صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

مسار «جنيف 2» ومستقبل سوريا/ قاسم عز الدين

الاعتراف بإيران نووية هو ثمرة جهود إيرانية طويلة مستمرّة، بمقدار ما هو إحدى دلالات التحوّلات في المنظومة الدولية وتفاهمات الأقطاب. فالإعتراف الإسمي يسجّل إقراراً بواقع عنيد عملت له إيران طيلة عقود على طريق بناء الدولة القادرة على فرض وجودها في «المجتمع الدولي» كبقية الدول الصاعدة، خلافاً لمزارع التبعية المشابهة «للدول» العربية. إنما الاعتراف بإيران نووية هو نتيجة تحوّلات أوسع وأبعد شملت تراجع القوّة الافتراضية الأميركية وأنتجت تفاهمات روسية ــ أميركية، نحو إعادة تقسيم النفوذ والمواقع في منظومة الشرق الأوسط المقبل، ولا سيما إعادة صياغة سوريا في منحى الفراغ الجيو ــ سياسي العربي.

على هامش زيارة الرئيس الإيراني إلى باريس، تبرّع لوران فابيوس بإماطة اللثام عن توقّعات فرنسا للحل السياسي في سوريا، مفادها أن رحيل الأسد يسهّل «الاستقرار السياسي» في إنشاء «ديموقراطية توافقية» في السلطة على غرار المحاصصة الطائفية في لبنان والعراق. وبدوره ذهب جون كيري أبعد من ذلك في الحديث عن «ديموقراطية توافقية» قد تصل إلى «فيدرالية الكيانات» التي نشطت بيوتات «إدارة النزاعات» وجماعات «ثينغ ــ تانغ» بترويجها إثر احتلال العراق، وكان للسويسريين فيها أثر مشهود انتقل بعدها إلى بيروت. فهذه «الديموقراطية التوافقية» العجائبية تستهدف، كما تستهدف «الديموقراطية» الدستورية الأميركية، إلغاء البُعد الجيوسياسي للدولة ودورها الناظم للسياسات الدفاعية والخارجية والاقتصادية ــ الاجتماعية، في تركيب سلطة «تتعايش» على فُتات التبعية للنموذج النيوليبرالي الإيديولوجي ــ السياسي ــ الاقتصادي. فهي بحسب منظّرها الهولندي ــ الأميركي «أرنت ليبهارت» (1937 ــ ….)، تقوم على نسبية تمثيل الجماعات الطائفية والعرقية في حكومة محاصصة ائتلافية، وفي الوزارات والمؤسسات والإدارات العامة وفي الانتخابات، وتقوم على حق الفيتو المتبادَل للأكثريات والأقليات وعلى الإدارة الذاتية الخاصة بكل جماعة. (أ. ليبهارت، الديموقراطية التوافقية في مجتمع متعدد، نيو هافن، 1977).

وعلى نقيض ما تشيّعه بيوتات «الخبرة وإدارة النزاعات» ودوائر القرار في دول «أصدقاء سوريا» وغيرها، ليس بناء سلطة «ديموقراطية» تتقاسم مؤسسات الدولة ودورها حصصاً بين الجماعات الطائفية والعرقية ما يفضي إلى الحدّ من احتراب الجماعات، بل على العكس من ذلك يؤجج احترابها على تقاسم الحصص. فالدولة الضامنة للاستقرار السياسي والاجتماعي لا تُبنى على صورة جماعاتها ولا على صورة «مواطنيها»، إنما تُبنى على أسس جيو سياسية دفاعية واقتصادية ــ اجتماعية تحفظ مصالحها الوطنية وحقوق فئاتها الاجتماعية، في صراعات مصالح الدول الاستراتيجية. ففي سويسرا، على سبيل مثال النموذج، تتألف السلطة من اتحاد «كانتونات» قومية (فرنسية، المانية، ايطالية…) كانت السبيل الوحيد للحدّ من احترابها امتداداً لحروب القوميات بين البلدان الأوروبية نحو بناء الدولة ــ الأمة. لكن دولة سويسرا ليست على صورة سلطة الائتلاف القومي. وبرغم المحاصصة القومية في السلطة السويسرية، لا يوجد محاصصة قوميات وأعراق في الدولة ولا تتوزّع القوميات حصص بعضها البعض في الإدارات والوزارات والثروة العامة… وليست الدولة حاصل جمع القوميات أو طرحها وقسمتها، بل هي فوقها تقوم بدور الناظم لسياسات المشترَك الأعلى كباقي الدول الأوروبية التي لا تأخذ بالاختلاف العرقي والديني في أجهزة الدولة وسياساتها. لكن النيوليبرالية تستهدف إلغاء دور الدولة الناظم لسياسات المشترَك الأعلى، سبيلاً لتسهيل عمل السلطة في إدارة سياسات تقررها وتنظّمها المنظمات الدولية و«اليد الخفية» في حرية السوق…إلخ وهو الأمر الذي ينتج، في العودة إلى الغابة، انفجار الشوفينيات واحتراب الجماعات على تقاسم فُتات التبعية لنموذج التفتيت والنهب.

والحال، مهما كان مآل المتغيرات الميدانية في سوريا، في ظل إجماع على «استحالة الحسم العسكري»، سيكون محور مفاوضات جنيف 2 الطويلة، هو تشكيل سلطة ائتلافية من «مكوّنات الشعب السوري» الطائفية، أساساً «للتحوّل الديموقراطي» المزعوم. فمعظم المعارضات السياسية السورية التي تأخذ «بالديموقراطية الدستورية» الأميركية سبيلاً «لتغيير النظام»، تأخذ عملياَ بالنموذج النيوليبرالي في إلغاء دور الدولة، سواء كانت تتكئ على «دول أصدقاء سوريا» أم تتكئ على أوهام بناء الدولة كجمعية لحقوق الإنسان. لكن مفاوضات «جنيف 2» مسار فرز طويل تحت عباءة التفاهم الروسي ــ الأميركي في التوازنات الدولية والإقليمية الجديدة، يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى «ائتلاف» في السلطة ما أن تشحّ منابع حطب الوقود ولا يبقى في سوريا شعب ولا حجر على حجر.

الأميركيون والفرنسيون يتحدّثون عن «ائتلاف» ثلاث عشرات يتشكّل من ثلثين ضامنين لدول «أصدقاء سوريا» بجناحيها الليبرالي والإسلامي، وثلث للمحور الآخر. في هذا السياق ذهب رجب طيّب أردوغان إلى موسكو للاتفاق على حصّة «الأخوان المسلمين» قبل ما أسماه الوقت الضائع الفاصل عن موعد «جنيف 2». بموازاة ذلك تستكمل قطر انحناءتها ببطء إلى جانب تركيا لشدّ أزر «الأخوان»، نحو إيران التي تعتقد أنه لا مناص من الاعتماد على «الأخوان المسلمين» لدرء الفتنة بين السنّة والشيعة، وهو أمر يرفضه الرئيس السوري بشدّة إلى أن يخلق الله أمراً كان مفعولاً.

إنما وقف الحرب والدمار في سوريا لا يقتصر على أطراف مثلّث «الائتلاف» في حال نضوج مسار «جنيف 2» الطويل. فالسعودية التي تدافع في سوريا عن ديمومة نظام الحكم في الرياض متضررة من التسوية النووية والتراجع الأميركي، وغير قادرة على التكيّف بسهولة مع المتغيرات الدولية والإقليمية، وهي ترهن مشاركتها في التسوية السورية بضمانة توسّع نفوذها في لبنان والعراق واليمن والبحرين. لكنها، بتحالفها «الموضوعي» مع إسرائيل المتضررة هي الأخرى من التسوية مع إيران، تملك القدرة على العرقلة، وعلى القتال بالتحالف الميداني مع الجماعات التدميرية الفاشية على الأرض السورية وفي العالم الإسلامي العريض من اليمن إلى القوقاز وباكستان.

في هذا الصدد لا ترمي الولايات المتحدة بثقلها للضغط على السعودية وإسرائيل سوى بلجم جماعات «القاعدة» كي لا يفيض «العنف» إلى تهديد المصالح الغربية واسرائيل، لكنها في الوقت نفسه تفيد من جماعات التدمير الفاشية في حرب الأرض العربية المحروقة، وضد روسيا وإيران وحلفائهما، لإضعاف هذا المحور في موازين القوى الدولية والإقليمية. فالتفاهم الأميركي ــ الروسي ــ الإيراني هو مقاربة آنية أنتجتها متغيرات القوّة قسراً في ظروف انتقالية قابلة للتعديل والتغيير وليس تحالفاً استراتيجياً. وهو تفاهم على الحدّ الأدنى في «إدارة النزاعات» بانتظار متغيّرات جديدة على المدَيين المنظور والأبعد. وفي الأثناء يستكمل ائتلاف «العملية السياسية» الاحتراب على السلطة، على ما نشهد في ليبيا واليمن وفي مصر وتونس، وتستكمل أطراف «جنيف 2» الدولية والإقليمية «إدارة النزاعات» المتداخلة في المحيط الاقليمي، لكنها تُمسك بخيوط ما يُسمى «إعادة الإعمار» لتوزيع نهب الثروة العامة، وخاصة وضع اليد على الأراضي والموارد الطبيعية بحسب تجربتي لبنان والعراق.

على هذا الطريق تعمل منظمة «الأسكوا» لمشروع أطلقت عليه تسمية «اليوم الأول بعد الأزمة» مع فريق من «خبراء الأمم المتحدة»، بتعاون رموز من الحكومة السورية و«المعارضة الداخلية». وهو مشروع تقليدي للبنك الدولي و«الدول المانحة» الذي يقول فيه رئيسه عبد الله الدردري «نحن نخطط لإعادة بناء سوريا بعد أن ينقشع الغبار ولا نتدخل في من يجب أن يحكم سوريا». فهو كغيمة هارون الرشيد التي ناداها بقوله «اذهبي أنّى شئتي فأمطارك تهطل عندي». إنما فريق العمل الأكثر جرأة في ترويج النهب النيوليبرالي وتفتيت الجغرافيا السياسية هو «المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية»، بمؤازرة كل من «مجموعة عمل اقتصاد سوريا في المجلس الوطني»، و«المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية» في الدوحة. (راجع وثائق مؤتمري اسطنبول والدوحة) ففي تقريره النهائي «لخطة التحوّل الديموقراطي»، يعمل «بيت الخبرة السوري» في المركز، مع بيوتات استشارية دولية ورجال أعمال عرب وسوريين بطبيعة الحال، «لليوم الثاني» متأخراً عن زميله يوماً كاملاً. ففي هذا اليوم الموعود يتوعّد «بيت الخبرة» بأن تبدأ سوريا، لاسيما في الفصل الحادي عشر، «التحوّل إلى نموذج اقتصادي يحكمه السوق»، ويبدأ «إدماجه في سوق البضائع والأفكار عالمياً على نحو تدريجي». ولن يكلّ «البيت» أو يملّ حتى تتحوّل سوريا «المزدهرة» إلى ما لم يحلم به رامسفيلد ورايس في حرية السوق والتجارة وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر «لزيادة الإنتاجية والقدرة التنافسية للصادرات».

إن هذا «التحوّل» نحو الاقتصاد النيوليبرالي لمصلحة حرية الرأسمال ومافيات نهب الثروة العامة الخام، هو من ذاك «التحوّل الديموقراطي» في الصراع على السلطة وعلى فُتات التبعية بوعود «الديموقراطية الدستورية» كانت أو «بالديموقراطية التوافقية» توعّدت. فالمراهنة على دمقرطة السلطة من فوق أملاً بالوصول إلى دمقرطة الدولة من تحت، هي مراهنة النيوليبرالية على إدماج الدولة «في سوق البضائع والأفكار العالمية»، تهدّد سوريا، كما تهدّد ليبيا واليمن ومصر وتونس…. بوحشية شريعة الغاب وديمومة الخراب والاحتراب بأشكال ساخنة وباردة. ولا مندوحة من تغيير هذه المقدمات لتغيير النتائج، في العمل على دمقرطة الدولة من تحت أملاً بدمقرطة السلطة من فوق، وإدماجها بالحقل الإقليمي لتفكيك نموذج التبعية وبناء علاقات متكافئة في «سوق البضائع والأفكار العالمية». فهذا المنحى من تحت ينقل الاحتراب والصراع على السلطة إلى خلاف في الرؤى والبرامج السياسية بشأن تبادل المنفعة بين العرب وإيران وتركيا. وبشأن تبادل النفوذ والمصالح الوطنية في إعادة تنظيم الجغرافيا السياسية نحو سلطة إقليمية مشترَكَة تحفظ هوية كل بلد وتحفظ أمنه الوطني في حفظ الأمن الإقليمي المشترَك.

ولا يفترض هذا المنحى أن يغيّر أي طرف أو فرد معتقداته وقناعاته وانتماءه و«هواجسه»، إنما يفترض أن يتفحّصها على محكّ تفكيك نموذج التبعية نحو البناء المشترَك ضمانة للحقوق الوطنية والاقتصادية ــ الاجتماعية وضمانة للحريات العامة والشخصية. ففي منحى البناء المشترَك لا أهمية تُذكَر للأحكام المسبقَة على المثُل والقيَم الغابرة أو الحديثة، ولا للضجيج العالي في الاحتراب على الإصلاحات الدستورية مدخلاً «لتغيير النظام»، على ما تشيّع الديموقراطية النيوليبرالية، بل الأهمية لرؤى إعادة بناء الدولة في حقلها الإقليمي مدخلاً لدمقرطة الدولة والسلطة. وهو المدخل لمشاركة بسطاء الناس وصانعي الحياة في السياسة لتنظيم الجغرافيا البشرية نحو التضامن المتكافئ بين الإدارات المحلية على مستوى الحقل الإقليمي في تبادل الخبرة والمنفعة المشتركَة. ولا يقتصر هذا الأمر على إبداع الديموقراطية المباشرة في ارتقاء تنظيم أسباب المعاش وسبُل العمران، إنما يشمل كذلك مواجهة مشتركَة لمخاطر الحروب التي تشنّها اسرائيل والدول الغربية في استراتيجيات توسّع مصالحها ونفوذها. في هذا السياق تُشكّل تجربة «الإدارة الذاتية» في المناطق الكردية السورية نواة قابلة للتطوير والتعميم في تنظيم الجغرافيا البشرية وممارسة الديموقراطية المباشرة التي حصّنت البيئة الحاضنة وصدّت جماعات «داحس والغبراء» في الميدان. وفي إرساء أسس الديموقراطية من تحت، مقابل أسس فاشية «المحاكم الشرعية» (محاكم التفتيش) في السلب والقتل على هوية المعتقَد والعرق والرأي.

الفراغ الجيو ــ سياسي العربي لا يملؤه غير العرب، إنما بالمساهمة في البناء الإقليمي المشترَك وتفكيك التبعية نحو الأعلى في تبادل المصالح الوطنية الإقليمية والمنفعة المشتركَة، لا نحو البداوة والتصحّر أو العودة إلى الغاب.

السفير

تعويم الإسلاميين لإنقاذ جنيف 2/ دينا أبي صعب

 مرحلة تحضيرية غارقة في التشرذم. هكذا باختصار يمكن وصف حال المعارضة السورية حيال التحضيرات المستمرة لمؤتمر جنيف2. فوضى عارمة، وتخبط بين فصائل، على رأسها الائتلاف السوري المعارض، لم تتفق بعد على تحديد شكل حضورها أو مضمونه، فضلاً عن غموض يلف مصير مستقبل الذراع الاساس للثورة العسكري “الجيش السوري الحر”، الذي قد يشهد أفول نجمه في الفترة القريبة المقبلة،  وهذا ما تحدثت عنه لـ”المدن” صراحة مصادر مقربة من البعثة الدولية في جنيف.

 اربعون يوماً تقريباً تفصل عن المفاوضات، قد تكون كافية لتصفية “الحر” وإخراجه من اللعبة إذا ما صحت التكهنات، بعد معلومات كثيرة متضاربة عن فرار رئيس هيئة الاركان في “الحر”، سليم إدريس، الى تركيا أو قطر، نفاها، الأخير، في حديث تلفزيوني على قناة “الحرة”، مؤكداً تواجده في الشمال السوري قريباً من الحدود التركية.

لكن أطيافاً في المعارضة السورية رفضت في حديث لـ”المدن” الإقرار بقرب نهاية “الحر”، إذ اعتبر داني البعاج، وهو المبعوث السابق للجنة حقوق الانسان المنشق عن النظام السوري في جنيف “أن لا شيء يستدعي هروب إدريس من سوريا وهو غالباً ما ينتقل بين انقرة والدوحة وغازي عنتاب وغيرها”. وأضاف “قد يكون متواجداً في واحدة من هذه الوجهات بكل بساطة”.

كما أشار إلى أن ما يتناقل من معلومات حول وضع الجيش الحر هو جزء من شائعات تهدف إلى “ضرب معنويات هذا الجيش، أو لمحاولة التغطية على خطف رزان زيتونة ورفاقها”، الذين اختطفوا قبل أيام من مركز توثيق الانتهاكات في مدينة دوما في ريف دمشق.

وقلل البعاج من أهمية وضع “الجبهة الاسلامية السورية” يدها على مستوعات للأسلحة في شمال سوريا “لأن جزءاً من الجبهة هم أعضاء في هيئة الأركان، وهي ليست بحاجة لهذه المخازن، لأنها تملك منها الكثير ولها من يمولها ويمدها بالدعم”.

 أما بخصوص وجود تصفية منظمة للجيش الحر واستبداله بفصائل اسلامية ذات ثقل عسكري على الأرض، فاعتبر البعاج ان استبدال جهة بأخرى هو”مسألة عادية، واذا كانت الجبهة الاسلامية هي المسيطرة على الارض فيجب ان يتم التفاوض معها مباشرة، وهذا افضل من مفاوضة جهة نحاول نفخها وتضخيم حجمها وهي غير قادرة على تمثيل أي طرف”.

 وبغض النظر عن هذه الفرضيات يقول البعاج إن الائتلاف يصر على تمثيل الجيش الحر في جنيف2، وهو مكلف من قبل الأمم المتحدة بتشكيل وفد مفاوض، “وفي حال اختار ممثلاً عن الفئات الاسلامية لن يكون بالامكان رفضه”، ولا سيما أن “الإسلاميين يتلقون دعماً من دول محددة، تريد أن يكون لها ممثلون حقيقيون حاضرون على طاولة المفاوضات”.

 لكن رئيس هيئة التنسيق في المهجر، هيثم المناع، له رأي آخر، وهو إذا يتفق مع البعاج على تضخيم مسألة نهاية الجيش الحر، إلا أنه يرى في “شيطان” الجماعات الاسلامية خطراً حقيقياً يهدد الثورة السورية، مذكرّاً أن “زعيم الجبهة الإسلامية زهران علوش كان في الرياض قبيل تشكيل الجبهة وتلقى مساعدات تكفي لتجهيز جيش نظامي كامل” وهو جاهز للعب دورٍ محوري في المناطق الخاضعة لسيطرته.

ويقول المناع لـ”المدن” إننا كسوريين “ندفع ثمن التعامل الخفيف مع قضيتنا، و “بات علينا الاختيار بين الكوليرا والطاعون، فمن نختار؟”، ويتساءل “هل كان بإمكان الجماعات الاسلامية ان تتسلم مساعدات عسكرية من “ملائكة السماء” من دون تواطؤ ودعم إقليمي واضح؟”.

 ويعتبر المناع أن المعارضة السورية عملت بمقولة “أن يأتي الشيطان ليذهب بالشيطان ومن ثم نحلها، بالنتيجة صرنا أمام شيطانين، لم يذهب الاول ويبدو ان احداً لن يستطيع الذهاب بالثاني ايضاً”.  وأضاف النظام السوري أوصل الشعب السوري والمعارضة إلى مبدأ كان يتبعه حافظ الأسد: “يمكنك الاستمرار بالسلطة ما دام البديل اسوأ، والنظام يعطيهم اليوم بدائل اسوأ”.

 وعلى خط آخر، يقف الائتلاف السوري المعارض أمام مرحلة مصيرية من التجاذبات الكبرى، قبيل معركة ينتظر أن تكون حامية مطلع الشهر المقبل على رئاسة الائتلاف، إن لم تستجب المعارضة لحركة دولية تطلب منه تأجيل الانتخابات، خوفاً من تفجير الخلاف الداخلي، مما يشكل ضربة قاسمة للمعارضة غير الجاهزة أساساً لمفاوضة النظام.

ويعتبر المناع أن المعارضة أمام مأزق حقيقي إذا ما نظرنا لفارق “الكفاءة والخبرة” بينها وبين النظام، ولا يبقى أمام السوريين “إلا التعلق بأمل أن تطرح المعارضة الاسئلة الصحيحة وتحاول إيجاد إجابات مشتركة”.

