مقالان تناولا “أكراد سورية”
خورشيد دلي وأكراد سورية.. الموضوعية يا صاحبي/ علي العبدالله
عرض الصديق خورشيد دلي في مقالة “أكراد سورية … جدل الخيارات وهاجس المصير” (قضايا، العربي الجديد 16/1/2015) واقع أكراد سورية السياسي، في أبعاده المحلية والإقليمية، مبرزا تباينات الأحزاب السياسية الكردية وخلافاتها البينية وتداخلاتها الكردستانية، في ضوء الموقف من الإدارة الذاتية التي أعلنها حزب الاتحاد الديمقراطي، وعدم الثقة بين الكرد والنظام والمعارضة السورييْن، وتوقّع بروز كيان سياسي كردي في سوريه شبيه بالكردي العراقي، وختم بالدعوة إلى “الانفتاح والإيجابية والممارسة العقلانية، بعيداً عن التصورات المسبقة”.
لكن، وعلى الرغم من اعتماد خورشيد منهجية العرض أكثر من التحليل والتقويم، فإنه لم يكن حيادياً في عرضه، حيث وقع في محظور العرض الناقص للمواقف، والذي سيؤثر في صورة القوى وصدقيتها، ويدفع إلى ترجيح وجهة نظر محددة، ربما سعى إلى ترويجها، ما أضعف موضوعيته وصدقية عرضه.
بتر السياقات..
في عرضه للحراك السياسي الكردي في سورية، ربط بين تأسيس أول حزب كردي (الحزب الديمقراطي الكردستاني) بممارسات دولة الوحدة وإجراءاتها ضد الكرد، وصور العملية وكأنها رد على هذه الإجراءات. وهو قول غير دقيق تاريخياً، حيث إن تأسيس الحزب العتيد (1957) تم قبل قيام الجمهورية العربية المتحدة (22/2/1958)، ونسب إلى دولة الوحدة (مع مصر) إجراءات لم تحصل خلال فترة قيامها (1958–1961)، مثل الإحصاء الاستثنائي الذي تم يوم (5/10/1962) أيام الانفصال (وقع الانفصال يوم 28/9/1961).
وربط بين تصعيد المطالب القومية الكردية وما أسماه “تفجر الأحداث في سورية” (كان لافتاً تجنب الكاتب استخدام تعبير ثورة سورية، وصفا لما حصل، حيث استخدم تعابير عديدة مثل “حركة الاحتجاجات” و “تفجر الأحداث” و “شرارة الأحداث” و “الأزمة”، ولم يستخدم تعبير ثورة ولا مرة) قال:” قبل تفجر الأحداث في سورية، كانت مطالب الحركة الكردية تتلخص في إطارين أو اتجاهين: مطالب عامة، تتعلق بتحقيق الحرية والديمقراطية والتعددية على مستوى البلاد. والمطالبة بحقوق ثقافية وسياسية، تتعلق بخصوصية الهوية القومية للأكراد.
وهو قول غير دقيق، حيث إن نضال الأحزاب الكردية السورية لم ينظر إلى قضية الحرية والديمقراطية في سورية باعتبارها هدفاً كردياً، وكانت مطالبه محصورة بالحقوق الكردية دون سواها، مثّلت قضية المحرومين من الجنسية ذروتها، والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، منها مثلاً مداخلات قادة الأحزاب الكردية وأعضائها في ندوات منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، ومداخلات قادتها في أربع أمسيات نظمها المنتدى عام 2004 في منزل طارق أبو الحُسن في المزة، خصوصاً لمناقشة الملف الكردي بحضور ممثلين عن النظام، حيث لم تطرح إلا قضية المحرومين من الجنسية (تختلف الأحزاب الكردية في التعبير عن طلبها هذا بين من يراه إعادة الجنسية التي سحبت ظلماً ومن يراه منحاً للجنسية، لاعتبار الحق المكتسب بطول الإقامة)، ناهيك عن العريضة التي قدمها الوفد الكردي الذي دخل مع معارضين عرب إلى مقر رئاسة الوزارة عام 2004 في أثناء الاعتصام المشترك في ذكرى الإحصاء المشؤوم. وأما ما قاله: “فقبل بدء شرارة الأحداث من درعا جنوب سورية، لم يكن في وسع الأكراد الحديث علناً عن حقوقهم القومية، أو رفع علم يرمز إلى هويتهم القومية، أو أحزابهم، أو حتى التعلم بلغتهم …إلخ”. فهو الآخر غير دقيق، فالمطالبة بحقوق قومية لم تكن بعيدة عن نضال الأحزاب الكردية، كما ذهب خورشيد، فقد سبق وطالبت بذلك، وخصوصاً حزب الوحدة اليكتي، الذي طالب بـ “حكم ذاتي” تارة وبـ “الفدرالية” أخرى، وثمة وقائع لافتة، في هذا الخصوص، فخلال التحضير لمؤتمر المجلس الوطني لإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2007، وصل وفد من ثلاثة أحزاب كردية (تيار المستقبل واليساري الكردي/خير الدين مراد والوحدة/حسن صالح) إلى دمشق، وطلب الاجتماع إلى القيادة المؤقتة للإعلان، وتقدم في الاجتماع بثلاثة مطالب، إذا قبلها الإعلان، فإن هذه الأحزاب ستنضم إليه، وهي: الاعتراف بالقضية الكردية قضية شعب وأرض، والاعتراف بالقومية الكردية ثاني قومية في البلاد، وتبني النظام العلماني. ولما اعتذر الإعلان عن تلبية المطالب، انتهى الاجتماع من دون اتفاق. وكان الشهيد مشعل تمو قد تحدث عن تبادل أراضي بين العرب والكرد، من أجل إيجاد كيان كردي خالص ومنسجم.
عن تبادلية غياب الثقة
وقد كرر الكاتب الحديث عن غياب الثقة بين أكراد سورية والنظام والمعارضة (هنا يجب التحفظ على اعتبار المعارضة واحدة وموحدة، وموقفها من القضية الكردية متفق عليه. فالواقع، هناك معارضات متعددة المنطلقات، متباينة المواقف في قضايا كثيرة، بما فيها القضية الكردية، بين حزب العمل الشيوعي الذي تبنى في برنامجه السياسي حق تقرير المصير للكرد و”إعلان دمشق” الذي تبنى حلاً ديمقراطياً على أساس المواطنة المتساوية، شاركت سبعة أحزاب كردية في صياغة هذا الموقف، وأحزاب قومية عربية ترفض الاعتراف بأية خصوصية غير عربية في سورية). وأبرز أسباب غياب ثقة الكرد بالنظام والمعارضة، من دون أن يأتي على أسباب غياب ثقة المعارضة السورية بالأحزاب الكردية، وهي كثيرة، فبالإضافة إلى التحالف والتنسيق بين الأحزاب الكردية والنظام، طوال عقد ثمانينيات القرن الماضي، بذريعة التصدي المشترك لنظام صدام حسين، وعدم اهتمامها بالشأن السوري العام، وحصر نضالها بالقضية الكردية، هناك سبب سلوكي يتمثل بالأسلوب الاستفزازي في المطالبة، وعدم التحرك وفق منطق سياسي قائم على المعايشة، ونسج المشتركات والتشبيك للوصول إلى حالة قبول وتفاهم وانسجام، والاتفاق على تصورات لحل القضايا الخلافية. ففي ندوة حوارية، عقدت في وادي المشاريع، جمعت كوادر من المعارضة، بينها كاتب هذه السطور، وقيادة الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي/عبدالحميد درويش عام 2000 (كان الاتفاق أن تتم دعوة أكبر عدد من الأحزاب الكردية، لكن الحزب المذكور الذي جرى الاتفاق معه لم يدع إلا حزبه ومناصريه من خارج الحزب)، دعا كاتب هذه السطور إلى التعاطي المرن والإيجابي وعدم قطع الروابط المشتركة التي صاغها التاريخ بين الشعبين، وضرب مثلاً عن تبني الأحرف اللاتينية في الكتابة الكردية، مع أن للكرد، قرونا طويلة وهم يستخدمون الحرف العربي، من دون إشكال، ناهيك عن كونه الحرف الذي كتب فيه كتاب الإسلام: القرآن الكريم، وهو المشترك الثاني الذي يجب الحفاظ عليه، فجاء الرد رافضاً وحاداً، مع تلميح إلى استعمار عربي ودور الإسلام في تبرير ذلك وقهر الكرد.
“في ثمانينات القرن الماضي، نشأ تحالف بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني التركي، بقيادة عبد الله أوجلان، سمح النظام للحزب بإقامة بنية سياسية وتنظيمية وإعلامية على الأرض السورية”
واقعة أخرى ذات دلالة، فقد لعب كاتب هذه السطور دوراً في التقريب بين المعارضة العربية والأحزاب الكردية، وجمع الفريقين مرات عديدة للتعارف والحوار، لكن اللقاءات كانت تنتهي بجدل حاد وقطيعة، ففي لقاء جمع به ميشيل كيلو وقيادي من عين العرب/كوباني، تحدث الأخير عن تكريد حي الأشرفية في حلب. وكان القيادي نفسه استفزازياً في لقاء جمعه فيه مع حسن عبدالعظيم، وآخرها موقف المجلس الوطني الكردي الذي قرر تجميد تحالفات أحزابه مع المعارضة العربية، والتفاوض على شروط بقائه فيها، حيث طلب الاعتراف الدستوري بالكرد، ثاني قومية في البلاد وحق تقرير المصير .. إلخ.
استدعاء تحالفات الزمن الماضي
تبقى النقطة الأخيرة التي جانب صديقنا خورشيد دلي الصواب في عرضه لها، وهي سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المناطق الكردية، وإعلانه الإدارة الذاتية فيها في مقابل ضعف الأحزاب الكردية، من دون أن يلتفت إلى تاريخ العلاقات بين النظام وحزب العمال الكردستاني، الحزب الأم بالنسبة لحزب الاتحاد، ففي ثمانينات القرن الماضي، نشأ تحالف بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني التركي، بقيادة عبد الله أوجلان، سمح النظام للحزب بإقامة بنية سياسية وتنظيمية وإعلامية على الأرض السورية، والتحرك بحرية في الأوساط الكردية السورية، بلغت حد تسمية مندوبين رسميين في الأحياء، في المدن والبلدات والقرى السورية، والسماح لهؤلاء المندوبين بتجنيد الشباب الكردي السوري، واستخدام الترهيب والترغيب في تحقيق ذلك، وإرسالهم للقتال في صفوف قوات الحزب في تركيا، بعد تلقيهم دورة تدريبية في البقاع اللبناني، حيث سُمح له بإقامة معسكرات تدريب هناك. ولعب هؤلاء المندوبون دوراً أساسيا، سياسياً وإعلامياً، حيث كان لدى المندوب إمكانات تقنية (ناشر)، تمكّنه من التقاط وإعادة بث برامج قناة ميديا التابعة للحزب، بحيث يستطيع سكان القرى الفقراء التقاطها بتوجيه لواقطهم العادية باتجاه بيت المندوب، ومتابعة برامج قناة ناطقة بالكردية، من السادسة مساءً إلى منتصف الليل يوميا. وقد قاد ذلك إلى استقطاب المواطنين الكرد وتشكيل فكرهم السياسي.
وبعد اعتقال عبد الله أوجلان، وإعلان الهدنة مع تركيا، عاد آلاف الكرد السوريين من ساحة القتال في تركيا، وأسسوا حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري، وهذا أعطاه حجماً وتميزاً عن بقية الأحزاب الكردية السورية: قاعدة كبيرة وخبرات عسكرية، ظهرت القوة والخبرة العسكرية بتشكيل قوات حماية الشعب، أخيراً، والتي بسطت سيطرتها على المدن والبلدات الكردية، والذي أخذ مكان الحزب الأم في العلاقة مع النظام، وتابع التعاون والتنسيق معه، وخصوصاً بعد انفجار ثورة الحرية والكرامة، ومنعه التظاهرات المؤيدة للثورة السورية في المناطق الكردية، وملاحقة معارضي النظام باغتيالهم، أو اعتقالهم وتسليمهم إلى أجهزة المخابرات، والاعتداء على القرى العربية، ودفع المواطنين العرب إلى النزوح، واستدراج رد فعل عربي، لدفع الكرد إلى النزوح، كما حصل، أخيراً، في مدينة الحسكة، وإيجاد أجواء من العداء والكراهية بين الجانبين، العربي والكردي. ناهيك عن قبول خورشيد اعتراض الكرد (لم يقل الحزب الاتحاد) على هجوم كتائب عسكرية معارضة على مناطق الكرد، من دون تعمق في فهم الخطوة باعتبارها تصرفاً منطقياً في إطار صراع مشاريع عقائدية وسياسية على مستقبل سورية.
في الختام، لا يحتاج النضال الكردي من أجل الحقوق والمصالح إلى تبرير أو سند من ممارسات الأنظمة، فهو أمر منطقي وطبيعي، لكن ما يحتاج إلى تدبّر وتفّكر هو طبيعة النضال وأساليبه، بحيث لا يؤسس لعداوة عميقة، ويفتح جراحاً لن تندمل بسهولة، ويترك المنطقة على شفا بركان. وما ختم به خورشيد مقاله “الانفتاح والإيجابية والممارسة العقلانية، بعيداً عن التصورات المسبقة” ضرورة وطنية وقومية لكل شعوب المنطقة.
العربي الجديد
ردّ على ردّ علي العبد الله بشأن أكراد سورية/ خورشيد دلي
تحت عنوان (ردّ: خورشيد دلي وأكراد سورية… الموضوعية يا صاحبي)، نشرت “العربي الجديد” مقالاً في صفحة قضايا، يوم 26 / 1 / 2015، للصديق على العبدالله، أثار فيه جملة من القضايا التي وردت في مقالتي المنشورة يوم 16 / 1 / 2015 تحت عنوان (أكراد سورية… جدل الخيارات وهاجس المصير). واللافت في ردّه أنه حمل المطالبة بالموضوعية، في حين احتوى الردّ نفسه على قضايا واستنتاجات وآراء ووقائع لا يمكن وصفها بالموضوعية، إذ إن جلّها تدخل في إطار التجربة الشخصية والرأي السياسي، وربما نقص في المعلومات، مع الإشارة إلى أن كل ما سبق لا يقلل من المواقف النضالية المشرفة للصديق العبدالله، في دفاعه عن الحرية والديمقراطية.
يقول العبدالله إن الربط بين تأسيس أول حزب كردي (الديمقراطي الكردستاني) بممارسات دولة الوحدة وإجراءاتها ضد الكرد أمر غير صحيح، على اعتبار أن الوحدة أعلنت في 22 فبراير/شباط 1958 في حين أن الحزب الكردي تأسس قبله بأشهر، وتحديداً في 15/ 6/ 1957، بمعنى أن هناك خطأ تاريخياً وقعتُ فيه، فالوحدة أعلنت بعد تأسيس الحزب. وفي السياق نفسه، يقول إنني نسبت إجراءات ضد الكرد إلى عهد الوحدة، وهذا غير صحيح أيضاً، حسب العبدالله، على اعتبار أن الإحصاء الاستثنائي تم يوم 5/ 10/ 1962، فيما وقع الانفصال في 28/9/1961. وفي الحالتين، هناك فارق التاريخ الذي هو أشهر. ولكي نصل إلى الموضوعية التي تطالب بها يا صاحبي، لا أعتقد ان الأمور تورد هكذا، وإنما بوضعها في نصابها الصحيح. ولكن، كيف؟
أولاً: الربط بين تأسيس أول حزب كردي وأيديولوجية الوحدة ربطٌ فكري وسياسي واجتماعي، في السياق التاريخي للحدثين، وليس خارجهما. ثم، يا سيدي، لم يهبط الإعلان عن الوحدة في فبراير/شباط عام 1958 فجأة على مسؤولي البلدين، فقد بدأت الجهود لتحقيقها، منذ انتخاب شكري القوتلي رئيساً لسورية عام 1955، وتوجّه الأخير بدعم من الاتحاد السوفييتي إلى التحالف مع جمال عبد الناصر. وبين عام 1955و1958، جرت بين الجانبين (السوري والمصري) اجتماعات واتفاقيات كثيرة، بل وتظاهرات في شوارع حلب ودمشق تطالب بالوحدة مع مصر. وقتها، يا صاحبي، كانت هناك شعارات تنادي بإنقاذ العروبة في الجزيرة (المنطقة الشرقية من سورية). وطبعاً المقصود هنا الأكراد. وعليه، لا يمكن فصل تأسيس أول حزب
“الأحزاب، والتي كانت برامجها متشابهة إلى حد التماثل، كانت تطالب، دوماً وفي مقدمة برامجها السياسية، بتحقيق الديمقراطية والحرية في سورية”
كردي في سورية عن هذا المناخ القومي الصاعد، بشقيه الناصري والبعثي في ذلك الوقت. والموضوعية، هنا، لا تكمن في أن الحزب الكردي تأسس، قبل الإعلان عن الوحدة بشهور، كما إنني قلت إن الحزب جاء تعبيراً عن الوجود القومي الكردي، وهو ما لم تشر إليه، كي تكتمل الموضوعية التي تطالب بها.
ثانياً: بخصوص إجراءات لم تحصل خلال فترة الوحدة (1958-1961)، مثل الإحصاء الاستثنائي، يا صاحبي، إن قلت أيديولوجية الوحدة، وليست فترة الوحدة. وهناك فرق كبير بين الأمرين، خصوصاً أن الأيديولوجية هي تعبير عن منظومة تفكير وقيم. لا تأتي بتوقيع هذا الإعلان أو ذاك. كان المقصود جملة الإجراءات التي اتخذت، في فترة الصعود القومي الجامح، وانعكاسه على كيفية النظر إلى قضايا الشعوب والأقليات القومية والدينية. ليس في سورية فقط، وإنما في مجمل العالم العربي. وهنا، دعني أذكر لك الحقائق التالية عن فترة الوحدة هذه المرة كي تكتمل الصورة:
1- بعد فشل سلطات الوحدة في إقناع الحزب الكردي بإصدار بيانٍ، يعلن دعم الكرد الوحدة، تم اعتقال معظم قيادة الحزب الكردي في أغسطس/آب عام 1960، وبأمر مباشر من عبد الحميد السراج. وتمت محاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة العسكري، وزجهم في سجن المزة. والمفارقة، يا سيدي، أنه عندما اعتقل السراج عقب فشل الوحدة، تم القبض عليه مختبئاً في منزل روشن بدرخان، زوجة السياسي الكردي المعروف جلادت بدرخان!.
2– في أثناء فترة الوحدة، تمت إحالة معظم الضباط الأكراد إلى التقاعد، أو حتى إقالة بعضهم، وأذكر هنا، مثالاً، رئيس الأركان اللواء توفيق نظام الدين وشقيقيه، زكي وعبد الباقي، وكذلك العقيد وجيه البرازي الذي أحيل إلى التقاعد، مع أنه لم يكن بلغ الأربعين من العمر.
3- لم تكن قضية الإحصاء بنت يوم 5 / 10/ 1962، فقد سبقت الإجراء اجتماعات وبيانات كثيرة بهذا الخصوص، بل سبقه مرسوم رئاسي بشهور.
والخلاصة، هنا، أن الأمر بدا وكأنك تريد تبيض صفحة الوحدة من كل ما سبق، في حين هناك مئات الوقائع التي تؤكد أن أصل المشكلة الكردية في سورية بدأت بسبب الأيدولوجيا التي طغت في هذه المرحلة. على الأقل، قبل هذه المرحلة، كانت الحالة الكردية وطنية سورية بامتياز.
عن الديمقراطية وقوس المطالب
يصر العبدالله على (أن نضال الأحزاب الكردية لم ينظر إلى قضية الحرية والديمقراطية في سورية باعتبارها هدفاً كردياً). ليس دفاعاً عن الأحزاب الكردية التي تشعبت وتعددت، هذه الأيام، أكثر من القبائل والعشائر. إلا أنك تظلم هذه الأحزاب في قولك السابق، فهذه الأحزاب، والتي كانت برامجها متشابهة إلى حد التماثل، كانت تطالب، دوماً وفي مقدمة برامجها
“الإدارة الذاتية، سواء كنا ضدها أو معها، أضحت واقعاً ملموساً ليس في المناطق الكردية فحسب، بل في المشهد السوري ككل، حيث يطالب الأكراد بالاعتراف الدستوري بهم”
السياسية، بتحقيق الديمقراطية والحرية في سورية. وكانت لها عبارتها الشهيرة (إن حل القضية الكردية في سورية مرتبط بتحقيق الديمقراطية والحرية)، كما أنها في ممارستها العمل السياسي كانت دوماً بوصلتها تتجه نحو دمشق مركزاً للحل. وقد عملت مع النظام وقوى المعارضة معاً، من أجل حل عادل لهذه القضية.
ولعل ما ذكرته عن تجربتك الشخصية، وعن مشاركة أحزب كردية، في ندوات منتدى جمال الأتاسي و”إعلان دمشق” وغير ذلك، يؤكد مدى رهان الأكراد على الديمقراطية، ليس لتحقيق تطلعاتهم فحسب، بل لتحقيق الديمقراطية في البلاد. أما عن قوس المطالب، يقول العبدالله عن قولي (إنه قبل بدء شرارة الأحداث في درعا لم يكن بوسع الأكراد الحديث علناً عن حقوقهم القومية، أو رفع علم يرمز إلى قوميتهم أو التعلم بلغتهم …) غير دقيق. ما هو غير دقيق في هذا الكلام؟ هل كان هناك تعلم أو تعليم باللغة الكردية مثلاً؟ هل كانت هناك مكاتب أو مقار للأحزاب الكردية، أو مسموح لها بعقد اجتماعات علنية، أو رفع علم أو رمز حتى لو كان حزبياً؟ أعتقد أنت تعرف، أكثر من غيرك، كيف سيكون مصير الشخص الذي سيقوم بمثل هذا الأمر في اليوم التالي، إن لم يكن في الساعة نفسها.
كذلك بشأن قوس المطالب، هي بالفعل اتسعت وبشكل كبير عن السابق، فإذا كان هناك في السابق حزب كردي تحدث عن الفيدرالية، أو شكل من أشكال الحكم الذاتي في ندوة أو ملتقى ما، فإنه، عملياً اليوم، هناك واقع جديد بكل معنى الكلمة، فالإدارة الذاتية، سواء كنا ضدها أو معها، أضحت واقعاً ملموساً ليس في المناطق الكردية فحسب، بل في المشهد السوري ككل، حيث يطالب الأكراد بالاعتراف الدستوري بهم.
عن تبادلية الثقة
أولاً، أتفق معك أنه هناك معارضات سورية وليست معارضة واحدة، ولكل واحدة أجندتها التي قد تتعارض مع الثانية، أو الثالثة، إلى حد التناقض، بل والاقتتال. ثانياً، بالنسبة للأسباب التي ترى أنها أدت إلى غياب ثقة المعارضة السورية بالأحزاب الكردية. لعمري، إنك تورد أسباباً غريبة، كالتي تقول بوجود (تحالف وتنسيق بين الأحزاب الكردية والنظام، طوال عقد ثمانينيات القرن الماضي، بذريعة التصدي المشترك لنظام صدام حسين). لا أعرف ماذا أقول فعلاً؟ هل أقول صباح الخير بعد كل هذه السنوات؟ أم أقول أرجع إلى عشرات القياديين الأكراد الذين اعتقلهم النظام في تلك الفترة، بحجة التعامل أو التحالف مع نظام صدام؟ وهنا، بمناسبة الحديث عن التحالفات، دعني أنتقل إلى ما سميته استدعاء تحالف الزمن الماضي، وكيل الاتهامات إلى مكون سياسي كردي، هو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي. تتحدث عن تحالف بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني، بزعامة عبدالله أوجلان، في ثمانينات القرن الماضي، وأقول هذا صحيح، وكل طرف أراد الاستفادة من الآخر في معركته مع تركيا، لكنك نسيت أنه بعد اتفاقية أضنة بين سورية وتركيا عام 1998 تحالفت السلطات في الدولتين ضد الحزب المذكور، وسلمت السلطات السورية عشرات من قياديي الحزب المذكور إلى الجانب التركي، وكانت استخبارات الأخير تعمل حتى في الإحياء الكردية في دمشق ( ركن الدين، وادي المشاريع، زورآفا) لملاحقة الناشطين الكرد المحسوبين على الحزب.
أما بشأن الاتهامات لحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب حول (ملاحقة معارضي النظام باغتيالهم، أو اعتقالهم وتسليمهم إلى أجهزة المخابرات، والاعتداء على القرى العربية ودفع المواطنين العرب إلى النزوح، واستدراج رد فعل عربي لدفع الكرد إلى النزوح ….) مع أن الرد على هذه الاتهامات من حق الحزب الكردي، إلا أنني أجدني مضطراً للحديث قليلاً عن هذا الأمر، لطالما الأمر ورد في إطار الرد على ما كتبته. أولاً، يا سيدي، ليس هناك عداء تاريخي بين العرب والكرد في هذه المناطق، بل على العكس تماماً، هناك تعايش وتداخل اجتماعي وحضاري منذ القدم بين الجانبين. وما سبق لا يعني عدم حصول مشكلة طارئة، هنا أو هناك، من هذا الطرف أو ذاك، بفعل وتخطيط من أجهزة وجهات أرادت، وتريد، تخريب
هذه العلاقة لحساب مصالحها وتحقيق أهدافها. ثانياً: الهجمات على بعض القرى العربية من وحدات حماية الشعب، أخيراً، جاءت بعد الحرب التي أعلنها “داعش” على المناطق الكردية، فمن بدأ بالهجوم على رأس العين (سري كانيه) مبكراً … وصولاً إلى الهجوم على عين العرب (كوباني) وغيرها من المدن والبلدات الكردية؟ ما جرى ويجري يأتي في سياق الحرب المعلنة بين “داعش” والكرد في هذه المناطق، وليست بين الكرد والعرب، كما يفهم من سياق حديثك. ثالثاً: بقدر ما تعتقد أن هناك تحالفاً بين النظام وحزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب، بقدر ما يتحدث أنصار الطرف الأخير عن أن النظام هو الذي يقف وراء هجوم “داعش” على المناطق الكردية في الجزيرة، للتخلص من الواقع الذي أوجدته الإدارة الذاتية فيها، خصوصاً في ظل قناعة النظام بأنه بات منتصراً في هذه الأزمة. رابعاً: بخصوص غياب الثقة بين الكرد والمعارضة، من أين ستأتي الثقة يا صديقي؟ بالتأكيد، ليس من الفراغ، وإنما من العمل والمواقف. وهنا السؤال: هل المعارضة السورية، وأقصد تحديداً الائتلاف والمجلس الوطني، أقرَّ، في كل مواثيقه لسورية المستقبل، أياً من الحقوق التي يطالب بها الأكراد، على الرغم من مطالبة الأكراد بذلك مراراً؟ هل يعقل أن يكون أول بيان للمجلس الوطني السوري، بعد تأسيسه عام 2011، بخصوص الأكراد أن يكون إدانة عمليات حزب العمال الكردستاني؟ الحديث طويل لا تتسع المساحة له. وأختم بالتأكيد مجدداً أنه لا يمكن النظر إلى مصير أكراد سورية خارج مصير الشعب السوري، وأن الضرورة والمصلحة تتطلبان من الجميع الانفتاح والإيجابية، بعيداً عن التصورات المسبقة والأيديولوجيات القومية والدينية، فالمنشود دولة ديمقراطية تعددية، تؤمن الحرية والحقوق للجميع قبل كل شيء.
العربي الجديد