صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت الموقف الأميركي من الازمة السورية

 

 

 

كيف يفهم أوباما النص القانوني والمبدأ الأخلاقي في الأزمة السورية/ أحمد محمود عجاج

يلمح المراقب لخطابات الرئيس الأميركي باراك أوباما الكثير من التناقض والتنافر وبالتحديد بين النص القانوني والأخلاقي. المقصود بالنص القانوني هو ما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة من تجريم التدخل العسكري في الشؤون الداخلية للدول، وبين ما نص عليه المبدأ الأخلاقي من ضرورة التدخل، ولكي نقرب المسألة أكثر فإن القانون ينص، كمثال، على حرمة البيوت، وبالتالي لا يجوز دخولها من دون مذكرة قضائية، ولكن إذا ما عرفنا أن رجلا يذبح طفلا في منزل، وسمعنا صراخه، فهل نقف على الباب ونقول لا يمكننا الدخول عنوة بل نحتاج إلى مذكرة قضائية، أم نخلع الباب وندخل وننقذ الطفل ونسوق المجرم إلى المحكمة ليواجه ما يستحقه؟ إن الجواب عن هذا الافتراض واضح ولا يحتاج إلى شرح، لأن الطبيعة الإنسانية تحتم على الإنسان أن يقدم النص الأخلاقي على أي نص قانوني، ولأن القانون بالإجمال يأتي عامّا ولا يستجيب لكل الحالات الطارئة وعلى الموكلين بتفسيره أن يستخدموا سلطاتهم الاستنسابية لإعطاء النص مضمونه الصحيح ووجهه الإنساني.

إذا ما نظرنا إلى السياسة الأميركية في سوريا، فإننا نرى تناقضا صارخا بين النصين القانوني والأخلاقي، فالرئيس الأميركي وضّح أنه يلتزم بالنص القانوني ولا يمكنه التدخل إلا من خلال الأمم المتحدة، وعبر إقناع روسيا والصين اللتين استمرتا باستخدام حق الفيتو المرة تلو المرة! ومع تصاعد الاتهامات للنظام السوري بأنه يستخدم السلاح الكيماوي ضد المدنيين، تدخل أوباما بدافع حماية النص الأخلاقي والقانوني، فوضع خطا أحمر قال إن تجاوزه الأسد فإنه سيجلب على نفسه عقابا أميركيا. حتى هذه اللحظة بدا الرئس الأميركي منسجما مع نفسه، فهو حدد سياسته بأنه لن يتدخل إلا عبر الأمم المتحدة، أو إذا خرق النظام السوري الخط الأحمر.

ظهرت مشكلة أوباما مع خرق النظام السوري للخط الأحمر واستخدامه السلاح الكيماوي بشكل فاضح وبالتحديد عندما تراجع في اللحظة الأخيرة، بحجة أن النظام السوري قَبِل تسليم سلاحه الكيماوي، وعليه فإن النص القانوني قد استوفى حقه ومضمونه. لم يبيّن أوباما كيف استوفى النص مضمونه، بل قال لنا، في مقابلة مع مؤسسة «بلومبرغ» الإعلامية، وردا على اتهامات منتقدي سياسته في سوريا، إن ما يجري في سوريا «يستنزف إيران التي عليها أن ترسل البلايين من الدولارات، وإن حزب الله (صنيعة إيران) الذي كان يشعر بالأمان في لبنان يهاجمه المتطرفون السنة في عقر داره، وكذلك يجد الروس صديقهم في المنطقة جالسا بين الخراب ومجردا من ثوب الشرعية»! ما يريد الرئيس الأميركي قوله هو أن الاقتتال في سوريا يريح بلاده، لأن خصومها يتقاتلون وأنه سيحصد الجائزة. هنا خرج أوباما عن النص وتعلق بالواقعية السياسية المكيافيلية القائلة بأن الغاية تبرر الوسيلة! إذا كان استنزاف إيران وتشويه سمعة روسيا يستدعيان موت الآلاف من المدنيين السوريين فليكن ما دام ذلك يصب في خدمة أميركا، اكتفى من النص بقصره على نزع السلاح الكيماوي من يد النظام السوري، تماما مثل قصر الشرطة مهمتها على سحب السكين من الرجل الذي يريد ذبح الطفل، ولا هم له بعد ذلك إن كان سيعاود الرجل ذبح طفل آخر. المشكلة التي تكمن في مثال الرجل والسكين هي أن الشرطة لن تكتفي بسحب السكين، بل ستعتقل الرجل وتسوقه إلى العدالة لينال جزاءه، بينما أوباما اكتفى بسحب السلاح الكيماوي وترك نظام الأسد طليقا يقتل ويذبح!

بدا الرئيس الأميركي بالفعل شخصية فريدة من نوعها، هذه الفرادة ما كانت لتلقى اهتماما لو أنها لم تكن تدير أقوى دولة في العالم تتباهى بالتزامها بحقوق الإنسان والحريات. لنسمع إلى ما قاله بنفسه عندما جاء إلى الأزهر الشريف. قال إنه أتى إلى الأزهر الشريف ليفتح «صفحة جديدة في العلاقة بين أميركا والعالم الإسلامي، علاقة تتأسس على الاحترام والمصالح المشتركة». واستطرد قائلا: «لا داعي لأن يكون العالم الإسلامي وأميركا في خصام وتنافر، بل هما يتطابقان ويتشاركان في قيم مشتركة: قيم العدالة والتقدم والتسامح وكرامة البشر». هنا عبر أوباما بصراحة عن النص القانوني المتولد من القيم المشتركة وأهمها «كرامة البشر»، لكن هل فكر بكرامة البشر في سوريا، وهم يقصفون ببراميل النار، وتتطاير أشلاؤهم؟ وهل نظر في سلاح الكلورين النازل من السماء ليخنق أنفاس الأطفال والشيوخ والنساء؟!!

الأكثر غرابة أن أوباما خدم قبل دخوله الكونغرس، وتسلمه سدة الرئاسة، في جمعيات مدنية تعنى بحقوق الإنسان والمشردين والمعذبين، وكرس جهده لنصرتهم، لكنه ما إن تسلم السلطة وأصبح قادرا على الفعل حتى تحول إلى شخص آخر لا يجد ضيرا في هذا النوع من السياسة، ولا يجد حرجا في تبريراتها الواهية.

لنستمع مرة أخرى إليه وهو يشرح للمسلمين أنه ليس ضدهم، وأنه سيكون مختلفا عن سلفه الرئيس بوش ذي الصيت السيئ في العالم الإسلامي. يقول في خطابه في الأزهر إنه «عندما يُذبح أبرياء في البوسنة ودارفور، فإن ذلك لطخة على ضميرنا الجمعي»، ويتابع قائلا: «يجب أن نتشارك في هذا العالم في القرن الـ21، هذه هي المسؤولية التي يتحملها كل منا كبشر تجاه الآخر». غريب حقا هذا التفكير، فهو يستشهد في واقعة لم تتردد فيها أميركا من استخدام القوة بعد مذبحة سربينيتسا البشعة للمسلمين، ولم توقف ضرباتها حتى أذعن الصرب للتفاوض، وقبلوا اتفاق دايتون. يستشهد أوباما بهذه السابقة ويضرب بها عرض الحائط من جانب آخر، ولا يلتزم بكلماته عن المسؤولية، وكرامة الإنسان. يقرر في وجه كل هذا المنطق أنه لن يتدخل في سوريا، ولن يعطي السلاح إلى المعارضة لتدافع عن نفسها، والسبب أن هذا السلاح قد يقع في أيدي متشددين. يستقدم أوباما مجددا النص القانوني ليضرب به كل الهرم الأخلاقي الذي بناه في خطابه. ما يقوله أن ما يجري في سوريا من الناحية الأخلاقية لطخة عار، ولكن النص القانوني يحظر عليه إعطاء الناس حق الدفاع عن أنفسهم، هنا يفتعل أوباما أزمة بين النص القانوني والأخلاقي تماما مثل حالة الرجل الذي يريد أن يذبح الطفل، وهو افتعال مصطنع لأننا نعرف تماما ماذا ستفعل الشرطة مع الرجل، ولكننا لا نعرف لماذا لم يفعل ذلك مع النظام السوري!

الغريب أن أوباما المتذبذب سرعان ما تراجع مرة أخرى عن النص القانوني في آخر خطاب له ألقاه الشهر الفائت في كلية ويست بوينت العسكرية فقال إن من يقولون إن أميركا تشهد تراجعا هم إما مخطئون في قراءتهم للتاريخ، وإما أنهم متحزبون، وأكد أن استعداد أميركا لاستخدام القوة هو الضمانة الوحيدة ضد الفوضى، ورأى (وهنا الغرابة) أن فشل أميركا في التحرك في وجه الوحشية السورية أو الاستفزاز الروسي لا يؤدي فقط إلى جرح ضمائرنا، بل إلى تصاعد العدوان في المستقبل! المستمع له يكاد يفقد عقله: هل يعي حقا ما يقول؟! لكن أوباما سرعان ما يتراجع ويشرط جرح الضمير، ومنع الفوضى بسقف عالٍ للتدخل العسكري: أميركا تتدخل فقط إذا كان هناك تهديد مباشر للمصالح الأميركية وما عداه يخضع لمعايير أخرى، لا تختلف عن معيار الرجل الذي يذبح الطفل: الاكتفاء بسحب السكين من يده، وتركه يذبح أولادا آخرين!

تكشف لنا أزمة أوباما في فهمه للنص القانوني والأخلاقي وبشكل لا لبس فيه شخصيته المزدوجة، وتجعلنا نذهل من حجم التذبذب، ونصعق من تداعيات سياساته ليس على أميركا بل على العالم. فأوباما يلمح للعالم في خطاباته إلى أنه حل مشكلة إيران، وأفزع روسيا، وخوّف بشار الأسد، ودافع عن المظلومين، وسوّى العلاقة المتدهورة مع المسلمين، وهزم الإرهاب، وأعاد الديمقراطية للعراق، وترك أفغانستان آمنة، وأنه أنجز كل ذلك ولم يطلق طلقة واحدة، إنه يريد أن يقنعنا بأن معجزة جرت على يديه!

الحقيقة المرة أن أوباما ينطبق على سياسته المثل: اسمع جعجعة ولا أرى طحنا. وكم هي محقة الباحثة دانيالا بلاتيكا من معهد إنتربرايز الأميركي عندما وصفته بهذه العبارة: «أنا لا أعرف بأي عالم يظن هذا الرجل أنه يعيش! إن ما يفعله لا يعدو عن كونه وصف الفشل بأنه نجاح». أوباما لا يزال في سدة السلطة، «وأمامه سنتان: ليكن الله في عوننا».

* كاتب لبناني

الشرق الأوسط

 

 

 

في أسباب تردد سياسة الولايات المتحدة/ خيري حمدان

استقبل الرئيس البولندي، برونيسلاف كوموروفسكي، أخيراً الرئيس الأميركي، باراك أوباما، أمام ثلاث طائرات أميركية مقاتلة مصطفة من طراز F16، في مطار وارسو الدولي “فريدريك شوبن”، وتحمل هذه الصورة دلالات عديدة، أهمّها تلميح أوباما إلى عدم تخلّي الولايات المتحدة الأميركية عن حلفائها في أوروبا الوسطى والشرقية، لكنّ مواقف الرئيس الأميركي تدعو إلى الحيرة، فهو شديد التردّد والتأني، خلافًا لسلفه جورج بوش الابن، والذي لا يتوانى لحظة عن الصعود للمقاتلات وحاملاتها في عرض المحيط، مهدّدًا ومنفجرًا في وجه الكبير والصغير. وصرح الرئيس البولندي السابق، ليخ فالينسا، الحائز على جائزة نوبل للسلام إلى خسارة أميركا دورها القيادي العالمي، نتيجة سياسة أوباما المتردّدة، وكان فالينسا قد طالب بضرورة استخدام القوة ضدّ روسيا، بسبب ضمّها شبه جزيرة القرم، ولتدخلها المباشر في الأوضاع الداخلية في أوكرانيا.

وطالبت بولندا ودول البلطيق بضرورة رفع دور حلف الناتو في الإقليم، بسبب تخوفات من تجاوز الأطماع الروسية القرم وشرق أوكرانيا، أخذًا بالاعتبار تموضع هذه الدولة في الجناح الشرقي لـ “الناتو”، وطمعًا بحثّ أوباما غلى تشتيت الشكوك بشأن الدور المتوقع للإدارة الأميركية في مواجهة الأطماع الروسية المتصاعدة. وعلى الرغم من تأكيدات قدّمها الرئيس أوباما في كلمته في الأكاديمية العسكرية West Point البولندية، إلا أنّ الشكوك ما تزال قائمة بشأن الدور الحاسم الأميركي للدفاع عن المعسكر والجناح الشرقي الأوروبي لحلف الناتو، وفقًا لتصريحات ميخال بارانوفسكي، الخبير في مؤسسة German Marshall Fund –  مكتب وارسو لصحيفة كابيتال البلغارية الأسبوعية.

أذكّر بأنّ أولى البيانات التي نشرتها وكالة CNN عقب قذف وجبة الصواريخ الأميركية الأولى فوق أفغانستان كانت “بلغت الخسائر نهار اليوم خمسين صاروخًا”، أو شيء من هذا القبيل، لعدم وجود ما يمكن تدميره عمليًا في هذا البلد القابع في تقاويم الماضي. وتركت الحربان اللتان خاضتهما الولايات المتحدة، في العراق وأفغانستان، إحساسًا مرًا لدى الشعب الأميركي، والذي أكّد في استفتاءات عديدة، أخيراً، عدم رغبته في تورط البلاد في مستنقعات القارات الأخرى، والتوقف عن خوض مغامرات عسكرية دولية، لتغيير العالم وفرض ديمقراطيات عصيّة على التنفيذ. الرأي الشعبي الأميركي يعتبر أحد الأسباب الرئيسية الكامنة في السياسة المتردّدة لإدارة الرئيس باراك أوباما بشأن التدخل المباشر حول العالم ومواجهة روسيا إثر الأزمة الأوكرانية، ما أدّى إلى استفادة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من الوضعية الأميركية السلبية، وفرض ذاته رقماً صعباً في المعادلات والتوازنات الدولية الجديدة.

استخدام السلاح الكيميائي خطّ أحمر على الورق

يذكر جميعنا تصريحات باراك أوباما بشأن استخدام النظام السوري للسلاح الكيميائي واعتبار ذلك خطًا أحمر لا يمكن السكوت عليه في خريف العام 2013. لم تلجأ إدارة أوباما بعد الضربة إلى تحديد منطقة حظر جوي في سورية، أو القيام بعملية عسكرية ضدّ النظام السوري، ووافقت، في نهاية المطاف بعد تردد ومماطلة، على المشروع الروسي المتمثل بتسليم السلاح الكيميائي السوري، مقابل عدم التعرض لنظام الأسد، واستمراره بممارسة القتل بالأسلحة التقليدية الذي قد يعتبره المجتمع الدولي رحيمًا مقارنة بالقتل الكيميائي، على الرغم من عدم توقف هذا النظام عن استخدام الأسلحة المحظورة دوليًا! التراجع عن الخطوط الحمراء يعني عمليًا عدم وجودها في الواقع. نجا نظام الأسد من العقاب الدولي، وفاز أخيراً في الانتخابات الرئاسية، ويبدو نظامه مستقرًا في الآونة الأخيرة، يعود الفضل كذلك للدعم المتواصل، من روسيا والصين وإيران، وكلّ من سار في دربهم.

ويرى محللون عديدون أنّ أوكرانيا ورقة خاسرة وذات اقتصاد متدهور ضعيف، لا تستحق عناء الدفاع عنها أوروبيًا، والسعي إلى ضمّها لتصبح جزءًا من المنظومة الأوروبية، لكن، يجب أن لا ننسى الأوضاع المأسوية التي مرّت بها ألمانيا، إثر الحرب الكونية الثانية، وكان الدولار، آنذاك، يعادل حقيبة مليئة بالعملة الوطنية “المارك”، وها هي ألمانيا الآن تتمكن من تبوّء مرتبة القاطرة المحرّك لقطار المنظومة الأوروبية بجدارة، كما يجب التنويه كذلك بالدور الأوروبي الرائد، ودعمه غير المحدود لمنظومة الدول الاشتراكية التي عانت من إفلاس وفقر وعوز في بداية تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم يتساءل أحد، آنذاك، ما إذا  كانت هذه الدول تستحقّ هذا العناء، وها هي الآن تنتقل إلى دور متقدّم على الصعيد الاقتصادي والسياسي والحضاري، لتأخذ دورها كجزء من أوروبا المعاصرة. لذا، لا يجب تناول الملف الأوكراني باعتباره مسألة منتهية، والقرم جزء تاريخي من روسيا، وإلا كيف يمكن تناول المعاهدة الدولية الموقعة عام 1994، باعتراف روسيا بوحدة الأراضي الأوكرانية، ومصادقة روسيا وبريطانيا وأميركا على المعاهدة، ليكتفي الاتحاد الأوروبي بعد ضمّ القرم بفرض عقوبات جوفاء ضدّ روسيا وفئة الأوليغارسيا المقربة من الرئيس فلاديمير بوتين، ما ساعد في تقريب المسافة ما بين موسكو وبكين.

خطابات ذكية رنانة

حضّر بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للاتصالات الاستراتيجية مطولاً لخطاب أوباما، والذي ألقاه في الأكاديمية العسكرية البولندية West Point، كلمة هدفت لتهدئة نفوس المعارضين في الولايات المتحدة، الذين يرون أنّ إدارة أوباما لا تقوم بما يلزم لحماية المصالح الأميركية في الخارج، وفي الوقت نفسه، تهدف إلى نفي الاعتقادات السائدة في الأوساط الأوروبية والدولية، القائلة إنّ أميركا في عهد الرئيس الرابع والأربعين، باراك أوباما، قررت التراجع والابتعاد عن الحلول العسكرية. فحوى الخطاب الأميركي يصبّ في هذا الاتجاه، ما يعني أنّ الولايات المتحدة اتخذت قرارًا بعدم اللجوء إلى الحلول العسكرية في الخارج، باستثناء الشؤون التي تهدد مباشرة الأمن القومي الأميركي، وعلى الشعوب المنكوبة والمعرضة للتقتيل والتنكيل إخماد نيرانها بمقومات ذاتية.ال

” تحذير أوباما القارة الأوروبية من عمليات إرهابية جهادية غير مقنع، وهو يدرك جيدًا أنّ الخطر لا يأتي من هذا الجانب، لذا ركّز كثيرًا على رفع مستوى أداء حلف الناتو، وحثّ الدول المعنية، وفي مقدمتها بولندا، على رفع موازنات وزارة الدفاع، لشراء مزيد من الأسلحة المتطورة والمقاتلات الحديثة”

ويبدو هذا القرار استراتيجيًا ولا رجعة عنه، ونحن نرى بوضوح السياسة الأميركية المحايدة في الملفين، السوري والعراقي، المتفجّر. هذا بالطبع لا يعني عدم لجوء أميركا إلى الخيارات العفوية عند الضرورة، ولكن بحذر شديد. نذكر، هنا، مثالا، زيارة وفد أميركي يشمل السيناتور الجمهوري رون جونسون وجون ماكين والسيناتور الديمقراطي كريس مرفي إلى صوفيا، باعتبار بلغاريا الدولة الأوروبية الوحيدة، إضافة إلى هنغاريا واليونان، المشاركة في مشروع نقل الغاز الروسي عبر الخط الجديد “دفق الجنوب”، ما يضمن احتكارًا كاملا لشركة غازبروم الروسية العملاقة، وماذا ترتب على هذه الزيارة من الناحية العملية؟ تصريح رئيس الوزراء البلغاري، بلامن أوريشارسكي، بوقف العمل على تنفيذ هذا المشروع بسبب الضغوط الأميركية، وبعد ساعات معدودة، طالب الحزب الاشتراكي عرّاب هذه الحكومة باستقالتها على الفور، والدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة. هذا هو الثمن الذي أسفر عن زيارة الوفد الأميركي للوقوف في وجه المصالح الروسية في القارة الأوروبية.

الالتزام الوحيد الذي قدمه أوباما في القارة القديمة يتمثل بتأسيس صندوقٍ، بقيمة خمسة مليارات دولار، لتدريب القوات العسكرية والأجهزة الخاصة لمكافحة الإرهاب لحلفاء أميركا في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، من دون التدخل عسكريًا بشكل مباشر. مثالاً، تدريب القوات الخاصة النيجيرية لمواجهة منظمة “بوكو حرام” التي اشتهرت أخيراً باختطاف الفتيات الطالبات، والتهديد ببيعهن في أسواق الرقيق الأبيض. أوباما في خطاباته القارية أكّد أنّ التدخل الأميركي ومكافحة الإرهاب وسبل التعامل مع الملفات الساخنة حول العالم، مرن وذو أوجه مختلفة ومتعددة يعتمد على طبيعة الخلاف والأزمة المندلعة في القارات والدول المختلفة وأهمها الشرق الأوسط وأفريقيا.

تحذير أوباما القارة الأوروبية من عمليات إرهابية جهادية غير مقنع، وهو يدرك جيدًا أنّ الخطر لا يأتي من هذا الجانب، لذا ركّز كثيرًا على رفع مستوى أداء حلف الناتو، وحثّ الدول المعنية، وفي مقدمتها بولندا، على رفع موازنات وزارة الدفاع، لشراء مزيد من الأسلحة المتطورة والمقاتلات الحديثة، علمًا أنّ دولاً عديدة في أوروبا الشرقية والوسطى تمتلك طائرات ميغ، غير قادرة حتى على التمييز ما بين الطائرات الصديقة من المعادية.

الخطوات العملية التي اتخذها أوباما لتشجيع وطمأنة حلفائه تمثلت بتأسيس صندوق مشترك، ساهمت الولايات المتحدة الأميركية بمليار دولار لدعمه، لتدريب قوات الحلفاء في هذا الإقليم، وإرسال طائرات أميركية مقاتلة من طراز F15, F16 لبولندا ودول البلطيق، وإرسال مدمرات أميركية في المياه الإقليمية للدول الحليفة في البحر الأسود، اعتمادًا على المادة الخامسة من معاهدة الناتو، والتي تنصّ على أنّ الاعتداء على أية دولة عضو بمثابة اعتداء على دول الحلف كافة، كما أنّ تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لا تترك مجالا للشك بأنّه لاعب شرس وخطر في هذه المنطقة من العالم.

بولندا لم تشعر بالطمأنينة الكاملة، حتى بعد إمهال أوباما من بروكسل مثيله الروسي فلاديمير بوتين مدة شهر بتغيير مساره السياسي، وإلا فإنّ الناتو والاتحاد الأوروبي سيلجآن لفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، بولندا ترغب بأكثر من ذلك بكثير وهي التي ذاقت الأمرين في الحروب الكونية، وتطالب بوجود عسكري دائم لقوات الناتو في منطقة أوروبا الشرقية والوسطى، الأمر الذي تعارضه ألمانيا، الحليف الاقتصادي الكبير لروسيا، لأنّ ألمانيا لا ترغب باستثارة روسيا ورفع مستوى وحدّة المواجهة بين الناتو والقوات الروسية على الجبهة الشرقية.

ليس متوقعاَ أن يلجأ الاتحاد الأوروبي إلى اعتماد سياسة دفاع استراتيجية، تضمن له مواجهة القوى الخارجية، روسيا مثلاً، إذا ما حاولت الاعتداء على دول أعضاء، أو ضمّ قطاعات حدودية، وتفضّل أوروبا الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ المهام العسكرية القذرة. في المقابل وإذا ما كانت أميركا تعتبر أمن أوروبا، وخصوصاً بولندا، جزءًا من أمنها القومي، فلا بدّ على الأقل من السماح بضمّ دول المنظومة الأوروبية إلى اتفاقية التجارة والاستثمار عبر الأطلسي (TTIP) وتشجيع التواصل والتعاون المشترك بين النخب الأوروبية والأميركية، ويعود الفضل لبوتين، في نهاية المطاف، لإعادة الاهتمام الأميركي بالقارة الأوروبية وتعزيز وجودها هناك، دفاعًا عن مصالحها، ولطمأنة حلفائها تجاه المطامع الروسية

العربي الجديد

 

 

 

أوباما في محور الممانعة!/ الياس حرفوش

يعتبر الانقلاب الاستراتيجي الذي نشهده في طبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة حيال أزمة العراق بمثابة الزلزال الذي ستكون له آثار كبرى على كثير من السياسات والتحالفات في المنطقة. البلدان لا ينكران فرص التعاون التي يقولان إنها يمكن أن تقوم بينهما في مواجهة التقدم الذي أحرزه تنظيم «داعش» في العراق على حساب حكومة نوري المالكي. وبعد أن كانت واشنطن وطهران تؤكدان أن المحادثات الجارية بينهما في الوقت الحاضر تقتصر على الملف النووي الإيراني وحده، نجد الآن أن هذا الحوار يمكن أن يشمل أيضاً إمكان التعاون لتسوية الوضع العراقي، وربما لمواجهة أزمات أخرى في المنطقة تعتبر إيران طرفاً فيها.

من الخطأ الاستهانة بحجم الانقلاب الذي نتحدث عنه. فإيران، «العدو» التقليدي المفترض للولايات المتحدة، ترحب الآن بدخول بواخر البحرية الأميركية ومقاتلي «المارينز» إلى مياه الخليج، بعد أن كانت سفنها ومقاتلاتها تهدد سلامة تلك البواخر، بحجة أن وجودها يسيء إلى الأمن والاستقرار في ما تسميه طهران «الخليج الفارسي».

وإيران التي قامت منذ انطلاق ثورتها، بارتكاب لائحة طويلة من النشاطات الإرهابية، بدءاً من الاعتداء على السفارة الأميركية في طهران واحتجاز ديبلوماسييها كرهائن لما يقارب العام ونصف العام، وصولاً إلى قيام حلفائها في لبنان والكويت بخطف الطائرات واحتجاز الرهائن الغربيين لسنوات طويلة وقتل بعضهم في الأقبية، هي التي تشكو اليوم من «إرهاب» تنظيم «داعش»، وتعلن أنها تقف في صف واحد مع القوى الدولية لمحاربته، تحت ذريعة أنه يرتكب المجازر ويهدد وحدة العراق ويقضي على فرص نجاح الديموقراطية فيه.

وإيران التي تحتل التنظيمات المسلحة المقيمة على أرضها أو المتحالفة معها موقع الصدارة على اللائحة الدولية للتنظيمات الإرهابية، وإيران التي توفر الملاذ الآمن للفارين من وجه عدالة المحاكم الدولية، هي التي يقول رئيسها حسن روحاني إنه مستعد للتعاون مع الولايات المتحدة «إذا وجد أن أميركا تتحرك ضد المجموعات الإرهابية». أي أن المشكوك فيه هو النوايا الأميركية وليس تاريخ السلوك الإيراني المشبوه!

يجب الاعتراف أن إيران نجحت في جر باراك أوباما إلى موقع الشريك في الأزمة العراقية، وقبلها في الأزمة السورية. بسبب عجز الرئيس الأميركي وشلله في مواجهة الحرب التي يخوضها بشار الأسد ضد شعبه، انتهى الأمر بانتصار هذا الأخير، وبتجديده الولاية لنفسه سبع سنوات أخرى فوق دماء السوريين. كان طبيعياً أن تشعر إيران بأنها انتصرت لبقاء حليفها في الحكم، كما انتصر معها محور «الممانعة» التي تقول إن الأسد وحلفاءه يقودونه في المنطقة. تدخلت إيران مباشرة في الحرب السورية، من خلال «فيلق القدس» بقيادة الجنرال قاسم سليماني وكذلك من خلال الدور الحاسم الذي لعبه «حزب الله» في المعارك، بينما وقف أوباما وسائر القوى الغربية موقف المتفرج.

إيران تتدخل أيضاً في الأزمة العراقية الأخيرة. وبفضل الدور الذي يلعبه أيضاً قاسم سليماني وتسليحه العناصر الشيعية التي جنّدها المالكي وتخطيطه للمعارك الأخيرة، نجحت القوات الحكومية في استعادة بعض المواقع التي خسرتها. هنا أيضاً ستجد الولايات المتحدة نفسها في الخندق نفسه إلى جانب إيران عندما تقرر مواجهة تنظيم «داعش» ومنح نوري المالكي فرصة جديدة.

يجب ألا يشعر الرئيس الأميركي بالحرج عندما يقرر مواجهة تنظيم إرهابي كـ «داعش». لكنه لا يستطيع أن يكون صادقاً في حربه هذه إذا تجاهل الظروف التي سمحت لهذا التنظيم بالتقدم، ومجالات الحماية التي وفرها له النظام السوري وحلفاؤه.

كذلك لا يستطيع أوباما أن يكون صادقاً في مواقفه الداعية إلى الحفاظ على وحدة الأراضي العراقية عندما تنتهي سياساته في خدمة حكومة المالكي التي تتحمل المسؤولية الأولى عن تغذية المناخ الطائفي في العراق وعن حالة العداء القائمة اليوم بين مختلف مكوناته.

الحياة

 

 

 

أوباما والسوريون: الدعم الأسوأ من عداوة

رأي القدس

استقال تسعة من قادة أركان الجيش السوري الحرّ بسبب قلة الدعم العسكري العربي والدولي، وكثرة الوعود مع قلّة التنفيذ. سبقت ذلك استقالات كثيرة منها استقالة رئيس المجلس العسكري السابق في حلب عبد الجبار العكيدي قبل أشهر، وكذلك استقالة وزير الدفاع في الحكومة المؤقتة السورية أسعد مصطفى، وهذه الاستقالات تعبّر عن يأس مؤسسات المعارضة السورية، من أي تغيير في الموقف السياسي الأمريكي من تسليحها.

قادة الأركان والجبهات هؤلاء شرحوا في بيان لائتلاف قوى الثورة السورية الاوضاع الميدانية على الارض والصعوبات التي يواجهها مقاتلوهم في محاربة خصمين شرسين: النظام السوري وحلفاؤه من ميليشيات لبنانية وعراقية، من جهة، و”الدولة الإسلامية في العراق والشام”، من جهة أخرى، ملخصين في شرحهم معاناة سنة ونصف مع نقص الدعم المادي والتسليحي.

استخدم الأمريكيون سياسة تقنين التسليح للمعارضة (وفي أغلب الأحيان منع الدعم العربي للمعارضة السورية)، بدعوى منع وصول السلاح الى «التنظيمات الإسلامية المتطرّفة»، وهو ما أضعف هذه المعارضة عسكرياً وسياسياً، وأعطى قبلة الحياة لخطة النظام السوري في تهميش المعارضة المدنية والديمقراطية وتقوية الاتجاهات السلفيّة المسلّحة، وهي نتيجة معاكسة تماماً لما يدّعيه الأمريكيون.

اشترك النظام والأمريكيون بذلك في استبدال صراع الشعب السوري لنيل حريته من الاستبداد الى صراع طائفيّ معمّم لم يلبث أن تجاوز الحدود السورية وامتدّ عبر المنطقة كلها، سنّياً عبر انتشار ونموّ تنظيمات «داعش» و»النصرة»، وشيعياً عبر حزب الله وعصائب أهل الحق ولواء أبو الفضل العباس والحوثيين وغيرهم.

وفي مقابل منع الدعم عن الائتلاف والمجلس الوطني والجيش السوري الحرّ، انهال الدعم العسكري والماليّ على النظام، من قبل حلفائه الروس والإيرانيين، وحتى بعض الدول العربية الملتبسة الدور؛ كما انهال على «داعش» وأخواتها، من قبل أطراف عديدة غامضة، يزعم كثيرون أنها تجمع خليطاً عجيباً مثل إيران (وهو أمر ألمح إليه تنظيم داعش في بيان انشقاقه عن «القاعدة») والنظام نفسه (من خلال إطلاق سراح قادته من السجون وعدم استهدافه عسكرياً) وسلفيين عرباً ضاقوا ذرعاً بفساد حكوماتهم وبعدم اكتراث الغرب بالمأساة المتصاعدة في سوريا والإقليم.

ومع تفجّر الوضع، على الشكل الذي شاهدناه في العراق، بلغ المعنى العبثي للسياسة الأمريكية وحلفائها تجاه المعارضة السورية ذروة كبرى، فتنظيم «داعش» الذي لم يكن يجد موطئ قدم له على الساحة السورية قبل سنتين ونصف، جعل من مدينة الرقّة عاصمة دولته، وانداح بعدها عائداً الى العراق، لاجتياح محافظة نينوى والاستيلاء على ثروات وترسانة تسليح كبيرتين قادرتين على تمكينه من الاستمرار لسنوات.

حين نتابع تصريحات لمسؤولين أمريكيين كانوا فاعلين بشكل كبير في الوضع السوري، مثل وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون، والسفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد، نكتشف أن المسؤولية الرئيسة في منع الدعم عن المعارضة السورية تقع على الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

باراك أوباما، كرئيس، يعبّر عن خلاصة مصالح أمريكا في العالم، لكن موقفه من الأزمة السورية يدلّ على جانب في شخصيته تتراكب فيه مجموعة عقد بينها الإسلام نفسه (وهو عنصر يمسّه سلبيا من جهة أبيه المسلم طليق أمه الأمريكية)، والعرق (من جهة أمه البيضاء وأبيه الكينيّ الأسود والبيئة الأفروأمريكية التي ينتمي اليها)، والسياسة (عقدة جورج بوش العراقية) وبالتالي فان الأسباب الكامنة وراء قراره الإنعزال بأمريكا أعمق مما نتوقع، لكنّ المضحك/المبكي أن نتائج «عدم التدخّل» أوباما الكارثية على أمريكا والعالم، ستفوق كوارث سياسة بوش، لأنها، استبدلت حلّ الإشكالات المزمنة التي خلقها ذلك التدخّل، بالهروب وترك الشعوب لمصائرها.

وعلى عكس المانيا التي قامت أمريكا بمشروع مارشال لإعادة بنائها اقتصاديا بعد الحرب العالمية الثانية، تعامل الأمريكيون مع أفغانستان كقضية عسكرية وأمنية مرّتين، وتركوا شعبها لمصيره مثل كتلة معاقة مهملة وهو ما أدى الى ملاحقتهم في نيويورك ونيروبي وباكستان والعراق وسوريا واليمن والسعودية، أما ما فعلوه في العراق وسوريا فسيجعل لعنة الشعوب تحلّ معهم أينما حلّوا.

رأي القدس

القدس العربي

 

 

 

لماذا يجب تسليح المعارضة السورية؟/ روبرت فورد

في فبراير الماضي، استقلت من منصبي كسفير لأميركا لدى سوريا، بعد ثلاثين عاماً قضيتها في عملي بين أفريقيا والشرق الأوسط. ومع تدهور الأوضاع في سوريا، وجدت أنه بات من الصعب تبرير سياساتنا. وتوصلت إلى أنه آن وقت الرحيل. وتركز اهتمام وسائل الإعلام على سبب رحيلي، لكنها أغفلت النقطة الجوهرية ألا وهي أمن الولايات المتحدة.

والمهم أن نظام بشار الأسد يمكنه إسقاط البراميل المتفجرة على المدنيين ويعقد انتخابات العار في أجزاء من دمشق، لكن لا يمكنه التخلص من سوريا التي تعجّ الآن بالجماعات الإرهابية المتمركزة في مناطق فضفاضة شرق ووسط سوريا.

الأسد والجهاديون يمثلون تحديّاً للمصالح الأميركية المحورية. فالأسد يزدري البشرية بأساليبه التي تسببت في فيضان من اللاجئين من شأنه زعزعة الاستقرار في المنطقة.

ويمثل تنظيم «القاعدة» الذي انضم إلى الحرب حالياً تهديداً لمصالحنا، مثلما حذر مديرو الاستخبارات الوطنية ومكتب التحقيقات الفيدرالي. وبات هؤلاء المتطرفون يتمتعون بملاذ يمكنهم من خلاله شنّ هجمات على أوروبا والولايات المتحدة. وبينما يمكن للأميركيين أن يفخروا بأنهم قدموا مساعدات إنسانية بنحو ملياري دولار لمساعدة اللاجئين السوريين، فإن ذلك من قبيل علاج الأعراض وليس الأمراض. ومن ثم يجب أن تكون لنا استراتيجية في التعامل مع كل من الأسد والجهاديين. ولا نحتاج إلى القيام بضربات جوية أو إرسال قوات إلى سوريا، بل لأن نضاعف التدريب والمساعدات المادية المقدمة للمعتدلين في المعارضة المسلحة بالتعاون مع الدول الشريكة.

وخلال العامين الماضيين، التقيت مقاتلين من «الجيش السوري الحرّ» مرات عديدة. وكثير منهم كانوا ضباطاً سابقين، ولديهم جميعاً خبرات عسكرية. وخلال اجتماع في نوفمبر الماضي، تبادلنا الاتهامات، لكنهم أقروا بأنهم كانوا سيقاتلون «القاعدة» والجهاديين الأجانب. ووافقوا على التفاوض مع النظام، بينما أصرّوا بثبات على وجوب رحيل الأسد. وشككوا بإمكانية حصولهم على تنازلات في ضوء المستوى الحالي من الدعم المادي، وبرهنت المحادثات في جنيف خلال العام الجاري على أنهم محقون.

ورسالة الانتخابات السورية مؤخراً هي أن حكم دمشق وجزء من الدولة الفاشلة يمثل انتصاراً بالنسبة للأسد، حتى في ضوء انعدام احتمالات قضائه على المعارضة. وقد زعم البعض أن المسار الأسهل هو قبول سيطرة الأسد على العاصمة، والعمل مع نظامه لاحتواء الجماعات الإرهابية في سوريا والقضاء عليها. لكن ذلك لن يفيد الأمن الأميركي.

وقد التقيت الأسد مرتين. كان لطيفاً، لكن بعد ثلاثة أعوام على بدء المظاهرات السلمية، أضحى سجله الوحشي واضحاً. ويحفل تاريخ نظامه بالتعاون الواضح مع «القاعدة»، مثلما شاهدنا في العراق، لذا لا ينبغي أن يكون الرجل الذي تنحاز الولايات المتحدة إليه.

ويعتمد الأسد حالياً على «حزب الله» من أجل بقائه، وسيظل نفوذ إيران في سوريا ما بقي الأسد. ورغم ذلك، من المستبعد أن يقاتل «حزب الله» لتطهير شرق سوريا من الجهاديين، وهو ما لا يخدم المصالح الأميركية.

ولنكن على يقين من أنه ليس ثمة حل عسكري، لكن من الممكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه في سوريا عبر تهيئة الظروف لمفاوضات تفضي إلى تشكيل حكومة جديدة. ويتطلب ذلك تمكين المعارضة المسلحة المعتدلة.

ويحتاج «الجيش الحر» أولاً إلى مزيد من الدعم المادي والتدريب بحيث يمكنه تصعيد حرب العصابات بصورة فعّالة. وبدلاً من محاولة السيطرة على المدن التي يمكن أن تدكها القوات الجوية والمدفعية التابعة للنظام، يتعين مساعدة المعارضة المسلحة على اكتشاف أساليب لخنق الحكومة وسحق دفاعات النقاط الثابتة.

ولهذه الغاية، ينبغي أن يمتلك «الجيش الحرّ» معدات عسكرية، منها قذائف هاون وصواريخ قادرة على سحق المطارات لإعاقة عمليات الإمداد الجوي للنظام، وصواريخ أرض جو، مع مراعاة أساليب الحماية الممكنة. وبالتالي، ستضعف القدرات العسكرية الجديدة للمعارضة المسلحة من ثقة جيش الأسد بشكل حاد.

وعلاوة على ذلك، سيضع توفير الأموال لدفع رواتب ضئيلة، إلى جانب إمدادات مستقرة للغذاء والدواء والذخيرة، المعارضة المسلحة على قدم المساواة مع جماعات «القاعدة» التي لطالما عرضت الإغراءات لتجنيد المقاتلين السوريين. وكثيراً ما استجدى قادة «الجيش الحرّ» من أجل هذه الأشياء.

وفي هذه الأثناء، ينبغي أن يكون تعزيز المساعدات جزءاً من التفاهم على قيام المعارضة بتغييرات كبيرة أيضاً، والأكثر أهمية إنهاء الطائفية داخلها. وستساعد معاقبة المقاتلين الذين قاموا بعمليات قتل أو خطف على أساس طائفي في إقناع مؤيدي الأسد القلقين بأنهم يمكن أن يثقوا في أن المعارضة تمد أيديها للمفاوضات. وعلى قيادة المعارضة خارج سوريا أن تنسّق بصورة أفضل مع النشطاء والمقاتلين على الأرض.

لم تعد لدينا خيارات جيدة في سوريا أكثر من ذلك. وعليه، فإن مزيداً من التردد وعدم الرغبة في الالتزام بتمكين المعارضة المعتدلة في مواجهة الجهاديين والنظام بصورة أكثر فعالية، سيعجّل اليوم الذي سيتعين فيه على القوات الأميركية التدخل ضد نظام «القاعدة» في سوريا.

السفير الأميركي السابق لدى سوريا بين عامي 2010 و2014

يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى