مقتل زهر الدين وألغاز النظام الأمني السوري
رأي القدس
أثار مقتل عصام زهر الدين، العميد في جيش النظام السوري، ومسؤول الحرس الجمهوري في مدينة دير الزور، الكثير من الجدل ضمن المهتمّين بالشأن السوري، كونه أحد أدوات النظام الأمنية البارزة، كما أثار تساؤلات اعتاد السوريون على طرحها كلّما قُتل أحد مسؤولي النظام الكبار، متذكّرين سلسلة طويلة من الاغتيالات لشخصيات كبرى كانت مؤثّرة وفاعلة في البلد، ورابطين ذلك بألغاز كثيرة لم تحلّ رافقت النظام منذ نشوئه، ولكنّ وتيرتها زادت بشكل غير مسبوق منذ بدء الثورة السورية عام 2011 وحتى االيوم.
أحد أسباب أهمّية زهر الدين لدى النظام ارتبطت بكونه من عائلة عسكرية معروفة في محافظة السويداء التي هي معقل طائفة الموحدين الدروز، والنظام المعروف باشتغاله الدؤوب على المحرّكات الطائفيّة في سوريا قام بتوظيف الجنرال وعمل على توسيع شهرته منذ اشتعال الأحداث على خلفية توريط المحافظة وأهلها في المقتلة السورية الكبرى، وهو أمر وجد مفاعيله في الروايات التي تم تداولها حول مقتله، وفي تقليب آثار موته على أكثر من جهة ودلالة ومعنى.
تعامل الرأي العام مع اغتيالات النظام لأركان كبار فيه، كما حصل مع الجنرال المعروف غازي كنعان، ورئيس الوزراء الأسبق محمود الزعبي، باعتبارها تصفيات داخليّة، غير أن أحداثاً أخرى، كما حصل في تفجير الخليّة الأمنيّة عام 2012 والتي نتج عنها مقتل النخبة الأمنية والعسكرية للنظام، وكان بينهم وزير الدفاع داود راجحة، وصهر الرئيس آصف شوكت، بقيت في منطقة غامضة لم يستطع أحد اختراقها، فلا الناس صدّقت تصريحات المعارضة السورية عن مسؤوليتها عن الانفجار، ولا استطاع أحد تأكيد مسؤولية النظام عن التفجير.
بعض الاغتيالات الأخرى، كما حصل للواء رستم غزالة، الذي كان يوصف بكونه مخزن أسرار النظام في لبنان، وأحد المتهمين بالتخطيط لاغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق حريري، قيل إنه حصل على خلفية خلاف مع رئيس الأمن العسكري آنذاك، رفيق شحادة، الذي أقيل مباشرة بعد مقتل غزالة، وهو أحد الاتجاهات التي أخذتها القصص العديدة التي تم تداولها حول مقتل زهر الدين.
يضعف هذا التأويل الأخير ميلاً كبيراً لدى العموم إلى إظهار النظام السوري كآلة أمنية منتظمة تملك سطوة عقلانية شاملة على تصرفاتها، ويحرم معارضيها، نظريّاً أو فعليّاً، من قدرة ضربها تلك الضربات الموجعة، كما كان الحال في حادث الخلية الأمنية أو في حالة مقتل زهر الدين نفسه.
يظهر هذا التأويل، من ناحية أخرى، الطبيعة العشوائية والهمجية للآلة الأمنية السورية، حيث يؤدي صراع شخصيّاتها المفرطة التوحّش والتائقة إلى أعلى مراتب التسلّط، والعائشة على وهم القوّة المطلقة، إلى مواجهات ذئبية بين ضباطها، من دون سبب سياسيّ خطير، كما يحبّ مؤيدو السلطة أو معارضوها أن يعتقدوا أحياناً، وهو لا يفقد أمثال زهر الدين، أو غزالة، أرواحهم فحسب، بل معنى موتهم أيضاً. يضاف إلى ذلك أن كبار مسؤولي النظام الأمنيين والعسكريين تحوّلوا إلى أمراء حرب يديرون إقطاعيات واسعة تتحكّم بأرواح البشر وأرزاقهم، وتدور الخلافات بينهم على قضايا فساد ونهب أكثر مما تدور حول السياسة وتفاصيلها.
إضافة إلى تاريخه الدمويّ الذي جمع المجازر (حسب أحد مؤيديه، الذي كان سفيرا للنظام في تركيا، فقد تباهى بقتل أكثر من 1000 سوري) إلى الصور التذكارية أمام الأشلاء المقطعة المسلوخة للمعارضين، فقد اشتهر الجنرال بتصريحين شهيرين، قال في الأول إنه سيحوّل أرض دير الزور إلى حقل بطاطا (وهو ما يذكر بتصريح ينسب لبشير الجميل عن تحويل صبرا وشاتيلا إلى ملاعب تنس)، والثاني لمّح فيه إلى أن من سيرجع من اللاجئين السوريين إلى بلاده سيلقى حتفه.
مقتل زهر الدين تحوّل على صفحات مؤيدي النظام للتواصل الاجتماعي إلى مناسبة لتهديدات أكثر سوءاً للمعارضين (كما فعل السفير السابق المذكور الذي طالب الرئيس السوري بشار الأسد بسحب الجنسية ممن شمتوا بموت العميد!) كما تحول لحدث يطوّب الجنرال المنقوع بالدماء بطلاً وطنيّاً، وهو أمر مخيف حقّاً لأنه يظهر أن الإبادة والتوحّش وقسوة الإنسان ضد أخيه الذي يخالفه الرأي السياسي قد تكون اتجاها «شعبيّاً» شائعاً وليس محصوراً بنخبة قاتلة تدافع عن امتيازاتها.
القدس العربي