صفحات سورية

مقومات الدولة المدنية المنشودة في سورية

فاتح الشيخ*
تعرف الدولة في الفكر السياسي الحديث أنها الكيان السياسي للشعب، القائمة على الإجماع الوطني العام، لتعبر عن سيادة وسلطة الشعب، بكافة قواه السياسية ومكوناته الوطنية، والمجسدة في بنى ومؤسسات متعددة.
في حين أن الدولة المدنية (الحداثية) هي دولة المؤسسات والقيم الديمقراطية العصرية، التي قطعت مع السلطة الاستبدادية للقرون الوسطى، القائمة على القمع والقهر واشتداد الوطأة، وتجاوزتها منذ مدة طويلة في الغرب الليبرالي الديمقراطي.
أما أهم مقومات الدولة المدنية المرتجاة فهي:
الدولة المدنية هي الدولة الحائزة على استقلالها الوطني، حيث لا وجود لدولة تتمتع بالسيادة في ظل احتلال خارجي، أو في ممارسة السيادة على الشعب في ظل احتلال داخلي دكتاتوري، وإنما هي سلطة عارية لما قبل الدولة الحديثة.
الدولة المدنية هي الدولة التي يكون أساسها حرية المواطن، المرتكزة على حريته في تكوين الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وحق التظاهر، وحرية الرأي والتعبير والنشر والإعلام، والحريات الفردية (الشخصية)….
الدولة المدنية هي الدولة الدستورية، التي تمتلك دستورا توافقيا، تساهم في وضع مسودة مشروعه كافة القوى السياسية والمكونات الوطنية، من خلال مجلس تأسيسي منتخب شعبيا، ليطرح على البرلمان أوالاستفتاء الشعبي العام لإبداء الرأي.
الدولة المدنية هي دولة المواطنين جميعا، بغض النظر عن انتماءاتهم المتباينة، وليست أداة قهر بيد أي دين أو مذهب أو طائفة أو عرق أو أيديولوجيا أو حزب أو جيش أو منطقة أو عشيرة أو أسرة.
الدولة المدنية هي الدولة العقلانية، التي تحترم العقائد الدينية ولا تعاديها دون أن يترتب عليها أية امتيازات.
الدولة المدنية هي دولة الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الدين أو الطائفة أو المذهب أو العرق أو الجنس أو الثروة، باعتبارها دولة المواطنة.
الدولة المدنية هي الدولة التي يكون فيها الجيش الوطني، مؤسسة سيادية من مؤسسات الدولة، لا يتدخل في السياسة، ومهمته الأساسية الحفاظ على حدود وسيادة الوطن.
الدولة المدنية هي الدولة التي يكون فيها الشعب مصدر السلطات.
الدولة المدنية هي الدولة التي تحارب إصدار القرارات من قبل سلطة واحدة، بل تقوم على توزيعها بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتفصل فيما بينها، لعدم طغيان سلطة على سلطة أخرى.
الدولة المدنية هي دولة التعددية الفكرية والثقافية والسياسية.
الدولة المدنية هي دولة لا دينية (ضد حكم البشر بنظرية التفويض الإلهي المطلق)، لا طبقية، لا استبدادية، لا وراثية، لا عسكرية، لا أمنية، لا شوفينية، لا جهوية، لا ريفية، لا عشائرية، لا أسرية…
الدولة المدنية هي الدولة التي تقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة، من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة وفعالة، تجنبا لإدامة النصر النهائي أو الهزيمة النهائية لأية قوة سياسية (الأمل الدائم للقوى السياسية للفوز في الانتخابات القادمة).
الدولة المدنية هي الدولة التي تكون فيها المعارضة السياسية معارضة للسلطة (الحكومة-الوزارة)، وليست معارضة للدولة، كونها دولة الجميع وإسقاط الحكومة لا يسقط الدولة.
الدولة المدنية هي الدولة التي تكون فيها سلطة القانون هي السلطة العليا.
الدولة المدنية هي الدولة التي تشرع قوانينها وفق الشرعية الدستورية المستمدة من روح الدستور، لا الحكم بالقانون الصادرعن الجهات التنفيذية المستبدة.
الدولة المدنية هي دولة العدل الإجتماعي، التي تصون كرامة المواطنين في توفير الغذاء والصحة والسكن والتعليم… والعيش الكريم.
الدولة المدنية هي الدولة التي لا تولد مكتملة، وبوابة دخولها هو الشروع ببناء النظام السياسي الديمقراطي البرلماني.
الدولة المدنية هي دولة السلم الأهلي، التي تتوسل التحالفات والتسويات والتنازلات فيما بين القوى السياسية المتعددة، سبيلا لتسوية كافة المشكلات.
الدولة المدنية هي الدولة الخادمة للشعب يصنعها ولا تصنعه.
إن الطريق الوحيد لإقامة الدولة المدنية الحداثية في سورية، دولة الألفية الثالثة، هو العمل على إسقاط السلطة الاستبدادية الحالية، وإقامة النظام السياسي الديمقراطي، هدفا استراتيجيا لا محيد عنه لجميع القوى الوطنية الديمقراطية، على امتداد الوطن السوري الكبير، والذي بدأت إرهاصاته واضحة جلية.
*كاتب سوري مقيم في المانيا

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى