مقالين تناولا مجموعة “أبونضارة”
هل يخشى الأسد فعلاً من المخرجين السوريين؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) — هل ينجح صناع السينما السورية بتغيير وجهة الرأي العام حول الحرب؟ وفي سوريا، لا يحمل جميع الثوار بنادق، بل يحمل بعضهم كاميرات التصوير.
ويرأس شريف كيوان مجموعة “أبونضارة،” والتي تضم مخرجين سوريين يأملون في إحداث تغيير في الطريقة التي يتم فيها تصوير الصراع السوري، سواء من قبل الرئيس السوري بشار الأسد أو وسائل الإعلام بشكل عام.
ويعتبر أعضاء مجموعة “أبو نضارة،” جميعهم متطوعين، ومجهولي الهوية، وهؤلاء بدورهم يصنعون أفلام قصيرة، مدتها تتراوح بين دقيقتين وخمس دقائق، حيث يعطون المواطن العادي حقه بأن يكون لديه صوت. ويحاولون تصوير الحياة اليومية للسوريين، سواء كانوا يعيشون داخل البلاد، أو في مخيم قريب للاجئين، أو في المنفى. وبعد ذلك، تنشر الأفلام على موقع تبادل ملفات الفيديو “فيميو” كل يوم جمعة.
وقال كيوان إن “الفكرة من هذه الأفلام هي قدرتها على التأثير على المشاهد العالمي والذي لا يعرف أي شيئ عن سوريا.”
ويمكن لموضوعات الأفلام أن تركزعلى أي شخص مثل جندي في الجيش السوري الحر، وصاحبة متجر أرملة، أو امرأة شابة تعبر عن حقها بعدم ارتداء الحجاب. وتبقى هذه الشخصيات مجهولة، ولا يتم الكشف عن أسمائها أبدا، ولا أماكن عيشها .
وأضاف كيوان: “نحاول أن نجعل المشاهد يطرح الأسئلة ذاتها. نريد منه أن يعيد النظر في رمز هذا الصراع،” مشيراً إلى أن “هناك رجال ونساء يقاتلون من أجل حريتهم ، بغض النظر إذا كان هؤلاء من الطائفة المسيحية أو المسلمة، أو جنود أو موالين للنظام. ونحن نركز فقط على الإنسانية المشتركة والإنسانية العميقة الموجودة في الجميع.”
ويعتقد كيوان أن الأسد يعتبر شديد الدهاء عندما يرتبط الأمر بإدارة صورته وتلك التي ترتبط بالحرب. والمثال الرئيسي هو كيف وصف الرئيس السوري جميع المتمردين بأنهم “إرهابيون .
وقال إن “الأسد يقول :أنا رجل جيد. قد أكون ديكتاتورا، ولكن أنا رجل أقاتل ضد الاسلاميين. قد لا تحبوني، ولكن ادعموني، لأن لدينا العدو ذاته،” مضيفاًُ أن “الأسد ينجح في جعل العالم يعتقد أن هذا هو الحال.”
ومنذ بدء الصراع قبل أكثر من ثلاث سنوات، فقد فتح الأسد حساب “إينستاغرام” والذي يصوره بأنه ديكتاتور خير، إذ يقبل الأطفال، ويلوح للحشود المهللة.
وأوضح كيوان: “نحن لا نواجه المخاطر ذاتها مثل الصحافيين، ولا نقاتل بحمل الأسلحة، ولكن النظام ينظر إلى كل من يحمل كاميرا بأنه عدو، لذا الأمر خطير جدا،” مؤكداً على مقولة “في سوريا، يمكن للصورة أن تقتل. وهذا صحيح حقا.”
واعتبر كيوان أن الأمور تغيرت قائلاً: “عندما بدأنا في العام 2010، بالتصوير في سوريا، كان علينا أن نستأذن من الرقابة”، مضيفاً “كان لدينا فكرة أنه إذا استخدمنا الإنترنت، ولم نختر الموضوعات السياسية علنا، فإن الرقيب لن يرى أي شيئ.”
ولا تعتمد “أبو نضارة” على العنف لإيصال رسالة. وبالنسبة إلى كيوان، فإن الرسالة الأقوى هي الرسالة التي لا تنطوي على سفك الدماء.
“وتعتمد وسائل الإعلام الرئيسية على التقاط الصور للأشخاص الذين أصيبوا بجروح أو قتلوا، ما يؤدي إلى إغراق الشعب بمزيد من البؤس”، بحسب ما قال كيوان. وأضاف: “أنت تجعل الناس أكثر قبولا للدمار بهذه الطريقة، ونحن نعتقد أن الطريقة الوحيدة لحماية الناس هو إظهار صورتهم بكرامة. وبمجرد رؤيتهم بهذه الطريقة، يمكنك أن تشعر بإنسانيتهم، ولا يمكن أن تقبل الوضع بسهولة “.
وبدأت “أبو نضارة” بكسب بعض الاهتمام لفيلم “الله والكلاب”، وتدور أحداثه حول جندي من الجيش السوري الحر، يعترف بقتل رجل بريء.
وفاز الفيلم بجائزة لجنة التحكيم الكبرى للفيلم القصير في مهرجان “صندانس السينمائي.” كما تم عرض مجموعة مختارة من الأفلام القصيرة أيضا في لندن كجزء من مهرجان سينمائي لهيومن رايتس ووتش .
وأكد كيوان أنه “من المهم بالنسبة إلينا أن نحصل على الاعتراف بصناعة الأفلام الجيدة، من قبل زملائنا في جميع أنحاء العالم، لأن ذلك يحمينا من الوصاية السياسية.”
أبو نضّارة.. في سورية الزمن الراهن/ ديمة ونوس
الصالة كانت ممتلئة كعادتها خلال الأيام الثلاثة التي استغرقتها فعاليات “أشغال فيديو”. إلا أن المسألة تبدو مختلفة مع الفيلم الذي قدّمته مجموعة “أبو نضّارة” في ختام الفعاليات. إذ يصعب فهم الحالة النفسية التي تسكنك وأنت ترتدي ملابسك وتخرج من بيتك باكراً وتتجّه بإرادتك إلى صالة الميتروبوليس في بيروت، لتتفرّج على مأساتك. أنت تعرف أفلام “أبو نضّارة”، وشاهدت الكثير منها على اليوتيوب، يكاد الفيلم الواحد لا يتجاوز الدقيقتين. لكنك اليوم، ستشاهد فيلماً طويلاً. خمسون دقيقة، خمسون تنهيدة، دموع، والكثير من الحنين. والأكثر غرابة من كل هذا، أن تخرج من الفيلم وتقول: إنه فيلم جميل! قد تصاب بالارتباك من إحساسك لأن الفيلم الجميل الذي شاهدته للتو واستمتعت في لحظات عابرة منه وبكيت في لحظات أخرى، تدور أحداثه هناك، في بلد الموت والدمار والجثث المعذّبة. “بالضبط. لأن فكرتنا قائمة على عدم استثارة الشفقة لدى المتفرّج. بل على تقديم حالة سينمائية بصرية”، يقول في حديث إلى “المدن”، شريف كيوان، الناطق بإسم المجموعة التي أخرجت فيلم “سورية: يوميات الزمن الحاضر”. مجموعة “أبو نضّارة” التي تضمّ الكثير من المخرجين الهواة مجهولي الهوية، المقيمين في مناطق مختلفة من سورية.
ثلاث سنوات مرّت، ربما حان الوقت لتأمّل حراك مدني بدأ قبل العام 2011. مشروع “أبو نضّارة” مثلاً، لم يسمع به السوريون قبل الثورة مع أنه انطلق في العام 2010 مع مجموعة من الهواة أنجزوا 12 فيلماً قصيراً تتراوح مدتهم بين خمس وست دقائق، أبطالهم سوريون مغمورون يعيشون على هامش الحياة. ويبدو أنهم كانوا على الهامش بالنسبة إلى النظام كما بالنسبة إلى النخبة الثقافية المعارضة. حتى مجموعة “أبو نضّارة”، كانت على الهامش في ظلّ “عمالقة” السينما وفي ظلّ الأفكار المقدّسة عن الفن الملتزم وعن ربط الإبداع بالسياسة بشكل مباشر وصريح. “لم نكن مقبولين كسينمائيين، ببساطة لأن الجميع يتطلّع إلى أفلام عن الإسلام السياسي أو عن النظام أو الطائفية. لم تكن تلك الموضوعات هاجساً بالنسبة إلينا. كنا نرغب بتقديم صورة بديلة للمجتمع الذي يقدّمه الإعلام بالتواطؤ مع النظام، لتأطيره وتحجيمه”، يقول شريف كيوان الذي شارك يوم أمس بحوار مع الفنان اللبناني أكرم زعتري حول أفلام “أبو نضّارة” نظمّته الأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت سونيا مايشر أتاسي.
لم تشكّل الرقابة الصارمة في سورية، عائقاً أمام “ابو نضّارة”. لأنهم منذ البداية اختاروا السينما همّاً للحديث عن أبطال الحياة اليومية بعيداً عن السياسة المباشرة. وعن إسم “أبو نضّارة” يقول شريف “إن الإسم ساخر ومشاكس للخطاب السياسي السائد. نحن كالمعارض المتخفّي الذي لا يختبئ وراء اسم مستعار إلا أن أدواتنا مختلفة. اخترنا حجب أسمائنا وراء “النضّارة” مع أننا لم نكن مضطرين لذلك”.
وحتى بعد انطلاق الثورة السورية في شهر آذار/مارس 2011، حافظت مجموعة “أبو نضّارة” على أبطالها المنتمين إلى المشهد السوري العام والأوسع مع العلم أن باستطاعتهم الوصول إلى المعارضين والنشطاء المكرّسين في الثورة وقبلها. “عملنا يهدف منذ البداية الى تحرير المجتمع من الصورة التي فرضها عليه إعلام النظام من جهة والإعلام العربي والعالمي من جهة أخرى”. وقد يلاحظ المتفرّج أن معظم أفلام المجموعة (160 فيلماً منذ نيسان/أبريل 2011 وحتى هذا اليوم)، تخلو من العنف المسيطر على المشهد السوري. لا وجود لجثث ملطّخة بالدماء ولا وجود لذلك الهلع المرافق للمجازر أو القصف. مع أن أبطال المجموعة الذين ينتمون إلى الحياة اليومية في سورية، يتعرضّون إلى ذلك القتل الممنهج والاعتقال والتهجير. إلا أن “أبو نضّارة” تمتلك وجهة نظر أخرى في طريقة تقديم عملها. “اختفى المجتمع في الإعلام. ثمة علوي وسنّي وصراع بينهما، فقط. لا تقتصر مهمّتنا على تقديم تغظية إعلامية لما يجري، تلك التغطية تعثرين عليها في نشرات الأخبار المتلاحقة واللاهثة وراء ما يحدث من قتل ودمار وصور بشعة وقاسية. صحيح أن تلك الصور حقيقية ومستمدّة من الواقع، إلا أنها تحولت إلى صورة واحدة عامة. أين الصور الأخرى المتنوعة؟ لسنا حياديين ولم نكن في يوم من الأيام كذلك. لكننا نقدّم صورة بديلة. الثورة أكبر من ممثّليها ولا نستطيع تجسيدها ببطل أو سياسي”، يقول شريف مشدّداً على أنه لا يتحدث بإسم المجموعة وعلى أنه مجرّد شخص من بين مجموعة كبيرة من الأشخاص.
الفيلم الطويل الذي عرض في ميتروبوليس، وجمع عدداً من الأفلام ومن مقاطع اليوتيوب، يقدّم للمشاهد أبطالاً سوريين كان لهم فضل كبير في قيام تلك الثورة واستمرارها حتى الآن على الرغم من إصرار نظام الأسد على إراقة الدماء حتى النفس الأخير. فيلم “السيدة الأولى” مثلاً، يقدّم للمشاهد البديل الأكثر عقلانية للسيدة الأولى النحيلة والجميلة، التي تخرج من بيتها بشعر مصفّف وبملابس يفوق ثمنها ما يملكه معظم الشعب السوري. سيدة تتحدث الإنكليزية ولا تجيد اللغة العربية في وقت يجبر فيه أصحاب المحلات والمطاعم على تعريب أسماء محلاتهم بطريقة عشوائية تثير السخرية. سيدة تخاطب الرأي العام العالمي أكثر مما تخاطب الإعلام الرسمي الذي يصل إلى بيوت تلك الشريحة المسحوقة. “السيّدة الأولى” بالنسبة إلى مجموعة “أبو نضّارة” هي امرأة تعيش على هامش الحياة، امرأة سورية بحق، جمعت بنات ضيعتها في ريف إدلب المنكوب، لتعلّمهم كيفية تصفيف شعر العروس. امرأة بسيطة، حنونة، من لحم ودم، تخاطب الروح وليست مجرّد دمية تطلّ في أفلام تسويقية. وربما يحيلنا المقطع هذا إلى الفيلمين الأخيرين الذين مثلت فيهما “السيّدة الأولى” أسماء الأسد وهي ترتدي أجمل ما عندها وتبتسم بمشقّة من يبتسم للكاميرا، محتضنة نساء سورية اللواتي فقدن أبناءهن أو أزواجهن. تحيلنا تلك الأفلام إلى سؤال بديهي: من هي السيدة الأولى بين تلك النساء؟ في الواقع، السيدة الأولى هي كل امرأة شاركت في تلك الأفلام أو غابت عنها عدا أسماء الأسد.
في مقطع “الجندي المجهول”، نرى عنصراً من “الجيش الحرّ” يعترف بذبح أحد عناصر الجيش النظامي. وأيضاً في مقاطع أخرى، نرى ناطقاً باسم إحدى الجبهات الإسلامية المسلحة يشرح لنا مفهومه عن الدولة الإسلامية وعن الشريعة المطبّقة فيها كقطع الأيدي. هذه المشاهد أثارت تحفّظ البعض في ميتروبوليس، منتقدين “أبو نضّارة” لأنهم يركّزون على أخطاء الثورة وعلى تسليحها وأسلمتها. في هذا الشأن يقول شريف: “هذا يخدم الثورة التي خرجت مطالبة بالحرية والكرامة قبل أي شيء آخر. عندما أغضّ النظر عن هذه الممارسات، أتستّر بذلك على عيوب واضحة وجلية للجميع. ليست وظيفة السينما التحريض، بل أن تستفزّ قلق المشاهد والمعني بما يحدث. الصراع اليوم مفتوح على كل الاحتمالات. ومسؤولية المشاهد أن يختار الدفّة التي يريد للصراع أن يميل إليها. لا يمكن للسينمائي أن يتحزّب إلى جهة دون أخرى”.
مجموعة “أبو نضّارة”، تعمل حتى يومنا هذا من دون تمويل. لأن الجهات المانحة ترفض تمويل مجهولي الهوية. هنا أيضاً، يتجدّد السؤال عن مصادر التمويل وعن أهدافها. لماذا تبقى المجموعات والمشاريع المدنية المستقلة، يتيمة بلا تمويل؟
المدن