صفحات مميزةعلي العبدالله

مقدمات ..نحو الهدف/ علي العبد الله

في حديث مع صديق حول اللحظة السياسية الصعبة التي تواجهها الثورة السورية والمخرج الممكن في ضوء هاجس مزدوج لديه(الخوف على الثورة، والخوف على الهوية الاسلامية) كان الحوار التالي:

سأل هل من مخرج من هذا المأزق يحقق اهداف الثورة ؟.

قلت ليس الخروج من المأزق الراهن بالأمر السهل، نحن بحاجة الى عمل جماعي جاد ومسؤول، عمل خارق للعادة، حتى نعيد التوازن الى وضعنا بتحقيق توافق على خطة مواجهة ميدانية وسياسية وإعلامية، والعمل على ترويجها وتسويقها بين الثوار والشعب السوري اولا ولدى اصدقاء الشعب السوري ثانيا، ولدى القوى الكبرى ثالثا. هناك نقاط ضعف تمسك بنا بدءا من انقسامات الكتائب العسكرية بين جيش حر وجيش الاسلام وجيش محمد، ناهيك عما تثيره “النصرة” و “داعش” و “قوات الحماية الشعبية الكردية” من مشكلات، وصولا الى هشاشة موقف اصدقاء الشعب السوري وتباين تصوراتهم وأهدافهم، مرورا بانعدام تماسك المستوى السياسي للمعارضة حيث تسود الخلافات والانقسامات نتيجة تباين المنطلقات والولاءات. جزء هام من نقاط الضعف ذاتي بسبب التباينات العقائدية والسياسية والولائية وجزء آخر، هام ايضا، سببه التنافس السلبي بين دول اصدقاء الشعب السوري، العربية منها بخاصة، وصراعها المستميت على السيطرة على الثورة وتجييرها لتحقيق مصالحها الخاصة.

 كما ان ثمة تناقضا في المواقف السياسية بين التوجه الدولي الساعي لعقد جنيف والتوجه المحلي والإقليمي لمواصلة القتال حتى هزيمة احد الطرفين. التوجه الدولي يعطي الاولوية لعدم تمدد الصراع خارج سوريا ومحاربة “الجهاديين”، والتوجه الاقليمي مصالحه تتعارض مع ذلك لان مؤتمر جنيف2 بالنسبة لإيران ينطوي على مخاطرة الدخول في خطة تغيير النظام، وبالنسبة للسعودية وتركيا وقطر انعاش للمحور السوري الايراني، قد تحصل ايران عبره على حصة كبيرة في سوريا الجديدة.

 المعارضة السياسية والعسكرية اضعف من ان تؤثر على الواقع الاقليمي والدولي، لذا ليس امامها إلا الاستمرار في المواجهة مع العمل من اجل تقنين التفاوض وضبطه بشروطها حتى تشارك في جنيف2 وتحقق انتقال السلطة، وهذا يستدعي وحدة في الموقف والأداء.

قال لكن هذا لن يرضي الكتائب الاسلامية وهي القوة الرئيسة في الميدان؟.

قلت كونها القوة الرئيسة في الميدان لا يعني ان موقفها صحيح، فالألوية الاسلامية السورية تعاني من نقص خبرة في ادارة الصراع على المستويين العسكري والسياسي، هناك منطق يحكم الصراعات، ويفرض وضع اولويات ورأس الاولويات تحديد العدو من الصديق، وقد عُبر عن الحالة بصيغ متعددة: “من ليس معي فهو عليّ”، او “من ليس عليّ فهو معي”، وتحديد الصديق الدائم والصديق المرحلي ونسبة التطابق في المواقف والمدى الذي يمكن التعاون فيه مع كل طرف، وتحديد توقيت كل مرحلة والزمن الذي ستستغرقه. وهذا سيتيح تحديد وجهة البندقية وتحاشي خوض معركة مفتوحة مع كل القوى في وقت واحد كما تفعل القوى الاسلامية الآن: قتال ضد النظام وقتال ضد الكتائب الوطنية غير الاسلامية وضد بعضها. اما على الصعيد السياسي فهناك تجاهل تام من قبلها لقواعد التحرك السياسي المدروس بدءا من رفعها شعارات منفرة وطرحها اهدافا وتصورات مفرّقة وأخرى متشددة ومرفوضة، واعتمادها في مواجهة بعضها سياسة “كل شيء او لا شيء”، مرورا بممارسات شاذة لا تتفق مع منطق وطني حريص على البلد والشعب ومستقبلهما، الى الاستهتار بتبعات هذه المواقف والممارسات محليا وإقليميا ودوليا.

قال هذه المواقف مرتبطة بالحفاظ على الهوية الإسلامية؟.

قلت قضية الهوية، والحفاظ على الهوية، لعبة اغوائية تحاول استثمار ايمان المواطنين لاستدراجهم الى مشروع سياسي لا يملك أية مشروعية دينية، وهي(دعوة الحفاظ على الهوية) تنطوي على خداع للذات اولا لأنه ليس ثمة خطر على الهوية، الخطر على البلد، على الشعب، اما الهوية فراسخة ولا خوف عليها وقد صمدت قرونا رغم الضعف وثانيا لان الهوية الدينية مسألة شخصية مهمتها تأطير الفرد وجعل سلوكه نافعا له ولمجتمعه عبر تقيده بمعايير دينه الاخلاقية والاجتماعية والسياسية، فالأديان نزلت لمساعدة البشر على عيش حياة صالحة كي تكون مثمرة ولم تطلب منهم انشاء دول دينية ولا غير دينية، لقد بحثوا تحت ضغط الحاجة عما يسهل حياتهم المشتركة فكانت الدولة: جهاز إدارة الحياة المشتركة. كما ان في التجربة التاريخية الاسلامية المديدة حالات كثيرة قامت فيها حلول مرحلية دون خوف على الهوية من صلح الحديبية الى معاهدات عدم اعتداء او هدنة مع الروم والهندوس والروس.

قال لكن الخطر على الهوية حقيقي انظر ما حصل عندما فاز الاسلاميون في مصر وقبلها في فلسطين وكيف تم اغتيال التجربتين؟.

قلت التجربة في مصر لم تغتل بل انتحرت، رئيس نجح بـ 51% من الاصوات لم يلتفت الى الذين لم يصوتوا له اراد هو وجماعته اكل البيضة وقشرتها دفعة واحدة، وهذا استفز القوى الاخرى فاتحدت ضده وأسقطته. غزة ليست بعيدة عن ذلك شاركت حماس في الانتخابات في سلطة قامت على اساس اتفاق اوسلو الذي اعطى الفلسطينيين جزءا من ارض فلسطين التاريخية لكنها استمرت بعد ان اصبحت سلطة تتصرف بدلالة شعارها تحرير فلسطين من النهر الى البحر. هذا حَول سياسي، المشاركة في الانتخابات وتسلم السلطة التشريعية والتنفيذية يلغي موقف تحرير فلسطين من النهر الى البحر. كان الموقف المنطقي اما عدم المشاركة في الانتخابات او قبول الحل المرحلي: تحرير جزء من فلسطين عبر التسوية وتأجيل التحرير الكامل الى مرحلة أخرى تكون الظروف مواتية، خاصة وان القرار الدولي الآن، والى امد غير منظور، هو مع بقاء اسرائيل وحماية هذا البقاء وتمكينه، والعمل على احتواء اليهود وتذويبهم في الكتلة الفلسطينية المتزايدة بشكل متسارع في مواجهة مجتمع يهودي يتآكل سكانيا.

قال ما العمل اذن؟.

قلت الممكن المرحلي مواصلة المواجهة الشاملة والعمل على وحدة الموقف من جنيف2 ومن شروط المشاركة فيه، وخوض صراع سياسي للإقرار بهذه الشروط، والمشاركة على اساسها وإلا فلا، فبالشروط يمكن ان نحقق قسما كبيرا مما نريد. اما الرفض فينطوي على خطر استعداء القوى الاقليمية والدولية خاصة وان لبعضها(امريكا وروسيا وإسرائيل) برامج قائمة على استمرار الصراع لاستنزاف القوى “الجهادية” السنية والشيعية، هناك احتمال كبير ان تتفق الدول الكبرى على استنزافها في صراع مفتوح على الارض السورية، وهذا الاحتمال يبقى قائما حتى لو عُقد جنيف2  اذ يمكن ان يعقد دون ان يصل الى حل فتبدأ المعركة الاشرس.

 مشكلة ثورتنا كامنة في الجغرافيا السياسية، وخاصة وجود إسرائيل في جوارها، بالإضافة الى وجود دول وأنظمة مرتبطة بتحالفات وتوازنات اقليمية ودولية، ما جعل للتغيير المنشود انعكاسات غير مقبولة من دول كثيرة. وهذا يستدعي تحركا جادا وذكيا لتحقيق الممكن والانطلاق الى ما يجب ان يكون في المرحلة التالية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى