ملعب لكل الصراعات/ امين قمورية
في زمن القطبية الثنائية والصراع بين الجبارين كان الشرق الاوسط الضحية الابرز للتجاذبات العالمية وضاع جزء آخر من فلسطين والارض العربية. وبعد انتفاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفياتي، صارت الولايات المتحدة الخصم والحكم، لكنها كانت خصماً شرساً وحكماً منحازاً، وكان نصيبنا من فواتيرها باهظ الثمن. فالغزو الاميركي لافغانستان، كانت ارتدادته عربية، فهو لم يستأصل الارهاب بل غذاه بكل المقويات وأجج كل أمراض التعصب والجاهلية وأخرج مارد التطرف والتكفير من قمقمه في مغاور الجبال الى ساحات مدائننا الكبرى من بغداد والموصل الى الرقة وحلب. وما بدأ في افغانستان استكمل بغزو العراق وهاهو يتواصل في سوريا وفي ارجاء الاقليم حيث عم الخراب والدمار والانحدار المدوي ، وحيث تغير وجه الصراع من عربي اسرائيلي الى صراع مزدوج عربي فارسي وعربي تركي وصار الاول منسياً وصار الثاني هو الاساس والفعال. والاخطر من ذلك انه اطلق الصراع المذهبي على غاربه وجزأ المجزأ. كان لدينا اشكال دول ومؤسسات وجيوش صار لدينا قبائل وافخاذ وطوائف وامراء طوائف وشيوخ طرق وميليشيات و”حشاشون” جدد.
الآن أيضاً، في زمن السعي الى عالم متعدد القطب خارج الارادة الاميركية، نحن أيضاً الضحية. في الزمن الجديد بلغ الطمع الدولي في الاقليم حده الاقصى. في شمال سوريا وحدها حرب عالمية تخوضها هيئة أمم متناحرة. وقبل ان تبدأ معركة الموصل بدأت الدول المتكالبة على الاقليم سلخ جلد المدينة قبل صيدها وتحريرها من قبضة “داعش”. وفي لعبة انقلاب الادوار برزت ثلاث دول قوية في الاقليم تركيا وايران واسرائيل. الاولى تحضر بجيشها، والثانية بميليشياتها وحراس ثورتها، والثالثة تحصد المكاسب الكبيرة بلا أثمان. أما العرب فكم محتقر لا حول ولا قوة لهم.
المبارزة الدولية التي تلوح في الافق أشد خطورة من الحرب الباردة. الخلافان الروسي الاميركي والروسي الغربي على سوريا، أكبر من مجرد رسم خرائط محلية جديدة وتصفية حسابات مناطقية، انه يبشر بزمن مختلف ومغاير عما سبق. في الحرب الباردة لم يتواجه السوفياتي والاميركي ولا مرة مباشرة في كل بؤر الصراع. كانت المواجهة بالواسطة وعبر الوكلاء وتدار من بعيد في شبه الجزيرة الكورية وفي فيتنام وكوبا والشرق الاوسط والقرن الافريقي. أما اليوم فيدا الطرفان على الزناد خلف خطوط التماس المتلاصقة، وأي طلقة نار تشعل حرباً فوق النار المشتعلة أصلاً. واذا كان جذر هذه المواجهة الجديدة أوكرانيا ودول البلطيق والتنافس على ثروة الهادي والقطب الشمالي، فان ساحتها لا تزال هذا الشرق العربي الملعون بالف لعنة، والذي بات الملعب الارحب والمفتوح لكل صراعات الازمنة.
النهار