 من هنا يبدو التساؤل حول مصير جنيف 2 برمته منطقياً في ظل ما ورد من خلافات، كان آخرها مطالبة، رئيس المنبر الديموقراطي، ميشال كيلو، خلال اجتماع اتحاد الديمقراطيين السوريين، عقد في مدينة غازي عنتاب التركية، وشمل أكثر من ثلاثين من قادة الاتحاد ومن منسقي الداخل السوري،  بـ”ثورة مقابلة تعيد الامور الى نصابها”، وتمنع سقوط الثورة والائتلاف “الضعيف” غير القابل للاستمرار في ظل خساراته المستمرة.

 حتى الآن وبحسب ما تحدثت أوساط الأمم المتحدة في جنيف لـ”المدن”، فإن المعارضة لم تتقدم أبداً في حسم مسألة تشكيل وفدها، علماً أن الأمم المتحدة قد وضعت السابع والعشرين من هذا الشهر موعداً لتسليم طرفي النزاع أسماء الوفود المفاوضة.

 وتضيف هذه الأوساط أن الأزمة التي يمر بها الجيش الحر واعتقاد فريق الامم المتحدة انه بات بلا تمثيل جدي على الارض، يؤدي الى المزيد من “ضعف الائتلاف كمفاوض رئيس بمواجهة النظام”.

وفي هذا الإطار تعتقد اوساط متابعة للملف السوري في جنيف أن المخرج الذي تعمل على إرسائه مجموعة من الدول الراعية للائتلاف السوري سيكون من خلال “قيام تحالف جديد يمثل الائتلاف وجهه السياسي، اما الذراع العسكري فستكون مجموعات اسلامية (الجبهة الاسلامية) وما تبقى من الجيش الحر، لا سيما بعدما اعربت واشنطن عن استعدادها لقبول تمثيل المجموعات الاسلامية غير المرتبطة بالقاعدة.

 على هذا الاساس، يبدو اللقاء الثلاثي (الولايات المتحدة وروسيا والامم المتحدة) في جنيف في 20 من الشهر الحالي، مفصلياً، لوضع الأمور في نصابها، فهو سيبحث من جديد مصير المؤتمر المرتقب استناداً إلى التطورات الأخيرة، وفي حال بقي المؤتمر في موعده، فإن البحث سيتناول، بحسب ما قال فريق المبعوث الدولي إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي لـ”المدن”، وضع أجندة لمسار التفاوض خلال المؤتمر.

وتحضيراً لهذا اللقاء، يناقش فريق الامم المتحدة في هذه الايام مجموعة من السيناريوهات حول الاولويات التي ستبدأ على اساسها عملية التفاوض، وسيقوم خلال الايام المقبلة بعرض نتائج المداولات على أطراف النزاع في سوريا، من اجل الخروج بنتيجة تفضي لاختيار واحد من هذه السيناريوهات.

المدن

أسباب مشاركة لبنان في جنيف 2 بان يطلب تهدئة السوريين/ خليل فليحان

تلقى لبنان دعوة الى الاجتماع التمهيدي لمديري الشؤون السياسية والخبراء وعدد من مندوبي الدول المعتمدين لدى المنظمات الدولية والذي سيعقد في جنيف في 20 من الشهر الجاري تحضيراً للاجتماع الموسع الذي سيلتئم في 20/ 1/ 2014 على مستوى وزراء الخارجية في مدينة مونترو الواقعة على بحيرة ليمان في سويسرا بدلاً من جنيف التي تشهد في الموعد المحدد للمؤتمر معرضاً دولياً للساعات، وقد حُجزت كل فنادق المدينة للمشاركين فيه.

ويهدف المؤتمر الى اجراء حوار بين النظام السوري والمعارضة توصلاً الى حل سياسي للأزمة السورية، وسيترأس الاجتماعات ويديرها المبعوث الاممي والعربي المشترك للازمة السورية الأخضر الابرهيمي أولاً مع المندوبين الاميركي والروسي ثم الاجتماع الموسع الذي يشارك في المناقشات التمهيدية ممثلون للطرفين السوريين المتصارعين، وللدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة لدى مجلس الأمن، الى ممثلين للامين العام للامم المتحدة ودول الجوار وفي طليعتها لبنان، والسعودية وايران وتركيا والمانيا وايطاليا والمنظمات الدولية للاجئين والاغاثة والصناديق الممولة. وبلغ عدد الدول التي تلقت دعوات حتى امس 32 دولة.

وسيمثّل لبنان في المؤتمر التمهيدي مدير الشؤون السياسية في وزارة الخارجية والمغتربين السفير شربل وهبه. وقد ارتأى رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي المشاركة في مناقشات سويسرا نظراً الى ما تعانيه البلاد من انعكاسات سلبية للأزمة السورية التي اندلعت قبل 33 شهراً ولا احد يمكنه التكهن بنهايتها. ويريد لبنان أن يدرج في جدول اعمال المؤتمر موضوع العدد الهائل من اللاجئين المتدفق باستمرار الى ارضه، وفق سياسة الحدود المفتوحة التي انتهجها منذ اندلاع القتال بين قوات النظام ومسلحي المعارضة. وسيقترح لبنان مخارج لهذه الأزمة منها انشاء مخيمات داخل الاراضي السورية على مقربة من الاراضي اللبنانية على أن تؤمن المفوضية العليا للاجئين ومنظمات اخرى لقاطنيها المساعدات على أنواعها. أو نقل اللاجئين الى مناطق بعيدة عن الاشتباكات واسكانهم فيها، او اقناع الدول التي تستوعب اجانب او القادرة على استيعاب لاجئين لمدد موقتة ان تقوم بهذه المهمة تخفيفاً عن لبنان الذي لم يعد في وسعه تحمل السيل الكبير من اللاجئين. وسيشدد المفاوض اللبناني على أهمية الدعم الدولي للسلطات اللبنانية من أجل تأمين الاعانات اللازمة، خارج اطار المساعدات الدولية والعربية التي توزع عبر المفوضية، والتي لم تكف مجموع اللاجئين مع ازدياد عددهم بعد تقدير العدد الذي كان متمركزاً في اماكن عدة.

ولدى سؤال “النهار”، احد المسؤولين البارزين والذين تعاطوا هذا الملف عما اذا كان المؤتمر سيتجاوب مع مطالب لبنان لم يشأ الجزم، لكنه يستبعد التجاوب، بناء على مقررات “المجموعة الدولية لدعم لبنان” التي ولدت في 30 أيلول في نيويورك، حيث ترأس الرئيس سليمان اجتماعها التأسيسي على هامش الدورة العادية للامم المتحدة في ايلول.

وأضاف: “اذا سارت الأمور على ما يرام فإن الوفد اللبناني الى اجتماع مونترو سيكون برئاسة وزير خارجية تصريف الاعمال عدنان منصور وعضوية مندوب لبنان لدى الامم المتحدة السفير نواف سلام والمستشار السياسي والديبلوماسي لرئيس الجمهورية السفير ناجي أبي عاصي والسفيرة عساكر والسفيرة رياشي.

وفي المعلومات المتوافرة عن طريقة عقد الجلسات ان بان كي – مون سيفتتح المؤتمر بمأدبة غداء يقيمها في 22 من الشهر المقبل لوزراء الخارجية والأعضاء الرئيسيين في الوفود، وحدد لمداخلة كل وزير خمس دقائق. ويتألف كل وفد من تسعة اعضاء والمطلوب من النظام والمعارضة في سوريا تسليم لائحة الاسماء الى الامم المتحدة في 27 من الشهر الجاري أي بعد 13 يوماً. وذكرت المعلومات الواردة من جنيف ان وفد المعارضة لم يتألف بعد رغم ان “الائتلاف” أبلغ عن استعداده للمشاركة من دون معرفة اسماء المشاركين في حين ان اسماء اعضاء وفد النظام اصبحت معروفة. وجاء في المعلومات أيضاً ان الامين العام سيطلب من وزيري الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف التدخل لدى ممثلي النظام والمعارضة لتهدئة النقاش المتوقع ان يكون صاخباً وربما صدامياً.

وأشار الى ان جلسة ثانية ستقتصر على ممثلي النظام والمعارضة ستعقد في قصر الامم في جنيف في 24 كانون الثاني، أي بعد الجلسة الافتتاحية بيومين وسيرأسها الأخضر الابرهيمي.

النهار

الأسد بين لاهاي والهاوية/ سعد بن طفلة العجمي

 لا مكان للأسد بجنيف2 فمكانه بلاهاي”، تصريح يختزل المكان العادل والطبيعي لمستقبل بشار الأسد، كان التصريح جزءا من محاضرة لوزير الخارجية القطري الدكتور خالد العطية بتشاتام هاوس بلندن الأسبوع الماضي، ولم يكن هذا موقفا خليجيا أو قطريا وليس رأيا لكاتب هذه المقالة وحسب، ولكنه موقف الأمم المتحدة التي أقرت- بعد طول انتظار- قبل أيام بأن الأسد متورط بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفي لاهاي توجد محكمة العدل الدولية ومحكمة الجرائم الدولية، وفيها حوكم طغاة الصرب ورواندا وليبيريا ومحاكمة قتلة الحريري وغيرها.

منذ اليوم الأول لانتفاضة الشعب السوري ضد الطغيان قبل ما يقارب ثلاثة أعوام، والنظام بقيادة الأسد ينتهج نهجا واحدا لا ثاني له: البطش بكل أنواع العنف من قتل وتشريد وقصف بالأسلحة الكيماوية والطيران الحربي والصواريخ.

نكبة الشعب السوري على يد نظام بشار لا يضاهيها نكبة شعب بهذه السرعة من التدهور والدمار، ثلاثة ملايين لاجئ بأقل من ثلاث سنوات، أي نصف عدد من شردتهم إسرائيل على مدى أكثر من ستة عقود بمن فيهم من ولد خارج فلسطين نفسها، وضعف هذا العدد من شعب سوريا نازحون بالداخل، القتلى والجرحى والمعتقلون والمختفون تجاوزوا نصف مليون، والانهيار على كافة الأصعدة كي يبقى الأسد بالسلطة، ولا حجة للنظام سوى محاربة “الجماعات الإرهابية”! تكرار مثير للغثيان لعبارة الإرهاب من نظام مارس ولا يزال أبشع أنواعه ضد شعبه.

ثلاث سنوات عجاف قاهرة ردد الشعب السوري ببداياتها شعارات الحرية والوحدة الوطنية السورية، وتصدى بصدور عارية لرصاص البطش والطغيان، أملا في بعض ضمير لدى المجتمع الدولي إلى أن يأس من أن يتدخل لوقف المذبحة، فرفع شعارا يعبر عن يأسه وكفره بالمجتمع الدولي وأهزوجة الضمير العالمي: يا الله ما فيه غيرك يا الله!

ويروج الإعلام الغربي ومصدقيه خوفا وهلعا من جماعات إرهابية سلفية مثل جبهة النصرة وداعش القاعدة، متناسين أن النظام السوري هو الذي شجعها ومولها وعكس خطابها الطائفي وهيأ لها السبل والأجواء قبل أن يدخلها في الاقتتال ويخوف بها أطرافا داخلية وخارجية، فلأقليات سوريا رسالته واضحة: هؤلاء ضد كل الطوائف والأديان ولا بديل لكم سواي لأن مجيئهم يعني القضاء عليكم، وللمحيط والعالم يقول: انظروا من بديلي لو رحلت!

لكن غباء الطغيان لا يمكن توريته، فمثل هذه الجماعات الإرهابية هي صنيعة النظام، وهم حلفاؤه بإثارة الهلع واليأس والدموية، ومن يساند النظام من أحزاب طائفية من الخارج كحزب الله وكتائب العباس هي الوجه الآخر لداعش والنصرة، وما مشهد الاقتتال الطائفي القبيح بسوريا اليوم إلا نتاج سياسة الأسد نفسها: الأسد أو نحرق البلد! والنظام يدرك أنه لن يحكم سوريا أبدا بعد الثورة، وأقصى ما يطمح إليه هو أن يكون أقوى قوة ببلد ممزق ومنهار حتى ولو لم يكن القوة الوحيدة، تماما مثلما وضع حزب الله حيث يعتبر أقوى قوة بلبنان لكنه ليس بالقوة الوحيدة.

يستحيل على أي معارض قبول بقاء الأسد بعد جنيف2، فالتضحيات أكبر من تناسيها، والمأساة أكبر من تجاهلها، ويستحيل على نظام مارس كل أنواع القبح الدامي أن يتنازل عن السلطة بعد كل هذه الدماء التي سفحت من أجل بقائه، فلا مصير للأسد إلا بلاهاي أو بالهاوية!

الشرق

لا آمال في تبديل سياسة واشنطن هل تكون للعرب كلمة في جنيف 2؟/روزانا بومنصف

في كتاب للصحافي ستيفان كرنليوس تحت عنوان “انجيلا ميركل: المستشار وعالمها” صدر في المانيا في تموز الماضي وترجم الى الانكليزية ووزع في الولايات المتحدة، اورد الكاتب في السيرة الذاتية للمستشارة ميركل ما تفكر فيه في شأن الرئيس الاميركي باراك اوباما وتصفه بالغامض والمغلق وانها شاركت افكارها المعبرة عن الاحباط في هذا الشأن مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء البريطاني السابق غوردون براون. الكتاب حظي باهتمام بعد صدوره وتلقفته الصحافة ودور الابحاث على قاعدة ان اوروبا تخسر الثقة باوباما والشكوى تضمنت على ما يبدو عدم تشاور اوباما مع حلفائه في اي مسألة في العمق. وبعد مؤشرات الاستياء الكبير التي عبرت عنها دول عربية عدة بعد اعلان الاتفاق الغربي مع ايران حول ملفها النووي من عدم تشاور الولايات المتحدة مع حلفائها وتجاوزها في مسائل تخصها ايضا كما تخص الدول الغربية بدا بالنسبة الى مراقبين ان المنطقة تأخرت عن وعي المسألة وادراك هذا الواقع قبل حصوله على رغم ما بات يعاد الى الضوء اخيرا حول انطلاق الاستياء من الاداء الاميركي والمتعلق بما حصل في مصر ومسارعة ادارة اوباما للتخلي عن احد ابرز حلفائها في المنطقة اي الرئيس حسني مبارك. ويشكل استمرار الاداء المتعثر للادارة الاميركية ازاء مصر احد ابرز الاسباب في التباعد الحاصل بين واشنطن ودول المنطقة مما حدا بروسيا الدخول على الخط في محاولة لملء الفراغ الذي بدأت تخلفه الولايات المتحدة على هذا الصعيد من خلال اعلان روسيا عن نيتها تزويد مصر بعتاد عسكري بملياري دولار في الوقت الذي يعلن وزير الخارجية المصري ان دور القوى الخارجية في المنطقة يجب ان يتغير.

ويسجل مراقبون ديبلوماسيون سعي وزراء الادارة الاميركية الى استدراك التوتر لا بل التباعد بين دول المنطقة والولايات المتحدة وفق ما عبر عن ذلك كل من الوزيرين جون كيري وتشاك هيغل وتخفيف وطأة الانسحاب الاميركي والفراغ الذي يخلفه او يمكن ان يخلفه في المنطقة عقب زيارة لرئيس الاستخبارات السعودية الى روسيا لم تكن الاولى له ولقائه الرئيس الروسي. فيما تلعب روسيا على وتر اصرارها على الامساك اكثر بالملف السوري ورؤيتها للحل فيه على قاعدة انها تتمسك بحلفائها ولا تتركهم.

وينقل ديبلوماسيون عن مسؤولين اميركيين يأسهم من القدرة على تحفيز ادارة اوباما على تبني سياسة خارجية واضحة في شأن المنطقة على ما هي حال تخبطها مع دول الربيع العربي فيما يعتقد المراقبون الديبلوماسيون المعنيون ان الادارة الاميركية قد تكون مطمئنة نسبيا الى عدم امكان حلول روسيا او سواها مكانها في المنطقة على رغم تراجعها وان لا اوروبا ولا روسيا تستطيعان ذلك نظرا الى اعتبارات متعددة. لذلك فان المهم تاليا بالنسبة الى دول المنطقة وفق هؤلاء المراقبين تكون لها كلمة مؤثرة وفاعلة بالنسبة الى سوريا ومصيرها في مؤتمر جنيف 2 وعدم تركه لاميركا وروسيا ومعهما ايران كما امتلاك القدرة اما على حجز مقعد في المفاوضات التالية حول النووي الايراني او ضمان مقعد في اي مفاوضات معها حول المنطقة.

النهار

هكذا خسرت أمريكا حلفاءها السوريين/ جوش روغن 

مع اقتراب موعد مؤتمر جنيف, وجدت إدارة أوباما نفسها مضطرة للتواصل مع المجوعات الإسلامية التي كانت تأمل في يوم من الأيام تهميشها.

ومع توجه الولايات المتحدة نحو القمة التي يأملون أن تنهي الحرب الأهلية في سوريا, تجد إدارة أوباما نفسها بعيدة عن قوات المعارضة التي حاولت وفشلت في توحيدها على مدار العامين السابقين.

في المقابل, بدأت إدارة أوباما بالتواصل مع المتمردين السوريين الذين يحملون أجندة إسلامية ويتلقون الدعم من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل السعودية التي تعارض الولايات المتحدة بصورة مباشرة.

محادثات السلام المزمع عقدها الشهر القادم في جنيف سوف تتضمن الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة ونظام بشار الأسد واطراف مختلفة من المعارضة السورية المشتتة, وربما حتى إيران. ولكن من أجل نجاح هذه المفاوضات لا بد أن توافق جميع الأطراف على وقف إطلاق النار.

في مؤتمر السلام الأخير الذي عقد في جنيف في يوينو 2012, كان لدى الولايات المتحدة بعض الروافع مع المعارضة السورية وأقنعت قادة المتمرد المعتدلين بالقبول بما يعرف “باتفاق جنيف”, وهو اتفاق يضع أسس المرحلة الانتقالية في سوريا في مرحلة ما بعد حكومة الأسد.

ولكن وخلال 18 شهرا منذ مؤتمر جنيف الأول فإن العلاقة بين إدارة أوباما وجماعات المعارضة الرئيسة التي تشمل التحالف الوطني السوري والجيش السوري الحر والمجلس العسكري الأعلى بقيادة الجنرال سليم إدريس تدهورت إضافة إلى تضاؤل نفوذ وسلطة الميليشيات المتحالفة مع الولايات المتحدة داخل سوريا.

عندما تلتقي جميع الأطراف مرة أخرى في يناير, ستجد الولايات المتحدة نفسها تتفاوض لوضع حد للحرب الأهلية السورية وهو الأمر الذي سوف يعزز موقف الأصوليين الإسلاميين الذين كانت الولايات المتحدة تسعى ذات مرة إلى استبدالهم بقادة سوريين أكثر اعتدالا لقتال الأسد.

يقول معاذ مصطفى, وهو المدير التنفيذي لغرفة الطوارئ السورية وهي منظمة أمريكية تعمل عن قرب مع العديد من المجموعات السورية المعارضة :”نحن مضطرون للتعامل مع الإسلاميين حاليا لأننا لم ندعم بصورة صحيحة المجلس الوطني السوري والجيش السوري الحر الأكثر ديمقراطية. هناك تعامل محدود مع المجموعات الإسلامية من أجل حثهم على المشاركة في جنيف 2, وذلك على الرغم من أنهم أوضحوا في الماضي أنهم لا يعترفون بعملية جنيف من الأصل“.

المعارضة المعتدلة أصبحت مهمشة جدا, ويعود ذلك في جزء منه إلى سلسلة من الوعود التي لم تحقق من قبل إدارة أوباما, حيث يلتمس بعض مسئولي حكومة الولايات المتحدة الآن من أعضاء بعض المجموعات الإسلامية المسلحة المشاركة في مؤتمر جنيف, وذلك وفقا للعديد من المصادر المطلعة على المحادثات الجارية.

الحديث إلى جماعات التمرد الإسلامية أصبح ضرورة براغماتية بالنسبة لإدارة أوباما, التي أصبحت عالقة ما بين رغبتها في دعم الجماعات التي تشارك الولايات المتحدة قيمها و إدراكها أن أي اتفاق سلام يجب أن يحظى بدعم المجموعات المتمردة التي تملك نفوذا على الأرض داخل سوريا.

كما أن صعود المجموعات المتطرفة داخل سوريا – خصوصا دولة العراق والشام الإسلامية المرتبطة بالقاعدة – إضافة إلى المكاسب التي يحققها النظام وحلفاؤه المتطرفون, أجبرت زعماء الغرب على مواجهة حقيقة أن هناك حاجة إلى المجموعات الإسلامية غير المتطرفة وغير الديمقراطية لضمان أن الإرهاب لن يهيمن بصورة كاملة على الثورة السورية.

يقول مصطفى :”القاعدة وحزب الله هم الخصوم الحقيقيون, والمجموعات الإسلامية تمثل أفضل ترياق لهما“.

واجه المجلس العسكري الأعلى العديد من النكسات الكبيرة في الأسابيع الأخيرة وذلك لنقص الموارد وإعادة تنظيم صفوف المجموعات المقاتلة على الأرض تحت راية أربع منظمات إسلامية رئيسة وهي: لواء التوحيد ولواء أحرار الشام وصقور الشام وجيش الإسلام. هذه المجموعات الأربعة شكلت تحالفا جديدا الشهر الماضي, وذلك بعد مقتلعبد القادر الصالح أحد قادة المتمردين, حيث أصبحت تشكل مركز ثقل جديد للتمرد المسلح.

في هذه الأثناء, فإن المجلس العسكري لا زال يخسر المقاتلين لصالح الجماعات ذات التسليح الأفضل. إدريس اعترف بموقفه الضعيف في مقابلة أجرتها معه صحيفة واشنطن بوست مؤخرا, حيث اعترف فيها أن الجيش السوري الحر قلل من أهدافه التكتيكية كثيرا ولم يعد يركز على السيطرة على الأراضي.

بوب كوكر, أرفع عضو جمهوري في لجنة العلاقات الخارجية, توجه إلى السعودية الأسبوع الماضي للقاء مسئولين للحديث حول الأزمة السورية. في مقابلة تمت معه في المنطقة, أخبر الدايلي بيست أن وعود الولايات المتحدة بعدم تهميش المعارضة السورية المعتدلة لم تتحقق, مما تسبب في حالة استياء عامة وبالتالي دفع الحلفاء ليأخذوا الأمور بأيديهم من خلال تسليح المزيد من المجموعات المسلحة.

يقول كروكر :”أنا أعلم تماما أن هناك مجموعات كانت أكثر فعالية على الأرض وفي محاولة لتغيير التوزان على أرض المعركة, فإن هناك بعض الدول تتعامل مع هذه المجوعات التي تقتصر أهدافها على زوال الأسد. إنهم يشعرون بذلك بسبب ما حصل العام الماضي, وهذه هي الوسيلة التي يجب أن يتبعوها“.

إدارة أوباما كانت وعدت بزيادة الدعم العسكري للجيش السوري الحر وذلك بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية بشكل كبير في أغسطس الماضي, ولكن هذا الوعد لم يتحقق منه إلا النزر اليسير. كما تركت الإدارة الأمريكية الجيش السوري الحر في موقف سيء بعد أن أعلنت أنه سوف يكون هناك ضربات عسكرية محدودة ضد الأسد ومن ثم ألغيت الضربة بعد التوصل إلى اتفاق مع الأسد للتخلص من ترسانة أسلحته الكيماوية.

أما الضربة الأخيرة التي وجهت للمعارضة فقد تمثلت في اتفاق 5+1 مع إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي, وذلك وفقالكروكر وآخرين.

يقول كروكر :”ما من شك أن الاتفاق الإيراني رفع من معنويات النظام وشكل ضربة للمعارضة. تخفيف العقوبات سوف يسمح بتدفق المزيد من المال لسوريا من قبل إيران, لذلك سوف يكون هناك تأثير ملموس إذا رفعت العقوبات, هذه الأموال ربما تنتهي في أيدي مجموعات مثل حزب الله الذي يقاتل على الأرض في سوريا“.

أُبي شهبندر, الذي كان مسئولا في البنتاغون والذي يعمل حاليا مستشارا للمعارضة السورية الآن كان أكثر صراحة.

يقول شهبندر :”العديد من السوريين يشعرون أن صفقة إيران أظهرت استعداد الغرب لتسليم سوريا لقوات القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله المحتلة. مما يشجع كلا من الأسد وحزب الله. إن هناك حاجة لتجديد الالتزام لوضع حد للتوسع الإيراني في سوريا والمنطقة“.

مشاركة إيران المحتملة في محادثات جنيف 2 ربما تشكل إهانة جديدة للمعارضة السورية التي لا زالت تسعى إلى التعاون مع الولايات المتحدة والغرب. وقال عضو اللجنة الدائمة لاختيار مدير المخايرات مايك روجرز لصحيفة دايلي بيست إنه لا يعتقد أن إيران يجب أن تشارك في المؤتمر.

وأضاف :” لا أعتقد أن إيران وسيط نزيه في سوريا بأي درجة من الدرجات. إنهم يدعمون حزب الله ويعطونه السلاح والمعلومات المخابراتية. وهذا لن يؤدي إلى نتيجة كبيرة. لا يمكن أن نستمر في تنفير حلفائنا في المنطقة, للحصول على صفقة فقط“.

وقال مسئول في وزارة الخارجية إن إيران سوف تدعى إلى المؤتمر إذا دعموا علانية اتفاق جنيف 1, الذي يدعو إلى تشكيل حكومة إنتقالية تستلم السلطة ويتم الترتيب بعدها لانتخابات رئاسية. الولايات المتحدة وروسيا مختلفتان ما إذا كان يتوجب أن يكون لهذه الحكومة صلاحيات تنفيذية خلال الفترة الانتقالية أم لا.

حيث قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين بساكي :”إن الأمر يتعلق بتبني اتفاق جنيف, الذي لم تتحقق شروطه لحد الآن. إذا طبقوه فإننا سوف نقيم ما إذا كنا سوف ندعم أو لا ندعم توجيه الدعوة إلى إيران لحضور المؤتمر“.

بالنسبة للعديد من الخبراء, فإن موقف إدارة أوباما أكثر توافقا مع نظام الأسد وحلفائه عما هو مع المعارضة.

يقول جيم هوبر, وهو دبلوماسي سابق في دمشق :”صواب أو خطأ, فإن الإدارة تنظر إلى أن الجهاديين هم العدو الحقيقي. وما يفضلو أن يروه هو أن يعمل المعتدلون مع النظام ضد المتطرفين الحقيقيين. والإيرانيون يفضلون رؤية ذلك أيضا“.

دعم إدارة أوباما للتوصل إلى حل دبلوماسي الآن, وفي ذروة ضعف المعارضة, لن يكون بالضرورة في صالح المعارضة, وهم يعرفون ذلك تماما. بالنسبة للمعارضة فإنه فخ. ولا يمكن لهم أن ينتصروا. فلا يمكنك أن تسترد على طاولة المفاوضات ما خسرته في أرض المعركة“.

دايلي بيست

قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

نكسة في عز الإعداد المحموم للمؤتمر واشنطن وجنيف – 2 أمام مأزق المعارضة/ روزانا بومنصف

يعد اضطرار اللواء سليم ادريس رئيس اركان “الجيش السوري الحر” الى ترك مقره في شمال سوريا والمغادرة الى تركيا او الدوحة ضربة مباشرة الى العاصمة الاميركية وجهودها في الازمة السورية باعتبارها وضعت كل رهاناتها مبدئيا عليه علما انها تتحمل وحدها المسؤولية في تراجع من تعتبره معارضة معتدلة. اذ هي قالت بوجوب التوظيف في هذه المعارضة ومضت في الاشادة بإدريس تمهيدا لجعل هذه المعارضة بديلا من النظام ورئيسه في حين انها لم توظف ما هو كاف لمساعدتها فأخلّت مرارا بوعود قطعتها بتقديم أسلحة ومعدات عسكرية كان أبرزها في الربيع الماضي ثم عزفت عن ذلك. وكانت شخصيات ووسائل اعلام اميركية سباقة في القاء اللوم على ادارة الرئيس باراك اوباما لاخلالها بالتزام دعم المعارضة المعتدلة مما ساهم في ترك الساحة للمتشددين. اذ رفعت واشنطن سقف الآمال والتوقعات في نهاية آب الماضي ايضا حين أعلن الرئيس أوباما عن ضربة عسكرية للنظام وعدل عنها في الصفقة التي ابرمها مع روسيا وقضت بنزع السلاح الكيميائي لدى النظام. وتواجه واشنطن التحدي في شكل خاص في ظل الاعداد المحموم لانعقاد مؤتمر جنيف – 2 في 22 كانون الثاني المقبل وعشية اجتماع مرتقب بينها وبين روسيا والامم المتحدة من اجل الاتفاق على توجيه الدعوات وتقرير من سيحضر وسائر الامور الاجرائية. وقد سارعت واشنطن ولحقت بها بريطانيا في الاعلان عن وقف المساعدات غير القاتلة التي كانت تقدمها الى شمال سوريا باعتبار ان هذه المساعدات وقعت في يد المعارضة غير المعتدلة بغض النظر عن مدى فعالية هذه المساعدات للمعارضة. لكن التحدي بالنسبة الى واشنطن يتمثل وفق ما يرى مراقبون ديبلوماسيون في كيفية الدعوة الى مؤتمر جنيف – 2 في ظل تطورات لا تنحو في الاتجاه الذي يؤمل من هذا المؤتمر ان يؤدي اليه. فعلى غير ما اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري في قطر في ايلول الماضي في اثناء جولة له في المنطقة حين قلل من أهمية المكاسب والجولات العسكرية على الارض لجهة ان الانتقال السياسي هو السبيل الوحيد لانهاء الازمة السورية في حين تشتد المعارك من أجل تعزيز المواقع وكسب الاوراق على نحو لا يسمح لمؤتمر جنيف ان ينقض او يأتي بنتائج مخالفة للواقع الميداني. لكن مؤتمر جنيف – 2 قد يكون بات في مأزق اكبر ليس بناء على هذا الواقع فقط بل لجملة اعتبارات من بينها سيطرة جهات اسلامية على المعارضة السورية المعتدلة في الوقت الذي رفضت واشنطن حتى الامس القريب الاعتراف والتحاور مع هذه الجهات على رغم عدم ارتباطها بتنظيمي داعش والنصرة المتطرفين. يضاف الى ذلك رفض هذه المعارضة المتمثلة في الجبهة الاسلامية العريضة التي تألفت الشهر الماضي وجمعت مجموعة تنظيمات اسلامية الذهاب الى جنيف – 2 والاعتراف به. ويتعين تاليا على الولايات المتحدة ان تتحدث مع هذه الجهات التي تضع شرطا وحيدا هو تنحي الاسد من اجل ان توافق على المشاركة في المفاوضات في مؤتمر جنيف – 2 او مؤتمر مونترو بناء على نقل المؤتمر الى مدينة مونترو السويسرية بدلا من جنيف.

ويتابع المراقبون عن كثب تحديات واشنطن على هذا الصعيد خصوصا، باعتبار ان روسيا تدعم مع ايران النظام السوري بأهداف واضحة، في حين ان الكرة في ملعبها في جنيف – 2 بغض النظر عن واقع عدم مراهنة كثر على المؤتمر لانهاء الازمة السورية وعلى رغم عدم ايلاء الادارة الاميركية اهمية قصوى للازمة السورية. لكن التساؤلات تتركز عما اذا كان الاعتماد على المعارضة التي تمثلها الجبهة الاسلامية سبيلا ناجعا للملمة المعارضة صاحبة النفوذ على الارض ودفعها الى تسلم زمام الامور في المفاوضات مباشرة او بالواسطة ام ان الارتباك في التطورات الميدانية قد يفضي الى ارجاء جنيف – 2 لئلا تأتي نتائج متسرعة او غير مضمونة. وتنسحب التساؤلات في الوقت نفسه على اضطرار الولايات المتحدة الى اللعب بقواعد الدول الاقليمية او ترك الميدان السوري للدول الاقليمية بين تنظيمات مدعومة من ايران تحارب الى جانب الاسد وتؤمن صموده وبين جبهة اسلامية معارضة مدعومة بدورها من دول اقليمية طمحت الى توحيد جهود الثوار وتقف في وجه الفريق الآخر.

النهار

متغيّرات تمهّد الطريق إلى “جنيف 2/ عبد الوهاب بدرخان

سواء عُقد “مؤتمر السلام” من أجل سوريا في موعده المحدّد 22يناير 2014، أو متأخراً قليلاً، هناك اقتناع لدى المعنيين بأن العملية السياسية التي أدارت جدلاً صاخباً منذ ستة شهور على الأقل توشك أن تصبح واقعاً، مهما طرأت تعقيدات جديدة. فعلى مستوى التنظيم والإدارة وضعت ماكينة الأمم المتحدة خطة مفصلة للسيناريو الذي سيُتّبع في التفاوض، كما أن الجهاز السياسي يعمل بتنسيق مباشر مع الجانبين الأميركي والروسي بشكل خاص، لأن تفاهماتهما هي التي ستقود وجهة المؤتمر. وتعترف مصادر في حكومات غربية وعربية بأنها لم تُبلّغ بمضمون التفاهمات، ولا تعرف إذا كانت مكتوبة وثابتة، أم أنها مجرد عناوين مستخلصة من محاضر مناقشات تبادلها الطرفان.

ثمة عناصر أساسية جعلت التطوّرات تتسارع على هذا النحو لتضع جميع الأطراف السورية أمام استحقاق “جنيف2″، باعتباره فرصة لها جميعاً، حتى مع اختلاف ظروفها على الأرض:

أولاً: كان استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي أدى إلى تهديد بضربات صاروخية لقواته واكبتها تحذيرات من حرب إقليمية أوسع، ثم كان الاتفاق الأميركي- الروسي على تدمير الترسانة الكيماوية للنظام، وتحوّل الاتفاق قراراً صادراً عن مجلس الأمن، وفيه بنود عدة تنص على حل سياسي وفقاً لـ “بيان جنيف” الذي يختصر الحل بالبدء بإنشاء “هيئة تنفيذية ذات صلاحيات كاملة” تشمل أيضاً المؤسستين الأمنية والعسكرية.

ثانياً: جاء تحسّن الوضع الميداني لقوات النظام، بفعل تدخّل قوات إيرانية ومقاتلين من “حزب الله” اللبناني وميليشيا “أبو فضل العباس” العراقية، ليطرح احتمال نسف الحل السياسي والجنوح إلى حل عسكري، مع ما يعنيه ذلك من فتح صراع طويل، فضلاً عن استحالة الاستثمار السياسي لأي مكسب عسكري بمعنى استعادة النظام السيطرة والحكم.

سبق هذا التطوّر الميداني ورافقه تصاعد لنفوذ المجموعات المتطرفة، ومنها ما يدين بولاء معلن لتنظيم “القاعدة” الإرهابي كـ “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) وبعض أجنحة “جبهة النصرة”. لذلك أصبح لدى الدول الكبرى هاجس رئيسي يتجاوز الرغبة في تنحي رئيس النظام، خصوصاً أن شبهات كثيرة تحوم حول ظروف انتشار هذه المجموعات وعلاقة النظامين السوري والإيراني، ثم أن وجودها زاد الفوضى في المناطق التي كانت تعتبر تحت سيطرة المعارضة المعروفة والموصوفة عموماً بـ”المعتدلة”.

4-لم يكن مجرد صدفة أن ينتظر الأمين العام للأمم المتحدة كل هذا الوقت ليعلن عن موعد انعقاد “جنيف 2” بعد أربع وعشرين ساعة على التوصّل إلى اتفاق بين إيران والدول الكبرى بشأن فرملة البرنامج النووي الإيراني. ولعل تفاهمات الولايات المتحدة وروسيا هي التي ربطت بين الحدثين، فما أن أُعلن “الاتفاق النووي” حتى أجازا تحديد الموعد، رغم أن المعلومات كانت تشير إلى كثير من العراقيل التي لم تبدّد بعد.

ومع اقتراب الموعد أكثر فأكثر، بدأت متغيّرات أخرى تتبلور ليس أقلّها أن الائتلاف السوري المعارض يعيد باستمرار صياغة شروطه للمشاركة في المؤتمر رغم صعوبة مهمته مع فصائل الداخل، التي لا يزال معظمها يشهر الرفض القاطع لأي مؤتمر أو تفاوض ما لم يتنحَّ بشار الأسد أولاً، ثم أن من المتوقع أن يزور وفد من الائتلاف موسكو بغية التحادث في آفاق “جنيف 2” وفي المطلب الذي تلحّ عليه المعارضة لفك حصاري حمص والغوطة وفتح ممرات للمساعدات الإنسانية، إذ يتولّى الروس إقناعه بتسهيل هذا الإجراء.

لكن أبرز المتغيّرات نجده عند الجانب الأميركي إذ أُعلن عن لقاءات تمّت بين مندوبين أميركيين وفصائل إسلامية “معتدلة” وغير متورّطة في الإرهاب. والأهم ما أبلغه مسؤول أميركي للصحافيين عن تفكير جدّي بفتح قناة للتحادث مع النظام بعدما أصبحت الأولوية لـ “محاربة الإرهاب”، من دون أن يعني ذلك أن واشنطن غيّرت تقويمها السياسي للنظام أو لرئيسه، وقبل ذلك كانت القوات النظامية تلقّت تحذيراً مهمّاً عندما أوقف تقدمها في الغوطة الجنوبية بهجوم مباغت شنّته قوات معارضة مزوّدة بأسلحة وتجهيزات متطورة، ما أنذر دمشق بأن القوى الداعمة للمعارضة يمكن أن تفاجئها إذا اقتضى الأمر.

الاتحاد

اتفاقان… ولكن في وقت واحد ولهدف واحد!/ محمد مشموشي

مثلما هي الفترة الزمنية واحدة (ستة أشهر) في الاتفاق الدولي مع سورية لتدمير ترسانتها من الأسلحة الكيماوية وفي الاتفاق الدولي الآخر مع ايران حول برنامجها النووي، كذلك هو المعنى السياسي للاتفاقين ولما بعدهما، وإن لم يتم النص على ذلك في شكل صريح. والمعنى هذا، كما قال أكثر من طرف دولي معني بهما، هو اختبار حسن النيات لدى النظامين في دمشق وطهران قبل الانطلاق إلى البحث في الخطوة التالية.

في الوقت ذاته، ليس خافياً أن الاتفاقين يكادان يكونان اتفاقاً واحداً: أولاً، لجهة علاقتهما بما يتفق المجتمع الدولي على اعتباره سلاحاً محظوراً لا يجوز امتلاكه أو استخدامه، وثانياً لأن الدولتين المعنيتين تقفان في الخندق ذاته في ما تصفانه بـ «حلف استراتيجي» من جهة وبـ «محور المقاومة والممانعة» من جهة أخرى، فضلاً عن قتالهما معاً وعلى امتداد ما يقرب من ثلاثة أعوام دفاعاً عن حكم استبدادي عائلي وراثي، في مواجهة ثورة شعبية شبه شاملة ضده.

كذلك ليس من دون دلالة أن الاتفاقين عقدا في آن تقريباً، وفي ظروف سياسية واقتصادية وعزلة دولية واحدة لكلا البلدين، إذ تبيّن ما وصف بـ «جنيف1» النووي الإيراني، أن المفاوضات السرية في شأنه (بين الولايات المتحدة وإيران في سلطنة عمان) كانت بدأت وتوصلت إلى نتائج محددة قبل مبادرة نظام دمشق، باقتراح من حليفه الروسي، إلى عرض التخلي عن أسلحته الكيماوية والانضمام إلى معاهدة حظر انتشارها.

إذاً، أية علاقة مباشرة، أو غير مباشرة، بين «جنيف1» النووي الإيراني و»جنيف2» السياسي السوري المقرر مبدئياً في 22 كانون الثاني (يناير) المقبل؟

إنها ما وصفه المجتمع الدولي بـ اختبار حسن النيات» أولاً وقبل أي شيء آخر.

بالنسبة إلى النظام السوري، لا حاجة للتدليل على انه تصرف منذ قراره التخلي عن الأسلحة الكيماوية كما لو أنه حافظ على بقائه في السلطة، ليس فقط من زاوية النجاة من «الضربة العسكرية» التي هدده بها الرئيس الأميركي باراك أوباما، إنما أيضاً من زاوية أنه عقد «مقايضة» رسمية مع القوة العظمى في العالم والأمم المتحدة باعهما فيها هذه الأسلحة في مقابل استمرار النظام، وحتى أخذ الضوء الأخضر لمواصلة الحرب لإنهاء الثورة بأسلحته التقليدية الأخرى.

عملياً، ليس التصعيد العسكري الذي تمارسه قواته منذ ذلك التاريخ، جنباً إلى جنب حلفائه الإيرانيين وأدواتهم من العراق ولبنان واليمن وأفغانستان، وكذلك حديثه المتكرر عن أنه سيتوجه إلى «جنيف2» لمجرد الاتفاق مع المعارضة على توسيع حكومته بإشراك معارضين فيها، سوى تحدٍّ صريح لكل ما يتعلق بشعار «حسن النيات»، أو حتى الرغبة في دخول الاختبار في شأنه.

أكثر من ذلك، في الوقت الذي يدعي النظام انه سيأتي إلى «جنيف2» من دون شروط وأنه لا يعترض على صيغة «هيئة الحكم الانتقالية ذات الصلاحيات الكاملة» كما وردت في «جنيف1» في 30 حزيران (يونيو) 2012 ثم في قرار ثان لمجلس الأمن في أيلول (سبتمبر) 2013، فإنه يضع شرط بقائه في السلطة وقيادته شخصياً المرحلة الانتقالية كـ «مبدأ ثابت لا مجال للنقاش فيه».

هو ينظر إلى اختبار «حسن النيات» باعتباره يتصل بالتزامه التخلي عن الأسلحة الكيماوية ولا شيء غيره، ويرى في إشادة وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتعاونه في هذا الشأن «شهادة حسن سلوك» لا يحتاج إلى أكثر منها، بل حتى ليس مطلوباً منه غيرها أو أكثر منها!… وفي صلب مقاربته للمجتمع الدولي، أن لا شيء في سورية سوى مسألة الأسلحة الكيماوية التي جرى حلها عبر التخلي عنها. أما اشتراكه في مؤتمر «جنيف2» فهو، اضافة إلى التبرع بضم معارضين إلى حكومته، العمل مع هذا المجتمع لتشكيل ما يسميه «جبهة دولية لمحاربة الإرهاب»، بدءاً من «العصابات المسلحة» التي تقاتله في سورية وصولاً إلى المنطقة كلها.

الأمر ذاته ينطبق على إيران التي تواصل من جهة حربها الخاصة في سورية، من خلال حرسها الثوري ومقاتلي أتباعها اللبنانيين والعراقيين واليمنيين والأفغان، فيما تطالب من جهة ثانية بالمشاركة في «جنيف2» بدعوى أنها واحد من عوامل التسوية لهذه الحرب. والأفدح، أن أحداً في العالم ممن يقترحون إشراكها في المؤتمر، بمن في ذلك الموفد الأممي- العربي الأخضر الإبراهيمي، لم يجرؤ على مجرد التلميح إلى سحب حرسها وخبرائها العسكريين وميليشيات أتباعها من سورية كشرط للحضور، أو أقله كبادرة «حسن نية»، من أجل تبريره.

وشأنها شأن حليفها السوري تماماً، تتعامل إيران مع دول 5+1 التي أبرمت معها اتفاقها النووي، كما لو انه لا مشكلة البتة في المنطقة، ولا بينها وبين دولها بدءاً من الخليج إلى الشرق الأوسط كله، إلا مشكلة ملفها النووي هذا الذي تعتبر أنها حلّته أو تتجه إلى حله.

وهي بخطابها السياسي المحلي، كما قال رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني علناً، تمكنت من إنقاذ نفسها من أزمة اقتصادية خانقة والعودة إلى حظيرة الأسرة الدولية بعد عقود طويلة من العزلة. أما إقليمياً، وعربياً في شكل خاص، فلا دليل على أن شيئاً تغيّر في سياستها سواء على صعيد تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول الأخرى أو على صعيد مد اليد جدياً (بعيداً من الكلام المعسول الذي لا ترجمة عملية له) لبناء نظام إقليمي يراعي مصالح دوله كلها ويساعد في إرساء الأمن والاستقرار في المنطقة.

هذا هو المشهد السياسي الإقليمي حالياً: نظامان، في سورية وإيران، يقدمان نفسيهما إلى العالم في صورة دولتين متعاونتين مع المجتمع الدولي، تعقدان معه اتفاقين تتخليان فيهما تحت عنوان «حسن النيات» عن برنامجيهما الكيماوي والنووي، ولكن من دون تغيير أو تبديل في الهدف… هدفهما الواحد، في بقاء النظامين من جهة وفي الهيمنة الإقليمية من جهة ثانية.

الأنكى أنهما يظنان، حتى الآن على الأقل، أن هذه اللعبة يمكن أن تمر!

الحياة

معركة جنيف2: تضارب أجندات النظام والثوار

 مركز الجزيرة للدراسات

ملخص

بمجرد أن أعلن الأمين العام للامم المتحدة عن موعد لعقد مؤتمر جنيف2 لتسوية الأزمة السورية، بدأ طرفا الصراع الأساسيان -النظام والمعارضة- يقلبان حسابات الربح والخسارة من مشاركتهما في المؤتمر العتيد والأهداف التي يسعيان إلى تحقيقها من خلاله.

وفي الوقت الذي يبدو فيه الطرفان مدركين لأهمية موازين القوى على الأرض وقدرتها على فرض وقائع أساسية على طاولة المفاوضات، يجري التصرف في حقيقة الأمر وكأن المؤتمر امتداد للصراع أكثر منه محاولة لإنهائه.

مقدمة

بعد مرور أكثر من ستة أشهر على اجتماع موسكو الشهير بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف (7 مايو/أيار 2013)، والذي اتفقا خلاله على عقد مؤتمر دولي جديد لحل الازمة السورية، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 عن موعد محدد لعقد جنيف2. كما حدد كي مون هدف المؤتمر بـ”التنفيذ الكامل لبيان جنيف الصادر في 30 يونيو/حزيران 2012، بما في ذلك تشكيل هيئة حكم انتقالية، بناء على موافقة المشاركين، ذات سلطات تنفيذية كاملة، بما في ذلك على المؤسسات العسكرية والأمنية”.

عقبات تحول دون عقد المؤتمر

لكن النجاح في تحديد 22 يناير/كانون الثاني 2014 موعدًا لعقد جنيف2 وتقرير الغاية منه، بعد أن فشلت كل المحاولات السابقة بهذا الشأن، لا يعني بالضرورة أن المؤتمر سوف ينعقد تلقائيًا في موعده، وذلك نظرًا لاستمرار وجود عقبات كبيرة تحول دون ذلك، وأهمها عدم الاتفاق على قائمة المدعوين سواء كانوا من الأطراف المباشرين للأزمة (أي النظام السوري والمعارضة)، أو بالنسبة للأطراف الإقليمية المؤثرة مثل إيران والسعودية.

كانت الدول الغربية وضعت شرطًا لحضور إيران وهو قبولها بما جاء في بيان جنيف1، أما المعارضة السورية فتشترط أن تقوم إيران بسحب عناصرها وميليشيات حلفائها من سورية -في إشارة إلى حزب الله ولواء أبي الفضل العباس الذي يضم في غالبيته عناصر عراقية شيعية- قبل أن توافق على حضورها المؤتمر.

كما أن هناك مشكلة تمثيل المعارضة المنقسمة بين داخل وخارج وعلماني وإسلامي ومعتدل ومتطرف ورافض للمؤتمر وموافق على عقده، وغير ذلك من انقسامات، فضلاً عن مشكلة اختيار النظام لشخصيات تمثله تكون مقبولة من جهة وصاحبة قرار من جهة أخرى. بيد أن المسألة الأعقد تبقى في عدم الاتفاق على جوهر العملية التفاوضية؛ ففي حين تقول المعارضة إنها تذهب إلى جنيف2 لتنفيذ البنود الستة لجنيف1 وليس للتفاوض عليها، وعلى رأس ذلك موضوع تسليم السلطة إلى حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، يرفض النظام هذا التفسير ويقول إنه لن يسلم السلطة تحت أي ظرف. أما الراعيان الأساسيان فيعتبران أن جنيف2 يهدف إلى تشكيل حكومة انتقالية من النظام والمعارضة ومهمتها الأساسية هي محاربة الإرهاب -بمعنى الجماعات الإسلامية “المتشددة” في سورية.

هناك إذن عقبات كبيرة ينبغي تذليلها قبل الجزم بأن المؤتمر سوف ينعقد فعلاً في موعده. مع ذلك، هناك ما يشبه الإجماع الإقليمي والدولي على عدم وجود حل عسكري للصراع في سورية وأن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد لحل الأزمة لاستحالة قبول أي طرف بالهزيمة من جهة ولأن مصالح الدول الكبرى خاصة واشنطن تمنع بإصرار أي حسم على الأرض من جهة أخرى، على اعتبار أن ذلك سوف يؤدي إلى انهيار كامل لمؤسسات الدولة السورية خاصة الجيش وأجهزة الأمن؛ ما يؤسس لفوضى شاملة ويجعل البديل لنظام الأسد هو جماعات إسلامية متطرفة، وهو ما يتطابق أيضًا مع الرؤية الروسية لديناميات الصراع في سوريا. من هنا يبدو الاهتمام الدولي بعقد جنيف2، خاصة بعد صفقة الكيماوي وإنهاء أحد مظاهر القلق الأميركي في الأزمة السورية، ليُصار إلى إنهاء عنصر القلق الآخر وهو محاربة التنظيمات الإسلامية “المتطرفة” ومنع تحولها إلى عامل يهدد مصالح أميركا وحلفائها في المنطقة. وكان وزير الخارجية الأميركي جون كيري جدد تأكيده على هذا الهدف مباشرة عقب الإعلان عن موعد عقد جنيف2 بقوله:  “لاحتواء التهديد المتزايد للتطرف والمقاتلين الأجانب داخل سورية، لا يمكننا تأخير العمل على إقامة حكومة انتقالية”.

حسابات النظام حول جنيف2

لا يُعتبر جنيف خيار النظام الأفضل فهو ما زال من جهة يؤمن بأن بإمكانه القضاء على الثورة بالطرق العسكرية وهو رهانه منذ اليوم الأول لبدء الأزمة، لكنه لا يُخفِ من جهة أخرى خشيته من الإصرار الدولي على تنفيذ بنود جنيف1 لإنهاء النزاع الأكثر دموية وخطورة في العالم اليوم؛ ما يعني عمليًا تخليه عن السلطة. مع ذلك يعتقد النظام أن بإمكانه الاستجابة لضغوط حلفائه (الروس خاصة) لحضور المؤتمر وفي الوقت نفسه تحقيق بعض المكاسب، خاصة وأنه بدأ يردد أن هدفه من المشاركة يتطابق مع الرؤية الأميركية في أنه ذاهب إلى جنيف لتشكيل “حكومة شراكة وطنية بهدف محاربة الإرهاب في سورية”.

لذلك فإن من أهم المكاسب التي يأمل النظام تحقيقها من خلال المشاركة في المؤتمر، التحول إلى جزء من الأجندة الدولية لمحاربة “التطرف” ليعزز بذلك ما كان حققه من خلال “صفقة” تسليم الكيماوي، والتي اعتُبرت، في أحد أوجهها، تأهيلاً أميركيًا للنظام بعد أن جرى إضفاء الصبغة الدولية عليه من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2118 والذي جعل النظام طرفًا في اتفاقية دولية تهدف إلى تفكيك وتسليم وتدمير السلاح الكيماوي.

فضلاً عن ذلك، سيسعى النظام إلى استخدام العملية التفاوضية، في تمثل للسياسة الإسرائيلية المعروفة، لشراء الوقت لتغيير الوقائع على الأرض ومحاولة هزيمة المعارضة المسلحة، وهو ما أشار إليه بشار الأسد من أن العمليات العسكرية ضد “الإرهاب” ستستمر خلال المفاوضات في جنيف. كما يأمل النظام في الأثناء بحصول تفاهم إيراني-أميركي شامل بعد الاتفاق النووي المرحلي في جنيف؛ وهو أمر يعتقد أنه سيعزز من فرص استمراره، وقد عبّر عن ذلك بوضوح بشار الأسد في معرض تعليقه على الاتفاق النووي خلال مكالمة هاتفية هنّأ فيها الرئيس الإيراني حسن روحاني على ما وصفه “بالإنجاز التاريخي”.

وسيكون أحد أهداف النظام الرئيسة من المشاركة في مؤتمر جنيف تمزيق صفوف المعارضة أكثر مما هي ممزقة؛ فمن خلال إصراره على حضور معارضة الداخل بما فيها تلك المحسوبة عليه أو القريبة منه، إنما يسعى إلى ضرب المعارضة ببعضها من جهة، بما يجعل المشكلة تبدو وكأنها بين أطراف المعارضة وليس بينه وبين الشعب السوري الثائر على حكمه. كما يمكنه، من جهة أخرى، تكريس الصورة الرائجة أصلاً من أن هذه المعارضة لن تستطيع أن تمسك البلد وأن البديل عنه هو الجماعات الإسلامية المتطرفة الأكثر تنظيمًا وتماسكًا. بالمثل، سوف يسعى النظام عبر جنيف إلى كشف عدم قدرة المعارضة على تمثيل الشارع السوري حتى الثائر منه، وعدم قدرتها على السيطرة على الفصائل المسلحة وإلزامها بأي اتفاق يمكن التوصل إليه.

أخيرًا، يرمي النظام من خلال جنيف إلى تغيير النظرة إليه من سلطة غاشمة ينبغي عليها الرحيل والخضوع للمحاسبة، إلى طرف أساسي يجب أن يتشارك مع الآخرين في السلطة، وأن تتم التسوية وفقًا لذلك بين أطراف حرب أهلية متساوين في تحمل المسؤولية عن المجازر التي ارتُكبت. ينتج عن ذلك أن الاستقرار لن يتم إلا وفق الصيغة اللبنانية؛ حيث ينبغي تناسي ما حصل من قتل وتدمير وتهجير إذا كان للسلام أن يحل.

رغم أن جنيف قد يعطي النظام فرصة لتحقيق بعض أهدافه نظرًا لتمرسه في التفاوض وكواليس العمل السياسي والدبلوماسي، مع ذلك لا ينبغي التقليل من حجم التحديات التي يفرضها جنيف عليه. فإذا تمكنت المعارضة من توحيد صفوفها وتحديد أهدافها ومطالبها وتمكنت من تقديم نفسها كبديل مقنع للنظام، وإذا تمكنت من حشد الدعم الدولي الكافي لإجبار النظام على تقديم تنازلات حقيقية بقصد تشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع، كما قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، بصلاحيات تنفيذية كاملة بما فيها على الجيش والأجهزة الأمنية؛ فهذا يعني بداية نهاية النظام فعليًا.

حسابات المعارضة حول جنيف2

في ظل حال التشرذم والانقسام لا يشكّل جنيف خيار المعارضة الأفضل أيضًا، مع أن الأمور تصبح هنا أكثر تعقيدًا نظرًا لصعوبة تحديد المعارضة؛ فهناك جزء من معارضة الداخل ممثلة بهيئة التنسيق يرغب بقوة في عقد جنيف والمشاركة فيه، لأنه السبيل الوحيد الذي يعطيها شرعية ويعترف بها كطرف في الأزمة السورية. وهناك الائتلاف الوطني الذي يبدو غير قادر على حسم موقفه حتى الآن، وهناك المعارضة المسلحة الإسلامية والفصائل المنضوية تحت قيادة هيئة أركان الجيش الحر ولكل منها موقف مختلف فيما يتعلق بحضور جنيف أو عدمه؛ ففيما يبدي جزء من الائتلاف (تكتل الجربا-كيلو) استعداده لحضور جنيف، يرفض المجلس الوطني ذلك، وتشاركه هذا الموقف هيئة أركان الجيش الحر، فيما تعتبر فصائل المعارضة الإسلامية (وأهمها الجبهة الإسلامية) حضور جنيف خيانة للثورة وأهدافها، أما المكونات الكردية فلها هي الأخرى حساباتها وانقساماتها.

وإذا انحصر النقاش في موقف الائتلاف الوطني، باعتباره المكون الرئيس للمعارضة السياسية السورية؛ فإن مؤتمر جنيف يشكل تحديًا رئيسيًا له، لكنه يوفر من جهة أخرى فرصة يمكن الاستفادة منها؛ إذ يمكن أن يساهم المؤتمر في تكريس الائتلاف كطرف سياسي ومحاور رئيس عن المعارضة في مواجهة النظام الذي ظل يرفض الاعتراف به بهذه الصفة. لقد تمكن الائتلاف الوطني خلال عام من تأسيسه من الحصول على اعتراف دولي وعربي يتراوح بين اعتباره ممثلاً شرعيًا وحيدًا للشعب السوري، ومنحه مقعد سوريا في مجلس الجامعة العربية، إلى اعتباره محاورًا رئيسًا في الأزمة السورية في الحد الأدنى وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262 للعام 2013. رغم ذلك، ما زال النظام يرفض الاعتراف بالائتلاف كممثل سياسي للثورة ويصف المعارضة المسلحة بالعصابات الإرهابية. إن جلوس النظام مع ممثلي الائتلاف الوطني والمعارضة المسلحة سوف يشكّل مكسبًا مهمًا على اعتبار أن ذلك ينتزع اعترافًا من النظام بوجود معارضة سياسية وعسكرية ذات شرعية وتمثل جزءًا مهمًا من الشعب السوري؛ ما يشكّل خطوة أولى نحو كسر احتكار النظام لادعاء تمثيل الشعب السوري، ويترتب على ذلك بطبيعة الحال تنازلات مهمة يجب تقديمها.

إضافة إلى ذلك، وفي ظل عدم إمكانية تحقيق حسم عسكري على الأرض، نتيجة وجود إرادة دولية تحول دون ذلك، يبدو جنيف خيارًا ينبغي استكشافه لتحقيق ما عجز السلاح عن تحقيقه. من هنا يمكن للمعارضة، إذا نجحت في توحيد صفوفها والتسلح بالخبرة والكفاءة السياسية والمهارات الدبلوماسية والتفاوضية والاستفادة من حجم الدعم العربي المتوفر والضغط العسكري للفصائل المسلحة على الأرض، أن تحصد نتائج ولو محدودة لثلاثة أعوام من التضحيات، وتقدم من ثم للشعب السوري بعض الإنجازات التي تمكّنها من تدعيم شرعيتها وتعزيز مواقعها في مواجهة النظام واتهاماته بأنها لا تمتلك تأثيرًا على الأرض.

لا شك بأن المعارضة لديها مخاوف كبيرة ومشروعة من جنيف، خاصة في ظل موازين القوى القائمة حاليًا على الأرض وفي ظل التراجعات العسكرية الأخيرة نتيجة تقلص إمدادات السلاح وتفشي الخلافات في صفوفها في الوقت الذي يتلقى فيه النظام دعمًا لا محدود من حلفائه الإقليميين. كما تخشى المعارضة من أن يكون جنيف فخًا أميركيًا-روسيًا يجري استدراجها إليه للبدء بعملية تفاوضية دون أفق أو جدول زمني أو إطار واضح أو ضمانات دولية لتنفيذ أية نتيجة يسفر عنها المؤتمر. وهناك مخاوف أيضًا من فرض تسوية على حساب دماء الشعب السوري وخدمة لأجندات دولية لا تقيم وزنًا لرغبات السوريين ولا ترتبط بمصالحهم مثل محاربة قوى إسلامية لا يرتاح الغرب لوجودها في سورية. كما تتخوف المعارضة من رفض عدد من أهم الفصائل العسكرية لمبدأ التفاوض مع النظام، ما قد يضعف من شرعيتها التمثيلية ويطرح شكوكًا حول قدرتها على فرض إرادتها على القوى الموجودة على الأرض في حال جرى التوصل إلى اتفاق.

هذه وغيرها هي التحديات التي تواجهها المعارضة، وقد لا تملك ترف التهرب منها عبر مقاطعة جنيف، والظهور بمظهر من يعطّل الحل السياسي أمام المجتمع الدولي. من جهة ثانية، هناك جزء من الشعب السوري قد يريد، في ظل تخاذل المجتمع الدولي عن فعل شيء لإنهاء مأساته، أن يستكشف وسائل أخرى مهما كان حظها من النجاح ضئيلاً لبلوغ ضوء في نهاية النفق المظلم الذي انحدر اليه. فاستمرار القتال دون حسم يعني استمرار التدمير والتهجير والتشريد، ويعني استمرار معاناة المعتقلين في سجون النظام والمختفين قسرًا والمخطوفين، واستمرار معاناة المدن المحاصرة في غوطتي دمشق وأحياء حمص القديمة والتي يتضور أهلها جوعًا دون أن يستطيع أحد الوصول إليهم وفك الحصار عنهم. جنيف2 قد يعطي هؤلاء بصيص نور في نهاية النفق إذا تمكنت المعارضة من فرض الآليات التي يمكن أن تُلزم المجتمع الدولي بدفع النظام السوري إلى تنفيذ بعض المطالب الإنسانية، مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفك الحصار عن المدنيين في المناطق المحاصرة كإجراءات لبناء الثقة قبل انعقاد المؤتمر واختبارًا لجدية النظام والمجتمع الدولي في التوصل إلى حل سياسي للأزمة الدامية.

أفق المفاوضات

يشكّل جنيف2 تحديًا كبيرًا لأطراف الأزمة السورية حتى على مستوى قرار المشاركة من عدمه؛ فكل طرف ينظر للمؤتمر من زاوية حساباته الخاصة التي تهدف إلى تعظيم المكاسب ودرء المخاطر. وفيما يبدو امتدادًا لحالة الصراع القائمة، يحاول كل من النظام السوري والمعارضة استجماع ما يملكان من عناصر القوة لتحويل المؤتمر بالاتجاه الذي يسهم في تحقيق أهدافهما؛ فالنظام يسعى إلى استخدام جنيف2 كأداة للعودة بقوة إلى الساحة الدولية والإقليمية من بوابة تحويل صراعه مع شرائح كبيرة من الشعب السوري إلى جزء من الحرب على الإرهاب. أما المعارضة فتحاول استثمار الأجواء المحيطة بالمؤتمر والضغط الدولي لبلوغ تسوية، لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه بالمظاهرات السلمية أولاً وبالعمل العسكري تاليًا، وهو إجراء تغيير حقيقي يلبي تطلعات السوريين إلى الحرية والكرامة. وبين محاولة النظام الحفاظ على بقائه وسعي المعارضة إلى تغييره، لن يشكّل جنيف2 على الأرجح إلا محطة جديدة أخرى في صراع تشير كل الدلائل إلى أنه سيكون طويلاً وأكثر دموية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى