ملاحظات عن خيارات الجماعات السياسية الكردية في سوريا
عزيز تبسي
بنتيجة لها أسبابها التاريخية تعود إلى ما بعد إتفاقيات سايكس ـ بيكو لا إلى ما قبلها، تعتبر قضية الشعب الكردي قضية إنتدابية، أي واحدة من آثار التوسعية الإمبريالية في المشرق العربي،كالقضية الفلسطينية والجغرافيا المستولى عليها في إسكندرونة، والهندسة الاستعمارية التي رسمت الحدود السياسية بين الدول العربية في المشرق العربي.
ويبقى الشعب الكردي في توضعاته السكانية-الجغرافية الأربع، أقرب موضوعياً للتوجه الديمقراطي من الشعوب التي تجمعه معها الجغرافيا الوطنية، وقد تجعله شروط ذاتية محددة، قوة طليعية في العملية الثورية لتحرر شعوبها. وذالك لكونه شعباً يعاني من اضطهاد مزدوج “وفق التعبير اللينيني الآسر”، اضطهاد قومي هو ما يميزه عن الشعب العربي أو التركي أو مجموعة الشعوب الإيرانية: افتقاده لأي حقوق ثقافية تتأكد بها هويته القومية المميزة وتتطور،كالحق في الكلام والكتابة والغناء والتعلم والتعبير باللغة الأم …الخ ومقصي عن التمثيل السياسي المستقل، بدوافع إنكار التميز القومي لوجوده التاريخي. واضطهاد سياسي ـ طبقي هو ما يجمع أغلبيته الشعبية مع الشعوب التي يشاركها الجغرافيا والتاريخ والآمال العظام في الحرية والعدالة…
بمتابعة لحركية الشعب الكردي داخل الانتفاضة الشعبية السورية،نلاحظ انطلاق المبادرات الشعبية الكردية في الجزيرة السورية، حيث الحركة السياسية الأكثر جذرية مقارنة بمنطقة عفرين وقراها، ولهذا أسبابه في الملكيات الزراعية المحدودة وأشكال الإنتاج المنبثقة عنها، ودورهما في إنتاج أنماط الوعي، السياسي ومقارباته الكفاحية، انطلقت دعماً لحراك حوران في بلدتي عامودا والدرباسية وسواهما قبل أن تنتقل للحواضر في القامشلي والحسكة وأحياء دمشق، كان لتيار المستقبل الكردي وتنسيقات الشباب الكورد دور أساسي بها ويكاد يكون وحيدأً، وكأنها استرداد ثوري للحركة الاحتجاجية آذار 2004 التي انطلقت من القامشلي احتجاجا على مقتل شبان أكراد، وخذلتها الحركتان السياسيتان الكردية والعربية.
برز رأي لا تتوفر له الموضوعية والمعاينة الواقعية، يعتبر أن حزب العمال الكردستاني لا يمثل الشعب الكردي في موقفه من الإنتفاضة ولا يعبر عن تطلعاته المستقبلية، والسؤال الذي يعقبه على الفور: من يمثل الشعب الكردي؟ وهل من الضرورة أن يكون للشعب الكردي ممثل وحيد يعبر عن تطلعاته السياسية الراهنة أو التاريخية؟ وبأي درجة يمثل المجلس الوطني الكردي الشعب الكردي؟ أم المجموعات الكردية الممثلة في المجلس الوطني السوري؟ أم الأحزاب الشيوعية المتحالفة مع السلطة حيث التوضع الكبير للمجموعات الكردية، أم حزب البعث حيث الآلاف من البعثيين الكورد،أم تنسيقيات الشباب الكورد أم تيار المستقبل.
في مجاز سياسي لا يقدم ولا يؤخر فكرياً وسياسياً، يمكن الإجابة بأن من يمثل الشعب الكردي هو من يحمل قضية حقه في تقرير مصيره،ويدفع بها نحوأقصى الممكنات الديموقراطية، آخذاً التفاوت في التعبير عن هذا الحق بين الأكراد المندمجين بالحياة المدينية وحركيتها الرأسمالية،وبين الأكراد في تجمعاتهم الريفية الأقل إندماجاً، ومعدومي الملكية في الموقعين.
جرت العادة في العمل السياسي الكردي في سوريا أن يعتبر حزب العمال الكردستاني “وجه مقابحة”، تتلطى خلفه الأحزاب الكردية بإرثها الانتهازي وميولها الإصلاحية وجبنها، وميلها الكواليسي في التوصل إلى الاتفاقات الشفهية والتستر على مغانمها التي لم تتجاوز في عمومها الفرديات المتناثرة فيزيائياً، شراكات مالية وتجارية مع رجالات السلطة التنفيذية،توسيع الحصول على تعيينات وظيفة، إيصال أعضاء إلى مجلس الشعب بطرق المحاصصة الطائفية والعشائرية المعمول بها منذ الحركة التصحيحية، وإعادة دمج الحركة السياسية الكردية بخيار الطغمة العسكرية ومشروعها الرأسمالي التبعي. سواء عبر ذلك عن قناعتها العميقة أم بالرضوخ للشكل المتاح للتمثيل السياسي الذي يعبر عن الميول للمساومة عند البورجوازية الكردية،وهذا ما إنزلقت إليه قبلاً الأحزاب الشيوعية والقومية الممثلة بالجبهة الوطنية التقدمية. لكن ما هو الخلاف الحقيقي بين موقف الأطراف المذكورة من الإنتفاضة الشعبية السورية ومقاربة الحلول المقترحة لحل قضية الشعب الكردي.
تظهر كما ظهر في العراق بعد1991رغبة جادة عند عموم القوى السياسية الكردية في سوريا، أن تختبر مشروع سياسي انتهازي بالحدود المتاحة، مستفيدة من ضعف السلطة المركزية وانتعاش التدخلات الخارجية في ما بات يعرف ب”الملف السوري”، على هذا الأس الجديد التهبت جمرات الانتهازية السياسية التي لم تنطفئ نارها قط، لذلك اختارت موقع الوسط الانتهازي، تحاول الحصول على أكبر المغانم من السلطة المأزومة، والاعترافات بالحقوق المشروعة من بعض ممثلي الإنتفاضة التي تحاورهم وتفاوضهم.
بالمقابل لم يزل الرأي الانتهازي سائداً في أبرز القوى الممثلة للإنتفاضة في شطره العربي، وهو يحاول المداورة والالتفاف والتأتأة والفأفأة في مقاربة المسألة الكردية، متجاهلاً أن الانتفاضة الشعبية الثورية بقيمها الديموقراطية العميقة تشكل فرصة تاريخية للانفتاح على المطالب الديموقراطية للشعب الكردي والفلسطيني وغيرهما من الشعوب المضطهدة، فرصة تاريخية لمحو سنوات العار الفاشي بأساسه التكويني الاستعماري من التهميش والإقصاء والإنكار، وتوسيع أفقها الفكري والسياسي لإنجاز رؤية ثورية إستراتيجية تتجاوز سوريا.
من الواجب الإعلان أن حزب العمال الكردستاني،هو مكون عضوي من اللوحة السياسية للشعب الكردي، وعبر في بدايات تاريخه النضالي عن أكثر الخيارات راديكالية، المتحررة من هيمنة أيديولوجيا الإقطاع السياسي التي هيمنت بقوتها النافذة على السيرة الكفاحية للشعب الكردي والتي أنتجت أكثر المقاربات انتهازية وانعزالية، وخياراته أياً كان الموقف منها هي تعبير عن خيار لجزء مهم من الشعب الكردي.
ونرى أن هذا الحزب قد قام بتتريك القضية الكردية، عبر تحويله كل فعاليات الجغرافيا البشرية التي يتواجد فيها الشعب الكردي وزخمها الكفاحي في خدمة الشعب الكردي في تركيا (الحلقة الأقوى في سلسلة الأنظمة القمعية)، متجاهلاً تفاوت التطور بين البنى الإجتماعية وتعبيراتها السياسية ودور الجغرافيا السياسية التي صنعها ويحميها الاستعمار، ونضال الشعوب العربية والإيرانية وقواها الثورية والديمقراطية ضد أنظمتها القمعية، مما دفع وعزز سياسته الإنعزالية ذات الملامح الفاشية لتكون ظهيراً للأنظمة الحاكمة في عموم الدول التي تمدد إليها نشاطه وفعله،وميله لعقد تسويات واتفاقات من وراء ظهر الشعب الكردي في تلك البلدان، ساهمت في عمومها في طعن الحركات الشعبية والنضال الوطني في بلدانها.
وإن ماضيه الكفاحي وتضحياته الكبيرة في مقارعة العسكريتاريا التركية حامية التمييز والاضطهاد القومي، لن تشفع له انحداره إلى المواقع الرجعية الفاشية المعادية للشعوب المنتفضة في البلدان الأخرى، وعزمه المتجدد على تأجير بندقيته وزج القضية التي يحملها في صراعات إقليمية، مجاهداً من حين لآخر في تنظيف سيرته حين تتوارد الوقائع الإعلامية لتظهر دوره في شبكات تهريب المخدرات والأسلحة ذات العضوية المافيوية الدولية،وعن علاقات مخابراتية تربطه بالموساد، فضلاً عن أنظمة الدول المحيطة بتركيا وأجهزتها الأمنية والعسكرية الأكثر عداءً لشعوبها، ولا يمكن فهم وتفهم هذه الثنائية الفصامية بأن يكون هذا الحزب مناضلاً في تركيا ضد القمع والاضطهاد وأن يكون مرتبطاً بالخيارات الأكثر رجعية وفاشية في الدول المحيطة بها.وأن الماضي النضالي لا ينتج بالضرورة حاضر ومستقبل من نفس السمات، حتى لا نعود إلى ماضي الأممية الثانية ومآلات أحزابها، نكتفي بحركات تحرر عربية لها من الإرث النضالي ما يوازيه أو يفوقه، الفلسطينيين والأرتيريين والسودانيين الجنوبيين والمغاربة الصحراويين….. وهاهم قد حولوا قضايا شعوبهم منذ سنوات إلى ألعوبة بين أجهزة مخابرات دولية ومصالح تدار من وزارات الدفاع والخارجية، يبيعون ويشترون في قضايا مصيرية لشعوبهم التي تتوق منذ زمن للحرية والعدالة.
حلب تشرين الأول 2012
خاص – صفحات سورية –