرنسا) على هذا الهدف. لهذا السبب هناك خلاف بين أنقرة وواشنطن حول أولويات المعركة. الأولى ترى أن الأولوية يجب أن تكون إسقاط الأسد. وقد عبر رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو عن ذلك صراحة في حديث إلى «سي أن أن» بالقول: لا تمكن محاربة تنظيم إرهابي بالتعاون مع إرهابي آخر. في المقابل، ترى واشنطن أن معركتها حالياً هي مع «داعش»، وتتجاهل أن هزيمة هذا التنظيم من دون خطة واضحة لما بعد «داعش» ستنتهي انتصاراً في يد إيران و «حزب الله» والحوثيين ومن لفّ لفهم، الذين يتقدمون على كل الجبهات فيما العالم منشغل عنهم بقتال «داعش».

يطالب أردوغان للمشاركة في التحالف، بقيام منطقة عازلة في شمال سورية تكون محظورة على سلاح الجو السوري وعلى قواته الأرضية، وتصبح في الوقت ذاته منطقة آمنة يعود إليها اللاجئون الذين هربوا إلى تركيا من القتال في المناطق الكردية وغيرها. وهو يعرف ان قيام منطقة كهذه سيشكل ضربة كبيرة لنظام الأسد، لأنها تكرس دولياً خسارته السيادة على قسم من أرضه، ويمكن أن تفتح المجال لمناطق حدودية مماثلة في الجنوب، وربما كذلك على الحدود الغربية مع لبنان، كما أن منطقة كهذه تعيد إلى الذاكرة قصة سقوط نظام صدام حسين التي بدأت بعزله في الوسط بعد فرض مناطق حظر طيران في المناطق الكردية شمال العراق والشيعية جنوبه.

أردوغان ينتقم في كوباني أيضاً من حزب العمال الكردستاني الذي فضل الوقوف في هذه البلدة إلى جانب الأسد نتيجة التحالف الذي سمح لصالح مسلّم زعيم «الاتحاد الديموقراطي» الكردي (حليف العمال الكردستاني) بإقامة حكم ذاتي في ظل غض نظر من دمشق، كان ثمنه قتال جماعة مسلّم مقاتلي المعارضة في تلك المنطقة، بمن فيهم مقاتلي «الجيش الحر». لا يرى أردوغان بناء على ذلك أي ضير في هزيمة هذه الجماعة الكردية ولو على يد «داعش»، طالما أن هذه الهزيمة تطمئن تركيا إلى القضاء على أي حلم كردي بقيام حكم ذاتي في مناطقهم المحاذية للحدود السورية. وعلى طريقة أردوغان في إطلاق التصريحات النارية لم يتردد في تشبيه حزب العمال الكردستاني بـ «داعش»، ما أطلق حملة كردية عليه عبّرت عن نفسها من خلال الاشتباكات الدامية التي وقعت في شوارع ديار بكر واسطنبول، والتي تهدد بالقضاء على التسوية التاريخية التي تحققت بين الجانبين قبل أكثر من عشر سنوات.

يعرف أردوغان أن ثمن موقفه المتحفظ على التدخل في كوباني سيكون انتقادات دولية واسعة تتهمه بتسهيل تقدم «داعش»، وربما بالتغطية على جرائم هذا التنظيم الإرهابي. لكن أردوغان يعتبر أيضاً أنه ليس مضطراً لخوض حرب الآخرين الذين يدفعونه إلى الغرق في الوحل السوري فيما هم يصوّرون الغريق من الجو.

الحياة

 

 

في أصول فراغ عربي يحتله “داعش”/ قاسم عز الدين

البحث في معتقدات «داعش» وما يدور في رؤوس جماعته، أو في تمويله وأشكاله التنظيمية، هو بحث في الفروع غالباً ما يحمل في طيّاته طلاسم خارقة يحرص التنظيم على ترويجها على لسان أعدائه. فما يقوم به «داعش» بمنهج ذبح الأبرياء على الهوية أو تدمير معالم الحضارة المتراكمة، لا يفسّره معتقَد أعوج أو مال فاسد. فهو منهج موات نقيض لاستمرارية الحياة في تاريخ بلادنا القديم التي يدلّ عليها تراكم الفعل الإنساني في نشاطاتنا الحياتية وثقافاتنا التعددية.

معتقدات «داعش» التي يستلهمها من الشيخين ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهما، هي واجهة إيديولوجية تغلّف مشروع السلطة والتسلّط في محاولته احتلال الفراغ العربي الجيو ـ سياسي والفكري عبر بثّ الرعب على أنقاض الدول المنهارة والبلدان الخربَة. وهو يعلّل دوافع زيادة الخراب خراباً، استناداً إلى أحداث هامشية في التاريخ الإسلامي القديم، أصّلها بعض رجال الدين لأسبابهم في خدمة مآرب سلطات الحكم الفاسدة. فابن تيمية المنكوب بنكبة «حرّاء» أيام التتار، حرّكه دافع نكبته، فذهب به إلى الانتقام من كل ما يجول في نفسه المصابة بالرهاب، مستنداً إلى أحداث عرَضيّة في التاريخ الإسلامي، جعلها منهجاً عاماً معيناً في نقمته. ففي رسالته إلى الملك الناصر التي نقلها الحافظ بن الهادي في العقود الدرّية بعد حملته على «الرافضة» في جبل لبنان (وقتها شملت كل من يتعارض مع صقور الحنبلية كما يقول الشيخ عارف الزين)، يستند ابن تيمية إلى أقاويل رواها «خاص الناس وعامهم» ومنها قولهم «لم نجد في جبلهم مصحفاً ولا قارئاً للقرآن». فهو يطلق العنان لمخياله في حكايته عن غزو التتار والصليبيين، للدعوة إلى قتل كل أهالي الجبل الذين يراهم «شرّاً من التتار في وجوه عديدة». لكن ابن تيمية لم يؤثر في أهل السنّة والجماعة من الشافعية والمالكية والحنفية ولا في علماء هذه المذاهب. بل إن تلميذه الحنبلي الحافظ الذهبي قرّعه في بيان «زغل العلم والطلب»، كما انتقده معاصروه شرّ نقد ومنهم أبي الفرج عبد الرحمن الجوزي الحنبلي. ولم يؤثر أيضاً في سياسة حكم المماليك الذين أفتى لهم، فما قام به هؤلاء في صراعاتهم على المُلك وفي اضطهاد جماعات طائفية أو اثنية ليس في حقل الفتاوى والمعتقدات، بل هو في حقل تاريخ الحكم ذاك الزمان وصراعاته الاجتماعية والجيو ــ سياسية، كما لا يخفى على باحث مبتدئ في علم التأريخ. وعلى مثال ابن تيمية ينتقم الشيخ محمد بن عبد الوهاب جرّاء خروجه من العيينة إلى الدرعية، هرباً من حاكم الإحساء حيث تلقفته حاشية محمد بن سعود في ظروف صراع مرير بين حكام أقاليم الجزيرة العربية على السلطة، بهدف نصرته عليهم. فهو على ما قيل له «غنيمة فاغتنم ما خصّك الله به». والتقط ابن سعود الغنيمة مشترطاً خدمته طول العمر بـ«أن لا يرجع عنه إذا نصرهم الله ومكّنهم». ولم يكن الشيخ أقل وضوحاً في معاهدته بطاعة أميره على «الدم بالدم والهدم بالهدم» كما يقول. لكن الأثر الذي تركته الحركة الوهابية في العالم العربي والإسلامي، كان غير ذي بال قبل انهيار الحركة الاستقلالية العربية وقبل فيض مآثر الحكم السعودي، الذي استقى من فتاوى الوهابيين و«المعتدلين» أو حتى «دعاة التنوير» ما يعزّز سلطته ونفوذه، بل أفتى له هذا وذاك ما تلقيه عليه عهدة الطاعة والولاء.

فالمعتقدات والأفكار والإيديولوجيات التي تبدو منزّهة عن الغرض هي أكثرها وضاعة في المصالح الخاصة (بيار بورديو). فهي حركة في الفروع، يأخذها معظم العاملين في ما يسمى «الشأن العام» على أنها الأصل الذي يحكم سبُل العمران وأحوال المعاش، خدمة لمأرب تمجيد رأسمالهم الرمزي. لكن النفخ في نار الفروع يعكس إدقاع بعض النخب التي تقرأ الظواهر الاجتماعية والسياسية من رأسها بالفكر والمعتقدات والثقافة، في ظنّها قراءة الظواهر من الماضي إلى الحاضر. وهي قراءة لا ترى غير رأس جبل الجليد تحت مياه المحيط، على ما نرى من أقاويل تتوافق بشكل أو بآخر مع أقوال «داعش» في معرض تأييده أو نقضه. بيد أن «داعش» ليس قيادة التنظيم التي تجول في رأسها معتقدات يقول بها هذا أو ذاك من دعاة التذابح بين الجماعات الطائفية، كما ظهرت دوماً على مرّ العصور. ولا هو مجرد تقاطع مصالح بين دول تدعمه بالمال والغطاء السياسي، بل هو ظاهرة في قاعدة الهرم العريضة ولّدتها أحوال انهيار العمران في سياق التحولات الدولية والإقليمية، فأفضت إلى استقطابه العديد من شرائح الفئات الوسطى والدنيا على مدى العالمين العربي والإسلامي. وهي ظاهرة مكرورة في ظروف مشابهة من تاريخ صراعات اجتماعية وجيو ـ سياسية عميقة في أوروبا الغربية التي تمخّضت عما هو معروف من تطهير عرقي ـ ديني أُطلق عليه تسمية «الحروب الدينية». ففي مثل هذه الصراعات الاجتماعية والجيو ـ سياسية المأساوية يصعد أشباه «داعش» كما صعدت «الفاشيات» في مآسي الحروب، على أنقاض خراب المجتمعات والبلدان الذي أصاب فئات واسعة برهاب الفراغ فولّد اليأس والبؤس في نفوسهم همجية النحر والانتحار.

هذه الفئات التي تغذي «داعش» بزهرة شبابها من الانتحاريين والذباحين، كانت حتى الأمس القريب تغذّي، بمعظمها، حركات الاستقلال السياسي وحركات التغيير الاجتماعي والقومي. لكن هذه الحركات السياسية فشلت في الحكم والمعارضة بتغيير الأسس المؤسّسَة لانهيار الدول وتذابح الجماعات، ولم تستطع تياراتها المعارِضة لاحقاً أن تجدّد نفسها في الدفاع عن الحقوق السياسية والاجتماعية والوطنية. فالفراغ الجيو ـ سياسي الذي أحدثه تحوّل المنظومة العربية من منحى الاستقلال السياسي إلى منحى التبعية، في منتصف السبعينيات، صاحَبَ فراغ معارضات التغيير والدفاع عن الاستقلال السياسي، فأفضى الفراغان إلى غابة ما لبثت أن أصبحت فوضاها منظومة طبيعية.

وفوضى الغابة التي ترعرع «داعش» في أرضها الخصبة قامت على تفكيك أسس منظومة التعدد الاجتماعي والثقافي والطائفي والاثني التي زخرت بها المجتمعات «المتخلّفة» ثروة إنسانية، حتى انتهاء مرحلة الاستقلال السياسي في أواسط السبعينيات. فهذه المجتمعات حفظت بُنى بقاء التعدد واستمراريته في المعاش المحلي الصغير الريفي والمديني، وفي نواحي السكن والتجمعات، ما أتاح لها البقاء في ممارسة طقوسها وثقافاتها الخاصة. لكن «الانفتاح» على أثر هزيمة الحركات الاستقلالية في منتصف السبعينيات، قلب هذا التوازن رأساً على عقب في مسار تهميش قيَم الثروة الإنسانية الموروثة، لمصلحة قيَم منظومة تمركز ثروة الريع والتجارة في أيدي القلّة المنفتحة على الاستيراد والتصدير في السوق الدولية. هذا المنحى الذي أخذ طريقه إلى جميع البلدان العربية في سياق تحوّل المنظومة الدولية منذ منتصف السبعينيات (وصايا البنك الدولي، الإصلاحات الهيكلية، الديون، استراتيجية السلام….) استفحل في منتصف التسعينيات حيث كان احتلال العراق مختبر التحوّل النيوليبرالي المعولَم، الذي انفجرت معه الفاشيات الحديثة في كل أرجاء المعمورة، وليس «داعش» منه غير القشّة التي قصمت ظهر البعير.

هو تحوّل استهدف إلغاء دور الدولة بصفتها ناظم المشترَك الأعلى بين مجمل الفئات الاجتماعية والثقافية المتباينة. وعلى حطامها رست منظومة التبعية لنموذج الغابة النيوليبرالية الذي يقوم على توزيع نهب الثروات الإنسانية الموروثة والثروات العامة المتراكمة، وعلى محاصصة فُتات النهب بين أجنحة الطبقة السياسية ونخبها في السلطة. وعلى الرغم من الثورات العربية لتغيير هذه المنظومة نحو تغيير نموذج الفراغ الجيوــ سياسي وإعادة بناء الدولة، نجحت الطبقة السياسية ونُخبها في ثورتها المضادة لتجديد المنظومة في الاحتراب على إصلاح طربوش السلطة وهندامها. وبمقدار ما أنتجت هذه المنظومة احتراباً على الفُتات من فوق، أنتجت تذابحاً على التقاط فُتات الفُتات من تحت. فـ«داعش» هو حصيلة منظومة هذه المتغيرات العميقة، لكنه جزء من أجزائها الأكثر وحشية في تقاطعه مع مصالح الدول التي أرست منظومة التذابح، إذ يتقاطع معها على تمزيق أجساد ضحايا المنظومة، كما يتقاطع مع مصالح الدول الاقليمية الملحقة بالتبعية لاستراتيجيات ومصالح الغابة الدولية. غير أنه كباقي الحركات الفاشية القديمة والحديثة المنفجرة طولاً وعرضاً، يسعى إلى ملء الفراغ الجيو ـ سياسي بالتطهير العرقي والديني، وفي العودة إلى الأصول «النقيّة»، وفي إشعال فتيل قنبلة الهويات القاتلة.

المعركة ضد «داعش» هي معركة حفظ البقاء واستمرارية الحياة، دفاعاً عن الوجود في هزيمة الهمجية بالقتال على الأرض وجهاً لوجه. لكن هذه المعركة جزء من حرب أوسع وأضنى لتجفيف منابع «الداعشية» في الفراغ الجيو ـ سياسي، الذي يزيده الصراع الاقليمي على توسّع النفوذ، خواء في الفضاء العربي. وما أوهام المحافظة على الحدود «الوطنية»، في ما يسمى «سيادة الدولة» التي تتذرّر في العصر النيوليبرالي، سوى روافد «داعش» القوية التي تغذّي حلوله الفاشية في توحيد «الأمة». فحجر الزاوية في منحى إعادة بناء الدولة الوطنية في سياق الاندماج الاقليمي، هو تفكيك التبعية للنموذج النيوليبرالي ولا سيما تفكيك أسس انهيار الدول وخراب المجتمعات في حرية الرأسمال الكبير وزيادة النمو والتصدير، والوصفات المقدسة الأخرى لما يسمى المنافسة في السوق الدولية. فتوطين أسباب المعاش وسبُل العمران في الحقل الاقليمي، يتيح إعادة بناء دور الدولة الناظم لمصلحة الجماعة الوطنية، ويتيح تناغم تعدّد الجماعات المنتجَة للثروة الاقتصادية والثروات الانسانية على السواء.

أصول همجية الذبح، تنبع من قاعدة جبل الانهيار والخراب، لا من رأسه ولا من رأس «داعش».

السفير

 

 

 

الحرب الجوية لن تؤدي إلى انتصار/ د. عبد الحميد صيام

سيذكر التاريخ الرئيس الأمريكي باراك أوباما بانه صاحب نظرية الحرب على الإرهاب من الجو عن طريق الدرونز (الطائرات من دون طيار). فكثير من الرؤساء الأمريكيين يخلدهم التاريخ بحادثة ما أو سياسة حكيمة أو غير حكيمة تذكر كلما ذكر الرئيس. فأبراهام لنكولن أول من حاول تحرير العبيد، والرئيس ولسون أول من طرح فكرة حق تقرير المصير للأراضي والشعوب المستعمرة، وروزفلت هو من انقذ الاقتصاد الأمريكي بعد الانهيار، ونكسون اخترق المحظور وزار الصين، وكارتر فشل في تحرير الرهائن الأمريكيين من إيران، وريغان انهك الاتحاد السوفييتي وأوصله إلى حالة الانهيار التي وقعت في عهد خلفه بوش الأب الذي سيرتبط اسمه بتحرير الكويت وجمع أكبر تحالف عسكري في التاريخ ضد العراق حيث بدأ في عهده مشوار تدمير العراق واحتلاله على أيدي ابنه جورج والذي شهد كارثة 11 أيلول/ سبتمبر التي أطلقت ما سمي إلى يومنا هذا «الحرب على الإرهاب».

يقول أوباما ومستشاروه ان من مزايا الحرب عن طريق الجو باستخدام الدرونز ان بساطير العساكر لا تطأ الأرض وان نسبة المخاطرة بأرواح الجنود الأمريكيين تكاد تكون معدومة بالإضافة إلى الرضى الشعبي الذي تلقاه مثل هذه السياسة لدى الشارع الأمريكي الذي يقارنها بألعاب الفيديو الذي يقوم فيها البطل بإبادة الأعداء ويرجع منتصرا مكللا بالغار والأوسمة. كما ان هذه الحرب تعيش في الغياب فلا يشعر الأمريكي العادي لا بضراوتها ولا بأنات الضحايا من الأبرياء الذين تتصيدهم القذائف العمياء والتي كثيرا ما تخطئ هدفها لتصيب أبرياء صدف وكانوا في المكان الخطأ لحظة انفجار القذيفة.

طوال فترة حكم بوش الابن التي استمرت ثماني سنوات لم يفوض استخدام الدرونز إلا نحو خمسين مرة. أما أوباما فقد فوض استخدام الدرونز لأكثر من 400 مرة منذ وقع التفويض الأول بعد ثلاثة أيام فقط من جلوسه رئيسا في البيت الأبيض. ففي 23 كانون الثاني/يناير 2009 انطلقت قذيفة من درون تابعة لوكالة المخابرات المركزية لتدمر منزلا في منطقة القبائل بباكستان وقيل يومها ان الغارة كانت ناحجة تماما فقد اصطادت عددا من قادة القاعدة «من بينهم هدف على قدر كبير من الأهمية». لكن تبين بعدها ان الذين قتلوا كانوا تسعة من عائلة واحدة ولم ينج منهم إلا فهيم قريش الذي أصيب إصابات بالغة. ورغم هذه البداية غير الموفقة إلا ان أوباما توسع في استخدام الدرونز لتشمل بالإضافة إلى أفغانستان وباكستان، اليمن والصومال وشمال مالي وليبيا والآن العراق وسوريا. وقد دخلت القوات الجوية العادية اليوم مرحلة الحرب على داعش وأخواتها لتكون السنة السادسة من رئاسة أوباما سنة الحرب الجوية الشاملة على الجماعات الإرهابية في أكثر من بلد وأكثر من ساحة. فهل ستأتي هذه السياسة بأية نتيجة وتهزم الفصائل التي توصف بالإرهاب كالقاعدة وداعش والنصرة وغيرها؟

يقول مؤيدو الحرب باستخدام الدرونز انها فعالة وقليلة التكلفة في نفس الوقت. فقد قتل من بداية التوسع في استخدام الدرونز 3.300 عنصر من القاعدة وطالبان والشباب في الصومال وأنصار الشريعة في اليمن. ومن بين هؤلاء، حسب تقرير «نيو أمريكان فاونديشن»، خمسون من قادة هذه الجماعات أبرزهم عطية عبد الرحمن الذي اصطادته الدرونز في منطقة وزيرستان بالباكستان. وقد أدى قطع رؤوس القيادات الكبرى إلى صعود قيادات متوسطة عديمة الخبرة وضعيفة التخطيط والقيادة وخائفة على رؤوسها. استطاعت الدرونز ان تدمر خطوط الاتصالات وطرق التموين ومخابئ التدريب ومخازن السلاح. وقد وجدت رسالة خلفها عناصر متطرفة في مالي تقول «حافظوا دائما على الصمت المطلق بعدم استخدام وسائل الاتصال اللاسلكية». لقد ألغت القاعدة من برامجها عمليات التدريب والاتصالات بالقيادات في حالة الوقوع في مأزق لأن هذا يعني ان هجمات الدرونز ستصل مباشرة.

ويتابع أنصار استخدام الدرونز ان حكام الدول التي تستخدم فيها هذه الطائرات لا يجدون حرجا كبيرا مثلما لو كان هناك جنود أمريكيون على الأرض يقاتلون ويعتقلون ويحققون مع المعتقلين. فانتهاك السيادة في هذه الدول لا يكون مفضوحا بطريقة رعناء ووقحة مثلما لو كانت العمليات تشمل جنودا على الأرض ومعدات قتالية واعتقالات واشتباكات.

ان أكبر عملية نقد يتعرض لها أوباما وإدارته من قبل مناهضي الحرب على الإرهاب عن طريق استخدام الدرونز هي سقوط المئات من المدنيين الأبرياء الذين لا دخل لهم بتلك الحرب. وتقر إدارة أوباما بسقوط مدنيين لكن لا تجد ما تبرر ذلك إلا ان البدائل معدومة وان أي حرب في النهاية لا يمكن إلا ان يسقط فيها مدنيون وان الحرب بمفهومها التقليدي لو شنت ضد الإرهابيين فستشمل مخاطر سقوط عدد أكبر من المدنيين.

يقول «مكتب الصحافة الاستقصائية»، المتخصص في متابعة الحروب المخفية وتوثيق خسائر المدنيين، ان إدارة أوباما قد شنت 390 غارة عن طريق الدرونز في باكستان واليمن والصومال في السنوات الخمس الأولى من حكمه أدت إلى مقتل 2.400. وفي سنة 2011 وحدها قتل على الأقل 900 شخص من غير المحاربين من بينهم 200 طفل. ويصل مجموع المدنيين الذين قتلوا في الغارات نحو 500 مدني. ففي اليمن مثلا وعندما بدأت إدارة أوباما بمهاجمة مناطق القاعدة أصاب صاروخ منطقة فقيرة في المجالا، جنوب اليمن، وخلف 41 قتيلا من المدنيين من بينهم 21 طفلا و 12 امرأة. وفي 12 كانون الأول/ديسمبر 2013 أصابت أربعة صواريخ أطلقتها طائرات الدرونز موكب عروس مكونا من 14 سيارة و 70 راكبا متوجها نحو بيت عريسها في عقبة زعج بمحافظة البيضاء فقتلت 15 مدنيا. وبعد ان ادعت حكومة عبدربه هادي منصور ان القاعدة قامت بالعملية تراجعت وسوّت القضية مع العائلة بمبلغ قيمته 140.000 دولار و100 بندقية.

وتتهم جماعات حقوق الإنسان وخاصة في باكستان ان الولايات المتحدة وباكستان تتستران على مجموع الضحايا من المدنيين وكما «تسمي الولايات المتحدة كل شخص قتل طالبان فانا أسمي كل شخص قتل مدنياً»، يقول زيشان الحسن عثماني الذي يشرف على منظمة غير حكومية تسمى «باكستان بودي كاونت، أو عدّ القتلى من الباكستانيـين». وتثبت هذه المنظمة على موقعها ان عدد الذين قتلتهم غارات الدرونز 3.315 والجرحى 4.590.

ان غياب العنصر الإنساني في محاربة الإرهابيين والاعتماد على ضربهم من الجو عن طريق الدرونز أو الغارات الجوية يفقد الولايات المتحدة وحلفاءها عنصر جمع المعلومات وتحليلها والاستفادة منها في إفشال مخططات مستـقبلية لهذه الجماعات. وللانتصار عليهم لا بد من قيام مواجهة معهم على الأرض. ان تصيدهم بالصواريخ والقذائف والتي تؤدي إلى قتل المدنيين لا بد إلا ان يكون لها رد فعل مساو من الغضب ضد الولايات المتحدة وحلفائها من أهالي الضحايا والفئات الشعبية البسيطة والبريئة التي لا دخل لها في الجماعات المتطرفة التي فرضت نفسها عليهم بالقوة وحولتهم إلى ما هو أقرب إلى الرهائن أو دروع بشرية يختبئون وراءهم حماية من الغارات القادمة. ويشير أنصار نظرية عدم فاعلية الدرونز إلى ان عملية تصيد أسامة بن لادن تمت عن طريق العامل البشري وليس الدرونز. فالدرونز لا تعتقل أحدا ولا تستولي على ذاكرة كمبيوتر ولا تعود برزمة من الأقراص المدمجة أو المخططات والخرائط والمراسلات السرية.

ان التوسع في استخدام الدرونز أثار حفيظة الدول حول انتهاك الولايات المتحدة للقانون الدولي بقيامها بانتهاك سيادة الدول وقتل المئات من المدنيين دون ان تنجح في جعل تلك الدول أكثر أمنا. على العكس تماما فقد ساهمت ملاحقة الإرهابيين عن طريق الدرونز في انتشارهم في رقع جغرافية واسعة من جهة واندساسهم بطريقة خفية بين الناس.

ان دور الدرونز في الحملة الجوية التي تشنها الولايات المتحدة ضد مواقع الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» غير واضحة، إلا ان هناك تقارير تؤكد قيام طائرات درونز بالتحليق ليس فقط فوق العراق بإذن من الدولة لكن فوق سوريا بدون إذن من الدولة. ومن المتوقع ان يتم إدخال عنصر الدرونز في المعركة بشكل واسع في الأشهر القادمة لتساند الطائرات الحربية والطائرات العمودية أباتشي التي قررت الإدارة الأمريكية الاستعانة بها لملاحقة عناصر داعش الذين بدأوا يتمددون في مناطق أكراد سوريا بعد ان توقف زحفهم نحو كردستان العراق. الشيء الذي يتفق عليه الأكاديميون ودور البحث ان الحرب مع داعش ستأخذ وقتا طويلا ولا يمكن حسمها من الجو حتى باستخدام الأباتشي والدرونز والطائرات الحربية وان فاعلية الجو ستتلاشى في حالة تشابك قوات داعش على الأرض مع المدنيين لتحولهم رهائن وفي نفس الوقت دروعا بشرية يحتمون خلفها لسنين طويلة في غياب قوات برية تأتي للمنازلة.

فهل تعول الولايات المتحدة على تركيا للقيام بهذا الدور أو تفتح خطوطا للمصالحة مع النظام السوري ومهادنته مؤقتا من أجـــل القضاء على العدو المشترك للطرفين على اعتبار ان عدو عدوي هو الان صديقي؟

٭ أستاذ جامعي وكاتب عربي مقيم في نيويورك

القدس العربي

 

 

 

التحامل على تركيا/ د. عبدالوهاب الأفندي

(1) في الدقائق الماضية كنت أتابع عدة تقارير على الراديو تتناول اتهامات كردية وغربية ضد تركيا بأنها تتلكأ في دعم المقاتلين الأكراد في سوريا. ولكن وزير الدفاع البريطاني، أحد من وجهوا هذه التهم على استحياء، رفض عندما سئل عن إرسال طائرات لتدافع عن عين العرب مجرد التفكير في الأمر، قائلاً: لا أعتقد أن البرلمان سيوافق! عندها علقت على تويتر أقول: إذا كانت بريطانيا، وهي تبعد ثلاثة آلاف ميل من المدينة، لا تريد أن ترسل طائرة واحدة يمكن سحبها في لمحة بصر، فكيف تريد من تركيا الانغماس في المستنقع السوري في جوارها دون الدعم الذي تطلبه؟

(2)

في أحد التقارير، تحدث المراسل مع أكراد جاءوا من العراق واسكندنافيا للتضامن مع إخوانهم في عين العرب، وكلهم يلوم تركيا ويطالبها بإرسال جيشها لدعم المقاتلين الأكراد الذين يهددون تركيا بشن الحرب عليها إن لم تدعم فصائل حزب العمال الكردستاني الذي يقاتل هناك! وإذا كان الجيش التركي من الجبن بحيث يخضع لمثل هذا الابتزاز، فلا بد أنه أجبن من أن يدخل في قتال مع داعش التي لم تبدأه بالقتال بعد. فوق أنه لا ضمانة بألا يقاتل حزب العمال الجيش التركي حتى بعد أن تدعمه ضد داعش، حيث ستقوى شوكته ويحصل على مزيد من التدريب والأنصار والسلاح.

(3)

يعبر المسؤولون الأتراك عن القلق من أمرين تجاه الدعوات المتصاعدة لتدخل تركي بري منفرد في سوريا. الأول يتعلق بالمقاتلين الأكراد، حيث تراهم تركيا الرسمية نسخة أخرى من داعش. فهم مجموعة ذات أجندة إقليمية، تسعى لدولة كردية «كبرى» في سوريا والعراق وتركيا وإيران. وعلى أقل تقدير، هناك تعاون عسكري بين الميليشيات عبر الحدود، وهناك كما أشار التقرير أعلاه متطوعون يأتون من كل بلاد العالم، تماماً كما هو حال داعش. ومن المعروف أن بعض الميليشيات الكردية تحالفت مع نظام الأسد وأعانته ضد الشعب السوري، بمن في ذلك الأكراد المعارضون. وما تزال أجندة هذه التنظيمات غير واضحة وغير موثوقة.

(4)

موضوع القلق الثاني بالنسبة لتركيا هو تداعيات الأزمة السورية على استقرارها وأمنها. فأي تدخل واسع ضد داعش في سوريا سيعني تدفق المزيد من اللاجئين إلى بلد يؤوي سلفاً أكثر من مليون ونصف لاجئ. وهناك أيضاً قلق من مؤامرات النظام السوري، وله أنصاره وعملاؤه في داخل تركيا، إضافة إلى تهديدات من إيران وبقية حلفاء النظام. ومن حق تركيا أن تقلق وتطلب الضمانات.

(5)

لعل المفارقة هي المطالب المتناقضة التي يضعها خصوم تركيا، كما علق أحد المسؤولين الأتراك بأن معارضي الحكومة، ومنهم الأحزاب الكردية، رفضت قرار البرلمان تفويض الحكومة بالتدخل في سوريا إذا اقتضى الأمن القومي ذلك، ولكنهم سارعوا بمطالبة الحكومة بتطبيق القرار الذي صوتوا ضده! قبل ذلك رفع المعارضون أصواتهم ضد تدفق اللاجئين السوريين الذين آوتهم تركيا وقدمت لهم الإعاشة، وهم مع ذلك لا يدعمون مطالب تركيا بمنطقة عازلة توفر الأمان لهؤلاء اللاجئين داخل بلادهم كما نعم بذلك أكراد العراق بعد حرب عام 1991. هؤلاء المعارضون نفسهم يساهمون اليوم في زعزعة استقرار تركيا إشاعة الاضطراب، ثم يطالبون تركيا باتخاذ خطوة غير محسوبة وغير مدعومة دولياً بتدخل لا تعرف عواقبه!

(6)

قامت سياسة تركيا الخارجية التي صاغها رئيس الوزراء الحالي أحمد داوود أوغلو على المبدأ الذي سماه «تصفير المشاكل» مع الجيران. ولهذا سعت تركيا إلى إقامة علاقات تعاون مع إيران وسوريا والعراق وبقية دول المنطقة، ورفضت في سبيل ذلك إملاءات حلفائها الغربيين، ولكنها لم تفقد احترامهم ولا علاقات التعاون معهم. ولهذا السبب، ترددت تركيا كثيراً قبل القطيعة مع الأسد، وقدمت له كل أطواق الإنقاذ الممكنة، ولم تتركه إلا بعد أن غرق في دماء شعبه ولم يعد هناك من سبيل إلا الغرق معه (كما فعل حلفاء آخرون)، أو النجاة بالنفس.

(7)

كتب معلق غربي قبل سنة يقول إن سياسة تركيا سعت إلى «تصفير المشاكل» ولكنها انتهت بـ «تصفير الأصدقاء». وهذه بالطبع مبالغة، وهناك افتراض هنا بأن من خسرت تركيا صداقتهم، مثل أنظمة الأسد والمالكي والسيسي وأضرابها، كانوا يستحقون دوام المودة، أو أن تركيا كانت الخاسر من فقدان صداقة هؤلاء. وهذه مسألة فيها نظر. فتركيا بلد ديمقراطي مستقر، عضو في حلف الأطلسي، وصاحب الاقتصاد السابع عشر في العالم، وأقل دولة تأثرت بالأزمة الاقتصادية العالمية. فماذا يضرها إن كان بشار الأسد لا يحبها؟

(8)

التحامل المتزايد على تركيا من الغرب ودول الجوار هو دليل أزمة عند المتحاملين أكثر مما هو عنوان أزمة تركية. صحيح أن تركيا تواجه أزمات داخلية وخارجية، ولكن معظم الانتقادات الموجهة لتركيا تنطلق من الاعتراف بقدراتها وتفوقها، والمطالبة بأن تستخدم قدراتها في خدمة أجندات غيرها. ولا تأتي مذمة تركيا اليوم إلا ممن قصروا عن اللحاق بشأوها.

(9)

لا شك أن هناك مسافة طويلة تحتاج تركيا إلى قطعها، وهي تحتاج إلى تعميق الديمقراطية فيها، وإلى معالجة خلافاتها وأزماتها السياسية الداخلية. ولكن ليس من العدل لوم تركيا على مشاكل جيرانها ومحاولة هؤلاء تصديرها إليها. وحتى الآن، فإن أحسن استقبال وأكرم وفادة يحصل عليها اللاجئون السوريون هي في تركيا، رغم ثقل العبء عليها وانعدام الدعم الخارجي. وفي نظري أن تركيا على حق في الحذر تجاه التدخل في سوريا بدون ضمانات كافية، ومن يريد أن يدفعها إلى التورط غير المحسوب هو المخطئ.

٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

القدس العربي

 

 

 

خريطة “داعش”/ حازم صاغية

نُشرت خريطة لتنظيم “داعش” تضمّ الدول التي تنوي هذه الحركة أن تسيطر عليها وتوحّدها في دولة – خلافة إسلاميّة واحدة. وهذه البلدان والمناطق تشمل، بالتسميات الداعشيّة لها، العراق والشام والحجاز واليمن وخراسان وكردستان وبلاد القوقاز والأناضول وأوروبا والأندلس وأرض الكنانة وأرض الحبشة والمغرب.

وقد لا يكون ظهور هذه الخريطة عن “داعش” خبراً دقيقاً، بعد شيوع أخبار عنها ثم ثبت أنّها ليست كذلك. لكنّه أيضاً قد يكون صحيحاً، يشبه العقل الداعشيّ في تعاليه على الواقع وإنكاره له. فخريطة كهذه تغفل، بين ما تغفله، فواصل جغرافيّة ولغويّة وإثنيّة وثقافيّة هائلة، وفوارق ضخمة تطال الأصعدة التنظيميّة والاقتصاديّة والتعليميّة جميعاً في ما بين البلدان المدعوّة للانضواء في دولتها. وهي مثلاً تستدعي أعمالاً شاقّة جدّاً، هذا إذا تواضعنا في التعبير، كمثل أسلمة القارّة الأوروبيّة، بقدر ما تقود إلى شطب المفاعيل الضخمة لقرن كامل تلا انهيار السلطنة العثمانيّة وخلافتها، بوصفها آخر الدول الإسلاميّة العابرة لما بات يُعرف لاحقاً بالدول الوطنيّة.

أهمّ من ذلك كلّه إذا ما صدق خبر الخريطة، وهو خبر له حظّ كبير من الصدق، أن “داعش” إنّما تستلهم الفتوحات الإسلاميّة التي خرج بها العرب من شبه جزيرتهم في القرن السابع الميلاديّ ووصلوا عبرها إلى البلدان التي صارت في ما بعد مسلمة.

والاستلهام هذا للماضي، مع ما يرتّبه من اشتقاق المستقبل على ضوئه، أمر أساسيّ في تنظيم “داعش” والحركات التي قد تشبهه. فاللغة التي نتكلّم بها ينبغي، وفقاً لهم، أن تكون فصحى كلغة الأسلاف، والملابس التي نلبس والمآكل التي نأكل يجب أن تطابق ما كانوا يلبسون ويأكلون. وهذا، بطبيعة الحال، مجال واسع للكثير من التخليط والتوهّم اللذين نرى بعض فصولهما في البرامج التراثيّة شبه الفولكلوريّة التي تعرضها التلفزيونات العربيّة.

لكنّ المشكلة الأبعد أنّ فكرة اشتقاق المستقبل من ماضٍ فعليّ أو متوهّم، إنّما تستند إلى فهم للتاريخ أقلّ ما يقال فيه إنّه ميّت وخشبيّ، بقدر ما تستند إلى نظرة إلى العالم المعاصر لا يبدو المسلمون فيها سعداء وراضين. فكأنّ المسلمين، والحال هذه، يهربون من عدم توافقهم مع الواقع، الذي شكّلته الحداثة الغربيّة بدولها واقتصادها ورموزها الثقافيّة وتوازنات قواها، إلى ذاك التاريخ المطعون بتاريخيّته والمسكون بجوهرانيّة سقيمة.

وهنا، وهذا ربّما كان الفضيلة الوحيدة لـ”داعش” وشقيقاتها، نجد ما يحضّ على مراجعة شاملة: مراجعة تبدأ بنظرنا إلى التاريخ بوصفه مساراً من التحوّل والتغيّر، وتعليمنا إيّاه على هذا النحو، ولا تنتهي بالتفكير في الأسباب الثقافيّة والماديّة والسياسيّة التي تجعل المسلمين غير سعداء في عالمنا هذا.

فمكافحة “داعش”، وأيّ “داعش” أخرى، هي في وقت واحد مسألة قتال وتعبئة بقدر ما هي مسألة حرّيّات وكرامات فرديّة. وهي مسألة تعليم حرّ وعصريّ بقدر ما هي مسألة اقتصاد وعدالة. وهي طبعاً ودائماً مسألة اشتغال على النصوص الدينيّة وعلى فكرة “التراث” نفسها. وللأسف، فإنّنا في هذا كلّه لا نزال مقصّرين كثيراً، أنُظر إلينا كشعوب ونُخب أم كحكّام.

ويُخشى، في ظلّ استمرار هذا التقصير المتعدّد الجوانب، أن تتمكّن “داعش” من إنجاز شيء من خريطتها، على رغم أنّ ذلك يبدو لنا اليوم خرافيّاً محضاً. ذاك أنّ الواقع حين لا يدافع عن نفسه بسلاح العقل فإنّه يسمح للخرافة بأن تبتلعه أو أن تقضمه.

ولنعد قليلاً إلى الوراء: فلو قال أحدنا قبل عام واحد فقط إنّ “داعش” سوف تستولي على ما استولت عليه من أرض في العراق وسوريّا، وسوف تدمج بعضاً من البلد الأوّل ببعض من البلد الثاني، لعُدّ مجنوناً!

 

 

 

 

التغريد الفرنسي خارج السرب الأميركي/ د. خطار أبو دياب

وسط نظام عالمي متخبط، قيد التشكل في تعدد أطرافه وفي ظل الفوضى الإستراتيجية التي تسوده، فقدت الولايات المتحدة الأميركية دور القوة العظمى الوحيدة لكنها لا تزال عمليا “الأمة الاستثنائية” و”الرائدة”، حسب وجهة نظر صانعي سياستها وبناء على عدم وجود البديل في الزعامة العالمية.

ومع وجود روسيا المصمّمة على انتزاع موقعها القديم، وصعود الصين خاصة في محيطها الإقليمي، يستمر الكسوف الأوروبي وتجد فرنسا نفسها جاهدة للبقاء كقوة ذات نفوذ لم تغب عن المناورات الدبلوماسية والنزاعات المتصلة بمصالحها.

إن هذا التوصيف للمشهد العالمي بقواه الكبرى يبقى ناقصا على صعيد المشرق من دون إعطاء الحيز الكافي للقوى الإقليمية المؤثرة إن كانت مستفيدة أو متأثرة بمجريات “اللعبة الكبرى الجديدة” في سوريا وجوارها (لعبة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بالمقارنة مع اللعبة الكبرى في الهند وأفغانستان في القرن التاسع عشر) في منطقة هيمنت واشنطن عليها وفي نطاق سوري يعتبر المعقل الوحيد للنفوذ الروسي فيها، وكذلك المستقر والممر لنفوذ إيران الحالمة بعودة عصر الإمبراطوريات.

في المواجهة هناك القوى الإقليمية الناشطة وأبرزها تركيا التي لها لعبتها الخاصة والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر والتي تجد نفسها مضطرة للتقيد برزنامة العمل الأميركية.

في خلفية المشهد يكمن اللاعب الإسرائيلي المستفيد والمتخوف في آن معا من التحولات المتسارعة، من ناحيتها، فرنسا وبريطانيا اللتان تقاسمتا المشرق، حسب اتفاقية “سايكس-بيكو” منذ قرن مضى، تجدان نفسيهما في موقع الشاهد على أفول نفوذ يذكّر الباحث بمرحلة ما بعد حرب 1956 وانعكاسها على الحضور الأوروبي في الشرق الأوسط.

وبالرغم من هذا الوضع المعقد، تناغمت واشنطن وباريس غالبا إزاء تطور الحدث السوري وارتبط اسما السفيرين الأميركي روبرت فورد والفرنسي أريك شوفالييه في العديد من المحطات. بيد أن هذا لم يكن يعني تطابقا في الرؤى فأميركا تبقى أميركا بجبروتها وأولوياتها وإمكانياتها وفرنسا تبقى فرنسا باندفاعتها ومشاكستها وحرصها على تميّز استثنائي كما حصل في حرب العراق في العام 2003، مع تداعي مفهوم “الغرب” الموحد وحينها تجرأ الديك الفرنسي على “النسر الأميركي”.

بعدها كان ثمن المصالحة في يونيو 2004 العمل سويا بين بوش الابن وجاك شيراك على ملفي سوريا ولبنان، لكن السقف الأميركي منذ تلك اللحظة حتى اليوم كان تغيير سلوك النظام السوري وليس المس ببنيانه وعاد رئيس فرنسا السابق ساركوزي منذ 2007 ليذهب أبعد ويطبع مع نظام الأسد حتى أتت انتفاضة درعا في 2011 لتغير كل الحسابات وتدفع بواشنطن وباريس إلى العمل سويا على الساحة السورية. وقد اندفعت الدبلوماسية الفرنسية في حقبتي آلان جوبيه ولوران فابيوس في دعم المعارضة السورية والاعتراف بها، بينما كانت واشنطن تنظر بحذر إلى البدائل وتتبنى وجهة النظر الإسرائيلية بوجوب التريّث وعدم التركيز على إسقاط النظام.

وعمليا اختارت واشنطن جعل سوريا ساحة اشتباك “الجهادين” وساحة استنزاف الخصوم مع الثمن الباهظ بالنسبة إلى المدنيين والمستقبل وتغول إيران ومحورها وكذلك الجماعات المتشددة وأبرزها داعش.

ومنذ أواخر العام 2011 أخذت باريس تفقد الأمل في حل وشيك للأزمة وأخذت تبني الحسابات على مواجهة طويلة في سوريا وتعقدت الأمور في 2012 مع صعود العنصر الجهادي على حساب المعارضة الديمقراطية وكذلك بسبب الموقف الأميركي المتردد.

إثر مجزرة الغوطة أواخر أغسطس 2013، اتخذ الثنائي هولاند وفابيوس قرارا بوجوب العمل على بلورة موقف دولي متناسب مع خطورة استخدام السلاح الكيميائي. وكانت الطائرات الفرنسية مهيأة للانطلاق حين ألغى أوباما التحرك ليأخذ موافقة الكونغرس ومن ثمة لعقد ترتيب مع روسيا ليسقط الرهان الفرنسي في سبتمبر من العام نفسه.

وكان هولاند، الذي التف حوله الرأي العام في حرب مالي، يأمل في أن يكون الموقف الأخلاقي من المسألة السورية فرصة لتعزيز شعبيته في الداخل ولدور فرنسا الخارجي. بيد أن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر وازداد تهميش الدور الفرنسي بالرغم من العودة الشكلية للتنسيق مع واشنطن.

إثر سقوط الموصل وتداعيات إعلان “الخلافة”، الصيف الماضي، ركزت باريس على أهمية ضرب الإرهاب مع ضرورة تشكيل حكومة جامعة في العراق والتصدي للنظام السوري “الشريك الموضوعي للداعشيين”، حسب القراءة الفرنسية. ومع أن واشنطن قبلت من دون حماس الدور الفرنسي في بلورة الحلف الدولي.

لقد كان همها مركزا على جذب الدول العربية وتركيا إليها مقابل التفاهم المبدئي حول العمل المشترك في العراق، وبقيت باريس تغرد خارج السرب الأميركي في سوريا لأنها غير مقتنعة بصواب الخطة الأميركية وغايتها النهائية، حيث تعتقد باريس أن ضرب داعش من دون وجود قرار فعلي بالعمل على النظام البديل، سيزيد الموقف غموضا وتعقيدا.

وفي زيارته لواشنطن يوم الثاني من أكتوبر الحالي ولقائه نظيره الأمريكي، شرح وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودوريان موقف بلاده إزاء تحرك التحالف في سوريا وضرورة دعم الجيش السوري الحر على خلفية قرار فعلي بالتخلص من النظام الحالي.

تبقى سوريا عقدة التقاطعات والتجاذبات والتباينات، وكل طرف دولي أو إقليمي يمارس لعبته وليس هناك من سمفونية لعزف لحن الخلاص، بل هناك النشاز والانتهاز والإمعان في امتهان وموت الإنسانية هناك.

أستاذ العلوم السياسية، المركز الدولي للجيوبوليتيك – باريس

العرب

 

 

 

 

 

الاستراتيجية الأميركية حيال سوريا/ ستيفن سايمن، جوناثان ستيفنسن

ترجمة : ياسر الزيات

النص الأصلي

حملة الرئيس باراك أوباما الجديدة ضدّ ’الدولة الإسلامية في العراق والشام‘ (داعش) حتى الآن عتّمت على سؤال الاستراتيجية الكاملة للولايات المتحدة تجاه الحرب الأهلية السورية، غير أن دوام الصراع في سوريا سيوفّر لداعش كلّ ما يجعلها أعصى على الكبح، ولفوضى الشرق الأوسط كل ما يجعلها أبعد عن الاستقرار. يبقى أساسياً بالنسبة للولايات المتحدة أن تنفّذ سياستها بشكل صحيح، وهذه السياسة بحاجة لتغييرات واسعة من الألف إلى الياء.

كان هدف الولايات المتحدة الرئيسي لثلاث سنوات أن تتملّق روسيا من أجل دعم انتقال سياسي في سوريا بناءً على خطة مشاركة السلطة بين أعضاء من نظام بشار الأسد والمعارضة، وهي الخطّة التي وُضعت منذ إعلان جنيف في تموز 2012. لكن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي مؤتمرات السلام في جنيف التي تلت، اكتفت الحكومة الروسية بدعم نظام الأسد، ضمن استراتيجية أطالت حرب إطلاق النار وساعدت في تعزيز صعود داعش. التقدّمات الأخيرة للتنظيم حثّت الولايات المتحدة على إطلاق هجمات جوّيّة ضدّه في كل من العراق وسوريا، وعلى تشكيل تحالف واسع ضد داعش يضمّ حلفاء أوربّيين ودولاً إقليمية سنّيّة كتركيا والأردن والسعودية – بدرجات متفاوتة من الالتزام. لكن داعش أثبتت صعوبة طردها من العراق، وقد يتعسّر لبعض الوقت استئصال معاقلها في شمال وشمال شرق سوريا، ولا يمكننا الانتظار حتى هزيمة داعش لتطوير خطّة أوسع للحدّ من العنف ووقف الصراع السوري.

تتراوح تقديرات القوة العددية لداعش بين 15,000 و50,000 مقاتل. التقديرات الأكثر اطّلاعاً تقترح نواة من 10,000 إلى 15,000 مقاتل محلّي، موزّعين بين العراق وسوريا، بالإضافة لأكثر من 10,000 مقاتل أجنبي، يشكلون بالمجمل قوة قتالية بين 20,000 و30,000، باعتبار التجنيد ارتفع إثر التقدّم الدراماتيكي لداعش في العراق هذا الصيف. وبما أن التنظيم سيطر على معظم شمال وشرق سوريا، فإن أي دولة سوريّة بعد-أسدية تحكمها معارضة ذات أغلبية مسلمة سنّيّة ستكون عرضة لتأثيرات داعش وغيرها من التنظيمات الجهادية، وقد تشجّع بالنهاية انتشار الإرهاب في المنطقة وربما في العالم.

كان الرئيس أوباما محقّاً حتماً في إعلان أن الأسد «لن يستعيد شرعيته» التي فقدها. على المدى البعيد، وحده الضغط المستمر على الأسد مع دعم الثوار غير المتزمّتين سيُنتج نوعاً من التوازن السياسي المطلوب لإنتاج صفقة تقاسم سلطة وطنية مقبولة – صفقة يجب أن تضمّ السنّيّين والعلويّين والمسيحيّيين. لكن وحدها الدبلوماسية البطيئة والمُضنية ستقود إلى نتيجة كهذه، ولا ظروف لدبلوماسية كهذه حالياً. أكثر من ذلك، سيكون من الساذج بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها أن يأملوا بأن إنعاش عملية جنيف قد يكفي لذلك.

الهدف الأقرب والأقرب إلى الواقع في سوريا هو إيجاد وسائل لتقييد المناطق الواقعة في صراع مباشر، وذلك بغاية احتواء العنف المتزمّت وإحداث فارق محرز في أعداد القتلى المدنيين. هذا الهدف ليس كما يبدو بعيد المنال، وهناك أصلاً أساس للسعي نحوه: عن طريق سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار التي، إن طُبّقت وفُرضت بشكل صحيح، يمكنها تأمين طريق للاستقرار في عدة مناطق من البلاد، حتى بينما يتواصل العنف في مناطق أخرى. على وجه الخصوص، قد تساعد مجموعة اتفاقات وقف إطلاق النار حول حماه وحمص ودمشق، وربما حلب، في إنهاء الصراع ضمن منطقة واسعة على طول المحور الشرقي-الشمالي الأساسي في سوريا، جالبةً إلى هذا القطاع الحيوي من البلاد نوعاً من الحياة اليومية العادية.

مؤخراً بذل النظام بعض الجهد لمفاوضة قوات المعارضة على هُدَن في عدة مناطق، وقد نال بعض النجاح. في تقرير مسحي نُشر في تموز، قامت شركة المحاسبة اللندنية ’إنتيغرِتي ريسيرتش آند كونسلتنسي‘ بتحديد 26 هدنة تم التوصّل إليها في 2013 و2014، كما قامت بمتابعة عشرات الهدن الأخرى في مراحل متفاوتة النضوج في ضواحي دمشق وأجزاء من حمص ومناطق أخرى. ضمّت هذه الصفقات جماعات معارضة إسلامية وأخرى علمانية نسبياً، لكن ليس داعش.

علاوة على ذلك، لاحظ تقرير ’إنتيغرِتي‘ أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصّل إليه في حمص –المدينة الموصوفة سابقاً بـ«عاصمة الثورة» ضد الأسد والتي بقيت محاصرة عدة أشهر– كان فاعلاً بشكل استثنائي. تم التوصل إليه مبدئياً في أوائل أيار للسماح لمقاتلي المعارضة المحاصَرين والمتضوّرين جوعاً بإخلاء المدينة القديمة، ثم أيّدتها الأمم المتحدة ونالت دعماً حتى من مقاتلين متشدّدين من ’جبهة النصرة‘، التنظيم الإسلامي الذي اعتبرته ’القاعدة‘ ممثّلها في سوريا. في الشهور التي تلت، تطوّرت الهدنة إلى وقف إطلاق نار واسع يشمل شمال حيّ الوعر، وهو حيّ يضمّ كثيرين من مؤيدي المعارضة ويؤوي آلاف النازحين من مناطق سوريّة أخرى. ورغم أن الإذعان للاتفاق كان غريباً ومخالفاً للتوقّعات، إلا أن الثوّار والنظام توصّلوا إلى تسوية مؤقتة قابلة للعمل. في أواخر حزيران، وصف إيان بلاك، الصحفي في الغارديان، بقايا الصراع في الوعر على أنه «شبه ساكن وحميمي بشكل مثير للفضول»، وأشار إلى أن السكّان، ومنهم موظّفو دولة، يقومون برحلات يومية هادئة مِن وإلى العمل كل يوم، وعبر حواجز للنظام وللثوار على بُعد أقلّ من مئتي متر.

مع هدن محلية أخرى، يعطي اتفاق وقف إطلاق النار في حمص لمحة عما قد تبدوه خطط أطمح لتخفيف العنف في سوريا. تحت استراتيجية «لطخة الحبر» الكلاسيكية هذه، يمكن لاتفاقات كهذه أن تتطور إلى ترتيبات أمتن للحكم المحلّي – ترتيبات يمكنها أن تلتحم تدريجياً بالمزيد والمزيد من المناطق المستقرّة. إعادة بناء المجتمع المدني بدورها يمكن فرضها في هذه المناطق عبر المساعدات الاقتصادية الدولية وعبر مراقبةٍ هدفُها إعطاء السكّان في المحافظات التي تشهد معارك كحلب وحمص المزيد من الحكم الذاتي ليختاروا حكامهم ويسيّروا مؤسّساتهم المحلية. لكن لتجنّبالأخطاء التي حصلت في العراق، فإن استئصالاً بالجملة لبقايا المؤسّسات السورية خيار يجب نزعه من الحسبان، لذا فالطبقة الحاكمة في دمشق مثلاً، والتي يغلب عليها علويّون، ستحتفظ بدرجة كبيرة من التأثير في الجيش الوطني (المركزي بالتعريف)، لكن يمكن منح السكان المحليين سيطرة أكبر على الشرطة وقوى الأمن الأخرى. التقدم خلال هذه الخطوط قد يقلّل العداوات بين الأطراف المختلفة، ويشجّع سوريين منفيّين على العودة لضبط استقرار أقاليم البلاد – وهي خطوة قد تساعد في عكس نتائج النزوح البشري الكارثي لهذه الحرب، وسيُقنع جماعات المعارضة بأن الهدن المحلية يمكنها جلب نتائج ملموسة.

التطورات الأخيرة في الصراع السوري يزيد من جاذبية هذه المقاربة. بعيداً عن التهديد الجديد الذي تمثّله داعش، فصائل الثوّار استنزفت الزخم العسكري لنظام الأسد في الأسابيع الأخيرة، وقد ارتفعت أرقام ضحايا النظام بحدّة إلى 1,100 في شهر تموز الأخير. المصادر الحكومية اعتادت على تسمية الهدن المحلية «مصالحات»، وببالها أنه كلما طالت الحرب تآكلت الموارد المادية والطاقة المؤسساتية للحكومة. من جانبهم فإن جماعات المعارضة السورية السائدة قد تكون، وقد ذعرتها نجاحات داعش في الشمال والشمال الشرقي، أميل إلى تأسيس هدن مع النظام في مناطق سيطرتها لجلب المعونات والمساعدة في تعزيز درجة الحكم الذاتي المحلي، وللتركيز على إعاقة داعش من التسلّل والسيطرة. الوضع مُقلق خصوصاً في شمال حلب، حيث تهدّد داعش بالسيطرة على معابر حدودية مع تركيا تعتبر حسّاسة لجهة تأمين مؤن وتدريبات ومعونات إنسانية لأبرز فصائل الثوار.بدورها، الصفقات المحلية التي تخفّف عدوان النظام ستقلّص أيضاً من رغبات الثوّار في هذه المناطق بتشكيل ترتيبات تكتيكية –منها الهدن– مع داعش ضد دمشق. (كان هناك تقارير أن ’جبهة ثوار سوريا‘، وهي فصيل من الثوار غير المتزمّتين، تسعى إلى هدنة مع داعش جنوب دمشق لأن قواتها مستنزفة بشدّة من قتال النظام، علماً أن ’ثوار سوريا‘ أنكرت ذلك).

أواخر الربيع الماضي، أحد الثوّار المقاتلين في معقل المعارضة شرقي حلب أخبر صحفيين أن جماعته متنصّلة من داعش لما ارتكبته من فظائع قرب المدينة، وأنه رأى في اتفاق وقف إطلاق النار في حمص خطوة جيدة إلى الأمام. قال «نحن لن نستسلم، لأننا سنمنع الأسد من البقاء في السلطة… لكن بوسائل أخرى. لا أحد يمكنه البقاء بالسلاح». تقترح هذه الاعتبارات أن اتفاقات وقف إطلاق نار قد تكون ذات جدوى حتى في مناطق لم تصل إلى حالة من الدمار الكامل. رغم مزاعم بعض الثوار بأن النظام ساعد في صنع داعش لتقسيم معارضيه، تبقى الأخيرة هي العدوّ المشترك لكل من المعارضة والنظام.

بَيد أنّ مقاربة كهذه قد تواجه تحدّيات أساسية. مثلاً هناك بعض نقاط الضعف الجدّيّة في الهدن الحالية. حسب تقرير ’إنتيغرتي‘، ما تزال هذه الصفقات غامضة وصعبة الفَرض، وقد كان أثرها على السلامة وظروف العيش صغيراً لدرجة مخيّبة للآمال. التقرير يلاحظ أكثر من ذلك أن الاتفاقيات افتقرت عموماً إلى ثلاثة مكوّنات أساسية كي تدوم: 1) عقبات قوية تمنع المزيد من الهجومات؛ 2) إجراءات بناء-ثقة كالإدارة المشتركة والأمن المحلّي والتوزيع العادل للمعونات الإنسانية؛ 3) وقيود على تصعيد العنف في حال حدوث خروقات. أكثر من ذلك، العديد من الصفقات الموجودة إن لم نقل معظمها مغلق على مناطق كانت من قبل ضحية عنف مكثّف وتكتيكات حصار قروسطي، وكانت قد وصلت إلى نقطة واجه فيها مسؤولو المعارضة المحليون والإقليميون الانهيار العسكري، أو كان السكان المدنيون في المنطقة على حافة نكبة حقيقية… هدف نظام الأسد في القيام بهذه الصفقات الحلية كان بشكل أساسي استغلال حالة الثوار التي يرثى لها وتحرير بعض الموارد العسكرية النادرة لمقاتلة جماعات تمثّل تهديدات أخطر أو أكثر.

في وحوالي حلب نفسها، وحلب هي أكبر مدن سوريا ومحورها اللوجستي الرئيسي في الجزء الشمالي الغربي من البلاد، قد تواجه خطة مبنيّة على اتفاق وقف إطلاق نار إعاقات إضافية. كانت حلب على مدى السنتين الماضيتين منهكة بشدّة، بينما لا قوات النظام ولا قوات المعارضة تحرز تقدماً واضحاً. تقديرات ’إنتيغرتي‘ أشارت إلى اتفاقاً واحداً قرب المدينة على الطاولة الآن، بالمقارنة مع أكثر من 12 في جنوب غرب سوريا. أكثر من ذلك، زاد تحكّم الفصائل الجهادية في المناطق حول المدينة، بينما أمسكت داعش بعدد من القرى في المحافظة هذا الصيف. في الوقت نفسه يملك نظام الأسد حوالي 6,000 من المقاتلين النظاميين والشبّيحة، بمرجعية ومساعدة ذات كفاءة عالية من ’فليق القدس‘ الإيراني ورجال ’حزب الله‘ الذين يحمون الضواحي الشرقية للمدينة. لكن كانت هناك مؤشّرات في الأشهر الأخيرة أن نقاشات تضمّ محاوِرين إيرانيين وأتراكتحدثت عن اتفاق وقف إطلاق نار ممكن في حلب، يمكنه على نحو ما أن يتبع النموذج الحمصي. العديد من التقارير أيضاً تقترح أن سكان المدينة، بالإضافة للعديد من الثوّار هناك، متعبون من القتال ويتوقون إلى الاستقرار.

لكن حتى لو أثمرت مثل هذه النقاشات، لا يبدو أن جماعات النظام والمعارضة ستحقّق من تلقاء نفسها المزيد من اتفاقات وقف إطلاق النار طويلة المدى. يبدو أنه ليس لدى رمز أو جماعة من النظام ما يكفي من النفوذ البيرقراطي والكرامة شخصية والإرادة السياسية لرمي صفقة في ملعب المعارضة وتنفيذ خطط أكثر استدامةً لإنهاء العنف. النظام المتمدّد من أجل الموارد ليس لديه الكثير ليقّدمه مقابل التنسيق مع المعارضة، باستثناء بعض الليونة العسكرية، ولا مؤسّسات مدنية طبعاً ولا قدرات مادّيّة كافية من أجل مساعدة إنمائية ذات قيمة. المعارضة غير المتزمّتة أيضاً تزداد إرهاقاً وتتراجع قدرتها على تنظيم مجتمع مدني، كذلك يزداد افتقارها لقيادة موثوقة ومتماسكة. بالإضافة لذلك، الغياب شبه الكامل للثقة المشتركة يقلّل كثيراً من احتمالات اختراق استراتيجي دون وساطة.

لذا من الضروري لتكتّل دولي ذي سلطة وموثوقية كافيتين على الجانبين جلب الأطراف مع بعضها في المناطق التي يمكن عقد مثل هذه الصفقات فيها. هناك تكتّل واحد كهذا في الأزمة الحالية هو الأمم المتحدة، والتي لعبت دوراً متمّماً في إدامة اتفاقية حمص وفي الواقع دعت للمزيد من هذه الاتفاقيات. الهدف المباشر يجب أن يكون إجبار النظام على التوقيع بالسماح لأشخاص من الأمم المتحدة ولمنظمات الإغاثة غير الحكومية بالدخول إلى المناطق التي قد تشهد اتفاقات هدنة. بعد اعتراف الطرفين بهذا الطرف الداخل، يمكن له حماية السكان المحليين والعمل مع المجالس المحلية على تقدّم إعادة الاستقرار والإعمار.

لكن للحصول على أثر أطول على الصراع السوري فإن مقاربة «وقف إطلاق نار + تنمية» ستحتاج إلى مصادقة من الولايات المتحدة والقوى الإقليمية الداعمة للمعارضة. نظام الأسد ربما سيطلب عهوداً مؤقّتة من حكومات أجنبية، كالمملكة السعودية وقطر وتركيا، بأنهم سيوقفون دعم الجهود الرامية إلى طرده بالقوة. هذه الدول الثلاث كانت وما تزال أنشط من واجه النظام ودَعَم المعارضة، وهي ترى الولايات المتحدة عائقاً يشجّع نظام الأسد وتعتقد أن سياسات الولايات المتحدة –بالإضافة لدعم إيران وحزب الله وروسيا لدمشق– هي التي سمحت للنظام بالمقاومة والبقاء خارج الضغط. كذلك بينما قدّمت هذه الدول بعض الدعم للجهد الذي تقوده أميركا ضد داعش ما تزال بعض نخبهم الحاكمة تعتبر إسقاط الأسد الأولوية القصوى.

معظم الدول العربية تزداد قلقاً من الإسلامانية المقاتلة، وعلى الولايات المتحدة وشركائها الأكثر حماساً أن يكونوا قادرين على تحصيل اتفاقية ضمنية على الأقل تضمّ هذه الدول مع مبادرة وقف إطلاق نار عبر قنوات تفاوض خلفية. لتأكيد هذا النوع من الدعم ستحتاج الخطة لإيلاء اهتمام خاص بالمناطق السنّية من سوريا، كالطريق بين حمص وحماه. يجب أن يتضمّن هذا تعهّدات بمساعدات اقتصادية أساسية لهذه المناطق، وضمانات بشكل من الحكم الذاتي، والتزاماً طويل الأمد بانتقال سياسي وطني يُعطي الأكثرية السنّية صوتاً رئيسياً في الحكومة. في الحقيقية، وبالنظر إلى وضع الأكثرية السنّية في سوريا، لن تقبل فصائل المعارضة ولا مساندوها الأجانب أقلّ من ذلك – وإلا، بدون هذا النوع من الضمانات، سيقاتل هؤلاء لعقود أطول ليعارضوا ما يعتبرونه نظاماً لاشرعياً في حلف شيعي.

يمكن لواشنطن وحلفائها أيضاً أن يهدّدوا بعمل عسكري محدّد، ومتبادل طبعاً، ضد دمشق –كما فعلوا في ليبيا تحت رعاية الناتو– وذلك في حال أخلّ نظام الأسد باتفاقيات وقف إطلاق النار المحلية. لكنّ تهديداً كهذا قد يورّط الولايات المتحدة بالتدخّل في حرب سوريا الأهلية عن جدّ – النتيجة ذاتها التي تسعى الخطة المطروحة هنا لتجنّبها. إذن، سيكون من الحكمة إبقاء أية تهديدات ضد النظام ضمنيّة. رغم أن ضربات جوية ضد مواقع داعش، وهي الآن في طريقها نحو العراق وسوريا، قد تزيد من الأفكار غير المرغوبة؛ كفكرة أنّ التحالف المعادي لداعش يشتغل كالقوّات الجوية لنظام الأسد، إلا أن هذه الضربات أيضاً توضّح الإرادة الأعمّ لدى الولايات المتحدة باستخدام القوة لجلب الانتظام إلى سوريا دون التورّط بوضوح في مهاجمة النظام بشكل مباشر. (لتخفيف استنتاجات من قبيل الدعم الأميركي للأسد، ستحتاج الولايات المتحدة للحدّ من الدرجة التي تطارد بها قوات داعش في الجزء الغربي من سوريا، قرب مناطق يتحكم بها النظام فعلياً. في هذه المناطق، التدريب المدعوم أميركياً لقوى الثوار غير المتزمّتين –والضروري للإمساك على المدى الطويل بالمناطق بعيداً عن النظام وداعش– سيكون مهماً للغاية لتكسير داعش أيضاً).

للحصول على حظ كبير بنجاح طويل الأمد، على الولايات المتحدة أيضاً البدء بتحضير الجولة الأولى لمحادثات تمهيدية مع إيران حول سوريا. لا واشنطن ولا طهران تريد تعقيد مفاوضات معلّقة حول المسألة النووية بقضايا أخرى، لكن هذا يعني فقط أنه يجب تجنّب أي نقاشات علنية ثنائية حول سوريا. المحادثات الثنائية السرية بين واشنطن وطهران، ربما عبر شخصيات استخباراتية، تستدعي اعتبارات جدّيّة. كان لإيران في العراق دور مهم في الضغط على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ليستقيل وفي الترحيب، بالتوازي مع إدارة أوباما، برئيس الوزراء القادم حيدر العبادي، وقد أشارت بتحفّظ إلى أنها ستدرس حواراً ثنائياً مع الولايات المتحدة لصدّ داعش في العراق.

التعاون الأميركي-الإيراني في سوريا قد يكون أصعب، لكنه ليس خارج السؤال. ترى طهران في سوريا-صديقة حصناً لا بدّ لها منه ضد الدول السنّيّة، وهي تُقدّم لنظام الأسد السلاح والمال والدعم العسكري المباشر. لكن تورّط ’فليق القدس‘ و’حزب الله‘ الإيرانيَّين في القتال أصبح شديدة الكلفة لإيران ولوكيلها ’حزب الله‘، كما أن الفوضى في سوريا أضرّت أيضاً بالمصالح الإيرانية في العراق ولبنان. القيادة الإيرانية أشارت إلى أنها تعتقد أن الأسد نفسه قد تعاون بسذاجة مع قوات المعارضة، وبخصوص إن كانت إيران مستعدة لتخليص نفسها من سوريا مع الاحتفاظ بمعظم نفوذها هناك واحتواء نموّ داعش، سيكون من مصلحتها أن تفعل ذلك.

طرحت طهران حتى الآن عدة خطط لحلّ الصراع –ووضوحاً لم يتضمّن أيّ منها رحيل الأسد– وهي قد تقبل مشروعاً يحتفظ فيه العلويون بالقوة الأمتن في دولة سوريّة لامركزية جديدة. بإعتاق السنّة والإمساك بالتطرّف والتزمّت السنّيَّين تحت السيطرة، ستُجيب خطة نزع المركزية المطروحة نقاطها هنا أيضاً على المخاوف الروسية حول الإرهاب، ولربما تحثّ موسكو على المشاركة بشكل بنّاء أكثر في الاستجابة الدولية للأزمة السورية. وأخيراً، إن أظهر النظام السوري إرادة للتعاون حول التنمية ونزع المركزية، قد تدرس الولايات المتحدة وحلفاؤها رفع العقوبات التصاعدية عن دمشق لحثّها على المزيد من التعاون.

الدولة السورية اليوم منهارة. البلد انفرط إلى قطع، وهو عالق بحرب أهلية هي الآن في سنتها الرابعة، شاهدة على واحدة من أهول الأزمات الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، مع حوالي 200,000 قتيل وأكثر من 3 ملايين لاجئ و6.5 مليون نازح داخلي. القتال المستمرّ والمكثّف سيضاعف فقط من الدمار الذي تُحدثه داعش وفصائل جهادية أخرى. من الكريه أن الأسد ما يزال في السلطة، لكن رحيله العاجل ليس واقعياً. التركيز الضيّق من أميركا وحلفائها على داعش –ضمن حملة قد تفيد نظام الأسد و، ربما بشكل طفيف، فصائل إسلامية عنيفة أخرى كـ’جبهة النصرة‘ بقدر ما تساعد المعارضة غير المتزمّتة– لن يجلب الاستقرار المطلوب إلى سوريا لاحتواء الخطر الإقليمي للجهادية السنّية.

بغض النظر عن مَن هو في السلطة، سوريا غير قابلة للحكم ضمن شروطها اليوم. ربما كان نظامها المركزي الهرمي الصارم يعمل حين كان عدد السكان بالكاد يبلغ 8 مليون، لكن لا يمكنه التعامل مع عدد سكان تضاعف ثلاث مرات إلى 25 مليون خلال الجيل الماضي. تفهم هذه الحقيقة جهات داخل النظام، وقد أشارت فعلاً إلى الحاجة للمزيد من «تقرير-المصير» أو «اللامركزية». واليوم بسبب الخطر المتنامي من داعش تمتلك الولايات المتحدة المزيد من النفوذ لإقناع أكثر الدول التي دعمت المعارضة السورية بقوّة لإسكات إصرارهم على إسقاط النظام بدل التركيز على تقليص العنف وزيادة الاستقرار. في نفس الوقت، يجب على إدارة أوباما أن تضع في رأسها أنه لا القوى المحلية ولا المعارضة السورية نفسها ستسمح باتفاقات وقف إطلاق نار قصيرة الأمدوبجهود تنمية وبلامركزية محقّقة فعلاً لتعود إلى «صفقة» يتمكّن فيها نظام الأسد القمعي من البقاء في السلطة بشكل غير محدّد – يجب ألا يسمحوا بذلك.الانتقال السياسي السوري الأصيل عليه أن ينتظر، لكن أيضاً عليه أن يأتي.

ستيفن سايمن، جوناثان ستيفنسن

ستيفن سايمن رئيس ’مجلس الأمن القومي‘ للشرق الوسط وشمال إفريقيا بين أيار 2011 وكانون الثاني 2013. جوناثان ستسفنسن مدير الشؤون السياسية-العسكرية في ’مجلس الأمن القومي‘ للشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تشرين الثاني 2011 إلى أيار 2013.

موقع الجمهورية

 

 

 

كوباني ضحية الخلاف التركي- الأميركي/ جويس كرم

التقارير الاخيرة الآتية من مدينة كوباني الحدودية شمال سورية تنذر بسقوط وشيك لها على يد «داعش» بعد محاصرتها شرقا وغربا والاستيلاء على مقر الأكراد وسط المدينة. سقوط كوباني ما لم تحل دونه معجزة في اللحظة الاخيرة بتدخل تركي بري، مرده الخلاف بين أنقره وواشنطن وتضارب الأهداف الاستراتيجية بين الحليفين في المعركة في سورية والافتراق الواضح في مصالح البلدين.

هذا التضارب كان صريحا هذا الأسبوع مع مطالبة أنقرة بمنطقة عازلة ورد واشنطن بالقول بان هذا الامر يحتاج الى «بحث معمق» وان خطط المناطق العازلة والحظر الجوي «ليست ضمن برنامج التحالف الحالي»، أي رفض هذا الاقتراح بلغة ديبلوماسية. كما ظهر التباعد في الخطاب التركي من الموقف من الأكراد، وحديث نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم ، ياسين أكتاي لمحطة بي.بي.سي ان «ليس هناك مأساة في كوباني كما يقول حزب العمال الكردستاني الإرهابي بل حرب بين مجموعتين ارهابيتين». كما أكد مسؤولون اتراك لصحيفة «وول ستريت جورنال» ان تركيا «لن تتراجع في مطالبتها ان تتعاطى الاستراتيجية مع نظام الاسد… طالما ان الاسد هناك بسياساته التي ترمي براميل متفجرة وأسلحة كيماوية، سندور في الحلقة نفسها بمجموعات مختلفة تدخل وتخرج».

هذا الخلاف لم ترممه زيارة المبعوث الأميركي في الحرب ضد «داعش» جون آلن الى أنقرة، لا بل أجلته الى فترة أسبوع لاستئناف مشاورات عسكرية بين الجانبين. فالتباعد التركي-الأميركي يطال شكل التحرك العسكري في سورية وإنشاء المناطق العازلة، مصير مناطق الأكراد والأحزاب الكردية، ومستقبل النظام السوري والاسد. ولا تريد تركيا التحرك ضد «داعش» قبل تلقي ضمانات في هذه القضايا، فيما تفضل الادارة الاميركية البحث في هذه القضايا لاحقا وإعطاء اولوية لمحاربة «داعش» ووقف تقدمه في كوباني. اذ ليس هناك معضلة عسكرية بالمعنى الحقيقي كون الجيش الأميركي هو الاقوى دوليا والجيش التركي الاقوى اقليميا وقادر على توجيه ضربة قاضية الى «داعش» في حال قرر التحرك.

ومن هنا، فان المعضلة هي سياسية وبين تردد واشنطن في إعطاء ضمانات آنية حول الاسد في وقت هي لا تريد فتح جبهة ضده، وعدم نيتها توسيع دورها العسكري الى الإشراف على مناطق عازلة وهو ما يرفضه الرئيس الأميركي باراك اوباما في الوقت الحالي. فالتركيز الأميركي في الحرب ضد «داعش» هو على العراق أولا، والاستراتيجية في سورية هي امتداد للأهداف في العراق وليس العكس. اذ تريد الادارة حصر المهمات السورية بمكافحة الاٍرهاب وضرب «داعش» و«تنظيم خراسان»، لقطع الإمدادات عن العراق وحماية الأمن القومي الأميركي. اما الحسابات ضد الاسد فهي تنحصر في تدريب قوة من خمسة آلاف عنصر من «الجيش الحر»، وليس الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة ضد قواته بشكل قد يرتد عكسيا الى المفاوضات مع ايران او العلاقة مع روسيا.

ولذلك، لا يمكن توقع ردم الهوة الاميركية-التركية في اي وقت قريب بسبب التضارب العميق في المصالح في سورية. وتقف كوباني ضحية أولى لهذا الخلاف مع تفرج الدبابات التركية على سقوطها وفشل السلاح الجوي حتى الساعة في انقاذها. فهي كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري ليست «هدفا استراتيجيا» في الحملة ضد «داعش»، ومجرد معركة بين «تنظيمات ارهابية» بالنسبة للأتراك. مأساتها تختصر المأساة السورية وتنذر بحرب طويلة واستراتيجيات وأهداف متضاربة بين اللاعبين.

الحياة

 

 

 

عار كوباني!/ راجح الخوري

كان من السخف ان يشير جون كيري الى وجود استراتيجيا أميركية لمواجهة “داعش” لأن اميركا لا تملك هذه الاستراتيجيا، ومن الواضح أن ليس لدى باراك اوباما أي رغبة فعلية في امتلاك هذه الإستراتيجيا، والدليل هو المواقف الاميركية المتناقضة حيال ما يجري في العراق وسوريا!

منذ البداية أُعلن ان اميركا ستكتفي بالضربات الجوية ولن ينزل اي جندي الى الأرض، لكن سرعان ما أجمع المسؤولون في واشنطن وعواصم التحالف الدولي، على ان الضربات الجوية لن تتمكن من وقف تقدم الارهابيين، وهو ما يطرح السؤال: هل تريد واشنطن فعلاً ان يتم تدمير “داعش”؟

ما حصل ويحصل في كوباني فضيحة تاريخية موصوفة، ذلك ان تصريحات المسؤولين الأميركيين ليست اكثر من تسليم استباقي بسقوط تلك المدينة الباسلة، التي قالوا هم والأتراك انهم لن يسمحوا بسقوطها، ثم تبيّن انهم يتركونها لمصيرها الأسود امام “داعش” التي تهاجمها بالاسلحة الثقيلة التي غنمتها من الجيش العراقي في الموصل، في حين يقاتل الكرد رجالاً ونساءً واطفالاً لمنع الارهابيين من اجتياحها وارتكاب المجازر!

اذا انهارت كوباني امام المتوحشين، سيلوّث العار جبين المسؤولين في واشنطن وانقرة، وخصوصاً انهم ينهمكون في الجدال حول المطالب والشروط، لكن لطالما تم ذبح الأخلاق في ميادين القتال، فها هو جون كيري بعد كل ما قيل عن الحرب ضد الارهابيين يعلن بكل فظاظة:

“ان الحيلولة دون سقوط كوباني في ايدي مقاتلي “داعش” لا تمثل هدفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، من المروّع متابعة ما يجري هناك لكن عليك ان تتروى وتتفهم الهدف الإستراتيجي، ذلك ان الأهداف الأصلية لجهودنا هي مراكز القيادة والسيطرة والبنية الأساسية للإرهابيين”!

عن أي هدف استراتيجي يتحدث كيري عندما تُترك مدينة يقطنها نصف مليون انسان لمصيرها البشع امام أعين تحالف من اربعين دولة، وما معنى الإستراتيجيا عندما تتحول في نظر الإدارة الاميركية مراقبة سخيفة لمدينة يذبحها الإرهابيون؟

لكن السياسة المتوحشة لا تقتصر على إدارة اوباما، فها هو رجب طيب اردوغان الذي سبق له ان قال: “ان كوباني خط احمر” يرفض التحرك ميدانياً لإنقاذها، اولاً لأنها مدينة كردية، وثانياً لأن واشنطن لم تستجب مطالبته بإقامة منطقة عازلة على الحدود السورية، وثالثاً لأنها لم تقتنع بعد بضرورة اسقاط الاسد مع “داعش” وهو ما يريده اردوغان، وهكذا تستمر الغارات الجوية على مراكز الإرهابيين على تخوم تلك المدينة وتستمر تصريحات الاميركيين عن ان الغارات لن تنقذها.

كان ينقص ان يدلي سيرغي لافروف بتصريح كتبه له ابو بكر البغدادي، عندما قال ان عمليات التحالف ضد “داعش” لا تملك اساساً قانونياً، ولكأن عمليات روسيا في اوكرانيا تستند الى القانون!

النهار

 

 

تأخر بايدن كثيراً/ سميح صعب

يعتقد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان واشنطن في حاجة اليه وان ائتلافها الدولي المناهض لتنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش) لن ينجح من دون مشاركة تركية. لذا يضع شروطاً على الولايات المتحدة من شأنها تغيير مسار الحرب على الجهاديين الى جهة غير الجهة التي تريدها اميركا.

فالمنطقة العازلة ومنطقة حظر الطيران وتوجيه ضربات الى الجيش السوري النظامي، كلها مطالب تركية لا رابط بينها وبين الحرب التي اعلنتها اميركا على “داعش”. بكلام آخر، يريد اردوغان توظيف الائتلاف الدولي في اسقاط النظام السوري قبل الانتقال الى محاربة الجهاديين، الذين ترى انقرة ومعها دول عربية خليجية ان وظيفتهم لم تنته بعد ولا تنتهي إلا بعد اسقاط النظام في سوريا.

من هنا ان كلام نائب الرئيس الاميركي جو بايدن في جامعة هارفرد لم يأت من فراغ ولم يكن زلة لسان استوجبت اعتذارات في ما بعد. فالولايات المتحدة تدرك جيدا ان تركيا ودول الخليج العربية ركزت كل اهتمامها على اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد من دون الالتفات كثيرا الى الوسيلة التي يمكن ان تحقق لها غايتها، لا بل انها كانت ترى في الجهاديين الوسيلة الاسرع لاسقاط دمشق.

وواشنطن نفسها لم تكن بعيدة من السعي التركي والخليجي، لكنها وصلت الى مرحلة باتت ترى فيها ان البديل من الاسد سيكون نظاما جهاديا سيبدو معه تنظيم “طالبان” في افغانستان في تسعينات القرن الماضي نظاما معتدلا. لذلك بدأت واشنطن تعيد حساباتها فخرجت بمعادلة محاربة الجهاديين والاسد معا على ان تكون الاولوية الآن للجهاديين.

هذه المعادلة اثارت اردوغان وجعلته يستعجل اسقاط مدينة عين العرب (كوباني) الكردية على حدوده في ايدي “داعش”، كما جعلته يعلي سقف الشروط للمشاركة في الحؤول دون سقوط المدينة في ايدي الجهاديين وما سيليه من مجازر تشكل اعلان فشل للائتلاف الدولي في منع الجهاديين من المضي في توسعهم.

ولعل اردوغان الذي يدرك حراجة الموقف الاميركي يريد انتزاع موافقة اميركية على شروطه التي لاقته فيها المعارضة السورية المقيمة في الخارج، من اجل تجاهل الجهاديين مجددا وتركهم يمضون في معركة اسقاط النظام بعدما اخفقت تركيا والمعارضة السورية العاملة على اراضيها في تحقيق هذا الهدف. ولكن من اين تستمد تركيا وبعض دول الخليج العربية والمعارضة السورية كل هذه الثقة من قدرتها على القضاء على الجهاديين بعد اسقاط النظام؟ لعل الجواب يكمن في ما قاله بايدن قبل الاعتذار.

النهار

 

 

الخلاف التركي – الأميركي/ محمد إبرهيم

بات الخلاف التركي – الأميركي بشأن “داعش” معلنا. ومع أن نائب الرئيس الأميركي جو بايدن اعتذر من من تركيا لاتهامها بأنها في سياق سعيها لإسقاط الأسد رعت “داعش”، إلا أن ما قاله لا يزال يشكل خلفية مناسبة لتفسير الحذر الأميركي من الموقف التركي. في المقابل لم تتجاوز الاتهامات التركية للإدارة الأميركية اعتبار أنها مترددة في موقفها من النظام السوري، وأنها تضيّع فرص إطاحته، دون الوصول إلى حد اعتبار أن واشنطن تفضل النظام على “داعش”، أو أنها تجد له مكانا، عمليا، في الائتلاف الدولي ضد الإرهاب.

ي أساس الخلاف التركي- الأميركي النظرة إلى مستقبل سوريا. فواشنطن تعتبر أن ما يسمّى المعارضة السورية المعتدلة لم يكن قادرا، ولن يكون قادرا، على إطاحة النظام. وإذا كانت رغم ذلك تتبنى مبدأ تهيئة هذه المعارضة، تدريبا وتسليحا، فإن ذلك يبدو أقرب إلى إرضاء حلفائها، وإلى إبعاد الشبهة عن موقفها من النظام، فيما تفكيرها يبقى منشدّاً إلى الأمل بتسوية.

أنقرة تتفق ضمنا مع واشنطن على تقويمها لقوة المعارضة المعتدلة، لكنها تعتبر أن تعويض ذلك لا يكون إلا بتدخل دولي، عسكري، وعلى رأسه أميركا. أما إذا استمرت هذه في رفضها، وفي غموض موقفها من النظام، فإنه لا مفر من الاتكال على القوى الوحيدة القادرة على مواجهته: الاسلام المتشدد، بكل منوعاته. وفي هذا المجال الدور التركي أعمق من الدعم المالي الخليجي، لأنه يصعب تخيّل ولادة “الدولة الإسلامية” على طول حدود تركيا مع سوريا والعراق دون الرعاية التركية المباشرة.

من هنا تندرج تحركات “داعش” كجزء من “النقاش” التركي- الأميركي. فالولايات المتحدة تعترف بأن هذا التنظيم تكيّف في مواجهة الضربات الجوية وأن هزيمته مستحيلة إلا بالمزاوجة بين التحرك العسكري على الأرض والحملة الجوية. وبما أن القوى العراقية والسورية المرشحة للمساهمة في العمليات لا تزال، وستبقى، ضعيفة، يبدو التدخل التركي، البري، الوحيد المناسب.

جواب تركيا الواضح بأن تدخلها العسكري يعني المزاوجة بين حزام أمني، تتولاه تركيا، ومنطقة حظر طيران، يتولاها الحلفاء، يعني بأن هدف الحملة سيكون أولا ضرب الطيران السوري، ثم تحويل الحزام إلى نقطة إعداد وانطلاق للمعارضة في اتجاه دمشق، وتاليا يمكن تحجيم “داعش” مثلما جرى “نفخها”.

بذلك، ورغم التضخيم الإعلامي، والمأساة الإنسانية، تستمر “داعش” واسطة لإنضاج المواقف. فواشنطن تراهن على الأكراد في الضغط على الوضع الداخلي التركي، وأنقرة تراهن على تفاقم صورة الرئيس الأميركي المتردد والعاجز في الضغط على الوضع الداخلي الأميركي. والخلاف كان، ويبقى، على… الأسد.

النهار

 

 

 

لغز “داعش”/ علي الصالح

■ نشرت صحيفة (الديلي ميل) الصادرة في لندن رسالة بعثتها مواطنة اسمها اوبري بيلي. قد تبدو الرسالة للوهلة الأولى ساخرة، لكنها في الحقيقة توضح لغز المعادلة السياسية والعسكرية «المعقدة»، في منطقة الشرق الأوسط. وحقيقة لم أجد أعمق وأوضح من هذا التفسير المقتضب لما يجري في منطقتنا في ظل الربيع العربي الذي تحول من أمل للشعوب إلى كابوس حقيقي، ومصدر رعب كبير يدفع ثمنه غالبية الناس العاديين من كل الأطياف السياسية والطوائف الدينية، خاصة مع الصعود المفاجئ لنجم ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام «داعش».

وقدمت الصحيفة الرسالة بالقول «إذا كانت صورة ما يجري في منطقة الشرق الأوسط لا تزال غير واضحة بالنسبة إليك فلا تذهب إلى أبعد مما قالته اوبري في رسالتها التي تحاول تسليط الأضواء على نظام التحالف القائم حاليا بين الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول شرق أوسطية، وما يسمى بـ «الجماعات الجهادية في المنطقة من أمثال «داعش» وجبهة النصرة وعشرات المجموعات والأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، خاصة في سوريا.

تبدأ الرسالة بتساؤل «هل صورة ما يجري في الشرق الأوسط غير واضحة إليك؟.. دعني أشرحها:

– نحن (أي الغرب) ندعم الحكومة العراقية في قتالها ضد الدولة الإسلامية.

– نحن لا نحب الدولة الإسلامية

– لكن الدولة الإسلامية تتلقى الدعم من السعودية

– نحن نحب السعودية

– نحن لا نحب الرئيس (السوري بشار) الأسد

– نحن ندعم المجموعات المقــــاتلة ضده ولكــــن ليس تنظيم الدولة الإسلامية الذي يشارك في القتال ضده.

– نحن لا نحب ايران ولكنها تدعم الحكومة العراقية ضد الدولة الإسلامية

– (النتيجة) ان بعض أصدقائنا يدعمون أعداءنا وان بعض أعدائنا هم أصدقاء لنا

– وبعض أعدائنا يقاتلون بعض أعدائنا الآخرين الذين نريد لهم ان يخسروا، ولكن لا نريد أعداءنا الذين يقاتلون اعداءنا الآخرين ان يفوزوا.

– وإذا هزمت المجموعات التي نريد إلحاق الهزيمة بها، فمن الممكن ان تحل محلها، مجموعات أخرى ودنا لها أقل.

– نحن من بدأ كل هذا بغزونا لبلد (العراق.. كاتبة الرسالة لم تحدد هوية ذاك البلد) لنطرد منه الإرهابيين الذين في الحقيقة لم يكونوا موجودين أصلا فيه، حتى غزونا ذاك البلد لنطردهم منه.

وتختتم اوبري رسالتها كما بدأتها بتساؤل:: هل فهمتم الآن؟»

بدأت بالقول انها رسالة قد تبدو ساخرة ولكن ما قالته أو ما أرادت قوله اوبري ، يصيب قلب الحقيقة.

وكان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن أكثر وضوحا من اوبري اذ وضع النقاط على الحروف بعيدا عن الدبلوماسية، في محاضرة له في جامعة هارفارد بولاية مساشوستس.. فقد أقر بايدن بأن الإرهابيين في سوريا بمن فيهم مسلحو القاعدة حصلوا على تمويل ودعم آخر من حلفاء واشنطن في المنطقة، مشيراً إلى ان هؤلاء الحلفاء خاضوا حرباً بالوكالة بين السنة والشيعة. وقال «مشكلتنا الأكبر كانت في حلفائنا بالمنطقة.. الأتراك كانوا أصدقاء رائعين وكذلك السعوديون والإماراتيون وغيرهم. ولكن ماذا فعلوا؟ كان همهم الوحيد هو إسقاط (الرئيس بشار) الأسد وخاضوا حربا بالــوكالة بين السنة والشيعة، وقدمــــوا مئات ملايين الدولارات وعشرات آلاف الأطنان من السلاح لكل من وافق على القتال ضد الأسد».

وقال بايدن، «لكن الناس الذين حصلوا على المساعدة كانوا مسلحي «جبهة النصرة» و«القاعدة» وعناصر متطرفة قادمة من مناطق أخرى في العالم. أتعتقدون أنني أبالغ؟.. أنظروا بأنفسكم إلى النتيجة».

أما الآن على حدّ زعم نائب الرئيس الأمريكي، فحلفاء واشنطن في المنطقة يعون خطأهم ووافقـــوا على الانضمام إلى التحالف الدولــــي المعــــادي للإرهاب الذي تتزعمه واشنطن. وقال: «كلهم، على غير انتظار، فهموا ما يجري».

وأما الفيلسوف الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي فلا يلقي اللوم كما بايدن على دول المنطقة وانما يعتبر في مقابلة، أن انتشار «الجهادية الراديكالية» هو نتاج طبيعي لسياسة واشنطن في العراق وانعكاساتها على تركيبة المجتمع العراقي الهش بعد سنوات من العقوبات التي فرضتها واشنطن وحليفتها لندن التي دفعت الدبلوماسيين الأمميين، اللذين اشرفا على إدارة هذه السياسة، إلى الاستقالة احتجاجا.

وينقل تشومسكي عن غراهام فوللور الذي أصبح محللا في شؤون الشرق الأوسط، بعد تركه عمله كعميل لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي اي ايه» القول «ان الولايات المتحدة أحد المؤسسين لداعش. صحيح ان واشنطن لم تخطط تشكيل هذا التنظيم ولكن تدخلاتها الهدامة في الشرق الأوسط والحرب على العراق كانت أحد المسببات الإساسية لظهور داعش».

وقال تشومسكي معلقا «هذه مصيبية للولايات المتحدة ولكنها نتيجة طبيعية لغزوها للعراق. ان النتائج البغيضة للعدوان الأمريكي البريطاني، هي إشعال نار الفتنة التي تمزق العراق الآن وتنتشر انتشار النار في الهشيم في مجمل المنطقة مما سيترب عليها عواقب وخيمة».

واضاف ان الولايات المتحدة، ومن قبلها بريطانيا، تؤيد الإسلام الراديكالي وتعارض التوجه القومي العلماني، الذي تعتبرانه أكثر تهديدا لأهدافهما الرامية للسيطرة والهيمنة. فعندما يضرب التوجه القومي يحل محله الإسلام المتطرف. وأكثر من ذلك ان الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة وهي المملكة العربية السعودية، هي الدولة الإسلامية الأكثر تطرفا في العالم، كما انها كانت المصدر الأساسي لتمويل المجموعات الإسلامية الراديكالية، إلى جانب دول خليجية أخرى حليفة لواشنطن.

اكتفي بهذا الكم من المعلومات ولن أعلق.. ولكن اختم بمجموعة من التساؤلات:

– كيف يتسنى لتنظيم بعدد محدود من المقاتلين غير المتمرسين وغير المدربين تدريبا عسكريا حقيقيا، ان يحقق مثل هذه الانتصارات خلال فترة وجيزة جدا؟

– كيف تنهار أمامه جيوش مثل الجيش العراقي المسلح تسليحا جيدا من جهات الارض الأربعة، وقوات البيشمركة الكردية المدربة والمتمرسة في القتال لعشرات السنين بهذه السرعة والسهولة؟.

– إذا كان داعش بهذه القوة والقدرات والإمكانيات، لماذا لم «يتخلص من نظام بشار الأسد في دمشق الذي أنهكته الحرب المتواصلة ضده منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة؟.. لتكون له أرضية انطلاق صلبة ويستعيد أمجاد «عاصمة الخلافة الأموية»؟

– هل يشتم من ذلك مؤامرة تقسيم سوريا ومن بعدها العراق إلى دويلات؟.

– لماذا لم يتجه داعش غربا (إلى لبنان) حيث الصيد أسهل؟.

– هل الزحف نحو الشرق وتحديدا العراق المقصود منه الابتعاد عن إسرائيل، حتى لا يضع نفسه وجه الوجه معها فينفضح أمره؟

– أليس حقيقة ان ما يسمى بـ «داعش» معني فقط بالسيطرة على حقول النفط والثروة تحت مظلة ما يسمى بالخلافة الإسلامية.. ؟

– إذا كانت الولايات المتحدة وبريطانيا متخوفتين حقاً من خطر «داعش» الداهم الذي يهدد أمنهما، كما تزعمان، لماذا لم تهرعا إلى إرسال قواتهما البرية (حتى لا يفهم انني أطالب بذلك، أوضح انني ضد أي تدخل خارجي مهما كان مصدره) لتوقف هذا الخطر، كما فعلتا غير مدعوتين في أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003 ودون قرار دولي حتى في حال العراق؟ ام أنهما غير معنيتين؟

– ألم تر واشنطن ولندن ان هذا الخطر قادم .. أم ان راداراتهما وأقمارهما التجسسية لا تغطي تلك البقعة من الكرة الأرضية عندما يصب ذلك في مصلحتهما.. وأين كانت شبكات تجسسهما؟.

– لماذا سهلت حكومات غربية وخصوصا بريطانيا خروج المتشددين من أراضيها للانضمام إلى الجماعات المتشددة؟.

– لماذا يرسلون فقط طائراتهم وصواريخهم ويعترفون من قبل انها لن توقف زحف «داعش»، أليس لاستخدام هذه المناطق ميادين لتجريب أسلحتهم الفتاكة الجديدة.. فيما معظم الضحايا هم من الأبرياء كما كان الحال في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة؟

– أليس هدف كل ما يجري في المنطقة هو تقسيمها وتفتيتها طائفيا وعرقيا لتظل هذه الطوائف والأعراق منشغلة بنفسها.. متعادية.. متحاربة.. ومتناحرة.. ولتكون سوقا لمصانع أسلحتهم.

– واشنطن ولندن من قبلها تعلمان جيدا ان الوقوف ضد أي جهــــة أيا كانت، يعزز وضع هذه الجهة.. فهل ترمي هذه العمليات الجوية لدفع المزيد في أحضان «داعش»؟

– أليس «داعش» هو البعــــبع الجديد والنسخة الأكثر دموية لصنيعتهم الأولى»القاعدة» التي بدا نجمها يخبو؟

٭ كاتب فلسطيني من اسرة «القدس العربي»

القدس العربي

 

 

مصالح السياسة التركية في سوريا والعراق/ وائل عصام

نائب الرئيس الأمريكي لم يقل ان تركيا دعمت داعش، بل قال ان تركيا والدول العربية الحليفة لواشنطن دعمت أي مجموعة تريد قتال الأسد بملايين الدولارات وأطنان الأسلحة، وتعاونت مع « عناصر لها ارتباطات واضحة بجبهة نصرة والقاعدة والجهاديين المتطرفين» .. بايدن لم يذكر داعش أبدا .. بل « عناصر ((لها ارتباطات)) بالنصرة والقاعدة « .. وهذا صحيح،، فكثير من ثوار سوريا الإسلاميين وتنظيمات المعارضة الإسلامية السلفية الجهادية لها علاقات بشكل أو باخر مع النصرة والقاعدة، فمثلا أبو خالد السوري القيادي البارز لأحرار الشام كان قياديا مقربا من اسامة بن لادن في افغانستان، لكن من اغتاله هو تنظيم الدولة داعش ! ومن قتل أبو ريان ومثل بجثته هو وغيره من قيادات الأحرار هو تنظيم الدولة داعش الذي دخل بصراع دام مع كل الفصائل الجهادية الاخرى ..

فكيف تكون تركيا داعمة لداعش وتدعم الفصائل التي تقاتلها في نفس الوقت ؟!

الغضب التركي والمطالبة بالاعتذار ليس لأن بايدن ذكر ان تركيا دعمت داعش، بل لأن بايدن المح إلى دعم تركيا لمنظمات مرتبطة بالإرهابيين، وداعش على قائمة المنظمات الإرهابية في تركيا، ولكن أحرار الشام والتوحيد، وصقور الشام، ليسوا على أي قائمة للإرهاب لا في تركيا ولا الولايات المتحدة ..

كما ان بايدن أفشى تفاصيل اجتماعه باردوغان، وهو ما أغضب الأخير ..

ويخطىء من يعتقد ان بايدن كان يقصد الإشارة لداعش عندما تحدث عن النصرة والعناصر المرتبطة بالقاعدة، فاسم داعش تنظيم الدولة الإسلامية متداول جدا لدى الساسة الأمريكيين ومراكز الابحاث الأمريكية ( isis ) .. التي يستقي منها صناع القرار الغربيين معلوماتهم، ولذلك فهو ايضا كان دقيقا عندما قال « عناصر لها ارتباطات بالنصرة والقاعدة» ولم يقصد حتى النصرة والقاعدة كتنظيم .. وهكذا فإن بايدن كان دقيقا حتى في تصريحات سياسية قد لا تشترط فيها الدقة أحيانا لأغراض مصلحية، ولكن الإعلام العربي لا يتعامل مع الأخبار بعقل موضوعي بل بعقل مسيس، حتى الترجمة تمر عبر فلاتر الرغبات والتسييس، ليظل الجمهور العربي مضللا بإعلام يغذيه بالكثير من الكراهية والتسييس والقليل من المعرفة والمعلومة .

الحقيقة ان الدعم التركي والعربي لفصائل المعارضة السورية كان شبه علني، والفصائل التي حظيت بالدعم هي أحرار الشام، والتوحيد، وصقور الشام، وجيش الاسلام وغيرها من فصائل الإسلاميين الجهاديين صاحبة الدور الأكبر في المواجهة مع النظام وهي فصائل كانت مقربة من قطر وانضوت مؤخرا في الجبهة الإسلامية، وفصائل أخرى مقربة من السعودية كشهداء سوريا (جمال معروف) وأحرار سوريا وباقي فصائل هيئة أركان الجيش الحر المحدودة التأثير والنفوذ ..

كان الدعم التركي يتم بالتنسيق مع غرف للمخابرات القطرية والسعودية في تركيا تتولى إدخال شحنات السلاح المشترى من دول أخرى، والدور التركي اقتصر على السماح لهذه الشحنات بالدخول عبر الحدود التركية للأراضي السورية من دون ان تقدم تركيا بنفسها شحنات سلاح أو حتى مبالغ مالية في معظم الأحيان في سياسة كانت تهدف أولا إلى الاستجابة لجمهور حزب العدالة والتنمية الحاكم المتعاطف تماما مع الثورة السورية، وثانيا إلى تقديم دعم تركي لثوار سوريا يستطيع مواجهة الدعم الإيراني للنظام السوري ..

ولكن كل هذه النشاطات في دعم الفصائل وإدخال الأسلحة كانت تتم بتنسيق وعلم المخابرات الأمريكية التي كانت تشترط على الدول الداعمة ( قطر والسعودية) عدم إدخال اي أسلحة نوعية تؤدي لاخلال التوازن بالقوة بين الثوار والنظام حتى ان شحنات الأسلحة كانت تفتش وتقارن بقائمة أسلحة نوعية محظورة، لأن الأمريكيين كانوا يريدونه سلاح استمرار لا انتصار .. الأمريكيون لم يريدوا أبدا انتصار الثوار، لم يريدوا أبدا إسقاط نظام الاسد .. وهم لم يدعموه،، لكنهم ايضا لا يريدون إسقاطه .. لأن البديل الاسلامي السني يقلقهم ويخيف إسرائيل التي تفضل نظاما أقلويا أقل عداء لها في دمشق.

أما الدعم الذي كان يصل لداعش من رجال أعمال خليجيين ورجال دين في السعودية والكويت فهذا لا علاقة له بالموقف الرسمي لهذه الدول الخليجية التي تناصب التيار السلفي الجهادي في بلادها عداء كبيرا ..

الأمريكيون يعرفون جيدا ان تركيا لم تقدم دعما لتنظيم داعش، أو حتى النصرة فرع القاعدة الرسمي في سوريا، ويعرفون انهم وحدهم من قدم دعما للقاعدة عندما كانت تقاتل عدوهم المشترك الاتحاد السوفييتي، وان حلفاءهم العرب خصوصا السعودية لا يجرأون على تقديم أي دعم للقاعدة دون ضوء أخضر من واشنطن، كما حصل في افغانستان، عندما تلقى الجهاديون الإسلاميون هناك دعما وتسهيلات كبيرة من السعودية، من دون ان يعني هذا ان أمريكا صنعت القاعدة في افغانستان، بل هو من سنن السياسة واتفاق المصالح، الأمريكيون براجماتييون كانوا مستعدين لدعم عدو عدوهم في افغانستان لمرحلة ما إلى ان تخلصوا من الاعداء الاثنين السوفييات وطالبان لاحقا .. وهو ما تحاول تركيا فعله الآن بتأجيل الصدام مع داعش .. الذي بات الآن عدو نظام الأسد الاول، وداعش ايضا عدو الميليشيات الكردية التي تريد إقامة منطقة حكم ذاتي كردي على الحدود الجنوبية لتركيا، كما ان داعش هو الآن التحدي الاول لمنافس تركيا في الإقليم .. ايران.. ولم يبق على الإيرانيين إلا ان يزجوا بقواتهم البرية في العراق بعد ان فشل قاسم سليماني بنفسه في منع تمدد التنظيم في العراق وصولا لطوق بغداد .. وهكذا فإن مصالح السياسة التركية في سوريا والعراق تبدو متفقة مع الرؤية المعلنة لتركيا، فهي تريد القضاء على نظام الأسد الذي برحيله ستفقد داعش مبررات وجودها المتمثلة بـ ( الغضب السني ) .

٭ كاتب فلسطيني

القدس العربي

 

 

 

محدودية الحرب الجوية/ عبد النور بن عنتر

يرمي الائتلاف الدولي ضد داعش إلى تحقيق هدفين أساسيَّين. الأول، النجاح في إقامة الائتلاف، فوجوده يعتبر هدفاً، في حد ذاته، من منظور غربي وعربي-إسلامي. فالقوى الغربية تريد الظهور بمظهر المتعاون مع الدول العربية-الإسلامية، حتى لا يبدو الائتلاف الدولي وكأنه مواجهة بين الغرب والعالم الإسلامي، لاسيما وأن فزاعة الحرب الصليبية تخدم قوى متشددة وعنصرية في الغرب، كما تخدم القوى المتشددة والإرهابية في العالم العربي، خصوصاً داعش وأخواتها ونظيراتها. وبالتالي، تعي القوى الغربية ثقل مثل هذه المفردات ومغازيها، ووقعها إقليمياً ودولياً.

لذا، سعت جاهدةً إلى إشراك دول عربية ومسلمة (تركيا تحديداً) في الائتلاف ضد داعش، مع التأكيد على أن التدخل جاء بناء على طلب من الحكومة العراقية. أما من منظور عربي، فإن الائتلاف هو، أيضاً، هدف في حد ذاته، لأنه يسمح لها بالظهور بمظهر محارب الإرهاب دولياً، ما يدعم موقفها وعلاقاتها مع القوى الغربية، ويسمح لها بتبرئة نفسها من أية صلةٍ، أو مساهمةٍ، عن قرب أو بعد في ظهور “وحش” داعش، خصوصاً أن بعضها متهم، بشكل أو بآخر، بالوقوف (في وقت من الأوقات) وراء داعش، على أساس أن دولاً عربية ذهبت بعيداً في استراتيجيتها التدخلية في سورية، لإسقاط النظام، إلى حد التحالف مع “الشيطان”، ولسان حالها “الغاية تبرر الوسيلة”.

أما الهدف الثاني للائتلاف الدولي، فهو توجيه ضربات جوية لتنظيم داعش، للحد من تقدمه في العراق وسورية، ثم الضغط عليه للانسحاب من المواقع التي يسيطر عليه، وحشره تدريجياً في رقعةٍ ضيقة، بشكل تستطيع فيه القوى المناهضة (وحدات الجيش العراقي، القوات الكردية) من حسم الصراع ميدانياً في العراق، بعد تلقيها الدعم العسكري اللازم، بما في ذلك الأسلحة، من دول الائتلاف لاسيما الغربية. ويوضح هذا الهدف مدى مراهنة دول الائتلاف على مفعول الضربات الجوية، وجدواها لإلحاق الضرر بداعش، وعلى قدرة القوى المعادية لها على استرجاع زمام المبادرة العسكرية.

وتعبّر هذه المراهنة عن تخوف غربي من التورط في مستنقع جديد، هي في غنى عنه. فبعد أن رفضت التدخل في سورية، لاعتبارات مصلحية تخصها، تجد نفسها أمام “الاستحقاق” السوري، عبر البوابة العراقية وداعش، ما يطرح مجدداً مسألة التدخل البري. تنفر القوى الغربية من فكرة نشر القوات البرية، مكتفية بالقصف الجوي، بالاستناد إلى النموذج الليبي. ويعود تأكيدها على دور الدول الإقليمية إلى التخوف من التورط البري الذي سيعرض جنودها للاختطاف الذي تمتهنه داعش. ففي حال التدخل البري، قد تتفادى داعش المواجهة المباشرة، وتفضل عميلات الاختراق والاختطاف، خصوصاً أن القوى الغربية تعتبر البيئة الاجتماعية العربية معادية لها، وتتخوف، بالتالي، من تواطؤ مع عناصر داعش، لاختطاف جنودها في حال المعارك في المناطق العمرانية. وهي استراتيجية استدراج، تعيها القوى الغربية، لذا تنفر من التدخل البري.

لكن المراهنة على مفعول الحرب الجوية التي تبدو محاولة لتأجيل التدخل البري، والدخول في حرب “تقليدية” مع داعش، خاطئة. إذ يصعب حسم الصراع بالاكتفاء بالحرب الجوية فقط، كما تثبت التجارب التاريخية، أما الحالة الليبية، فتبقى الاستثناء، ثم إن كتائب الثوار هي من تولى المهمة ميدانياً في إطار تقاسم للعمل.

وعليه، تبقى الضربات الجوية محدودة، وستطرح، وبقوة، مسألة نشر القوات البرية قريباً، لأن إيقاف زحف داعش لا يعني انسحابها وتدميرها، لعدة أسباب. أولاً، تخوض داعش حرباً تقليدية وغير متوازنة، في الوقت نفسه، ما يعقد من استراتيجية مواجهتها. ثانياً، تسيطر على مناطق واسعة آهلة بالسكان، ما يجعل اللجوء إلى القصف الجوي محدوداً، فإخراج مقاتليها من المدن يقتضي نشر قوات برية. وهنا مكمن قصور استراتيجية الائتلاف الدولي، ذلك أن ضرب قدرات داعش، ومنعها من التوسع، لا يكفي، بل يجب منعها من الاستيلاء على المدن، لأنه إن نجحت في ذلك، فلا يمكن إخراجها منها من دون حرب برية. ثالثاً، ليس داعش جيشاً نظامياً، يمكن تدمير بناه التحتية، وقدراته العسكرية المنتشرة في مواقع محددة، ومن ثم ما نجح مع قوات نظام القذافي لا يمكن أن ينجح مع تنظيماتٍ مثل داعش.

رابعاً، يبدو أن دول الائتلاف تفتقر إلى معلومات دقيقة عن كيفية عمل داعش، فعلى الرغم من مضي أسابيع من الضربات الجوية الأميركية، لا زالت تقاوم، بل وتتقدم، ميدانياً، كما هو الحال في مدينة عين العرب السورية، بعد أن فقدت مواقعها على سد الموصل العراقية. هذا يعني أن قدرتها القتالية والحركية لم تتأثر بالقصف الجوي.

خامساً، طالما بقيت سورية بؤرة توتر مرتفعة الحد، فإنه من الصعب حسم المواجهة معها، لأنه، حتى في أحسن الأحوال، (من منظور الائتلاف الدولي) ستتوقف داعش عن عمليات الكر والفر، وتنسحب إلى المناطق الداخلية السورية (ما قد يسهل مشروع المنطقة العازلة على الحدود التركية-السورية التي تطالب بها تركيا)، لتعاود الهجوم حين تكون الظروف مواتية من جديد.

كما أن انسحاب (بفعل الضربات الجوية أو كمجرد إجراء تكتيكي) داعش من العراق سيتسبب في انهيار الائتلاف الدولي، بسبب الخلافات حول الأزمة السورية. سادساً، ضعف القوى العسكرية المحلية، المناوئة لداعش، لا يسمح لها بحسم المعركة لصالحها، حتى مع استمرار القصف الجوي، كما أنها تتحرك في إطار وطني (عراقي)، ولن تواصل مقاتلة داعش خارج الحدود العراقية، بيد أن نشاط داعش دلالة على استحالة فك الترابط الأمني بين العراق وسورية في الظرف الراهن.

العربي الجديد

 

 

 

أميركا: آسفة ولكن../ بيار عقيقي

فجأةً، خرج جو بايدن (71 عاماً)، نائب الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن “طوره”. وجّه اتهاماته عن تمويل وتأطير تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) يمنة ويسرة. أوصل كلامه إلى قلب الشرق الأوسط، من الإمارات إلى تركيا، وما بينهما. تصرّف الآتي من ولاية ديلاوير، أصغر ولايات الولايات المتحدة (تحتلّ المركز 45 من أصل 50 ولاية)، وكأنه أحد “المستجدّين” في العالم السياسي. كشف عن كلامٍ خطير في جامعة هارفارد. كان خميساً أسود، ذاك الـ2 أكتوبر/تشرين الأول الحالي. ضرب “بيغ جو” في كل مكان. ظنّ بعض الغلاة والمتحمّسين أن “شيئاً ما يتغيّر أميركياً”، غير أن الأمر لم يكن سوى تناقضات أميركية اعتيادية، اختُصرت بـ”زّلة لسان”.

ضرب “بيغ جو” ضربته، ثم انصرف إلى تصحيحها، وزيّنت عبارة “أنا آسف” جميع مكالماته وأحاديثه. بدا لوهلة وكأنه “الأسبوع العالمي للاعتذار”. أسبوع لم يقدّم فيه أحدٌ اعتذاراته سوى واشنطن، وكأن الولايات المتحدة “ضعُفت” إلى درجة أنها باتت توزّع الاعتذارات في كل مكان، ومجّاناً. لكن، واشنطن لا تعتذر، لأنها باتت أقل قوة عن ذي قبل، أو لأن أحداً ما أقوى منها، حتى إشعارٍ آخر، بل اعتذرت لأسباب عدة. ويقيناً القول إن باعتذار أميركا أو عدمه، ستستمرّ الحياة، وبزعامة أميركية.

اعتذر من كان سيناتور ديلاوير منذ عام 1973، علناً، لأن “الحاجة تقتضي الاعتذار”. لم يتغيّر شيء. استمرّت الحياة كما هي. الغارات الأميركية ضمن هجوم قوات التحالف الدولي ضد “داعش” في العراق وسورية استمرت، وتستمرّ. النقطة ليست هنا. النقطة أبعد من اعتذار. لم يمرّ أي اعتذار أميركي بسلام، لا في هيروشيما وناغازاكي، ولا في فييتنام وباكستان. كما يأتي اعتذار بايدن، قبل “حدوث شيءٍ ما”. شيء من المفترض أن يبدّل مسار الشرق الأوسط، وآخر ما تحتاج إليه الادارة الأميركية، في مثل هذه الظروف، “نار صديقة” أو “نار عدوة” مع حلفاء وغير حلفاء، قد تشيح النظر، بعض الشيء، عن الهدف الأساسي، المنحصر بضرب “داعش”.

وإذا كان بايدن قد هبّ لتوزيع اعتذاراته، فإن سيد ديبلوماسيته، وزير الخارجية جون كيري، كان واضحاً في الإعلان أن “مدينة عين العرب لا تُشكّل أهمية استراتيجية للولايات المتحدة”. أكيد. إن النفط أهم، فالدفاع عن أربيل، وخلفها آبار النفط شيء، وترك عين العرب في مهبّ الريح شيء آخر. لا يحتاج كلام كيري إلى اعتذار. المسألة واضحة: المصالح الأميركية أولاً. تماماً كما حصل مع المعارضة السورية، حين لم تتطلّع، لا واشنطن، ولا المجتمع الدولي، إليها، وتُركت تعاني، إلى أن بدأ الحديث عن تدريبات عسكرية ومساعدات غذائية وطبية، بعد خراب البصرة. أيضاً وأيضاً، لا يحتاج الأمر إلى اعتذار، ولو سقط 200 ألف سوري في ثلاث سنوات ونيّف، ونزح الملايين غيرهم. لمَ الاعتذار، فهناك أمور “أكثر استراتيجية” من الشعب السوري ومن عين العرب.

بالطبع، لن تلحظ الاستراتيجيات الأميركية المدينة الكردية السورية، فهناك “الحسابات الإقليمية والمحلية”، وغيرها من التعابير الديلوماسية، وهناك أمر عملياتٍ يتعلّق بجمع الحلفاء في خندق واحد لمواجهة تنظيم، احتاج إلى أيام قليلة ليسيطر على مساحة تتجاوز الـ200 ألف كيلومتر مربع، بنيما تعلن واشنطن حاجتها إلى سنوات للقضاء عليه. تلك “الحسابات” لم تكن واردة، لا في شبه الجزيرة الكورية، ولا في كوبا، ولا في غرينادا وبنما وأفغانستان والعراق…

لا تقيّد الحركية الأميركية حسابات ولا اعتذارات، فكلّه يهدف إلى خدمة الأهداف الفعلية للولايات المتحدة في الشرق والعالم، والتي يُمكن تلخيصها بـ”الهيمنة”. صحيح أن بايدن اعتذر وكيري لا. لكن، الأمر ليس مهماً على الاطلاق. ما يهمّ أن الولايات المتحدة تتصرّف بوحي من بيئة الشرق. ففي الشرق، لا مجال لحقوق الإنسان. هناك فقط نفط وبترول، والباقي تفاصيل.

العربي الجديد

 

 

في ما بين «داعش» و«حزب الله» من وصل/ محمد الرميحي

سوف يعتبر البعض هذا العنوان مستفزا، وأنا أؤكد أن الغرض ليس الاستفزاز، كما قد يعتبره البعض مثيرا للبهجة، ولم أكتب لأثير بهجة أحد. أؤكد أن المحاولة هي جلاء الغامض، احتراما للعقول العربية وإثارة لنقاش جاد، يعيدنا إلى سكة العقل، بعيدا عن الأدلجة والتسليع الطائفي. أؤكد أن ليس كل السنة «داعش»، وليس كل الشيعة «حزب الله»، تلك خرافة آن لنا أن نتطهر منها، يقيني أن دائرة «داعش» ودائرة «حزب الله» متطابقة إلى حد كبير، الفروقات في الهوامش فقط. مؤيدو هذا الفريق أو ذاك لا يستطيعون رؤية التطابق، حيث إن الكائن لا يستطيع أن يبصر وهو مغمض العينين، والانغماس في الأدلجة هو ضرب على كل الأفئدة وليس على العينين فقط. إذا كان ثمة اختلاف فهو اختلاف في الدرجة وفي التوقيت، أما باقي العناصر فهي هنا وهناك واحدة تقريبا. كلا الفصيلين له منبت سياسي، مبني على توظيف ديني، كلاهما ينتمي إلى جماعة مغلقة ومن لون واحد، ماضوية التفكير. وليس إلى مجتمع مفتوح تعددي ومستقبلي، كلاهما يفرض على أتباعه مفردات ومفاهيم يدغمها في شبكة التفكير العام على أنها مطلقة. كلاهما يعتمد ميكانيكية مرتدة، قوامها الترغيب والتخويف، على أفراد داخل الجماعة وخارجها، وكلاهما يتبنى خطابا ظاهريا معاديا للغرب!

الحجج التي أستند إليها في التداخل كثيرة، أنتقي من بينها تسعا، هي الآتي:

أولا: الاثنان (ولن أكرر، وأقصد بهما «داعش» و«حزب الله») يعتمدان على إقامة حكم الله على الأرض، أبو بكر البغدادي، صبحي طه (الخليفة) وأتباعه، يعتنقون الحاكمية، وهم خلفاء الله على الأرض، و«الخليفة» مفوض مطلق من الرب تعالى للتحكم في رقاب البشر، وعند قراءة الرسالة المفتوحة التي وجهها «حزب الله» إلى «المستضعفين» في 16 فبراير (شباط) 1985 (تتكون من 16 صفحة.. وتعتبر المنفستو للحزب)، يقول فيها: «.. ندعو الجميع لاختيار النظام الإسلامي» و«مقتنعون بالإسلام عقيدة ونظاما، فكرا وحكما… وإذا ما أتيح لشعبنا أن يختار بحرية، فإنه لن يرجح على الإسلام بديلا»… طبعا بعد تمجيد للنظام الإسلامي في طهران، هذا الذي سمي «الهدف الرابع» من أهداف «حزب الله» يبين أن الغرض هو «إقامة حكم الله على الأرض» وطاعة ممثله (الولي الفقيه). ما يختلف هنا هو مرجعية الأول (الخلافة) ومرجعية الثاني (الولي الفقيه)، الرسالة المفتوحة هذه لم تعد تذكر كثيرا في أدبيات الحزب في السنوات الأخيرة! إلا أن مركزية «الجهاد» هي قاعدة أساس لدى الفريقين المعنيين وعليها يقومان بالتجنيد والحشد. وكلاهما يستخدم الرمز (الرايات السود) للتأكيد على جهاديتهما، ويضيف «حزب الله» الصفراء أيضا.

ثانيا: كلاهما بدأ باسم، وانتهى باسم آخر، «حزب الله» لم يكن إلا «أمة (حزب الله)» في البداية، ما لبث أن شطب «الأمة»، وكذلك «داعش»، فقد كانت «دولة العراق والشام» ثم تحولت سريعا إلى «الدولة الإسلامية»، كانت طهران تبحث عن «ذراع» في معركتها مع «الآخر» في الثمانينات، من هنا جاء تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981 بمشاركة حزب الدعوة، ودمشق، وتبينت الحاجة إلى وكيل محلي قوي في التربة اللبنانية، مع تفسخ الدولة، يخلط المظلومية وبشعارات جذابة وحاجة اقتصادية ملحة، وهنا تم توليد «حزب الله».

ثالثا: المؤسسون لـ«حزب الله» شكلوا هيكلا للحزب، وكان الأمين العام لا يحق له سوى دورتين فقط في الأمانة العامة، بعدها يتوجب انتخاب شخص آخر، في التسعينات بعد قتل الموسوي الأمين العام الثاني من قبل إسرائيل في مايو (أيار) 1991، جرى انتخاب الأمين العام السيد حسن نصر الله، وخلافا لما قرره المؤسسون، عدل الهيكل، ليصبح الأمين العام «مدى الحياة» على قاعدة دساتير «السادات – بن علي»، وأبو بكر البغدادي هو «الخليفة» الذي قال في خطبة عصماء في الموصل: «أطيعوني ما أطعت الله فيكم»، ولأنه الوحيد المفسر للإسلام فهو الباقي حتى يختاره الله (أو يقتل)، فالقائد هو المطلق والدائم في الحالتين.

رابعا: كلاهما تتبدل تحالفاته، تتصل وتنفصل؛ «داعش» تتحالف مع النصرة لفترة، ثم تنقلب عليها وتحاربها (اختلاف مصالح) وكذلك «حزب الله» وحركة «أمل»، فقد قامت بينهم صراعات دموية هائلة، تخطت اتفاق دمشق 1، حتى اتفاق دمشق 2، وسقط من الطرفين برصاص الآخر قتلى، ثم توافق الطرفان وانسجما، بعد تحديد الأدوار من القائد لكل منهما، كما حدث في السنوات الأخيرة.

خامسا: كلتا الحركتين متخطية للحدود الوطنية؛ «داعش» تتخطى حدود كل من العراق وسوريا، ولو أتيح لهذا التنظيم فرصة من الزمن لتخطى كل الحدود المعروفة، و«حزب الله» يدين بالولاء إلى خارج الحدود كما هو معلن ومكرر. «حزب الله» يعتبر التزامه بولاية الفقيه (في إيران) حلقة أساسية بالتزامه بمشروعه السياسي، والأمر في القضايا المركزية مرده هناك بعيدا عن لبنان الوطن. ميلاد «حزب الله» جاء على يد علي أكبر محتشمي (سفير إيران في دمشق) ومن خلفه الحرس الثوري. كان الفلسطينيون يرغبون في أن تصبّ الثورة الإيرانية في جيبهم، وأراد الإيرانيون أن تصب الثورة الفلسطينية في «جيب إيران»، فجرى خلق ذراع خاصة تابعة لهم، تنادي بالشعار الاستقطابي «تحرير فلسطين»، ثم تغيرت الحال، وتستخدم طهران الحزب كذراع محاربة اليوم في سوريا.

سادسا: يحارب مع «داعش» الكثير من خارج الوطن، سواء كانت سوريا هي الوطن أو العراق هو الوطن، كما يحارب ويدرب ويؤمّن السلاح والتمويل لـ«حزب الله» من هم خارج الوطن، بل وينخرطون حتى في بعض معاركه، وهم إيرانيون بالطبع، وغير إيرانيين من مناصريه، فإذا «الانفتاح» على جنود من خارج «الوطن» سمة مشتركة بين الاثنين.

سابعا: الاختطاف والقتل.. كان لنحر عدد من الغربيين مؤخرا، الذي قامت به «داعش» هزة إنسانية اتفقت على قباحتها كل الأمم، كما أن العمليات الانتحارية في المدن (السورية والعراقية) المختلفة التي تقصد الآخر والمستهجنة تثير الغضب، ولكن هذا هو بالضبط ما قام به «حزب الله» في فترة من فتراته، وهو ما يقوم به «محسنا» في فترة لاحقة. البعض قد نسي اختطاف العقيد الأميركي (هينجنز) الذي تسبب جزئيا في إثارة «صراع الحصص» بين «حزب الله» وحركة «أمل»، ثم سلسلة التفجيرات في السفارة الأميركية في بيروت عام 1983، مرورا بالمحتجزين الغربيين، أشهرهم تيري ويت، الذي ما زال يظهر على وسائل الإعلام الغربية، كلما صار الحديث عن «اختطاف»، ويتذكر تهديده اليومي بالقتل، وانتهاء بسلسلة الاغتيال التي طالت عددا من الزعماء اللبنانيين، بينهم رئيس وزراء لبنان في فبراير 2005 رفيق الحريري، مهندس اتفاق تفاهم أبريل (نيسان) 1996، الاتفاق الذي سهل وصول وحماية مقاتلي «حزب الله» إلى الجنوب اللبناني! ثم جرى قتله!!

ثامنا: غني عن البيان أن كلا التنظيمين يعمل «خارج الدولة» أو «دولة داخل الدولة» ولا يحتاج مراقب إلى أن يثبت ذلك، فحتى الفصل بين الناس له هيكل مستقل، تقيم «داعش» محاكمها «الشرعية» الخاصة بها، بل قد طلبت من بعض مناصريها في بلدان لها أعوان فيها أن يقوموا بتنظيم «دروس سريعة للقضاة الشرعيين»! للمساعدة في إقامة الحكم الشرعي في «الدولة الإسلامية»، يقابل هذا ما اعتمده «حزب الله» منذ فترة، على مستوى الهياكل التنظيمية، بإقامة «المجلس القضائي» ويضم المسؤولين القضائيين في المناطق (ويقتصر عملهم أساسا على عناصر «حزب الله» لحل النزاعات في ما بينهم)!

تاسعا: إتقان الإعلام بالصوت والصورة والمطبوعة، فـ«داعش» استطاعت وبشكل «همجي» أن تلفت النظر إليها من خلال الاستخدام المتقدم لوسائل الاتصال تجنيدا واستثارة، بل وأقدمت على نشر مطبوعة لها باللغتين الفرنسية والإنجليزية، وكذلك الأمر، استطاع «حزب الله» بكثير من القدرة أن يوظف الإعلام لصالحه، من خلال خلق وعي بـ«مقاومة إسرائيل» أو وعي آخر بـ«الدفاع عن المراقد» في دمشق، وهو وعي تكوّن لدى المناصرين وحتى المحايدين على أنه حقيقة لا تقبل الجدل، بل رسخ في أذهان كثيرين أنه الوحيد «الذي هزم إسرائيل، في حين عجزت الجيوش العربية عن ذلك»!

أكتفي بالنقاط التسع السابقة، ولولا ضيق المكان لعددت الكثير من مناطق التشابه التي قد تحتاج إلى سعة كتابية أكبر، إلا أن ملخص الأمر هو توظيف سياسي للدين/ ليس جديدا في تاريخ البشرية، فقد حصد من قبل، في أماكن أخرى، الملايين من أرواح البشر، وهو يفعل ذلك الآن بين ظهرانينا.

آخر الكلام:

هذا الطريق، إن كان يسمى لدى البعض نضالا، هو طريق مسدود، فمخاطبة العواطف والغرائز الدنيا قد تساعد مؤقتا، ولكنها لا تؤدي إلى نتيجة، إلا الهزيمة الحضارية، هكذا علمنا التاريخ وقال لنا العقل.

الشرق الأوسط

 

 

هل «داعش» أسرع من أميركا والغرب؟/ طارق الحميد

يقول ماثيو أولسن، المدير السابق لمركز مكافحة الإرهاب الوطني الأميركي، في مقابلة تلفزيونية مع الإعلامي تشارلي روز، إن عدد مقاتلي «داعش» في العراق وسوريا يبلغ 30 ألف مقاتل يضاف إليهم 15 ألف مقاتل أجنبي، مما يعني أن لدى «داعش» الآن قرابة خمسة وأربعين ألف مقاتل!

ويضيف أولسن قائلا إن أحد أبرز وأهم أسباب تكون «داعش» وبلوغها هذه الدرجة من الخطورة هو الأزمة السورية طوال الأعوام الثلاثة الماضية، مع أخطاء نوري المالكي، وهو ما منح «داعش» فرصة الأرض، بين العراق وسوريا، وفرصة استقطاب عناصر عراقية وسورية، وكذلك استقطاب مقاتلين من الخارج، إضافة إلى ما وقع بيد «داعش» من مواقع نفطية جعلت التنظيم أغنى تنظيم إرهابي بالعالم.

والسؤال هنا هو: كيف يكون بمقدور «داعش» الاستفادة من «الأخطاء» لدرجة تكوين مجموعة مقاتلة من قرابة خمسة وأربعين ألف مقاتل، وفي ظرف عامين أو ثلاثة، بينما تعجز أميركا والغرب، عن تدريب المعارضة السورية المعتدلة، وتحديدا «الجيش الحر» الذي هو أساسا عبارة عن مقاتلين منشقين عن قوات الأسد، ومن لم ينشق منهم فإنه تدرب فعليا بحكم انخراطه في المعركة المستمرة طوال ثلاثة أعوام ضد الأسد، والميليشيات الشيعية المدافعة عنه في سوريا؟

وعليه، فكيف يقول الجنرال الأميركي المتقاعد جون آلن، الذي تولى تنسيق ومتابعة تحرك الائتلاف الدولي ضد «داعش»، إن تدريب مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة هو عملية بعيدة الأمد، وإنه أمر سيستغرق وقتًا، وربما سنوات، وذلك بعد أن صادق الكونغرس الأميركي على خطة لتدريب وتجهيز مقاتلي المعارضة السورية؟ كيف يقول الجنرال آلن ذلك، بينما لم يسمع العالم بـ«داعش» إلا قريبا جدا، ورغم ذلك نجد أن «داعش» تقوم باستقطاب المتطرفين من كل العالم، وللآن، ورغم ضربات التحالف الدولي لها في العراق وسوريا؟ والأدهى من كل ذلك أن «داعش» لا تزال تبيع النفط! فمن الذي يشتريه؟ وكيف ينقل ويهرب؟ وأين المجتمع الدولي من ذلك؟

وبالطبع، فإن قصة البترول هذه قصة أخرى تستحق نقاشا منفصلا، إلا أن السؤال الملح هنا، والذي يستحق التكرار، هو كيف تدرب، وتستقطب «داعش» مقاتليها بهذه السرعة، بينما تقول الإدارة الأميركية، إن تدريب المعارضة السورية يحتاج إلى وقت طويل، وربما سنوات؟ الحقيقة إن هذا يؤكد، أولا، أن «داعش» تنظيم تقف خلفه أجهزة ودول شريرة في المنطقة، كما قال وزير الداخلية السعودي الأمير محمد بن نايف، كما أن ذلك يظهر أن الإدارة الأميركية غير حريصة إلى الآن على التحرك الفعلي والجاد، وليس الشكلي، للتعامل مع الأزمة السورية، وإلا كيف يكون «داعش» أسرع، وأدق، من أميركا والمجتمع الدولي، في التدريب، والتجهيز، والتسليح، وخصوصا أن جل مقاتلي «الجيش الحر» في ميدان المعركة، ومنذ ثلاثة أعوام؟

إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”

الشرق الأوسط

 

 

 

 

الشرق الأوسط

 

الرئيسية > الرأي > الاستثمار الفظ في بورصة «داعش» الدموية!

رابط المصدر: http://www.aawsat.com/home/article/198751

الاستثمار الفظ في بورصة «داعش» الدموية!/ راجح الخوري

عندما أعلنت واشنطن يوم الأربعاء الماضي «أن معركة مدينة كوباني مرعبة ولن نسمح بسقوطها»، كانت ملامح أخرى مرعبة تطلّ من الميدان العراقي، حيث بدا أن مدينة الرمادي العراقية باتت عرضة للمصير المرعب الذي يتهدد كوباني السورية!

لم يكن أحد يتصور في أسوأ الكوابيس أن تتحول الحرب على «داعش» إلى ما يشبه بورصة سياسية تتقاطع في ردهتها الدموية حسابات ومصالح محلية وإقليمية دولية، وهو ما يتيح للإرهابيين التوسّع في سوريا والعراق رغم الغارات الجوية التي هناك إجماع على أنها لن تتمكن أن تحسم المعركة أو توقف تقدم «داعش».

ربما يكون من المعيب أن باراك أوباما أعلن قبل أكثر من شهر ونصف قيام تحالف دولي قال: إنه يضم 40 دولة، لتقف جنيفر ساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية قبل يومين وتقول: إن معركة كوباني مرعبة بينما كان مقاتلو العشائر السنّية في الأنبار يتحدثون عن إمكان تكرار سيناريو الموصل في الرمادي!

في كوباني تتقاطع حسابات رجب طيب إردوغان ومراهناته السياسية الفظة في بورصة الدم الكردي، أما في الأنبار فتتقاطع حسابات حيدر العبادي الإيرانية، عندما ترفض مشاركة الطيران العربي في قصف الإرهابيين، وتستمر الشكوى من عدم تلبية الحكومة المركزية حاجات مقاتلي العشائر إلى الإمدادات والذخيرة.

وإذا كانت المراهنات في «ردهة داعش الدموية» ناشطة عند القوى الإقليمية، فهي بالتأكيد ساخنة لدى القوى الدولية، حيث يستمر عض الأصابع بين موسكو وواشنطن حول اشتراط إردوغان أن يتم إسقاط بشار الأسد، وهو ما ترفضه روسيا وإيران، في حين لا يبدو أن أميركا حسمت أمرها حيال إسقاطه وإن كانت ترفضه في التحالف وتكرر أنه لا مستقبل له في سوريا!

المضارب الأول وربما المقامر الأول بالدم الكوباني الكردي طبعا هو إردوغان، الذي لم يكتف بالإعلان يوم الأربعاء الماضي «أن عين العرب تسقط لأن مطالبنا لم تحقق»، بل لأن الوكالات نقلت يوم الخميس خبر مقتل أكثر من 23 كرديا في صدامات عنيفة بين الشرطة التركية والأكراد، الذين كانوا يريدون العبور لدعم إخوتهم في كوباني منددين بعدم تحرك القوات التركية لإنقاذ المدينة، لكن قوات الأمن التركية التي استعملت الرصاص والقنابل الدخانية واعتقلت أعدادا منهم، لطالما تفرّجت على المقاتلين يعبرون الحدود التركية للانضمام إلى «داعش»!

حتى يوم الأربعاء الماضي كانت واشنطن ترفض الشروط التي وضعها إردوغان للتعاون مع التحالف الدولي، وهي إقامة منطقة حظر جوي فوق سوريا، تقول واشنطن إنها تحتاج إلى قرار من مجلس الأمن سيجابهه الروس حتما بالفيتو، والقيام بعمل عسكري يفضي إلى إسقاط الأسد وهو ليس في حسابات واشنطن قبل تأمين جهوزية «الجيش السوري الحر» لكي يملأ الفراغ بعد سقوط النظام خوفا من أن يملأه الإرهابيون، وإنشاء مخيمات للسوريين داخل الأراضي السورية.

لكن إردوغان الذي يراقب بكثير من الضيق التسليح الغربي الكثيف للبيشمركة في العراق ينظر إلى هذا التطور وكأنه قنبلة ستصل شظاياها إلى الأكراد في تركيا، وقد رفع سقف شروطه كي لا يتدخل في كوباني المدينة الكردية الكبيرة، بما قد يعطي الأكراد زخما إضافيا، وبهذا أراد أن يصيب 3 عصافير بحجر واحد: أن يضعف الكرد بسقوط كوباني، وأن يبدو منقذهم إذا تدخل، وأن يكسب إسقاط الأسد.

وإذا كان هذا الموقف ينطوي على كثير من الانتهازية، فإن إردوغان طبق دائما سياسة ملتوية ساهمت في تقوية «داعش»، آخر فصولها الفجّة عملية تبادل الأسرى بينه وبين «داعش» عندما أطلق 180 إرهابيا ممن كانوا يعالجون في مستشفيات تركيا أو موقوفين في سجونها، مقابل إطلاق رهائن القنصلية التركية في الموصل، إضافة إلى ما تردد عن أنه سلم «داعش» 49 دبابة أي بمعدل واحدة في مقابل كل رهينة تركية!

وتتحدث الأنباء عن أن جون كيري فاتح نظيره التركي أحمد داود أوغلو في موضوع أثار حنق واشنطن، وخصوصا بعدما تحدثت الصحف التركية قبل 10 أيام، عن أنه في حين كان البرلمان التركي يقرّ التصدي لـ«داعش» إذا هددت الحدود التركية، كانت حكومة إردوغان تسمح بفتح مكتب اتصالات لـ«داعش» في إسطنبول، وهو تطور يؤكّد استمرار إردوغان في الاستثمار في «داعش» بعدما كان سمح بتسرّب مقاتليها إلى العراق وسوريا عبر حدوده، وبعدما سمح لقادتها بالتحرك بحرية في الأراضي التركية الجنوبية في حين يمنع الأكراد الآن من العبور لدعم كوباني!

من كوباني السورية إلى الرمادي العراقية حيث ترتسم معالم عن تكرار السيناريو الغريب الذي أدى في السابق إلى تسليم الموصل لـ«داعش» بعد انسحاب الجيش العراقي منها، فقد تحدثت الأنباء قبل يومين عن سيطرة الإرهابيين على مناطق جديدة في الأنبار وخصوصا في الرمادي بعدما غادرتها القوات الحكومية لتتمركز جنوبا في قاعدة الحبّانية.

يأتي هذا التطور المثير بعدما كان منسق التحالف الدولي الجنرال جون آلن قد شدد مع رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري على أهمية إشراك سنة الأنبار في القتال ضد الإرهابيين لاستعادة مناطقهم، ولهذا بدت تصريحات رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت صادمة تماما عندما قال: «إن الأنبار وصلت إلى طريق مسدود بسبب ضعف الإمدادات من الحكومة المركزية وقوات التحالف الدولي إلى مقاتلي العشائر ورجال الشرطة»، ومضى محذرا من احتمال سقوط الأنبار في يد «داعش» بما قد يمثّل مقدمة لسقوط بغداد، وخصوصا أن الإرهابيين حصلوا على كميات كبيرة من أسلحة القوات الحكومية المنسحبة، وهو ما يذكّر فعلا بسيناريو سقوط الموصل.

ومن الواضح أن موقف حيدر العبادي الذي يكرر رفض مشاركة المقاتلات العربية في قصف مواقع «داعش» داخل العراق بينما يقبل القصف من المقاتلات الغربية، إنما يشكّل مؤشرا على أن إيران أيضا تضارب سياسيا في بورصة القتال ضد «داعش»، فقد كانت أول من قام بإرسال السلاح إلى مقاتلي البيشمركة وهو ما يتعارض طبعا مع المضاربة التركية، ثم إنه في حين يشترط إردوغان إسقاط الأسد للدخول في التحالف تعارض إيران وروسيا أي عمل عسكري في سوريا ضد الإرهابيين إن لم يكن بالتعاون مع النظام!

عندما يقول ليون بانيتا إن الحرب على الإرهاب ستستمر 30 سنة وإن أوباما ضلّ طريقه في قتال «داعش» وعليه أن يصحح باتّباع الجدية أكثر، يجب أن لا ننسى أن تعامي أوباما الطويل عن حرب الأسد ضد السوريين التي دعمها الروس والإيرانيون هي التي خلقت «داعش».

كاتب لبناني

الشرق الأوسط

 

 

 

حول أسباب الشباب في الانضمام إلى “داعش”/ ابراهيم عوض

ربما كانت المعلومات عن تنظيم “الدولة الإسلامية”، الدارج عنه حتى الآن إسم “داعش”، كثيرة لدى أجهزة الاستخبارات العربية والأجنبية، ولكنها بقيت نادرة عند المحللين ومراكز البحث. الفرضيات عن التنظيم وعدد مقاتليه وسرعة تقدمه على الأرض في العراق وسوريا متعددة، تتفاوت البينات على مدى سلامة كل منها. يوجد شبه اتفاق على أن تفتيت المجتمع السياسي العراقي إلى مكوناته العرقية والطائفية والمذهبية، وتسريح الجيش العراقي، والسياسة التمييزية المتبعة في العقد الأخير كانت كلها عوامل ساعدت على ظهور “داعش” ونموها. ولكن ثمة سؤالا لم يلق ما يستحقه من الاهتمام في بلادنا العربية، ولقي الاهتمام لدى المتابعين في البلدان الأوروبية ولكن حيّرتهم الإجابة عليه. ما الذي يدفع الشباب إلى الانضمام إلى داعش؟ والمقصود بالشباب هنا ليس الذين أنشأوا التنظيم، وإنما أولئك الذين خفّوا إلى مواقع “الجهاد” من العراق وسوريا نفسهما، ومن بلدان عربية، من بينها مصر، ومن بلدان أوروبية عديدة.

لم تجر دراسات ولم توزع استبيانات للتعرف على الخصائص الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية للشباب المنضم إلى “داعش”، ولكن رشحت معلومات تمكننا من طرح فرضيات جادة بشأن هذا الانضمام. التنظيم يبدو أنه استفاد في فترة نشأته من تبرعات من أشخاص ميسورين في بعض بلدان الخليج، ولكنه صار تنظيما غنيّا باستغلال “نجاحاته” في الترويج لنفسه وفي حشد مزيد من التبرعات، ثم باستيلائه على حقول نفط وبفرض الرسوم على النشاط الاقتصادي في المناطق التي استولى عليها. موارد “داعش” مكّنته من أن يدفع بسخاء لشباب في العراق وسوريا محروم من فرص العمل ومن مصادر الدخل بفعل الصراع والمواجهات الدامية والتمييز في هذين البلدين المكلومين.

ولكن لماذا ينخرط الشباب من مصر أو من تونس أو من الجزائر في تنظيم بمثل دموية “داعش” وعدميته؟ البطالة والفقر والتهميش الاجتماعي، ولا شك في ذلك، أسباب للنقمة على المجتمع وللتطرف في اعتناق الأفكار التبسيطية والأيديولوجية لتفسير هذه الأسباب وغيرها، ولوصف أدوية العلاج منها. العاطل عن العمل، أو ذاك الذي يمارس عملا هامشيا، أو على مستوى وظيفي أقل من ذلك الذي أعدّه له تعليمه، لا ينتقل مباشرة إلى صفوف العنف والعدمية وإنما هو يمرّ عبر الأفكار المتطرفة والمطلقة المعروضة وحدها في سوق الفكر والممولة بسخاء منذ عشرات السنين. منذ سنوات عديدة وطويلة، يتواتر الحديث عن أن البطالة “قنبلة موقوتة”، وخاصة بطالة المتعلمين، والرجاء أن تكون قد اتضحت الآن صحة هذا الحديث.

غير أن البطالة والفقر وحدهما ليسا كافيين لتفسير انضمام الشباب “لداعش”. ثمة شباب من طبقات اجتماعية ميسورة، يتمتع بكل ما يتيحه العصر من مزايا التقدم العلمي والتكنولوجي، انضم أيضا إلى “داعش” وهو يحارب في صفوفها. الإنسان لا يبحث في الحياة عن الخبز وحده، وهو لا يكتفي به. الشباب، وغير الشباب، لا بد أن يشارك في تحديد وجهة المجتمع الذي يعيش فيه وفي إدارة شئونه. استبعاد الشباب من تحمل مسئولية مجتمعاتهم ومن المشاركة في توجيهها وفي إدارتها، هو تشجيع ضمني لهم على الخروج على هذه المجتمعات، بل وعلى محاربتها. بانضمامه “لداعش”، ولمثيلاتها، يشعر الشباب أنه يشترك في توجيه دفة المجتمعات إلى غير دففها الفاشلة الحالية. لا ينتبه الشباب إلى أن هذه وجهة لا تؤدي إلى أي مرفأ إنما إلى أعماق الأرض والفناء. ولكن كيف له أن ينتبه؟ القيود مفروضة على الأفكار عن الوجهات الأخرى، وعلى تطور هذه الأفكار، وعلى التنظيم الضروري لنموها وانتشارها.

***

في البلدان الأوروبية، ثار السؤال عن أسباب انضمام شباب ينحدر من الهجرة العربية والإسلامية، أو شباب من أصول أوروبية صرف تحوّل إلى الإسلام، أسباب انضمام هذا الشباب إلى “داعش” وسفره إلى العراق وسوريا “للجهاد” فيهما. هذا الشباب من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا وغيرها. السؤال يزيد من أهميته التخوّف من أن يعود هذا الشباب الأوروبي بعد ذلك إلى بلاده ليكون “داعش” في كل منها، يمارس العنف ويحارب مجتمعاتها . مثلما هي الحال في البلدان العربية، العامل الاقتصادي هام ولكنه ليس كافيا للتفسير. القارة الأوروبية تمر بأزمة اقتصادية ممتدة لا ريب فيها. ولكن حدة هذه الأزمة تتراوح بين البلدان، وليس هناك ما يدلّ على أن عدد المنضمين إلى “داعش”، أو نسبتهم، أعلى في حالة البلدان الأكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية أو حيث ترتفع نسبة البطالة ارتفاعا ملموسا. الأزمة الاقتصادية من أسباب صعود قوى اليمين الأوروبي المتطرف بخطابه المتمحور حول كراهية الأجانب، ومعاداة الهجرة والمهاجرين، وإشاعة الخوف من الإسلام، وهي كلها مما يؤدي إلى تطرف مضاد للمقصودين بهذا الخطاب، إلى حدّ خروجهم من المجتمع الذي يعيشون فيه، وعليه. ولكن، ألا يمكن أن تكون الأزمة الاقتصادية قد كشفت، مجرد الكشف، عن علل أعمق ؟ هل تصل الأسباب إلى قصور النظام التعليمي والثقافي، والاجتماعي عامة، في البلدان الأوروبية عن استيعاب كامل الشباب المنحدر من أصول عربية وإسلامية، بل وبعض الشباب ذي الأصول الأوروبية البحتة؟ هل اهتزتّ قيم الأنظمة الاجتماعية والسياسية لهذه البلدان، ومثُلُها؟ هل أدّى تلاشي الأفكار والسياسات التي كانت تعرضها في الماضي الأحزاب الشيوعية والاشتراكية إلى توحد في الأفكار المعروضة، بحيث انتفت التعددية الفكرية الحقيقية وإن بقيت التعددية التنظيمية؟ هل كان من نتيجة ذلك بروز التمايزات العرقية والثقافية والعنصرية، وهي تمايزات مطلقة الطابع، بديلا عن التمايزات الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما أدّى بالضرورة إلى شعور بالغربة بين جانب من الأقليات؟

***

أسباب الانضمام إلى “داعش” ومثيلاتها من التنظيمات المتطرفة، ليست هي نفسها في البلدان العربية، من جانب، وفي البلدان الأوروبية، من جانب آخر، بل هي تتباين ما بين بلد عربي وآخر، ومن طبقة اجتماعية إلى أخرى. ومع ذلك، فإنه فضلا عن المجال المفتوح منذ عقود لأفكار التطرف، ثمة خيطان يربطان بين هذه الأسباب، وهما انتفاء التعدد والأفكار المطلقة.

تعدد الأفكار وثراؤها وحرية تطويرها والتشديد على طابعها النسبي تخلق البيئة التي يغرق فيها التطرف ويذوب أثره العدمي.

 

هذا المقال بقلم إبراهيم عوض، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

 

 

 

 

 

لاءات أوباما والحروب الدينية في المنطقة!/ خالد الدخيل

أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) منذ حوالى شهرين. قال إن هدفه هزيمة هذا التنظيم والقضاء عليه. جميع الدول متفقة معه على الحرب وعلى الهدف منها، لكن الرئيس يرفض أي سؤال بعد ذلك. لماذا يحتاج تحالف من 20 دولة إلى سنوات لهزيمة تنظيم، تقول الاستخبارات الأميركية إن عدد مقاتليه لا يتجاوز 31500 مقاتل؟ ثم ماذا بعد هزيمة «داعش»؟ أو ما هي الخطوة التالية لذلك؟ هل هذه الحرب جزء من حرب على الإرهاب؟ أم أنها حرب تبدأ وتنتهي عند «داعش»؟ ما هو هذا الإرهاب؟ وهل يختلف عن الإرهاب الذي بدأ في أفغانستان؟ الجذر الأول للإرهاب الآن، خصوصاً في العراق وسورية، هو حال طائفية فجّرتها الصراعات السياسية، وما «داعش» إلا أحد أخطر تمظهرات هذه الحال. هناك إرهاب سني، وإرهاب شيعي. ألا يدرك الرئيس أن استهداف الإرهاب السني والتغاضي عن الإرهاب الشيعي يغذيان الطائفية بعوامل خارجية ويعمقان الحروب الدينية الدائرة حالياً؟

هناك أسئلة أخرى تتردد كثيراً في واشنطن: لماذا لم تنجح هذه الحرب في وقف تمدد «داعش» بعد شهرين من بدئها؟ لماذا لم تنجح في كسب القاعدة الشعبية في سورية وفي غرب العراق؟ وفق «واشنطن بوست»، يبدو أن هذه الحرب لم تحصل على تأييد حتى قوى المعارضة السورية. والسؤال المربك: كيف يمكن منع النظام السوري من الاستفادة عسكرياً وسياسياً من هذه الحرب؟ هل لاحظ أوباما، كما ذكرت «واشنطن بوست» مرة أخرى الجمعة الماضي، أن النظام السوري بدأ يزيد من ضرباته الجوية ضد ما يعتبره معارضة معتدلة؟ أي أن النظام السوري بدأ يوظف الحرب على «داعش»، ويتخذ منها غطاء له، ومبرراً لهمجيته. يعرف أوباما أكثر من غيره أن «داعش» ليس التنظيم الوحيد الذي يقاتل في سورية والعراق، وعليه بالتالي مواجهة السؤال: هل هناك فرق في نظره بين تنظيم سني يقاتل ضد النظام، وتنظيم شيعي يقاتل مع النظام؟ بعبارة أخرى: كيف ينبغي التعامل سياسياً وعسكرياً مع هذه الحال التي تتداخل فيها الطائفية مع الحقوق السياسية والتوازنات العسكرية؟ هذه وغيرها أسئلة تجتمع في سؤال واحد: ما هي الاستراتيجية، أو الخطة السياسية والعسكرية المتكاملة التي يقترحها أوباما للحالين العراقية والسورية، بحيث تصبح الحرب على «داعش» جزءاً منها، وليس بديلاً عنها؟

لا يريد أوباما الاستماع لمثل هذه الأسئلة، لأنها ستفجر خلافات عميقة بينه وبين تركيا والأطراف العربية للتحالف. هناك اتفاق على هدف إنهاء تنظيم «الدولة». لكن هناك خلافات عميقة حول الهدف التالي. كشفت تركيا عن هذا الخلاف عندما قالت إنها لن ترسل قوات لمحاربة «داعش» إلا ضمن استراتيجية متكاملة وواضحة تتضمن إنشاء منطقة آمنة شمال سورية، وأن يكون إسقاط النظام السوري جزءاً من هذه الاستراتيجية. حتى الآن يرفض أوباما الشرط التركي، كأنه يقول إن هدف تدريب المعارضة السورية محصور في محاربة تنظيم «الدولة». مرة أخرى، ماذا بعد ذلك؟ لا أحد يعرف. من جانبه، كشف نائب الرئيس جوزيف بايدن عن عمق الخلاف عندما اتهم أبرز أطراف التحالف، السعودية وتركيا والإمارات، بأنهم المسؤولون قبل إيران، وقبل النظام السوري، عن تفشي التنظيمات الإرهابية في سورية. وإذا عرفنا أن بايدن ضمن الحلقة المقربة من الرئيس، المسؤولة عن صناعة القرار، فإنه لم يكن بتصريحاته يعبر عن رأيه وحسب. والدليل أنه لم يصدر عن البيت الأبيض أي شيء يفيد بأن ما قاله نائب الرئيس لا يمثل إلا نفسه. من ناحية ثانية، صحيح أن الرجل اعتذر، لكن اعتذاره لم يكن علنياً كما كانت تصريحاته، وإنما من خلال مكالمات هاتفية شخصية.

يزداد غموض الموقف الأميركي أمام تكاثر اللاءات التي يتمسك بها أوباما، ويعتبرها قاعدة لسياسة إدارته تجاه الشرق الأوسط، وتحديداً تجاه العراق وسورية. أولى هذه اللاءات وأشهرها أنه لا تسليح للمعارضة السورية المعتدلة. في مقابل ذلك لا يرى تسليح روسيا وإيران للنظام السوري. لا يريد منطقة آمنة لحماية المدنيين من الطيران السوري. لا يريد أن يحدثه أحد عن الدور الإيراني في العراق وسورية. وعلى رغم أنه يقر بأن المشكلة تكمن في الطائفية، إلا أنه لا يرى في هذه الطائفية إلا طرفها السنّي. لا يريد إرسال قوات على الأرض لمحاربة هذا الطرف السنّي. يريد قوات سنية بدلاً من ذلك لمحاربته. يقول أوباما إن الحل الممكن في سورية هو حل سياسي. وهو محق في ذلك. لكنه لا يرى أن تغيير موازين القوة على الأرض بين المعارضة والنظام شرط ضروري لهذا الحل. ومع أن فشل قناة جنيف جاء دليلاً على خطل موقفه، إلا أنه لا يزال متمسكاً به. لا يريد أوباما أن يعترف بأن سياسة إدارته منذ بداية الثورة السورية كانت من أهم الأسباب التي أدت بالوضع السوري إلى ما هو عليه، بما في ذلك تفشي ظاهرة الميليشيات المتطرفة. لا يريد أن يرى تنظيم «الدولة الإسلامية» كجزء من حال إرهاب إقليمي تعكس حالاً سياسية متجذرة. لاءات الرئيس كثيرة، وتعكس حال اضطراب في الرؤية، أو تضمر شيئاً لم يحن وقت إعلانه بعد.

سيقال بالنسبة للـ «لا» الأولى تمهّل، وافق أوباما أخيراً على برنامج لتدريب وتجهيز 5 آلاف من المعارضة السورية المعتدلة، وخصصت إدارته لهذا البرنامج نصف بليون دولار على مدى عام كامل. لكن التدريب والتجهيز غير التسليح. وأوباما لم يلتزم بأي شيء في موضوع التسليح، ولن يلتزم، لا الآن ولا بعد عام من الآن. الرجل حسم أمره حيال هذا الموضوع منذ بداية الثورة السورية. كان يستهزئ بالمعارضة المعتدلة، والآن يريد أن يدربهم ويجهزهم. كيف يمكن تربيع هذه الدائرة المفرغة؟ هو يعرف أن النظام يتمتع بدعم عسكري وسياسي ومالي كبير من إيران وروسيا، وأن هناك ميليشيات شيعية ترسلها إيران من العراق ولبنان تقاتل إلى جانب النظام السوري. ولا تخفى على الرئيس الأميركي القوة التدميرية لسلاح الجو السوري أمام معارضة من دون دفاعات جوية، ومدنيين عزل. ويعرف حجم الدمار والقتل والتشريد الذي تسبب به كل ذلك، ولا يزال مستمراً بعد أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة. ومع هذا يبدو «داعش» بالنسبة إلى أوباما أكثر خطراً من النظام السوري، ومن روسيا، ومن إيران، ومن الميليشيات الشيعية، من كل هؤلاء مجتمعين. لو كان أوباما يريد تسليح المعارضة المعتدلة لما التزم صمتاً مطبقاً أمام تسليح إيران وروسيا للنظام، ولاستجاب، أو على الأقل تفهم مطلب تركيا المشارَكة في الحرب على «داعش». يقول الأتراك إنه لا يمكن منع النظام السوري من الاستفادة من الحرب على «داعش» من دون تحييد سلاحه الجوي، على الأقل في شمال سورية. عدم تفهم إدارة أوباما هذا المطلب يترك ظلالاً كثيفة على الهدف من فكرة تدريب المعارضة.

أكثر ما يلفت النظر في لاءات الرئيس، وغموض حربه على تنظيم «الدولة»، هو غياب إيران: غيابها عن خطابه السياسي حول سورية والعراق، وغيابها عن التحالف. لن يتضح موقف أوباما قبل أن تتضح نتيجة المفاوضات النووية مع إيران. في كتابه الذي صدر في الأسابيع الأخيرة بعنوان: «النظام العالمي»، يذكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، أن الموقف الغربي في هذه المفاوضات تميز منذ 2006 وحتى الآن بأمر لافت، وهو التنازل المستمر. يقول كيسنجر إن هذا أغرى إيران بإمكان الحصول على مزيد من التنازلات. في الوقت نفسه يشدد على ضرورة أن يحصل تفاهم بين الطرفين. قبل كيسنجر، جعل أوباما من مسألة التفاهم هذه حجر الزاوية لسياسة إدارته تجاه المنطقة. ستكشف الجولة الأخيرة من المفاوضات صحة فرضية كسينجر، وستكشف الكثير من سياسات أوباما الغامضة الآن. ربما أن تركيا تنبهت لهذه الناحية من السياسة الأميركية، لذلك أرادت تحصين موقفها بأن تكون مشاركتها في الحرب على «داعش» محصنة باستراتيجية لا تسمح لإيران بالاستفادة من هذه الحرب على حسابها. السؤال: لماذا شاركت السعودية والأردن والإمارات في هذه الحرب من دون شروط، كما يبدو؟ لكن ربما أن هذه المشاركة تأسست على تفاهمات غير معلنة. وهذا ممكن. والسؤال في هذه الحال: هل يمكن أن تصدر اتهامات جوزيف بايدن للسعودية والإمارات وتركيا بدعم الإرهاب وهناك مثل هذه التفاهمات؟

* كاتب وأكاديمي سعودي

الحياة

 

 

 

كوباني: وقائع مجزرة معلنة/ حسن شامي

في الحروب التي تعرك البشر عرك الرحى بثفالها تزدهر سوق الأخلاقيات، الرخيصة منها والمرتجلة والتعبوية والدعوية، والرصينة أيضاً. كلما ازداد الطلب على الجموح نحو أقصى المتاهة ازداد الطلب على الوصفات الأخلاقية لتبرير الجموح وقدريته ولتمويه التذرر والتشظي بتمثيلات عن التماسك النفسي والمعنوي. وكان الفيلسوف الألماني نيتشه توقف أمام ظاهرة «الاضطغان» ومكانتها في تكوين الشخصية اليهودية النموذجية ونظرتها إلى نفسها وإلى الآخرين. وكان عالم الاجتماع ماكس فيبر اعتبر نيتشه أول مفكر وفيلسوف يتحدث بحق عن أهمية «الاضطغان» من دون أن يقبل بتعميمها على سائر وجوه الوعي الذاتي لليهود. نعلم أن الوعي الشقي تحدر من عقدة الاضطغان هذه وعالجها من طريق الاستبطان. فمقابل معادلة «نحن طيبون إذاً أنتم أشرار» جاءت معادلة «أنتم أشرار إذاً نحن طيبون».

لن ننزل إلى الأرض كما لو أننا كنّا نحلّق في أثير الفلسفة. سنقول بكل بساطة إن المشهد الإعلامي والمثقف في العالم العربي بات يعج بتنويعات على وصفات الاضطغان والوعي الشقي. ويكاد ان يكون مسرحاً للضغائن والكيدية والكراهية ونوازع «التشفي من المنكوب والشماتة بالعاثر» على قول أبي حيان التوحيدي. وهذا المسرح هو أيضاً سوق للصفقات السياسية وفنون المقايضة والابتزاز. فلننظر إلى الجدل الذي أثاره تشخيص جو بايدن لترسيمة النزاع مع «داعش» واحتشاد أربعين دولة في حلف دولي إقليمي ضد «التنين» التكفيري ذي الرؤوس الكثيرة والمتناسلة. فعلى خلفية ما يصح وصفه بوقائع مجزرة معلنة ستطاول بين لحظة وأخرى مدينة كوباني، عين العرب ومحيطها السوري ذا الغالبية الكردية، قدّم نائب الرئيس الأميركي سلسلة من الاعتذارات لحكومات حليفة اتهمها من دون أن يسميها كلها بتمويل وتسليح كل من يرغب في قتال نظام بشار الأسد بما في ذلك التنظيمات الإرهابية وفي مقدمها «داعش». من الشرعي أن نسأل من دون تفلسف: عمّ يعتذر جو بايدن؟

ليس بايدن شاعراً كي يردد عبارة من نوع «لا تعتذر عما فعلت» بحسب الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي لم يتردد، من جهته، في الاعتذار بنبل وشهامة من اللبنانيين عما لحقهم من آلام في حقبة التمدد الفلسطيني في لبنان. بايدن ديبلوماسي ويسعه أن يسخو بالاعتذارات إذا اقتضت الحاجة. قد يكون قصر اعتذاره للحكومتين التركية والإماراتية وغيرهما على المبالغة في الاتهام، لكنه بالتأكيد لم يتراجع عن تشخيصه. والحق أنه يحتاج إلى مثل هذا التشخيص لترميم صورة الإدارة الأميركية بعد تصريح الرئيس باراك أوباما العتيد حول سوء تقدير إدارته لخطر «داعش» وأمثاله وحول تقصير جهاز الاستخبارات الأميركية في الإحاطة بالمعطيات الميدانية، وإن كان هذا الجهاز قادراً على التنصت على المكالمات الشخصية للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل ولعديد من القادة والمسؤولين الأوروبيين.

وما يملي هذه الحاجة ليس سوى التمهيد الاستباقي الأخلاقي لفعل ندامة آتٍ عنوانه بات اليوم على كل شفة ولسان: كوباني- عين العرب.

الندامة ستكون على قياس الفظاعة والعجز المحسوب عن منع حصولها. فأركان الإدارة الأميركية لم يكفوا عن التنبؤ بالسقوط الوشيك للمدينة المحاصرة بعد استيلاء «داعش» على عشرات القرى والبلدات المحيطة ونزوح حوالى 200 ألف من السكان، معظمهم من الأكراد، إلى تركيا المجاورة والقريبة. الضربات الجوية التي توجهها قوات التحالف لنقاط تمركز «داعش» لا تكفي للحيلولة دون سقوط كوباني شبه المحتوم بالنظر إلى عدم التكافؤ بين قدرات وعتاد القوى الكردية المقاتلة وقوات «داعش». وليس وارداً عند الإدارة النزول إلى الأرض وخوض معركة برية. هذا ما يردده المسؤولون الأميركيون منذ أسبوعين تقريباً. لا تتطابق الرغبة الأميركية المزعومة في دحر الخطر الداعشي مع رغبات الحلفاء المفترضين وفي مقدمهم تركيا الأردوغانية. ففي قلب الندامة الأميركية وحديثها عن العين البصيرة واليد القصيرة يقبع موقف الحكومة التركية، الملتبس في أقل تقدير.

لم تخفِ الحكومة التركية شكوكها في جدوى الغارات الجوية، حتى أن أردوغان اعتبر، غداة الإعلان الأميركي عن إنشاء التحالف لمحاربة «داعش»، أن لا معنى لضرب «داعش» من دون إسقاط الأسد. وعندما تحدث عن عدم كفاية القصف الجوي لمنع كوباني من السقوط بدا لكثيرين أن هذا التشخيص أقرب إلى الأمنية منه إلى الملاحظة الميدانية. التباس الموقف التركي حلَّ عقدة ألسنة كثيرة أخذت تلقي من الآن مسؤولية الفظاعة المقبلة على لغة أو لعبة أنقرة المزدوجة. ولا يبعد عن الصواب أن يكون أردوغان بصدد المراهنة على ضرب عصفورين بحجر داعشي واحد. فهو لا يريد نشأة إقليم كردي متصل جغرافياً ويتمتع بإدارة ذاتية على مقربة من الحدود التركية ويتفاعل مع المكون الكردي التركي من فوق ومن تحت الحدود. وهو يريد أيضاً إقامة منطقة عازلة للتخفف من أعباء تدفق النازحين السوريين وتزايد أشكال التوتر بينهم وبين السكان الأتراك لاعتبارات لا يخلو بعضها من العنصرية.

ويعوّل أردوغان على تحويل المنطقة العازلة ورقة ضغط متعددة الوظائف لتهديد نظام الأسد وإسقاطه. ومع أن الرئيس الفــــــرنسي فرنسوا هولاند أيد الفكرة فالإدارة الأميركيـــة سارعت إلى رفضها واعتبـــارها حالياً خارج البحث والتداول. هناك على الأرجح نوع من التأزم في العلاقات الأميركية – التركية.

غير أن تداعيات الالتباس التركي قد تكون مكلفة في الداخل. فحتى الآن سقط حوالى ثلاثين قتيلاً في المواجهات بين المتظاهرين الأكراد وقوات الشرطة التركية وجرى فرض لحظر التجول في ست محافظات تركية ذات غالبية كردية. وبات تطبيع المسألة الكردية في تركيا والتسويات المقترحة منذ سنوات لمعالجتها موضع شك. سيكون من الصعب على أركان حكومة أردوغان اعتبار المسألة الكردية خلفهم، إذ هي مجدداً تحت أقدامهم ومن شأنها أن تسخّن مياه القدر التركي. ثم ماذا لو ظهر أن «داعش» ليس الحجر بل العصفور؟ ستنقلب المعادلة وسيكون أردوغان بصدد ضرب حجرين بعصفور واحد. والحجارة تولّد حجارة وقد يصيب كثير منها واجهات الزجاج التركي.

وقد أعلنت تركيا أنها لن تقوم بعملية برية وحدها، ما يعني أنها ستترك كوباني تسقط. أما «داعش» فالحرب معه وعليه تحتاج سنوات طويلة، وصفقات معقدة.

الحياة

 

 

 

 

أردوغان: صوت عالٍ ضد الأسد ولكن/ محمد مشموشي

لا يشبه الصوت العالي لتركيا «حزب العدالة والتنمية» تجاه سورية ونظامها حالياً مثيله قبل نحو أربعة أعوام، لا من الزاوية المحلية التركية ولا أساساً من الزاوية الإقليمية والدولية. ولا يعني ذلك أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد يعلن غداً توغل قوات بلاده البرية داخل سورية لإسقاط النظام فيها، لكنه لا يعني في الوقت ذاته أن سورية ما بعد التحالف الإقليمي-الدولي للحرب على ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» («داعش») وقراره الانضمام اليه، يمكن، من وجهة نظره، أن تبقى كما كانت في الأعوام الأربعة الماضية.

لماذا أولاً؟ وما الذي يمكن أن يفعله أردوغان لترجمة موقفه؟ وماذا يكون رد الدول الأخرى في التحالف، وفي مقدمها الولايات المتحدة، تجاه ذلك؟

أول الأسباب أن تركيا «حزب العدالة والتنمية» كانت، على مدى الفترة السابقة، في اشتباك سياسي وحتى عسكري مع الأكراد في الداخل من جهة ومع كردستان العراق وتواجد عناصر من «حزب العمال الكردستاني» فيها من جهة ثانية، فضلاً عن تحفظها على نشاطات فرع هذا الحزب داخل سورية وعلى حدودها من جهة ثالثة. الآن، تختلف الحال على الجبهات الثلاث، بل ان التظاهرات الكردية في ديار بكر وأنقرة وغيرهما من المدن التركية انما تحتج على أردوغان وتصطدم بقواته الأمنية (حوالى 20 قتيلاً في يوم) لأنه لم يتدخل حتى الآن… تحديداً لإنقاذ مدينة عين العرب السورية الكردية من اجتياح «داعش» لها.

وليس خافياً أن حوار اردوغان مع أكراد الداخل أدى الى خفض التوتر التاريخي معهم، وإن لم يصل الى انهائه بعد، كما أن علاقاته مع اقليم كردستان العراق ورئيسه مسعود بارزاني تمر في أفضل مراحلها، الى درجة أن طلقة نار واحدة لم تسمع على الحدود بينهما منذ أكثر من سنتين.

ثاني الأسباب أن أردوغان نفسه، بعد تورطه مع «الإخوان المسلمين» في مصر وسورية وليبيا من جهة، واتهامه بدعم وتسهيل دخول عناصر «داعش» الى العراق وسورية من جهة ثانية، قد يجد في التحالف العربي-الدولي للحرب على الإرهاب فرصة لمحاولة تبييض صفحته ليس مع الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي فقط وإنما مع البلدان العربية أيضاً.

هذا فضلاً عن حاجة أردوغان الشخصية، وحاجة تركيا التي تؤوي أكثر من مليون نازح سوري منذ نحو ثلاثة أعوام، الى المساعدة في إسقاط النظام السوري، ومعه إقفال نوافذ الحرب الأهلية والمذهبية التي يفتعلها في بلده، وفي المنطقة بعامة، والتي بدأت تتسرب منه الى بلدان الجوار بما فيها تركيا.

ثالث الأسباب أن الصورة التي ترتسم للإسلام السياسي في العالم، وبخاصة في أوروبا التي تسعى تركيا إلى دخول اتحادها، ان من خلال «القاعدة « أو «داعش» أو «جبهة النصرة» أو «الإخوان المسلمين» على حد سواء، ليست الصورة التي تريح أردوغان الآن أو حتى تساعده على مواصلة الحكم في المستقبل. ولعل الحرب المكشوفة التي أعلنها ضده وضد حزبه رجل الدين التركي النافذ فتح الله غولن بسبب سياساته التي ألحقت تركيا بجماعة «الإخوان المسلمين» وأساءت بذلك الى علاقاتها مع العديد من الدول العربية، أفضل دليل على ذلك.

رابع الأسباب أن الاستراتيجية التي اعتمدها «حزب العدالة والتنمية» منذ تسلمه السلطة قبل أعوام، وصاغها رئيس الوزراء الحالي، وزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو، تحت عنوان «صفر مشاكل» مع العالم، قد سقطت في شكل كامل في المنطقة نتيجة ممارسات حكومته في الفترة السابقة، والتي كان في صلبها التحاق تركيا بركب «الإخوان المسلمين» في مصر وليبيا وسورية وحتى في دول الخليج العربية. وإذا لم تكن لهذا الفشل نتائج سياسية واستراتيجية ظاهرة بعد، فليس من شك في أن آثارها في الاقتصاد التركي بدأت في التكشف على أكثر من صعيد.

ولكن ماذا يمكن أن يفعل أردوغان لترجمة صوته العالي عملاً على الأرض هذه المرة، بعكس ما كانت حاله في السابق؟ وإلى أي حد سيكون قادراً على إقناع الولايات المتحدة وغيرها من دول التحالف بما كان يقوله دائماً من أن انهاء الإرهاب في سورية لن يكون ممكناً من دون إنهاء النظام السوري؟

لا بد بداية من استبعاد أن يأمر أردوغان، اليوم او غداً، قواته البرية بالتوغل داخل الأراضي السورية لأسباب ليس صعباً ادراكها محلياً وإقليمياً ودولياً. مثل هذا التوغل قد يعطي ايران ذريعة للتدخل، بالتالي توريط البلدين والمنطقة في مواجهات لا يريدها أحد في الفترة الراهنة، بخاصة أنه يمكن بسرعة اتهام هذه المواجهات بأنها حرب مذهبية بين جيشين سنّي وشيعي. كما أن التوغل التركي يقدم لروسيا الذريعة التي ربما تنتظرها لإنزال قوات في طرطوس واللاذقية بدعوى حماية قواعدها البحرية فيهما، وهو ما لا يريده أحد كذلك.

من هنا تبدو دعوة أردوغان الى فرض حظر جوي وإقامة منطقة عازلة على الحدود بين سورية وتركيا، والتي رحبت بها باريس وأعلنت واشنطن ولندن أنهما تدرسانها، هي الخطوة الجدية الأولى على الطريق الى محاصرة نظام بشار الأسد وطيرانه وآلته العسكرية من ناحية، وإلى الإفساح في المجال لفصائل المعارضة المعتدلة (بعد تزويدها كما يقال بأسلحة نوعية) لاستعادة المبادرة وتوجيه ضربات موجعة لمن لا يزال من القوات المسلحة يقاتل الى جانب النظام من ناحية ثانية، فضلاً عن فتح الطريق لبدء رحلة عزل «داعش» و»النصرة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية عن الحياة السياسية للسوريين.

هل تملك دعوة أردوغان هذه أنياباً داخل التحالف وبين دوله الفاعلة؟

هذا هو السؤال، لا سيما اذا كان مطلوباً تمريرها في مجلس الأمن الذي ينتظره «الفيتو» من روسيا والصين، أو من خارجه الذي ينتظره بدوره «الفيتو» الآخر من الولايات المتحدة… أقله حتى الآن.

الحياة

 

 

 

 

سوريا.. هل هو العناد الإردوغاني؟/ طارق الحميد

فعلا كما قال الفرنسيون، وبحسب ما نقلته صحيفتنا، فإن ما يحدث الآن بين واشنطن وأنقرة حول الحرب على «داعش»، ومحاولة إنقاذ مدينة كوباني السورية المحاذية لتركيا، هو بمثابة معركة «عض أصابع». واشنطن تريد من أنقرة التدخل العسكري لإنقاذ كوباني، بينما تريد أنقرة، وبحسب وزير خارجيتها «استراتيجية شاملة» تنتج عنها منطقة آمنة في سوريا، وإقامة منطقة حظر جوي لحمايتها باعتبار أن الضربات الجوية غير كافية في محاربة «داعش». كما أن تركيا ترى أن محاربة الإرهاب يتعين أن تشمل أيضا النظام الأسدي الذي هو أساس الإرهاب، ويمثل الخطورة نفسها التي يمثلها «داعش». وهذا في الحقيقة رأي يتفق الجميع عليه بالمنطقة، وحتى البعض في أوروبا، خصوصا الفرنسيين، وكل من هو حريص على إيقاف جرائم الأسد، باستثناء الرئيس الأميركي المتردد، ففي النهاية لا أحد يريد أن تؤدي الحرب على «داعش» إلى تقوية بشار الأسد.

وعليه، فهل نحن أمام تساهل أوباما المعتاد، وتهربه من المسؤولية؟ أم أننا أمام عناد إردوغاني، حيث يشتهر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالعناد؟ الحقيقة أننا أمام مشهد معقد. صحيح أن الرئيس الأميركي يسعى إلى أنصاف الحلول، والآن هناك حملة قاسية ضد أوباما في أميركا من قبل أعضاء سابقين في إدارته، وآخرهم وزير الدفاع والاستخبارات الأميركي السابق ليون بنيتا الذي اتهم أوباما في كتابه الجديد بأنه «فقد طريقه» كرئيس وقائد، إلا أن المؤكد أيضا هو أنه من الصعب الوثوق بالنوايا التركية بالمنطقة، وفي الملف السوري، خصوصا مع الموقف التركي المستمر في مصر، حيث دعم «الإخوان المسلمين»، وهو الأمر نفسه الذي تفعله تركيا في سوريا، ومثلها قطر.

ورغم كل ذلك فإنه لا يمكن أيضا مهاجمة الأتراك بهذا العنف، وكما يحدث بأميركا، وأبرز مثال افتتاحية «النيويورك تايمز» عن تركيا، والتي اتهمت إردوغان بالافتقاد للقيادة رغم أن المعروف هو أن إردوغان كان، وإلى فترة قريبة، حليفا «ملهما» للرئيس أوباما، وقبل عامين قال لي زعيم عربي كبير إنه كلما اشتكى أصدقاء سوريا من التصرفات التركية بسوريا، خصوصا دعم الإسلاميين، كان الرد الأميركي هو: «تشاوروا مع الأتراك»! كما لا يمكن انتقاد الأتراك في صفقة إطلاق سراح دبلوماسييهم مقابل إطلاق سراح إرهابيين محسوبين على «داعش»، كما يتردد، ما دام الأميركيون أطلقوا سراح خمس قيادات طالبانية، ومنحوهم حق الإقامة في قطر، مقابل إطلاق جندي أميركي واحد محتجز لدى طالبان!

وعليه، فإن الإشكالية الحقيقية في معركة «عض الأصابع» هذه بين أنقرة وواشنطن هي غياب دور القيادة الأميركية، وتردد إدارة أوباما في فعل ما يجب فعله الآن، وليس غدا، فإدارة أوباما دائما متأخرة في كل مواقفها تجاه الأزمة السورية. ولذا فنحن لسنا أمام عناد تركي بقدر ما هو غياب للقيادة الأميركية الجادة.

إعلامي و كاتب سعودي ورئيس تحرير سابق لصحيفة “الشّرق الأوسط”

الشرق الأوسط

 

 

 

 

عين العرب على أردوغان/ نجاة شرف الدين

عندما قصد قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، أن يظهر في صورة إلى جانب مقاتلي البشمركة الكردية، يقود المعارك ضد داعش، أراد أن يرسل رسالة إلى الولايات المتحدة، مفادها بأن استبعاد إيران عن التحالف الدولي لن يبعدها عن الأرض، وأن الضربات الجوية لن تستطيع أن تنهي الحرب، ومن يمسك الأرض يملك القرار فيها. وبالتالي، لن تمنعها محاولة عزل إيران من بسط نفوذها في هذه المنطقة، ولو بعد حين.

لم تستطع الرسالة الإيرانية هذه، والتي لم تلقَ جواباً أميركياً، أن تمنع تمدد مقاتلي داعش باتجاه مدينة كوباني، أو ما يعرف بالعربية باسم “عين العرب”، وهو ما أقلق طهران، لما تشكله من نقطة استراتيجية للأكراد، وهي محاصرة ومهددة بالسقوط في أي لحظة، في حال لم يتم التدخل عسكرياً على الأرض من الجيش التركي، أو يسمح بدخول السلاح والرجال الأكراد، لا سيما من القامشلي عبر الحدود التركيَّة باتجاه كوباني، وهذا ما يرفضه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يشعر، اليوم، بأنه في موقع قوة، بعدما حصل على غطاء المجلس النيابي، بتصويته لصالح الدخول في الحرب على الإرهاب، إلى جانب التحالف الدولي، وهو يحاول الحصول في مطالبه المعلنة على المنطقة العازلة، وهو المطلب منذ 2011، فيما يبقى مطلبه الأساس إطاحة نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، والذي يعتبره فشلاً شخصياً في حال بقاء الأسد، وهذا ما يخيف الإيرانيين، وقد عبر رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، عن أنه “يجب عدم إغفال ما تفعله تركيا في سورية والعراق”.

في المقابل، حدد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، الخطر في التطرف الإسلامي، وفي مقدمته داعش، وتراجع بشار الأسد عن موقع الأولوية، على الرغم من الممارسات لعمليات القتل التي قام بها، من دون استبعاد بقائه هدفاً بعيد المدى، ما يهدد بإحداث مشكلة داخل التحالف، لا سيما من دول الخليج العربي، وفي مقدمتها، السعودية وقطر، اللتان تشاركان تركيا موقفها بالنسبة لرحيل الرئيس الأسد عن السلطة.

وقد تعرض أوباما الذي يتهمه الجمهوريون، كما الديمقراطيون، بتردده وعدم اتخاذه قرارات حاسمة، بل أنصاف قرارات وإجراءات، بعنوان عدم فتح معارك جديدة ضد الدولة، لانتقاد حاد من وزير الدفاع السابق، ليون بانيتا، الذي رأى أن “أوباما يتصرف كأستاذ جامعي، وليس كرئيس دولة”.

وعلى الرغم من أن التهديد بسقوط كوباني يشكل هاجساً للأميركيين، وهو ما استدعى التواصل الدائم بين وزير الخارجية، جون كيري، ونظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، وزيارات مرتقبة من منسق التحالف الدولي، الجنرال جون آلن، إلى أنقرة، من أجل طلب المساعدة التركية، خوفا من تأسيس موقع إسلامي استراتيجي في كوباني، بعدما هجروا أكثر 300 ألف كردي، منهم 180 ألفا إلى تركيا، وهو ما أشعل الداخل التركي، أيضاً، عبر صدامات بين الجيش التركي والمؤيدين للأكراد.

لا شك في أن معركة عين العرب تشكل نقطة تحول في الصراع مع داعش، ولا شك، أيضاً، في أن أردوغان يحاول الاستفادة من موقعه القوي حالياً، عبر الحاجة إليه على الأرض، لأنه يعلم أن الضربات الجوية وحدها لا تكفي، من أجل تحقيق شروطه، إن عبر إسقاط الأسد، أو لفرض شروطه على الأكراد في مقابل مساعدتهم. وفي الحالين، ستبقى عين العرب.. على أردوغان.

العربي الجديد

 

 

 

 

رحلة «الجهاد» السهلة إلى سورية… ربما هذه هي/ حازم الامين

حين اتصلت المراهقة الفرنسية من أصل مغربي بشقيقها، من مخبئها في ريف حلب، قالت له إنها سعيدة هنا وتشعر بأنها تعيش في «عالم ديزني». ونقلت وكالة «رويترز» عن شقيقها، أن شقيقته البالغة من العمر 15 عاماً، والتي هربت من عائلتها المقيمة في جنوب فرنسا إلى سورية والتحقت بـ «داعش»، كانت في طفولتها التي لم تكد تغادرها بعد، شغوفة بعالم ديزني، وأنها كانت تعيش حياة عادية في كنف عائلتها، علماً أن حوالى 10 في المئة من الأوروبيين الملتحقين بـ «داعش» شابات ومراهقات تولت مافيات «جهادية» أوروبية تهريبهن إلى سورية والعراق، ونشطت في هذه المافيات نساء تولين إقناع المراهقات. ولا يبدو هنا أننا حيال ظاهرة دياسبورية، ذاك أن بين «المهاجرات» إلى «داعش» أوروبيات مسيحيات ويهوديات الأصول والنشأة.

المراهقة الفرنسية التي أبلغت شقيقها أنها تعيش في «عالم ديزني» الذي كان شغفها في طفولتها، أصابت بتشبيهها هذا ملمحاً لـ «داعش» لطالما ألح على مراقبي هذا التنظيم، وعلى متقصّي أخباره. فلـ «داعش» وجه غير واقعي، أو ربما غير متصل بأكثر من خيال مراهقة. صحيح أنه حقيقي، وهنا تكمن المأساة، لكن الحقيقة حين تصبح غير واقعية، تحمل في هذه اللحظة احتمال الموت. فلنا هنا أن نلاحظ كماً هائلاً من الحقائق غير الواقعية. الذبح المصور والسبي واجتثاث الحاضر، كل هذه الحقائق «الداعشية» لا تحيلنا على الواقع، وهي إذ تفعل ذلك، يصبح «عالم ديزني» احتمالاً في وعي المراهقة الفرنسية.

و «داعش» الذي باغتنا بتدفقه إلى مُدننا وصحرائنا وجبالنا، هو نوع من الشر الذي كنا نعتقد بأنه لم يعد موجوداً إلا في السينما. قَطَعة الرؤوس كانوا قبل «داعش» كفوا عن استدراج اشمئزازنا. كانوا غير حقيقيين على الإطلاق. ما يجري الآن ليس خطوة إلى وراء في الواقع، هو خطوة إلى وراء في الخيال، فها نحن نستأنف اشمئزازنا وخوفنا منهم، وعلينا أن نعيد الاعتبار لمكتبة سينمائية كانت كفت عن إدهاشنا.

المراهقات الأوروبيات اللواتي وصلن إلى منازل أشرار الصحراء، أقمن في رعاية زوجاتهم. الرجال يقاتلون على تخوم المُدن بشعرٍ مشعّث ولحى سود، والنساء ينتظرن خلف خطوط الحرب وبصحبتهن مراهقات أوروبيات. أليس هذا مشهداً من فيلم استشراقي ركيك؟ لكنه الآن حقيقة تنقلها وسائل إعلام تملك صدقية تفوق صدقية الخيال الهوليوودي. أليست ساعة «الروليكس» في يد أبو بكر البغدادي حقيقية؟ وهل تحققت الشركة من ذلك؟ لكنها في يده لحظة إعلانه خلافته، وفي الوقت الذي كان محققو الأنساب في «داعش» يُثبتون أنه يعود بنسبه إلى الأشراف وإلى الرسول، وأن خلافته استقامت لأنه حسيني قرشي.

يقاتل «داعش» على تخوم كل المدن. هو على أبواب بغداد اليوم، وها هو يفتح كوباني ويعيدها «عين العرب». مدن الأنبار وقصباته تتهاوى واحدة وراء الأخرى، وبر الشام سقط بالكامل تقريباً. لا يبدو أن ذلك واقعي، لكنه حقيقي. ثم إن مساحات واسعة من «دولة الخلافة» يتم إخضاعها من دون احتلالها. يدخل «داعش» فتعلن العشائر مبايعته، فيغادر الأمراء مطمئنين. علينا هنا أن نستعيد أيضاً ما قالته المراهقة الفرنسية لشقيقها، وأن نتذكر أن ساعة «الروليكس» بيد الخليفة تعكس ومضة حادة من شمس الصحراء وترسلها إلى وجوه شيوخ العشائر التي بايعته.

و «داعش» إذ يذكّرنا بتاريخنا الركيك وغير المحقق، يعيد فتح كل الجبهات القديمة. «الخلافة» كما تركناها قبل آخر انهيار لها. حرب على الأكراد وعلى الأقليات، وإخضاع العشائر، وجباية الديات. ونحن إذ كنا نعدّ أنفسنا لمواجهة مع حاضرنا وماضينا القريب الذي أعقب انهيار «الخلافة»، إذا بـ «داعش» ينقض على عدونا فيطيحه ويرثه، لنجد أنفسنا أمام عدو مضاعف. وهذا أيضاً لا يخلو من «ديزناوية»، ذاك أن أحداً لا يمكنه تفسير ما جرى. حتى الذهاب بفكرة المؤامرة إلى أقصاها لا يسعف في التفسير. فلا السؤال عن الجهات الممولة يكفي، ولا عن دول سهلت وسلحت.

من كانت حاله هذه في لحظة تدفق «داعش» على مدنه وبلاده، لن يسعفه في الأيام التي ينتظر فيها ذبحه، على يد مراهق بريطاني ينتمي الى احدى عشائر الأنبار، سوى الضحك المتواصل. والضحك هنا ليس بسبب مفارقات ما يجري، إنما بسبب أن ما يجري حقيقي فعلاً، وأن ثمة ما كنا نعتقد بأن الواقع لم يعد يتيح لنا أن نصدقه. هزيمة هائلة للعلم ولأنواع المعرفة تجري أمام ناظرينا، وانتصار للخيال ولـ «ديزني» شريرة هذه المرة.

وفي هذا الوقت يُحصي الأوروبيون «مجاهديهم» الجدد، ويسعون الى فهم شيء عنهم. تسقط فرضية الجيلين الثالث والرابع من المهاجرين أمام حقيقة أن نصف «المهاجرين» إلى «داعش» هم أوروبيون ومسيحيو الأصل. تسقط فكرة المهمشين أمام واقع أن عدداً لا يستهان به ممن غادروا إلى سورية والعراق أبناء فئات متوسطة ومتوسطة عليا. ويجري البحث اليوم عن أنواع من التعليم والتخصص والمعارف الجزئية، كما يجري تقصٍّ ميكرو سوسيولوجي ونفسي، وهذا لا يسعف في تفسيرات عامة لما يجري لهؤلاء المراهقين، إنما في تفسير كل حالة على حدة.

قال شقيق المراهقة الفرنسية إن شقيقته كانت طفلة فرنسية بالكامل. غير متدينة في الظاهر ولا تجيد العربية، وتذهب إلى مدارس الفرنسيين. لكنه قال إنهم عثروا في غرفتها بعد مغادرتها إلى سورية على ثياب للصلاة، علماً أن لا أحد في المنزل يصلي. والبحث جارٍ اليوم في ملفاتها الطبية والمدرسية، يتولاه مختصون نفسيون لا باحثون سوسيولوجيون وسياسيون.

الأرجح أنهم لن يعثروا على شيء يفيدهم. وربما انطوت «هجرتها» إلى «داعش» على رغبة طفلة في المغادرة. لا شيء أكثر من ذلك. ركبت في الطائرة وغادرت إلى أنقرة أو اسطنبول، ومن هناك إلى مدينة غازي عينتاب، ومنها عبرت الحدود إلى سورية.

لم تـعد هذه الرحلة صعبة على مراهقة فرنــسية. ربما هذا هو «داعش».

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى