مقعد رولينغ/ أمير تاج السر
يقول الخبر الذي قرأته مؤخرا، أن المقعد الخشبي البسيط الذي كانت تجلس عليه المؤلفة البريطانية المعروفة، جي. كي. رولينغ، حين كانت تكتب الأجزاء الأولى من عملها السحري: «هاري بوتر»، قد بيع مؤخرا في مزاد علني بمبلغ يقترب من الأربعمئة ألف دولار، لأحد هواة اقتناء التحف والأشياء النادرة.
بالطبع هذا رقم كبير، لا يمكن أن يحدث على الإطلاق، إذا ما اعتبر ثمنا لمقعد عادي من الخشب العادي، ولكن تظل القيمة الإبداعية والجمالية لذلك المقعد، هي صاحبة الجذب، التي أتت بذلك المبلغ الكبير، وأيضا لأن جي. كي رولينغ، وبشيء من الحظ، تحولت من مؤلفة، يمكن أن تجلس على مئات المقاعد، ولا تلفت مقاعدها النظر، إلى أسطورة يمكن أن تصبح مقتنياتها تحفا قيمة، يتسابق على اقتنائها، الهواة، وتنتقل من هاو إلى آخر، محققة أرباحا جيدة في كل مرة.
سيوضع المقعد الأسطوري الغالي، قطعا في معرض بيتي كوّنه المشتري، من حصاد تحف أخرى كثيرة اقتناها، وربما داخل متحف ملحق بالبيت، وعليه حراسة قوية، تماما كالمتاحف التي تضم أعمال فان جوخ، ومودلياني، وبيكاسو الفنية، وأيضا تضم تحفا ومجوهرات نادرة. أي أن ذلك المقعد الخشبي، الذي لا بد بُيعت مثله، في وقت أن اشترته المؤلفة وهي مغمورة، نسخ كثيرة، اشتراها فقراء وعمال كادحون، وبأذهان خالية تماما من أن نسخة منه، ستحقق شهرة في ما بعد، بسبب جلوس مؤلفة ستشتهر يوما، قد أصبح مساويا في التهافت عليه، والمزايدة على سعره، لتلك الأعمال الفنية العظيمة، ولا يستبعد أن يقترب من أسعارها في يوم ما. وأستطيع أن أتخيل شعور النجار الذي لم الخشب وصاغه مقعدا، حين يعلم بمصير مقعد رولينغ، وشعور مئات النجارين الآخرين الذين يصيغون المقاعد البسيطة.
من المعروف دائما أن مقتنيات المشاهير، لها أدوار بارزة في صناعة الهوس، ونسمع كثيرا عن غيتار قديم عزف عليه جون لينون، أحد أعضاء فرقة البيتلز القديمة، أو ملك الرول ألفيس بريسلي، أو المغني الأسطوري مايكل جاكسون، قد بيع بمبلغ خرافي في مزاد علني، ونسمع عن حذاء أحرز به بلاتيني هدفا، في فترة ازدهاره كلاعب، بيع بمبلغ خرافي أيضا، وقد نسمع عن بيع مقتنيات أخرى لنجوم مشاهير مثل أمشاط الشعر، وأكواب القهوة، والسيارات التي ركبوها، وزجاجات عطر خالية، كانت في خزائنهم، بمبالغ كبيرة أيضا، وتأتي مسألة الكتابة الإبداعية والكتاب المبدعين، في مؤخرة القوائم التي تضم النجوم، الذين يسارع الناس إلى اقتناء حاجياتهم والفخر بها، ورغم وجود مشاهير كثيرين من الكتاب والشعراء وبعضهم لهم بيوت تحولت إلى متاحف، مثل فرانز كافكا ووليام شكسبير، وتضم تلك المتاحف، فقرات كثيرة من حياتهم، في شكل مقتنيات وأدوات استخدموها، إلا أن عرض تلك الأشياء في مزادات علنية، لا يحدث كثيرا وإن حدث فلن يأتي هواة كثيرون ليزايدوا على السعر ويحولوه إلى دهشة.
كي. جي. رولينغ استثناء كبير، بلا شك، نعم فالمؤلفة التي ابتكرت سلسلة من الروايات القائمة على السحر والأسطورة والخيال، وطافت بها على ناشرين عديدين قبل أن تعثر على ناشر يتبناها ومن ثم نجحت سلسلتها، وتحولت هي إلى أسطورة في الثراء والشهرة، لن تكون مثل أي كاتب آخر وقور، بدأ مغمورا واستغرق زمنا طويلا حتى عرفه الناس بأعداد معقولة، واكتهل ولم يصبح أكثر من كاتب يمكنه أن يعيش بلا فائض من المال. هذا هو الطبيعي، والذي ينطبق على أي كاتب تقريبا بمن فيهم كتاب حصلوا على جائزة نوبل، ولم تغير كثيرا في أرصدتهم، ولم تصيرهم نجوما تطاردهم الثروات جنبا إلى جنب مع الأضواء، وبعض أولئك الحاصلين على نوبل، ماتوا ولم يسمع بهم أحد، وما زال هناك البعض منهم، يكتب ويواصل الكتابة، ولا قراء كثيرين يتحمسون لتجربته.
إذن تلك السيدة استثناء كبير كما قلت، لأن سلسلة «هاري بوتر»، صنعت أو غيرت من ثوابت كثيرة، كانت موجودة قبلها، لم تغيرها روايات أخرى ربما أكثر أهمية من «هاري بوتر»، فقد ولدت هذه السلسلة، والساحة الأدبية فيها روايات تتبختر بخيلاء، مثل «اسم الوردة»، و«مئة عام من العزلة»، و«الخيميائي»، وكانت موجهة للفتيان كما يدل بناؤها، وتقول صياغتها الفنية، لكن لم يقرأها الفتيان فقط، بل قرأها آباؤهم أيضا، وقرأها أجدادهم، وكل من يقدر قيمة الخيال الجامح في صياغة الأدب، وشخصيا قرأت بعض روايات هذه السلسلة، وأحسست بالمتعة والدهشة إلى حد ما. ولأن السينما أداة جبارة، في تحويل الرواية البسيطة حتى، إلى كنز سيجر عددا أكبر من المتابعين، فقد احتفت السينما بـ«هاري بوتر»، وبالتالي زاد لمعان الأسطورة.
رولينغ كتبت رواية أخرى خارج السلسلة، هي: «وظيفة شاغرة»، رواية حققت مبيعات كبيرة أيضا، بسبب اسم المؤلفة، لكنها كانت رتيبة ومملة إلى حد ما وليس لها ملامح الدهشة المرصوفة في «هاري يوتر»، وأعتقد لو التزمت الكاتبة، بما ابتكرته من سحر لكان أفضل كثيرا.
لن أتحدث عن مقاعدنا نحن في بلاد العرب، فليس للكاتب العربي، مقاعد تستحق الذكر، فهو يكتب في أي زقاق أو حارة أو مقهى، أو في ركن في بيته، وقد يشتهر لكنها شهرة سيئة، شهرة مليئة بخسارات كثيرة ولا مكسب واحد. لننظر أولا إلى مقاعد المغنين والممثلين، وهم نجوم الإبداع بالنسبة للناس، في الوطن العربي، لتقيم مقاعدهم ونرى كم تساوي.
كاتب سوداني
القدس العربي