صفحات العالم

مقالات لكتاب عرب تناولت جنيف 2

 طرابلس بديلاً من القلمون و… «جنيف – 2» أيضاً!/ جورج سمعان

يميل المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي إلى طلب تأجيل عقد «جنيف – 2» إلى مطلع السنة الجديدة. كان يميل قبل فترة إلى التخلي عن مهمته، كما فعل باكراً سلفه كوفي أنان، إذا لمس استحالة عقد المؤتمر الدولي. فهل أرجاً استقالته، أم إن جولته كشفت له أن الباب سيفتح أخيراً أمام الأطراف المعنية للجلوس إلى طاولة المفاوضات؟ كان يعرف بالتأكيد أن الطريق إلى جنيف ستبقى مقفلة إذا أصر النظام الذي لم يعترف صراحة حتى الآن بمقررات «جنيف – 1»، على اعتبار خصومه «مجرد عصابات إرهابية مسلحة». وإذا أصر الرئيس بشار الأسد على تكرار نيته الترشح مجدداً لانتخابات الرئاسة ربيع السنة المقبلة. وإذا واصل حملته العسكرية موقناً بتحقيق الحسم، وكان يعرف أن باب التفاوض سيظل مقفلاً إذا واصلت المعارضة السياسية والعسكرية على إعلانها سلفاً «رفض أي دور للرئيس ومجموعته التي تلطخت أيديها بالدماء»، وعلى طلبها ضمانات إقليمية ودولية بهذا المعنى قبل أي حوار أو تفاوض. وإذا أصرت على وجوب تحقيق حد أدنى من التوازن على الأرض. مع العلم أن بعض فصائلها وداعميها أيضاً لا يرى بديلاً من الحسم العسكري، أي أنه لا يؤمن سلفاً بجدوى أي تسوية مع دمشق.

كان المطلوب صدمة كبيرة تقلب هذه الحسابات والمواقف رأساً على عقب. انتظر «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة» الضربة الأميركية وهو يراقب ازدحام البحر الأبيض المتوسط بالبوارج والمدمرات. واستعد لليوم التالي بخطط ومشاريع. لم يكن وحده. استعدّ معه صف طويل من مجموعة «الأصدقاء». وكان يأمل بأن يكسر هذا التدخل الغربي على محدوديته ميزان القوى على الأرض. ولكن، كان ما كان من أمر «صفقة الكيماوي» بين واشنطن وموسكو. وجرت الرياح بما لم تشته سفن كثيرة. ازدادت الأزمة تعقيداً. النظام لم يتعظ بعدما اقترب من شفير الهاوية. بل اعتبر موافقته على تدمير مخزونه «الاستراتيجي» تنازلاً يعزز به شرعيته على وقع الإشادات بتعاونه وسرعة انصياعه لمنطوق الصفقة! وعدّت المعارضة التفاهم بين أميركا وروسيا اختزالاً للأزمة بقضية السلاح الكيماوي، واستهانة بالمطالب التي تقاتل لتحقيقها منذ سنتين ونصف السنة. والأخطر من ذلك أن شركاء كثيرين للولايات المتحدة، أوروبيين وإقليميين، رأوا في تصرف إدارة الرئيس باراك أوباما طعناً لهم واستخفافاً بالشراكة والتحالف والتنسيق المشترك، وتراجعاً عن المواقف التي كانت هذه الإدارة تكررها منذ اندلاع الحرب في آذار (مارس) 2011. وهو ما أثار شكوكاً في سياساتها. من دون الحديث عما استتبع ذلك من بدء حوار جديد في الملف النووي الإيراني على وقع غزل لم يتوقف بين أميركا والجمهورية الإسلامية.

في ظل هذه الأجواء عُقد اجتماع لجنة «أصدقاء سورية» في لندن الأسبوع الماضي. أرادت واشنطن الإفادة من الدينامية التي وفرها التفاهم مع موسكو باستعجال فتح أبواب «جنيف – 2» مع الطرق على أبواب طهران ومفاعلاتها النووية. لكن هذه الدينامية حركت المتصارعين على الأرض في اتجاهات مخالفة تماماً. الرئيس الأسد شكك في احتمال عُقد المؤتمر. هل لأنه لمس جدية الطرفين الكبيرين المعنيين به، واستشرف النهاية التي قد يؤول إليها فتح كل هذه الأبواب؟ وكرر نيته الترشح لولاية جديدة. وبدأ الحديث عن معركة القلمون وامتداداتها اللبنانية. لأن الحسم في هذه الجبهة يرفع التهديد عن دمشق. ويقفل الحدود الغربية في وجه انتقال المقاتلين والسلاح.

ولكن، إذا كان التفاهم الدولي ضاغطاً إلى هذه الدرجة للحد من تمدد نار القلمون إلى لبنان، فلا بأس في أن يؤدي الغرض فتح جبهة طرابلس. ولا حاجة إلى التدليل على رغبة النظام السوري في اشتعال الداخل اللبناني وإشغال العالم بجبهة جديدة تخفف الوطأة عنه، بل ربما استجدت الحاجة إليه للمساعدة في إطفاء هذا الحريق… كما هي الحاجة إليه في تدمير الترسانة الكيماوية! وليس سراً أن اللبنانيين مستعدون لمواصلة تدمير ما بقي من مظاهر الدولة. فهم ليسوا عاجزين عن تشكيل حكومة جديدة فحسب، بل ربما لم يعودوا راغبين في اللقاء. علقوا لقاءهم وتفاهمهم وتعايشهم ومستقبل الدولة والوطن بحرب سورية ومصيرها، وليس بمؤتمر جنيف الذي قد لا يُعقد!

في مواجهة استراتيجية دمشق، لا تبدو المعارضة تقترب من «جنيف» التي لن يأسف عليها «الجيش الحر» إن هي انزلقت إلى جهنم و «بئس المصير»! ومهما ارتفعت وتيرة الضغوط على «الائتلاف» التي ربما رغب بعض أطرافه في تجربة التفاوض لعل وعسى، فإن فصائل المقاتلين على الأرض دونها ودون المؤتمر الدولي بحر من الدماء لا يمكنها اجتيازه بسهولة. وقد عبر عن موقفها وفد المعارضة إلى اجتماع لندن بجملة الشروط قبل انطلاق التفاوض. وعلى رأسها أن يضمن المعنيون أن لا دور للرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، وأن يعملوا على فك الحصار عن مليونين ونصف المليون مدني المحاصرين في الغوطة الشرقية والمعضمية والحجر الأسود وحمص القديمة، وفتح ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية…

اعترف وزير الخارجية جون كيري لشركائه في اجتماع لجنة «الأصدقاء» في لندن بأنه استعجل ولم يشاورهم أو يطلعهم على ما كان يدور بينه وبين نظيره الروسي سيرغي لافروف. ولكن، هل يكفي هذا الاعتراف الذي قرنه بتأكيد أن موقف واشنطن لم يتغير من النظام السوري وأن لا دور للرئيس الأسد في «جنيف – 2» والمرحلة الانتقالية؟ وجد وفد المعارضة «إيجابية» في هذا الموقف الذي تضمنه البيان الختامي. ولكن، هل يلدغ المؤمن من جحر مرتين؟ لم تر المعارضة إلى «صفقة الكيماوي» التجربة الأولى مع السياسة الأميركية. طوال سنتين ونصف السنة وإدارة أوباما تتأرجح بين الوعد بتسليح «الجيش الحر» لكسر ميزان القوى القائم، والتردد متذرعة بألف حجة وحجة. ولا شك في أن تشتت قوى المعارضة سهل لها التوكؤ على ما تعتبره مخاوف مشروعة من وصول أي سلاح نوعي إلى قوى متشددة تنازع الفصائل المعتدلة أو العلمانية السيطرة على الأرض. وهذا أمر واقعي وحقيقي لا لبس فيه. لكنها تتجاهل بالطبع أنها تتحمل جزءاً من المسؤولية عما آل إليه وضع «الائتلاف» عموماً بشقيه السياسي والعسكري. فلا هي تحركت منذ البداية لمنع تسليح روسيا النظام أو لوقف تدخل إيران و «حزب الله» وغيره، ولا ردت بتسليح مماثل لخصوم النظام.

وإذا كانت أميركا لا تزال تشكو أو تتذرع بتشتت المعارضة وتنامي نفوذ المتشددين، فإن هذه المعارضة تدرك أن تردد إدارة أوباما وشركائه الغربيين وشكوكهم وعدم اكتراثهم كانت أحد أبرز الأسباب التي دفعت الأزمة السورية إلى هذا الوضع المقسم والمعقّد. فهل يكفي أن يدعو هؤلاء إلى تسوية سياسية تحفظ لكل المكونات حقوقها وحرياتها، فيما لا يشي مسرح العمليات بأن مثل هذه التسوية ممكنة؟ الطرفان المتصارعان لا يزال كل منهما يخوض الحرب حتى تحقيق الحسم. ويلقى كلاهما دعماً متفاوتاً أو تأييداً من هذا الطرف أو ذاك. وإذا كان مثل هذا الحسم يبدو حتى الآن وهماً في نظر الداعين إلى حل سياسي رسمت «جنيف – 1» خريطة الطريق إليه، فإن الفصائل المتناحرة على الأرض ترسم خريطة مختلفة لمستقبل سورية. فالأكراد الذين كان يفترض أن يلتحق ممثلون لقوى أساسية منهم بـ «الائتلاف» لم يتقدموا بعد. بل جل ما يصبون إليه اليوم هو حماية مناطقهم وتحويلها على غرار كردستان العراق. وهم يقاتلون أنصار «القاعدة» من «داعش» و «جبهة النصرة» وغيرهما. في حين أن هذه القوى تصرف معظم جهودها على إقامة «إماراتها» على طريق إعلان «الدولة الإســلامية في العراق وبلاد الشام». أما «الجيش الحر» والألوية الأخرى التي يفترض أنها تنضوي تحت ما يُسمى المجلس العسكري الأعلى الذي يرأسه اللواء سليم إدريس فيكفيها ما يقوله رئيس أركانها: فلا تنسيق ولا قيادة ولا مال ولا تسليح فعال حقيقي… وبالتالي لا فعالية حاسمة!

خلاصة القول، إن الموقف الغربي والأميركي خصوصاً من الأزمة السورية لا يرقى إلى استراتيجية واضحة، وإلا لما اتصف بهذا الارتباك والغموض والمفاجآت. في حين أن أطراف الصراع يحمل كل منهم استراتيجية واضحة ومحددة: النظام لا يعترف بالمعارضة. ويتصرف مؤمناً بأن خصومه مجرد عصابات إرهابية مسلحة، ويأمل بمواصلة الحكم كأن سورية لا تزال سورية كما ورثها الابن عن أبيه. ولا حاجة إلى شرح موقف طائفته التي نجح في ربط مصيرها ومستقبلها بمصيره. لذلك، لا عجب في أن يتحفظ أركان هذه الطائفة وأقليات أخرى عن أي مؤتمر لا يتمثل فيه الرئيس الذي يرون إليه ضامناً وحيداً لحقوقها بل لوجودها في البلاد. وقد نجح بعض الفصائل المتشددة في تعميق مخاوفها ودفعها إلى الاستماتة في الدفاع عن النظام. والمعارضة تقاتل منذ اليوم الأول من أجل إطاحة النظام بكل بنياته السياسية والعسكرية والأمنية. وتسعى إلى استعادة ما تؤمن بأنه «شرعية» حكم يجب أن تؤول إليها أو إلى الكتلة السكانية الأكبر، أي الطائفة السنّية.

إذا كان ما يهم إدارة أوباما من «جنيف – 2» والتهدئة في لبنان هو مواصلة البناء على «صفقة الكيماوي» في جملة من الملفات الروسية والإيرانية، فيما الحرب تتوسع وتفيض خارج الحدود، فلن تكون هناك فرصة لنجاح هذا المؤتمر… إذا عُقد!

الحياة

الحكيم الافريقي/ ساطع نور الدين

 كلما ازدادت الازمة في سوريا سوءا، كلما اكتسب الاخضر الابراهيمي المزيد من الحكمة، التي سبق ان اختبرت في الكثير من المواضع العربية والافريقية والاسيوية، وحققت نتائج متواضعة.. لكنها لم تفقد الحاجة اليها في حالات الجنون القصوى، لكي يسد فراغا عربيا وعالميا هائلا لا يمكن للامم المتحدة ولا الجامعة العربية ان تعوضه باي حال من الاحوال.

الرجل باحث دائم عن دور الوسيط، والمجتمع الدولي باحث دائم عن رجل مهتم بالوساطة المستحيلة، التي تبدو في معظم الاحيان اشبه بمحاولة تنظيم المراحل الانتقالية بين الحروب العبثية والمفاوضات الفعلية.. التي يجب ان تكون ثنائية، مهما تعددت المظلات واتسعت لتغطي الكثير من المدعوين كشهود على ما يطبخ في الغرف الخلفية او الكواليس بين طرفي الازمة، ومراقبين لحسن سير التنفيذ.

لا تخرج مهمة الابراهيمي الحالية في سوريا عن هذا السياق. هي اشبه ما تكون بدبلوماسية الوقت الضائع، بين الاتفاق الكيماوي وبين جنيف 2 . وهي محكومة باكثر من ثنائية حتى الان: إما ان يكون الحل السوري اميركياً وروسياً، او ان يكون اميركياً ايرانياً، او ان يكون سعودياً ايرانياً، لكنه في النهاية يصبح سورياً سورياً، عندما ييأس النظام من قدرته على الحسم العسكري وعندما تتعب المعارضة من فوضاها السياسية.. وعندما يقتنع الخارج انه آن الاوان لوقف الحرب المجنونة.

جاء الابراهيمي الى الازمة السورية من تجربة ليبية لا يمكن لاحد ان يصفها بالنجاح ابدا، ومن تجارب افريقية مشابهة قاربتها مجموعة حكماء افريقيا التي ينتمي اليها، كانت حصيلتها بائسة ايضا.. ومن تجربة افغانية سابقة اعترف هو بنفسه يوما بانها كانت غريبة الاطوار، ربما بسبب غرابة وباطنية الاطراف الذين كان يتوسط بينهم، مثل حركة طالبان وباكستان واميركا وايران، وهي نفسها التي تخوض هذه الايام مفاوضات ثنائية مباشرة لتنظيم الانسحاب الاميركي من افغانستان العام المقبل، ولا تشعر بالحاجة الى استدعاء الدبلوماسي الدولي المخضرم، والخبير بالتفاصيل الافغانية الدقيقة.

تجربته السورية لن تكون استثناء، ولن تحقق اختراقا. في الدبلوماسية الدولية المعاصرة نظرية مهمة: المسار أهم من المصير. والمؤكد انه ليس هناك بديل من الابراهيمي ومثل هذه الحركة في الفراغ.. التي تكون في العادة تمويهاً للاهمال العالمي او اللامبالاة ازاء المذبحة السورية، وتمثل الحد الادنى من الاهتمام، الذي يمكن ان يحتوي المعارك على جبهات القتال. لكن النتيجة تكون في الغالب معاكسة وتؤدي الى تشجيع المقاتلين على السعي الى الاخلال بموازين القوى، قبل الاعلان المفترض لوقف اطلاق النار.

حكمته الوحيدة حتى الان تتمثل في تحذيره المبكر من ان سوريا تسير نحو الصوملة، التي تعني انهيار الدولة وتفكك المجتمع ودوام الحرب الى ما لانهاية، والتي تحتمل التقسيم، على الرغم من ان المرجح حتى الان، وبرغم تشرذم المعارضة، هو ان من يستولي على دمشق سيتمكن في اليوم التالي من السيطرة على سوريا كلها..عندها يمكن ان تصبح دمشق مثل مقديشو، لكنه لن يكون لها عاصمة سورية منافسة، تقع على الساحل الشمالي مثلا!

“رائعته” الوحيدة، التي ربما صنعت مجده الدبلوماسي العربي والدولي، كانت اتفاق الطائف الذي انهى الحرب الاهلية اللبنانية واستبدلها بحروب اهلية صغيرة لا تنتهي.. والذي لطالما كان حاضرا في خلفية اي نقاش حول المستقبل السوري، مع ان طرفي الصراع هناك ما زالوا بعيدين جدا عن فكرة التسوية وتقاسم السلطة.. وما زالوا جازمين في ان النصر سيكون حليف احدهما. وهو منطق شائع في الخارج ايضا، ولا يستثنى منه سوى الابراهيمي نفسه، الذي يتحدث الان عن عملية سياسية تدريجية تبدأ في جنيف 2، بمن حضر وتكسب زخمها من نفسها، لتصبح قادرة على استدعاء او استحضار جميع المتحاربين يوما ما.

فكرة خيالية، لكنها يمكن ان تصبح عبقرية فقط لانه ليس لها بديل.

المدن

الحرب السورية على طريق الحرب اللبنانية تمهيداً لصفقة أميركية – روسية – إيرانية؟/ اميل خوري

كل شيء يدل حتى الآن على ان الحرب السورية تأخذ شيئاً فشيئاً شكل الحرب اللبنانية وترسم طريق نهايتها. فهي لم تعد حرباً سورية فقط، بل اصبحت حرب الآخرين فيها كما كانت الحرب اللبنانية. ولم تنجح كل المحاولات التي بذلت لوقفها، عربية كانت أم دولية، ولا التوصل الى ايجاد حل لها يرضى به الموالون والمعارضون، وهو ما حصل في لبنان فاستمرت الحرب فيه سجالاً مدة 15 سنة الى أن نضجت طبخة الصفقة الاميركية – السورية. وعندما قضت الصفقة بعقد قمة عربية في الرياض لتشكيل “قوة ردع عربية”، لتوقف الحرب في لبنان، طلب زعماء معارضون من الرئيس الياس سركيس أن تكون القوات العربية التي تشارك فيها متساوية بالعدد تقريباً لا ان تكون المشاركة السورية تفوق مجموع عدد القوات العربية الاخرى. لكن الرئيس سركيس لم يستطع تحقيق ما طلبه هؤلاء الزعماء لأن الدول العربية لم تشارك في “قوة الردع”، الا بأعداد قليلة، فما كان من الرئيس حافظ الاسد الا ان اعلن استعداده لاكمال العدد المطلوب والمقدر بـ25 ألف جندي. وهكذا اصبحت “قوة الردع”، سورية بغالبيتها ثم سورية بحت بعد انسحاب دول عربية مشاركة منها، وأُرْضِيَ الرئيس سركيس بنص يجعل هذه القوة بإمرته… وعندما عاد سركيس من الرياض وهو مسرور بذلك اتصل بالعميد ريمون اده وابلغه ما جرى، لكنه لم يشاركه سروره وضرب له مثلاً بقوله له: لو شئت أنت أن تنقل جندياً سوريا من ساحة البرج الى باب ادريس فكلمة من يسمع، كلمتك أم كلمة الرئيس حافظ الاسد؟! وهكذا حصل ما تخوف منه العميد اده فأصبح لبنان محكوماً بقوة سورية. وعندما تقرر عقد لقاءات في الطائف لوضع دستور جديد للبنان يعيد توزيع الصلاحيات بين السلطات ويحدد دور القوات السورية ومدة بقائها فيه تمهيدا لقيام دولة لبنانية تعتمد على قواتها الذاتية في حفظ الامن والنظام، انقسم النواب والسياسيون بين موافق على حضور تلك اللقاءات ورافض حضورها. وكان العماد ميشال عون وهو رئيس حكومة موقتة والعميد ريمون اده على رأس الرافضين خوفاً من أن تشرعن لقاءات الطائف بقاء القوات السورية في لبنان وتعدل الدستور على نحو غير مقبول، خصوصاً بعدما ابلغ هؤلاء أن في مشروع الاتفاق نصوصاً لا تمس لأن الرئيس حافظ الاسد متمسك بها… وقد تولى السفير الاميركي يومئذٍ حض النواب على حضور لقاءات الطائف تنفيذا للصفقة الخفية المعقودة مع سوريا حول لبنان. وعندما صدر الاتفاق عن لقاءات الطائف انقسم اللبنانيون بين مؤيد ومعارض واضطر البطريرك الكاردينال صفير الى ان يكون من الموافقين عليه بعدما وجد نفسه بين خيارين أحدهما: اما القبول به مع علاته او يعود صوت المدفع… وقد كان تخوف المعارضين لهذا الاتفاق في محله لأن الوصاية السورية على لبنان لم تنفذ منه سوى المقبول منها.

هذه هي طريق سير الحرب اللبنانية من بدايتها الى نهايتها، فهل تسير عليها الحرب السورية اذا ما عقدت صفقة اميركية – ايرانية بموافقة روسية وعدم ممانعة اسرائيلية، خصوصا اذا توصلت هذه الصفقة الى منع ايران من انتاج سلاح نووي؟

يمكن القول إن مؤتمر جنيف – 2 من أجل سوريا قد يكون أشبه بمؤتمر الطائف من أجل لبنان، لكن الشروط المتبادلة بين المعارضين والموالين تحول حتى الآن دون تحديد موعد نهائي له، واذا تحدد فلا شيء يضمن نجاحه ما لم يتقرر استمرار جلساته كما حصل في الطائف الى أن تنتهي الى اتفاق. وقد لا يكون في الامكان اسقاط هذه الشروط، الا بتغيير موازين القوى على الارض، كما صار تغيير موازين القوى على الارض في لبنان فأصبح ما كان مرفوضاً مقبولاً… فاذا قضت الصفقة الاميركية – الايرانية في حال حصولها بأن تتغير موازين القوى لمصلحة النظام السوري، فإن المعارضين يذهبون الى جنيف من دون شروط مسبقة.

في المعلومات أن الولايات المتحدة الاميركية وروسيا متفقتان على اعتماد حل سياسي للازمة السورية يبدأ بالاتفاق على تشكيل حكومة تنتقل اليها كل الصلاحيات وتتمثل فيها كل القوى السياسية الاساسية في سوريا، موالية ومعارضة، ولا يكون للحركات الاصولية والجهادية تمثيل فيها. ومن الآن الى ان يتم التوصل الى هذا الاتفاق، يكون الوضع على الارض تغير لمصلحة هذا الطرف او ذاك أو ظل متوازناً ويكون الرئيس بشار الاسد قد اقترب من نهاية ولايته فيتم انتقال السلطة عندئذ انتقالاً كاملاً وهادئاً الى الحكومة التي نص مؤتمر جنيف الاول على تشكيلها. فلا بد اذا من انتظار ما يجري على الارض بين النظام وخصومه في سوريا لمعرفة صورة ما قد يحصل لجنيف وفي جنيف.

النهار

“جنيف ـ2” مؤجل/ أسعد حيدر

مؤتمر جنيف-2، لن يعقد في الشهر المقبل، والأرجح لن يعقد هذا العام، إلا إذا وقع زلزال سياسي ضخم وغير متوقع. لا تتوافر الشروط الموضوعية والأساسية الواجبة لانعقاد المؤتمر، إلا إذا كانت واشنطن وموسكو تريدان “الصورة” تأكيداً لعدم فشلهما في فرض ما يريدان على القوى الاقليمية.

هذا الفشل المتوقع للثنائي كيري لافروف مؤقت لأن الحل العسكري مستحيل، ولا أحد يريده وإن كان يتمنّاه. موسكو تعرف أن انتصار الأسد وإيران، يعقد دورها ووجودها، ويجعل لإيران حضوراً فاعلاً ومؤثراً أكبر وأقوى منها، ويفتح المنطقة على جملة تغيرات لا يمكن ضبط مفاعيلها وآثارها. موسكو تريد أن يبقى الأسد بحاجة اليها حتى يبقى قرارها مهماً ساعة الحسم.

واشنطن بدورها، لن تقبل بانتصار الأسد وإيران، لأن في هكذا انتصار تغييراً عميقاً وشاملاً لخريطة الشرق الأوسط، لا يمكنها تحمل آثاره ولا انعكاساته على دوائر أخرى حتى في منطقة المحيط الباسيفيكي المهتمة بها. بقاء الأسد بالشروط الايرانية يشكل هزيمة حقيقية للولايات المتحدة الأميركية. مهما بلغ تردد باراك أوباما وضعفه، لا يمكنه أن يستلم ويسلم، منطقة استراتيجية للعالم الغربي، الى موسكو وطهران وحزب الله.

على الأرض حقق الأسد بعض النقاط لصالحه لكنه لم يقلب الوضع ليصير لصالحه.

يومياً يتقدم في موقع ويتراجع في موقع آخر.الحرب في لبنان تتكرر في سوريا، الى درجة أن قاعدة ممنوع أن ينتصر فريق على آخر تتكرر يوميا. المطلوب أن ترهق كل الأطراف الداخلية والخارجية في المواجهات العسكرية والمالية والسياسية، حتى تحضر مؤتمر الطائف أو شبيهه وهي مستعدة للتسليم بما رسم لها سواء كانت أطرافاً سورية أو غير سورية.

الشراسة في المواجهات الميدانية لا تقل عن المفاوضات في الغرف المغلقة. ويبدو واضحاً أن المفاوضات الايرانية الأميركية هي نقطة القطع والوصل في كل الملفات وخصوصاً سوريا. طهران تذكر واشنطن يوميا انها تملك ملفات ولها كلمتها فيها خصوصا في سوريا. وواشنطن تذكر طهران والآخرين ان ورقة الحصار والمقاطعة الاقتصادية ما زالت بيدها وهي لن تتخلى عنها حتى تتسلم بيدها موقفاً ايرانياً واضحاً وثابتاً ونهائياً.

حتى الآن الثقة مفقودة بين واشنطن وطهران. ما يساهم في ذلك، أن قوى محافظة ومتشددة في العاصمتين تصر على صحة مواقفها العدائية. في واشنطن، لم تتورع تيدي تشيرمان وكيلة وزارة الخارجية الأميركية التي كانت ابتسامتها عريضة خلال مفاوضات فيينا حول الملف النووي من القول أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس في معرض جديتها عن عدم القدرة على الثقة بالايرانيين: “نحن نعلم أن الخداع جزء من الجينات الوراثية للإيرانيين”. مثل هذا الكلام العنصري لو قيل مثلاً بحق الاسرائيليين لكانت محاكمتها بتهمة العداء للسامية بعد اقالتها أقل ردود الفعل المتوقعة.

أيضاً بالمقابل في طهران، ما زالت قوى محافظة ومتشددة لا تثق بالأميركيين، ولذلك عمدت الى وضع ملصقات تصور الأميركي بأنه يظهر من الديبلوماسية غير ما يبطن من وجهه البشع المتمرس بالحرب. كما يجري نقاش حاد حول الاحتفال الذي يجب أن يقام بمناسبة الذكرى 33 لاحتلال “وكر الجواسيس” اي السفارة الأميركية، ومن سيخطب فيه حيث تتعدد أسماء من الصف الثاني بين المسؤولين ومن أبرزهم علي شمخاني أمين سر مجلس الأمن القومي.

طبعاً تعمل القوى المعتدلة على احتواء مثل هذه المواقف حيث في واشنطن تم تقديم تفسير ملطف لكلام شيرمان وفي طهران تم اقتلاع الاعلانات التي كانت عادية ضد “الشيطان الأكبر” وأصبحت تشكل اعتداء على مصلحة الدولة وفي الوقت نفسه دعا الرئيس حسن روحاني الايرانيين الى “الوحدة الوطنية” ودعم الحكومة”.

يعرف الجميع أن نجاح المفاوضات الأميركية الايرانية لها استتباعاتها الداخلية خصوصاً في ايران. الواقعية السياسية تفرض قواعدها في واشنطن، ومتى نجحت الادارة في التوصل الى حل يدخل الآخرون في سباقه والتزاماته، لكن ترجمة هذا الحل داخلياً في تأثيره الهام على موازين القوى داخلياً بين القوى المحافظة والمتشددة والقوى الليبرالية والمعتدلة.

أما في طهران، فإن ارتدادات مثل هذا النجاح داخلياً ستكون أكبر وأوسع وأعمق. انتهاء مرحلة المواجهة مع “الشيطان الأكبر”، تفرض تحولات داخلية باتجاه الاعتدال وخارجياً نحو تنفيذ سياسة أكثر هدوءاً وبسلام. باختصار ستؤشر الى دخول إيران عصراً جديداً يضع نقطة نهاية لعصر “تصدير الثورة”.

لكن حتى يقع التفاهم وترسو موازين القوى، فإن المواجهات على مساحة منطقة الشرق الأوسط الكبير من أفغانستان الى سوريا ستزداد حدة.

سوريا، مركز المواجهة… كل نقطة لصالح أحد الطرفين كلفتها تزداد يومياً ارتفاعاً، وأيضاً بلا مبالغة مردودها كبير جداً.

المستقبل

من يريد الذهاب الى جنيف 2؟

رأي القدس

كشفت دورية ‘فورين بوليسي’ الأمريكية عن خلاف بين وزير الخارجية الأمريكي جون كيري وكبار مستشاريه الذين يصرون على الغاء مؤتمر ‘جنيف 2′ حول سورية أو تأجيله، وفي ما يشبه السخرية من موقف الوزير نقلت المجلة عن مسؤول أمريكي كبير قوله ‘إن الشخص الوحيد الذي يريد عقد مؤتمر جنيف هو الوزير’.

المثير للمفارقة ان الأخضر الابراهيمي، المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية لحل الأزمة السورية، كرر عدة مرات أيضا أنه لا يبني آمالاً على العملية السلمية، وهو يؤكد بذلك، من جهة، صحة رأي مستشاري كيري، وهو، من جهة أخرى، يجعلنا نتساءل عن سبب تنقلاته التي لا تنتهي بين البلدان العربية والأجنبية اذا كان لا يرى أملاً في العملية السياسية؟

يستند مستشارو جون كيري الى صورة واقعية لما يحصل في سورية فهم يعلمون أن المعارضة السورية ستفقد أية مصداقية لها عند السوريين لو أنها حضرت دون ضمانات بما اتفق عليه في جنيف 1 من تأسيس لحكومة سورية بصلاحيات كاملة، وهو ما يعني خروج بشار الأسد من الواجهة.

هذا هو حجر الزاوية الذي يمكن البناء عليه بالنسبة لسورية ككلّ وليس بالنسبة للمعارضة فحسب، فالرئيس السوري يتحمّل مسؤولية كاملة عن الدمار الشامل الذي حاق بالبلاد التي تسلّم قيادتها بالوراثة فعرّض شعبها إلى أسوأ كارثة في تاريخه الحديث والقديم.

بغير ذلك فإن المؤتمر سيكون اجتماعاً لتمرير المشروع الروسي المتمثّل باجراء مفاوضات بين بشار الأسد وتشكيلة تضمن تمييع وزن المعارضة الجذرية له المتمثلة بالائتلاف الوطني المعارض (والذي يتعرض لضغط شديد من الحراك المدني والعسكري داخل البلاد)، باضافة قوس قزح من معارضة ‘معتدلة’ (ولكن لا تأثير حقيقياً لها على أطر المعارضة المدنية والعسكرية للنظام) ومعارضات أخرى ‘سكر خفيف’، تم تلفيقها على عجل وتحوّلت إلى أداة دعائية تطلق البالونات الاختبارية لصالح النظام من وقت لآخر.

الائتلاف السوري المعارض ارجأ اجتماعاته الى 9 تشرين الثاني (نوفمبر) بعد أن مورست عليه ضغوط شديدة، ومن ذلك ما يشبه التهديد في قول جيفري فيلتمان رئيس الدائرة السياسية في الأمم المتحدة الذي قال إن ‘عدم انعقاد مؤتمر جنيف 2 يعني ترشح بشار الأسد للرئاسة’، وكذلك قوله ‘شاركت السعودية ام لم تشارك هي تلعب دورها لكن لا يجب ان نربط مشاركة ايران بمشاركة السعودية’، فهاتان النقطتان الصادرتان عن مسؤول أممي كفيلتان بتهديم أية امكانية لمشاركة المعارضة السورية وإبعاد أكبر حلفائها العرب.

سخرية بعض المسؤولين الأمريكيين من الوزير كيري واختلاف مستشاريه معه يظهر الدبلوماسية الأمريكية كما لو كانت ذيلاً للدبلوماسية الروسية التي تعمل جاهدة لإدخال بشار الأسد باعتباره اللاعب الأساسي على الأرض وفي المفاوضات.

أثناء ذلك يعيش السوريون الذين ما زالوا على قيد الحياة، والذين سجّل أكثر من نصفهم تحت خط الفقر وتهجر 8 ملايين منهم داخل وخارج سورية، واعتقل أكثر من مئتي ألف (بينهم اكثر من 40 ألف امرأة)، ويقتل شهرياً ما يقارب 5 آلاف صار عشرات الآلاف منهم في المقابر.

مصير السوريين مظلم لكنّ فكرة تأهيل بشار الأسد أكثر إظلاماً من أي مصير.

القدس العربي

بيروت ممر إلى دمشق للإبرهيمي لافروف يتهيّب تهديدات المنظمات/ خليل فليحان

استعمل المبعوث الأممي والعربي لمعالجة الأزمة السورية الاخضر الابرهيمي بيروت اول من امس ممراً للعبور الى دمشق، بعدما وصلها جواً من طهران وسلك الطريق براً الى سوريا في محطة ثامنة له من جولته التي بدأها بمصر. واللافت انه استعمل قاعة التشريفات التي أمنتها له مديرة المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين، ولم يجر أي اتصال بأي مسؤول فيها، أو بأي مسؤول آخر واكتفى بتداول نتائج جولته، مع المنسق الخاص لمنظمة الامم المتحدة ديريك بلامبلي في تلك القاعة، واطلع منه على الاجواء اللبنانية.

وأفاد مصدر حكومي “النهار” انه لم يُطلب من الابرهيمي أن يتوقف في بيروت بطريق عودته من دمشق حتى ليل امس، لابلاغه طلب لبنان المشاركة في اجتماعات مؤتمر جنيف – 2 في حال عُقد ولاحظ أنه تزامناً مع وصول المبعوث الأممي والعربي الى دمشق، شنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، مهندس جنيف – 1 وجنيف – 2 هجوماً عنيفاً على المجموعات المقاتلة من المعارضة السورية التي سيتجرأ المسؤولون عنها على المشاركة في مؤتمر جنيف 2، ووصف تلك التهديدات بأنها “مشينة” وصادرة في رأيه عن “منظمات ارهابية ومتطرفة”، وهي ليست المرة الأولى تطلق مثل هذه التهديدات، وتأتي قبل 11 يوماً من موعد اجتماع المعارضة في تركيا لاتخاذ قرار المشاركة أو عدمها، مع الإشارة الى أن تلك المعارضة ليست موحدة الصفوف، غير أنها تلتقي عند مطلب واحد هو توفير “ضمانات كي يفضي المؤتمر الى رحيل الرئيس بشار الأسد”، وهذا المطلب يرفضه النظام بقوة، بل على العكس، ان الأسد لا يرى أي مانع يحول دون ترشحه لولاية جديدة لرئاسة الجمهورية.

واتهم السعودية دون أن يسميها، والدول التي تموّل التنظيمات المسلحة المتطرفة بأنها وراء تلك التهديدات، لأنها ترفض المبادرة الاميركية – الروسية للحل السياسي الذي تجري التحضيرات له لعقد جنيف – 2 خلال هذا الشهر إذا سارت الأمور على ما يرام. ولفت الى أن بلاده تلقّت أيضاً تهديدات من معارضين سوريين لنسف الممثليات الديبلوماسية في الخارج وللاعتداء على الديبلوماسيين، دون أن يحدد الفصيل أو الفصائل التي ينتمون اليها. واسترسل لافروف في تفسير أصل تلك المنظمات وانها انبثقت من الائتلاف الوطني السوري.

واستغربت مصادر ديبلوماسية مدى تهيّب وزير الخارجية الروسي تلك التهديدات، الصادرة عن 19 مجموعة مقاتلة، والتي حذّرت من “ان المشاركة في جنيف – 2 خيانة تستوجب المثول أمام محاكمنا”.

وسألت عن الدافع لإثارة تلك التهديدات بهذا الشكل متزامنة مع وصول الابرهيمي الى دمشق، وهل فعلت فعلها بحيث لا أحد يريد أن يخاطر بحياته، ولا سيما معارضة الداخل؟ وهذا يعني ان الغرض من عقد جنيف – 2 لن يؤدي الى النتائج الايجابية المتوخاة، وبالتالي من الأفضل عدم تحديد موعد لانعقاده.

وأشارت الى أن معالجة تلك التهديدات لا يمكن أن تتم إلا بواسطة الوقوف على رأي الدول التي يعتبر أنها قد تكون وراء تلك المنظمات التي أرعبت عدداً كبيراً من المعارضة التي تقاتل قوات النظام.

ودعت الى التريّث لمعرفة موقف الرئيس الأسد وما اذا كان مرناً أو متصلباً من أجل تقويم نتائج جولة الابرهيمي التي شملت ثماني دول، وذلك في الاجتماع التقويمي الذي سيعقد بين ممثلين أميركيين وروس في جنيف في الخامس من الشهر المقبل والابرهيمي، أي بعد أسبوع لمعرفة ما اذا كان المؤتمر سيتحدد موعده أم يتأخر مرة جديدة من أجل تأمين حد أدنى من ضمان النجاح له.

النهار

جنيف2» على حبال الروس والأميركيين/ زهير قصيباتي

لا أحد سيدعو «جبهة النصرة» أو «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام» لحجز مقعد في مؤتمر «جنيف2»، ولا أحد كذلك يمكنه افتراض عقد المؤتمر بشروط النظام السوري الذي ما زال يصرّ على «أبوّته» الكاملة لأي تسوية أو حل يوقف سفك الدماء.

فلنتخيّل مثلاً أن معارضةً يُطلب منها الحضور إلى جنيف، فيما للنظام الحق الحصري في تصنيف التنظيمات والفصائل، وفقاً لمعيار يميّز بين «الوطني» و «غير الوطني». ومأزق «الائتلاف» يتحول مآزق، فلا هو يحظى باعتراف كامل بشرعية تمثيله المعارضة، من وجهة نظر المعارضة في الداخل، ولا هو «وطني» بمعيار النظام الذي ما زال يتكئ على الضغوط الغربية في قضم ما بقي من آمال الرهان على «الائتلاف» لتحقيق التغيير السياسي… بعد حوار جنيف. ويتكئ أيضاً على شطارة الروس في تشويه سمعة المعارضة، ما دامت لا ترضخ صاغرة لرغبتهم في إخراج نسخة «منقحة» للنظام تكون الثمن المقابل لحمّام الدم وضحاياه.

ويمكن الرئيس الأسد الذي زرع مسبقاً أول لغم على طريق جنيف، بعدم استبعاده الترشح مجدداً للرئاسة العام المقبل، وزَرَع الثاني باشتراطه وقف دعم المجموعات المسلحة وفصائلها كممر إلزامي لإنجاح الحوار، أن يتشبث بورقة إنهاك الفصائل وشرذمة المعارضين حتى اللحظة الأخيرة… فكلما طال الصراع وتفوقت كلمة «الإرهاب» على مفردة الثورة، وأمعنت الانتهاكات في قتل شرعية مواجهة النظام وأجهزته وحلفائه، تحوّل صدأ الصراع إلى اهتراء لقضية السوريين، وتآكلٍ لأحلامهم.

صدأٌ فاهتراء، على هوامش الخراب العميم الذي هدّم المدن والأرياف ومفاصل المجتمع، في حين يكاد «الائتلاف» أن يفقد كل أوراقه. والباحث عن ترجمة لكل مؤتمر دعم يعقده أصدقاء الشعب السوري، بالكاد يتلمّس سباقاً إلى مؤتمرات هدفها جمع كل أطياف المعارضة، كاثنين تسعى إليهما إسبانيا والنمسا.

وباستعادة بسيطة لما تلى طبول الحرب واختفاءها، بينَ اليائسين من آفاق الحل ومن وعود الغرب واليد الروسية والأصابع الإيرانية، مَنْ لا يزال مصرّاً على أن رعاة القرار الدولي باعوا الثورة كبش فداء للترسانة الكيماوية السورية. هكذا توالت شهادات «حسن السلوك» تُمنح للنظام من الأمم المتحدة وأميركا، وهكذا أُطلِقت يده ما دام في صراع مرير مع كثيرين من «الإرهابيين» وحفنة من المعارضين المسلحين. استمرأت دمشق تبديل قواعد اللعبة، وانتزع النظام المبادرة فبات يملي شروطاً على «جنيف2»، ويعتبرها تمهيداً له، مثل تجفيف منابع «دعم الإرهاب».

توارت الثورة، لم يعد النبأ حصيلة ضحايا القتل يومياً، ولا إصرار النظام على الحسم العسكري أو تجويع عشرات الآلاف من السوريين. بات النبأ: كم معارضاً ما زال يقاتل، خارج مظلة جماعات «النصرة» و «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام؟».

على طريق جنيف، اللغم الثالث زرعه وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي اشترط قيادة سورية للحوار، لتبقى الكلمة الأولى للنظام. فأي حوار إذاً حين يصبح المحكوم عليه بمأساة قتل الثورة بحرب بشعة، قاضياً في آن؟ ببساطة، هو تخلى عن ورقة «الكيماوي» ليحتفظ بورقة «الفيتو» في أي تسوية لا تجدد دماءه. وبافتراض استاءت إدارة الرئيس باراك أوباما من مراوغات دمشق مع الحل، هل عاقل في المنطقة ما زال يصدّق أن واشنطن قد تسعى إلى استخدام ورقةٍ ما، لإقناعه بعبثية وهم تغيير جِلده؟

بين المعارضين من يتهم قدري جميل نائب رئيس الوزراء الذي عزله الأسد، بمحاولة تغيير جِلده، واللعب على حبال الروس والأميركيين، لعله يفوز بالمقعد الأول في صفقة «خفية»، يبدو أن دمشق ترى فيها أصابع للوزير سيرغي لافروف. وبصرف النظر عن نيات قدري، يصعب التسليم ببساطة بأن كل ما سعى إليه السفير الأميركي روبرت فورد خلال لقائه الأول في جنيف والذي أطاح نائب رئيس الوزراء «الشغوف» بالسياسة، هو مجرد إبلاغه أن نظام الأسد «فقدَ شرعيته».

على حبال الروس والأميركيين يلعب النظام أيضاً، مستغلاً سيف الوقت لتقطيع ما بقي من أوصالٍ للمعارضة في الخارج، حتى إذا لم يُطِح جنيف و «مونولوغ» الحوار، انصاعت معارضة الداخل، ورحّلت أزمات القتال و «التكفير» و «الإرهاب»، المؤتمر إلى ما بعد تدمير «الكيماوي»، وضمان ممارسة «الشعب السوري حقه» في التعبير، للتمديد للأسد، قبل بلوغ حصيلة الحرب عتبة الـ150 ألف قتيل!

ألم يقُل الموفد العربي- الدولي الأخضر الإبراهيمي أن المطلوب لجنيف «معارضة مقنِعة»، ونظام يقتنع بها، وإيران شاهد فاعل؟

الحياة

جنيف -2»: حوار بين الأسد… والأسد/ حسان حيدر

مطالبة «المجلس الوطني السوري» بإعفاء الإبراهيمي من مهمته، وانتقاد «الائتلاف الوطني» المعارض لمواقف الموفد الدولي والعربي، لم يأتيا من فراغ. فالرجل يتصرف وكأنه ممثل للولايات المتحدة وروسيا فحسب، ومهمته الترويج للاتفاق الذي توصلت اليه الدولتان، ولا يأخذ في اعتباره، عندما يصرح ويعلن مواقف، أنه مكلف اساساً من الامم المتحدة التي قال أمينها العام ان بشار الاسد فقد شرعيته ومتهم بجرائم حرب ولم يعد بإمكانه ان يحكم، ومن جامعة الدول العربية التي دعت الغالبية الساحقة من أعضائها الى رحيل نظام دمشق بعدما علقت عضويته فيها.

وهناك فرق كبير بين الدور الذي خولت المنظمتان الدولية والعربية الابراهيمي القيام به، وبين الاتفاق الاميركي – الروسي الذي كان ثمرة عجز مجلس الأمن، بسبب تعنت موسكو وتخاذل واشنطن، عن التوصل الى قرار ينهي الحرب السورية. فالأول يعني بدء مرحلة انتقالية من دون الأسد تمهد لقيام نظام ديموقراطي تعددي يحفظ لسورية وحدتها وينقذها من التفتت وانهيار المؤسسات، والثاني يعني مماطلة الى ما لا نهاية ومناورات بلا حدود تبقي الاسد في السلطة وتغرق مؤتمر السلام المقترح في متاهات لا توقف النزف ولا تفضي الى قيام سورية جديدة.

ولا يستقيم في أي منطق ان يؤكد الابراهيمي من دمشق التي «منّت» عليه امس بلقاء حاكمها أن «السوريين وحدهم يقررون مصيرهم»، وان يدعو في الوقت نفسه الى مشاركة ايران في «جنيف -2» ويعتبر ذلك «طبيعياً وضرورياً»، فيما هي دولة اجنبية تشارك في القتال الى جانب النظام وتدعم بقاءه بالمال والسلاح. فهو بذلك «يفتي» بما لم يُفوض به، وخصوصاً من الجانب العربي. ولم يعد ينقصه سوى ان يدعو «حزب الله» الى المشاركة في المؤتمر طالما انه ايضاً يقاتل الى جانب قوات النظام.

واذا استمرت جهود الوسيط الجزائري في الاتجاه نفسه، بما تتضمن من تنازلات لمصلحة الاسد ونظامه، وبينها تأكيده على «دور» له في المرحلة الانتقالية، واستمرت ايضاً استفزازاته للمعارضة الفعلية الممثلة بـ «الائتلاف الوطني» ودفعها الى مقاطعة مؤتمر جنيف، واذا اقترنت هذه المواقف بما سمعه من «معارضة الداخل» التابعة للنظام من انها ترفض المشاركة تحت راية «الائتلاف»، فهذا يعني ان المؤتمر اذا عقد سيكون الحوار فيه بين الاسد وبين من عينهم «معارضين» ومنهم وزراء وأزلام وتابعون. اي بين الأسد ونفسه. والأرجح ان «تمثيلية» اقصاء نائب رئيس الوزراء قدري جميل جزء من هذه اللعبة المكشوفة لاختراع معارضين لا يمثلون شعبهم، ولا دور لهم سوى إظهار ان المعارضة منقسمة وغير قادرة على توحيد مواقفها السياسية، بينما تعمل أجهزة النظام الأمنية على محاولة شقها ميدانياً ودفعها الى الاقتتال.

واذا كانت المعارضة السورية استطاعت خلال مؤتمر «اصدقاء سورية» المنعقد في لندن اخيراً انتزاع موافقة اميركية على انتفاء اي دور للاسد في المرحلة الانتقالية، فباسم من يتحدث الابراهيمي اذاً؟ الا اذا كان واثقاً من ان الاميركيين يقولون ما لا يضمرون، ويحاولون «رشوة» المعارضة بالتصريحات المطمئنة بينما ينسقون مع الروس الذين اهدوهم مع اسرائيل ترسانة الاسد الكيماوية على طبق من فضة، في مقابل بقائه.

الحياة

تسوية دولية مع الأسد إذا تعذّر حضور المعارضة؟/ عبدالوهاب بدرخان *

لماذا يكثّف بشار الأسد ظهوره الإعلامي لتكرار عزمه على الترشح للرئاسة بعد انتهاء ولايته الحالية؟ لأنه يرتاب بأن مصيره على رأس النظام ربما يصبح قيد التداول بين الروس والاميركيين. فبالنسبة اليه ضاعت فرصة الحل السياسي الذي يناسبه حين تعذّر عقد «جنيف 2» في تموز (يوليو) الماضي في ضوء الدعاية العارمة لـ «انتصاره» في معركة القُصَير. بعدها اتّجهت «البروباغندا» الأسدية الى التركيز على «داعش» (تنظيم «الدولة الاسلامية للعراق والشام») وكأنها المنقذ الذي سيعيد الاعتبار للنظام من خلال الوظيفة الأمنية التي يجيدها.

في لقاء موسع عقد أخيراً في احدى العواصم العربية وشارك عدد كبير من الموالين والمعارضين، بحضور وإشراف دوليين، كان الحديث «غير السياسي» يدور عن المستقبل، عن المتطلّبات العاجلة لإعادة الأوضاع الطبيعية لأن المدن والبلدات كافة لم تعد صالحة للعيش، عن رفع الدمار وإعادة الاعمار، وعن الحفاظ على المؤسسات «تحت شرعية الأمم المتحدة»… ورغم أن الكلام لم يتطرّق الى أي سلطة ستتولى هذه الأعباء الجسيمة إلا أن ما لم يقله أحد صراحة كان واضحاً في الأذهان: ليس السلطة الحالية، بكل تأكيد. تجاوز هذا اللقاء النظام والمعارضة على السواء، لكن «داعش» حضرت في النقاش. اذ أفاد قادمون من «مناطقها» أنها تستقطب في شكل رئيسي المخبرين السابقين للنظام، الذين اختفوا بعد سيطرة «الجيش الحر» ثم ظهروا فجأةً حين جاء «الداعشيون» وأرخوا لحاهم وأعلنوا توبتهم واستأنفوا النشاط. وقالوا إن «داعش» تشيع خوفاً يذكّر بأيام النظام، وتقلّده بطرائق الاحتجاز والتعذيب، حتى ان عناصرها يمارسون التنكيل والقتل الميداني، كما يفعل «الشبيحة».

وحين لا يكون «القاعديون» هم مَن يتقدّمون لأداء خدمة للنظام، ينبري أكراده «الأوجلانيون» للمهمة، إذ إن ميليشيا «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي التابع لحزب العمال الكردستاني أقدمت على طرد مقاتلي «داعش» و «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» من بلدة اليعربية الحدودية المجاورة للعراق. وعدا سيطرتها على موقع انتاج النفط هناك، واستكمالها السيطرة على محافظة الحسكة، فقد تسببت بتهجير الآلاف من العرب. وتبين أنها تلقت تسهيلات من الجانب العراقي، الذي سبق أن وفّر تسهيلات مماثلة لآلاف الايرانيين والعراقيين الذين دخلوا سورية للقتال الى جانب النظام وتحت الإمرة الايرانية، كما غضّ النظر عن تغلغل مئات «القاعديين» ليرفدوا «داعش» في مناطق المعارضة السورية… كل ذلك يلفت الى خطط للنظام يأمل بأن تمكّنه من توريط الأتراك من جهة، ومن ضرب وتفكيك مواقع للمعارضة (في الشمال) أو عزلها (في الغوطتين) من جهة اخرى، وذلك من طريق توظيف مكوّنات اجتماعية سبق أن جنّدها لمصلحته أو باستقدام «مكوّنات» هجينة تابعة لـ «القاعدة». ثم أن النظام لا يزال عازماً على استخدام ورقة الأكراد لطرح مشروع التقسيم.

اذا رُبطت هذه الخطط بمواصلة الإعداد لمعركة القلمون (شمال شرقي دمشق)، فما الذي ترمي اليه؟ لا بد من التذكير بأن النظامين السوري والايراني اعتمدا منذ نهاية آذار (مارس) 2011 استراتيجية قوامها أن الأمر يتعلّق بـ «مؤامرة على المحور الممانع» ولا بد من هزمها بأي طريقة. ومنذ أوائل 2013 لم يعد ممكناً التمييز بين اتباع النظامَين، بل أن بلوغ نظام الاسد نقطة نقطة العجز عن تنفيذ خطط «الحسم» أبرز في الشهور الأخيرة ميليشيا «أبو الفضل العباس» الايرانية، التي ذاع سيط وحشيتها أخيراً بعد مجازر الذيابية (جنوب دمشق)، لكن العديد من عناصرها وقع في أسر مقاتلي المعارضة في مناطق اخرى. قبل ذلك سُلّطت الأضواء على ميليشيا «حزب الله» خصوصاً بعد معركة القُصَير، ورغم تسريب الحزب أنه انسحب أو على الأصح سحب جزءاً من قواته من سورية إلا أن التحضيرات الجارية لمعركة القلمون كشفت كذب هذا الادعاء.

ما الهدف اذاً؟ لا علاقة للقلمون بالتحضير لـ «جنيف 2» ولا داعي لسؤال خبراء عسكريين أو قريبين من «حزب الله»، فأي دمشقي يعرف مدينته ولا يزال مقيماً فيها سيقول لك فوراً: أولاً، أن هذه المعركة ستكون ايرانية بكل تفاصيلها. ثانياً، أنها ترمي الى وقف النزيف الذي تتعرّض له الفرقة الثالثة المتمركزة في هذا القطاع لأن عديدها هبط من 17 ألفاً الى 9 آلاف بسبب الهروب والانشقاقات. ثالثاً، أن النظام وحلفاءه يريدون هذه المعركة، خلافاً لكل مظاهر الثقة التي يبدونها في حرب الغوطتين، بسبب قلقهم على وضع دمشق وتحسباً لأي ضغط مباغت. لذلك، رابعاً، يراد اقفال آخر مسالك المساعدات العسكرية التي تصل الى المعارضين في الغوطتين، تحديداً من لبنان… لكن هذا الدمشقي، عادياً كان أم أكاديمياً، سيضيف أن الأخطر، خامساً، أن معركة القلمون استكمال لمعركة القصَير في عملية «ترسيم حدود الدولة العلوية» رغم أن النظام لم يتلقَّ أي اشارة دولية مطمئنة بشأن هذه «الدولة».

الى ذلك، تحاول هذه التحركات ايجاد ردود ميدانية واضحة على تساؤلات القوى الدولية في سياق التحضير لـ «جنيف 2». وأهمها ما كرره بشار الاسد في مقابلاته، وهو أن النظام جاهز للتفاوض لكن الطرف الآخر غير موجود أو يقتصر على «ارهابيين»، واذا أريد حصره بـ «الائتلاف» فإنه يعاني من تفكك روابطه مع الداخل، وفي هذه الحال يمكن اشراكه في «جنيف 2» لا كممثل وحيد للمعارضة بل كواحد من أطيافها بمن فيها المعارضة الداخلية المدجّنة شريكة النظام. وإذ أوحى رفض «المجلس الوطني السوري» المشاركة في «جنيف 2»، وكذلك بيانات الداخل عن نزع شرعية التمثيل من «الائتلاف»، بانقسام المعارضة حول المفاوضات المزمعة، إلا أن هذه المواقف ساهمت عملياً في تصليب الموقف الذي حمله «الائتلاف» الى اجتماع «أصدقاء سورية» في لندن. اذ جاء معبراً عن معارضي الداخل، خصوصاً باستبعاده أي مساومة حول «تنحي الاسد». ولعل السفير روبرت فورد الذي قصد اسطنبول ساعياً الى اقناع المعارضة بعدم تفويت فرصة التفاوض اصطدم بممانعة لها أساس صلب: ما الذي قدمته اميركا لنا كي تضغط علينا، خدعتنا وخذلتنا وتركت أهلنا يذبحون ومدننا تدمّر، عرقلت وتعرقل تسليح «الجيش الحر»، ساهمت في شكل غير مباشر في انتشار «القاعدة»، وعملت على التضييق علينا مالياً وحتى إغاثياً، لا نحن ولا أي من «الأصدقاء» نعرف على ماذا تتفاهم اميركا مع روسيا، وتريدنا أن نذهب الى تسوية رسمها النظام، لا أحد في المعارضة يستطيع التفاوض وفقاً لهذه الظروف والمعطيات…

لم يكن اجتماع «أصدقاء سورية» في لندن مريحاً للاميركيين. أدرك جون كيري خلاله أن الجميع، أوروبيين وعرباً وسوريين، لا يشعرون بثقة حيال تداعيات التفاهم الاميركي – الروسي على الأزمة، كما ظهرت في معالجة ملف السلاح الكيماوي، ولا حيال التقارب الاميركي – الايراني الذي يثير قلق دول الخليج وشكوك بعض الاوروبيين. غير أن موقف «الائتلاف» السوري كان الأكثر تعبيراً عن واقع شاء الاميركيون تجاهله، وهو أن المعارضين الحقيقيين على الأرض (لا «داعش» ولا «جبهة النصرة» ولا اشباههما) يشعرون بأن «الأصدقاء»، مختزلين في اميركا، تسببوا بمزيد من المآسي لهم ويتصرفون كما لو أنهم يريدون للمعارضة أن تُهزم وتستسلم أمام النظام. لذلك ينصح مساعدو كيري بتأجيل «جنيف 2» أو حتى بإلغائه، لأنهم أدركوا أن الروس يقودون الموقف الاميركي الى ما أراده الأسد منذ البداية: تسوية دولية مع النظام الذي قدم السلاح الكيماوي دفعة أولى من ثمنها، أما الثانية فقد تكون بتعهّده ضرب اتباع تنظيم «القاعدة».

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

الإبرهيمي غداً في بيروت للقاء المسؤولين الاجتماع الوزاري لتشجيع المعارضة/ خليل فليحان

يجري الممثل الأممي والعربي الأخضر الإبرهيمي محادثات غداً الجمعة مع كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس المكلف تمام سلام، تتناول مشاركة لبنان في مؤتمر جنيف – 2، وفق ما أكده أكثر من مصدر رسمي لـ”النهار” ليل أمس، مفصلاً جدول لقاءاته الرسمية في بيروت.

تجاوب الإبرهيمي مع طلب لبنان، وسيجول غداً على المسؤولين للاستماع الى مزيد من التفاصيل عن تطوير الحكومة موقفها الذي كان ثابتاً على سياسة النأي بالنفس، وإذ بها تريد المشاركة في جنيف – 2 نظراً الى انعكاسات الأزمة السورية على لبنان في مجالات مختلفة، وعلى الأخص استضافته مليون لاجئ.

وسيطلع الابرهيمي بدوره المسؤولين على نتائج المحادثات التي أجراها في ثماني دول عربية حول جنيف – 2 وما اذا كان هناك من عقبات، وسيعقد المبعوث الأممي والعربي في ختام محادثاته مع المسؤولين مؤتمراً صحافياً يتحدث فيه عن نتائج ما تحقق، قبل مغادرته بيروت.

وكان وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الاعمال عدنان منصور قد تبلغ من الامين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي دعوة للمشاركة في الاجتماعي الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب لـ”اصدار موقف عربي موحد يشجع المعارضة السورية على المشاركة في مؤتمر جنيف – 2″، ويبدو وفقا لمصدر مواكب للتطورات، انها لم تبلغ مرحلة النضج. من اجل تحديد موعد لعقد المؤتمر المنشود في حال التفاهم بين الابرهيمي من جهة والممثلين الاميركيين والروس الثلثاء المقبل في جنيف من جهة اخرى.

وأفادت مصادر ديبلوماسية “النهار” ان التغيير في موقف الجامعة يعود الى الضغط الاميركي القوي الذي يمارس على عدد من الدول العربية التي تعتبر صديقة ومؤيدة لسياسة واشنطن، مع توقع امتناع سعودي عن المشاركة في جنيف – 2 حتى ليل أمس، وغموض في موقف الرياض من الاجتماع الوزاري العربي الاستثنائي في القاهرة، وما اذا كانت المملكة ستتمثل بوزير الخارجية الامير سعود الفيصل او بالمندوب لدى الجامعة.

واذا صح ان الابرهيمي متمسك باشراك المملكة في جنيف – 2 اذا ما شاركت ايران، فان أي موعد لهذا المؤتمر لا يمكن التكهن به حتى اشعار آخر.

كما ان ما يعوق تحديد موعد التئام جنيف – 2 وجلسات الحوار بين النظام والمعارضة، هو موقف النظام الذي تبلغه الابرهيمي من الرئيس بشار الاسد، وقبله من وزير الخارجية وليد المعلم ان النظام يريد ان يترأس جلسات الحوار والتفاوض، وهذا ينسف المؤتمر، لان المعارضة لن تقبل باقتراح النظام، وهذا ما سينجلي في اجتماع المعارضة في تركيا في التاسع من الشهر المقبل. وثمة عائق آخر هو تعذر ما يطلبه الاسد من “ضغط على الدول التي تدعم المجموعات الارهابية بالمال وبالسلاح، وتقوم بتسهيل دخول الارهابيين والمرتزقة الى الاراضي السورية”، وفي حال تحقق ذلك، فان الظروف المؤاتية للحوار تكون تهيأت، ويجب وضع آليات واضحة من اجل بلوغ الاهداف المرجوة منه.

النهار

هل أخطأ في حصر رهانه على أميركا وروسيا؟ أزمة ثقة بين الإبرهيمي وفريقَي النزاع/ روزانا بومنصف

حظي الموفد الاممي الى سوريا الاخضر الابرهيمي خلال جولته على دول المنطقة المؤثرة في الوضع السوري الى جانب لقائه وفودا من المعارضة السورية والنظام السوري في دمشق بانتقادات شديدة وملاحظات او توجيهات من طرفي الازمة السورية على رغم اكتساب انعقاد مؤتمر جنيف طابعا جديا اكثر من الاعتقاد الذي ساد خلال الاسابيع الماضية على رغم انه لا يزال قيد البحث وثمة اجوبة لدى اجتماع الجامعة العربية نهاية الاسبوع لتقرير الاتجاه العربي من هذا المؤتمر. وتعزو مصادر ديبلوماسية الانتقادات الشديدة للابرهيمي الى اسباب تعود لطرفي النزاع كما لثغر شابت اداء الموفد الاممي خلال الاشهر الاخيرة. اذ تكشف هذه المصادر ان الابرهيمي اخطأ في جملة امور، كان ابرزها اعتباره ان حل الازمة السورية هو رهن بالعلاقات والاتصالات التي تجرى بين الولايات المتحدة وروسيا بحيث ان التفاهم بين الجانبين يمكن ان يدفع الحل في سوريا قدما او العكس في حال لم يكن هناك تفاهم واهملت كل العناصر الاخرى المتصلة بهذه الازمة. وهو بذلك وضع كل رهاناته على هذا الجانب او المستوى من الازمة علما انه كان يعتبر في وقت من الاوقات وبعد تسلمه مهمة سلفه كوفي انان للسعي من اجل الحل في سوريا ان هناك ثلاثة مستويات للازمة السورية هي المستوى السوري- السوري المباشر نتيجة الثورة الشعبية التي انطلقت ضد النظام في آذار 2011 وتحولت الى العسكرة لاحقا، والمستوى الاقليمي نتيجة دعم قوى اقليمية الافرقاء الداخليين ميدانيا وعملانيا، ثم المستوى الدولي المتمثل في دور كل من الولايات المتحدة وروسيا والذي اسبغ الاتفاق بينهما على نزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام اهمية على دور كل منهما ومحوريته في الوصول الى حل. الا ان الابرهيمي تراجع عن هذه النظرية ليتبنى المستوى الاخير فقط. اذ انه على رغم استئناف اتصالاته بالاطراف السورية والاقليمية فان المصادر الديبلوماسية تكشف ان علاقته بطرفي النزاع السوريين ليست جيدة. فلا ود او قدرة على التواصل بسلاسة بينه وبين افرقاء المعارضة بغالبية مكوناتها. ولا ود كذلك مع النظام الذي لم يتردد مرارا وتكرارا في ان يبعث اليه بانتقادات علنية وتوجيهات يعتبر النظام انه يتعين على الابرهيمي تبنيها كشرط من شروط استقباله او التحدث إليه.

ومن هذه الزاوية بالذات فان مساعي الابرهيمي وقدرته على اقناع افرقاء النزاع بدت ولا تزال مشكوكا فيها في ظل فقدان الثقة به من جانب السوريين فيما يجري التعويل على الولايات المتحدة وروسيا من اجل الضغط على طرفي النزاع من اجل المشاركة في جنيف – 2. وفيما يعتبر كثر ان انتقادات طرفي الازمة يمكن ان تشكل دليلا او مؤشرا على “حيادية” الوسيط، فان مصادر ديبلوماسية عليمة تخشى ان يكون عامل فقدان الثقة بينه وبين المعارضة السورية من جهة والنظام من جهة اخرى غير مساعد على تذليل العقبات بالسرعة المطلوبة وربما يتطلب تدخلات اخرى يرجح ان تبقى بعيدا من الاعلام حرصا على موقع الابرهيمي وجهوده ومظلة الامم المتحدة. كما تخشى هذه المصادر في الوقت نفسه جملة امور، خصوصا في ظل الضعف الذي تعاني منه المعارضة السورية وتشرذمها، ان لجهة حاجتها الى ” تدريب” على المفاوضات نتيجة عدم خبرتها في هذا المجال مما قد يهدد بان تكون في موقع ضعف ازاء النظام وخبرته الطويلة في هذا المجال او لجهة احتمال ان يصار الى اعتماد او نبش لائحة كان وضعها كوفي انان وتقضي بتمثيل المعارضة عبر شخصيات معارضة من الداخل والخارج مما يحسم مسبقا تفوق النظام ازاء عدم القدرة على توافق هذه الشخصيات. وهذه المخاوف تنسحب لجهة ميل كثر الى تحميل المعارضة السورية مسبقا مسؤولية عدم انعقاد مؤتمر جنيف – 2 في حال رفضت المشاركة، وذلك من باب ان مشاركتها ضرورية من اجل فرض اقرار النظام على طاولة المفاوضات في حضور دول كبرى واخرى اقليمية بأن من يفاوضه هي المعارضة لنظامه وليس جماعات ارهابية او اصولية، كما دأب الرئيس السوري بشار الاسد ولا يزال على وصف المعارضة التي تطالب بتنحيه. كما يرى هؤلاء ايضا ضرورة ان توافق هذه المعارضة على حضور ايران من اجل تحميلها مسؤولية ما يجري في سوريا على نحو مباشر خصوصا انها باتت صاحبة القرار العسكري والسياسي في دمشق وليس المطالبة بابعادها عن المؤتمر باعتبار انها ما دامت هي جزءا من المشكلة فلا بد ان تكون جزءا من الحل والا استمرت المشكلة التي تديرها قائمة.

النهار

الابرهيمي وسيطاً… يا للمسخرة!/ راجح الخوري

أقيل قدري جميل من منصبه نائبا لرئيس مجلس الوزراء السوري لأنه همس لروبرت فورد انه مستعد للقبول بمرحلة انتقالية لا يكون لبشار الاسد دور فيها. حدث هذا مع عودة الاخضر الابرهيمي الى دمشق بالعاً هذه المرة لسانه ولاحساً كل تصريحاته السابقة ومستعيراً منطق وليد المعلم وحماسة فيصل المقداد في الهتاف: “الاسد رئيسنا الى الابد”!

سواء نفى الابرهيمي ما قاله لمجلة “جون افريك” ام لا، فان تصريحات وليد المعلم التي استقبلته في دمشق تمثل اسقاطاً واضحاً، ليس لمهمته التي باتت اشبه بالمسخرة، بل لمؤتمر جنيف الذي يريده النظام السوري مناسبة للعودة بسوريا الى ما كانت عليه قبل ثلاثة اعوام، اي ان على السوريين ان يدفنوا قتلاهم وينسوا بيوتهم المدمرة لينتظموا في صفوف تهتف : بالروح بالدم نفديك يا بشار !

لا معنى لفظاظة ما قاله الابرهيمي لتعويم الاسد الغارق في دماء السوريين وتنصيبه “شريكاً بعدما كان منبوذاً” لمجرد انه قبل ان يسلم ترسانته الكيميائية، ولكأن قتل اكثر من مئة الف سوري وتدمير سوريا على رؤوس اهلها لا يجعله منبوذاً. اما اذا كان الابرهيمي يظن ان الاتفاق الروسي – الاميركي حول الكيميائي انتهى بتعويم الاسد، فانه واهم لأن الاسد عائم فوق دماء السوريين الذين يقتلون بمساعدة ميدانية من ايران و”حزب الله” و”كتائب أبي الفضل العباس” العراقية.

لقد سمع الابرهيمي من الاسد ما قاله المعلم من ان سوريا تشارك في مؤتمر جنيف ولكن “انطلاقاً من حق الشعب السوري الحصري في رسم مستقبله السياسي واختيار قيادته بعيداً عن اي شكل من اشكال التدخل الخارجي، وان الحوار سيكون بين السوريين وبقيادة سورية”، بما يعني ان الاسد هو الذي سيدير الحوار، طبعاً في وجود حلفائه وداعميه عسكرياً الذين سيتولون التصفيق له، اي الروس والايرانيين. هكذا يريد النظام ان يعقد جنيف وهو ما يدفعني الى طرح السؤال : اذاً ما الحاجة الى جنيف ولماذا لا يعقد المؤتمر المهزلة في قصر المهاجرين؟

لست ادري لماذا يصل العمى والافتئات بالأخضر حد الزعم ان السعودية والامارات ودول الخليج تعارض عقد المؤتمر، خصوصاً اذا كانت المعطيات سلبية ومشوهة الى حد ان الذين يقاتلون مع الاسد في المتاريس وخصوصاً الايرانيين، سيجلسون الى جانبه في المؤتمر، بما يمثّل ترجمة فضائحية للقول المعروف : انت الخصم والحكم !

واذا كانت المعارضة السورية من الارهابيين كما يزعم النظام، واذا كان الابرهيمي يقول ان السوريين هم الذين سيحددون المرحلة الانتقالية وما بعدها ولست انا، أفلا يكون وسيطاً سخيفاً وربما متآمراً يحاول حذف نص”جنيف – 1″ عن الانتقال السياسي من “جنيف – 2″؟!

النهار

لماذا غضب لافروف/ عبد الرحمن الراشد

هذه المرة الأولى التي نسمع فيها وزير الخارجية لافروف يشتكي من داعمي المعارضة السورية، قائلا دائما لكل معارضة دول تدعمها، وإنه يعرف من يدعم المعارضة السورية. وهو محق، كلنا نعرف من يدعم الثورة السورية. فالسعودية تدعم الجيش الحر الذي يمثل العمود الفقري للمعارضة المسلحة، أما بقية الفصائل المتطرفة مثل «القاعدة» فهي تدار من قبل إيران والنظام السوري. لكن المثير في تعليقه، غير المصادفة، أنه وجه حديثه لدول المنطقة، الداعمة، «على أولئك الذين لديهم تأثير مباشر على مختلف مجموعات المعارضة في سوريا بحملها على الامتناع عن القيام بأي استفزازات من شأنها أن تعرقل نزع الأسلحة الكيماوية، وإثارة الحديث مرة أخرى عن ضرورة التدخل الخارجي».

الوزير الروسي يريد نقل اللوم على كاهل المعارضة في حال فشل مشروع نزع الأسلحة الكيماوية، إنما الأهم أنه يعني وجود المعارضة المسلحة، التي لا تزال واقفة على قدميها. فهي تقاتل خبراءه الروس، وقوات النظام السوري، وكذلك القوات المساندة من إيرانية وعراقية وحزب الله. أما لماذا طالب الدول الداعمة للمعارضة، وهو هنا يعني السعودية وقطر وتركيا وغيرها، بردع المعارضة السورية المسلحة حتى لا تعترض طريق نزع الأسلحة الكيماوية السورية، فالسبب لأن مشروع التفتيش هو أول امتحان دولي على الأرض يظهر من يحكم على الأرض.

من حيث المبدأ، المعارضة السورية لا يمكن أن تمانع في نزع الأسلحة الكيماوية، بل من صالحها أن تنزع اليوم قبل الغد، حتى لا يستخدمها النظام لإبادة سكان المناطق التي تدعم المعارضة، وفي القضاء على مواقع مقاتليها، وقد يستخدمها سوريون غدا لو اتسعت الحرب إلى أهلية. وبالتالي التخلص من أسلحة الدمار الشامل لمصلحة سوريا، لكن من المصلحة ألا يستغلها الروس لوقف القتال من أجل تعزيز وضع الأسد، أو مكافأته في مؤتمر جنيف، لأنه لا يعقل أن يدعى نظام الأسد للمؤتمر، ومعه إيران، ويسمح له أن يبقى مستقبلا بصيغة ما في الحكم، فقط لأنه تنازل عن أسلحته الكيماوية. هذا النظام كان يفترض أن يعاقب، لا أن يكافأ، على الجرائم التي ارتكبها بقتل مئات الأطفال والنساء بغاز السارين.

نحن ندرك اللعبة الروسية باستخدام مشروع نزع السلاح الكيماوي للإبقاء على الأسد ودولته الأمنية، ليكون عذرا لتعطيل التغيير السياسي ومحاصرة المقاتلين. لهذا عندما فشل الأسد والروس في وقف القتال، ظهر لافروف يتحدث بصراحة وعلانية يلوم الدول التي تدعم المعارضة، ويطالبها بردع المعارضة السورية، ويستنجد بواشنطن حتى تضغط على هذه الدول لتضغط بدورها على المعارضة لوقف نشاطها! ألا يذكرنا هذا الموقف بما كنا نقوله قبل عام وعامين، أن على روسيا أن تضغط على حليفها، نظام الأسد، لوقف هجومه؟!

لن تقبل دول الخليج التدخل في إدارة المعارضة المسلحة، طالما أن المجتمع الدولي ساكت عن جرائم النظام وآلاف الأبرياء يقتلون بلا توقف منذ أكثر من عامين ونصف. ليس من حق أحد أن يقول للمعارضة أن تفتح الطريق للمفتشين الدوليين وهم يمرون من عند القرى والمدن المحاصرة، حيث يأكل الناس القطط والكلاب للبقاء على قيد الحياة، لأنه أصبح المحرم الوحيد هو استخدامه السلاح الكيماوي، أما سلاح التجويع صار مسكوتا عنه. وبالتالي أمر مستحيل التنفيذ، ومعيب في حق من يتجرأ على التوسط أو الضغط لتحقيقه. فالأسد لم يعد يقاتل المعارضة بل صار يلجأ إلى حصار المدن والأرياف والهجوم الشامل المدمر مستخدما المقاتلات والمدفعية بعيدة المدى، وغيرها من أسلحته الثقيلة.

الشرق الأوسط

الإبرهيمي غير مخوّل بتّ المشاركة وسينقل طلب لبنان إلى المعنيين/ خليل فليحان

سيتبلغ المبعوث الاممي والعربي الاخضر الابرهيمي اليوم الجمعة طلب لبنان المشاركة في مؤتمر جنيف – 2 من كل من رئيس الجمهورية ميشال سليمان (12:00 ظهرا)، ورئيس مجلس النواب نبيه بري (13:00 بعد الظهر) ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي (14:00)، ووزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور (17:00) وسيطلع المنسق الخاص للأمم المتحدة ديريك بلامبلي على نتائج محادثاته في سوريا بعدما كان التقاه لدى وصوله الى بيروت من طهران في مطار رفيق الحريري الدولي قبل توجهه الى سوريا.

وأوضح مسؤول بارز لـ”النهار” ان رغبة لبنان في المشاركة في هذا المؤتمر لا تعني تخليه عن سياسة الناي بالنفس في المجالات الاخرى التي كانت الحكومة تتبعها منذ اندلاع الازمة السورية. والتبرير الرسمي هو أن لبنان – اذا انعقد جنيف 2 – سيبحث في المخرج السياسي لتلك الازمة بعدما تأثر بها كثيرا وانعكست سلبا عليه، سواء باستضافة مليون ونصف مليون لاجئ او بادخال آلاف الطلاب من الابتدائي الى الجامعي في المدارس الرسمية والجامعة اللبنانية، اضافة الى الفاتورة الصحية للاجئين والخلل الامني الذي يسببه عدد لا بأس به منهم بارتكاب أعمال مخلة بالامن. ولبنان في حاجة الى 2,6 ملياري دولار لدعم موازنة البلاد لامتصاص تأثير الصراع السوري – المستمر منذ ما يزيد على سنتين ونصف سنة. وتجدر الإشارة الى ان المسؤولين أثاروا موضوع المشاركة في جنيف – 2 بعدما كان الابرهيمي قد بدأ جولته على ثماني دول اختتمها في سوريا، ومن المسلم به أن المبعوث الأممي والعربي غير مخوّل أن يبت تلك المشاركة أو عدمها، وهذا يعود الى كل من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا.

وأفادت دوائر ديبلوماسية اتصلت بها “النهار” أن واشنطن وموسكو اتفقتا على عقد مؤتمر جنيف 2، في محاولة لاحلال الحوار بين النظام والمعارضة وتقاسم المهمات التي وصفت بأنها في منتهى الصعوبة بالنسبة الى الاعداد له”، على أن تتولى موسكو تذليل كل من عقبات النظام السوري والمعارضة في الداخل، فيما دور واشنطن هو اقناع معارضة الخارج بتوحيد موقفها وتعيين وفد يمثلها في المؤتمر.

وأفادت مصادر ديبلوماسية جديرة بالثقة “النهار” أن التفاهم الاميركي – الروسي لا يعني أن تقاسم المهمات سيوصل الى تفكيك العقبات التي تحول الى الآن دون تحديد موعد لبدء جلسات المؤتمر. وعدّدت أبرزها، فقالت انه ليس سهلاً توحيد موقف المعارضة بوفد للتحاور مع ممثلي النظام. أميركا تعترف بمعارضة الخارج، وتحديداً الائتلاف الوطني، وروسيا مع معارضة الداخل متذرعة بأن تنظيمات ارهابية تقاتل قوات النظام وترتكب الجرائم ضد الانسانية، ولم تعرف بعد صيغة هذا الوفد. ومن هنا دعوة العربي الى اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول العربية في القاهرة بعد غد الاحد لاصدار موقف موحد يشجع المعارضة على المشاركة في جنيف – 2.

أما العقبة الثانية المطلوب تفكيكها من روسيا، فهي مطالبة الرئيس الأسد بالقبول المشاركة في المؤتمر اذا بقيت بعض الدول العربية تمد المعارضة بالمال والسلاح. وأشار ديبلوماسي عربي الى انه اذا كان المقصود السعودية، فإن موسكو عاجزة عن اقناعها بتليين موقفها الرافض لذلك المؤتمر، بل على العكس فهذه مهمة مطلوبة من واشنطن على الرغم من توتر العلاقات مع الرياض. إلا أن وزير الخارجية جون كيري سيزور المملكة في التاسع من الشهر الجاري لمعالجة التوتر الذي نشأ عندما كانت الضربة الاميركية لسوريا قائمة وأوقفها أوباما.

النهار

تحديات في طريق حل سياسي متفق عليه في سـوريـا

تدهور النزاع في سـوريـا منذ زمن بعيد إلى حرب أهلية متواصلة ومضرجة بالدماء، يجد فيها النظام والجماعات المختلفة التي ينتمي إليها المعارضون أنفسهم، حبيسين في طريق مسدود وهدام، من دون أن يتمكن أي طرف من ترجيح كفة ميزان القوى العسكري في صالحه.

المفارقة في هذا الوضع هي أنه في ضوء الاستقطاب الداخلي الكبير، سيكون من الصعب جدا ترجمة النصر العسكري (إذا ما، أو عندما يتحقق) الذي يسعى الطرفان المتقاتلان إلى تحقيقه إلى حل سياسي. انتصار ذو مغزى يضمن وقف العنف، ويحفظ الوحدة الإقليمية لسورية ويعيد إقامة جهاز تحكم مركزي يلزم الطرفين في الوصول إلى اتفاق سياسي.

وسيتعين على مثل هذا الاتفاق، على الأقل، أن يوفر ضمانات أمن متبادلة للطرفين المعنيين، وبالتوازي يضمن مستوى ما من الشراكة في تسوية سياسية جديدة.

على خلفية هذه الأمور ينبغي أن نرى الإعلان عن محادثات جنيف 2 كأمر يعكس الواقع على الأرض، والأهمية في تحقيق انهاء للنزاع من خلال اتفاق سياسي. وحسب التقارير فقد تقررت المحادثات في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2013، وهدفها هو تقريب حكومة سـوريـا وقوى المعارضة من تحقيق البيان الرسمي الصادر في حزيران/يونيو 2012 من مجموعة العمل من أجل سـوريـا التي عملت بكثافة للتطبيق الكامل لخطة السلام ذات الستة بنود التي تقدم بها عنان وهي خطة ركزت على تحقيق وقف مستقر للنار، اضافة إلى ذلك، دعا جنيف 1 أيضا إلى إقامة حكومة انتقالية تنتخب على أساس توافق متبادل.

فكرة استئناف المساعي، التي بدأت في جنيف في حزيران/يونيو 2012، حظيت بدعم إضافي في الاسابيع التي تلت التفاهم المتحقق بين الولايات المتحدة وروسيا في موضوع السلاح الكيميائي في سـوريـا، وبعد أن صادق مجلس الامن في الأمم المتحدة على تطبيق خطة يونيو 2012 في قرار 2128 في موضوع مخزون السلاح الكيميائي في سـوريـا.

رغم استئناف هذه المساعي الدولية، فلا تزال التحديات هائلة: أولا طالما لا يثق الطرفان الواحد بالاخر، وينظران إلى نتائج المواجهة بتعبير لعبة نتيجتها الصفر، فإن إيجاد قاسم مشترك قد يظهر كمهمة عسيرة للغاية. وصحيح حتى اليوم، فان المطلب الأساسي لقوى المعارضة الا يكون بشار الاسد جزءا من حكومة انتقالية يخرج عن نطاق التنازلات التي يبدي النظام استعداده لتقديمها.

خطة جنيف 2012 بقيت بنية مسبقة غامضة بالنسبة لهذه المسألة الحاسمة، إذ دعت إلى تسوية تقوم على أساس اتوافق متبادل، ولكنها امتنعت عن الذكر التفصيلي لمطلب تغيير بشار الاسد، ليس كشرط مسبق ولا كنتيجة محتمة مسبقا للمحادثات. هذه الصياغة الغامضة كانت ثمرة صفقة دبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا. ورغم ذلك، ففي اعقاب اللقاء الذي عقد في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2013 بين االاتئلاف الوطني وبين LONDON 11، أعرب اللاعبون الدوليون المركزيون، الذين يؤيدون المعارضة علنا، عن تأييدهم لطلب القوى المعارضة للاسد، ألا يكون لا للأسد ولا لحلفائه الأقربين دور في الحكومة الانتقالية.

وعلى نحو غير مفاجئ، يصطدم هذا التفسير بموقف الحكومة السورية. فقد رد نائب رئيس الوزراء السوري، قدري جميل، على مبادرة جنيف 2 وقدم تلميحا بموقف النظام في بند الحكومة الانتقالية. وفي إطار ذلك شدد على أن الفكرة المركزية من جنيف 2 هي اقامة حكومة ائتلاف واسعة تمثل كل دوائر المجتمع.

ثانيا، القوة التي يوليها النظام السوري لنفسه تساهم في تعقيد المحاولات لتحقيق الاتفاق، فقد تحسنت مكانة الاسد في الاسابيع الماضية، وهو يحظى بقبول دولي متعاظم، بل وربما بالشرعية، في أعقاب تعاونه مع منظمة حظر السلاح الكيميائي. ومن زاوية نظر سـوريـا داخلية، تعزز النظام من ناحية سياسية بعد أن منع العملية العسكرية الأمريكية، وهو يستفيد من الانتصارات العسكرية على الارض ومن الخصومة الداخلية المتواصلة في صفوف المعارضة. كما أن النظام السوري لا يزال يمكنه الاعتماد على الدعم المخلص لمؤيديه في الساحة الدولية موسكو وطهران.

على هذه الخلفية من غير المتوقع أن يخفف الاسد من حدة استراتيجية المساومة المتصلبة التي ينتهجها تجاه المعارضة. وبالفعل، بعد أن سمع عن محادثات السلام المقتربة، سارع الرئيس السوري إلى الإعلان بأنه لا يرى كيف سينجح المؤتمر، بل وأضاف أنه لا يرى أي عائق في العودة إلى التنافس على كرسي الرئاسة في الانتخابات التي ستعقد في شهر أيار/مايو 2014.

ثالثا، تبدي المعارضة مستوى مشابها من عدم الثقة تجاه النظام: جورج صبرا، رئيس المجلس الوطني السوري أحد الفصائل المركزية في الائتلاف الوطني صرح بان المجلس الوطني السوري غير مستعد للمشاركة في محادثات جنيف، وهدد بالانسحاب من الائتلاف. كما ان قائد الجيش السوري الحر، الجنرال سليم ادريس صرح مشددا فقال: نحن نؤيد كل حل سياسي، ولكن بشرط واحد: على الاسد ان يقدم إلى المحاكمة، شرط مسبق هو الاخر من غير المتوقع أن يؤخذ به في جنيف. والنتيجة هي أجواء عامة من الشك والتردد في المعارضة، التي فقدت منذ الان الريح لاشرعتها بعد ان زال التهديد بعملية عسكرية دولية، وفي اعقابه تقلص تأييد الامم المتحدة التي تساهم هي ايضا في تعقيد المسيرة السياسية.

لقد تأكد هذا الوضع على نحو خاص عقب حقيقة أن الائتلاف الوطني رغم كونه الجسم السياسي المركزي الذي حظي باعتراف دولي كممثل للمعارضة السورية يشهد توترات داخلية، بل وتقليص للدعم من الداخل. وفي داخل سـوريـا تعاظمت النزاعات الداخلية بين جماعات المعارضة، حين شجبت في الأسابيع الأخيرة مجموعات من المعسكر السلفي، التي برزت في معارضتها للاسد الائتلاف علنا، وتنكرت لدوره كممثل شرعي للشعب السوري. اضافة إلى ذلك، فان الجيش السوري الحر لا يتحدى جيش الاسد في ميدان المعركة منذ زمن طويل، وبدلا منه نشأت منظمات منافسة من المعسكر الجهادي والسلفي، التي تنال الزخم، سواء بتعابير الانتصارات العسكرية، أو من ناحية السيطرة الداخلية والاقليمية في المناطق المحررة. وتمس الخلافات الحالية في فرص للتوصل إلى حل سياسي لانها تجعل المعارضة شكاكة اكثر تجاه كل تنازل وبالتوازي تطرح شكوكا بالنسبة للائتلاف الوطني، وهل سيكون بوسعه ان يطبق الاتفاق السياسي بشكل يجعل الفصائل الاخرى تتعاون ايضا.

رابعا كي تنجح محادثات جنيف 2، مطلوب من الاسرة الدولية أن تنسق السياسة، معنى الامر اسرة دولية موحدة، تلزم سواء ايران أو السعودية بالموافقة على المسيرة السياسية، واداء دور ايجابي في دفع الطرفين إلى تقديم التنازلات. وصحيح حتى الان، رغم أن روسيا ومبعوث الامم المتحدة إلى سـوريـا، الاخضر الابراهيمي، دعوا ممثلي ايران إلى جنيف فان السعوديين يترددون في فكرة أن تجلس ايران إلى الطاولة في جنيف. التنسيق ووحدة الهدف ينقصان ايضا عند الحديث عن اللاعبين الخارجيين، المؤيدين للمعارضة السورية، والامر يبرز اكثر اذا أخذنا بالحسبان اثار عدم التوافق بين الولايات المتحدة والسعودية بالنسبة لسورية.

عند النظر إلى هذه التحديات ثقيلة الوزن، نرى أن الاحتمالات ليست في صالح جنيف 2، اضافة إلى ذلك، ففي الاسابيع ما قبل المفاوضات يحتمل تصعيد في مستوى العنف داخل سـوريـا، حيث سيحاول الطرفان تحسين مواقعهما العسكرية بهدف زيادة قوة المساومة في مؤتمر جنيف. في ضوء هذا التوقع القاتم، فإن على الاسرة الدولية أن تتحد وأن تمارس الضغوط الدبلوماسية والسياسية الكبيرة على كل الأطراف من أجل الوصول إلى حل سياسي وسط. كما أنه بقدر ما تكون هذه الامكانية مرغوبا فيها فإنها تبدو غير معقولة.

نظرة عليا. القدس العربي.

خمسة أسباب تمنع عقد جنيف!/ راجح الخوري

مؤتمر جنيف – 2 لن يعقد في 23 الجاري وليس من المرجح ان يعقد في كانون الاول المقبل، واللقاء بين الاميركيين والروس المقرر الثلثاء المقبل لن يتمكن من حل مجموعة التعقيدات التي لا تزال تواجهه !

هذه التعقيدات لا تأتي من جانب واحد وإن كان النظام السوري يضع الجزء الاساسي منها، فالموقف الروسي ايضاً يشترط ما يمكن ان يشكل عقدة تحول دون عقد المؤتمر، خلافاً لما يقوله سيرغي لافروف الذي يحاول ان ينزع شروط “جنيف – 1” من اهداف “جنيف – 2” لجهة حصول عملية انتقال سياسية كاملة وجادة !

بعد جولة الاخضر الابرهيمي وما سمعه في دمشق يمكن ايراد العراقيل الآتية التي تواجه المؤتمر :

1 – الرئيس الاسد أبلغ الابرهيمي الذي جلس امامه مكتوفا ومرتبكاً، ان الخطوة الاهم لتهيئة الظروف المؤاتية للحوار هي وقف دعم المجموعات الارهابية والضغط على الدول الراعية لها، التي تقوم بتسهيل دخول الارهابيين والمرتزقة الى الاراضي السورية، ومن ثم يتم وضع الآليات الواضحة لتحقيق الهدف من الحوار… وهذا يعني عملياً انه يريد وقف النشاط الميداني للمعارضة قبل الذهاب الى جنيف وهو امر ليس منطقياً او مقبولاً على الاطلاق!

2 – يتعمق الخلاف بين الاميركيين والروس حول الدور الذي يفترض ان يلعبه “الائتلاف السوري” في المفاوضات، ويقول لافروف ان الائتلاف هو واحد من اطراف المعارضة المتعددة التي يفترض ان تحضر، وفي مقدمها مثلاً “معارضة الداخل”، التي تمثل صدى لصوت النظام، ومن الواضح ان هذا الموقف يهدف اولاً الى اثارة الانقسامات بين المعارضين انفسهم الذين تعصف الخلافات بينهم، وثانياً بينهم وبين المعارضة المدسوسة من النظام، بما يؤدي عملياً الى انهيار المؤتمر واتهام المعارضة بإفشاله بما يفتح الابواب امام بقاء الاسد في السلطة في غياب هيئة تتولى المسؤوليات في المرحلة الانتقالية التي نص عليها “جنيف – 1”.

3 – عندما تعلن دمشق ان مؤتمر جنيف يتعلق بالشأن الداخلي السوري ويجب ان يعقد بادارة سورية، فهذا يعني ان الاسد يتحضّر لترؤس هذا المؤتمر، وهو أمر ترفضه المعارضة جملة وتفصيلاً، بما يشكل عقدة جوهرية تواجهه.

4 – ليس خافياً ان الروس يحاولون اعطاء دور رئيسي للاسد في المرحلة الانتقالية وهو ما يرفضه الاميركيون، وعندما يقول الابرهيمي ان الاسد كان معزولاً فصار شريكاً، وعندما يعلن الاسد عزمه على الترشّح لولاية جديدة، ويقول الابرهيمي ان أنصاره يريدون ترشيحه، فلماذا تذهب المعارضة الى جنيف؟

5 – الانكى من كل هذا، ما يقوله جيفري فيلتمان من ان عدم انعقاد المؤتمر سيعني ترشّح الاسد للولاية المقبلة.

واهم من يتصور اننا ذاهبون الى جنيف، بينما ينزلق الوضع الى صومال سورية!

النهار

الفصل والربط بين جنيف – 2 والنووي الإيراني/ وليد شقير

تقف التحضيرات لعقد مؤتمر جنيف – 2 أمام معضلات كان من الطبيعي أن تطلق كل هذه التسريبات والتقديرات بأنه سيتأجل، سواء الى كانون الثاني (يناير) المقبل أم الى أجل آخر أبعد منه.

فالمعضلة الأولى والجوهرية هي كيفية رسم إطار العمل للمؤتمر، وتحديداً في خصوص قيام الحكومة الانتقالية الكاملة الصلاحية وموقع الرئيس السوري بشار الأسد وأعوانه فيها، فالأطراف الرئيسيون المعنيون برسم هذا الإطار ما زالوا غير متفقين على صيغة محددة لدور، أو لا دور، الأسد في عمل هذه الحكومة الانتقالية وصلاحياتها. لا روسيا تملك تصوراً لترجمة موقفها بأن بدء هذه المرحلة لا يعني أنها ستنتهي ببقاء الأسد، ولا الولايات المتحدة الأميركية تملك خطة واضحة في شأن المعادلة التي قبلت بها بأن بدء المرحلة الانتقالية ليس مشروطاً برحيل الأسد. فبين البداية والنهاية عوائق بل أهوال، لا تقتصر على مسألة كيفية تمثيل المعارضة ولا تتوقف عند القوى الإقليمية التي يفترض أن تشارك في التسوية في سورية وعليها.

وإذا لم تحصل مفاجأة في اجتماع الجانبين الأميركي والروسي يوم الإثنين المقبل لمحاولة الاتفاق على إطار العمل لجنيف – 2، فإن الأسد يكون جعل نفسه العائق الأساسي أمام انعقاد المؤتمر، حين اشترط لإنجاحه أن توقف دول خارجية دعمها للإرهابيين. فرأس النظام، على رغم ترويج إعلامه وحلفائه أن الاتفاق الأميركي – الروسي على التخلص من سلاحه الكيماوي حقق له نصراً، لأنه قضى ببقائه في السلطة مقابل هذا التنازل، ما زال غير واثق بأن موسكو تشاركه هذا النصر إذا بقيت على موقفها القائل بأن نهاية المرحلة الانتقالية قد تفضي الى رحيل الأسد إذا كانت بدايتها تقضي باستمراره في السلطة. ويهمه الموقف الروسي، لأنه قطع الأمل من تعديل الموقف الأميركي الذي يقول إن عليه الذهاب ولم يعد ممكناً إعادة بناء سورية سياسياً واقتصادياً بوجوده، على رغم كل الحملة الإعلامية السياسية التي تفتعلها الجبهة المدافعة عنه لتوحي أن واشنطن عدّلت موقفها. والقلق من الموقف الروسي يعود الى إدراك الأسد أن بقاءه في السلطة هو ورقة في يد موسكو، بينما هو ليس ورقة في يد أميركا أصلاً، القليلة الأوراق أساساً في سورية أو غير المهتمة بالشرق الأوسط والمنطقة إلا من زاوية أمن الحليف الإسرائيلي فقط لا غير. وحين يكون ورقة فهذا يعني أنها قابلة للصرف أو الرمي في المبادلات والمقايضات والتسويات.

هناك وجه آخر لهذا العائق الجوهري أمام إمكان نجاح جنيف – 2، يتعلق بالمدى الذي يمكن إيران أن تذهب إليه في قبول حكومة انتقالية كاملة الصلاحية في سورية، بصفتها شريكاً مفترضاً في دعم قيام هذه الحكومة، طالما أن القوى الكبرى الرئيسة تصر على حضور طهران المؤتمر. وإذا كان وجود الأسد في السلطة واستمراره ورقة في يد موسكو، فإن شريكها الأول في امتلاكها، طهران، ليست في وارد المساومة عليها. وبافتراض استعدادها لهذه المساومة، فمن الصعب تصور سهولة استعدادها لهذه المقايضة، كما هي السهولة عند موسكو، بعد التضحيات التي بذلتها في منع سقوط رأس النظام، سواء بالمال أم الرجال أم بإقحامها «حزب الله» في المستنقع السوري. وإذا كانت طهران أعطت إشارات مرضية لواشنطن عن استغنائها عن السلاح النووي واستعدادها لإثبات سلمية برنامجها للطاقة النووية، فإن إمساكها بسورية يمثل بالنسبة إليها «القنبلة» البديلة للسلاح النووي، والتي تشكل عقدة الوصل الأساسية في تمدد نفوذها الإقليمي. وعلى رغم الفصل الحاصل بين التفاوض الأميركي (والغربي) مع إيران على ملفها النووي، وبين التفاهم الأميركي – الروسي على سورية عبر اتفاق التخلص من الكيماوي والسعي للحل السياسي السوري في جنيف – 2، يستحيل تجاهل الخيط الرفيع الذي يربط بين المسألتين.

وإذا كان على موسكو أن تحسب حساب طهران في التصرف بورقة بقاء الأسد أو استمراره في تفاوضها مع واشنطن، فإن على الأخيرة أن تحسب حساب إسرائيل في تفاوضها، هي وموسكو، مع إيران على النووي. فالدولة العبرية لا تطمئن الى نتائج التقدم في علاقات طهران مع إدارة باراك أوباما إلا إذا كان يشمل ضمان أمنها، ومن ضمنه دور «حزب الله» في لبنان وفي سورية. ولا يمكن أوباما أن يهمل مصالح إسرائيل مثلما يهمل مصالح حلفائه الخليجيين. وبالتالي لا بد من أن يضمن انعكاس التسوية المحتملة على النووي مع إيران تفاوضاً بين الأخيرة وبين إسرائيل حول ضمان أمنها. ومن هنا الربط بين النووي وبين المعادلات التي تتحكم بجنيف – 2، ما يطرح السؤال حول ما إذا كان التقدم على مسار يحتم انتظار التقدم على المسار الثاني، والعكس.

خلاصة القول إنه يصعب فصل التفاوض على الحل السياسي في سورية عن النووي الإيراني، مع ما يعنيه من نفوذ إقليمي، من دون الولوج في الصفقة الكبرى على توزيع النفوذ. وفي الانتظار لا مشكلة لدى الدول الكبرى في التباكي على الوضع الإنساني في سورية، وفي التفرج على إطالة الحرب فيها كرّاً وفرّاً…

الحياة

مسؤولية الأمم المتحدة عن إنجاح «جنيف 2/ راغدة درغام

روسيا عازمة على انعقاد مؤتمر «جنيف 2» المعني بالأزمة السورية خلال تشرين الثاني (نوفمبر) إن وافقت المملكة العربية السعودية على المشاركة فيه أو رفضت، وموسكو تعتقد أن إيران بالتأكيد ستحضر المؤتمر إن حضره العرب أو غابوا عنه بغض النظر عن أن سورية دولة عربية. فروسيا تصر على انعقاد جنيف – 2 في موعده، أي الموعد الذي قررته قبل نهاية هذا الشهر لأنها واثقة أن المعارضة السورية لن تتمكن من لملمة نفسها للتوجه بوفد موحد إلى المؤتمر ضمن هذه الفترة الوجيزة. تصر على الموعد لأنها مرتاحة إلى ارتياح الرئيس السوري بشار الأسد إلى وضعه في أعقاب الاتفاق الدولي على قرار مجلس الأمن لتدمير ترسانته من الأسلحة الكيماوية واتخاذه شريكاً ضرورياً لتنفيذ التدمير. موسكو لا تريد أن تخسر «زخم» الحدث السوري المتمثل بضعف الإدارة الأميركية واستعدادها لالتقاط أية فرصة تعفيها من الاستحقاق، عسكرياً أو سياسياً. إنها عازمة على انعقاد جنيف – 2 لأنها واثقة من فشله. لذلك تصر على موعده كي تبرر مرحلة جديدة من الأزمة السورية عنوانها أن لا لاعب جدياً آخر في مستقبل سورية سوى النظام الحاكم في دمشق لأن البديل هو إما «جبهة النصرة» وأمثالها أو امتناع المعارضة السورية عن الانخراط في البحث عن حل سياسي لمستقبل سورية.

لهذه الأسباب، يجب على وزراء الخارجية العرب المجتمعين في القاهرة يوم الأحد المقبل أن يتخذوا قراراً يفاجئ الرهان الروسي على إفشال جنيف – 2. عليهم أن يرسموا استراتيجية واعية بعيدة عن الاعتباطية وعن أنماط الوقوع في فخ الرد أو الاستفزاز. هذه مرحلة تتطلب تجرع «كأس السم» بدلاً من المزايدة على الذات وتنفيذ استراتيجية الآخر. على الوزراء العرب الذين سيجتمعون للبحث في موقفهم من جنيف – 2 في القاهرة أن يتقدموا بمبادرة تدهش كل من راهن على سيرة العجز وقصر النظر التي ربطتها بالقرارات العربية.

وعلى المعارضة السورية التي تطلب غطاءً عربياً لذهابها إلى جنيف – 2 أن تذهب أولاً إلى القاهرة باستراتيجية واعية بعيدة عن الطفيلية عنوانها أن مجرد الذهاب إلى جنيف – 2 يعني تخرّجها من الصبيانية التي قزّمتها. اذهبوا إلى جنيف، يا معارضة سورية، طالبوا بمرجعيات من دون أن تقعوا ضحية اللاءات. فعنوان جنيف – 2 هو «الانتقالية» من النظام الحاكم إلى حكم جديد. بحد ذاته مبدأ يجب التقاطه والبناء عليه، اذهبوا إلى جنيف لتقلبوا على موسكو وطهران ودمشق رهانهم على تحميلكم مسؤولية فشل جنيف. وظفوا احتجاج وزراء الخارجية العرب ليصبح ورشة عمل تضع معايير ومعالم المشاركة في جنيف – 2 وترسم استراتيجية تجعل من الأمم المتحدة شريكاً جدياً مسؤولاً عن تعريف مرجعية المؤتمر وشروط المشاركة فيه. فهذا ليس وقت حفر بئر آخر تقع فيه المعارضة السورية. إنه ليس وقت التذمر ولوم الآخر. إنه وقت لملمة النفس وعض اللسان والانقلاب على الرهان على شرذمة المعارضة السورية.

منطقياً، وعلى ضوء ما حدث أثناء جولته في المنطقة، أن ممثل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في سورية الديبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الإبراهيمي لربما يجهّز نفسه للاستقالة – هذه المرة بجدية. فلقد أفشل جميع المعنيين بجولة الإبراهيمي، وهو أيضاً لم يقصِّر في إفشال نفسه نتيجة ازدرائه واستهتاره بالمعارضة السورية ومَن وراءها بالتزامن مع إلحاحه على دور لإيران كان يدرك جيداً معارضة دول عربية خليجية له بالذات على طاولة المفاوضات السياسية في مؤتمر جنيف – 2 الذي يتم الإعداد لانعقاده لبحث مستقبل سورية. المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية رفضتا استقبال الإبراهيمي فيما كاد استقباله في تركيا أن يكون أسوأ إذ رفض رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أن يلتقيه واختزل الرئيس عبدالله غول لقائه به إلى شبه زيارة لياقة. في إيران احتفى المسؤولون الإيرانيون بالإبراهيمي وبتصريحاته التي جعلت من مشاركة إيران في جنيف 2 ركناً لا يمكن الاستغناء عنه، لكنهم لم يرفقوا وداعه بأي التزام بجنيف – 1 الذي يشكل المرجعية لجنيف – 2. فكعادتهم في إتقان فن التفاوض وتنفيذ مبدأ «خذ وطالب»، ابتسم المسؤولون الإيرانيون بتملص من الالتزام بعدما أخذوا ما أرادوه من الممثل الأممي – العربي وأدخلوه الجيب. هكذا وقع الإبراهيمي، أو أوقع نفسه، في الاستقطاب. لعله يستحق الكثير من الانتقاد والعتب، لكنه لا يستحق الإهانة ولن يقبل بها. لذلك، الأرجح أنه على عتبة الاستقالة فإذا كان، ليته يفعل ذلك سريعاً كي لا تصبح استقالته أيضاً سلعة للاستقطاب إنما مهما كان مصير الإبراهيمي ودوره، من الضروري لوزراء الخارجية العرب المجتمعين في القاهرة للتحدث حصراً عن سورية ومؤتمر جنيف – 2 أن يدققوا في ما الذي يريدونه بعد الإبراهيمي – هذا إذا سمح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف باستقالة صديقه أو إذا وافق وزير الخارجية الأميركي جون كيري على الاستقالة. فكلاهما يريد الإبراهيمي في مقعد قيادة عربة اتفاقهما على جنيف – 2، وهما سيعارضان تنحيه بشدة.

جون كيري لا يأخذ النقمة الخليجية على الإبراهيمي على محمل الجد وهو في نكران تام لمدى الغضب السعودي من الأمم المتحدة ومن الولايات المتحدة. انه يبني حساباته حول مَن سيحضر أو سيغيب عن جنيف – 2 على أسس قديمة في العلاقة الأميركية – السعودية. لذلك انه يُطمئن الأمم المتحدة أن الرياض ستحضر في نهاية المطاف. والأرجح انه لا يحسن قراءة ما آلت إليه المواقف السعودية في الفترة الأخيرة نحو الولايات المتحدة ونحو الأمم المتحدة بسبب إقبالهما بشغف على إيران واستعدادهما «تشريع» دورها في سورية عبر طاولة المفاوضات.

إصلاح العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية أمر في غاية الأهمية وهو أمر ثنائي بين الدولتين في نهاية المطاف مهما كان العنصر الإيراني بارزاً فيها، أو مهما كانت الخلافات حول سورية جذرية. واشنطن والرياض تدركان أن العلاقة التاريخية بين الدولتين لن تنهار لكن الاستياء السعودي من السياسة الأميركية نحو سورية وإيران ليس تمثيلية. انه أكثر من مجرد انزعاج من السياسة الأميركية لأن ما تحتج عليه الديبلوماسية السعودية يدخل في خانة موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط ويصب في خانة الاستعداد الأميركي لإضفاء الشرعية على الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة العربية، بالذات في بلدين مهمين عربياً: العراق وسورية. لذلك، يخطئ كيري إذا افترض أن هذه سحابة عابرة.

يخطئ كيري، بل يورّط الأمم المتحدة، إذا أوحى لها أن المملكة ستوافق على الجلوس إلى طاولة جنيف – 2 في النهاية. فهذا رهان خاسر ليس فقط من حيث فرضيته وإنما من حيث معناه. ذلك أن الأفضل للأمم المتحدة أن تعمل بجدية على إصلاح العلاقة مع السعودية لأنه في مصلحة الطرفين. ومن الضروري للرياض أن تتبنى الانخراط، بدلاً من المقاطعة، في استراتيجية يجب أن يكون هدفها إصلاح وتطوير العلاقة مع المنظمة الدولية.

على الأمين العام بان كي مون ونائبه يان الياسون – وهو رئيس «مجموعة الاتصال» المعنية بمتابعة ومواكبة التطورات السورية – التوجه إلى طاولة رسم السياسات لإعادة النظر في ما هي الخيارات المتاحة الآن في أعقاب إفشال جولة الإبراهيمي.

فإذا أراد الاستمرار في العمل نحو عقد جنيف – 2 عليهما، أولاً، أن ينخرطا شخصياً معاً في إصلاح العلاقة مع السعودية لأن لها نفوذ مع المعارضة السورية التي لن يكون ممكناً عقد جنيف – 2 من دون مشاركتها.

ثانياً، على بان والياسون والفريق الذي يدعم الممثل الخاص في مبنى الأمانة العامة في نيويورك – ومن بينهم وكيل الأمين العام للشؤون السياسية جيفري فيلتمان – أن يتوقفوا عن المواربة في تحديد مرجعية جنيف – 2 ومؤهلات الذين يشاركون في المؤتمر. فليس كافياً القول إن رسالة الدعوة للمشاركة ستنص على أن مرجعية جنيف – 2 هي جنيف – 1 أي إطلاق العملية السياسية الانتقالية في سورية عبر هيئة تتفق عليها الحكومة والمعارضة تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية. يجب الحصول على ضمانات مسبقة بأن الدولة التي ستتشارك في جنيف – 2 ستعلن قبولها بمرجعية جنيف – 1. يجب أن يكون ذلك شرطاً مسبقاً للدول التي ستُدعى إلى جنيف – 2. فالمعركة على تفسير جنيف – 1 دامت سنة ونصف، وما زالت مستمرة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على رغم الاستعداد الأميركي «للتوريق» فوقها الآن. ذلك أن «عقدة الأسد» ما زالت العقدة وليس هناك ما يفيد بأن روسيا – أو إيران – على استعداد للتخلي عن إصرارهما على بقاء فعلي وفاعل للأسد في العملية السياسية الانتقالية وفي الحكم في سورية. لذلك انهما تتملّصان من الوضوح في شأن جنيف – 1. مفهوم أن روسيا كدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن ستكون طرفاً في جنيف – 2 بغض النظر عن وضوحها أو غموضها نحو جنيف – 1. إنما ليس هناك من داعٍ لأي كان أن يُدعى إلى جنيف – 2 محمَّلاً بالغموض وبالتملص عندما يُسأل عن موقفه من إنشاء هيئة للعملية السياسية الانتقالية يكون لها كامل الصلاحيات لإدارة البلاد. فحقيقة الأمر أن طهران لا توافق على ذلك.

على بان والياسون أن يتذكرا – بل أن يُذكرا العالم – أن عدد القتلى السوريين عند انعقاد جنيف – 1 في حزيران (يونيو) 2012 كان حوالى 10 آلاف شخص. اليوم، إن العدد وصل إلى أكثر من 110 آلاف قتيل فيما استمرار المعارك السياسية على تفسير ما تم الإجماع عليه في بيان جنيف – 1.

عليهما البدء في التفكير بدورهما المباشر في صنع جنيف – 2 في حال استقال الإبراهيمي. فهذه مناسبة لانخراطهما الضروري في المأساة السورية كي لا يظهرا وأنهما في احتفاء دائم بإعادة ملف سورية إلى الأمم المتحدة عبر بوابة الأسلحة الكيماوية وعلى متن عربة الوفاق الأميركي – الروسي الذي أعاد الإجماع على قرار تدمير الترسانة الكيماوية السورية إلى مجلس الأمن. فلقد حان موعد الاستفاقة من الاحتفاءات المفرطة – بعض منها لأسباب خيالية – فيما الواقع على الأرض يسجّل دموية مستمرة ويدشن اندلاعاً خطيراً للنزاع السوري على الأراضي اللبنانية.

يجب ألاّ تكون الأمم المتحدة شريكاً للاستراتيجية الروسية المصرّة على انعقاد جنيف – 2 في موعده ضماناً لفشله – وهذه مسؤولية بان والياسون بصورة مباشرة. على الأمانة العامة الاستدراك لأنها في فوهة البركان. والأهم، ولأنها عنوان القيادة الأخلاقية، على الأمانة العامة أن تكف وراء الاختباء وراء عجز مجلس الأمن حيناً أو إجماعه حيناً آخر. فهي في مسألة مؤتمر جنيف – 2 تمتلك مفاتيح انعقاده. فليشمّر بان كي مون ويان الياسون عن ساعديهما ويدخلا بقوة في عملية إنجاح جنيف – 2 بدلاً من القبوع في ظل ما ترتأيه الولايات المتحدة وروسيا

الحياة

الإبراهيمي: تسطيح البراغماتية/ حسام عيتاني

يثير المبعوث العربي- الأممي الأخضر الإبراهيمي غضباً دورياً، تتبادله الأطراف المعنية بالحرب الأهلية في سورية.

وسائل الإعلام تنسب إلى الرجل تصريحات متناقضة تستدعي توضيحات منه ومن مساعديه. ساعة ينتقد بشار الأسد وعنف أجهزته حتى يُقال إن الإبراهيمي بات شخصاً غير مرغوب به في دمشق. وفي اليوم التالي يجلب على نفسه غضب المعارضة السورية التي تعتبر أنه أصبح متحدثاً باسم النظام ويروج لبقاء الأسد في منصبه لفترة مفتوحة.

السنة (وبضعة أشهر) التي أمضاها الإبراهيمي في منصبه بعد تنحي سلفه كوفي أنان، كانت مثالاً حياً على مدرسة الديبلوماسية التي ينتمي إليها وزير الخارجية الجزائري الأسبق. وإطلاق الأحكام على الإبراهيمي بالانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، يتجاهل، عملياً، الخلفية الثقافية والمهنية التي يأتي منها.

تنبغي العودة هنا إلى تجارب الرجل في ديبلوماسية تسوية النزاعات. وعلى رغم طول لائحة الصراعات التي أوفد للبحث عن حلول لها، يجوز الاعتقاد أنه التزم مقاربة واحدة حيالها كلها. وتقوم مقاربته على حل وسط بين المكونات المستندة في الغالب إلى الهوية الطائفية أو القَبَلية بما يعكس موازين القوى في لحظة الاتفاق وتظلله رعاية دولية وإقليمية تستمر من دون أي ضمانات.

هذا، باختصار ما أنجزه في لبنان أثناء عمله في اللجنة العربية التي أعدت اتفاق الطائف عام 1989: عَكَس الاتفاق صلابة التحالف السوري- المسلم، آنذاك، مقابل تفكك المعسكر المسيحي الذي تخلى عنه الغرب. ونقل الجزء الأكبر من صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي إلى مجلس الوزراء وإلى رئيسه المسلم السني، ضمناً. حظي “الطائف” بغطاء عربي ودولي واسع فرض على معارضيه تنفيذه، بعد إسقاط رئيس الحكومة العسكرية ميشال عون بالقوة.

مساعي الإبراهيمي في العراق أواسط العقد الماضي أثناء البحث في وضع دستور جديد وأفغانستان لم تخرج عن هذا الإطار. والنتائج في العراق ولبنان ماثلة للأبصار لمن يريد الاعتبار.

المبعوث العربي والأممي لا يسعى إلى صوغ توافقات جديدة ولا إلى تغيير صيغة تمثيل القوى الاجتماعية وتظهير حساسياتها ومصالحها وتطلعاتها. ما يهمه، على ما تقول التجربة، تسوية ضمن الظروف الآنية تنهي سفك الدماء والدمار. الأسس التي تنهض عليها التسويات هذه ليست من اهتماماته. استئناف الصراعات، على ما يجري في لبنان والعراق، مثلاً، خارج الإطار الذي يفكر فيه والمحصور في اللحظة التي يعمل فيها. هذا ما يفسر تغيير مواقفه المعلنة وفق تبدلات موازين القوى الميدانية والسياسية، داخل سورية وخارجها.

عليه، فإن العثور على صيغة لاستمرار النظام لا ينبع من طبيعة الإبراهيمي المنحازة للأسد، على ما يقول المتحدثون باسم المعارضة، مثلما لم تأت الانتقادات القاسية التي وجهها إلى الحكم في دمشق في فترات سابقة. كل ما في الأمر أن المبعوث برّز في الأسابيع الماضية ما قرأه من تغيرات في مسار الأحداث وعجز المعارضة عن إحراز أي تقدم استراتيجي، عسكري أو سياسي وضياعها في متاهات صراعاتها وولاءاتها المتناقضة، مقابل التحسن الكبير في صورة النظام بعد تسليمه أسلحته الكيماوية، واستعداد المجتمع الدولي لعقد صفقة معه.

نعم، لا تنطوي النظرة هذه على أي محتوى مبدئي مساند لحق السوريين في اختيار نظام مختلف وأكثر تطوراً من النواحي التمثيلية والديموقراطية عن نظام الأسد. لكنها بالتأكيد تعكس فهماً براغماتياً، بحد أقصى من التبسيط بل التسطيح لمفهوم البراغماتية، يقول بالوقف السريع للقتال مهما كلف الأمر حتى لو جاء ذلك عبر هدنة تؤسس لأهوال مقبلة.

الحياة

جنيف – 2 أو الدمار الشامل/ سميح صعب

تتمثل العقبة الاساسية في عدم حسم موعد مؤتمر جنيف – 2 في غياب التوافق الاقليمي على عقده، إذ ترى دول الخليج العربية بنسب متفاوتة ان انعقاد المؤتمر الآن يعني ببساطة الدخول في تسوية مع الرئيس بشار الاسد، وهذا ما تحاول تجنبه بشتى الطرق مراهنة في الوقت عينه أن دعماً عربياً ودولياً بالسلاح والمال للمعارضة السورية المعتدلة يمكن ان يقلب الموازين العسكرية على الارض ويجعل الاسد على الاقل يقبل بتسوية على طريقة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، أي الخروج الآمن من السلطة.

ولعل هذه نقطة الخلاف الجوهرية التي تحول حتى الان دون موافقة السعودية على جنيف-2، بينما يصدر عن وزير الخارجية الاميركي جون كيري كلام يؤيد عقد المؤتمر في سياق اتفاق اوسع مع روسيا ينص على تدمير ترسانة سوريا من الاسلحة الكيميائية وربما التحضير لاتفاق اشمل يضمن تسوية للملف النووي الايراني ليحدث نوع من الربط الموضوعي بين ملفات النزاع في المنطقة.

ورداً على موقف الرياض، يحذر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بينما كان الابرهيمي يلتقي الاسد، من ان استمرار الرهان على قلب النظام السوري بالقوة، سينعكس سلباً على كل دول المنطقة. واذا كان كلام لافروف لا يحتاج الى ايضاح المقصود به، فإن زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لواشنطن تبعث برسالة اوضح الى الخيارات البديلة لادارة الرئيس باراك اوباما في حال استمرار الخلاف الاميركي – السعودي، فكم بالحري اذا حدث اختراق في العلاقات الاميركية – الايرانية.

تدل الاحداث الجارية في المنطقة على ان لا شهية لاميركا لشن حروب جديدة. وواضح ان سوريا كشفت حدود القوة الاميركية في العالم، وما يمكن اميركا ان تقدم عليه من الان فصاعداً وما يمكن ان تحجم عنه. ولا يبدو ان الاتهامات لاوباما بالضعف والتخاذل او الانعزالية او الانهزام او الهروب من الشرق الاوسط، يمكن ان تغير في واقع كون الولايات المتحدة لم تعد وحدها في العالم وان ثمة قوى اخرى استعادت قوتها كروسيا او هي تبني قوتها مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا.

ولم يعد النظام العالمي الجديد عالماً افتراضياً، بل صار عالماً واقعياً يترسخ اكثر فأكثر. وفي عالم كهذا يصير العتب الخليجي على اوباما لأنه لم يستخدم القوة لاسقاط الاسد، كما اسقط سلفه جورج بوش صدام حسين في العراق عام 2003، أمراً غير واقعي، بينما تقتضي القراءة السياسية الواقعية وليس المثالية لاحداث المنطقة، الانخراط في الجهود الدولية من أجل تسهيل الحل السياسي في سوريا، وذلك تجنباً لسيناريوات اسوأ ليس اقلها تفتيت المنطقة تماماً على اسس طائفية ومذهبية وعرقية.

النهار

لا جنيف – 2 للبنان إلاّ مع دول الجوار/ خليل فليحان

لم يخف الموفد الاممي والعربي الاخضر الابرهيمي على المسؤولين الذين التقاهم، ان جولته الاستقصائية التي شملت ثماني دول ما عدا لبنان، اظهرت ان بعض المواقف من مؤتمر جنيف -2 ليست فقط مختلفة بل متناقضة، حتى انه تعذّر عليه ان يكوّن صيغة متكاملة واحدة لانعقاده، لذا لم يجزم أي مسؤول بأن لبنان سيشارك في هذا المؤتمر في حال التئامه أو لا.

وافاد مصدر ديبلوماسي في بيروت “النهار” ان الابرهيمي افهم من التقاهم من المسؤولين امس انه امام خيارين الاول توجيه دعوة تضم دول الجوار واعضاء من الوفد المعارض، وستوجه الى لبنان. والثاني توجيه دعوة مختصرة، مقتصرة على مفاوضات سورية – سورية برعاية الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والامين العام للامم المتحدة من دون دول الجوار، وفي هذه الحال لن يتلقى لبنان دعوة.

وذكر ان الابرهيمي يميل الى الخيار الثاني لتجنب اي مسعى لمنع انعقاد المؤتمر، لانه في نظره يجب عدم الاستهانة بالسعودية التي لها طاقة على منع انعقاد هذ المؤتمر. وأكد الابرهيمي انه في حال انطلاق الحوار بين النظام والمعارضة الى حد معقول، سيعلن الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون موعد انعقاد المؤتمر.

وأكد ان اي موعد نهائي لانعقاد المؤتمر لم يحدد بعد، وهناك موعد تقريبي مع الاميركيين والروس في23 من الجاري أو 24 منه اذا تبين من جولته ان نتائجها ايجابية.

وافاد ان الابرهيمي تجنب حضور الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية الدول العربية عصر الاحد في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، والمخصص لتشجيع المعارضة السورية على حضور جنيف – 2. وتجدر الاشارة الى ان على الابرهيمي ان يقدم تقريراً الى الوزراء عن حصيلة جولته، لانه يمثل الجامعة في مهمته عن الازمة السورية، وسبب غيابه هو عدم الافساح في المجال لصدام محتمل او تشويش على مهمته مع الدول القوية والمؤثرة، كالسعودية ومن يدور في فلكها، ولذا سيسافر اليوم السبت الى جنيف ومنها سينتقل الى باريس الاثنين لعقد لقاءات في العاصمة الفرنسية متصلة بمهمته، على ان يعود الى جنيف لعقد اللقاء مع ممثلين اميركيين وروس لتقويم نتائج محادثاته في تسع دول والقيام بجردة للعقبات، وهو يسميها “مشاكل كل دولة وتخوفاتها ورأبها”.

وسمعوا منه ان الاجتماع الوزاري غدا الاحد تقرر بعدما طلب وزير الخارجية الاميركي جون كيري من نظيره السعودي الامير سعود الفيصل خلال لقائهما في منزله في باريس، غطاء عربيا لتشجيع المعارضة على حضور جنيف – 2، ولم يعارضه المسؤول السعودي. غير ان المعلومات الواردة الى بيروت تفيد ان الفيصل سيقاطع الاجتماع الوزاري، وسيكلف المندوب لدى الجامعة تمثيل المملكة، وهذا مؤشر لعدم الارتياح الى عقد المؤتمر بالمعطيات الحالية.

واستبعدوا من خلال ما عرضه المبعوث الاممي والعربي ان تنتج من تقويم الثلثاء المقبل خطوة متقدمة تجعل الامين العام للمظمة الدولية يقدم على تحديد موعد لعقد المؤتمر، في انتظار ما سيتخذه معارضو الخارج السوري من موقف في التاسع من الشهر الجاري في اسطنبول ومحادثات كيري في الرياض السبت المقبل، مما اذا كان المؤتمر يمكن عقده في وقت قريب ام لا.

النهار

جنيف – 2 والمعارضة/ غازي العريضي

أحد الأسباب المعلنة لرفض المعارضة المشاركة في جنيف 2، هو دعوة الإبراهيمي إلى ضرورة إشراك إيران لأنها جزء من الحل فكان الرد عليه، “إن إيران جزء من الأزمة

يبدو واضحاً أن الفصائل المسلحة في سوريا المعارضة للنظام لا تريد انعقاد مؤتمر جنيف 2 وترفض المشاركة فيه. بعضها اعتبر المشاركة خيانة، البعض الآخر رفض ولم يقل كلمة، بل استمر في القتال على الأرض، والبعض الثالث يقول، إن المؤتمر مضيعة للوقت.

الجامع بينهم هو الإصرار على إسقاط النظام، كيف؟ ومتى؟ وماذا بعده؟ لا جواب واحداً عندهم. كل يغني على ليلاه، وعلى مشروعه، وارتباطاته وتحالفاته ومصالحه، ولا أفق ولا رؤية واحدة لسوريا ما بعد النظام!

والنتيجة احتمالان: إما أن تكون الدعوة لـ “جنيف 2”. فيحضر رئيس النظام من خلال وفد رسمي وتحضر معه معارضة الداخل، معارضته كما يسميها البعض. تغيب “المعارضة” بكل فصائلها فيحملونها مسؤولية عدم التوصل إلى نتائج. يعود النظام أقوى سياسياً، أقوى معنوياً. أكثر تعاوناً مع ما يسمّى المجتمع الدولي، بعد الإشادة بتعاونه والتزامه بالقرارات الدولية في ما يخص تدمير السلاح الكيميائي.

وإذا لم تتم الدعوة إلى المؤتمر، فسيكون السبب موقف الفصائل المسلحة المختلفة، وبالتالي سيقول النظام إنه أراد تسهيل الأمور ووافق على الحضور، واستكمل كل الإجراءات الكفيلة بإنجاح المؤتمر والتجاوب مع دعوة الأمم المتحدة، وخصوصاً مع الاتفاق الأميركي- الروسي. لكن ما يسمى المعارضة رفضت وهي تتحمل المسؤولية وبالتحديد فإن المسؤول هو من يقف وراءها علماً أن الرئيس الأسد أبلغ الأخضر الإبراهيمي “أن نجاح جنيف -2 مرتبط بوقف دعم المجموعات الإرهابية والضغط على الدول الراعية لها، والتي تقوم بتسهيل دخول الإرهابيين والمرتزقة إلى الأراضي السورية وتقدّم لهم المال والسلاح ومختلف أشكال الدعم اللوجستي”. وهذا الموقف اعتبر تصعيداً وتعقيداً وتصعيباً لعقد المؤتمر!

دولياً سيقول الروس والإيرانيون ومن معهم أن حليفهم التزم، وأن لديهم حليفاً معروفاً وهم قادرون على إقناعه. أما الآخرون فهم مشتتون، غير موحدين لا تعرف من يدعم مَن؟ ولا مونة من قبل كل الحلفاء الخارجين والداعمين على فصائل الداخل، وهذا يعني عدم وجود شريك حقيقي للحل وبقاء حالة الفوضى قائمة ومفتوحة. في الحالتين، ستستمر الحرب، وستزداد شراسة، ولن يكون دعماً فاعلاً ومؤثراً وحاسماً للمعارضة، فيما سيكون النظام أكثر قوة وفاعلية ورهاناً على تفكك المعارضة وعزلة من يدعمها وتأكيداً على قدرته على حسم الأمور. والواضح الآن أن لعبته تكمن في تشديد الحصار على المناطق “المستعصية” في وجهه غير آبه ببعض الأصوات التي تطالبه بفك الحصار وتأمين وصول المساعدات الغذائية للمحاصرين. وسيستمر في القصف والتدمير المبرمج والعمل في الوقت ذاته على الاستفادة من الخلافات القائمة في الداخل بين “الجيش الحر” أو ما تبقّى منه والفصائل الإسلامية المتطرفة وعلى رأسها “داعش”، وبين الأخيرة وفصائل إسلامية أخرى، وبين الأكراد وفصائل متعددة، وسيحاول النظام استثمار ما يتعرض له المسيحيون، وإقحام أبناء طائفة الموحدين الدروز في المعركة أكثر إلى جانبه، استناداً إلى ما يتعرضون له في بعض المناطق من مضايقات، واستغلالاً لتفجيرات طاولت بعض مناطق تواجدهم تطرح علامات استفهام كثيرة حول الجهات التي تقف وراءها من قوات نظامية أو قوات معارضة!

وفي الأسابيع الأخيرة تم تسريب معلومات عن اتصالات بين “الجيش الحر” والجيش النظامي، تركزت على إصدار عفو عن العناصر الذين خرجوا من صفوف الجيش النظامي مقابل استعدادات للعودة إلى صفوفه أو التعاون. النظام وافق مبدئياً لكنه ترك توقيت التنفيذ له. هو الآن يريد “استخدام” ما تبقى من الجيش الحر في مواجهة “الإرهابيين” واستمرار التصفيات ومحاولات السيطرة المتبادلة بين بعضهم في عدد من المناطق. تنتهي العملية بإضعاف كل القوى غير الإرهابية. بالقضاء على “الثورة الديمقراطية”. على روح “الربيع” الموعود، وتصبح المعادلة: الدولة ضد الإرهابيين. الدولة، نعم. هكذا تطرح المسألة. هذا الشعار يتلقفه كثيرون في الغرب والشرق الذين لا يريدون الإرهابيين عندهم. يخشون عودتهم إلى ديارهم والقيام بعمليات ضد أنظمتها. فلتستمر الحرب إذاً في سوريا، ليقتلوا هناك، وليستنزف النظام السوري في هذه العملية المفتوحة. وليستنزف معه “حزب الله”، الذي تورط في هذه الحرب. هذه العناوين تخدم الغرب وتخدم إسرائيل والخاسر في النهاية هو سوريا. واللعبة هي لعبة وقت، استثمر بشكل جيد من قبل روسيا وإيران وحلفائهما وراء النظام السوري. هم تقدموا، النظام استخدم الكيماوي وسلّمه فسلِم. استمر، فيما خصومهم تراجعوا، ضاعوا، اختلفوا مع بعضهم البعض. يتبادلون التهم، لا الائتلاف السوري يمثل كل الفصائل. ولا هذه الفصائل يجمع بينها شيء، ولا الدول التي تقف وراءهم متفقة فيما بينها. فتركيا والسعودية وقطر مثلاً تريد تغيير النظام لكن خلافات كبيرة تعصف بينها. فلا اتفاق بين السعودية وقطر ولا بين السعودية وتركيا. ودبّ الخلاف بين السعودية وأميركا بعد الحوار الأميركي- الإيراني دون التشاور مع الحليف السعودي، وروسيا وأميركا متفقتان.

وأحد الأسباب المعلنة لرفض المعارضة المشاركة في جنيف 2 ، هو دعوة الموفد الدولي العربي الأخضر الإبراهيمي إلى ضرورة إشراك إيران لأنها جزء من الحل فكان الرد عليه من خصوم النظام: “إن إيران جزء من الأزمة. هي تقتل الشعب السوري، تقف إلى جانب النظام تحت سوريا. لا يمكن أن تكون جزءاً من الحل، وهي في موقع المحتل”! صحيح أن إيران موجودة في سوريا بشكل فاعل ومؤثر وقيادي للدفاع عن النظام بل لإدارة معركته ومعها “حزب الله” المحسوب عليها وهذا ليس جديداً. وليس سراً، لكن حملة الغرب على “الإرهابين” وعدم الإقدام على تسليح المعارضة تحت ذريعة الخوف من وصول السلاح إلى هؤلاء الإرهابيين، كانت أقوى بكثير من الموقف من مشاركة إيران و”حزب الله” في الحرب السورية إلى جانب النظام. واليوم، لن يتغير الموقف من دور إيران إلا باتجاه الحوار معها. فهي “محور الشر” و”الشيطان الأكبر” جاء لمحاورته. ما يدور من نقاشات بين الأميركيين والإيرانيين عميق جداً، ويتناول ملفات كثيرة ومنها الملف السوري.

وما يطالب به بعض المعارضة لناحية بتّ مصير بشّار قبل الحوار أو على الأقل إعلان نتائج الحوار قبل انطلاقه، بمعنى الاتفاق على الأمور الأساسية لناحية التأكيد على عدم وجود أي دور للأسد في الحل، وتشكيل حكومة كاملة الصلاحيات للإشراف على المؤسسات والأجهزة الأمنية، والقضائية والعسكرية أمر غير وارد على الإطلاق. رغم البيان الذي صدر عن مؤتمر أصدقاء سوريا. ورغم مواقف وزير الخارجية الأميركية جون كيري، الذي حاول استيعاب الغضب السعودي، وتمهيد الطريق لنجاح انعقاد المؤتمر والدفاع عن سياسة بلاده والقول إن الموقف من مستقبل الأسد لم يتغيّر. رغم كل ذلك فإن أميركا ستستمر في سياستها. سيتطور الحوار مع إيران، وإذا تعثر في مرحلة معينة، فإن السبب إسرائيل وليس العرب. وأميركا تقف على خاطر إسرائيل ولا ترى العرب المفككين الضعفاء أمامها، وإذا كان نجاح للحوار، فسيكون لإسرائيل الثمن الذي يرضيها. وستستمر أميركا في التعاون مع الروس، ويبقى الأسد. وله حق الترشح للرئاسة، يقاتل “الإرهابيين”، تدعمه إيران، تحميه روسيا، تشيد به المنظمة الدولية للطاقة الذرية، يشيد به الأميركيون وحلفاؤهم، وتنفتح دول غربية كثيرة عليه أمنياً، مخابراتياً، وهو يصّر اليوم على العلاقة الدبلوماسية العلنية، كما ينفتح كثيرون على إيران.

ما هو جواب المعارضة؟ ماذا لديها؟ ما هي خططها؟ هل هي واثقة من إمكانية قلب المعادلة والوقوف في وجه هذه العملية بمثل السياسة المعتمدة اليوم والتفكك الذي يصيب صفوفها؟

ليس النجاح في منع انعقاد جنيف- 2 من خلال رفض المشاركة فيه والإصرار على إسقاط الأسد ومنع إيران من المشاركة. وليس النجاح في السقوط قبل النظام أو في السقوط معه أو في السقوط بعد سقوطه. أو في استمرار سقوط سوريا في حمام الدم، وسقوط الدولة والمؤسسات، ووحدتها، وليس في ذلك شيء من الربيع أو التغيير. النجاح هو في الوصول إلى التغيير الذي يحمي سوريا ووحدتها وشعبها، وهذا يبدأ بتغيير السياسات والأساليب المعتمدة حتى الآن، انطلاقاً من إعادة النظر في تجارب الأشهر الأخيرة على الأقل.

الاتحاد

ما بعد جنيف 2 !/ د. عبدالحسين شعبان()

لم يستطع النظام السوري، القضاء على المعارضة التي انطلقت شعبياً منذ 15 آذار (مارس) العام 2011 والتي تستمر حتى الآن، بصورة سلمية وسياسية وإعلامية، وإنْ أصبح قسمها الأكبر عسكرياً وعنفياً. كما أنها هي الأخرى لم تتمكّن من الإطاحة بالنظام، على الرغم من تحالفاتها الإقليمية والدولية، ولا شكّ أن الأزمة مستمرة والمأساة متعاظمة، وخصوصاً في جانبها الإنساني، سواء عدد الضحايا الذي زاد على 100.000 (مائة ألف) أو عدد اللاجئين والنازحين الذي تجاوز 8 ملايين إنسان، إضافة إلى تهديم البنية التحتية والمرافق الحيوية والاقتصادية.

خلال السنتين ونيّف الماضيتين لم يتمكّن أي من الفريقين من فرض شروطه على الآخر، وقد دخل العامل الإقليمي والدولي باعتباره عاملاً مؤثراً سلباً وإيجاباً، فلولاه لما كانت المعارضة، ولا سيّما المسلحة تستطيع الاستمرارية بالزخم ذاته بما فيها الجماعات الإرهابية المختلفة والمتفرعة من تنظيمات القاعدة سواءً “دولة العراق والشام الإسلامية”، أو جبهة النصرة، أو غيرها من مسمّيات أخرى، لبعض الجماعات السلفية التي تصبّ في الإطار ذاته، ولولا العامل الدولي والإقليمي أيضاً لما تمكّن النظام من البقاء والاستمرارية، خصوصاً في قمع المعارضة بما فيها الوطنية المدنية السلمية التي تطالب بالتغيير الديمقراطي.

وظلّت مؤسسات الدولة، ولا سيّما العسكرية والأمنية والحزبية والدبلوماسية متماسكة حتى الآن بفعل الدعم الدولي والإقليمي، وإن تعرّضت إلى انشقاقات أو انسحابات أو شهدت تمرّدات، لكنها ظلّت محدودة وأحياناً غير مؤثرة، ولا يزال الطاقم الحاكم مستمراً، حتى وإن انشق رئيس وزراء أو هرب قائد عسكري، لكن الجسم الأساسي للدولة ومؤسساتها ولا سيّما للجيش وقوى الأمن لا يزال هو الأقوى على الرغم من ضعفه.

وبفضل الدعم الدولي والإقليمي استمرّت المعارضة، وخصوصاً المسلحة، ولقيت مساندة متنوّعة، من عدد من العواصم الدولية والعربية بما فيها جامعة الدول العربية التي اعترفت بها “بديلاً” عن الحكومة السورية الرسمية، بل إن بعض الدول قَبِلَ سفراء للمعارضة في سابقة دولية جديدة، كان الكثير من الدبلوماسيات الدولية، ولا سيّما العربية تعارضها، بل يتشبث بعضها بميثاق جامعة الدول العربية، الذي يحرّم التدخل بالشؤون الداخلية ويصرّ على احترام مبادئ السيادة، وقد رفض مجلس الجامعة في أوقات سابقة من مناقشة أو إدراج أي بند على جدول أعماله يخصّ انتهاكات حقوق الإنسان.

ولكن النظام باعتباره “أقوى الضعفاء” لم يتمكن من الإجهاز على المعارضة أو إسكات صوتها على الرغم من تفوّقه، كما أن المعارضة بمفردها لم تتمكن من الإطاحة بالنظام وظلّت تتطلع، إلى التدخل الخارجي لإسقاطه، بل أن بعضها يدعو إلى ذلك صراحة ودون مواربة، بما فيه تشجيع الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية إلى سورية بحجة قيام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب السوري في الغوطة قرب دمشق.

ولعلّ الكرّ والفرّ يجعل الوضع السوري أقرب إلى مصارعة على الطريقة الرومانية، تلك التي تؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاك الطرفين، بحيث يموت أحد الأطراف ويصل الطرف الآخر حدّ الإعياء الذي قد يؤدي به إلى الموت أيضاً.

إن السجال المستمر والتقدم والتراجع لجبهة المعارضة أو لجبهة النظام هو الذي دفع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري للقول ” لم يعد الحلّ العسكري في سوريا ممكناً” وهو ما يعكس فشل الفريقين المتصارعين من تحقيق اختراق بحيث يؤدي إلى ترجيح كفة أحدهما، كما أن العنصر الدولي والإقليمي بقدر ما يريد تحقيق مصالحه “المشروعة” وغير المشروعة، فإنه بدأ يفكّر بعد تدهور الوضع الإنساني في سوريا بحل سياسي، عسى أن يضع حدًّا لهذه المأساة من خلال تفاهمات دولية تحرص على “توازن” حقوق الجميع، الدولية والإقليمية، وتطال المعارضة والسلطة في نهاية المطاف.

ولعب الوسيط الدولي ممثل الأمين العام الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي دوراً في إقناع أطراف دولية وإقليمية وسوريّة بضرورة إجراء جولة أخرى من المفاوضات استكمالاً لجنيف 1، التي تقضي تطبيق بنودها تحقيق انتقال سلمي للسلطة ومشاركة جميع الأطراف على أساس التعددية وإجراء انتخابات ديمقراطية، وبالدرجة الأساسية وقف القتال والعنف.

وافقت روسيا حليفة سوريا على عقد مؤتمر جنيف2 ووافقت حليفتها الأساسية إيران أيضاً، مثلما وافقت الحكومة السورية مباشرة، وتوافق واشنطن وقوى غربية وأطراف من المعارضة على اللقاء في جنيف، وهذه الأخيرة افترضت طبقاً لجنيف1، إطلاق سراح المعتقلين ووضع جدول زمني للانتقال السلمي بتشكيل حكومة انتقالية وتهيئة مستلزمات ذلك بإشراف دولي، لا سيّما من جانب الأمم المتحدة.

وقد فاجأ الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلة مع غسان بن جدّو مدير تلفزيون الميادين رغبته في ترشيح نفسه لانتخابات العام 2014، قاطعاً الطريق بثقة كبيرة على بقاء النظام من جهة، وواضعاً مسألة جديدة مثيرة للجدل أمام جنيف2 من جهة أخرى، ولا سيّما فرضية إجراء تحوّل بنقل السلطة صوب الديمقراطية، أي بعدم وجود الرئيس الأسد، لكن التقدّم الحاصل على الأرض لجهة الحكومة السورية من جهة واستبعاد ضربة عسكرية أمريكية في الوقت الحاضر، والتقارب الأمريكي- الإيراني، والتفاهم الروسي- الأمريكي، لا سيّما بخصوص النفط والغاز واستبعاد الدور القطري، قد يكون هو ما أوحى للأسد باعلان رغبته في الترشح مجدداً لرئاسة الجمهورية، وبذلك يكون قد وضع جنيف2 في مأزق مسبق بما فيه شكوك انعقاده.

وكانت لقاءات وزيري خارجية روسيا وأمريكا لافروف- كيري الأساس في التفاهم الدولي الذي بدأ روسيّاً- أمريكياً، وذلك بهدف إبعاد رهان الحرب والتوجه نحو التغيير السلمي وفقاً لمسار جنيف، لا سيّما بعد مقايضة النظام السوري، الأسلحة الكيمياوية، بعدم توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا من جانب الولايات المتحدة، التي هدّدت بذلك وأصبحت قاب قوسين أو أدنى، لولا مسارعة الحكومة السورية بقبول تفكيك وتدمير الأسلحة الكيمياوية والتعاون مع لجنة التفتيش الدولية، وهو الأمر الذي فعله النظام الليبي الذي كان يقوده معمر القذافي في أواسط التسعينيات، مقدّما تنازلات تتعلق بسلاحه الكيمياوي ومشروعه النووي، فانتقل من كونه نظاماً منبوذاً دولياً، حيث كانت ليبيا قد تعرضت لحصار دولي منذ العام 1993، إلى نظام بدأ يتأهل دولياً ويُستقبل زعيمه في الغرب وفي الولايات المتحدة، إلى أن جاء الربيع العربي الذي أطاح به وبنظامه، مثلما أطيح قبل ذلك بزين العابدين بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وفيما بعد تنحيّ علي عبدالله صالح في اليمن.

وإذا كان الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي قد حدد 23 تشرين الثاني (نوفمبر) القادم موعداً لانعقاد جنيف2، فإن الأخضر الإبراهيمي يدرك بدبلوماسيته المكوكية العتيدة صعوبة ذلك، لا سيّما تعقيدات المشهد السوري الذي يعيشه يومياً، ولهذا لم يحدد موعداً لانعقاد المؤتمر، الذي يرجّح عدم انعقاده من خلال المعطيات الجديدة.

وسواء انعقد جنيف2 أو لم ينعقد، فإننا سنكون أمام خيارات جديدة ما بعد جنيف2، وهي أما “الرحيل السلس” بتفاهمات دولية وإقليمية، في سيناريو يضم أجزاءً من السلطة والمعارضة وبإشراف دولي، إدراكا لمخاطر الانفلات الأمني على الجميع، لا سيّما في ظل وجود الانقسام المجتمعي الديني والطائفي والإثني وتأثيراته على دول المنطقة، أو خيار التأهيل الطويل الأمد، وهذا يتطلب أيضاًَ مشاركة وإصلاحات داخلية، مع ضمانات دولية، وبذلك أيضاً سيتم تجاوز جنيف2.

لعلّ انعقاد أو عدم انعقاد جنيف2 سيضع الحكومة والمعارضة أمام هذين الخيارين أو أن المجابهة ستكون أكثر طولاً وأشدّ ضراوة باستمرار الحصارالاقتصادي والعسكري والسياسي وتشظي الوضع المجتمعي وارتفاع منسوب المأساة الإنسانية، خصوصاً وأن الحسم لم يعد قراراً داخلياً فحسب، بقدر ما هو قرار اقليمي ودولي، ولعل تأخّر مثل هذا القرار سيجعل سوريا تعيش مصارعة على الطريقة الرومانية بكل معنى الكلمة!

() كاتب وحقوقي عراقي

المستقبل

ليت الإبراهيمي لم يفعلها/ صالح القلاب

المفترض أن جميع العرب يتمنون أن ينجح المبعوث العربي والدولي الأخضر الإبراهيمي في مهمته التي لكثرة تعقيداتها، ولأن سورية بحكم عوامل كثيرة، من بينها رعونة هذا النظام، قد تحولت إلى ساحة صراع دولي وإقليمي، باتت بعد كل هذه المدة أصعب من خرط القتاد، فنجاحه الصعب وشبه المستحيل يقصر معاناة دولة عربية عزيزة ويضع حداً لاستنزاف شعب نزف وعانى أكثر من اللزوم، ثم إنه من الصعب تقبُّل أن يفشل هذا الرجل الطيب المعروف بكفاءته وبتاريخه القومي والوطني الناصع في مهمة كهذه المهمة التي قد يختم بها تاريخه الدبلوماسي الطويل.

وبالتأكيد فإن الأخضر الإبراهيمي يعرف تمام المعرفة قبل قبوله هذه المهمة التي تكسرت على طريقها الطويل أنصال كثيرة أنه ذاهب إلى مهمة معقدة وخطيرة وأنه من الصعب تحقيق أي نجاح في ضوء امتداد عشرات وربما مئات الأيدي إلى “القصعة” السورية، فهناك لاعبون كثر، محليون وإقليميون ودوليون، لكل منهم تطلعاته وحساباته وهناك نظام لم يصدّق حتى الآن، ورغم حصول كل ما حصل، أن مشواره قد انتهى، وأن عليه أن يغادر ويتنحى إن بخاطره وإن بالقوة.

حتى الآن لا يزال هذا النظام يعتقد أن بإمكانه الاستمرار لأربعين سنة أخرى وأن من حقه أن يترشح لولاية جديدة عندما تنتهي ولايته الحالية في يوليو المقبل، وأنه، مادام معه الروس وإيران وكل هذه الشراذم الطائفية القادمة إلى ساحة الصراع في سورية من كل حدب وصوب، قادر على تحقيق شعار “الأسد إلى الأبد” وأن بإمكانه أن ينقل ما يعتبره أمانة قومية إلى ولده، كما نقلها أبوه إليه بعد تحطيم كل الحواجز التي كانت ترفض مبدأ “التوريث” في دولة جمهورية وفي بلد بقيت أنظمته المتلاحقة، التي كلها أنظمة انقلابات عسكرية، بدوافع طائفية تحارب الأنظمة الملكية.

ولذلك كان على الأخضر الإبراهيمي، قبل أن يذهب إلى طهران ويتحدث عن ضرورة حضور إيران “جنيف2” والمشاركة فيه، وقبل أن يذهب إلى دمشق التي قالت فيه أكثر مما قاله مالك في الخمر، ويعلن من هناك أن بشار الأسد سيشارك في العملية الانتقالية، أن يلزم الإيرانيين بأن عليهم قبل حضور هذا المؤتمر أن يسحبوا قواتهم وميليشياتهم الطائفية من سورية، وأن يلتزموا نقاط “جنيف1” الست كلها، وخاصة النقطة التي تؤكد ضرورة رحيل بشار الأسد وخروجه من اللعبة السياسية ليفسح المجال للشعب السوري أن يقرر مصيره بنفسه، ويختار النظام الذي قدم من أجله كل هذه القوافل من الشهداء والجرحى والمشردين في أربع رياح الأرض.

وأيضا كان على الإبراهيمي ألا يطلق من دمشق هذا التصريح الحمال للكثير من الأوجه، الذي قال فيه، وبدون أن يستشير أحداً، إن الأسد سيشارك في المرحلة الانتقالية، فهو يعرف أن هذه القضية هي أم القضايا وأنه من غير الممكن قبول المعارضة السورية بكل مللها ونحلها ولا الأطراف المعنية العربية وغير العربية أن يلعب هذا الرئيس السوري دور الخصم والحكم في الوقت ذاته، فهذا يعني أن هذه الحرب المدمرة ستستمر سنوات طويلة، وهذا يعني أن التقسيم سيصبح بمنزلة تحصيل الحاصل، وهذا يعني أن سورية ستتمزق شر ممزق، وأن عودتها إلى ما كانت عليه ستستغرق، ليس سنوات بل دهوراً طويلة.

إن الأخضر، وهو في هذه المهمة، لا يمثل نفسه بل يمثل الجامعة العربية والأمم المتحدة، وهذا يعني أنه ليس من حقه اعتبار حضور إيران “جنيف 2” والمشاركة فيه واجباً ومسألة ضرورية قبل الرجوع إلى الذين كلفوه بهذه المهمة، وكان على المبعوث العربي والدولي، قبل الحديث عن مساهمة بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، أن يعد ليس إلى العشرة بل إلى الألف، وأن يكون حذراً، إذ إن مثل هذه “المساهمة” قد تفهم، وهي كذلك، على أن الرئيس السوري حتى وإن غادر مواقع المسؤولية شكلياً فإنه سيبقى على اعتبار أن النظام الجديد هو نظامه، صاحب القرار الفعلي، وأنه سيتحول إلى ولي فقيه آخر له نفس دور علي خامنئي في إيران!

الجريدة

“تفتيت” المعارضة السورية/ طارق الحميد

كانت خطة نظام الأسد، وما زالت، القضاء على الجيش الحر، و«تفتيت» المعارضة في نفس الوقت، وساعده على ذلك كثر من أبرزهم إيران وروسيا، واليوم يبدو أن الأسد وبعد أن فشل في القضاء على الجيش الحر فإن تركيزه ينصب على المعارضة، ويبدو أن إقالة نائب رئيس الوزراء قدري جميل خطوة في هذا الاتجاه.

من شاهد مقابلة قناة «العربية» أمس مع السيد قدري جميل يشعر وكأنه يشاهد مناضلا أمضى العامين الأخيرين يقاتل صفا إلى صف مع الجيش الحر، أو كأنه كان معتقلا في سجون الأسد، وليس نائبا لرئيس وزراء نظامه! حديث قدري جميل، وخصوصا الذي قاله لـ«العربية» عن العرب، والإعلام العربي، والغرب، كله يظهر أن المعارضة السورية مقبلة على هزة عنيفة طويلا ما خطط، وسعى لها النظام، وهنا علينا أن نتذكر ما عرف بقصة شهود الزور في قضية اغتيال الراحل رفيق الحريري! من الواضح أن هناك أمرا ما يطبخ على نار هادئة من قبل النظام الأسدي لإفشال كل الجهود الساعية لإقناع المعارضة بحضور مؤتمر «جنيف 2».

ويبدو أن نظام الأسد كان يعتقد بأن قبول المعارضة السورية لمؤتمر جنيف من شأنه أن يخلق انشقاقا داخل صفوف المعارضة نفسها، وبالتالي سعى الأسد للتخلص من ترسانته الكيماوية بموجب الاتفاق الروسي الأميركي ليضمن سلامة نظامه من ضربة عسكرية، ومن ثم يتفرغ لإضعاف المعارضة بمعاونة من الروس، ويبدو أن نقطة الانطلاق كانت إرغام المعارضة من قبل الأميركيين على الحضور، فإذا أعلنت المعارضة قبولها أصابها التصدع، وإذا رفضت اصطدمت بالأميركيين، وبالتالي يبقى الأسد الطرف الوحيد المستفيد. إلا أن إصرار المعارضة على رفض حضور «جنيف 2» من دون ضمان رحيل الأسد، مع الدعم العربي الواضح لها، يبدو أنه جعل المعارضة تحقق أمرين مهمين؛ الأول أن رفض المؤتمر الدولي من دون ضمانات محددة لرحيل الأسد قد ساعد المعارضة على الصمود، وأكسبها قوة سياسية. والأمر الآخر أن الدعم العربي الواضح، وخصوصا من المؤثرين، ساعد في إيقاف الاندفاع الأميركي خلف الروس في الأزمة السورية، للحظة.

ولذا اليوم، وبعد إقالة الأسد للسيد قدري جميل، والطريقة، والنهج، التي يتبعهما السيد جميل في عرض نفسه كمعارض ثائر لقضية شعبه، كما قال على قناة «العربية»، تعني أن المحاولة الآن هي لتفتيت المعارضة، مقابل تصعيد دور المعارضة التي يجمع الجميع على أنها موالية للأسد، بل وجزء من حكومته، سواء اقتصاديا أو خلافه، جزء من الحكومة التي ارتكبت جرائم بحق السوريين تستدعي محاكمتهم جميعا عليها أمام المحاكم الدولية، وليس دعوتهم لحضور مؤتمر دولي في جنيف. وعليه فإن خطة الأسد الآن واضحة، وجلية، وهي التركيز على «تفتيت» المعارضة السورية، وضربها بالمعارضة الموالية، وكما لعب نظام الأسد من قبل لعبة «شهود الزور» في لبنان، فإنه يلعبها اليوم مع المعارضة، والمجتمع الدولي بالطبع.

الشرق الأوسط

معركة الإعداد لـ ” جنيف ـ2″ تبلغ ذروتها/ د. نقولا زيدان

لقد أصبح إذاً جلياً وواضحاً انه بقدر ما نقترب من الاستحقاق الدولي المتمثل بعقد مؤتمر جنيف2 الذي يرعاه القطبان الأميركي والروسي بعد اتفاق كيري لافروف الأخير، بقدر ما تشتد الظروف المعرقلة التي تجعل انعقاده في مهب الريح. فالإدارة الأميركية بالرغم من انهماكها العميق في أزمة التنصت على رؤساء الاتحاد الأوروبي، هذه الأزمة التي انعكست إرباكاً شديداً على صدقية الرئيس أوباما في علاقاته مع حلفائه الأوروبيين، فهي تمارس ضغوطاً شديدة على المعارضة السورية لحملها على الموافقة على حضورها المؤتمر. وفي المقابل فإنّ موسكو التي اعتبرت رفض عدد مهم من الفصائل السورية المسلحة المعارضة حضور المؤتمر موقفاً معيباً ومشيناً، فهي ما زالت تعتبر حضور إيران فيه ضرورياً لنجاحه. هذا في الوقت الذي تُجمع فيه المعارضة السورية على رفض حضورها، نظراً لأن طهران طرف رئيسي متورط في الحرب السورية، سواء كان ذلك مباشرة عن طريق مشاركة الحرس الثوري الايراني في المعارك، أو متمثلة أيضاً بـ”حزب الله” اللبناني.

مَن يمعن النظر جيداً في حقيقة مواقف بشار الاسد يدرك تماماً انه في قرارة نفسه غير راغب بتاتاً في انعقاده. ذلك أنه يعلم ان شروط نجاح هذا المؤتمر تتمحور حول مسألة مركزية لا مهرب منها عاجلاً أو آجلاً، ألا وهي وجوب تنحيه عن السلطة. إذ من دون هذا الشرط يستحيل وصول المؤتمر إلى تسوية سياسية مقبولة وعادلة. وقد سعى الاسد جهده لوضع كل العراقيل المتوفرة لديه لنسفه قبل انعقاده، فهو الذي صرح انه مزمع ترشيح نفسه لولاية جديدة في صيف 2014، وهو الذي عمد إلى تنحية نائب رئيس الحكومة قدري جميل بصورة ملتبسة، قدري جميل القريب جداً من الرؤية الروسية للحل، والذي لطالما أسبغ على نفسه صفة المعارضة الإصلاحية في الداخل السوري. لا بل عمد حاكم دمشق إلى توجيه انذار إلى الأخضر الابراهيمي بوجوب حفاظه على حياديته، وذلك قبل هبوطه في مطار دمشق عائداً من طهران. إذاً فقد أصبح، بالرغم من تصريحات وليد المعلم المؤيدة لجنيف2، من المؤكد أن الأسد يعارض ضمناً عقد المؤتمر ما دام يعتبر نفسه الخاسر الأكبر فيه.

لقد أثار ما فيه الكفاية من ردود الفعل الساخطة لتصريحاته الماجنة، إذ ثمة إجماع الآن انه يريد استمرار الحرب ويرى أن لا مصلحة لديه في أية تسوية يدفع فيها هو ثمن السلام. ضمن هذا المناخ علينا أن ندرك ان حلفاءه الروس أنفسهم قد أثيرت حفيظتهم فاستدعوا قدري جميل فجأة عبر مطار بيروت إلى موسكو للتشاور، لأن مواقف الأسد هذه تعطل إنجاز الصفقة الروسية الأميركية التي يحتل نجاح جنيف2 موقع القلب فيها.

يحاول الاخضر الابراهيمي بدهائه وبكل الوسائل الديبلوماسية المتاحة إنجاح عقد المؤتمر، ويعلق المجتمع الدولي آمالاً كبيرة عليه في هذا المجال، لأن ثمة واقعية براغماتية سياسية مكيافيلية في مواقفه وتصريحاته. فتراه يطلق تصريحاً ثم يعود عنه بعد ساعات، ذلك أن عينه تراقب عن كثب مواقف المعارضة السورية المحرجة إلى حد كبير حيال الفرص الضئيلة المتاحة لها. فعندما يصرّح الابراهيمي بأن للأسد دوراً مهماً وفاعلاً في مرحلة ما بعد جنيف2 وبالأخص بشأن تشكيل الحكومة الانتقالية العتيدة، فإن ذلك يوحي عملياً انه يوافق على عدم تنحي الاسد او على الأقل قبول استمراره مشرفاً على العملية الانتقالية المرجوة، إلا انه ما أن تصله ردود الفعل الساخطة من المعارضة السورية وجامعة الدول العربية لا يلبث أن يتنكر لها عن طريق الادعاء أن ثمة أخطاء في ترجمة تصريحه هذا. خاصة ان تصريحات الابراهيمي حول دور ما للأسد في مرحلة ما بعد جنيف2 تتساوق وتتزامن مع تصريحات الأسد نفسه حول عزمه على البقاء في السلطة والتجديد الخ… فالأميركيون أنفسهم لا يقرون بسوريا جديدة مع بقاء الاسد في السلطة.

ان موقف المعارضة السورية يرتدي اهمية قصوى في هذه المرحلة، مرحلة الاعداد لجنيف2. وتعاني المعارضة من تباين حاد في مواقف بعض اطرافها، بخاصة عندما أعلن العديد من الفصائل المسلحة رفضها للمؤتمر رداً على دعوة طهران للمشاركة فيه. كما ان المجلس الوطني السوري وهو الركيزة الأساسية للائتلاف الوطني ما زال مصراً على موقفه بشأن رفض مشاركة ايران وأي دور مستقبلي للاسد كما يلمح الابراهيمي ويصرح الأسد هو نفسه. ويجد الائتلاف الوطني السوري نفسه في حرج كبير أمام المعطى الراهن خاصة حيال تشكيل وفد المعارضة الذي سيجلس في جنيف قبالة ممثلي النظام السوري، ذلك ان عملية تمرير بعض رموز معارضة الداخل للجلوس معها يديرها الاخضر الابراهيمي والاسد هو نفسه. كما ان مشاركة ايران في المؤتمر مسألة مبدئية لا يمكنها القبول بها على الاطلاق. وتثير تصريحات الابراهيمي ليس استنكار المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني فحسب بل جامعة الدول العربية التي اضطرت لدعوة وزراء خارجية هذه الدول لعقد اجتماع طارئ يوم الاحد في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) لتدارس الموقف. وقد تمثّلت ذروة السخط حيال تصريحات الابراهيمي الممالئة للأسد بدعوة الائتلاف الجامعة العربية لسحب تفويضها للمبعوث الملتبس المتخبط في مواقف متناقضة تخفي في حقيقتها نيات مرعبة، فدعوة إيران لحضور المؤتمر والزعم بأن للاسد دوراً مهماً في المرحلة الانتقالية موقفان يثيران الاستنكار الشديد.

يبدو الموقف الدولي حيال هذه المستجدات وكأنه في واد آخر، بعيداً عن هذا اللغط والجدال الذي أثاره الابراهيمي بالتساوق مع الاسد. فهو منهمك في آن معاً في مسألتين مهمتين: انجاز حل الملف النووي الايراني بعد تقارب طهران مع واشنطن الأخير وحل مسألة تنصت اجهزة المخابرات الأميركية على مكالمات رؤساء وقادة اوروبيين حلفاء الولايات المتحدة الاوائل. فقد أثارت هذه المسألة زوبعة هائلة لدى الرأي العام الأوروبي والدولي في آن معاً، إلا ان الادارة الاميركية والقادة الروس ما زالا يدفعان “بالمحدلة” الآيلة لعقد جنيف2، ولا يزالان يجدان الوقت الكافي لعقد اللقاءات الجانبية في هذا الاتجاه.

كل هذا العرض يظل، على أهميته وضرورة أخذه بالاعتبار، اقل اهمية من مسألة هي من البساطة بمكان ألا وهي مدى قدرة المجتمع العربي والدولي وخاصة موسكو وواشنطن على تليين مواقف المعارضة السورية والى اي حد هي قادرة فعلياً على تقديم تنازلات لانجاح عقد جنيف2. فمن دون حضور مثلثها الرئيسي، ألا وهو الائتلاف الوطني والمجلس الوطني والجيش السوري الحر لا يملك الابراهيمي اية فرصة حقيقية لعقده. فعلى المعارضة السورية الفعلية، التي قدم امامها الشعب السوري كمًّا قل نظيره في التاريخ من البذل والتضحيات, والتي تنطق باسمه ان تشد أزرها وتتمسك بمواقفها المبدئية، لتدخل الى اروقة المؤتمر ثابتة قوية لتخوض معركة المفاوضات.

المستقبل

الأخضر المتلون روسيا وإيرانيا.. وأسديا!/راجح الخوري

لم يلتزم الأخضر الإبراهيمي دور الوسيط المحايد الذي اشترطه عليه الأسد لكي يستقبله من جديد في دمشق، بعدما كان قد أنهى المقابلة معه بداية هذه السنة بطريقة غير لائقة، لأنه فاتحه فيما قرره مؤتمر «جنيف 1» لجهة عملية الانتقال السياسي، بل استعار عقل وليد المعلم ولسان فيصل المقداد وكاد يدخل دمشق هاتفا: «الأسد رئيسنا إلى الأبد»!

وإذا كان أحمد داود أوغلو قال للمعارضين السوريين: «لقد جاءنا الإبراهيمي يتحدث اللغة الروسية لا اللغة العربية»، في إطار من السخرية، لأن الموفد العربي – الدولي بات يتبنى على ما يبدو المنطق الروسي حيال الحل في سوريا، الذي طالما سمعناه من الرفيق سيرغي لافروف المطالب الدائم برأس المعارضة التي يعدها من «الإرهابيين»، فإن قمة السخرية أن يصل الإبراهيمي إلى دمشق متحدثا اللغة الإيرانية لا اللغة السورية، مع أن لا فرق يذكر بين هاتين «اللغتين»، لأن من الواضح أن طهران المنغمسة إلى رقبتها في القتال، مع أذرعها العراقية واللبنانية، إلى جانب الأسد، تتبنى الموقف السوري الذي يعتبر أن مؤتمر «جنيف 2» سيكون مجرد احتفالية دولية لإعادة تعويم الأسد، الذي أعلن قبل أسبوعين أنه راغب في أن يترشح لولاية جديدة، لعلها تأتي على آخر حجر ونقطة دم في سوريا المنكوبة!

ورغم أن الإبراهيمي مهد لعودته إلى دمشق بكلام استرضائي ينم عن الهامشية، فقد بدا مربكا وهو يسير إلى جانب فيصل المقداد الذي لم يخفِ سعادته بعودة المبعوث المطرود قبل أشهر، وخصوصا بعدما سبقته تصريحاته حمالة الأوجه إلى مجلة «جون أفريك» التي فهمت منها دمشق قبولا ضمنيا بدور للأسد في المرحلة الانتقالية، وهو ما يتعارض بوضوح مع اتفاق «جنيف 1» الذي دعا صراحة إلى تأسيس هيئة انتقالية تحكم بصلاحيات تنفيذية كاملة للتوصل إلى سوريا الجديدة وأن صلاحيات الهيئة المذكورة تشمل ممارسة السلطة الكاملة على القوى الأمنية والجيش.

الإبراهيمي قدم تصورا غامضا ومثيرا للجدل بل السخرية عشية وصوله إلى دمشق عندما قال إن الأسد يمكنه أن يلعب دورا في المرحلة الانتقالية من دون أن يقودها بنفسه [!]

كيف؟ ليس واضحا، لكن وكالة الصحافة الفرنسية نقلت عنه أن كثيرين من المحيطين بالأسد يرون في ترشيحه لولاية جديدة في سنة 2014 أمرا محتما، وهو يرى الأمر حقا مكتسبا أن يرغب في تأكيد إنهاء ولايته الحالية! بدا الإبراهيمي كمن وقف إلى جانب الأسد فوق عشرات الآلاف من الجثث وعلى ركام بلد مدمر بنسبة أكثر من 60%، وجاء كلامه كملح يلقى في جروح عشرات الآلاف من اللاجئين والهائمين على وجوههم في أرجاء المنطقة. ولست أدري لماذا يتعمد الإبراهيمي الوقوع في التناقض، فعندما يقول: «لقد علمنا التاريخ أنه بعد أزمة مماثلة لا يمكن العودة إلى الوراء» – يمكن أن نفهم أن ليس في وسع الأسد أن يعود إلى الوراء ليحكم سوريا بالحديد والنار، ولكنه يضيف: «الرئيس الأسد يمكنه أن يساهم بشكل مفيد (مفيد؟) في الانتقال بين سوريا الماضي وهي سوريا والده وسوريا ما أسميه سوريا الجديدة»… ولكن كيف وعلى أي أساس ليس واضحا ولا مفهوما!

لست أدري لماذا لم ينضم الإبراهيمي إلى الروس والأميركيين في رغبتهم في ترشيح الأسد لنيل جائزة نوبل للسلام لمجرد أنه وافق على تسليم ترسانته الكيماوية، فهو لم يتردد في القول: «إن الأسد كان شخصا منبوذا قبل الاتفاق على السلاح الكيماوي وتحول إلى شريك» (شريك؟).

شريك من؟! لقد وضع الإبراهيمي أصبعه في عيون المعارضة السورية سواء كانت تواجه القنابل البرميلية في المتاريس أو عند رحمة ربها في التراب وهو يقول: «بشار الأسد لم يسقط أبدا، ومهما يقول الناس لم تساوره الشكوك على الإطلاق، لا لجهة ما يحق له ولا لقدرته على حسم الأمور لصالحه»، هكذا بالحرف كأن الإبراهيمي يستعير لسان وليد المعلم.

على أساس كل هذا، هل كثير أن ترى المعارضة أن مؤتمر «جنيف 2» هو من نوع يا حصرما تراه الثعالب الروسية والأميركية والإيرانية في جنيف، وهل كثير إذا صعدت المعارضة السورية من موقفها ضد الإبراهيمي وطالبت الجامعة العربية التي ستجتمع الأحد المقبل، بإعفائه من مهمته، وخصوصا أن مؤتمر جنيف ليس في حاجة ليستمع إلى اللغة إياها أربع مرات، بالعربية من الأسد وبالروسية من لافروف وبالإيرانية من محمد جواد ظريف… وبالترهات من الإبراهيمي؟

النهار

لماذا لم يزر الإبراهيمي الرياض؟/ عبدالله إسكندر

من أجل تقويم الجولة التي قام بها الموفد الدولي – العربي الأخضر الإبراهيمي على المنطقة والجهود الكبيرة التي بذلها والمشقات المضنية التي عاناها، يمكن التساؤل عن إمكان أن تكون فرص انعقاد مؤتمر «جنيف -2» باتت متوافرة أكثر عما كانت عليه عندما بدأ هذه الجولة.

لقد بدأ الإبراهيمي جولته والكلام الصادر عن راعيي «جنيف – 2»، أي روسيا والولايات المتحدة، يحدد 22 – 23 الشهر موعداً للمؤتمر، أي بعد أسبوعين. وأنهى الإبراهيمي جولته ليتحدث عن احتمال انعقاد المؤتمر خلال أسابيع في أفضل الأحوال، إن لم يكن إلغائه إذا رفضت المعارضة الحضور. أي أن الجولة لم تسهم بالملموس في أي تقدم نحو انعقاد المؤتمر، على رغم كل التفاؤل الصادر عن الأمم المتحدة وموفدها والإطراء الذي ناله الموفد من موسكو وواشنطن والمديح الصريح من النظام السوري، بعد تخوينه وتصنيفه في خانة الأعداء.

وقد يكون هنا بيت القصيد من كل هذه الجولة، أي العودة إلى دمشق وحظوة لقاء الرئيس بشار الأسد. وبعد اللقاء والتقريظ الذي ناله الإبراهيمي من الإعلام الرسمي السوري، يمكن فهم معنى حماسة الموفد الدولي لانتقاد المعارضة السورية ومطالبتها بأن «تقنعه» بأنها معارضة ولحماسته من أجل مشاركة إيران في مؤتمر «جنيف – 2». فهل كانت هذه المواقف مطلوبة من الموفد الدولي – العربي من أجل أن يحظى بالاستقبال الذي حظي به في دمشق؟ لقد سدد سلفاً الثمن السياسي لهذا اللقاء.

لا عذر للإبراهيمي في عدم زيارة الرياض، خلال هذه الجولة. حتى لو طلب موعداً ولم يحدد له. ذلك أن وجهة النظر التي تدعمها السعودية غابت تماماً عن اهتمامات الإبراهيمي خلال إعداده لهذه الجولة. وبدا أن الغرض الأساسي منها هو لقاء الأسد و «الحصول» على موافقة النظام على حضور «جنيف -2». وثمة من صدق، في الأمم المتحدة ومحيط أمينها العام بان كي مون، أن انتزاع هذه الموافقة حصل بجهود الإبراهيمي.

لقد «وافق» النظام السوري على حضور «جنيف – 2» يوم وضع أزمة ترسانته الكيماوية في يدي موسكو التي عملت من أجل إعادة تأهيل هذا النظام على تفكيك هذه الترسانة وانتزاع موافقة الولايات المتحدة على إعادة التأهيل هذه. فلا منة للإبراهيمي في هذه المسألة. لقد كان دوره في دمشق، وقبل وصوله إليها، الترويج لإعادة تأهيل النظام وجعله مقبولاً ومحاوراً. وهذا الدور جعله وسيطاً لتسويق التفاهم الأميركي – الروسي، وليس موفداً من أجل حل للصراع في سورية على قاعدة بيان «جنيف – 1»، من جهة. وهذا الدور جعله غطاء لاستمرار عمليات إبادة للسوريين، وليس وسيطاً من أجل وقف أعمال العنف، من جهة ثانية. ولذلك ربما لم تكن الرياض بين العواصم التي زارها في جولته، لأن السعودية لم تعد ترى أن إعادة تأهيل النظام هي وسيلة ناجحة لوقف القتل والتدمير في سورية. خصوصاً أن إعادة التأهيل هذه تأتي لأغراض سياسية وديبلوماسية تتعلق بالمصالح الأميركية والروسية.

ويُفهم من إعلان الإبراهيمي من دمشق أن رفض المعارضة المشاركة في المؤتمر يعني تأجيله، وذلك بعدما أحرجها بالانتقاد ودعوة إيران، أنه مسعى لتحميلها سلفاً مسؤولية الفشل، في حين وفّر النظام الظروف لنجاحه عبر الموافقة على الحضور.

تحصل التفاهمات الأميركية – الروسية، التي يروج لها الإبراهيمي، على حساب دماء السوريين بالمعنى الحرفي. لأن شروط إعادة التأهيل تمر حكماً بمزيد من الإضعاف السياسي للمعارضة والانهاك للمدنيين والدمار للبلاد، أي إبقاء يدي النظام مطلقتين في تطبيق الحل الأمني الذي بدأ به… لذلك استحق الإبراهيمي تقريظ الإعلام الرسمي السوري وحظي بلقاء الأسد.

الحياة

معارضة “جنيف 3 أو لا شيء”/ نائل حريري

شهر واحد فقط كان كافياً لينتقل مؤتمر «جنيف 2» من حاجة ماسة إلى معادلةٍ مستحيلة. قبل أسابيع قليلة، أعلن نائب رئيس الوزراء السوري قدري جميل، ولم يكن قد أقيل بعد، موعداً لعقد المؤتمر، مدفوعاً بالتفاؤل الروسي والثقة بالتوافق الدولي المزعوم، ومن ثمّ غادر موسكو متجهاً إلى جنيف كأنّه يستعدّ فعلياً لحجز مكانه. لكنّ هذا الخطاب الذي جرى في اجتماعٍ سوري- روسي مغلق لم ير النور أبداً. فمن جهةٍ، سارع الجانب الروسي إلى التبرؤ من الموعد الذي افترضه جميل، ومن جهة ثانية ينكر الجانب الأميركي- وهو غير صادق – أنّه وجّه أي دعوة الى فصائل معارضة سورية لحضور مؤتمر «جنيف 2»، ومن جهةٍ ثالثة يقدّم المبعوث الأممي الأخضر الابراهيمي افتراضاتٍ مبدئية تستبعد عقد المؤتمر قبل بداية العام المقبل، مهلة قابلة للزيادة لا للنقصان.

وعلى رغم النقاش الواسع الذي يدور يومياً حول أسباب تعثر «جنيف 2»، تكاد الآراء عموماً تتفق على أنّ لا مشكلة لدى روسيا أو الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة أو النظام السوري نفسه، كما أنّ أجنحة سورية عدّة معارضة تجهّز أوراقها اليوم وكأنّ المؤتمر سيُعقد غداً، منها – مثالاً لا حصراً – هيئة التنسيق، والاتحاد الديموقراطي، وتيار بناء الدولة السورية على الأقل، بينما لا تزال مواقف قطر والسعودية وتركيا وإيران متباينة على اختلاف حدّتها وتوجهاتها.

خلف هذه الخلافات الجهوية – الفئوية نجد خلافاً فكرياً أكثر عمقاً. فالمتناحرون بين موافق ومخالف يختلفون على طبيعة المؤتمر ومهماته، ويقدّم كلّ منهم معايير وشروطاً مختلفة معظمها بعيد كل البعد من واقعية أو مطواعية الوضع السوري الحالي. وبين هؤلاء جميعاً يحاول الابراهيمي الوصول إلى نقطةٍ مشتركةٍ للبدء، وهي مهمّة مستحيلة قطعاً، إلا أنّ اعترافه باستحالتها يعني الدخول مجدداً في دوّامةٍ جديدة من اللاسياسة بالطريقة ذاتها التي أنهى بها سلفه كوفي أنان سلسلة محاولاته التوفيقية بفشلٍ ذريع.

إذا كان الواقع السوري الحالي هو ما يرسم ظروف ومحدّدات مؤتمر «جنيف 2»، فهذا يعني أنّ على الأطراف المعنيّة بالأزمة السوريّة تبنّي هذه المحددات كما هي بدلاً من محاولة تجاهلها. فمؤتمر «جنيف 2» يحمل قيمته في ذاته، وتقتصر أهميته على عقده كتعبير عن التوافق الدولي على أهمية الحل السياسي واستبعاد الحلّ العسكري. ولا يعوّل عليه إذاً في تحديد مصير قضايا أكثر تفصيلاً كمصير الأسد أو شكل الدولة المقبلة أو تفاصيل العدالة الانتقالية المطلوبة، وغالباً ستخرج منه الأطراف الدولية باتفاقات ثلاثة لا رابع لها: وقف الدعم المسلح لجميع الأطراف، نشر قوات حفظ سلام دولية، وتفعيل الحراك السياسي والاجتماعي عبر الموافقة على تشكيل حكومةٍ انتقالية كاملة الصلاحيات.

وريثما يتمّ العمل على وضع هذه الاتفاقات الثلاثة موضع التنفيذ، ورسم آلياتها وتحديد برنامجها الزمني ومن ثمّ البدء بتنفيذها، يبدأ المناخ السياسي في التبلور وتأمين ظروفٍ جديدة لما هو أبعد. يعوّل على العملية السياسية الفعالة في إفراز شخصيّاتٍ وتياراتٍ سياسية قادرة على المشاركة في الحلّ الأكثر جذريّةً الذي يمكن أن يمثّله مؤتمر «جنيف 3»، لكنّ الواقع الحالي يمثّل العكس تماماً في ما يبدو: تمّ تكريس شخصيّاتٍ معارضة «غير سياسية»، على أمل أن يكون الوقت كفيلاً بإنضاجها لتنتج عمليةً سياسيّةً ناجحة. لا عجب إذاً في مرور ثلاثين شهراً من دون أن تخرج المعارضة الســورية برؤيةٍ ســياسيّةٍ ناضجةٍ متكاملة بعد.

ما زال الائتلاف السوري- ومن خلفه جهات سياسية- يرفض الاعتراف بجدوى مؤتمر «جنيف 2» قبل دمجه بمؤتمر «جنيف 3» ومطالبة المجتمع الدولي بتبني مخرجاتٍ لعملية سياسية لم تبدأ بعد، وقد يعكس ذلك شك الائتلاف في قدرته على المشاركة الفعالة في العملية السياسية اللاحقة. لذلك يحاول قطف الثمرة من أعلى الشجرة مباشرةً، فإما تبنّي «جنيف 2» على أنّه حلّ جذري ونهائي من وجهة نظره يتجاوز ما يمكن أن يخرج عن مؤتمر «جنيف 3»، أو لا يكون.

أمام الابراهيمي الآن مقترح جريء قد يضطر الى طرحه. قد يكون الحلّ الأكثر منطقيةً وواقعيّة هو إبعاد المعارضة والنظام عن طاولة «جنيف 2» مبدئياً، واقتصار المؤتمر على الجهات الدولية الفاعلة للوصول إلى توافق سياسي مقبول يضمن بداية العملية السياسية والضغط على الأطراف المتقاتلة في الداخل، فيما تؤجل مشاركة النظام السوري والمعارضة السياسية حتى مؤتمر «جنيف 3» الذي قد لا يرى النور قبل أشهر طويلة. وهي فترة ستكون بلا شكّ جحيماً مستعراً بالنسبة الى الشعب السوري ما لم يتم التوافق على آليات وقف العنف منذ الآن.

الحياة

ما يقترحه العالم على السوريين/ يوسف بزي

السائر في شارع الحمرا، ببيروت، سيلتقي بفائض استثنائي من الشحاذين الطارئين، والمشردين، والمطروحين على الارصفة والزوايا والحواف الصغيرة والمداخل المهجورة. سيصادف أطفالاً شبه حفاة، ونساء بائسات، وشباناً هائمين، ورجالاً تغلفهم المهانة، وتستولي على وجوههم نظرات التعاسة والمرارة.

هؤلاء بمعظمهم من السوريين الهاربين من جحيم الحرب التي يشنها جيش نظامهم على مدنهم وضواحيهم وقراهم. هؤلاء بمعظمهم كانوا فقراء أصلاً، وتم سلبهم القليل الذي كان لديهم من وقار فقرهم وستر عيشهم، وتحولوا إلى كائنات عارية من كل شروط الكرامة، أو حتى شروط البقاء على قيد الحياة.

هؤلاء المذلولون والمهانون، ليسوا مئات من الشحاذين في شارع واحد. إنهم مئات الآلاف والملايين المحشورين في مخيمات صحراوية محروسة كمعتقلات خرافية. إنهم مئات الآلاف المرميين على أطراف المدن والأرياف والمعابر الحدودية والمجاهل البرية. إنهم الذين يبحرون إلى شواطئ الموت وقوارب الغرق وكمائن المهربين وحرس الحدود وسماسرة التأشيرات المزورة. إنهم الغجر الجدد، ضحايا عنصريات الجميع و”فوبيا” الجميع.

لكنهم أصلاً هم الملايين المهجّرين والمقيمين الذين لم يخرجوا بعد من بلادهم، محاصرين بالنار والصواريخ والبراميل المتفجرة. إنهم آلاف المخنوقين بالسارين، ومئات الآلاف الذين تطحن أشد الساديات توحشًا أجسامهم وأرواحهم في زنزانات النظام. أنهم أولاً مئات آلاف الجرحى المنسيين والموتى اليوميين.

كل ما يحدث في السياسة اليوم، ليس سعياً لوقف القتل والتدمير والتهجير، ليس انتباهاً لكل الجرائم التي حوّلت القسم الأعظم من السكان إلى ضحايا، وليس اعتباراً لحق الشعوب بتقرير مصيرها. فلو كانت السياسة كذلك، لعملت على كفّ يد المسبب بكل هذه الأهوال، وردع الذي يشن الغارات ويقذف الصواريخ ويفلت عصابات الذبح وقطعان الشبيحة على القرى والمدن والدساكر. لقد تم عمداً بالتدريج نسيان مبدأ “حماية الشعب السوري”، وهو المبدأ الوحيد الذي يمنح الشرعية لأي تدخل خارجي في الشأن السوري، لكنه المبدأ الذي يحتم واجبات كبيرة على المجتمع الدولي، الذي يبدو أنه تملص منها بمزيج من ديبلوماسية الخبث والنفاق وأخلاق السفالة.

من أجل ذلك، وتهرباً من المسؤوليات التي تفرضها شرعة الأمم المتحدة وشروط السلم الدولي، تسير السياسة الآن وفق صيغة “القبول بالأمر الواقع” أي التعايش مع بقاء نظام الأسد، طالما أنه ما عاد يشكل تهديداً خارجياً، بعد نزع أنيابه الكيماوية وحلول الضعف فيه، من دون اي اعتبار لمصير السوريين البائس والمرعب، هم الذين بات يستحيل عليهم الرضوخ للنظام مجدداً. ويبلغ النفاق الدولي ذروته حين يتذرع بخروج الأحداث عن السيطرة وبروز الجماعات المتشددة (داعش، وجبهة النصرة) علماً أن ظهور تلك التنظيمات الإرهابية، يفترض من أجل محاربتها، أن يقدم العالم للشعب السوري فرصة أن تكون له حكومة تنقذه من ظلاميات الإرهاب والإنتحار، أن تعطيه أملاً بالحياة والحرية والكرامة. أي أن هذه الذريعة بالذات تفترض حتماً حقيقة أن هذا النظام فاشل وساقط، وأن انقاذ سوريا منه ومن الجماعات الإرهابية معاً لا يكون إلا بإرادة دولية تنحاز إلى الشعب السوري، الذي عبَّر آلاف المرات عن تطلعاته بالدولة الواحدة الديموقراطية والتعددية، المتصالحة مع جوارها ومع العالم.

كل الجهود الدولية، تحت عنوان “مؤتمر جنيف2″، تقوم على إقناع الشعب السوري بأنه هو الذي يتحمل مسؤولية ما حلّ به من مآس وويلات، وبأن ثورته كانت “حركة طائشة” لم تحسب جيداً العواقب، ولذا عليه أن يتحمل نتائج طيشه ومغامرته.

فكرة “جنيف2” تُسقط مبدأ حماية الشعب السوري، بل وكل حقوقه وتطلعاته، فتجعل “الحق” مقسوماً بالتساوي بينه وبين العصابة التي تحكمه عنوة بالحديد والنار. وعدا عن هذه القسمة الباطلة، وبغياب مبدأ المحاسبة والمعاقبة، لن يتحمل النظام السوري مسؤولية أي جريمة حدثت، فيما يتم إقناع الشعب السوري بأنه هو المذنب وهو الذي تهوّر وهو الذي “فرض” الحرب، التي “اضطر” إليها النظام دفاعاً عن النفس!

ما يقترحه “جنيف2” والسياسات الدولية، يماثل سيناريو افتراضي، قوامه لا حرج على الذئب من افتراس النعجة، ولا ذنب للنازيين في إبادة ستة ملايين يهودي، طالما أن هؤلاء كانوا “يهوداً” أصلاً.

هذا العالم، يقترح على السوريين، أن يكونوا غجر العالم ويهوده الجدد، المهانين المعذبين، المشردين، المضطهدين.

المستقبل

هل مؤتمر «جنيف 2» فكرة سيئة؟/ آرون ديفيد ميلر

ربما يخطو وزير الخارجية الأميركي جون كيري الآن على مسار النجاح. فعلى رغم من الصعاب لا تزال المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية على قيد الحياة؛ ولا يزال الاتفاق الأميركي – الروسي بشأن إزالة أسلحة سوريا الكيماوية سارياً؛ كما أن المعاهدة الأمنية بين الولايات المتحدة وأفغانستان أصبحت شبه نهائية. ولكن على رغم ذلك، ما زال الشك هو سيد الموقف فيما يتعلق بمحاولة عقد اجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا.

وفي الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى مؤتمر «لندن 11» – الذي يمثل المجموعة الأساسية من دول أصدقاء الشعب السوري – بدا كيري عازماً على الدفع لعقد جولة جديدة من الاجتماعات في جنيف، ربما في مطلع الشهر المقبل.

وقد يكون ذلك خطأ. فعلى مر التاريخ، كانت مؤتمرات السلام جيدة في أحد أمرين: إما كبداية، أو كنهاية ذات مصداقية لمفاوضات سلام. أما التفكير في عقد اجتماع آخر على عجل في جنيف – حيث إن الأول عقد في يونيو 2012- فمن غير المرجح أن يحقق أياً من الهدفين.

ولكي تكون أمامها أية فرص للنجاح، ينبغي على المحادثات تلبية شرطين يبدو أنهما ما زالا بعيدي المنال: أولًا، يجب أن يكون هناك تفاهم أميركي – روسي أن الأسد سيترك السلطة. ثانياً، يجب أن تكون هناك معارضة موحدة، تضم الجماعات التي تقاتل، وأن تكون ممثلة في المؤتمر بشكل كامل.

ومع ذلك، فإن عقد مؤتمر من دون الاستعداد له بشكل جيد من شأنه أن يؤدي فقط إلى المزيد من إضعاف المعارضة ودعم للأسد.

إن شعور كيري بالأهمية الملحة لإنهاء الحرب الأهلية في سوريا أمر مفهوم. فالصراع بمثابة كارثة أخلاقية وإنسانية واستراتيجية، بعد ما يقرب من ثلاث سنوات، تسبب في أكثر من 100 ألف قتيل، ووجود 2,5 مليون لاجئ – مع ملايين من المشردين داخل البلاد – بالإضافة إلى تدمير مناطقة واسعة من البلاد.

إن فكرة أن الحل السياسي بإمكانه إنهاء هذه الحرب الوحشية هي فكرة مقنعة. وعلى رغم ذلك، فإن التفكير في إمكانية إنجاز عملية سياسية ناجحة هو ضرب من الخيال. لقد تدفق الكثير من الدماء لجعل النظام والمعارضة المنقسمة يقتنعان بفداحة الصراع العنيف (على رغم أن المذبحة لم تكن كافية لإجبار المجتمع الدولي المنقسم، والمنشغل والمهتم بمصالحه الشخصية للتدخل على نحو فعال).

وفي أحسن الأحوال، فإن عقد اجتماع آخر سيؤدي فقط إلى المزيد من الكلام. والأسوأ، في هذه اللحظة، أن الروس ينظرون إلى اجتماع جنيف على أنه وسيلة للحفاظ على الوضع القائم، وليس لإحداث تحول حقيقي. لقد كان الاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا، والذي أجبر الأسد على بدء التخلي عن أسلحته الكيماوية، تقدماً إيجابياً، ولكنه لم يمتد لتطلعات الشعب السوري الأخرى. وكأن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة هو صفقة الأسلحة الكيماوية لتجنب القيام بعمل عسكري، وهو الهدف الذي يشاركها فيه بوتين.

وفي الوقت نفسه، فقد كان بوتين عازماً على مساعدة الأسد على تعزيز موقفه. فالعملية المعقدة والطويلة لإزالة أسلحة سوريا الكيماوية جعلت النظام يكسب مزيداً من الوقت. وقد أذعنت الولايات المتحدة، في مقابل ما يمكن تفسيره على أنه مبادلة القضاء على الأسلحة الكيماوية في سوريا مقابل بقاء الأسد في السلطة! وفي الواقع، هناك دلائل تشير إلى أن روسيا، في أعقاب الاتفاق، ربما زادت من شحنات أسلحتها إلى سوريا، وبالإضافة إلى ذلك، ليس هناك ما يدل على أن روسيا تبحث عن بدائل للأسد. فبالنظر إلى دعمها للنظام، ومليارات الدولارات التي تمسك بها روسيا في صورة ديون سورية وعقود حكومية، فمن المعقول أن نعتقد أن أي حكومة تالية ستمنح روسيا هذا الموقف المتميز الذي تتمتع به حالياً في سوريا.

كما أن هناك أيضاً مسألة الجماعات المسلحة التي ستشارك في المحادثات. فالنظام السوري لديه ميزة أنه موحد، ومع دعم روسيا وإيران، سيكتسب المزيد من المكاسب عن طريق المفاوضات.

ولكن المعارضين منقسمون. والمجموعة الرئيسة الخارجية، وهي الائتلاف الوطني السوري، والتي تعمل مع تركيا، هي المفضلة لدى الولايات المتحدة. ولكنها مجرد واحدة من العديد من المنظمات المعارضة. والقوى الحقيقية تتمثل في قوات المعارضة التي تقاتل داخل البلاد. وبعض هذه القوى مقبول للغرب، في حين أن البعض الآخر، ذو النزعة «الجهادية» الأكثر تطرفاً، ليس كذلك. وما لم يتم تمثيل الجماعات المقبولة التي تقوم بالقتال، فلن تكتسب المفاوضات الشرعية بالنسبة للشعب السوري وستفشل في تشكيل حكومة انتقالية موثوقة.

وينبغي على كيري أن يتذكر أن قسم الطبيب القديم أبقراط – أولًا أن أفعل ما لا يضر – ينطبق أيضاً على الدبلوماسية. فقبل أي شيء جوهري يمكن أن يتحقق من خلال المفاوضات، هناك بعض الشروط الأساسية الواجب توافرها أيضاً، بما في ذلك التوصل لتفاهم مع روسيا بأن الغرض هو بدء عملية انتقال بعد حكومة الأسد؛ والتزام واضح بإمداد المعارضة بمزيد من الأموال والمساعدات العسكرية والتدريب، ووجود ممثل للمعارضة الموحدة.

إن عقد مؤتمر من دون هذه المبادئ التوجيهية من شأنه المخاطرة بجعل الأمور أسوأ من خلال إضفاء الشرعية على نظام قاتل وإظهار المعارضة منقسمة ومفككة.

وإذا فشل مؤتمر جنيف الثاني، فمن غير المرجح أن يعقد مؤتمر آخر في أي وقت قريب. ومن ثم فإن مصير سوريا لن يتقرر على طاولة المفاوضات في سويسرا بل على ساحات قتال لحرب أهلية شرسة ودموية ولا نهاية لها.

من ناحية أخرى، أبلغ وزير الخارجية السوري وليد المعلم المبعوث الدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي أن بلاده ستشارك في مؤتمر جنيف2 شرط أن يجري بين السوريين فقط، بينما أكدت فصائل إسلامية معارضة للنظام السوري رفضها حضور المؤتمر، معتبرة أنه «لم ولن يكون خياراً أو مطلباً للشعب السوري»، بل «حلقة في سلسلة مؤامرات للالتفاف على ثورة الشعب وإجهاضها».

كاتب ومحلل سياسي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»

الأسد ليس مجنونا ويريد ضمانات!/ طارق الحميد

يقول رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف إن فكرة رحيل بشار الأسد عن السلطة غير واقعية وإن الأسد «ليس مجنونا، ويريد أن يحصل على ضمانات، أو مقترحات متعلقة بتطور الحوار السياسي في سوريا، وانتخابات محتملة، ومصيره الشخصي».

ومن يقرأ هذا التصريح الروسي متذكرا ما أعلنه نائب رئيس وزراء النظام المقال قدري جميل عن أن الأسد لن يرحل نتيجة مؤتمر «جنيف 2»، وأنه باق حتى نهاية ولايته، أي منتصف عام 2014، إضافة إلى التصريحات التركية الإيرانية الأخيرة حول سوريا، سيجد أن موسكو لا تلمح إلى أن الأسد لن يترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة وحسب، بل إنه، أي الأسد، يريد ضمان مصيره الشخصي، خصوصا أن ميدفيديف يقول في مقابلته مع وكالة «رويترز» إنه لا يمكن حل القضية السورية بسهولة عبر استبعاد الأسد فقط، معربا عن شكه في أن يوافق الأسد على ذلك خصوصا وهو يتذكر مصير الرئيس المصري المخلوع مبارك، أو معمر القذافي!

وعليه فإن التصريح الروسي، وجل التصريحات الأخيرة في اليومين الماضيين، خصوصا تصريحات الأخضر الإبراهيمي، الذي اتهمه نظام الأسد بأنه بعين واحدة وعدة ألسن، كلها تشير إلى أن التفكير، أو التفاوض، أو قل الإيحاءات، تصب في أن يكمل الأسد فترته الرئاسية، وهو ما توقعته هنا في 29 أبريل (نيسان) 2013 تحت عنوان «الأسد حتى 2014؟»، فتصريحات رئيس الوزراء الروسي عن سلامة الأسد هي إيغال في التفاصيل، وعملية جس نبض، علما أنه ما دامت موسكو تحرص على سلامة الأسد فلماذا لا تقوم باستقباله، وتضمن سلامته الشخصية، لكن هل القصة بهذه السهولة؟ أشك! والسبب بسيط جدا وهو أن الأسد نفسه أعلن عن رغبته في الترشح في الانتخابات المقبلة، ولم يعلن عن ذلك في مقابلته التلفزيونية الأخيرة وحسب، بل وفي أكثر من مقابلة، وبالتالي فإن الحديث عن أن الأسد لن يرشح نفسه للانتخابات المقبلة ليس بالأمر الذي من الممكن أن يؤخذ على محمل الجد، وإن لوح به الروس الآن ما دام أنه لا ضمانات حقيقية على ذلك.

صحيح أن الروس، وقبلهم الإيرانيون، قد يرضون بأهون الضرر وهو رحيل الأسد وبقاء النظام، خصوصا أنه سبق للروس أن قالوا ذلك لمسؤولين عرب يقول لي أحدهم إن الروس يقولون: «لماذا مقبول أن يرحل مبارك ويبقى النظام، بينما غير مقبول أن يرحل الأسد ويبقى النظام؟» إلا أن السؤال هنا هو: من يضمن أن يرحل الأسد مع نهاية فترته؟ هل يضمن ذلك الروس، أم الإيرانيون؟ ومن يضمن أننا لسنا أمام لعبة جديدة مثل لعبة تدمير الكيماوي ليبقى الأسد؟ الواضح أن هناك أمرا ما يخطط له، خصوصا مع قلق الروس المعلن على مبادرتهم حول «جنيف 2»، وهو ما عبر عنه لافروف أمس، مما يوحي بأن أمرا ما يخطط له الروس بتوافق مع إيران، ودراية أميركية!

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى