ملف صفحات سورية الثالث عن الضربة الأميركية المرتقبة على سورية – كتاب عرب وأجانب
تقدم المعارضة في دمشق/ إليزابيز أوباغي
المترجمون السوريون الأحرار
على الرغم من تحقيق مكاسب مهمة في محافظة حمص، تكافح القوات الحكومية السورية ضد قوى المعارضة على جبهات أخرى ايضا. ففي دمشق، شنت قوات المعارضة هجوما كبيرا،ودخلت العديد من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وكسبت أراضٍ جديدة. على الرغم من أن الحكومة لجأت الى الهجوم المضاد، بقيت قوى المعارضة قادرة على الحفاظ على تقدمهم، ومنعت القوات الحكومية من اقتحام عدد من المجالات الحيوية في المدينة. هذه المكاسب تكشف إلى أي مدى المعارضة قادرة على التكيف مع التغيرات في بيئة العمل، وإثبات أن الحكومة السورية تفتقر إلى القدرة على هزيمة التمرد بشكل قاطع رغم زيادة المساعدة من حلفاء خارجيين
وتركز وسائل الإعلام على المعركة الجارية في حمص، وبالتالي تبدو الحكومة السورية قوية مع الزخم الحالي لسير الامور في صالحها. وفي وقت كانت فيه المعارضة تعاني من فقدان حمص وتكافح لمواجهة آثار حزب الله العظيم والدعم الإيراني، الا أنها حققت رغم ذلك مكاسب كبيرة في دمشق، مثبتةً أن الحكومة السورية تفتقر إلى القدرة على احراز هزيمة قاطعة للتمرد الحاصل.
وفي مطلع 24 يوليو، أطلقت قوات الثوار هجوما كبيرا في مدينة دمشق. على الرغم من قصف الحكومة السورية المستمر لجوبر، برزة، والقابون، تمكن الثوارمن النضال في حي جوبر، ومن هناك بدأت حملة منسقة في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في المدينة بعد اشتباكات كبيرة بين القوات الحكومية والثوار، حيث سيطرت المعارضة على كراجات العباسيين وهي منشأة مهمة خاضعة لسيطرة الحكومة..و استمراراً لجهودهم، قام الثواربالسيطرة على منشأة الكهرباء الرئيسية الى الجنوب مباشرة من ركن الدين، ويتم الآن حصار حديقة خزان كبير تنتمي إلى فرع 211 في جنوب القابون باستخدام صواريخ محلية الصنع.وفي برزة، تقدمت المعارضة أيضا على مواقع النظام من خلال اشتباكات كبيرة وقعت بالقرب من المدرسة العسكرية والمباني الحكومية الرئيسية الإدارية. على الرغم من أن الاشتباكات لا تزال جارية في كثير من هذه الأحياء، الا ان المعارضة انتقلت إلى داخل الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة والتي كان يعتقد في السابق أن يكون اختراقها منيعاً.في حين القيمة التنفيذية الشاملة لمثل هذه الانتصارات قد تكون محدودة،الا أن المنطقة لها وجود عسكري كبير ومهم رمزيا لأنها تقترب من وزارة الدفاع ونادي الضباط.
وبحلول 26 يوليو، كثفت الحكومة السورية قصفها الجوي على جوبر، القابون، برزة والأحياء المجاورة محاولة بذلك ابعاد هجوم الثوار.و في اليوم التالي، أدت القوات الحكومية هجوما مضادا في برزة في محاولة منها لابعاد المعارضة. ومع ذلك، كانت المعارضة قادرة على الاحتفاظ بالاراضي المسيطرة عليها. وقد توقف هجوم النظام بعد منع المعارضة كل محاولاته لاقتحام الحي. [4] منذ هذا الوقت، انخرطت القوات الحكومية والمعارضة في اشتباكات كبرى مع ارتفاع ملحوظ في أعداد الضحايا من الجانبين مما هو نموذجي للمعارك الحاصلة في دمشق [5] إن حجم ومدة القتال في هذه الأحياء يشير إلى القدرة المحدودة للحكومة وقوات الأمن خاصة وأنها اضطرت إلى تحويل تعزيزاتها إلى محافظة حمص. وهذه هي المرة الأولى التي كانت جماعات المعارضة قادرة على الدفاع عن ثلاثة مناطق مختلفة تحت سيطرة الحكومة، وتحقيق مكاسب كبيرة في كل منهما، مع الحفاظ في الوقت نفسه على عملياتها الحالية ضد أهداف النظام الرئيسية في المدينة بما في ذلك دمشق الدولي ومطاري مزة.
وقد توحد عدد من جماعات المعارضة مؤخرا معاً لخلق جبهة واحدة اسموها جبهة فتح العاصمة, من أجل تحسين تنظيم وتنسيق العمليات في جوبر، القابون، برزة و [6] وورد أن الجبهة الجديدة تضم 23 كتيبة مختلفة من أهمها كتيبة فاروق الشام واللواء مصطفى حبيب. [7] سابقا، اتجهت الوحدات في هذه المناطق لتبقى صغيرة، من أجل العمل بسرية خوفاً من كشف النظام لها. ومع ذلك، بتشجيع من النجاحات التي تحققت مؤخرا، أظهرت المزيد والمزيد من المعارضة استعدادها لتتجمع في تحالفات أوسع مع آمال تحقيق قوات وانتاج أكبرمع تنسيق أكثر فعالية في نطاق العمليات العسكرية. وقد اقترح القادة أيضا حاجة للعمل معا من أجل تخصيص الموارد على نحو أفضل وتوزيع الأسلحة المكتسبة على المناطق ذو التأثير الأكبر. [8] نظراً إلى أن المحاولات السابقة لتوحيد جماعات المعارضة في دمشق قد فشلت إلى حد كبير، إلا أنه لنا تبقى أن نرى ما إذا كان هذا التحالف الجديد سيكون له تأثير كبير. ومع ذلك، فإن حقيقة أن العديد من جماعات أكثر قوة في دمشق قد انضمت سوياً واتفقت مع آخرين، بما في ذلك لواء الإسلام، للعمل مع جبهة الفتح اللإسلامي يمكن ان يؤدي إلى حدوث تطورهام من حيث التعاون والتنسيق بين قوى المعارضة في الجنوب.
وفي نفس الوقت الذي حققت المعارضة مكاسب كبيرة في أحياء جوبر، القابون، برزة ، واصلت قوات المتمردين بقيادة لواء الشام الأحرار حملتهم ضد البنية التحتية الرئيسية في المدينة. ففي 25 يوليو، حصل انفجار كبير بالقرب من سجن المزة العسكري, تبعه هجوم للثوار ضد القاعدة الجوية. [9] على الرغم من أن الحكومة كانت قادرة على قمع الهجوم بسرعة، مثل هذه الحوادث تكشف عن مدى ضغط المعارضة الآن على المراكز الحكومية الرئيسية.لقد كانت مخابرات المزة الجوية هدفا رئيسيا للمعارضة لأكثر من سنة الآن، ولكن في الآونة الأخيرة فقط اصبحوا قادرين على وضع ضغط كبير على قوات النظام في المنطقة المجاورة. في بيان صادر عن تجمع أحرار الشام في أوائل أغسطس، ادعت المجموعة أنها اصبحت على “أبواب دمشق، متقدمةً من شرق الغوطة وجنوب دمشق”. [10] في حين أن مثل هذه التصريحات تدل على التبجح اكثر من الواقع،إلا أن هناك بعض الحقيقة للبيان بأن المعارضة تتقدم على دمشق بطرق لم يسبق لها مثيل.
بعد عمليات الثوار في المنطقة، نفذت قوات النظام حملة اعتقالات في المزة، واعتقلت المئات من المدنيين.و كان النشطاء الذين يعملون لمجالس التنسيق المحلية والجماعات القائمة على المساعدات الإنسانية الهدف الرئيسي لحملة الإعتقالات، كما تم إغلاق العديد من فروع المساعدات الإنسانية نتيجة لذلك. [11] وبالإضافة إلى استهداف الناشطين والعاملين في مجال المعونة، والحكومة أيضا حاولت اغلاق شبكات توزيع المساعدات. وفي 7 آب، نصبت قوات الحكومة كميناً لقافلة تابعة للمعارضة في عدرا، والتي تعتبر خط الامدادات الرئيسي بين دمشق وأحياء الغوطة الشرقية ، مما أسفر عن مقتل أكثر من 60 من مقاتلي المعارضة. على الرغم من أن الحكومة أفادت أن عدد من مقاتلي المعارضة بقيادة جبهة النصرة كانوا في طريقهم لمهاجمة نقطة تفتيش رئيسية في دمشق، ونفى كل من الناشطين والمقاتلين ذلك ، بحجة أن القافلة كانت تحمل مساعدات إنسانية إلى شرق الغوطة المحاصرة. [12]استهداف الحكومة قوافل المساعدات الإنسانية يحمل في طياته عواقب كارثية في المناطق التي تعتمد اعتمادا كبيرا على المساعدات والمواد الغذائية والإمدادات الطبية والَتي هي نادرة على نحو متزايد في بعض أحياء العاصمة. وقد مثلت الحكومة اجرائات استراتيجية مماثلة في شمال سوريا. حيث استهدفت الحكومة المدنيين والنشطاء ردا على انتصارات رئيسية للمتمردين. كان انتقام النظام ضد المدنيين جزءا فعالا من محاولات الحكومة لتقويض قاعدة دعم المعارضة. ومع ذلك، في دمشق، يبدو أن هذه الاستراتيجيات أحدثت تأثيراً عكسياً حتى الآن، وأنها قد تسبب بالتوتر والاقتتال الداخلي بين القوات الحكومية الَتي أ’جبرت على تنفيذ مثل هذه التدابير [13]
خاصة في العمليات الأخيرة، أثبتت قوى المعارضة تعزيز مقدرتها من خلال استخدام أفضل الأسلحة. في أوائل أغسطس، قام ثوار من من لواء الاسلام، كتيبة المغاوير،وكتيبة شهداء القلمون على الإستيلاء على مستودع ذخيرة بالقرب من قرية قلدون في منطقة القلمون بعد مرور أيام قليلة فقط ، شوهدت وحدات من هذه الجماعات في شريط فيديو نشر على الانترنت وهي تقوم باستخدام الأسلحة المضادة للدبابات التي اغتنموها. وقامت قوى المعارضة من لواء الإسلام وكتائب الجبهة بتدمير رتل من الدبابات على طول الطريق إلى المستشفى في برزة. [15] مثل هذه الأمثلة تشير إلى قدرة متزايدة من قبل المعارضة، وتكشف كيف يستخدم الثوارالأسلحة التي استولوا عليها من قبل الحكومة بشكل أكثرا تنظيماً وفاعلية.و في فيديو آخرتظهرفيه جماعة أخرى متعاونة مع جماعة أنصار الإسلام، باستخدام في منطقة الغوطة.لقد ساعدت هذه الأسلحة المتطورة الثوار في السيطرة على الجسر الخامس على طريق مطار دمشق الدولي.وكان لها دور أساسي في عمليات الثوار ضد حاجز أبو زيدان على طول طريق دمشق الدولي في حرستا.
أكثر أهميةً من ذلك ، استخدم لواء الاسلام، أحد أكبر وأقوى الألوية في دمشق والذي يعمل ضمن شبكة من القيادة العسكرية العليا بنجاح 9 وغيكو.K33 أوسا، أو SA-8
في تشرين الأول عام 2012 قام لواء الإسلام بالاستيلاء على على وحدتين من اس اي -8 وستة صواريخ على الأقل. أورد قادة من لواء التوحيد أنهم يعملون مع مهندسين منذ أكثر من سنة لتفعيل البرنامج، كما أوردالتقرير كذلك بانهم منذ ذلك الحين استولوا على العديد من الصواريخ من مخابئ حكومية أخرى.وفي 29 يوليو، عمم فيديو يظهر لواء الاسلام وهو يقوم باستخدام النظام الجديد لاسقاط مروحية تابعة للقوات الجوية السورية بنجاح. وفي الوقت نفسه، أفاد نشطاء في دمشق ان طائرتين قد اسقطتا فوق دمشق وأنه منذ ذلك الحين، انخفض عدد الطائرات المحلقة في سماء دمشق.وصرح محللون عسكريون على دراية بنظام التشغيل أنه سيكون من الصعب للغاية بالنسبة المعارضة الحصول على نظام دون دعم من الخبرات الخارجية أو توجيه من المشغل السابق لمثل هذا النظام. عند استخدام بنجاح يجب اعتباره انجازاً عسكرياً مهماً. وفي حال (نسخ)توالي نظام التشغيل يمكن ان يغير ديناميات الصراع في المنطقة.
و بالفعل، أصدر لواء الاسلام تحذيرًا للحكومة السورّية، مشيرًافيه إلى أنّ جميع الطائرات المحلّقة فوق شرق الغوطة سوف يتم إسقاطها. [22]و قد اعتمدت الحكومة طويلاً على التّفوق الجويّ، والذي لايزال يمثل العامل الرئيسيّ في بقاء النظام . كما ساعد النظام والحكومة في مواصلة العمليات القمعيّة في المناطق التي لم تعد في متناول اليد.ولو أنّ المعارضة استطاعت مواجهة القوة الجويّة للحكومة، لأدى هذا بسرعة وبنجاح إلى تغيير طبيعة الصراع وإجبار الحكومة على تمثيل عملياتها بطرق من المرجح أنها ستكون أقل نجاحا بكثير مما هي عليه حتى هذه اللحظة. ومع تقدم المعارضة إلى أحياء جديدة في العاصمة، وبروز التوتر بين القوات الحكوميّة. في بعض الحالات، تمّ ردع القّوات الحكوميّة بسلوك أكثر بغضاً من قبل قوات الميليشيا المواليّة للنظام في المنطقة. تقارير لناشطين في دمشق تقول أنّ القوات الحكوميّة قد اضطرت في بعض الأحيان لمنع المجازر من الحدوث على يد الميليشيات الشيعية العراقية واللبنانية – طرحاً للسؤال عن المدّة التي سيبقى الّنظام محتفظاً فيها بالقيادة والسيطرة حيث أنّه أصبح يعتمد بشكلٍ متزايٍد على القوات غير الّنظامية [23] وفي حالات أخرى، قد وقع اقتتال داخلي بين الوحدات الحكوميّة المختلفة على العمليات العسكرّية، وخاصة في الحالات التي كان من المفترض فيها أن ينفذ القصف الجويّ على مراكز المدن. في الماضي، كانت القوات الحكوميّة قد قامت بالتفاوض مع قوى المعارضة في خلق هدن منعت القصف الجويّ، وبالتالي تدمير الكثير من المناطق الرئيسّية في العاصمة. [24] ومع ذلك،و مع تقدم المعارضة ، أكثر و اكثر من دمشق وأصبح يهددها قصف الحكومة،مسببةً الكثير من الشكوك بين أولئك الجنود الذين يحرصون على عدم رؤية دمشق كنسخة طبق الأصل من حلب أو حمص المدمرتين. [25] في حين أن هذا لم يؤثر بشكل كبيرفي العمليات في المدينة حتى الآن، واذاما تفاقمت هذه النزعات، فقد تسبب مشاكل للحكومة في المستقبل.
وإنَ فوز الحكومة في حمص، منح الرئيس السوري بشار الأسد انطباع القوة. ففي واحدة من زياراته العلنية النادرة، جال الأسد داريا، وجنوب غرب ضواحي دمشق المعقل السابق للثوار،والذي هو لللآن تحت سيطرة القوات الحكومية. وخلال خطاب تكريم عيد الجيش، قال بشارللشعب السوري انه “متأكد من النصر”. [26] وبينما يظهر أن وسائل الإعلام الغربية قد صدقت قصة قوة الحكومة المستمرة، فان الأمور ليست كما تبدو ظاهراً في العاصمة. فمن خلال الاستخدام الناجح للمزيد من الأسلحة المتطورة وتعزيز التنسيق، حققت المعارضة تقدما غير مسبوق في دمشق وباتت أقرب إلى قلب العاصمة من أي وقت مضى. الأحداث في دمشق تكشف درسين مهمين: أولا، على الرغم من أن النظام لديه الزخم الحالي في حمص، فهو مازال بعيداً عن القدرة على هزيمة المعارضة بشكل قاطع، وثانيا،الأسلحة ذات القدرات المتطورة بشكل محدود قد طورت فعلا فاعلية قوات الثوار وساعدتهم على الالتحام تحت قيادة تراتبية منظمة
هذه الأمثلة تؤثرعلى أولئك الذين يبحثون عن حل خارجي لإدارة الصراع وتؤثربشكل كبيرعلى المشاركة الدولية. فبالنسبة لبلدان مثل الولايات المتحدة التي صرحت عن رغبتها في دعم المعارضة، تشير العمليات في دمشق إلى أن قطار المساعدات وبعثات المساعدة قادرة على تحويل الزخم لصالح المعارضة من دون الحاجة إلى إنشاء تكافؤ بين الثوار وقوات النظام. وهذا يدل على أن حجة “قليل جدا ومتأخر جدا” هي ببساطة غير دقيقة، وهناك الكثير مما يمكن القيام به لتمكين المعارضة من دون الحاجة إلى تغييرميزان القوى الحالي.
وعلاوة على ذلك، فإنّ حقيقة أنّ النظام لايستطيع إجراء عمليات متزامنة على جبهات متعددة تشير إلى أنّ حالة من الجمود العسكري سوف تسود، حيث أن الانتصارات التجارية للنظام وقوات الثوار تعتمد على تخصيص الموارد والتعزيزات. وهذا يعني أنه سوف يستمر القتال لفترة طويلة، مؤدياً إلى تفاقم التوترات الطائفية و إلى تهجير أجزاء أكبر من السكان مع الارتفاع الشديد في أعداد اللاجئين.وقد تسبب هذه الاتجاهات مشاكل كبيرة بالنسبة للبلدان في المنطقة التي تفتقر ببساطة للقدرة الاقتصادية والسياسية في التعامل مع مثل هذه التبعيات، وبالفعل فقد انتشر العنف الى لبنان والأردن.
هؤلاء الذين يدافعون عن “السماح لهم بمحاربته” يقترحون تجزئة الصراع السوري بطرق تتجاهل فيها هذه الديناميات، والتي من الممكن أن تشعل بسرعةٍ حريقاً إقليمياً هائلاً معرضاً حلفاء الولايات المتحدة للخطر ومهدداً للمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الخارج. كما أشار السفير فريد هوف في مقال نشر مؤخرا،( وقد أدت روايات انتصار الأسد في الحرب على النضال من أجل سوريا إلى الاعتقاد في دعاية النظام حول طبيعة هذا الصراع. [27] ومع ذلك، فإن الأحداث في دمشق تقول خلاف ذلك، و قد يكون من الحكمة أن نصغي باهتمام إلى هذه الأمثلة من أجل اتخاذ خطوات متسقة مع الوقائع الفعلية على الأرض من قبل المجتمع الدولي
[1] “Clashes break out in Damascus,” RT, July 28, 2013; “al-Qaboun, from the heart of the battle at the doors of eastern Damascus,” YouTube, August 31, 2013. http://www.youtube.com/watch?v=LJtrh1534f0
[2] “FSA controls Abassiyyeen garages,” YouTube, July 27, 2013. www.youtube.com/watch?v=7diaAG124Wc&feature=youtu.be
[3] “Violent clashes in Barzeh and aerial bombardment,” YouTube, July 27, 2013. www.youtube.com/watch?v=jtcRJ6BbF6I
[4] “Violent clashes in Barzeh as rebels push back government offensive,” Sham News Network, July 28, 2013. Translated from Arabic.
[5] Based on reporting by the Syrian Observatory for Human Rights of recent casualty figures.
[6] “Creation of Jabhat Fatah al-‘Asima,” YouTube, July 31, 2013.
[7] “FSA advances in the south, forms Jabhat Fatah al-‘Asima,” Damascus News Network, July 31, 2013. Translated from Arabic.
[8] Interview with rebel commanders in Damascus via Skype from end of July – early August 2013.
[9] “Syria… Explosion rocks Mezze military airbase,” al-Safir, July 27, 2013. Translated from Arabic.
[10] Statement by Ahrar al-Sham
[11] Syrian Observatory for Human Rights Facebook page; confirmed through interviews with activists in Damascus via Skype, July – August 2013.
[12] “In desert ambush, Syrian troops kill more than 60 rebels in latest blow to opposition fighters,” AP, August 7, 2013; interviews with activists in Damascus via Skype on August 7-9 2013.
[13] Interview with activists in Damascus via Skype, July 24 – August 5, 2013; This assessment is also based on conversations with pro-regime families living in Damascus and reports of schisms within government forces.
[14] “Rebel seize ammo depot,” Daily Star, August 3, 2012.
[15] “Barzeh, the destruction of government tanks along the road to the hospital,” YouTube, July 28, 2013. www.youtube.com/watch?v=jtcRJ6BbF6I
[16] “Ahrar al-Sham uses missiles to destroy regime forces,” YouTube, July 21, 2013 www.youtube.com/watch?v=7diaAG124Wc&feature
[17] “Mughaweer forces and Fatah al-Sham at Abu Zidan checkpoint,” YouTube, July 29, 2013. www.youtube.com/watch?v=d66MqTTeOws&feature=youtu.be
[18] “Liwa al-Islam down a plane using an Osa,” YouTube, July 29, 2013; “Opposition shoot down helicopter in Damascus using advanced weapons,” Orient News, July 29, 2013.
[19] “Liwa al-Islam and her 9K33 Osa,” Oryz Blog, July 31, 2013.
[20] Interview with Liwa al-Islam commander and his deputy via Skype, August 2, 2013.
[21] Reports of two aircraft being shown down appeared on the main Facebook page for the Revolutionary Council in Ghouta on July 30, 2013; these reports were confirmed during interviews with activists operating in eastern Ghouta and Qaboun via Skype on August 2-3, 2013.
[22] “The Free Syrian Army in Eastern Ghouta warns of the dangers of using the airspace above it,” Statement issued on the Facebook page for LIwa Islam and disseminated via the brigade’s Twitter account.
[23] Interviews with activists based in Damascus via Skype from end of July – early August, 2013.
[24] These truces have been confirmed by rebel commanders operating in Damascus in interviews with the author conducted throughout the past year, conducted both on Skype and in person.
[25] Interview with regime source on July 28, 2013.
[26] “Assad visits ex-rebel bastion near capital state TV says,” AFP, August 1, 2013.
[27] Fred Hof, “Syria: Losing the Narrative,” the Atlantic Council, July 19, 2013.
– See more at: http://www.understandingwar.org/backgrounder/opposition-advances-damascus#sthash.cSQPMtiV.dpuf
المصدر
The Opposition Advances in Damascus
Institute for the Study of War – معهد دراسات الحرب
التهمة أخطر من الضربة/ غسان شربل
كيف تنظر إلى الوضع الحالي في سورية؟
– إنه في غاية الخطورة ويمكنني القول إنه بلغ مرحلة اللاعودة.
> ماذا يعني ذلك عملياً؟
– مجزرة الكيماوي منعطف حاسم.
> النظام ينفي أي علاقة له؟
– إذا صح ذلك فانه ارتكب خطأ رهيباً. كان عليه إذاً أن يتصرف بسرعة. أن يعلن وقفاً لإطلاق النار وأن يطلب من المفتشين الدوليين التوجه فوراً إلى المكان وأن يفتح الطريق أمام كل وسائل الإعلام الدولية. واضح أنه لم يفعل.
> لكن باراك أوباما يجد صعوبة في الحصول على تفويض من الكونغرس للقيام بعمل عسكري؟
– إذا لم تحصل الضربة، وهذا ما أراه مستبعدا، فان البديل سيكون عملية تسليح كبيرة للجيش الحر ليس فقط لمنع النظام من تحقيق انتصارات بل لتسريع عملية استنزافه. مشكلة النظام ليست فقط في الضربة العسكرية. مشكلته أن النظام الذي يتهم باستخدام السلاح الكيماوي يصبح غير مقبول في أي تسوية إلا بعد أن يدفع الثمن من أصحاب القرار فيه ثم أنه يتحول عبئاً على حلفائه.
> ماذا تفعل لو كنت مكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم؟
– لا أريد أن أكون في مكانه. أولاً لأنه صديقي وثانياً لأنه في وضع لا يحسد عليه. أتمنى ألا تكون زياراته واتصالاته شبيهة بزيارات طارق عزيز واتصالاته، أي أن يكون يحمل ما لا يقنع وما لا يتلاءم مع حجم الأخطار وما لا يمكن تسويقه.
> لنفترض أنك مكانه ماذا كنت تحمل إلى موسكو؟
– أتصرف على أساس أن الوقت ينفد. أعطي فلاديمير بوتين أوراقاً حقيقية عله يساعد النظام على النجاة من الضربة والخروج من المأزق. أعطيه مثلاً موافقة على وضع الترسانة الكيماوية السورية تحت إشراف خبراء الأمم المتحدة وبضمانة روسيا ومشاركتها. وأترك الباب مفتوحاً للتلميح إلى استعداد لتدمير هذه الترسانة. ولإحداث صدمة تفكك الجبهة الغربية أعطيه حق إبلاغ الغربيين أن النظام السوري مستعد لإعلان وقف فوري لإطلاق النار والتوجه سريعاً إلى جنيف 2 وعلى قاعدة التفسير الأول لجنيف أي قيام جسم انتقالي بصلاحيات كاملة. وقبل إعطاء بوتين هذه الأوراق على دمشق أن تضمن موافقة طهران عليها.
> لماذا تقدم دمشق اليوم ما رفضته سابقاً ما دام الحديث أصلاً عن ضربة محدودة؟
– لأن تهمة الكيماوي بحد ذاتها أخطر من الضربة. ولأنه بعد تقرير المفتشين ستتسع الجبهة المطالبة بمعاقبة النظام السوري. على دمشق أن تقرأ بهدوء المواقف الأوروبية والعربية. بعد التقرير ستسبب الأزمة إحراجاً شديداً للروس والإيرانيين. على النظام السوري ألا يبالغ في الطمأنينة.
> أنت تعرف الروس والإيرانيين جيداً هل سيحاربون من أجل النظام السوري؟
– روسيا أوضحت أنها لن تفعل. وأعتقد أن إيران لن تجازف بكل شيء على رغم أهمية النظام السوري بالنسبة لها.
> ما هو الخطأ الذي ارتكبته إيران في السنوات الأخيرة؟
– أضاعت فرصة التفاوض مع أوباما قبل اندلاع النار في سورية. أنا سمعت من الأميركيين حرصهم على التفاوض وكانت لدى إيران آنذاك أوراق عراقية وسورية ولبنانية. مجموعة «الحرس الثوري» عرقلت هذه الفرصة وتبنى المرشد موقفها. أوراق إيران أقل اليوم. وضع النظام السوري سيء و «حزب الله» ليس في أفضل أيامه.
> أليس من الأفضل للنظام السوري امتصاص الضربة ثم الخروج لإعلان انتصاره؟
– سورية ليست «حزب الله» أو «حماس». إنها دولة وليست منظمة. ثم إن الضربة جزء من استراتيجية أوسع ضد النظام. غياب الضربة سيؤدي إلى تفعيل الجزء الآخر منها. يخطئ من يعتقد أن ما بعد الكيماوي يشبه ما قبله.
> لماذا تعتبر أن التهمة أخطر من الضربة؟
– راجع مصير الأنظمة التي وجهت إليها مثل هذه الاتهامات.
> هل تعتقد أن المعلم يحمل في حقيبته ما تعتقد أنه ضروري؟
– أشك في ذلك. لهذا قلت لك إنني لا أحسده على موقعه.
الحياة
نصر بلا حرب/ ساطع نور الدين
لم تكن العملية العسكرية الاميركية ضد سوريا حتمية. اصبحت الان مستبعدة. هذه المرة، يمكن ان ينسب الفضل الى اسرائيل. الاقتراح الذي قدمته الى واشنطن وتبناه عدد من اعضاء الكونغرس الاميركي، وهو يجول الان في عدد من العواصم الكبرى، يوفر مخرجا مناسبا للنظام السوري من التهديد باضعافه، ويقدم بديلا ملائما للرئيس باراك اوباما الذي تورط في الخيار الوحيد الذي لم يكن يتمناه.
المشكلة في سوريا الان، حسب التعريف الدولي شبه الاجماعي، تكمن في استخدام السلاح الكيماوي المحرم، وكل ما عدا ذلك تفاصيل حرب اهلية مؤلمة ومضجرة، يمكن متابعتها او تغذيتها من بعيد، طالما انها لا تتخطى الحدود السورية، ولا تشعل اي حرب اقليمية. وحسب اسرائيل، فانه اذا حُيّد هذا السلاح الاستراتيجي السوري بشكل تام وفعال، يمكن للعالم ان يخرج من واحدة من اخطر الازمات العالمية منذ الغزو الاميركي للعراق في العام 2003.
مثل هذا الحل ممكن، بل هو مرجح، وهو يمثل نهاية سعيدة للجميع، باستثناء السوريين، موالين ومعارضين، الذي سيوضعون امام اختبار جديد لضبط ايقاعات حربهم على وتيرة جديدة، تستبعد اسلحة الدمار الشامل لكنها لا تلغي خيار الابادة الجماعية بطريقة تدريجية يمكن للمجتمع الدولي ان يتعايش معها.. وان يرحب بها الاسرائيليون الذين لا يتمنون حسما سريعا لذلك الصراع الدموي على حدودهم الشمالية.
ليس من المجازفة القول ان اوباما لم يكن اصلا يريد مثل هذه الحرب، التي يعارضها معظم وزرائه ومستشاريه وجميع عسكرييه، فضلا عن غالبية شعبية اميركية واضحة. لذا كان الحشد العسكري الضخم جزءا من عملية خداع واسعة النطاق، هدفها الفعلي هو تشكيل ردع نفسي للنظام السوري يمهد لنزع السلاح الكيماوي منه، وتقديم هذه الخطوة كهدية للبشرية التي تعاهدت بالاجماع على تحريم امتلاك هذا السلاح او استخدامه.
وفي هذه الحالة يمكن ان يخرج اوباما على الملأ لكي يعلن عن تحقيق انجاز دولي تاريخي يوازي باهميته معاهدات الحد من الاسلحة الاستراتيجية الموقعة مع روسيا، من دون ان يضطر الى اطلاق صاروخ واحد او رصاصة واحدة باتجاه سوريا، ومن دون ان يكلف دافعي الضرائب الاميركيين سوى ما يقتضيه ارسال بضع قطع بحرية الى شرقي البحر المتوسط.. وهو ما يمكن ان يعوض او ينهي الكلام عن تلاشي هيبة اميركا ومكانتها العالمية.
لن يتردد الروس في التقاط مثل هذا العرض الاميركي لتجنب الخطر على النظام السوري الحليف: من الكرملين ايضا يمكن ان يصدر الاعلان عن انجاز دولي تاريخي، يتمثل في ابعاد شبح حرب جديدة في الشرق الاوسط، وفي ازالة الاسلحة الكيماوية السورية التي يشكل وجودها خرقا للقوانين والاعراف الدولية.. والتي تتولى موسكو اخراجها من الاراضي السورية، وتدميرها نهائيا، بحيث يتبدد احتمال وقوعها يوما ما في ايدي ارهابية.
هذا هو السيناريو الجدي الوحيد الذي يدور التفاوض حوله الان، بين واشنطن التي تمضي قدما في حشدها السياسي والاعلامي، لكنها تتعهد بالا تستخدم قوتها العسكرية ضد النظام السوري الذي ليس بديل حتى الان والذي لم يصدر الامر باستخدام تلك الاسلحة في الغوطة، حسب تقارير استخباراتية غربية مركبة بعناية شديدة.. مقابل ان تضمن موسكو تسلم المخزون الكيماوي السوري وتدميره، وهو ما يضغط من اجله الروس حاليا، ويأملون ان تكون هذه الصفقة خطوة نحو عقد مؤتمر جنيف الثاني في الخريف المقبل.
سيناريو واقعي جدا، ومتفائل جدا. ثغرته الوحيدة هي انه لا يأخذ في الاعتبار ان النظام السوري يمكن ان يرفض الالتزام بمثل هذا التفاهم الضمني بين الاميركيين والروس، وان يشعر ان افلاته من العقاب على استخدام الاسلحة الكيماوية هو نصر لسوريا لا شك فيه، وهزيمة لا جدال فيها لاوباما ولجميع الذين راهنوا على انه يمكن ان يلجأ الى القوة.. ولم تكن اسرائيل بينهم.
المدن
في اليوم التالي/ علي بردى
يعود أعضاء الكونغرس الأميركي اليوم من عطلتهم. يخوضون نقاشاً حاسماً في شأن طلب الرئيس باراك أوباما توجيه ضربة عسكرية “تأديباً” لسوريا الرئيس بشار الأسد، الذي يواجه اتهامات بأنه استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. لا يبدو هذا المطلب سهل المنال. غير أن النتيجة لا تظهر إلا عند التصويت الفعلي. المسؤولون في الأمم المتحدة يتحسبون لليوم التالي.
على رغم الطبيعة الداخلية للنقاش الجاري حالياً على كل المستويات في الولايات المتحدة، يتوقع أن تكون للتصويت في الكونغرس تداعيات بالغة الأهمية على الدور الخارجي للقوة العظمى في العالم. تتحدد الآن ملامح الصورة الجديدة للنظام الدولي.
انطلاقاً من هذا الفهم، تقود ادارة أوباما حملة واسعة النطاق لحشد التأييد داخلياً وخارجياً لقرار الضربة. تعبر عن اقتناعها بأن النظام السوري قام بهجوم 21 آب الكيميائي في الغوطتين. تشدد على أنه انتهك الأعراف الدولية القائمة منذ عشرات السنين. تشير الى الخط الأحمر الذي رسمه العالم لا الرئيس باراك أوباما. تذكّر بتوافق 189 دولة، تمثل 98 في المئة من سكان المعمورة، على تحريم استخدام هذا السلاح حتى في زمن الحرب. غير أن الأدلّة التي وفرتها واشنطن حتى الآن لم تقنع المترددين في الحزبين الديموقراطي والجمهوري.
يدرك المترددون أن عجز مجلس الأمن المستمر منذ 30 شهراً عن القيام بواجباته لوضع حد للأزمة السورية وصل بالفعل الى نهاية المطاف. صارت سوريا مبعث تهديد للأمن والسلم الإقليميين والدوليين: مآسي السوريين أكثر من أن تحصى، دول الجوار تواجه الخطر، الجماعات الإرهابية تنعم بأرض خصبة، وهلمجراً. تؤكد المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة سامانتا باور أن النظام الذي صيغ عام 1945 لتجنيب العالم هذه التهديدات لم يعد ينفع. تتهم روسيا بأنها “صادرت” مجلس الأمن وأخذته “رهينة”. تعني أن النظام الدولي يحتاج الى تغيير.
هذا هو النقاش الذي يجري حالياً في الولايات المتحدة، البلد العملاق الذي لم يشف بعد من قرار الرئيس السابق جورج بوش غزو العراق وأكذوبة أسلحة الدمار الشامل في عهد الرئيس الراحل صدام حسين. لا تزال الديبلوماسية الروسية تعيد الى الأذهان صورة وزير الخارجية سابقاً كولن باول يقدم “الأدلة” على طاولة مجلس الأمن. تحاول الولايات المتحدة أيضاً أن تنهي قريباً حربها الطويلة في أفغانستان، حيث يعتقد أن تنظيم “القاعدة” خطط لهجمات 11 أيلول 2001، التي تحل ذكراها السنوية الثانية عشرة بعد غد.
تمثل سوريا اختباراً استثنائياً لحضور الولايات المتحدة دولياً، بصرف النظر عن الإعتبارات الضيقة لدى البعض من المؤيدين أو المعارضين للضربة الأميركية.
ترقبوا الذي سيحصل في اليوم التالي.
النهار
أوباما لتنحي الأسد ويقدّم ضمانات لـ”بقائه” النظام يستفيد من تجربتَي العراق وليبيا/ روزانا بومنصف
مع مضي الديبلوماسية الاميركية او حلفائها كفرنسا مثلا في تقديم “ضمانات” من اجل الحصول على تأييد غربي للضربة العسكرية التي يزمع الرئيس باراك اوباما توجيهها للنظام السوري ردا على استخدامه الاسلحة الكيميائية ضد شعبه في 21 آب الماضي في منطقة الغوطة في ريف دمشق، يبدو الرئيس السوري بشار الاسد مستمرا في التمتع بحصانة لم يحظ بها اي من الزعماء العرب التي طاولتهم الثورات في بلادهم وربما يحسدونه عليها. اذ اخذ وزير الخارجية الاميركية جون كيري من بيان الاتحاد الاوروبي الذي اقر استخدام النظام الاسلحة الكيميائية ومسؤوليته في هذا الاطار “سعي بلاده لعمل عسكري” محدود “يهدف الى تقليل قدرة الرئيس السوري على استخدام الكيميائي”. لم يأخذ تشديد الاوروبيين في بيانهم “على المسؤولية الفردية لمنفذي الهجمات الكيميائية وعلى دور المحكمة الجنائية الدولية بهدف التحقيق في هذه الافعال والمحاكمة عليها “على رغم اعتبار الدول الاوروبية هجوم 21 آب انتهاكا صارخا للقانون الدولي وجريمة حرب وجريمة ضد الانسانية”. يبقى الاسد على رغم ما يوصم به اذا بضمانة يقدمها الاميركيون من اجل ان يقبل في مرحلة لاحقة من حيث المبدأ التفاوض على انتقال السلطة على رغم مطالبته من الرئيس الاميركي بالتنحي منذ آب 2011. وحين تتاح الفرصة لاستخدام القوة التي يمكن ان تساهم في هذا التنحي تقدم ضمانات ان الهدف ليس اطاحته او رحيله. وهذا مكسب له بحكم الاعتبارات الغربية التي لا تقبل الموافقة على ضربة عسكرية محدودة وتعطي تطمينات في المقابل انها لن تتجاوز عملا تأديبيا.
والمكسب الاضافي له حتى الان، وما لم تؤد الضربة المحتملة الى خلخلة ما تبقى من اركان حكمه او تسمح للمعارضة بالاسراع ميدانيا الى تسجيل مكاسب اساسية، يكمن في ان الحشد الاميركي لضربة عسكرية تدأب الديبلوماسية على توصيفها بالمحدودة لم يؤد الى انشقاقات كبيرة ديبلوماسية وعسكرية على غرار ما حصل مع معمر القذافي الذي قفز اركانه من سفينته مع اكتمال الاستعدادات الغربية لتوجيه ضربة عسكرية له. اذ ان التطمينات الاميركية حول بقاء النظام والعزم على توجيه ضربة عسكرية لـ”التقليل من استخدامه الاسلحة الكيميائية او ردعه عن ذلك” بدت كفيلة حتى الان بان تُشعر من حوله بأن النظام باق حتى اشعار اخر ومن المخاطرة جدا الرحيل او الانشقاق او القفز الى سفينة المعارضة في حين ان حصول انشقاقات كبيرة كانت ستكون عاملا يؤدي الى انهيار النظام من داخل من دون عناء اي تدخل. وفيما يفترض ان التحضير على المستوى السياسي الدولي او على المستوى الميداني لجهة حشد الاساطيل يساهم في انهيار نفسي ومعنوي في محيط الاسد، فان هذا التحضير كان فرصة للاسد من اجل تحييد ما امكن تحييده من امكاناته وقدراته العسكرية. وقد أدّى دورا كبيرا في هذا الاطار اعلان اوباما اضطراره قسرا الى توجيه ضربة “محدودة” وليس القيام بحرب فضلا عن انقسام دولي ليس بين جانبي الداعمي للنظام ومعارضيه من القوى الاقليمية والدولية بما عطل مجلس الامن الدولي كليا بل ايضا بين قوى المعسكر الواحد من معارضي بقاء النظام. وهذا الامر اي التطمينات وعدم الرغبة في احداث انهيارات من حول الاسد ليس عفويا لان الغرب لا يود ان يرى تكرارا للمشهد الليبي في سوريا وما حصل قبيل الضربة العسكرية فيها او ما بعدها في موازاة عدم رغبته في ان يرى ايضا المشهد العراقي ايضا وتفكك الجيش السوري اكثر مما تفكك حتى الان.
وفي رأي مصادر ديبلوماسية، فان غض النظر الغربي عن الحكم الانتقالي في مصر وتركه يعالج الامور من دون ازعاجه علنا باطلاق المعتقلين من قيادات الاخوان المسلمين الذين ابعدهم عن السلطة قد شكل مؤشرا بالنسبة الى النظام السوري ان الدول الغربية قد سلمت بواقع ان الاخوان لن يكونوا اهلا لتسلم السلطة في دول اخرى وفي مقدمها سوريا. ولعل ابعادهم في الدرجة الاولى عن السلطة في مصر صب في مصلحته الى درجة استعجاله استخدام الكيميائي في الغوطة من اجل تسريع حسم الامور لمصلحته ميدانيا الى جانب واقع انصراف المجتمع الدولي الى الاهتمام بالوضع المصري الذي بات اكثر قلقا للولايات المتحدة ووضعها في وضع صعب ازاء حلفائها الاقليميين الذين انقسموا بين داعم للحكم الانتقالي في مصر واخر معارض له. وخيبة الامل الكبيرة من تجربة الاخوان القصيرة في مصر عززت عدم الرغبة في الاسراع في ترحيل الاسد قسرا من دون توافق على البديل الى جانب تصاعد المخاوف من التنظيمات المتطرفة في جانب المعارضة للاسد. وذلك في الوقت الذي تقر المصادر الديبلوماسية المعنية ان النظام السوري نجح في حملته التي ساعده فيها الغرب كثيرا ايضا عن قصد او عن غير قصد في التصويب على غالبية المتطرفين داخل المعارضة السورية في ظل استمرار عدم نجاح المعارضة المعتدلة في فرض نفسها. هذه المعطيات تطغى في تقويم الضربة العسكرية المفترضة ضد مواقع للنظام السوري واستنادا اليها سريان الاعتقاد بان الازمة الى مرحلة جديدة ومديدة وليس الى نهاية ما لم تحمل الحرب مفاجآت تبقى هي الورقة غير المكشوفة في كل الاستعدادات والتحضيرات السياسية والميدانية الجارية لهذه الضربة.
النهار
الكونغرس والتصويت السلبي/ محمد ابرهيم
لا يستطيع الكونغرس الاميركي ان يرفض “اجازة” الضربة العسكرية المحدودة التي يقترحها باراك اوباما ضد سوريا الا اذا كان يريد اجراء تعديل جذري في موقفه من مسألتين: العلاقة بالامم المتحدة، وعلاقة اميركا بالعالم.
معارضو الضربة من النواب والشيوخ الاميركيين ليس دافعهم بالطبع التشكيك بالمعلومات الاستخبارية التي تزوّدهم بها الادارة، وانما التخوف من ان يكون العمل العسكري بداية لتورط اميركي جديد في الشرق الاوسط، بعد النجاح في اغلاق الملف العراقي، والاستعداد في السنة المقبلة لاغلاق الملف الافغاني.
ومع ان الرئيس يطمئنهم الى المدى المحدود للعملية، الا ان هذا المدى يعتمد كما هو معروف على رد فعل الخصم. والخصم هنا غير محدد بدقة. فهو يشمل ايران مباشرة، او بالواسطة عبر “حزب الله”، كما يشمل امكان دور اكثر فاعلية لروسيا في حماية حلفائها.
الحل الطبيعي للأمة الي “تعبت” من حروب الشرق الاوسط، هو تحويل المسألة برمتها الى الامم المتحدة، وهذه هي النتيجة المنطقية لأي تصويت سلبي للكونغرس. لكن العلاقة بين اميركا والمنظمة الدولية ليست بهذه البساطة. فليس من الوارد مثلا ان تضع الادارة الاميركية حصيلة معلوماتها الاستخبارية وطرق جمعها في تصرف المنظمة الدولية للفحص والتدقيق، والولايات المتحدة متهمة اصلا بالتنصت على العالم.
وتاريخ العلاقة الاميركية بالامم المتحدة هو تاريخ من فقدان الثقة، الا في الحالات التي تتبنى فيها المنظمة الدولية الموقف الاميركي بحذافيره. والخوف “الشعبي” الاميركي من الامم المتحدة يشبه الخوف الغريزي عند الاميركي من توسع الدولة وتدخلها في شؤون حياته.
لذلك فإن اي تصويت سلبي في الكونغرس إزاء طلب اوباما لا يعني فعليا تحويل المسألة برمتها الى الامم المتحدة بقدر ما يعني قرارا بالعودة الى العزلة التي كانت تلجأ اليها الولايات المتحدة عندما تلوح امامها اكلاف دور القوة العظمى الاولى.
لن يجيب اوباما على تصويت سلبي في الكونغرس باستعمال صلاحياته الرئاسية التي تسمح له بمثل هذه الضربات المحدودة. خصوصا انه في الاصل ضد التدخل في سوريا. وهو عندما رسم خطه الاحمر الشهير ضد استعمال الكيميائي في الحرب السورية كان، عمليا، يعلن سياسة عدم التدخل، ويطلق الحرية للنظام لاستعمال كل الوسائل العسكرية، الكلاسيكية، في حربه الداخلية.
اوباما يسأل الكونغرس، بصفته الاقرب الى مزاج الرأي العام الاميركي، ما اذا كان مستعدا لتحمل تبعات الاستقالة من الدور العالي الاول، وذلك لا علاقة له بكل النقاش حول اثباتات استعمال النظام السوري للكيميائي.
النهار
كيف يفكر الأسد الآن؟/ طارق الحميد
مع تزايد الحديث عن الضربة العسكرية ضد نظام الأسد، والتركيز منصب على مناقشة نوعية الضربة، وأهدافها، ومواقف حلفاء الأسد، وحلفاء واشنطن، لكن هناك قليل من النقاش حول الكيفية التي يفكر بها الأسد الآن، وكيف سيكون رد فعله على الضربة!
بالنسبة لحلفاء الأسد، فإن كل المؤشرات تقول إنهم لن يتدخلوا عسكريا لإنقاذه، بل إن الأسد ورطهم بجرهم إلى صراع يهدد مصالحهم بالمنطقة، وهذا آخر ما تريده إيران أو حزب الله، ويكفي هنا تأمل تصريح الرئيس الإيراني الذي يقول إن بلاده مستعدة في حال حدوث شيء لـ«السوريين»، وليس الأسد، «لتنفيذ واجبها الديني والإنساني بإرسال مساعدات غذائية وطبية»! بينما لا توجد تصريحات مهمة بالنسبة لحزب الله. أما الروس، فإن تصريحاتهم تشير إلى أنهم لن ينجروا إلى حرب مع الغرب دفاعا عن الأسد، بل إن وزير الخارجية الأميركي يقول إن الروس سيفسحون المجال للسفن الأميركية في المتوسط.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن هناك من لا يزال يرى أن الأسد ذكي يجيد المراوغة. إلا أن قراءة دقيقة لفترة حكمه تظهر العكس تماما؛ فما خرج الأسد من أزمة إلا دخل في أسوأ منها، حدث ذلك بعد كذبة «ربيع دمشق»، أول سنة حكم للأسد، وحدث ذلك في موجة الاغتيالات التي شهدتها سوريا في فترته، ثم تعامل الأسد مع حرب العراق، ويجب تذكر العملية العسكرية التي قام بها الأميركيون داخل الأراضي السورية، ثم جاء الخطأ القاتل حين أصر الأسد على التمديد للرئيس اللبناني، الذي على أثره جاءت عملية اغتيال رفيق الحريري، وما تبعها من اغتيالات، وبعد ذلك الانسحاب المخزي للجيش السوري من هناك، وأكاذيب «شهود الزور».. وغيرها، وبالطبع هناك حروب لبنان وغزة مع إسرائيل بهدف شرعنة كذبة الممانعة والمقاومة، هذا عدا الخلافات العميقة مع السعودية ومصر بسبب مواقف الأسد الداعمة لإيران.
ومجرد تأمل ما سبق يعني أننا أمام رجل كل حساباته السياسية خاطئة، ومدمرة، وأفضل توصيف لفهم شخصية الأسد هو ما قاله أحد قيادات حزب الله في القصة التي كشفتها مجلة «دير شبيغل» الألمانية نقلا عن استخبارات بلادها التي رصدت اتصالا هاتفيا بعد مجزرة الغوطة بين قيادي في الحزب ومسؤول إيراني، يقول فيه قيادي الحزب إن الأسد «أصبح عصبيا للغاية، وارتكب خطأ كبيرا باستخدامه الغازات السامة»! وسبق أن سمعت مسؤولا عربيا رفيعا، ومؤثرا في الملف السوري، يقول إن «أفضل طريقة للتعامل مع الأسد هو التركيز على أخطائه» وما أكثرها! ولذا فعلينا توقع الأسوأ من الأسد حال وقوع الضربة العسكرية، وهذا لا يعني أن الأسد قادر على صنع فرق في المواجهة، بقدر ما أنه قد يرتكب حماقة تدفع المجتمع الدولي للذهاب أبعد من مجرد ضربة جراحية ردا على حساباته الخاطئة التي لن تورطه وحده، بل إن من شأنها توريط حليفيه أيضا إيران وحزب الله.
الشرق الأوسط
ابادة الأكثرية حماية للأقليات؟
رأي القدس
في خطابه بعد مجزرة الكيماوي اختصر وزير الخارجية السوري وليد المعلم المسألة بمعادلة بسيطة: قصف جوبر والغوطة (مناطق يسيطر عليها الجيش الحرّ) لحماية القصاع وجرمانا (حيّان يسيطر عليهما النظام) وهو ما يعني لمن يعرف الجغرافيا السياسية والطائفية في سورية ان النظام يبيد الأكثرية ليحمي الأقليات.
الخطاب نفسه يستخدمه النظامان الروسي والايراني في دبلوماسيتهما وتصريحاتهما مباشرة او ضمناً وتقوم وسائل اعلامهما بقصف الرأي العام به ولا تتورع عن استخدام التلفيق والتهويل فيه بغض النظر عن النتائج السياسية والاجتماعية المدمرة لذلك.
بالمقابل لا تتوقف تشكيلات عديدة محسوبة على المعارضة الجهادية المسلحة عن تزويد النظام وحلفائه بمواد اعلامية وسياسية تفيد خطابه وتعززه، في مسلسل طويل الحوادث اختلطت فيه الطائفية بالتطرف والبلاهة السياسية بالاختراقات الامنية الواسعة لهذه التنظيمات.
جاء هجوم على حاجز لقوات النظام على مدخل مدينة معلولا ذات الرمزية المسيحية والتاريخية العالية ليقدم إحدى هذه المواد السريعة الاشتعال بحيث سارعت وسائل اعلام مرتبطة بالنظامين السوري والايراني لتضخيمها وتأليف قصة كبيرة منها وما لبثت روسيا ان التقطت الخيط فاندفعت كعادتها للدفاع عن ‘الأقليات المهددة’، كما استفاقت أيضا الآلة الاعلامية للفاتيكان فجأة وبدأت تنشر تصريحات تصبّ في هذا السياق.
يتسق هذا الخط مع خطة النظام الأساسية للدفاع عن نفسه مستنداً لخبراته الطويلة في تأجيج الأزمات طائفياً وإثنياً في لبنان والعراق وسورية بالتلاعب بخزان احتياطي كبير من موزاييك ديني وطائفي واثني وقبلي بحيث يكون الاستبداد، الذي قضى عمراً ينفخ في نار هذا الخزّان، هو الوحيد صاحب الخلطة السحرية التي تمنع انفجاره.
مشكلة هذا الخطاب السياسي أن برنامجه الوحيد هو المذبحة المستمرة: ابادة الاكثرية والا ابيدت الاقليات!
يحوّل هذا البرنامج الأقليات الى رهائن ويخضعها الى فيلم رعب مستمر: اما ان تقبل هذا الخطاب وتشارك فيه وتتحمل تبعاته الدموية وإما يفلت عليها أجهزته وشبيحته يضيقون عليها ويحاصرونها.
لكن لعبته الأكثر نجاحاً منذ بداية الثورة السورية هي ارهاب هذه الاقليات بتنظيمات ‘جهادية’ ظل عقودا كاملة يلعب معها لعبة القط والفأر رابطا اياها باجهزته الامنية، ومرسلا افرادها للموت باسم الجهاد في العراق ولبنان وغيرها من البلدان التي يريد دوراً له فيها، مساوماً المجتمع الدولي عليها كلما احتاج الأمر، وضارباً إياها حين تستنفد مهامها.
يدخل النظام السوري وحلفاؤه سوق السياسة العالمية بهذه الماركة المسجلة لكن السرّ في تسجيلهم نجاحات كبيرة فيها هو أن العالم شرقا وغرباً، ومنذ المأساة الفلسطينية المستمرة يعتمد النظريات الاستشراقية التي ترفع المسؤولية عن المجرمين الحقيقيين.
تحمّل هذه الآلية الفكرية المسلمين ودينهم مسؤولية ما يجري لهم، وتتجاهل أسس الظلم الرهيب وانعدام العدالة وانتهاك الكرامة الفظيع للشعوب، في لعبة يتشارك فيها النظام الدولي (بطبعتيه: الليبرالية في الغرب والمستبدة في روسيا) الأدوار مع انظمة الاستبداد كالنظام السوري واسرائيل وشقيقاتها العربيات.
بذلك نفهم كيف تتجمع شبكة مصالح عالمية هائلة للدفاع عن النظام السوري ومذبحته المستمرة لشعبه، من اليمين الاوروبي الذي يعتنق ايديولوجية النظام نفسها في الدفاع عن الاقليات الدينية بابادة الاكثرية المسلمة، الى اليسار الذي يخفي قوالبه الاعلامية التي تربط المسلمين بالتخلف والرجعية ايضا مقنّعا ذلك بايديولوجية معاداة الحرب والمنافحة عن السلام (لأن حروب الأنظمة على شعوبها مبررة طالما لا تخصم تكاليفها من ميزانيات الدفاع الاوروبية) وصولاً الى روسيا والصين والفاتيكان.
مما يجعلنا نقف امام لوحة سوريالية عجيبة تشترك فيها اجهزة الكي جي بي والموساد والمافيا وتجار الحروب والطائفية والقتل مع جبهات الممانعة ونزعات السلام وايقاف الحرب… السؤال هو: اي حرب تريدون ايقافها حقاً؟
القدس العربي
هل أصبحت حرب أوباما ظاهرة افتراضية؟/ مطاع صفدي
التشكك في نوايا أمريكا المعلنة أو الخفية وهي الأدهى والأغمض دائماً، ما وراء أفعالها العالمية الكبيرة، بات أمراً عالمياً هو كذلك. فليس ثمة عقل سياسي يصدق أن الضربة العسكرية التي أقرّتها الهيئة السياسية العليا لإمبراطورية أمريكا ضد مقترفي جرائم الحرب ضد الإنسانية من حكام دمشق، ستكون مجرد عقوبة أخلاقية يستحقها قتلة الأطفال والنساء. ظاهرة التشكيك هذه ليست مقتصرة على رأي عام عربي، شبه دولي تقريباً، بل سمعنا آراء أقطاب بارزين من سادة الكونغرس وهم يتداولون في نقاشاتهم المستفيضة مختلف الاحتمالات والظنون التي تكتنف مشروع هذه الضربة العتية، وربما شعر المتابعون لجلسات الحوار التي يعقدها البيت الأبيض مع ممثلي نواب الشعب الأمريكي، أن الرئيس ووزراءه لم يتمكنوا من الحصول على إجماع حقيقي وأخلاقي، وإن حصلوا على الموافقة شكلياً بأغلبية من بضعة أصوات فقط.
هل وقع أوباما أخيراً أسيراً لمأزق وجداني، هل أصبح هو الرئيس الأمريكي الأوحد الذي فاز بجائزة نوبل للسلام سلفاً منذ بداية رئاسته، وقبل أن يمارس شيئاً من مهماته الدستورية. هل صار رئيس السلام قائداً عسكرياً لحرب أمريكية جديدة، مشكوك في سلامة أهدافها الحقيقية، وليس في تسويغها القانوني فحسب. أوباما ليس رئيساً لمؤسسة من البوليس الدولي، تابعة لهيئة الأمم المتحدة، وتأتمر بأوامر محكمتها الدولية، ومع ذلك فإن هذا الرئيس الواعد بسيادة كونية لمشروعية ‘حقوق الإنسان’، قد قرر دخول حرب مجهولة العواقب تماماً، رغم أنه ورجاله يصرّون على وصف تلك الحرب بالضربة العسكرية المحدودة، إلا أنهم جميعاً لم يحسبوا حساباً دقيقاً لتداعياتها، بل لعل سكوتهم المتمادي عن هذه التداعيات يثبت لدى العارفين بالأساليب المزدوجة للسياسة الأمريكية، أن ‘الغزوة’ الجوية سوف تتجاوز كثيراً ضفافها الاستراتيجية المصرّح عنها، لن تكون مجرد عقوبة لمجرم حرب، بقدر ما ستتحول إلى صاعق تفجير لبؤر بركانية متوزعة في معظم أقطار المشرق.
محدودية الضربة الصاروخية ليست شرطاً مسبقاً لمحدودية نتائجها، وقد أبقى مخططو الضربة على هذه النتائج غامضة، وتائهة بين شتى التأويلات المتضاربة التي تشارك في إطلاقها مختلف أبواق الجهات المسؤولة محلياً ودولياً، الأمر الذي يزيد في إبهام العملية، ولن يكون الإعلان عن هدف العملية باعتباره إضعافاً للنظام وليس إسقاطاً له، وتقوية للمعارضة التي سيترك لها أمر الإجهاز عليه، لن يكون هذا الإعلان إلا تسويغاً لفظياً لمفهوم المحدودية لا يمتلك أية ضمانات ممكنة لتحققه ما أن تقع الواقعة، فمن يمكنه في هذه الحالة أن يفرض مخططاً عقلانياً سلمياً مافوق انفلات مسلسل البراكين من بعضها. إنها إذن حقبة فوضى جديدة ستعصف ببقايا الركائز الثابتة نسبياً في المشرق. فهل سترشح أمريكا نفسها ثانية كإدارة لهذه الفوضى الآتية، أم أن الاستراتيجية الثانية لمخططي البنتاغون قد ترفض أن ترى إمكاناً واقعياً لاندلاع حقبة فوضى مخيفة لن يسيطر عليها أحد حتى لو نزلت أمريكا بجيوشها البرية إلى أرض الساحات الملتهبة، كما يعتقد الكثيرون من معلقي الصحافة التلفزية عربياً وعالمياً.
إذا كان الرأي العام العالمي متشككاً في النوايا الحقيقية للغزوة الأوبامية، إن كانت هي فعلاً مشروعَ عقوبةٍ لمجرمي الحرب الأوائل في القرن الواحد والعشرين، فلا أحد يعتقد أن الضربة المحدودة، هذا الشعار الملتبس في خطاب أوباما، يمكنها أن ترقى إلى مستوى العقوبة التي يتوقعها القانون الدولي من حيث عدم تكافؤها الإجرائي مع فداحة الجريمة النكراء التي ارتكبها مسمّمو الأطفال والنساء في غوطة دمشق، وفوق ذلك فإن لهذا الرأي العام الإنساني، وليس الدولي فحسب، له ارتياباته الكبيرة بنوعية الأدلة والبراهين التي تتقاذفها ألسنة المسؤولين من كل الأطراف، دون أن يعلم أحد بمضامينها المادية، التي باتت تحتاج هي الأخرى إلى نوع تال من البراهين، وإذا كان لهذه العقوبة الملتبسة أن تقع أخيراً فإن هذا الوجدان الإنساني ـ وليس عقله فقط ـ كان بفضل أن تصدر هذه العقوبة عن حكم قضائي للمحكمة الدولية الأخرى، النظيفة من تدخلات السياسة الرسمية، هذا الوجدان كان يتمنى ولا شك أن يرى أن جمعية الأمم المتحدة قد أصبحت حقاً سلطة عالمية، لها مؤسساتها التشريعية والتنفيذية.. والقضائية، على أن تغدو هذه المؤسسة الثالثة ـ القضائية ـ هي الممثلة لإرادة ما يسمى اصطلاحاً بالحكَم العادل، المتمتع بسلطة الحد الفاصل بين أكاذيب كبار العالم وحقائق صغار العالم من أيتام الحضارة المتوحشة، السائدة، والمسيّدة على إنسانية العصر، بالرغم من ممانعة غالبية أحرارها، بل انسجاماً فقط مع إرادة أقليتها من سُرّاقها الأذكياء.
بينما تُعدّ مؤسسة الإمبراطورية الأمريكية كل مستلزمات الصفقة الحربية الآتية من وراء كواليس (المشروعيات) الدستورية لدولتها العظمى، تنهمك أجهزة هذه المؤسسة بإعداد دور البطولة الجديدة الذي ستضفيه على تمثال رئاستها السمراء، المتجسدة عبر شخصية هذا الخطيب المُفَوّه: أوباما، تريد أن تقدمه بطلاً مقداماً، مدافعاً عن عدالة كونية انتهكت شرعيتَها ديكتاتوريةٌ رعناء تقتل وتسمم شعبها منذ ثلاثين شهراً وتدمر بلداً صانعاً لأنبل جذور الحضارة الحقيقية منذ مولد الإنسانية، وقد يمكن لهذه البطولة الإدعاء أنها ستنجز ما عجزت عنه ثورة سورية التي قدمت عشرات الألوف من ضحايا الاستبداد البربري، ورغم أن الضربة العسكرية ستكون محدودة، لكنها تزعم أنها ستأتي بمثابة البدء بالعد العكسي لنهاية النظام. هكذا اعتاد عقل الإمبراطورية أن يفكر وفق منطق الصفقة وحدها، فالبطولة المزعومة لن تتعدى حدود إعلام افتراضي بارع دائماً في قلب فواجع الوقائع إلى بوارق الألفاظ والصور والأصوات، إنه يبيع الشعوب المظلومة أضاليل التحرير الكاذب بينما يشتري مقابلها مصالحَ هذه الشعوب الحيوية بأثمان شهدائها فحسب.
والآن ماذا يتوقع عقل الإمبراطورية فعلاً أن يحدث بدءاً من اليوم التالي على الغزوة، رغم أنه لا يبدو أن أحداً يهّمه حقاً الجواب الحقيقي عن هذا الاستفهام، ولذلك يظل كل كلام تحت عنوانه ذاك ضرباً من التنجيم السياسي، لكن لسان ‘الصفقة’ هو وحده الذي يحكي في سره. فالأمر المطلوب مركزياً بالنسبة إلى أمريكا هو أن تظل هي اللاعب الأول وراء منعطفات الأزمة السورية جميعها. وليس في ضفة أو جهة معينة من ساحاتها. ها هي مع الغزوة، تمنح نفسَها ليس سلطة المحكمة الدولية غير الشغالة أصلاً فحسب، بل تستلب شخصية السلطة التنفيذية بأدواتها الأمنية والعسكرية، فيما لو كان للمحكمة هذه المؤسسة العالمية المستقلة والفعالة. بكلمة واحدة، ستكون أمريكا هي الحاكمة وحدها بأمرها أو مع رموزها، في سورية؛ لفترة ما بعد الحرب الأمريكية الآتية، وليس لما بعد ثورة الشعب السوري، تلك التي ستصبح نسياً منسياً. سوف يتحول جميع اللاعبين السابقين من سوريين وعرب ودوليين إلى فريق من (الكومبارس) المساعد.
لكن من الواضح أنه ستمر مرحلة انتقال مابين عشية الغزوة ورحيل النظام ممثلاً بتنحية رئيسه، وهذه المرحلة لن تمر بيسر ومعقولية على جميع أفرقاء الجبهات القائمة والمستجدة، لن تكون فقط مرحلة للإجهاز على بناء النظام المتداعي تحت تأثير الضربات الصاروخية التي تلقتها مراكزه العصبية، إنها الحقبة الصعبة فعلاً التي سوف تعاني خلالها جبهاتُ الصراع العسكري والسياسي جميعها من إكراهات التصفيات ضد بعضها، أو تلك التي سيضطر بعضها إلى ممارستها ذاتياً. كل هذا قد يقع، وما سواه كذلك مما لا يمكن تصوره مسبقاً، غير أن المفاجأة العظمى التي ستقلب معطيات اللوحة الحربية المنتظرة كلياً ستكون لو أن العالم استيقظ ذات صباح قريب ليستمع إلى الرئيس أوباما مخاطباً شعبه، بل جماهير المعمورة، أنه قرر العدول عن الضربة العسكرية، لن تكون محدودة ولا هي الضربة القاضية، بل ملغية تماماً، معترفاً. أنه توصّل إلى هذا الحسم السلبي نزولاً عند إرادة نواب الكونغرس المنقسمين على أنفسهم، بل إرادة ما يسميه بالمجتمع الدولي الذي لم يستجب إلى دعوة التحالف الجماعي. هذه ‘الهمروجة’ العجيبة هل سوف يفعلها أوباما عن طيب خاطر. اعتقاداً منه أنها ربما ستنقذه من أحوال الارتباك السياسي المكشوف أمام الملأ؛ لكن قد يخرج بعض خبثاء الدبلوماسية الرئاسية ليقول ان هذه القصة من أولها إلى آخرها لم تكن حقيقية في مشاهدها المعلنة، وأنها كانت أشبه بمسرحية أُجبر الرئيسُ فيها على تمثيل، دور البطل الهمام الذاهب إلى الحرب، إلى مقاتلة أعداء الإنسانية والخارجين على القانون الدولي. كان مضطراً لإعلان قرار العقوبة إنقاذاً لسمعته بعد أن اتهمته ألسنةُ الصحافة والناس العاديين بصفات التخاذل والتهرب من مسؤوليات قيادة الدولة العظمى لعالم اليوم. سوف تغدو قصة هذه الضربة مجرد مناورة، أو ظاهرة افتراضية صنعتها هوليوود البيت الأبيض، وكان مخرجها وبطلها الأول رئيس الدولة العظمى أوباما حامل جائزة نوبل للسلام.. لعله بات يستحقها من جديد!
‘ مفكر عربي مقيم في باريس
القدس العربي
أميركا أم النظام السوري : السؤال المغلوط/ محمّد علي مقلّد
في حربي الخليج الأولى والثانية وفي الحرب الأميركية على أفغانستان ، انطرح السؤال ذاته، وهو يطرح اليوم مرة ثالثة بمناسبة التهديدات الغربية القاضية بتوجيه ضربة إلى النظام السوري. هل نكون مع سوريا ، كما في الماضي مع العراق وأفغانستان ، أو نكون مع أميركا ؟
خلال التحضير لحرب الخليج الثانية اقترح جورج حاوي تنظيم جدار بشري تضامني مع العراق ضد الغزو الأميركي . قلت له ، وماذا لو انتصر صدام حسين ؟ أميركا كانت تبحث عن ذريعة بسلاح دمار شامل لم تعثر عليه ، وفي ظنها أن خطر هذا السلاح يطال اسرائيل ، لكنها لم تحسب حسابا إلى سلاح دمار آخر كان يجسده صدام حسين ولا يهدد به غير شعبه ووحدة وطنه .
اليوم يطرح السؤال ذاته ، ماذا لو انتصر بشار الأسد ؟ مناصروه هم أول ضحاياه ، ألم تكن تلك نهاية رفاق حافظ الأسد ؟ ليس برنامج أهل النظام للحفاظ على السلطة سوى سلاح دمار شامل يهدد الشعب السوري، وليست سياسة الاستبداد المستديمة سوى الأداة التي استخدمها بقسوة لتفكيك أوصال لبنان والقضاء على مؤسسات الدولة فيه وتفتيت مكوناته البشرية واستنفاد طاقاته الاقتصادية ، وتقويض بنيته كوطن ، بخلفية الإدانة الحازمة لقيام وطن اصطنعه الاستعمار في اتفاقية سايكس بيكو.
نبرر للنظام دفاعه الدموي عن نفسه وعن تأبيد وجوده ، هذا من الأعراض الطبيعية للاستبداد ، لكننا لا نجد مبررا لمناضلين انتموا إلى العروبة منذ نعومة أظفارهم ولم يتيقنوا بعد من التغييرات الجوهرية الجذرية التي طرأت على أوضاع الأمة منذ قرن على الأقل .
أولا: الأحزاب اليسارية والقومية والتقدمية حققت لبلدانها الكثير من الانجازات ، لكنها فشلت فشلا ذريعا في تنفيذ المهمات التي تنطحت لها، والشعارات التي رفعتها (وحدة حرية اشتراكية) كما أنها لم تقم بدورها في حماية العروبة ولا في حماية القضايا القومية ، ولا حتى في حماية وحدة أوطانها ما أفقدها كل المهابة التي كسبتها في المرحلة الأولى من نضالها ضد ” الامبريالية والصهيونية والاستعمار والرجعية العربية” .
ثانيا: أوطان الأمة العربية باتت حقيقة واقعة عمرها قرن من الزمن ، ولم تتمكن النزعات القومية الشوفينية من إفراغ الأوطان الحديثة من مضمونها وإعادتها إلى عصر الإمارة والسلطنة والخلافة . فلا تدخل عبد الناصر حمى اليمن من أزماتها ، ولا تدخل السادات والقذافي حمى السودان من التقسيم والحرب الأهلية ، ولا تدخل صدام حسين في الكويت وحافظ الأسد في لبنان ألغى شرعية هاتين الدولتين الصغيرتين من دول الجامعة العربية .
ثالثا: النظام الرأسمالي العالمي ، بنسخته الاستعمارية قبيل الحرب العالمية الثانية وبعدها هو الذي ساهم في تأسيس الأوطان العربية ، بعد أن كانت ولايات تابعة للسلطنة العثمانية . غير أن تغيرات جذرية وجوهرية طرأت على هذا النظام ، فسقطت “خطيئة” الآباء المؤسسين بمرور الزمن ، ولم يتبرّأ جيل الأبناء منها لكنه راح يصنع خطاياه هو . غير أن المناضلين في الألفية الثالثة لم يبدلوا شعاراتهم ولا اساليب نضالهم ولا برامجهم ، بل ظلوا حيث كان أجدادهم ، متمسكين بخطابهم “الخشبي” ضد الغرب الاستعماري وأعوانه من الرجعية العربية ، مع أن الحدود ضاعت ، بسقوط الاتحاد السوفياتي ، بين تقدمي ورجعي ، ويميني ويساري ، ولم تعد تنطلي على أي متنور عربي أوهام النضال القومي الرسمي ضد الصهيونية ، ولا مزاعم العداء الرسمي للرأسمالية والنظام الغربي .
رابعا : سقطت المشاريع التي حملت عناوين الوحدة : الوحدة العربية هي الحل ، الوحدة الاسلامية هي الحل ، الوحدة الاشتراكية ( الأممية ) هي الحل . سقطت بالتحديد لأنها وضعت أسسا نظرية وسياسية للاستبداد ، وطبقتها برعاية أنظمة الحزب الواحد وسطوة الأجهزة الأمنية والمخابراتية فألغت الرأي الآخر بالقتل أو النفي أو السجن ، وحقنت معنى السيادة بمضمون جديد فحواه استخدام أسلحة دمار شامل ضد كل رأي مختلف ، كان آخرها الاسلحة الكيماوية التي ، ليس من الصدف أن يكون الحزب ذاته بفرعيه العراقي والسوري قد استخدمه كل ضد شعبه .
خامسا : قاسم مشترك بين هذه مشاريع الأصوليات الثلاث هذه ، هو العداء للغرب ، باعتباره ممثلا للامبريالية (اليسار الاشتراكي) أو لقوى استعمارية ( اليسار القومي) أو للالحاد والغرب المسيحي ( الاسلام السياسي). لم تتعلم هذه الأصوليات من دروس التاريخ أن هذه المصطلحات هي مما عفا عليها الزمن ، وأن مجاراة العصر باتت تتطلب علوما جديدة غير الطيور الأبابيل والشتائم والعنتريات والقيم البدوية ، وسياسات جديدة تلزم أصحابها بالانخراط في مسيرة تطور القرية الكونية التي هي الكرة الأرضية ، لأنه لا الانعزال عن العالم كما فعل الاتحاد السوفياتي أو الصين هو السبيل إلى اللحاق بحضارة العصر ، ولا محاربة العالم كما تفعل الاصولية الاسلامية ، هي السبيل إلى الدخول في النهضة ، ولا مجافاة الديمقراطية ، حتى المدعومة من الغرب “الرأسمالي الامبريالي والممولة من نفط الخليج ، هي السبيل إلى بناء الأوطان الحديثة وتحقيق الأمن والسلام الداخلي في كل وطن .
حل واحد ينقذ أوطاننا من أزماتها ، يبدأ الحل بتغيير مضمون السؤال ، إذ ليس هناك من فارق بين استبداد غربي استعماري واستبداد قومي ومحلي ، بل ربما صح في ذلك قول الشاعر ” وظلم ذوي القربى أشد مضاضة ” . الحل بقيام الدولة الوطنية ، دولة القانون والمؤسسات ، الدولة التي ليس معنى السيادة فيها سوى سيادة القانون ، الدولة التي تناهض الاستبداد من أي جهة أتى من الشرق أو من الغرب ، الدولة التي يعيش فيها المواطنون تحت سقف القانون ، ويجسدها نظام يعمل لمصلحة شعبه لا لمصالح دول أخرى قريبة أو بعيدة . السؤال مع من نكون ، مع النظام السوري أم مع أميركا سؤال مغلوط . السؤال الصحيح هو كيف نبني دولة القانون والمؤسسات والعدالة والحرية والمساواة أمام القانون . دولة الفصل بين السلطات والكفاءة وتكافؤ الفرص . تلك هي الدولة الديمقراطية . نعم الديمقراطية هي الحل.
وحش المصالح الأميركية/ دلال البزري
تأتي كلمة “المصالح الاميركية” في لغة كارهيها على صورة إله الشر… عملاق، محمّل بالنيران والإنفجارات. تقاليد “الممانعة” نحتتها، هذه الكلمة، على أوجه من التكرار لا تُنافَس. صارت للكلمة جذور، وأجيالها، كلها، نشأت على قشعريرة وهوية وغضب… من هذه “المصالح…”. هكذا هم محبو كراهية اميركا. وسموا “المصالح…” بأبشع الصور، كلما “اكتشفوا” بأنها تقف خلف مواقف أميركا من قضايانا.. كأن “المصالح” ورم، مرض، وباء، لا يعرف غيرهم سرّ “مقاومته”… وغير منتشر إلا في أميركا. وما يضيف الى شر هذه “المصالح” شراً، ان صاحبتها دولة امبريالية، أي انها، بمواردها وقوتها، وما الى هناك من مقومات الامبريالية، هي صاحبة الدور الأول في العالم… أو كانت كذلك.
والأهم، ان كل الذين ينشدون بأمجادهم الماضية، درءا لخفوت حماستهم ضد الامبريالية، من عرب وأتراك وإيرانيين ومصريين، كانوا، بمقاييس زمانهم، إمبريالين أيضا. وهم لا يحلمون بأقل من أن يعودوا كما كانوا…. إمبرياليين. بل عندما تأتيهم الفرصة، يتصرفون كإمبرياليين…. ولكن هذا موضوع آخر.
لذلك فان كلمة “مصالح” هذه يجب ان تعاد لها كرامتها، أي معناها. من ليس له “مصالح” يدافع عنها في سوريا بعد أميركا؟ إيران؟ روسيا؟ تركيا؟ دول الخليج؟ اسرائيل؟ دول “البريكس”؟ هل يحتاج الأمر الى تفصيل؟ هل يحتاج الأمر الى تفكير ثانية واحدة؟ طبعاً يدافعون عن مصالحهم! تصور كل هذه التحركات والمناورات والاستعدادات، كل هذه الأموال التي يغدقونها…. من أجل مصلحتي أو مصلحتك، الشخصية أو العامة؟ انهم مثل الاميركيين، ولكن على قدر أقل من القوة، مدفوعين بديناميكية مصالحهم فحسب؛ مجالهم أو موقعهم أو علاقاتهم أو حصتهم أو حتى ما قد يسمونه “حقهم” في الكعكة التي سوف يكون عليها سوريا ولبنان، والمنطقة كلها، بعد بشار. كل هؤلاء لهم مصلحة، إلا نحن. أين مصلحتنا؟ هل بوسعنا الإجابة على هذا السؤال من دون التوغل في التاريخ السحيق، الذي سوف نختلف عليه، في سجال حول “من نكون؟”، أولاً، قبل أن نشرع الى بناء مصالحنا وتصور كيفية الدفاع عنها؟
وفي هذه الأثناء، لنتكلم قليلا عن “مصلحة” أميركا بالـ”ضربة” على سوريا. هل تملي المصلحة الأميركية حقاً أن تخوض هذه الحرب؟ كلا ونعم. كلا لأن التوجه الاستراتيجي الاميركي لم يعد ساعياً الى التفرد في الشرق الاوسط، ولا “التآمر” لغزوها…الخ. أميركا الآن منكبة على غسل آثار حربين خاسرتين، وعلى الخروج من أزمة اقتصادية، وعلى مراقبة تصاعد الهيمنة الصينية في بحار شمال جنوب آسيا. لم تعد على قدراتها الماضية، الساحقة.
ونعم، تخدم مصلحتها؛ لأن المجزرة الكيماوية تحدّت هيبتها المتبقية، “خطها الأحمر”؛ ولأن هذه الهيبة متبقية، أي ان مستقبلها وراءها، كانت الضربة الكيماوية في صميم النرجسية الاميركية التي بدأت تطالها الجروح. ولأن الحرب هذه، أفضل ساحة ضد النووي الإيراني. وعندما تقول بأنها سوف تضرب بسبب قلبها الكبير الذي لا يتحمل عذاباتنا، فهي هنا، تكذب كذبا نسبياً.
“الممانعون” يدركون هذه السمات، يعرفون ان أميركا الى أفول. وهم لهذه الأسباب بالذات يسدّدون “ضرباتهم” ضدها. مصلحتهم “الاستراتيجية” تقتضي تنشيط الكراهية المطلقة لأميركا، الغارقة في ذنوب الدفاع عن “مصالحها”؛ آلتهم الاعلإمية تعمل بلا هوادة على تصوير بعبع الاميركي القديم، وهجماته ومشاريعه الجهنمية كلها… دفاعا عن “مصالحه”. كيف ترن “المصالح الاستراتيجية الاميركية” في الأذن؟ مثل السحر… وهنا يكذبون. كذبا مطلقاً، فلا رقيب ولا حسيب على هذا الحب الجبار لكراهية أميركا.
شيء آخر لا يريد “الممانعون” معرفته: إن أولوية أميركا الآن هي الصين. تريد ان تمدّ السنوات المفضية الى تحوّل الصين الى أقوى دولة في العالم. فيما أولوية “الممانعين” هي “محاربة الإمبريالية الأميركية”.
وغداً لناظره قريب، عندما ستقفز الامبريالية الصينية الجديدة على خشبة مسارحنا، كيف سيتصرف “الممانعون”؟ يغضون النظر؟ “يتفاجأون”؟ “يكرهون”؟ “يحبون”؟ من دون الالتفات لحظة واحدة الى “مصلحتهم”؟ فيما هم من الشعوب “المصلحجية”….؟ ولا يرضون من اميركا إلا إذا دافعت عن مصالحهم، وتجنّبت الدفاع عن مصالحها؟
ولكن، أيضاً، ما هي هذه المصالح؟
المدن
لا حرب عالمية ثالثة… ولا تسوية بعد ضرب الأسد!/ جورج سمعان
مطلع العقد التاسع من القرن الماضي أطلق العراق أزمة دولية كانت واحدة من أبرز تداعيات انهيار النظام العالمي. وفتح التحالف الدولي الواسع الذي قادته الولايات المتحدة لإخراج جيش صدام حسين من الكويت، الباب واسعاً أمام قيام نظام بديل بشرت به إدارة الرئيس جورج بوش الأب. وكان لانهيار الكتلة الشرقية صدى وارتدادات على صورة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وأميركا اللاتينية و «الفلك السوفياتي» برمته… لكن الشرق الأوسط ظل على حاله. فلا التسوية التي انطلقت من مدريد وصلت إلى نهايتها «السعيدة». ولا العالم العربي وجامعته ودوله تجاوزت الشروخ التي أصابتها بعد غزو الكويت فخطت خطوة إلى أمام. وعندما وصل جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض مطلع الألفية الثالثة بدا عازفاً عن شؤون الشرق. غسل يديه علناً استعداداً لمرحلة انكفاء وانعزال داخلي. وأقفل الباب الذي فتحه سلفه بيل كلينتون في وجه الوفود الفلسطينية والإسرائيلية. لكن «غزوتي نيويورك وواشنطن» دفعتاه إلى حروب تقول إدارة الرئيس باراك أوباما أنها لا تزال إلى اليوم تعاني من آثارها وتداوي جروحها.
طلع هذا العقد هبت العاصفة على العالم العربي. قيل ويقال إلى اليوم إنه «الربيع العربي» الذي تأخر عقدين. لكنه توقف في سورية التي – كما العراق – باتت تشكل اليوم إحدى أبرز معضلات النظام العالمي الذي لا يزال يتلمس طريقه. كأنها ستشكل منطلقاً إلى النظام الجديد. كان الرئيس أوباما يؤكد منذ وصوله إلى البيت الأبيض حرصه على إعادة الشراكة مع الكبار. وعلى التعاون الدولي عبر المؤسسات الدولية. وكرر أكثر من مرة، بعد اعترافه بالعجز عن تحريك التسوية في الشرق الأوسط، أن سلم أولوياته انتقل إلى المحيط الهادئ. لكن الأزمة السورية أعادته إلى المنطقة وطرحت أمامه أكبر تحدٍّ يواجهه منذ توليه السلطة. ولم تنفعه سياسة «النأي بالنفس» التي التزمها طوال سنتين ونصف السنة.
تبدلت ظروف كثيرة، إقليمياً ودولياً، بين أزمة العراق التي لم تنتهِ فصولاً إلى اليوم وأزمة سورية. لم يسبق أن انقسم العالم مثل هذا الانقسام. لم يسبق أن شهدت أزمة مثل هذا الاستقطاب. تحولت سجالاً يومياً في برلمانات الغرب. والقول إنها تشكل مأزقاً أو تحدياً للولايات المتحدة وحدها، أو إنها امتحان لصدقيتها ومدى قدرتها على رفع هذا التحدي، تعوزه الدقة. إنها أيضاً امتحان لصدقية خصومها، خصوصاً روسيا وإيران، وقدرتهم على رفع التحدي والرد. والتردد الذي صبغ حتى الآن مواقف واشنطن وشركائها الأوروبيين يقابله ارتباك وعدم يقين في صفوف الطرف الآخر. لم يكن الأمر كذلك قبل 21 آب (أغسطس) الماضي. محافظة أطراف الصراع السوريين على «قواعد الحرب» أعفت اللاعبين في الخارج من التدخل، على رغم دموية هذه الحرب وفعلها التدميري. كان الانتظار يناسبهم حتى يتعب المتقاتلون فتنضج ظروف التسوية السياسية. لم يبد أحد منهم رغبة في التدخل المباشر… لكن دخول السلاح الكيماوي شكل خروجاً على هذه القواعد… فكان لا بد من التدخل في مسرح العمليات. هكذا، دُفع جميع اللاعبين إلى طاولة بوكر الخداع فيها سيد اللعبة!
انتظر العالم طويلاً تحقيق اختراق في الأزمة السورية يدفع باتجاه إبرام تسوية سياسية مقبولة. راهن اللاعبون الإقليميون والدوليون على ميزان القوى الذي لم يتوقف عن الاهتزاز طوال سنتين ونصف السنة من بدء المواجهات. وبات هؤلاء اللاعبون أمام تحدٍّ حقيقي: كيف يؤكد كل طرف صدقيته وقدرته على رفع التحدي في ميزان قوى جديد يترجمه تفاهم على عناصر التسوية المطلوبة لوقف الحرب؟ أليس الخلاف بين الكبار على أهداف «جنيف – 2» هو المسؤول أيضاً عن تأخير انعقاد هذا اللقاء المؤجل؟ فلا تفاهم بينهم على خطوات لوقف الحرب، ولا لقاء على عناوين الحل. بل يبدو واضحاً عجزهم عن ممارسة ضغوط على الطرفين المتحاربين. وينم هذا ربما عن خريطة جديدة لموازين القوى الدولية التي لا يقتصر حسابها على القدرة العسكرية فحسب، بل يطول الاقتصاد وشبكة العلاقات الإقليمية والدولية. أو يعبر في أحسن الأحوال عن ثقة مفقودة بينهم، وتباعد تجلى في كثير من الملفات.
كان السؤال دائماً ماذا بعد اليوم الثاني لرحيل نظام الرئيس بشار الأسد. بات السؤال اليوم ماذا بعد الضربة العسكرية المحدودة لهذا النظام. ويخشى ألا تصيب حسابات الذين يعولون على تحريك التسوية بعد الضربة المتوقعة. رفضت المعارضة في الأشهر الماضية التوجه إلى «جنيف – 2» قبل أن تعيد التوازن إلى مسرح العمليات، بعد خسارتها مدينة القصير، وبعد التراجع الذي أصابها في حمص وأماكن ومدن أخرى. فهل يضمن الذين سيتوجهون إلى التدخل من أجل «معاقبة الأسد وتقويض قدرته على استخدام أسلحة الإبادة» أن الرئيس السوري سينصاع، خصوصاً إذا منحت الضربة خصومه بعض الزخم لتحقيق تقدم على الأرض؟ ما الذي يجعل المتفائلين يتوقعون ألا يفوت الفرصة هذه المرة لإبرام تسوية تلبي في النهاية شروط المعارضة وسعيها إلى رحيل النظام؟ قياساً على مجريات الحرب الدائرة ثمة أمالاً ضئيلة بأن يجلس النظام إلى الطاولة تحت وقع الصفعة. بل ماذا لو «ابتلعها»، كما كان يفعل بعد كل ضربة إسرائيلية، وواصل القتال؟
الضربة المتوقعة لن تنهي الحرب في سورية إذاً. هذا ما تقوله واشنطن وشركاؤها علناً. تبقى الأولوية للحل السياسي الذي قد يحركه هذا التدخل المحدود والمدروس. لكن هذا يظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً. لذلك، عزا بعض الدوائر السياسية في واشنطن لجوء أوباما إلى تفويض من الكونغرس إلى الخوف من تداعيات الضربة وخروجها على الحسابات والتوقعات. وهو بسعيه إلى الدعم الداخلي والأوروبي إنما يسعى في خطوة احترازية إلى من يشاركه مستقبلاً في تحمل المسؤولية عن ارتدادات هذا التدخل على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. بل ربما فرضت عليه هذه التداعيات مزيداً من التدخل والانخراط في الحرب وما قد تولده من دينامية غير محسوبة.
الضربة يرى إليها كثيرون واقعة لا محالة، إذ لا يمكن واشنطن أن تتهاون حيال صدقيتها، وتهديد أمنها القومي وأمن حلفائها ودول الجوار السوري، وحيال مسؤولياتها الدولية. ولا يمكن أن تسجل تراجعاً أمام روسيا وإيران سينظر إليه العالم انتصاراً لهما. ولكن، في المقابل لا يمكن التعامي عن الدور الذي يمكن أن يؤديه حلفاء دمشق. لن يصل الأمر إلى مواجهة مباشرة بين أميركا وروسيا، أو بينها وبين إيران. ولن تقود إلى حرب عالمية ثالثة، كما يتوعد المسؤولون السوريون. لم يحدث حتى في تاريخ الحرب الباردة أن انخرط «الجباران» في مواجهة مباشرة. ويستحيل أن يدخلا في نزاع مباشر اليوم. ما يربط بين واشنطن وموسكو من شبكة مصالح وعلاقات يحول دون مثل هذه المغامرة من أجل حماية النظام في دمشق. وواضح أن المسؤولين الروس أكدوا منذ اليوم الأول أنهم لن يتدخلوا. ومثلهم فعل مسؤولون إيرانيون رفضوا مقولة مسؤولين سوريين أن الحرب على دمشق هي حرب على الجمهورية الإسلامية بالضرورة. فالجغرافيا لا تساعد الجمهورية الإسلامية. لا يمكنها ببساطة، أياً كانت علاقاتها مع العراق، أن تقفز فوق الحدود لتزج بنفسها في مواجهة لا تريدها. وهي أعقل من أن تغامر في تحريك مياه الخليج ونفطه لأن في ذلك إشعالاً لحرب لن تخرج منها سليمة مهما بالغت في تقدير امكاناتها.
لا يعني ذلك أن حلفاءها سيكتفون بالرهان على الرأي العام الغربي وبرلماناته، وعلى الانشقاق الذي يصيب الاتحاد الأوروبي والداخل الأميركي. وإذا كانت هناك حسابات خاصة ومختلفة لروسيا قد لا تتجاوز مد النظام السوري بمزيد من الأسلحة، فإن إيران التي تسمع كل يوم أن الضربة ستشكل رسالة واضحة إليها إذا تجاوزت «الخط الأحمر» في ملفها النووي ستكون لها حسابات خاصة وسبل أخرى للتدخل. صحيح أنها لن تواجه القوة الصاروخية الأميركية، لكن امتداد أذرعتها من العراق إلى لبنان، مروراً بكثير من النواحي والأمكنة الأخرى قد لا يسمح باستثمار الضربة عسكرياً أو سياسياً بالسهولة التي يأملها الأميركيون وشركاؤهم.
لقد تعاونت إيران مع الولايات المتحدة وسهلت لها ما أمكنها في حربي أفغانستان والعراق، وأفادت منهما. لكن سورية تشكل عنصراً أساسياً في استراتيجية أمنها القومي. ولا يمكن تالياً أن يراهن المعولون على الضربة على أن طهران ستبقى مكتوفة حيال احتمال تقويض هذا الجسر الذي يربطها بحدود إسرائيل، ويوفر لها سنداً للعراق الذي بدأت تهتز محافظاته ومدنه يومياً على وقع السيارات المفخخة! يعني ضرب سورية كسر هذا «الهلال» الذي جاهدت طويلاً لبنائه. فكيف ستتصرف عبر أذرعها التي تقاتل من زمن إلى جانب النظام؟ هل تجازف سلفاً بمستقبل المفاوضات التي تستعد لها الحكومة الجديدة للرئيس حسن روحاني في الملف النووي؟ خيط رفيع يفصل بين الأمل بأن تدفع نار الضربة الجميع إلى تسوية في سورية تفتح أبواب صفقة كبرى طال انتظارها، والخوف من أن تؤدي إلى مزيد من الاقتتال بين نظام الأسد وخصومه… استمرار الحرب لا يريح الراغبين في استنزاف قدرات سورية وانهاك القوى المتطرفة الشيعية والسنّية التي يدرجها الغرب في «لائحة الإرهاب» فحسب، بل يوفر على المتسابقين على غاز المتوسط الانـشـغال بـهموم التفاهم مع تركيا وسورية ولبنان المنشغلة بالحرب في ظهرانيها.
الحياة
سوريا.. إنها اللحظات الأخيرة الحاسمة!/طارق الحميد
كل ما شهدناه، ونشهده، في الـ24 ساعة الأخيرة، والقادمة، يعني أننا أمام اللحظات الأخيرة الحاسمة في الأزمة السورية، حيث سيتضح مدى جدية المجتمع الدولي تجاه سوريا، من عدمه، وأي طريق ستسير به المنطقة حال حدثت الضربة العسكرية ضد الأسد، أو لم تحدث بحال صوت الكونغرس الأميركي ضدها.
نقول اللحظات الأخيرة الحاسمة لأننا سنعرف إذا ما كان المجتمع الدولي ملتزم حقيقيا تجاه أمن المنطقة، أو لا، ففي حال تم اتخاذ قرار بتوجيه الضربة العسكرية فإن الرسالة ستكون واضحة للجميع بالمنطقة، وتحديدا إيران وحلفائها، بأن المجتمع الدولي جاد ضد استخدام الأسلحة الكيماوية، وأن مرتكبها لن يفلت من العقوبة، وأن القتل لا يمكن أن يكون جزءا من العملية السياسية، أو من ضمن أدوات البقاء في الحكم، أو بسط النفوذ، كما تعود الأسد وحلفاؤه مطولا. أما بحال صوت الكونغرس ضد الضربة فهذا يعني ببساطة أن القتل سيكون العامل الأساسي في فرض قواعد «اللعبة» بمنطقتنا التي عليها أن تستعد لموجة جديدة، وقاسية، من الإرهاب، وعكس ما قاله الأسد في مقابلته التلفزيونية مع الإعلامي الأميركي تشارلي روز، حيث يقول الأسد، إن ضرب سوريا سيؤجج الإرهاب، والحقيقة أن عدم ضربه، وإيقاف آلة قتله، هو ما سيؤجج الإرهاب، كما هو حاصل بسوريا اليوم، حيث علينا أن نتذكر بأنه منذ بدء الثورة لم يكن هناك وجود لإرهابيين، أو أصوليين، واليوم وبعد أكثر من عامين، ومع وقوع ما يزيد على مائة ألف قتيل سوري على يد قوات الأسد فإن الإرهاب، والأصولية، موجودان بالطبع، وسيزداد الأمر سوءا طالما تهاون المجتمع الدولي مع جرائم الأسد، وآخرها استخدام الكيماوي، وهو ما من شأنه أن يغذي الطائفية، والإرهاب بشكل عام.
وعليه فإننا أمام اللحظات الأخيرة الحاسمة ليس لمعرفة ما إذا كانت الضربة ستقع أم لا؟ وإنما لنعرف أي مستقبل ينتظر هذه المنطقة، ولذا نرى الأسد والروس ينتفضان إعلاميا، وسياسيا، متوجهين للرأي العام الأميركي لمحاولة إقناعه بعدم السماح للرئيس أوباما بقيادة تحالف دولي لتوجيه ضربة عسكرية ضد الأسد، بينما يطوف وزير الخارجية الأميركي العواصم الأوروبية المؤثرة لحشد مزيد من التأييد الدولي لتلك الضربة، ومعه نخبة من المسؤولين العرب المؤثرين، فالجميع يعي تماما أننا أمام لحظات حاسمة سيكون لها تأثير على أمن المنطقة، والتحالفات الدولية فيها، والتي هي ضحية ضعف سياسي غير مسبوق تسببت فيه إدارة أوباما الذي يسابق الوقت أيضا لإقناع مواطنيه من خلال سلسلة من المقابلات التلفزيونية، وخلافها، بجدوى التدخل العسكري الآن بعد أن حاول أوباما مطولا التهرب من الأزمة السورية، التي باتت تطارده، وقد تطارده حتى بعد انتهاء فترته كأضعف رئيس أميركي سياسيا، مثل ما كتب التاريخ الآن أن بشار الأسد هو أكبر طاغية عرفته منطقتنا.
لذلك نحن أمام اللحظات الأخيرة الحاسمة لنعرف إلى أين ستتجه هذه المنطقة المنكوبة أصلا؟
الشرق الأوسط
المنقذ من الاستبداد/ مصطفى زين
اعترف الرئيس باراك أوباما بانقسام كبير وحاد، داخل أميركا وخارجها، حول الهجوم على سورية. لكنه امتنع عن الجزم بالمضي في خطة ضرب دمشق أو التراجع إذا عارض الكونغرس. توصل إلى هذه الخلاصة بعدما حصل على تفويض لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بغالبية بسيطة، إذ صوت عشرة مع الخطة وسبعة ضدها وامتنع سيناتور عن التصويت. والنتيجة ذاتها كانت في قمة العشرين، إذ لم يستطع إقناع كثيرين من حلفائه بخطته، فضلاً عن دول «بريكس» التي تمسكت بمعارضة أي هجوم على دمشق.
لكن اعترافه لم يمنع زعماء دول، كبيرة وصغيرة، من الإعراب عن حماستهم للحرب، من دون أن يستشيروا برلماناتهم فهم ينتظرون قرار الكونغرس، كأن شعوبهم انتخبت أعضاءه. من هؤلاء الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي ناقش المسألة في الجمعية الوطنية (البرلمان) ولم يطرحها على التصويت، فهو يرى أن ضرب دمشق فرصة لمزيد من التقارب مع واشنطن. قال ريجيس دوبريه أن هولاند ينتقم من بريطانيا التي شاركت في الحرب على العراق وحصلت على امتيازات في هذا البلد بينما فرنسا التي وقفت ضد الحرب خرجت خالية الوفاض، وأضاف الكاتب الشهير أن الرئيس اليميني نيكولا ساركوزي صحح علاقات باريس مع واشنطن، ويتوهم الرئيس الاشتراكي أن الوقت حان ليقطف ثمار ما زرعه سلفه، غير عابئ بالرأي العام، وبالخيبات المتكررة في ليبيا ومالي.
الحماسة للحرب لا تقتصر على أوباما وهولاند والسياسيين. في أميركا، والعالم العربي، كتاب أشد حماسة، فالولايات المتحدة، في نظرهم، هي الوحيدة القادرة على قيادة العالم وفرض قيمها الأخلاقية، انطلاقاً من تاريخها في هذا المجال منذ تأسيسها، ومنذ قصف هيروشيما بالقنابل النووية… ويعدد هؤلاء أسباب تفردها في فرض القانون على الأشرار بالقوة. ومنها أن أوروبا ذات القيم المماثلة لقيمها غير قادرة مالياً وعسكرياً على الاضطلاع بالمهمة الإنسانية، القارة القديمة ليست أكثر من متحف للأسلحة التقليدية. والعرب منقسمون، فضلاً عن ضعفهم العسكري الذي لا يعوضه المال، أما جامعتهم فمشلولة، وغير قادرة على أكثر من اتخاذ قرارات قد تشكل غطاء سياسياً للهجوم، وواشنطن ليست في حاجة إلى هذا الغطاء، طالما أن حملتها ستطاول الشر في دمشق وإيران و «حزب الله». القضاء على هذا التحالف، أو إضعافه على أقل تقدير، لن يتم إلا بعد ضرب سورية التي تشكل واسطة العقد.
ينطلق هؤلاء الكتاب وزملاؤهم العرب، وغير العرب، مما يعتبرونه مسلمات غير قابلة للنقاش. المسلمة الأولى أن الولايات المتحدة أكبر الديموقراطيات وأكثرها قوة. على عاتقها تقع إدارة هذا العالم. إذا اتخذت قراراً على الجميع تنفيذه من دون نقاش. وعليهم الإقرار بأخلاقيتها ومشروعيتها. إذا انطلقت في الحرب من أجل مصالحها على الجميع الإقرار بهذه المصالح حتى لو تعارضت مع مصالحهم، وعلى حساب شعوبهم. على الفلسطينيين، مثلاً، الإقرار بحق إسرائيل في أرضهم. والرضوخ لإرادة الدولة العبرية وإلا غضبت واشنطن عليهم. ولا حدود لهذا الغضب وما يترتب عليه، من اغتيال زعمائهم إلى تزويد عدوهم المزيد من السلاح، إلى وضعهم على القائمة السوداء ومنعهم من التحرك في وطنهم وخارجه. أما أطفالهم المشردون ولاجئوهم فتتكفل الأمم المتحدة ببقائهم على قيد الحياة، في مخيمات ماتت فيها أجيال وولدت أخرى. وممنوع على المنظمة الدولية توجيه لوم إلى الذين شردوهم من بلادهم.
أميركا الآن هي الشرطي والقاضي والمدعي العام في العالم. هي ديموقراطية في الداخل وتمارس أبشع أنواع الديكتاتورية في الخارج.
الكتاب الأميركيون، عدا المنبوذين منهم، لا يرون سوى الديموقراطية في بلادهم. قمع الآخرين وشن الحروب عليهم وتنصيب زعمائهم يخدم مصالحهم ويعزز ديموقراطيتهم. وهناك دول، في الشرق وفي الغرب، تنتظر قرار هذه الديموقراطية لتخلصها من الأشرار.
مرة أخرى هي معادلة الاحتلال المنقذ من الاستبداد، وقد أثبت التاريخ خطأها.
الحياة
الهدف أميركي لا سوري…/حميد الكفائي *
الضربة الأميركية لسورية، والتي كثر الحديث عنها منذ جريمة الغوطة في دمشق، تهدف إلى تحقيق أهداف أميركية بحتة وليست سورية. فالولايات المتحدة لا تزال القوة العظمى الوحيدة في العالم، وهي تشعر أن عليها مسؤولية دولية وأخلاقية لمعاقبة مستخدمي السلاح الكيماوي المحرم دولياً. فإن سكتت عن جريمة كبرى كتلك التي راح ضحيتها أكثر من ألف سوري بريء، فإن هيبتها الدولية ستهتز في نظر العالم، بينما الطرف المرتكب لهذه الجريمة الشنعاء، لن يتردد مستقبلاً في استخدم السلاح الكيماوي أو أي سلاح فتاك آخر، ضد المدنيين، وهذا الذي يقلق العالم اليوم.
إن لم تكن هناك عقوبة، فالأطراف المتحاربة في العالم، خصوصاً في عالمنا العربي، ستلجأ إلى استخدام هذا السلاح الفتاك (المعروف بسلاح الجبناء) ضد الخصوم. لذلك ترى الولايات المتحدة أن الرد على استخدامه ضرورة قومية أميركية بالإضافة إلى كونه واجباً أخلاقياً يقع عليها كدولة عظمى.
مبررات الضربة العسكرية لسورية، إذاً، لا تضع في حساباتها الشعب السوري أو احتمالات تأزم الوضع في المنطقة، بل تنطلق من حسابات أميركية فحسب وليس انتصاراً للشعب السوري الذي تعرض لأبشع الجرائم خلال العامين المنصرمين، من جانبي الصراع الذي اختلطت فيه الدوافع الوطنية بالطائفية والسياسية.
لكن المشكلة في الضربة الأميركية أنها حددت مسبقاً الطرف المستخدم للسلاح الكيماوي وهو النظام السوري، معتمدة على تقارير استخباراتية أميركية وإسرائيلية. لكن كارلا ديبونتي، رئيسة المفوضية المستقلة للتحقيق في سورية، اتهمت الجماعات المسلحة باستخدام أسلحة كيماوية في منطقة خان العسل، إلا أن اتهاماتها لم تؤخذ على محمل الجد في بلدان العالم الديموقراطي.
الغربيون لم يبدوا أي جدية بمسألة الإطاحة بالنظام السوري منذ اندلاع الأزمة السورية قبل ثلاثين شهراً، وإلا كانوا قد أسقطوه كما فعلوا في ليبيا. ترددهم له أسبابه وأولها رفض شعوبهم التدخل في شؤون البلدان الأخرى في ضوء تجربة العراق وأفغانستان اللتين كلفتا الولايات المتحدة وحلفاءها ثمناً باهظاً من دون الشعور بتحقيق أي إنجاز.
أما السبب الآخر فهو الدعم السياسي والمالي والعسكري غير المحدود الذي يتلقاه النظام السوري من كل من روسيا والصين وإيران، والذي مكّنه من الصمود بل الانتصار على خصومه. ولا بد من القول إن النظام ما كان ليصمد أو ينتصر لولا التأييد الذي يحظى به داخل سورية من الجيش وقطاعات أخرى من الشعب المرعوب من البديل. لقد أكد فريق التفتيش الدولي عن الأسلحة الكيماوية أن السلاح الكيماوي قد استخدم فعلاً في الغوطة، لكنه لم يشِر إلى الطرف الذي استخدمه. النظام السوري ينكر استخدامه أصلاً بينما تدّعي قوى المعارضة أنها لا تمتلك القدرة على استخدامه حتى لو امتلكته. الدول الغربية تبدو متأكدة من أن النظام هو الذي استخدم هذا السلاح وأشارت إلى أن لديها معلومات استخبارية في هذا الصدد. إسرائيل قالت إن لديها تسجيلات لمسؤولين سوريين وهم يأمرون باستخدامه، إلا أنها لم تبرز تلك التسجيلات كي يطلع عليها الرأي العام العالمي مما يطعن في صدقيتها. الروس يقولون إن لديهم أدلة على استخدام جماعات المعارضة السلاح الكيماوي في الغوطة.
المشهد معقد ومرتبك، إذاً، لكن المستفيد سياسياً من استخدامه هو بالتأكيد ليس النظام السوري بل خصومه، فهل يا ترى من الممكن أنهم استخدموه بهدف إلقاء اللوم على النظام السوري وإحراجه دولياً؟ إن جزءاً من المعارضة قد انشق عن الجيش السوري النظامي وهو قادر على استخدام هذا السلاح إن امتلكه.
هل لجأ النظام السوري إلى استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين السوريين الآمنين في وقت تتسلط فيه أنظار العالم كله عليه ويوجد على أراضيه مفتشو الأسلحة الدوليون؟ إن هذا لا يقل عن الإقدام على الانتحار لأن النظام سيقدم بذلك الدليل القاطع إلى العالم بأنه كنظام صدام حسين في العراق ويستحق الإطاحة بالقوة العسكرية.
المنطق العقلاني لا ينطبق دائماً على سلوك الأنظمة الديكتاتورية التي لا تقيم وزناً لحياة الإنسان أو القوانين الدولية. فقد أقدم نظام صدام حسين في آذار (مارس) ١٩٨٨ على استخدام الأسلحة الكيماوية ضد سكان مدينة حلبجة الكردية متسبباً بمجزرة بشرية بشعة راح ضحيتها خمسة آلاف بريء وقد سكت عنه العالم آنذاك. لكن عالم الأمس ليس كعالم اليوم، إذ كانت تتحكم به دولتان عظميان مقارنة بواحدة الآن.
لقد لمّح النظام السوري في العام الماضي إلى أنه ربما يستخدم الأسلحة الكيماوية في حالات معينة، وجاء هذا التلميح على لسان الناطق الرسمي، جهاد مقدسي، الذي هرب لاحقاً بعدما ادرك أن النظام السوري آيل إلى السقوط. وكان التلميح لإخافة المعارضين والإيحاء بأن النظام سيدافع عن نفسه عبر الوسائل المتاحة لديه وأن لا حياة في سورية بعده، وهذا بالضبط ما فعله نظام صدام حسين وفق منطق «أنا ومن بعدي الطوفان».
إن ما عقّد المشهد السوري ودفع كثيرين من السوريين، خصوصاً من العلمانيين والقوميين والبعثيين والطوائف الدينية الأخرى، إلى الوقوف مع النظام، هو وجود الجماعات الجهادية المتطرفة التي بدأت ترتكب ابشع الجرائم بحق الناس العزّل في المناطق التي سيطرت عليها.
في مدن العراق تنفجر السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة في شكل يومي وتقتل وتجرح مئات الأبرياء، لكن الحياة لم تتوقف، ولن تتوقف، لأن هناك رفضاً واسعاً لهؤلاء الإرهابيين بين العراقيين، بتلاوينهم السياسية والدينية والقومية المختلفة، وإصراراً على المضي في طريق بناء الدولة وإرساء دعائم الاستقرار. لو كان هذا التصميم العراقي مقروناً بإرادة وتعاون دوليين وإقليميين على القضاء على الإرهاب لكان العراق قد تخلص منه كلياً منذ أمد بعيد.
الأمر نفسه ينطبق على سورية، فلو كانت هناك إرادة دولية وعربية موحدة للتخلص من الديكتاتورية والإرهاب لما استمرت الأزمة السورية طوال ثلاثين شهراً.
يجب معاقبة مستخدمي السلاح الكيماوي في الغوطة، ولكن قبل ذلك يجب التأكد من هوية مستخدميه بدلاً من ضرب أهداف عشوائية قد تؤدي إلى المزيد من الخسائر بين صفوف الأبرياء. من السهل على الغربيين إرسال طائراتهم لقصف مخزن للأسلحة هنا وجسر أو مطار هناك، خصوصاً إذا كانت من دون طيار، لكن المطلوب هو الانتصار للقوى الديموقراطية المدنية وعدم تمكين الجماعات المتطرفة من السيطرة على السلطة، لأن ذلك سيزيد الأزمة اشتعالاً ويوسع من مساحتها، ما يتسبب في المزيد من القتل والدمار ويهدد المصالح الغربية في المنطقة.
* كاتب عراقي
الحياة
اللااقتراح” الأميركي تلقّفه الروس المحرجون العصا الغليظة تطلق مسار التنازلات/ روزانا بومنصف
دخل الرئيس السوري بشار الاسد شخصياً على خط السباق الى الكونغرس الاميركي الذي كان بدأه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاسبوع الماضي وتزامناً مع انعقاد قمة العشرين في بيترسبيرغ حين اتهم وزير الخارجية الاميركي جون كيري بالكذب في شأن استخدام النظام السوري الاسلحة الكيميائية ضد شعبه في محاولة من روسيا للتأثير على الكونغرس من خلال تذكيره بتجربة الوزير السابق كولن باول في شأن اسلحة العراق للدمار الشامل. وسرعان ما عمد الاسد الى استخدام وسائل الاعلام الغربية الاميركية من أجل الوصول الى الكونغرس ومحاولة كسب المعركة فيه في وجه الرئيس باراك اوباما الذي طلب موافقة الكونغرس على ضربة عسكرية يوجهها ضد النظام السوري لاستخدامه اسلحة كيميائية كما من أجل محاولة الوصول الى الرأي العام الاميركي وتوظيفه مع الكونغرس ضد دعم الرئيس الاميركي. فأعلن عدم مسؤوليته عن قصف شعبه بالاسلحة الكيميائية فضلاً عن تذرعه بعدم وجود ادلة حول مسؤوليته من دون ان ينسى التهديد برد يقوم به حلفاؤه رداً على الضربة. كما عمد وزير الخارجية السوري وليد المعلم من موسكو الى محاولة تذكير الاميركيين بالاعتداء على مركزي التجارة العالمي في نيويورك من أجل اثارة خشية الكونغرس والرأي العام الاميركي من احتمال ان تصب الضربة العسكرية في مصلحة من قام بهذا الاعتداء كما قال. وبدا واضحاً المسعى الذي يرغب النظام السوري في ان ينقذ نفسه من ضمن النظام الديموقراطي الاميركي انطلاقاً من ادراك النظام واعلان ادارة الرئيس الاميركي وديبلوماسيته ان موافقة الكونغرس ليست مضمونة من الاساس. لكن النظام كشف في الوقت نفسه مخاوفه الكبيرة من موافقة الكونغرس على الضربة العسكرية المحدودة التي يعتزم اوباما توجيهها لمواقعه وسعيه تالياً الى محاولة اجهاض موافقة الكونغرس من خلال المسارعة الى الموافقة على “اللااقتراح” الاميركي وفقاً لنموذج “اللاورقة” التفاوضية التي كان يعمل عليها في الصراع العربي – الاسرائيلي والتي كان اعلنها الوزير كيري في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره البريطاني. لم يثر “اللااقتراح” الاميركي اهتماماً سياسياً او اعلامياً فورياً كبيراً كونه اتبع بتوضيح من الخارجية الاميركية بان ما اعلنه كيري كان رداً على سؤال وليس عرضاً لبشار الاسد علماً ان كيري نفسه قلل مفاعيله بإعرابه عن اعتقاده ان الاسد لن يعمل بهذا الاقتراح او الطلب. لكن سرعان ما تلقفه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ليصيغه طلباً من روسيا الى النظام السوري الذي لم يتأخر بدوره عن استجابته لمطلب وضع اسلحته الكيميائية تحت رقابة الامم المتحدة. وتقول مصادر معنية ان تلقف روسيا “اللااقتراح” الاميركي أوحى وكأن المسألة هي نتيجة مفاوضات بين الجانبين الاميركي والروسي خصوصاً ان روسيا لا ترغب في ان تتسبب الضربة العسكرية بانهيار النظام الذي لجأ وفق هذه المصادر الى استخدام السلاح الكيميائي في اطار عجزه عن السيطرة على منطقة تعتبر مفتاحاً على طريق الوصول الى العاصمة السورية في الوقت الذي شكلت المساهمة الروسية اعترافاً من روسيا بان استخدام السلاح الكيميائي قد حصل فعلاً وان النظام هو من قام بذلك وان روسيا استبقت اعلان تقرير لجنة المفتشين الدوليين الذي سيفيد باستخدام الاسلحة الكيميائية فتجنبت احراجاً لاحقاً والا لكان تمسك المسؤولون الروس بذرائعهم الرافضة للمنطق الاميركي. كما تجنبت روسيا احراجاً كبيراً يستند الى قرارها عدم نيتها مساعدة النظام عسكرياً او الدفاع عنه متى وجهت الولايات المتحدة ضربة عسكرية الى مواقعه، علماً ان الضربة الاميركية وفي حال كانت ستتسبب بانهيار النظام فانها ستؤدي الى خسارة روسيا مصالحها في سوريا ودورها في المنطقة لان التسوية كانت ستكون نتيجة التطورات على الارض.
في اي حال فان مجرد التهويل بالضربة العسكرية المحدودة وعرض الاساطيل في البحر اكسبت اوباما تنازلا اولياً مهما للنظام. اذ ان التلويح بالعصا الغليظة كان مفيداً ومثمراً في الوقت الذي لم او لن يضطر الى استخدامها فيما يحتفظ بكل الارادة والقدرة على القيام بذلك. وهذا أمر سيفيده اذا شاء متابعة مسعاه في الحصول على موافقة الكونغرس والرأي العام الاميركي من أجل تشديد مواقفه وتعزيزها في معركة تكريس هيبة اميركا من خلال توظيف ذلك في الحصول على تنازلات اضافية فعلية وجدية من النظام وحلفائه باعتبار ان مسارعة الرئيس السوري الى القبول بوضع اسلحته الكيميائية تحت اشراف دولي تندرج في اطار محاولته انقاذ رأسه مرحلياً ومن أجل كسب او شراء الوقت نظراً الى ان القرارات وتنفيذها في الامم المتحدة تحتاج الى وقت ولا تنفذ فوراً خصوصاً متى دخلت هذه القرارات دهاليز الصياغات والصياغات المضادة. اضف الى ذلك ان الحشد العسكري وفر له اداة مهمة لا يمكن اهدارها بل يجب توظيفها من أجل وقف الحرب في سوريا خصوصاً ان الاستعدادات مكتملة ولا يمكن حشد الاساطيل او حشد دعم من المجتمع الدولي في كل وقت من أجل الحصول على تنازلات.
ولا تخفي المصادر المعنية اعتقادها باحتمال ان توازي مفاعيل الضربة من دون حصولها اهمية حصولها مع استسلام النظام مسبقا للعصا الغليظة التي رفعت في وجهه واستكمال “تعرية” نفسه.
النهار
الأهـداف الثلاثـة للضربـة الأميركيـة علـى سوريـا/ وهـيـب مـعـلـوف
تكثر التحليلات بشأن الضربة الأميركية المرتقبة ضد النظام السوري على خلفية استخدام السلاح الكيماوي، و”فسحة” الوقت الطويلة نسبياً بين إعلان إدارة واشنطن نيّتها توجيه هذه الضربة، والوقت الحقيقي لحصولها، أتاحت للمراقبين والخبراء “إتخام” وسائل الإعلام بالتوقّعات لمسار الضربة وخططها المفترضة، وانطلق معظمهم في قراءاته من نوعية البوارج الأميركية التي باتت ترابط في البحر المتوسط، وطراز الأسلحة التي تحملها.
وفي غياب أي تصريح أو إعلان واضح من قبل الإدارة الأميركية حول الأهداف الأساسية التي تريد تحقيقها من العمل العسكري في سوريا، يمكن استخلاص ثلاثة من الأهداف المحتملة، بناءً على ما جرى حتى الساعة من نقاشات سياسية وعسكرية في الولايات المتحدة وتحديداً بين إدارة باراك أوباما والكونغرس.
الهدف الأول: ردع مزيد من الهجمات بالأسلحة الكيمياوية
لتحقيق ذلك، فإنّ أي موقع ذي قيمة جوهرية للنظام في إطار استخدام الأسلحة النوعية، كيماوية أو بالستية، سيكون هدفاً مؤكّداً للضربة العسكرية. ويشير أكثر من محلل عسكري أميركي إلى أن هذا النوع من الاستهداف سيجبر نظام بشار الأسد على أن يحتسب الكلفة المحتملة لأي استخدام مستقبلي للأسلحة الكيمياوية مقابل مقدّراته التي قد تدمر في حال حصل الرد.
ولتقليص قدرة النظام السوري على استعمال الاسلحة الكيمياوية وردعه عن ذلك، فإن ما يجب استهدافه، سيكون أياً من النظم العسكرية المتوافرة لدى النظام، مثل الطائرات والمدفعية والصواريخ ومركبات النقل البري. وبحسب المحلل العسكري في “مؤسسة دراسة الحرب” كريستوفر هارمر، فإن هناك ما يكفي من صواريخ الـ”توماهوك” للحط من قدرة النظام السوري على استخدام الاسلحة الكيمياوية ضد المدنيين، لكن ليس لإلغاء هذه القدرة. ويضيف هارمر أن التدمير الكامل لنظم التسليم التابعة للنظام “يتطلب التزاماً أكبر من صواريخ توماهوك وحدها”، أي “الحط الكبير من نظم الدفاع الجوي السوري أو تدميرها”. ويخلص المحلّل عينه إلى أنه ليس واضحاً ما إذا كانت حملة عسكرية جوّية فقط – من أي حجم كانت – قادرة على القضاء نهائياً على قدرة النظام السوري على استخدام الاسلحة الكيمياوية، وإن بمستوى معين.
ويعتبر هارمر أن الحط من قدرة النظام السوري على الوصول الى استخدام الأسلحة الكيمياوية، يتطلّب كذلك تدمير مخازن هذه الأسلحة ومنصّاتها في مواقعها، وهو ما يحتاج إلى “عملية استخباراتية كبيرة”، بالإضافة الى “طلعات جوية متعددة عن طريق طائرات يقودها عناصر بشرية”، تزامناً مع الحط الكبير من قدرات نظم الدفاع الجوي السوري أو تدميرها.
الهدف الثاني: معاقبة نظام الأسد لاستعماله الكيمياوي
بالنسبىة لبعض المحللين العسكريين، فإن الردع والمعاقبة أمران مختلفان. والأهداف المنتقاة لردع مزيد من الهجمات من قبل النظام السوري، هي غير تلك المختارة فقط لمعاقبة النظام السوري. وبحسب هؤلاء المحللين سيكون تأثير الأهداف الأخيرة ضئيلاً على المحصلة الاستراتيجية التي تريدها الادارة الاميركية، لكنها تبقى ضرورية في إطار الرسالة التي تريد توجيهها إلى النظام.
الهدف الثالث: الحطّ من القدرات العسكرية التقليدية للنظام السوري
لتقليص قدرة النظام السوري على مواصلة القتال ضد الثوار، فإن ذلك يمكن تحقيقه جزئياً عبر استهداف وحدات الجيش السوري ومعدّاتها ومستودعات تموينها بصواريخ “توماهوك”. أما التدمير الكامل للقدرات العسكرية التقليدية للنظام فيتطلب أيضاً عملية استخباراتية للتحديد بدقة التشكيلات والمعدّات العسكرية. وهكذا عملية ستكون ذات معنى أكبر – بحسب هارمر – في حال نُسِّقت عن قرب مع عمليات قوى المعارضة السورية التي تقاتل النظام السوري على الأرض، بالتزامن مع تدمير لقدرة نظم الدفاع الجوي السوري، وهو ما يترك النظام معرّضاً لهجمات مستقبلية من الطائرات الحربية. وصواريخ “توماهوك” قادرة على تدمير جزئي من نظم الدفاع الجوي السوري، إلا أن التدمير الكامل لها، بما في ذلك الرادارات والمدافع والصواريخ، يتطلّب عمليات ميدانية واستخباراتية وطلعات جوية متعددة.
إنّ كل ما تقدّم من أهداف يمكن تحقيقها جزئياً عبر استعمال صواريخ “توماهوك” الموجودة أساساً في مسرح المواجهة، إلا أن تحقيق كامل هذه الأهداف يتطلّب بالتأكيد قوة أكبر بكثير من الموجودة حالياً في شرق المتوسط.
موقع لنان ناو
مسؤولية الحماية في سوريا/ مايكل أبراموفيتز
أصبحت أطروحات السياسة الخارجية الأميركية أشبه بإنسان روبوتي يخوض حرب النجوم. وهذا التشبيه الذي أطلقه القائد الأعلى السابق لحلف «الناتو» الأدميرال «جيمس ستافريديس» يمكن أن يقدم فكرة عن الأساس الذي ستُبنى عليه الضربة العسكرية ضد سوريا.
وتمثل «مسؤولية الحماية» Responsibility To Protect – المعروفة في أوساط المشتغلين بالعلاقات الدولية بالصيغة الإنجليزية المختصرة R2P- مفهوماً عسير التفسير غالباً ما ينطوي على الغموض، وهو ينص على ما يلي: «على الدول أن تحمي مواطنيها من أعمال الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والتطهير العرقي، ويتوجب عليها أن تقوم بالأفعال اللازمة لمساعدة الدول الأخرى التي لا تستطيع حكوماتها أو لا تريد حماية شعوبها».
ومن العسير أن نتصوّر كيف يمكن لمفهوم «مسؤولية الحماية» ألا ينطبق على الحالة السورية، حيث لقي أكثر من 100 ألف شخص حتفهم ونزح أكثر من 5 ملايين عن بيوتهم ولجأ أكثر من مليونين آخرين إلى دول الجوار، وتم ارتكاب العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية وفقاً لتقارير مستقلة صادرة عن مراقبي جمعيات حقوق الإنسان والأمم المتحدة. وقد أشارت دراسة صادرة عن مؤسسة أميركية متخصصة بقضايا التطهير العرقي رلى أن العنف المرافق للإبادة الجماعية ضد المسيحيين والسُّـنة والعلويين وبقية المجموعات الإثنية والدينية يمكن أن يقع لو تصاعد أكثر حدّة النزاع في سوريا.
وكان هناك إنسان لم يكن في وسعه التهرّب من مسؤولية حماية السوريين: إنه أوباما. وعندما شرع في الإعداد للضربات الجوية، أكد على ضرورة التقيد بمنع استخدام وإنتاج الأسلحة الكيماوية على المستوى العالمي. وقال في مؤتمر صحفي نظم على هامش قمة العشرين في سان بطرسبورغ: «عندما يكون هناك خرق فاضح للمعايير ويبقى المجتمع الدولي عاجزاً وممتنعاً عن القيام بأي عمل، فإن هذا الخرق يبدأ في الخروج عن السيطرة».
ولابد من التذكير بأن حظر الأسلحة الكيماوية لا يمثل المعيار الدولي الوحيد الذي تم خرقه في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. وعلى رغم أن حكومة الولايات المتحدة تكفلت بتحمل مسؤولية الحماية -من خلال استراتيجية الأمن الوطني لعام 2010- إلا أن المسؤولين الأميركيين بدوا وكأنهم غير متحمسين للتعامل مع الممارسات الوحشية والقتل الجماعي. وفيما تصاعدت حدة الصراع في سوريا من حيث المدى الجغرافي والقوة، فإن أوباما ومساعديه تجنبوا اللجوء إلى مبدأ «مسؤولية الحماية» لحثّ المجتمع الدولي على مساعدة المدنيين.
ولا شك أن مبدأ «مسؤولية الحماية» لا يمثل الأداة الوحيدة لمعالجة التطهير العرقي وبقية جرائم الإبادة الوحشية. ذلك لأن المسؤولين يقولون إن سياستهم تتركز على العمل الهجومي الرادع من أجل وقف مثل هذه الجرائم حتى لو لم يقع هذا العمل تحت مظلة مبدأ «مسؤولية الحماية».
ويؤكد مبدأ «مسؤولية الحماية» الذي تم توقيعه عام 2005 من طرف الدول الأعضاء في الأمم المتحدة (ومن بينها سوريا) على هامش قمة رؤساء دول العالم التي نظمت في نيويورك، على تحميل مسؤولية حماية المدنيين للحكومات ذاتها. فإذا فشلت في حماية مواطنيها، أو إذا عمدت هي ذاتها إلى استهدافهم، فإن على المجتمع الدولي أن يتحرك. وحتى لو تحقق هذا الشرط، فإن من المفترض أن يمثل العمل العسكري الحل الأخير، وألا يتم هذا العمل إلا بموافقة مجلس الأمن.
وتتداول الشعوب والدول انتقادات منطقية لمبدأ «مسؤولية الحماية». فهو لا يكون فعالاً أمام العقبات التي تعترضه في مجلس الأمن، والتي تعيق اتخاذ الإجراءات الصارمة في حق الدول التي تمارس الاعتداءات الوحشية. ويشتكي العديد من الدول النامية من أن هذا المبدأ أصبح يشكل غطاء لتغيير الأنظمة السياسية تلجأ إليه الدول الغربية مثلما حدث في ليبيا.
وعلى رغم كل ذلك، فقد كان مبدأ «مسؤولية الحماية» يمثل الإطار الفعّال لتشجيع العمل السياسي وتفعيل جهود إحلال السلام في العديد من دول العالم التي كانت تمارس العنف الوحشي ضد المدنيين.
وقد لا يحظى مبدأ «مسؤولية الحماية» بالشعبية، وقد يكون غير معروف لدى عامة الناس، إلا أنه يمثل في منظور معظم دول العالم الطريقة المفضلة لتأمين الغطاء القانوني اللازم للتصدي لعمليات الإبادة الوحشية. وحتى الصين وروسيا أيدتاه في الحالة الليبية تحت مسمى «مسؤولية الحماية». وفي الحالات الأكثر انطواء على القسوة والتطرف، كالحالة السورية، وحيث يكون من المتأخر العمل بإجراءات التدخل أو السعي لوضع الحلول السياسية موضع التطبيق، يفشل مبدأ «مسؤولية الحماية» في منع الاستقطاب وتعارض الآراء فيما يتعلق بالتدخل العسكري.
وقد أطلقت حكومة الولايات المتحدة مبادرات تهدف إلى تطوير قدراتها الذاتية على تنفيذ مبدأ «مسؤولية الحماية». كما استكملت وكالات الاستخبارات مؤخراً ما يسمى «التصورات الاستخبارية الوطنية»، وهي الأولى من نوعها وتتعلق بتحديد مفهوم الأعمال الوحشية، وتتألف من مجموعة ملفات من المنتظر أن تحظَى باهتمام السياسيين في بلدان كثيرة معرضة لجرائم التطهير العرقي أو الجرائم ضد الإنسانية. وقد أعدّ «البنتاجون» شرحاً مفصلاً حول طريقة التصدي لأعمال الإبادة الوحشية، وهي تطبق الآن بشكل روتيني في القيادة العسكرية للولايات المتحدة في أفريقيا في إطار «مهمات التدخل لمنع المذابح»، إلا أنها بدت عقيمة في مجال وقف العنف في السودان والكونغو وبما يوحي بالحاجة إلى أدوات جديدة للتدخل غير العسكري مثل نظام جديد للعقوبات الدولية يستهدف مرتكبي الجرائم، ويمكنه أن يقلل الحاجة للعمل العسكري.
وعند التعمق في صلب مفهوم مبدأ «مسؤولية الحماية» يتبيّن لنا أن أفضل عمل لوقف المذابح الجماعية هو التدخل العسكري. ولو أن العالم نظر إلى سوريا قبل عامين باعتبارها مشكلة تندرج ضمن مبدأ «مسؤولية الحماية»، حيث كان عدد قليل فحسب من المتظاهرين قد قتلوا على أيدي زمرة نظام الأسد، لكنا حضّرنا لمساعدات مالية أكبر ولأدوات قانونية ودبلوماسية أكثر فعالية مما نملك الآن لوقف المذابح. وهذه المعارضة للتورط في المزيد من الحملات العسكرية الخارجية التي يبديها الأميركيون، التي يمكننا أن نتفهمها، تجعل من الضروري العمل على إخضاع مثل هذه الأدوات للمزيد من عمليات التطوير. ولعل أفضل فرصة يمكننا أن نقدمها للعالم في مجال التصدي لجرائم التطهير العرقي وبقية أشكال الإبادة الجماعية تكمن في محاولة العمل على منعها بحزم منذ لحظة البدء.
محلل متخصص بقضايا الإبادة الجماعية والتطهير العرقي
ينشر بترتيب مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
الاتحاد
مناورة روسية؟ / زيـاد مـاجد
حفلت الساعات الماضية بتطوّرات متسارعة حيال الوضع السوري. وشكّلت المبادرة الروسية القاضية بالطلب الى نظام الأسد التخلّص من أسلحته الكيماوية مفاجأة، وبدت للوهلة الأولى مناورة مربكة للإدارتين الأميركية والفرنسية اللتين كانتا قد حسّنتا وضعيهما الداخلي والخارجي نسبياً في اليومين الأخيرين تحضيراً لعمل عسكري ما في سوريا. كما بدت طوق نجاة أو وسيلة كسب وقت للأسد الذي سارع بعد دقائق الى قبولها، متخلّياً بالتالي عن “التوازن الاستراتيجي” الشهير وعن أحد عناصر “المناعة الوطنية” الذائعة الصيت.
لكن التدقيق بالمبادرة الروسية وبما يمكن أن يتبعها من مفاوضات وأحداث يشير الى “مخاطر” جديدة سيتعرّض لها النظام في دمشق ولو حالت المبادرة دون وقوع الضربة العسكرية الغربية عليه أو على الأقل أخّرتها قليلاً. فثمة أربعة أمور لن يمكن لمن يدخل في مبادرة من هذا النوع القفز فوقها.
الأمر الأول ظهوره مظهر الضعيف المذعور من التهديد العسكري، الجاهز للتنازل عن عناصر قوة أو ابتزاز أساسية قيل إنه يتمتّع بها، وظلّ التداول بشأنها حتى قبل استخدامها في المقتلة في الغوطة واحداً من الأمور التي يتذرّع بها خصومه لعدم التعرّض له خوفاً من فقدان السيطرة عليها وتهديدها أمن “الجوار”. وهذا سيفتح باب “التهديد الجاد” ضده واسعاً ليلزمه كلّ فترة بالتخلّي عن واحد من “امتيازاته” المرعبة الأخرى.
والأمر الثاني تأكيد حيازته مخزوناً كبيراً من الأسلحة الكيماوية، مع ترك انطباع بالاعتراف الروسي الضمني (والإذعان الأسدي) بمسؤوليته عن استخدامها في 21 آب، والقبول بالتخلّص منها مقابل الإفلات من العقاب. وهذا يدفع الى القول بأن لا شيء يحول دون أن يكون الإفلات المذكور مؤقّتاً، ومعطوفاً على تسليم “سلاح الجريمة”!
الأمر الثالث هو الاضطرار الى الدخول في مسار شائك، قد تكون خاتمته قراراً من مجلس الأمن وفق الفصل السابع يفرض كشفاً دولياً وتفتيشاً لمراكز تخزين الأسلحة الكيماوية، ويشكّل لجاناً عسكرية وقانونية ستشهد على الدوام تجاذبات وتحذيرات تبقي النظام الأسدي تحت الضغط والمراقبة لفترة لن تكون قصيرة.
أما الأمر الرابع والأهم فهو أن مشروطية القبول بوقف التحضير لضربة عسكرية غربية أو تأجيلها قد تنصّ على إقران التفتيش واستلام الأسلحة الكيماوية وإتلافها بالتحقيق في استخدامها في الغوطة الشرقية، والطلب بموجب قرار أممي إحالة ملفّها الى محكمة الجنايات الدولية. وهذا إن حصل أو طُرح يُعدّ تغيّراً كبيراً في المعادلة السورية- الدولية القائمة منذ آذار 2011.
التطوّرات في سوريا وحولها دخلت إذاً في دينامية تتولّد منها معطيات وطروحات متعددة. التهديد باستخدام القوة الأميركية – الغربية كان كفيلاً بإطلاق جانب منها وبإظهار حدود الغطرسة الروسية الايرانية الداعمة للنظام. أما الجانب الآخر، فقد أطلقه صمود السوريين والسوريات على مدى 900 يوم في وجه كل أنواع الأسلحة.
التطوّرات في سوريا وحولها دخلت إذاً في دينامية تتولّد منها معطيات وطروحات متعددة
موقع لنان ناو
روسيا واللامبالاة بـ”الكيماوي/ عبد الوهاب بدرخان
هل نشهد حدثاً كان يصعب تصوره وفقاً للتقاليد والأعراف الأميركية الخاصة: أن يدخل الكونجرس الرئيس في مسألة تتعلق بالسياسة الخارجية؟ في أحسن الأحوال تبدو الاحتمالات متساوية بين منح التفويض لشن هجمات صاروخية ضد النظام السوري أو حجبه.
وفي أسوأ الأحوال تندفع التوقعات الآن نحو شن ضربة قاسية لأوباما. فهو اختار أن يضع رأسه وصلاحياته في أيدي خصومه، وبالتالي أتاح لهم فرصة لم يتوقعوها لاقتناص هيبته الداخلية والخارجية. فالعذر الشرعي جاهز: الرأي العام لا يؤيد أي عمل عسكري ما لم يكن الأمن القومي عرضة للخطر بشكل مباشر، عذر آخر: لا أحد يريد تجربة عراقية ثانية، وعذر ثالث: الأفضل التحرك من خلال مجلس الأمن الدولي.
في الأساس يبقى استخدام السلاح الكيماوي المحظور في القانون الدولي، هو الدافع. غير أن الجدل في ظل انقسام دولي حاد والمصادرة الروسية – الصينية لمجلس الأمن جعل احترام حظر هذا السلاح يتقافز بين تقييمين متفاوتين: واحد يريد معاقبة النظام السوري الذي أقدم على استخدام هذا السلاح، وآخر لا يرى ضرورة للردع أو المعاقبة.
موسكو تسأل عن الأدلة، لكنها تنطلق من نفي حازم لتورط النظام، بل تتبنى روايات تتهم المعارضة السورية بهذه الجريمة، حتى إن بوتين اعتبر مشاهد عشرات الأطفال المقتولين اختناقاً مجرد أشرطة أخرجها المعارضون لإحداث صدمة عاطفية في الغرب، واستدراج ردود فعل تضع واشنطن على المحك، لا لشيء إلا لأن أوباما سبق أن أعلن أن اللجوء إلى السلاح الكيماوي “خط أحمر”.
هذا الملف لم يأت من فراغ، فكل الدول والأجهزة التي تعرف ولو القليل عن سوريا، تعرف أن لديها مخزوناً كبيراً من المواد والغازات السامة، وأنها تملك تقنية تجهيز صواريخ برؤوس كيماوية.
ومنذ اندلاع الحرب الداخلية في سوريا برز خطر هذا السلاح باعتباره احتمالاً ممكناً وكارثياً، قيل إن دولاً وضعت خططاً بمشاركة إسرائيل لعزل مخازن الكيماوي والاستيلاء عليها في حال انهيار النظام واقتراب لحظة سقوطه.
في المقابل أشهر النظام نفياً قاطعاً لوجود مثل هذا السلاح لديه، لكنه قدم سراً ضمانات بأنه لن يستخدمه، بل إنه لن يضطر إلى ذلك نظراً إلى تفوقه العسكري على معارضيه. لكن الوقائع أثبتت العكس، فالحالات الموثقة طوال الشهور الماضية تجاوزت الخمسين، وتولى أطباء مختصون إيصال عينات إلى لندن وباريس وواشنطن، وتبين استناداً إلى الأطباء أيضاً أن النظام كان يجري تجارب ميدانية محدودة، حتى إنه استخدم الكيماوي خطأ في مواقع تحت سيطرته، وأدت في إحدى المرات إلى مقتل نحو ثلاثين من عناصر قواته، إلى أن استخدمه على نطاق واسع في الغوطة.
من هنا فإن التشديد على الأدلة يستبطن يقيناً مسبقاً باستحالة إجراء تحقيق فوري مستقل لابد أن يشمل استجواب مسؤولين، فضلاً عن المعاينة المباشرة للمواقع والضحايا. لكن المعلومات الاستخبارية يمكن أن تكون مساعدة، ولا يعقل ألا تكون لدى الأجهزة الروسية معلومات عما يحصل في بلد تخوض فيه موسكو مواجهة لم تقدم عليها إلا في العهد السوفييتي البائد، أي في أيام الحرب الباردة مع الغرب.
وراء سياسة النفي الروسية دافعان: إما عدم الاكتراث رسمياً بسقوط ضحايا وبالسلاح المستخدم ضدهم، وإما تجهيل للحقيقة لأن الاعتراف يرتب واجبات على دولة تريد مواصلة اعتبارها عظمى، خصوصاً أن العضوية الدائمة لمجلس الأمن، مسلحة بـ”الفيتو”، هي مسؤولية دولية أولاً وأخيراً، وهذه المسؤولية ليست “فيتو” فحسب، ولا تعطيلاً لمجلس الأمن، بل قوامها فرض احترام القانون الدولي.
إذا كان للعمل العسكري ضد النظام السوري أن يحصل، فلاشك أنه انطلاقاً من هذه المسؤولية. أما الحؤول دون ردعه ومعاقبته، فلابد أن يعني موت المجتمع الدولي، وبالتالي فتح الطريق إلى مجازر كيماوية يومية، هذه لحظة دولية فاصلة بالنسبة إلى روسيا، ولا مجال بعدها للاستمرار على النهج السلبي اللاإنساني نفسه. طبعاً، ليس متوقعاً منها أن تنقلب رأساً على عقب، لكنها يمكن أن تستحصل من النظام على التنازلات اللازمة لجعل أي حل سياسي ممكناً وواقعياً، هذا هو المخرج الوحيد لإثبات أن روسيا لا تزال تنتمي إلى المجتمع الدولي وقيمه، سواء ضرب النظام السوري أم لا، فمن لا يردعه عقله أو أخلاقه أو أصدقاؤه وحلفاؤه لابد أن يأتي أحد آخر لوقف جرائمه.
الاتحاد
/ خليـل عجمـي “الصفقة”: الاسد يفتدي نظامه بالكيماوي
ربما كان من المبكر الحديث عن “صفقة ـ تسوية” انقذت الرئيس الاميركي باراك أوباما والرئيس السوري بشار الاسد من المواجهة المحتّمة، التي كان من الممكن أن تؤدي إلى حرب مفتوحة، لكن العالم تنفس الصعداء بعد العرض الروسي بوضع الأسلحة الكيمياوية السورية تحت الرقابة الدولية، وقبول دمشق بهذا العرض الذي اعتبره الرئيس الاميركي أنه “ينطوي على احتمالات إيجابية، لكن ينبغي التعامل معه بحذر”، مشيراً إلى أن وزير خارجيته جون كيري سيبحث مع روسيا “مدى جدية” هذا العرض.
وكانت الانفاس قد حُبست مع عودة الكونغرس الاميركي من عطلته الصيفية، وأمامه مشروع قرار يفوض الرئيس اوباما توجيه ضربة عسكرية محدودة إلى سوريا، لكن العرض الروسي حمل مجلس الشيوخ الاميركي على إرجاء التصويت الأولي الذي كان مقرراً الأربعاء حول مشروع القرار.
وإذا كانت الولايات المتحدة قد تعاملت بإيجابية مع المبادرة الروسية، في ظل مواصلة الضغط بالحفاظ على عملية التصويت في الكونغرس، إلا أن زعيم الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور هاري ريد قال: “لا أعتقد أننا نحتاج إلى التصويت سريعاً”، مضيفاً أنه “علينا أن نمنح الرئيس (أوباما) فرصة التحدث إلى جميع أعضاء مجلس الشيوخ المئة، وإلى 300 مليون أميركي قبل أن نقوم بذلك”.
ثمة من يعتقد أنه كان وراء ذلك “صفقة ـ تسوية” انطلقت منذ أن قرر الرئيس اوباما العودة إلى الكونغرس قبل اتخاذ قرار الضربة على سوريا، مع العلم أنه يملك السلطة بقيام بمثل هذا العمل المحدود من دون العودة إلى السلطة التشريعية، لكن هناك من يستبعد منطق الصفقة، ويرى أن الخطوة الاميركية المقبلة، في حال استُبعدت الضربة، هي اعتماد سياسة الكرة المتدحرجة، والتوجه إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار دولي شديد اللهجة ضد سوريا، لا يقف الفيتو الروسي أو الصيني عائقاً أمام استصداره.
ويعتقد أصحاب الرأي القائل بـ”التسوية” أن المبادرة الروسية أنقذت على السواء، هيبة أوباما المتردد، مخافة أن تتحول الضربة إلى حرب مفتوحة كبيرة في المنطقة، وكذلك النظام السوري الذي يعتقد أن الثمن الكيماوي أخف من ثمن تهديد النظام برمته.
لكن في المقابل، يرى من يستبعد منطق الصفقة، أن واشنطن مصممة على الذهاب إلى نهاية المطاف حيال سوريا، ومن وراء ذلك توجيه رسالة قوية إلى طهران بشأن ملفها النووي، بعدما كان الرئيس الاميركي استطاع تحقيق نصر دبلوماسي في وقت سابق، عندما تمكّن من استصدار قرار في مجلس الامن يشدد العقوبات الاقتصادية على إيران.
وفي ظل هذا التناقض، يرى محللون أنّ العرض جاء من موسكو، فالتقطه أوباما لتفادي الضربة، على أمل أن يمهد ذلك، الطريق إلى تسوية “في ظل غياب سياسة أميركية واضحة” في المنطقة، خصوصاً وأن وزارة الخارجية الاميركية لم تجد حتى الآن أي مرشح يخلف السفير الاميركي السابق في سوريا روبرت فورد، نظراً لصعوبة المهمة التي ستكون على عاتقه في غياب هذه السياسة.
الاتحاد
ضرب سوريا… التداعيات العالمية/ د. أحمد يوسف أحمد
لا شك أن النظام السوري قد ارتكب بحق شعبه طيلة ما يزيد عن سنتين ما يستحق عليه عقاباً رادعاً، ولا أشك أيضاً أن كافة الأطراف مرتبطة بالأزمة الراهنة المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين تبحث عن مصالحها، وقد تناولت في المقال السابق التدخل العسكري في سوريا من منظور قانوني وإنساني واليوم أركز في هذا المقال على تداعيات توجيه ضربة عسكرية لسوريا سواء على الصعيد العالمي أو على الصعيد الإقليمي. عالمياً تسببت احتمالات توجيه ضربة عسكرية لسوريا في زيادة الاستقطاب بين الولايات المتحدة وروسيا كما اتضح من قمة العشرين الأخيرة على سبيل المثال. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه الضربة إلى استعادة نفوذها المنفرد في النظام العالمي، فمن المعروف أنها تمتعت بوضع القوة الأحادية العظمى في العالم بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في ديسمبر 1991، ولكن وضعها هذا بدأ يهتز مع تحديات المقاومة العراقية للغزو الأميركي في عام 2003، وتكرر الوضع في أفغانستان، ناهيك عن بروز قوى كبرى لا يمكن تجاهلها كالصين، واستعادة روسيا لتوازنها المفقود بعد 1991 وبدء إعادة بناء قواتها وعودة سياستها الخارجية المستقلة. ولعل هذا -استعادة النفوذ العالمي المنفرد- هو السبب الاستراتيجي الأول لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا. وهناك سبب آخر له علاقة غير مباشرة بالاستقطاب العالمي وهو لوبي السلاح الذي حذر منه الرئيس الأميركي الأسبق دوايت ايزنهاور في آخر خطبة له مع انتهاء مدته الرئاسية الثانية، فهو -أي لوبي السلاح- يدفع إلى تصلب المواقف والحلول العسكرية للأزمات الدولية، لكونه المستفيد الأول من ذلك لأن الأسلحة والذخائر التي يتم استعراضها تعود عليه بالربح الوفير، ومن هنا علاقته غير المباشرة بالاستقطاب العالمي، وذلك على رغم أن الرأي العام الأميركي يكون عادة غير موافق على التورط في حرب جديدة أياً كان شكلها. وقد أشار أحد استطلاعات الرأي العام الأخيرة إلى أن نسبة 60 في المئة من الشعب الأميركي لا توافق على الضربة العسكرية لسوريا مما يذكر بحالة العراق قبل غزوه في عام 2003.
أما روسيا فهي ترفض الضربة للسبب ذاته، أي أنها ستكون خطوة لاستعادة المكانة الأميركية المتفردة على قمة النظام العالمي، وخاصة أن النظام السوري الحالي يمثل مدخلها الوحيد إلى الإبقاء على درجة من درجات النفوذ في المنطقة، وهي تعرض موقفها بطريقة معقولة، فهي تقول إن النظام السوري لم يثبت تورطه بعد، وأن هذا سيحدث عندما يصدر التقرير عن نتائج مهمة المفتشين الدوليين التي كلفتهم بها الأمم المتحدة، وأنها لن تعترض على الضربة إذا ثبت تورط النظام السوري، وهي طبعاً لن تتدخل مباشرة لنصرته تطبيقاً لقواعد مستقرة وثابتة في النظام الدولي، ولكن أهميتها تنبع من دورها كمصدر لتزويد الجيش السوري بالأسلحة الحديثة خاصة إذا مني بخسائر فادحة، كما أنها قد تزود النظام السوري بالخبراء وأطقم تشغيل منظومات الأسلحة المتطورة.
وعلى الصعيد الإقليمي يوجد للنظام السوري حليف واحد هو النظام الإيراني صاحب مصلحة في بقائه على الأقل كمعبر للسلاح إلى «حزب الله»، ولكن إيران بدورها لن تتدخل مباشرة لمساندة النظام السوري أو بضرب أهداف أميركية في الخليج على سبيل المثال، لأنها تعلم عواقب ذلك، والحفاظ على النفس أهم من الحفاظ على الحليف مهما كانت أهمية دوره. ولكنها كروسيا يمكن أن تتدخل على نحو غير مباشر وتتمثل أهم أشكاله في تزويد النظام السوري بمزيد من مقاتلي الحرس الثوري إذا أدت الضربة لحدوث خلل بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة. وينسحب الأمر نفسه على «حزب الله» بلبنان باعتباره الحليف الأول وقد يكون الأوحد في الوطن العربي للنظام السوري للسبب نفسه، وهو أن الحفاظ على النفس أهم من الحفاظ على الحليف مهما كانت أهميته بالنسبة لـ«حزب الله»، وعليه فإنه لن يقوم على سبيل المثال بضرب إسرائيل، لأنه في غنى عن مواجهة الرد الإسرائيلي، وخاصة في ظل المشكلات التي يواجهها في الوقت الراهن داخل لبنان، ولاشك أن خصومه يتطلعون إلى إضعافه، ولكنه -مثله في هذا كإيران- قد يزود النظام السوري بمزيد من مقاتليه إذا حدث خلل فادح في ميزان القوى بين الجيش السوري ومعارضيه نتيجة الضربة العسكرية.
أما إسرائيل فلن تشارك في الضربة العسكرية لسوريا حتى لا تسبب حرجاً للولايات المتحدة وأصدقائها من الدول العربية، وهو ما يذكر بالموقف في حالة العراق عندما أمرتها الولايات المتحدة بعدم المشاركة بل وعدم الرد على صدام بعد أن أطلق عدداً من صواريخه عليها. والواقع أن إسرائيل لا ترى حاجة للتدخل لأن الولايات المتحدة تقوم بالنيابة عنها بتحطيم الجيش السوري أو إضعافه، بل إن التقارير قد ذكرت أن الولايات المتحدة تنوي ضرب الصواريخ الموجهة لإسرائيل داخل سوريا، وهذا إنجاز استراتيجي مهم لإسرائيل ستحققه الضربة العسكرية الأميركية. هذا بالإضافة إلى احتمال تمزق الجسد السوري نتيجة هذه الضربة وغيرها مما يجعل سوريا في الحال أو مستقبلاً غير قادرة على إعادة بناء جيش قوي. وهكذا تكون إسرائيل قد تخلصت من أقوى جيشين عربيين متاخمين ومجاورين لها وهما الجيشان السوري والعراقي، وهذا بالطريقة نفسها في الحالتين، تحطيم أو إضعاف الجيشين بتدخل عسكري أميركي مباشر وتمزيق المجتمع بحيث يصبح غير قادر على إعادة بناء قوته المسلحة في الأمدين القصير والمتوسط وربما أبعد من ذلك. أما الجيش المصري -وهو الوحيد الذي يحافظ على تماسكه وقوته من الجيوش العربية القوية المحيطة بإسرائيل فهو مرتبط منذ 1979 بمعاهدة سلام مع إسرائيل لا ينتظر الانقلاب عليها في الأمدين القصير والمتوسط نظراً للظروف الاقتصادية في مصر، التي تمنع حتى مجرد الحديث عن إعادة النظر في الترتيبات الأمنية المتضمنة في المعاهدة بالنسبة لسيناء.
لن تقوم حرب عالمية أو إقليمية إذن من جراء الضربة العسكرية القادمة لسوريا، ولكنها ستؤدي إلى زيادة الاستقطاب العالمي وعدم استقرار إقليمي متزايد، وستكون دليلاً على استعادة الولايات المتحدة لنفوذها المنفرد على قمة النظام العالمي ولكن هذا الإنجاز سيكون مؤقتاً لأن عوامل تآكل هذا الانفراد أبعد من هذا بكثير على المستوى البنيوي -كما سبقت الإشارة- كما أن ثمة احتمالاً قوياً في أن تكون للضربة آثار سلبية على الولايات المتحدة إذا أدت إلى مقتل عدد كبير من المدنيين خاصة لو تمت الضربة قبل صدور تقرير مفتشي الأمم المتحدة أو حتى بعده إذا لم يدن النظام السوري صراحة. وستزيد هذه الآثار السلبية إذا نجحت الدفاعات السورية في تحقيق إنجاز ما في مواجهة الضربة. وقد كان العالم في غنى عن ذلك كله لو كان هناك نظام فعال للأمن الجماعي أو العربي قادر على تسوية النزاعات الداخلية، أو على الأقل وقفها قبل أن تصل إلى الحد الذي وصلت إليه الأمور في سوريا.
الكونجرس ومعاقبة الأسد/ كليف كروك
مما لا شك فيه إلى حد كبير، أن قوات الأسد استخدمت أسلحة كيماوية على نطاق واسع ويجب معاقبتها. هذا ما انتهيت إليه، لكن القضية ليست بهذه البساطة. أحياناً لا يمضي الإصرار على مبدأ ما بنا بعيداً، فالمشكلة تتمثل في أنه أي مبدأ؟ فهناك تضارب بين عُرف منع استخدام الأسلحة الكيماوية، وعُرف تقييد استخدام القوة العسكرية وأعراف المحافظة على القانون الدولي، والتنبؤ بنتائج اتخاذ إجراء أو عدم اتخاذ إجراء هي مسألة موازنة بين احتمالات وليس بين أمور مؤكدة.
فإذا اعتقد المرء أنه توصل إلى الصواب في هذه القصية، فإنه لم يمعن فيها النظر. وأتمنى أن يتخذ أوباما قراراً بشكل أسرع، وأن يقيم حجة أكثر إقحاماً للمسار الذي اختاره- فبوسع المرء أن يكون حذراً دون أن يكون متردداً، وأوباما ليس مخطئاً في أن يرى هذه القضية باعتبارها خياراً صعباً.
والبدائل تقلصت، فقد أصبح الخيار بين ضربة عقابية محدودة أو عملية رقابة أهدأ مثل فرض عقوبات، وكتابة صحيفة اتهام بموجب القانون الدولي. فكلما اتسع الدعم لأي عمل، كان أكثر فعالية في الحفاظ على العرف. والوقت ليس حاسماً في هذه الحالة، لذا فأوباما محق في أن يسعى لأوسع دعم ممكن في بلاده والخارج.
والمرء لا يستطيع أن يستبعد الافتقار للدعم وسط حلفاء أميركا ووسط المواطنين الأميركيين. فإذا لم ترغب بريطانيا في الاشتراك في الضربات الجوية ضد الأسد، فهذا في حد ذاته يقوض الدفاع عن حرمة استخدام الأسلحة الكيماوية. والشيء نفسه قد يكون صحيحاً للهجمات العقابية بغير دعم من الكونجرس أو من البلاد. وتذكروا أن الهدف ليس مجرد تدمير الأسد عسكرياً، فالولايات المتحدة تستطيع ذلك دون حلفاء أو موافقة من الكونجرس، لكن الهدف هو التعبير عن إجماع أدبي.
ويقول أوباما إنه اتخذ قراره وإن من حقه التحرك بصرف النظر عما يقرره الكونجرس. وضرب سوريا لو رفضه الكونجرس سيكون مقامرة كبيرة. فهل يعني هذا أنه أخطأ عندما طلب التفويض؟ مرة أخرى، لا. فكلما كثر ما يحصل عليه أوباما من دعم قويت الثقة – وهذا مهم.
لكن ماذا عن المصداقية؟ فمعظم الذين يحثون على شن هجوم يقولون إن مصداقية الولايات المتحدة في موضع اختبار. ولديهم حق، فالمصداقية مهمة بالتأكيد- لكنهم يبالغون. وأخطأ أوباما حين قال إن الأسلحة الكيماوية “خط أحمر” في سوريا، دون أن يكون متأكداً من أنه يعني ذلك. وتوجيه تهديدات دون الاستعداد لتنفيذها حماقة. لقد قالها والتقاعس عن تنفيذ ما قاله سيكون له كلفة. وعلينا أن نتعلم هذا الدرس. هل التقاعس عن مهاجمة سوريا يجعل وعد أوباما بمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية أقل مصداقية؟ أشك في ذلك. فامتلاك إيران أسلحة نووية أكثر تهديداً بكثير للمصالح الأميركية من سوريا التي ترغب في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبها. الحالتان مختلفتان للغاية، وحجة المصداقية وجيهة، لكن كما قلت، مبالغ فيها.
وإذا نفذت الضربات الجوية بشكل جيد فقد تحقق هدفها بكلفة قليلة لتمنع الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية ثانية، وتردع الأنظمة المفلسة أخلاقياً. لكنها قد تتسبب أيضاً في عقاب جماعي وتقتل مدنيين. وقد يحظى الأسد بميزة دعائية هنا، وقد يستخدم الأسلحة الكيماوية بجرأة أكبر مرة أخرى مما يجعل الولايات المتحدة ترد مرة أخرى – وهذا التصعيد قد يحمل أوباما على دخول حرب لا تريد الولايات المتحدة خوضها.
وقد يقع انتقام إرهابي ضد الولايات المتحدة، وقد تغير الضربة العسكرية الأميركية ميزان الحرب ضد الأسد، وقد تؤدي إلى انهيار نظامه سواء قصدت الولايات المتحدة ذلك أم لا.
إنها قضية ليست سهلة الحسم لكني أعتقد أن حرمة استخدام الأسلحة الكيماوية تستحق الدفاع عنها، والجائزة تستحق المغامرة. آمل أن يوافق الكونجرس.
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب مع خدمة “نيويورك تايمز”
أستاذ الشطرنج/ امين قمورية
بوتين، لاعب جودو محترف وصياد ماهر، ويتقن فنونا قتالية عدة. لكنه أثبت ايضا انه أكروبات روسي عتيق يصل الى الحافة ثم يقفز قفزة متقنة الى الوراء حتى لا يسقط في الهاوية. ديبلوماسي مناور عندما يشاء وقادر على اخفاء قبضته الحديد بقفاز من حرير عندما تدعو الحاجة. أظهر مهارات كثيرة في فترة حكمه الطويلة جعلته قبلة الاعلام وعشيقا للكاميرا ونجما في المحافل مثيرا بذلك ليس غيرة الزعماء وحدهم بل نجوم السينما ايضا.
في الازمة السورية أظهر القيصر توقا الى الزعامة العالمية جعله مثارا للجدل. وأمس، ظهر كأنه استاذ كبير في الشطرنج. بنقلة واحدة وضع “القلعة” الروسية في وجه “الملك الاسود” الاميركي الذي يهدد السوري بـ “كش مات”. نقلة واحدة من “وزيره” لافروف غيّرت شروط اللعبة وقلبت الرقعة السورية رأسا على عقب.
قبل ساعات كانت الضربة الاميركية لسوريا تحصيل حاصل، ولم يكن الحديث متى الضربة بل ماذا بعدها؟ لكن القيصر اللاعب قلب المعادلة باقتراح محكم: اذا كان ضرب سوريا هدفه لجم الاسد عن استخدام الكيميائي، خذوا الكيميائي وجنبوا سوريا شر الحرب، وجنبوا العالم شر تداعياتها الكارثية المحتملة!
الاقتراح لم يسقط الضربة لكنه جعلها وراءه وصار هو في مقدم البحث وقد يسقطها اذا ما اخذت واشنطن به. فالشاطر بوتين باقتراحه وضع سلمين لاوباما والاسد لانزالهما عن الشجرة التي صعدا اليها، وأبعد نفسه عن احراج دفع العلاقة بين موسكو وواشنطن الى الهاوية اذا ما استمر الخلاف بينهما على الحرب المفترضة على سوريا. وهكذا تكون روسيا أنقذت حليفها السوري من ضربة موجعة قد تهد أركان نظامه من غير ان تكون دمشق قادرة على اعلان “الانتصار”، ذلك ان رضوخها بتسليم سلاحها الذي كانت تصفه بالاستراتيجي في مواجهة النووي الاسرائيلي لا يمكن وصفه الا تراجعا ومسا بالسيادة واقرارا ضمنيا بارتكاب انتهاكات. كذلك فان روسيا باقتراحها تكون وفرت مخرجا لائقا لاوباما من الدوامة التي حشر نفسه فيها، فهو من جهة يستطيع القول انه خلص العالم من شر الكيميائي السوري، وجنب احراج الذهاب الى الحرب وحيدا ومعزولا ليس عن الحلفاء فحسب، بل ايضا عن الاميركيين الذين لم يشاطروه رأيه هذه المرة. وفي حال الاخذ بالنصيحة الروسية يكون بوتين كرس نفسه راعيا دوليا، وجنب نفسه احراج الوقوف موقف المتفرج على حرب قد تخرج موسكو من بوابة المستقبل.
صحيح ان تسوية كهذه لا تنقذ الشعب السوري من براثن سياسة المحاور الدولية التي لا تعبد طرقها الا على الجثث والقبور، لكنها تبقى أرحم من نار حرب لا يعرف أحد ماذا تخبىء من كوارث.
النهار
أوباما كيميائي مثل الاسد؟!/ راجح الخوري
هل وقع باراك اوباما في الفخ عندما اندفع واعلن قراره توجيه ضربة الى سوريا، ثم انكفأ متذرعاً بانه يريد الحصول على موافقة الكونغرس مع انه كان في وسعه القيام بها قبل هذا الإجراء؟
وهل ان كلام جون كيري المفاجئ في باريس عن إمكان الذهاب الى مجلس الامن المقفل بالفيتو، ثم دعوته الاسد الى تسليم سلاحه الكيميائي ليتلافى الضربة، يمثلان محاولة استباقية لتوفير قليل من الماء لوجه اوباما، الذي سيخرج متيبساً ومهاناً اذا فشل في اقناع الكونغرس بالموافقة على الضربة، لتنتصر ديكتاتورية الكيميائي في سوريا وتهزم طواحين هواء الديموقراطية في اميركا والغرب؟
سيكون الأمر مهزلة آثمة في عالم تحكمه “العلاقات الوحشية بين الامم”، على ما قال المؤرخ اليوناني هيرودوث قبل 25 قرناً، ذلك ان اوباما الذي ينخرط مع ادارته في حربين، واحدة ديبلوماسية خارجية لتأمين تحالف دولي يؤيد الضربة، وثانية سياسية داخلية لتأمين موافقة الكونغرس والشعب الاميركي عليها، قد يواجه الفشل، بما يعني عملياً هزيمة البروتوكول الدولي المعقود عام 1925 والذي يحرّم استخدام هذه الاسلحة، وانتصار الذين يذبحون الشعوب بالكيميائي وبغيره، ولست ادري ما الفرق إن مات الانسان بالكيميائي يخنقه أو بالبراميل المتفجرة تمزقه!
من سان بطرسبرج الى باريس حيث اكتشفنا براعة جون كيري بالفرنسية، يجري حشد تحالف دولي وراء قرار الضربة، ومن لجنة الشؤون الخارجية الى الكونغرس تتزايد المخاوف والعراقيل التي تواجه القرار في بلد يميل الى الاستقالة من الحروب، لكنها “حرب ارادات وقرارات”، ولهذا عندما قدّم اوباما استعراضه السياسي المتلاحق امس على ست محطات تلفزيونية، قبل ان يقف اليوم امام الكونغرس، الذي من المرجح انه سيعانده ولن يوافق على الضربة، بدا ما هو اهم بكثير من الانهيار الاقليمي الذي سينجم عن السقوط الحتمي للنظام السوري نتيجة الضربة إن وقعت، وأقصد هنا الانهيار الدولي لمنظومة القرارات والقيم المتعلقة بالاسلحة المحرمة وحروب الإبادة، بما يعني غياب الحد الادنى من هيبة الردع الدولي، وسقوط قوة الديموقراطيات الغربية امام ديكتاتوريات الكيميائي، فمن الواضح الآن ان مذبحة الكيميائي في الغوطتين هي خط الدفاع الاخير عن العواصم الغربية والشرقية في وجه تهديد القتلة بالكيمياء او حتى بالسياسة!
لن أعود الآن الى كل عنتريات اوباما وادارته المضحكة في الاسبوعين الماضيين، لكنني لا اتردد في القول انه اذا كان الاسد يقول “ليس هناك من دليل على استعمالي الكيميائي”، فستتوافر في اليومين المقبلين كل الادلة على انه: إما ان يكون باراك اوباما رسّخ فعلاً منع استخدام هذه الاسلحة، او انه وكونغرسه سيكونان فعلاً اسوأ من الاسد لأنهما شجّعا الديكتاتوريين على استخدامها!
النهار
فكرة الضربة وما بعدها/ ماجد كيالي
يبدو أن الضربة الاميركية للنظام السوري باتت بمثابة مسألة اميركية ودولية، أكثر من كونها مسألة سورية، لاسيما أن فكرة “الضربة”، وبغضّ النظر عن حصولها من عدمه، باتت تتجاوز سوريا، واللحظة التاريخية الراهنة، إلى إعادة تركيب النظام الدولي، وقواعد العلاقات الدولية، للعقود المقبلة.
والحقيقة فإن عرض الرئيس أوباما هذه المسألة على الكونغرس للبتّ فيها، متنازلاً عن صلاحياته، وتحوّل أعضاء الكونغرس لاستمزاج أعضاء دوائرهم الانتخابية، يعبّر عن نقلة “ثورية” في الحياة السياسية، وقواعد الديموقراطية، وعلاقة المنتخبين بالناخبين، لن يكون بإمكان أي رئيس تجاوزها في المستقبل. ولعل الاستقبال الذي حظيت به هذه الفكرة في البلدان الأوربية، أيضاً، يبشّر بذلك، ويدلّل على تطوّر الديموقراطية الليبرالية في هذه البلدان، وازدياد قوة المجتمعات المدنية فيها، بفعل تزايد شبكات التواصل الاجتماعي، التي أسست لمشاعر وقيم مشتركة فوق وطنية، وعالمية.
هذا يعني أن القرارات الكبيرة التي تمسّ حياة المواطنين، وضمنها شنّ الحرب على دول أخرى، لم تعد بيد الرئيس ولو كان منتخباً، ولا بيد الحكومات ولو كانت منتخبة، وإنما في يد ممثلي الشعب، الذين لابد أن يأخذوا في الاعتبار آراء ناخبيهم ومصالحهم. كما يعني ذلك أن إعادة تجربة صعود قادة منتخبين، من نمط هتلر، والتي دفعت اثمانها أوروبا باهظاً، باتت متعذّرة، وربما مستحيلة.
التراجيديا السورية وضعت النظام الدولي، أيضاً، أمام تحدّي العمل وفق قواعد “الشرعية”، التي تجنّب نظاما ما المساءلة، أو العمل وفق القيم الأخلاقية، التي توجب، مثلاً، وضع حدّ للمأساة السورية المستمرة منذ ثلاثين شهراً. وقد كشفت هذه التراجيديا أن مفهوم السيادة، الذي تشتغل وفقه الأمم المتحدة، ينطوي على ثغرات، ففي حين يعتبر الشعب مصدر السلطات، في معظم الدول، فإن القانون الدولي يقصر السيادة على الدولة، ممثلة بالسلطة الحاكمة، وهذا ينتج عنه عجز المجتمع الدولي عن التدخّل لحماية أي شعب من عسف النظام الذي يتحكّم به، بخاصة إذا تعمّد استخدام القوة المفرطة ضد شعبه، لاسيما بالطائرات والدبابات والمدفعية.
الراجح أن ارتدادات الحدث السوري ستحض على تصحيح هذا الخلل في مفهوم السيادة، وإنضاج مبدأ التدخّل الإنساني، وإصلاح نظام التصويت في مجلس الأمن.
والواقع فإن مأثرة الثورة السورية، على عفويتها ومشكلاتها وثغراتها، وفائض التراجيديا الكامن فيها، أنها باتت بمثابة حدث عالمي، وأنها عزّزت من حيث لاتحتسب مفهوم الديموقراطية، وساهمت في ضبط نزعة الحكام لشن لحروب، وصدّعت بنية النظام الدولي المتقادمة، وهذا كله يحدث على رغم حالتها المأسوية، ومكابدتها في سبيل تحقيق أهدافها.
كاتب فلسطيني
الحرب السورية: هستيريا المحيط/ جهاد الزين
في كتابه “خيانات اللغة والصمت – تغريبتي في سجون المخابرات السورية” الصادر عن “دار الجديد” في طبعته الثانية عام 2012 بعد طبعته الأولى عام 2006 يروي فرج بيرقدار من تجربته كسجين، وهي تجربة يمكن أن تتشابه في العديد من سجون المخابرات العربية على اختلاف أنظمتها، يروي عن حالة من “الهستيريا” الجماعية تصيب فجأة سجناء أحد المهاجع من دون أي سبب مباشر عندما ينطلق فجأةً صراخُ أحد السجناء خلال الليل فيبدأ جميع السجناء في المهجع بالصراخ مثله وأيضا دون سبب مباشر ثمّ تنتقل “العدوى” إلى مهاجع السجن المجاورة.
جعلتني هذه الحادثة التي يطالبنا فرج بيرقدار في كتابه أن نصدّقها رغم غرابتها – وأنا أصدّقه – أتصوّر بلدانَنا أو بعضَها أشبهَ بـ”مهاجع” السجون التي تصيبها تلك الهستيريا المفاجئة عندما تسمع صراخ الحرب… فتعبّر مجتمعاتُها عن ذلك بـ”صراخ” جَماعي هو أقرب إلى التعبير عن السياسة كأزمة وجودية.
هكذا كان “المهجع” اللبناني في الأسبوعين المنصرمين وهكذا كان أيضا “المهجع” الأردني وربما أيضا “المهجع” العراقي أو حتى “المهجع” التركي بعدما تحوّل الصعود التركي الاقتصادي السياسي في الشرق الأوسط إلى هبوط خَطِر ينقل تركيا من “نموذج” ناجح لدول المنطقة المسلمة والعربية إلى “مهجع” آخر من “مهاجع” تخبّطها الأمني والسياسي وربما لاحقا الاقتصادي.
كانت حالة بل حالات “المهاجع” المحيطة بالجحيم السوري، وهي تستمع بشكلٍ غير مألوف إلى طبول الحرب، حالات من نوع جديد لاسيّما في لبنان. بدا اللبنانيّون “متأكّدين”(!) أن الصواريخ العملاقة التي ستضرب في سوريا والصواريخ التي سترد عليها إذا أتاح التفوق التكنولوجي الأميركي أن ترد، ستعبر فوق الجبال اللبنانية.
مسؤولون سياسيّون محلّيّون كانوا أكثر من قلقين بل هم حائرون وبعضهم “مذعور” حتى وهو ينتظر بفارغ الصبر حصول هذه الحرب فيما ذعرُ آخرين يتعلّق بنتائجها على مصيرهم. كانت “الهستيريا” تتناول بشكل جدي ليس فقط الأسئلة العسكرية بل أيضا تفاصيلها وفي مكاتب المسؤولين الرسميّين على اختلاف مستوياتهم:
كيف سيكون وضع مطار بيروت المنفذ الوحيد الباقي عمليا لـ”الهروب” من لبنان الجحيم السوري؟
كيف سيكون الرد الإسرائيلي على “صواريخ حزب الله” إذا شاركتْ في لحظة من لحظات الحرب؟ هل يستعاد سيناريو 2006 فتضرب إسرائيل مناطق سيطرة “حزب الله” أم تضرب مناطق أخرى لاسيما شبكات الخدمات الأساسية ومراكز الدولة داخل العاصمة وهو الأمر الذي لم يحدث عام 2006 في ما سُمّي يومها “الضمانات الأميركية لحكومة فؤاد السنيورة”؟ ومن يملك أن يعيد هذه “الضمانات” إنما هذه المرة بتحييد كل لبنان إذا كانت إسرائيل ستصبح طرفا في الحرب مع أن السفير الأميركي الجديد أشار إلى شيء من هذا القبيل، أي تجنيب لبنان، لأنه التقط أو سمع مباشرة بعض تعبيرات هذه “الهستيريا” المحلية؟ (وهذه معلومات لا مجرّد تقديرات).
ليست دائما مصطلحات “الهستيريا” مقتصرة على الدول الصغيرة أمام قرع دول كبرى لطبول الحرب. فجيمس بايكر وزير الخارجية الأميركي الأسبق في مذكّراته يقول أنه قال مرة في إحدى جولات المفاوضات قبل الهجوم على الجيش العراقي عام 1991 الذي كان يحتل الكويت… قال لطارق عزيز وزير خارجية العراق يومها ردا على تصلّب الشروط العراقية: “هل لديك فكرة سيادة الوزير عمّا ينتظركم لو وقعت الحرب؟ لدينا إمكانات تعيد العراق إلى العصر الحجري”.
“العصر الحجري”! التعبير “هستيري” حتى لو تحقّق لاحقا في العراق. لكن في “المهجع” اللبناني وبعض “المهاجع” المحيطة بالجحيم السوري، جحيم الحرب الأهلية، لا زال الجمهور العادي يسأل هل تكون هذه الحرب مختلفة من حيث نوع المشاركين فيها هذه المرة؟ ولا فرق بينه وبين المسؤولين الرسميّين في الدولة الصغيرة من حيث التكهنات والشعور بالعجز فالجميع في لحظة صراع بهذا الحجم سجناء في مهجع واحد.
تقليديا وبسبب كثافة الحضور الإيراني يميل عديدون إلى انتظار رد الفعل المختلف من الجهة الإيرانية. وقد، أهمل المعلّقون السياسيّون طويلاً، الدور الروسي مع أنّه، ردعاً سياسيا أو دعماً عسكرياً، أهمُّ بأشواط من الدور الإيراني. لم يكفّ العديد من السياسيّين والمعلّقين في السنة الأولى للحرب السورية عن انتظار “صفقة” يبيع فيها الروس النظام السوري. ازداد تصلّب الموقف الروسي الداعم للنظام السوري ولم يكف هؤلاء عن توقّع تخلّي الروس عنه. وعندما كان تصريحٌ ملتبسٌ أو تكتيكيٌّ للرئيس الروسي يظهر، كان هذا “التيار” المنتظر لصفقة روسية على حساب النظام السوري، يجدّد توقعاته لينصدم بتصريح جديد متصلّب .
“الهستيريا” الجماعية في “المهجع” اللبناني كانت تعبّر عن نفسها بأشكال مختلفة في مطار بيروت الذي تحوّل إلى مثل “المستشفى” في فيلم “طيران فوق عش الكوكو” ومثل “الحارة” في رواية “أولاد حارتنا” لنجيب محفوظ ورصيف مرفأ باهيا في قصة “العم كينكاس يموت مرّتين” لجورج أمادو… تحوّل إلى المنفذ الأعلى لـ”الهستيريا الوجودية” في “المهجع” اللبناني.
النهار
عدوان من بعده فوضى../ سليمان تقي الدين
خارج الحسابات السياسية يريد كل إنسان عربي، وإلى حد بعيد غير عربي، أن تنتهي مأساة العنف والحروب بكل أشكالها في منطقتنا. هذه الرغبة شيء والصراع الدائر شيء آخر. ليس لدينا الآن أية قوة عظمى قادرة على إنهاء الحروب، بشرعية إنسانية وأخلاقية أو حتى بغير شرعية. فلن تنتهي الحروب والنزاعات العنيفة لمجرد دخول طرف قوي عليها.
ما نحن بصدده ليس فقط خروجاً على الشرعية الدولية برغم ضعف هذه الشرعية، بل أمام عدوان يشنه طرف دولي خارجي في مواجهة وضد أطراف آخرين. لا حروب عادلة بهذا المعنى، ولا حرب أخلاقية ضد حرب أخرى لا أخلاقية. هناك بالتأكيد جرائم ضد الإنسانية ارتكبت وما تزال ترتكب في سوريا. جرائم همجية بربرية يندى لها جبين الإنسانية، وهناك مسؤوليات عن هذه الجرائم أكبر من المسؤوليات عن الحرب نفسها. لكن المسألة لا تحل بإطفاء النار بالنار، والحرب بتوسيع نطاق الحرب والمشاركين فيها وأطرافها. النظام الدولي و«المجتمع الدولي» مدان ومسؤول بجميع أطرافه عن مأساة سوريا، كما عن المآسي الأخرى في العراق وأفغانستان وفلسطين، والمهملات أو المنسيات، في ليبيا والصومال ومالي واليمن وغيرها الكثير. لو أن الأمور تعالج بالمواعظ والصلوات، بالمعايير الأخلاقية، أو حتى بالمعايير الدينية وحرمة مقدسات الشعوب لتغيّرت الظروف كلها.
لا شيء حصل ويحصل من دون تاريخ. للاستبداد تاريخ، للعنف تاريخ، للحقد والكراهية والظلم والحاجة إلى العدالة والسلم والأمن والاستقرار. ليس في هذه المأساة الإنسانية الكونية في أبعادها والمسؤولية عنها «أناس بلا خطيئة» ليتولوا عملية الخلاص. برغم تقدم وتطور الأنظمة السياسية والاجتماعية وتطورها ومرجعية القانون وحقوق الإنسان، ما زال المجتمع الدولي أقرب بكثير إلى معايير القوة وليس إلى معايير الحق والقانون والعدل. موازين القوى هذه هي التي تحكم العالم لا مبدأ القانون والعدل والمساواة. «صه.. صه لا تحكي.. الملك أساسُ العدلِ. مَنْ يملك سكيناً يملكُ حقاً في قتلي».
رغبتنا الإنسانية أن تنتهي المأساة السورية، لا تجرفنا إلى وهم انتظار حل من الأقوياء خبرناه أصلاً ونراه بوضوح مقدمة لجرائم أكبر، بحق الشعب السوري وشعوب أخرى نحن منها على قائمة التداعيات المنظورة والمحتملة بل شبه المؤكدة. إذا كانت الأزمة السورية هي ثورة شعب تحولت إلى حرب أهلية، مضروبة بصراعات مصالح إقليمية ودولية وتدخلات مباشرة من جهات العالم الأربع، فلا يمكن لها أن تسلك طريق الحل بضربة عقابية على جرم حقيقي، ولا تأديبية، لقوى لها سجل حافل بانتهاك حقوق الإنسان.
المسألة أن القوى المتنازعة أكثر اتساعاً وتشعباً وجهوزية لنشر العنف والفوضى بقطع النظر عن موقفنا الأخلاقي منها. أحلامنا وتمنياتنا أن تتوقف هذه المأساة لا يجب أن تتحول إلى كوابيس حين نستفيق وقد اتسعت الحرائق واتسع الدمار واتسعت الفوضى.
لسنا متوهمين بإمكان مزاوجة الحرب مع الخيارات الديموقراطية والمسرحيات الدعائية للمصالح العليا والقيم الكبرى المهددة. الإرث الإنساني كله مهدد في اللحظة التي تصبح القوة هي المرجع والحكم. لا تحكم العالم العقلانية والأخلاقية بل تحكمه شهوة السلطة وفائض القوة وروح العدوانية. ولسنا في الموقع المؤثر على هذه السلطة الممتدة على آلاف الكيلومترات العمياء «البالستية» الفاقدة للروح الإنسانية. ما نستطيعه ويجب أن نفعله فوراً هو حصر النار وحصر الصراع ليس باسم الأخلاق وحدها بل باسم غريزة البقاء وحق العيش بأمن وسلام قبل أي اعتبار آخر. ما يدور في لبنان، وما يتوقع من أفعال وردود أفعال ومواقف، مشاريع مدمرة فاشلة لا أفق لها. ما ندافع عنه في سوريا مع هذا الطرف أو ذاك يصبح معركة لبنانية. مقدسات لمقدسات، طوائف لطوائف، مشاريع لمشاريع، ولا نستطيع إلا أن نقحم البلد في جحيم لن يخرج منه أحد سالماً.
فأية قضايا هي أكبر من وجودنا وإنسانيتنا، وأي صراع هذا الذي لا نملك السيطرة عليه، وأية معركة انتحارية نخوض ونحن لا زلنا على البر ونقدر أن نتوافق على إخراج بلدنا من صراع دولي طاحن؟
السفير
فلنساعد الشعب السوري ونثبت أنه ليس وحيداً/ فاليري آموس *
تسيطر الأزمة في سورية واستخدام الأسلحة الكيماوية على عناوين الأنباء، وعلى المحادثات السياسية والديبلوماسية والبرامج الحوارية المسائية. ان مناقشة الأوضاع السياسية في سورية أصبحت منتشرة في كل مكان، غير أن شعبها لا يحظى بهذا الاهتمام.
أنا عائدة للتو من زيارة إلى دمشق، حيث الوضع مستمر في التدهور. يخترق الأذن هناك الصوت العالي والمستمر والدائم لقذائف الهاون، ويجري قصف ضواحٍ بأكملها من دون تمييز كما تعاني بلدات بأكملها من الحصار. ان المجتمعات المحلية والناس الذين عاشوا معاً في سلام لأجيال بعد أجيال، ينقلبون على بعضهم بعضاً.
الناس خائفون، وحياتهم على المحك مع استمرار القتال والوحشية وانتهاكات حقوق الإنسان من حولهم. انهم لا يعرفون ما يخبئه المستقبل. وحكت احدى الأمهات لي أن أطفالها يستيقظون وهم يصرخون ويسألون عما إذا كان هناك شخص ما سيأتي لإلحاق الضرر بهم. ويعاني ملايين الناس من نقص الغذاء والماء والكهرباء. وقد فر أكثر من مليوني شخص من البلاد.
ويعني انهيار الاقتصاد أن الأفراد لا يستطيعون إطعام أسرهم ويواجهون قرارات مستحيلة حول ما إذا كان ينبغي البقاء أو الرحيل، فعليهم أن يزنوا ما بين الخوف من الموت، أو الإصابة أو المرض، أو نقص الأطباء أو مرافق الرعاية الصحية، أو الارتفاع السريع لأسعار السلع الأساسية، وبين مستقبل مجهول المعالم يقفون على اعتابه كأشخاص بلا مأوى أو كلاجئين. فقد ذهب تعليم أبنائهم، ووظائفهم، وعلاجهم من حالات مزمنة مثل مرض السكري أو الفشل الكلوي في مهب الريح وربما إلى الأبد. ولا يمكن لأفضل مساعي وجهود وكالات المعونة الإنسانية أن تلبي هذه الاحتياجات كلها.
إن موظفي الأمم المتحدة الـ1000 في سورية وشركاءنا يعملون مع المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المحلي لإيصال المساعدات لمن هم في أشد الحاجة إليها، ونعلم أننا لا نفعل ما فيه الكفاية. هناك أجزاء كثيرة من البلاد بعيدة المنال بالنسبة إلينا، إما لخطورة السفر إليها، أو لأنه لا يسمح لقوافل المساعدات الخاصة بنا المرور من عشرات من نقاط التفتيش التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المختلفة. وتأتي إلى مسامعنا تقارير تفيد بأن الإمدادات الغذائية منخفضة بشكل خطير في بعض الأماكن، ولكن، لا يمكننا فعل أي شيء في هذا الصدد. ويعمل 3500 موظف آخر للأمم المتحدة مع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات والمجتمعات التي تم استهدافها.
وبينما تستمر المساعى لإيجاد حل سياسي، يجب علينا أن نتذكر أن وراء الحديث عن الكوارث الإنسانية ووراء الأرقام، هناك ناس هم محل اهتمامنا. وقد تكون الصور التي نراها مرعبة للغاية ومقلقة إلى درجة اننا نقوم بضبطها على نحو يخفف عنا. وإذا كان هذا المشهد يصعب علينا رؤيته، فهو واقع يومي للشعب السوري. ما رأيته وسمعته في سورية وسّع مداركي وفتح بصيرتي على التكلفة البشرية الهائلة لهذه الأزمة. وما زال مجلس الأمن منقسماً حول كيفية إيجاد حل سياسي. لكن، في الوقت نفسه، يجب أن تتضافر جهودنا من أجل تعزيز الاستجابة الإنسانية.
أدعو أعضاء مجلس الأمن مرة أخرى إلى العمل معاً بهدف منحنا الفرصة الكاملة لإيصال المساعدات الإنسانية إلى الأهالي في المناطق الأشد تضرراً وحماية المدنيين والمرافق الطبية والعاملين في المجال الإنساني. وأنا أسأل جميع البلدان أن تبادر الى الاجتهاد بكد لإيجاد الموارد التي نحتاجها لمواصلة عملنا.
ذكر لي العديد من السوريين، والنساء على وجه الخصوص، أن المجتمع الدولي تخلى عن الشعب السوري، وأننا نسير على الجانب الآخر. وأنا عاقدة العزم على أن نعمل معاً لإثبات أنهم على خطأ.
علينا أن نثبت للسوريين أنهم ليسوا وحدهم، وأننا لم نتخلَّ عنهم، وأن العالم يهتم بهم.
* وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، منسّقة الإغاثة في حالات الطوارئ
الحياة
أوباما أمام المتاهة السورية/ محمد كاظم سجاد بور *
إثر استخدام الأسلحة الكيماوية، اعلن البيت الأبيض عزمه على شن هجوم على سورية يوجه رسالة تحذير الى قيادتها. في وقت أول، تعاطفت دول كثيرة مع القرار الأميركي، لكن الرئيس باراك اوباما سرعان ما رمی الكرة في ملعب البرلمان ليربط الهجوم بموافقته.
ويسود اعتقاد ان الرئيس الأميركي يجبه ثلاثة عوامل تتقاطع فيها المصالح والسياسات في الهجوم التنبيهي الاستراتيجي علی سورية، وهي العوامل الداخلية الأميركية والإقليمية والدولية.
في الداخل، يواجه اوباما وضعاً في غاية الحساسية. من جهة يخضع لضغوط الجماعات والشخصيات المؤيدة للحرب والتي انحازت في السابق الى الحروب الأميركية. وفي هذا المعسكر، يقف المحافظون الجدد من الحزب الجمهوري المقربون من إسرائيل وبعض الدول الإقليمية، وهم يقرعون طبول الحرب. ويتذرع هؤلاء بالهجوم الكيماوي ليحملوا الرئيس على شن هجومه علی سورية.
لكن اوباما لم يغفل ان بلاده مثقلة بتبعات حروب سابقة خاضتها في العراق وأفغانستان، وأن معارضته الحروب التي شنها سلفه، جورج بوش، ساهمت في بلوغه البيت الأبيض وفي حيازته جائزة نوبل للسلام.
في مطلع ولايته الثانية، حضّ أنصار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو والجماعات الداعية الى الحرب الرئيس الأميركي على مهاجمة ايران. ولكن في المناظرة التلفزيونية مع منافسه ميت رومني نجح أوباما في استمالة الرأي العام الأميركي بمعارضة الحرب. وعلى رغم أن استخدام السلاح الكيماوي يهز ضمير الشعوب ولو كانت منهكة من الحروب، بقي الشعب الأميركي على موقفه من رفض شن حرب طويلة. وأوباما يريد أن ينهي رئاسته بترسيخ مبدأ رفض الحروب.
إقليمياً، المنطقة مازالت تئن من عجز السياسة الأميركية عن إنهاء الأزمة السورية. وتشير الحوادث إلى أن موازين القوى ليست لصالح المجموعات المسلحة بل تميل إلى النظام. ولا تملك المجموعات المناوئة له استراتيجية موحدة. قبل سقوط الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، كان ثمة إجماع تركي وسعودي ومصري على الموقف من سورية، ولكن، إثر سقوط الإخوان المسلمين، تغيرت المعادلة، وتباينت مواقف الدول الإقليمية. ولا تجد بعض هذه الدول التي تقود المساعي المعارضة للنظام السوري، إلا الاستعانة بأميركا من اجل تغيير موازين القوى في الداخل السوري وإضعاف النظام. وتواجه أميركا، كذلك، خطر المجموعات التكفيرية، فهي لا تعرف هل ستخضع لتوجيهاتها أم ستتمرد عليها.
وتقتضي الإشارة الی الموقف الإيراني، فهو مختلف عن مواقف اللاعبين الآخرين الذين يرمون الى تقويض النفوذ الإيراني من طريق استغلال الأزمة الســـورية. وهــــذه الأزمة متعددة الجوانب الإنسانية والسياسية والاستراتيجية. ولا يسع احداً أن يقبل باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المواطنين. ويسعى لاعبون اقليميون الى استمالة اميركا من اجل اطاحة النظام السوري.
على المستوى الدولي، توازن اميركا بين مجموعة من المفاهيم والقيم، فالأسرة الدولية تعارض القيام بهجوم عسكري خارج مظلة مجلس الأمن ولا تريد انبعاث الأحادية الأميركية. وتعارض روسيا والصين مساعي اوباما الذي طعن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في أخلاقه السياسية. وأخفقت واشنطن في إرساء اجماع دولي على معاقبة النظام السوري اثر اتهامه باستخدام السلاح الكيماوي، والملفت ان البرلمان البريطاني رفض الدخول في حرب الی جانب الولايات المتحدة، وكذلك فعلت ألمانيا. وبرزت حركات شعبية غربية معارضة للحرب.
السياسة الأميركية الاستراتيجية إزاء الأزمة السورية ترمي إلى إضعاف سورية، ولن تتراجع عن هدفها هذا، وهو مشترك مع أصدقائها وحلفائها. وثمة حرص علی تقويض الدور السوري وتهميشه كلاعب إقليمي بارز. ولكن هل يصب انحسار نفوذه في مصلحة الولايات المتحدة؟ لا يبدو ان تحوّل سورية صومال جديداً في المنطقة يخدم المصالح الأميركية.
وهكذا يبدو طريق اوباما في المنطقة شائكاً، إذ يقف امام متاهات كثيرة. وليس في مقدور القوة العسكرية ان تبدد غموض مستقبل هذه السياسة التي دامت اكثر من عامين. وقد لا تأتي نتائج التدخل العسكري الأميركي بما يشتهي أصحابه.
* محلل، عن «تابناك» الإيرانية، 7/9/2013، اعداد محمد صالح صدقيان
الحياة
هل تؤدي الضربة الأميركية إلى صفعة أخيرة لآخر رموز الاستبداد؟/ سام منسى *
لم تحصل المفاجأة التي راهن عليها البعض بالتوصل إلى إطار تفاهم بين واشنطن وموسكو في شأن سورية خلال قمة الدول العشرين، بعد الصحوة الأميركية المتأخرة التي تجلت بدعم داخلي غير مسبوق للرئيس باراك أوباما للقيام بعملية عسكرية ضد النظام في سورية.
عدم حصول المفاجأة ربما كان سببه أن الطرفين لم يسعيا إلى تلك التسوية، أولاً بسبب الهوة التي تفصل بين موقفيهما، وثانياً بسبب التوتر القائم بين أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الصعيد الشخصي.
قد تكون المساحة لإيجاد تسوية تتعلق بمصالح الطرفين متوافرة، إنما أداء روسيا كدولة وبوتين كشخص وممارسات نظام الأسد في سورية المستفزة على أكثر من صعيد، جعلت من أوباما محارباً وإن «محارباً غير سعيد» على ما وصفته مجلة «تايم» على غلافها في عددها الأخير، ما أعاد إلى واشنطن بعضاً من الصورة التي بدت خلال السنوات الماضية وكأنها انكسرت.
الرئيس الأميركي لم يكن ساذجاً إلى حد الأمل في الحصول على توصية تتبناها قمة العشرين وتجيز له العمل العسكري الذي قرر تنفيذه ضد نظام الأسد. إنما كشفت القمة حدود القدرة الروسية السياسية والتعبوية تجاه دول العالم، بحيث إنها عجزت حتى الآن عن إصدار بيان مشترك مع الصين بالنسبة إلى الموقف من الأزمة السورية.
لا بد من الإشارة بداية إلى أن تشابك الأزمة السورية مع ملفات المنطقة وتعقيدات العلاقات الدولية، قد فرض نفسه على النقاشات التي سعت إلى تلمّس حلول مجدية وقابلة للتطبيق في سورية. إنما الحدة التي وصلت إليها الحرب في سورية نتيجة تجاوز ممارسات النظام كل حدود المنطق، أدت إلى خلط الكثير من الأوراق، كما أدت إلى إعادة «إيقاظ» الأميركي.
ففي خضم الأحداث التاريخية التي شهدتها المنطقة، ظهرت أميركا وكأنها مرتاحة إلى المسار السياسي الانحداري الذي تعيشه والذي قلنا في مقال سابق إنه جعلها «منطقة خارج السيطرة»، وكانت ترى أنه من الأجدى لها أن تصرف جهودها في مكان آخر.
إلا أنه تبين للإدارة الأميركية أن مصالح الولايات المتحدة قد تتضرر كما مصالح حلفائها، نتيجة هذا التخلي وغض النظر عما يجري في الشرق الأوسط. وكما كان استعمال السلاح الكيماوي وراء التغيير في الأداء الأميركي، ساهم في ذلك أيضاً خطر التمدد الإيراني على حلفاء واشنطن في المنطقة، لا سيما دول الخليج العربي وكذلك، وبدرجة أعلى، تهديد قدرة أميركا على ردع إيران عن مشروعها النووي.
الذي لا يستطيع أن يردع الأسد عن الإمعان في المجازر مهما كانت التعقيدات الإقليمية والدولية صعبة، لن يتمكن بالتالي أن يقف بوجه إيران النووية. وفي السياق نفسه، ينبغي متابعة المواقف الإسرائيلية وطريقة رصدها لمواقف الإدارة الأميركية تجاه سورية.
ويضاف إلى كل ما سبق سقوط سياسة الولايات المتحدة التي استندت طوال نصف قرن على الأقل إلى شراكة مع قوى الاستبداد التي حكمت المنطقة العربية، وفشل رهانها في المرحلة الحالية على تيار الإسلام السياسي المعتدل الذي لطالما ربطته علاقات جيدة مع الأميركيين. وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى أن بعض المتابعين والباحثين في واشنطن حذروا من أن «الإخوان المسلمين» حاولوا تصنّع الاعتدال للتقرب من واشنطن وسقط قناعهم في أول سنة من حكمهم لمصر.
العقدة السورية
إن انهيار رموز الاستبداد العربي الواحد تلو الآخر كان لا بد من أن يشمل الجميع. إلا أن العقدة السورية تحولت إلى قضية أكبر من أن تختصر بإنهاء سلطة هذا الديكتاتور القابع في دمشق.
ساد الاعتقاد بأن حجارة الدومينو المتساقطة و«الصحوة الإسلامية» الصاعدة مع تيار «الإخوان المسلمين» ستسود هي الأخرى في سورية، لكن بدا واضحاً أن فهماً محدوداً انعكس في كتابات الكثير من الباحثين وتحليلاتهم التي عجزت عن التقاط لحظة الانتفاضة الثانية التي تسارعت في «دول الإخوان» لتطيح مجدداً كل الرهانات على إمكان تجديد الشراكة معها في صَوغ مستقبل المنطقة، فضلاً عن عدم إدراك اعتراض غالبية دول الخليج العربي على هذا المسار وتصديها له.
إن قرار الرئيس الأميركي القيام بعملية عسكرية يمكن النظر إليه على أنه الصفعة الأخيرة التي ينبغي توجيهها إلى آخر رموز الاستبداد المتبقية، بعدما خرج على كل الأعراف والتقاليد في العلاقات الدولية، إذ شكل الهجوم الكيماوي للرئيس الأسد تحدياً مباشراً لواشنطن ولشخص الرئيس تحديداً.
صحيح أن الرئيس الأميركي قد قيد نفسه بنفسه ووضع القيود على «عمليته» العسكرية، إلا أنه من نافل القول إن أي قوة في العالم لا تستطيع القيام بهذه العملية إلا أميركا، بعدما انكشف ضعف أوروبا والأطلسي معاً.
إنما السؤال المطروح اليوم ليس عن حصول الضربة أم لا، بل إلى أين يمكن أن تؤدي؟ وهل هــناك قــرار استراتيجي أميركي بتغير الستاتيكو في المنطقة؟
لم تقدم الأحداث ورد الفعل والمداولات والتصريحات الأخيرة دليلاً مقنعاً على أن الولايات المتحدة ستقوم بعملية عسكرية قد تنهي النظام وتفتح الطريق أمام مسار جديد، يمكن القول معه إنه يسعى إلى الحفاظ على الدولة السورية.
فالرئيس الذي جاء بأصوات الرافضين لحربي العراق وأفغانستان، لن يغامر بحرب جديدة، ليس خوفاً منها أو من الرأي العام الأميركي فحسب بل لأن تجربة «التغيير» في هذا العالم العربي لم تؤدِّ حتى الساعة إلا إلى سيادة نمط من المجتمعات المأزومة والمنفتحة على شتى أنواع الحروب الأهلية، سواء كانت سافرة أو مقنّعة.
إنهاء حكم صدام حسين في العراق لم يثمر إلا بلداً مفككاً يعيش حرباً أهلية مفتوحة، وكذلك الأمر في اليمن وليبيا. أما تونس ومصر فيؤمل أن تتركا فسحة أمل بمسار ديموقراطي.
هل الولايات المتحدة تريد إسقاط الأسد؟ الجواب هو نعم. أما التردد فمرده إلى غياب البديل المقنع من جهة، والرغبة في الحفاظ على الدولة من جهة ثانية والعامل الإسرائيلي ثالثاً، وهو في رأي عدد كبير من المراقبين العامل المسؤول عن إدامة حالة الحرب الأهلية في سورية، ضماناً لتدمير سورية وإخراجها من معادلة الصراع مستقبلاً.
وعلى رغم أن القراءة الواقعية تحتم الحديث عن فشل الثورة السورية في بناء تنظيماتها وقياداتها السياسية والحزبية، فإن كلام وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن تضخيم دور «القاعدة» وأعداد المتشددين في المعارضة له أهمية كبيرة كونه يضيء على توجهات استراتيجية أميركية جديدة للتعامل مع الوضع في سورية في شكل يؤدي إلى تمكين المعارضة من تغيير ميزان القوى. وما يعزز هذه الرؤية وجنوح الولايات المتحدة إلى دعم القوى الليبرالية هو إعلان الإدارة الأميركية أنها قررت نقل العلاقة مع المعارضة السورية، بخاصة العسكرية منها، من الاستخبارات المركزية إلى وزارة الدفاع.
إعادة النظر هذه في علاقة واشنطن بالحركات الإسلامية من شأنها المساعدة على جعل حزب الحرية والعدالة الإسلامي الحاكم في تركيا وقطر يوقف دعمه ورعايته وتمويله وتسليحه القوى الإسلامية بكل تشكيلاتها في سورية.
يفتح هذا الأمر الباب أمام تساؤلات أوسع بالنسبة إلى العلاقة مع مصر، إذ إن «رخاوة» العلاقة مع القوى المصرية الجديدة التي أزاحت «الإخوان المسلمين» من السلطة، مكنت العسكر من تسلّم دفة القيادة من دون وجود ضمانات تسمح باستكمال المسار الديموقراطي في مصر.
وعلى رغم الدلالات المهمة والاستثنائية الممكن استخلاصها من الحدث المصري، يبقى في المقابل أن قوى التغيير السياسي في العالم العربي لا تزال تفصلها سنوات فلكية عن الحديث عن قوى ديموقراطية تغييرية. ولعل هذا من الأسباب الرئيسة التي تجعل التشكيك متاحاً، لا سيما للمتشائمين في عمليات التغيير الجارية أو تلك التي جرت.
طبعاً، ليس هم واشنطن الأول هو بناء ديموقراطياتنا العربية، لكن على الأقل قد يكون من حقنا التحدّث عن حد أدنى من ضمان احترام حق شعوب المنطقة في العيش بعيداً من المستبدين القدامى وأولئك الذين يحدّثون الاستبداد، كما عن أسلحة الدمار الشامل. فإذا أدت الهجمات الموعودة على قوات نظام الأسد إلى تحييد أداة موتنا الجماعي، فقد يشكل ذلك حصاة تسند أملاً بإمكان بناء قوى التغيير الحقيقي في هذا الوطن العربي.
* إعلامي لبناني
الحياة
مرة أخرى وليست أخيرة… عن «التدخل الإنساني/ وليد محمود عبدالناصر *
بمناسبة الحديث عن قرب تعرض الحكم السوري لضربة عسكرية من الولايات المتحدة، عاد الجدل مجدداً حول مدى إمكانية اللجوء إلى تبرير تلك الضربة المرتقبة عبر الدفع بأطروحة «التدخل الإنساني»، وهو مفهوم ما زال محل خلاف دولي قانونياً وسياسياً.
ولا تعد إثارة المسألة أمراً جديداً لتبرير التدخل. ويمكن القول إن طرح هذا المفهوم ومحاولة إكسابه الصبغة القانونية والمشروعية الدولية بدأ عقب الغزو العراقي للكويت في 1990، وجاء ذلك عبر وزير الدفاع الفرنسي آنذاك ووزير الخارجية في ما بعد برنار كوشنير، واتصالاً بدعوة حماية أكراد العراق مما تم اعتباره مذابح قام بها ضده نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بخاصة على خلفيات اتهامات لنفس النظام باستخدام أسلحة كيماوية ضد أكراد العراق خلال الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988). إلا أن هذا المسعى لم يأت أكله حينذاك، وذلك نتيجة معارضة قوية داخل الأمم المتحدة من غالبية دول العالم لمنح «التدخل الإنساني» صفة «الحق» قانونياً. ومع ذلك قامت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، ومن دون موافقة مجلس الأمن، بفرض منطقة حظر جوي، بداية في شمال العراق تحت ذريعة حماية الأكراد، ولاحقاً في جنوب العراق بحجة حماية العراقيين الشيعة من نفس النظام، ثم تمت إقامة منطقة برية محظورة على الجيش العراقي في الشمال أيضاً.
إلا أن الحالة الأبرز لممارسة «التدخل الإنساني» كانت حالة كوسوفو في النصف الثاني من التسعينات، نظراً لأنها الحالة التي تدخل فيها حلف شمال الأطلسي (الناتو) بحجة حماية السكان المدنيين من قوات صربيا، والتي كانت كوسوفو جزءاً من أراضيها، حيث كان هناك قدر ما من التعاطف الدولي مع هذا التدخل، على الأقل على مستوى الرأي العام العالمي، نظراً لكونه جاء عقب حرب استقلال البوسنة والهرسك والتي أدى تأخر التدخل الدولي فيها، سواء من جهة الأمم المتحدة أو غيرها، إلى تعرض مدنييها لمذابح على يد قوات متنوعة، ومنها قوات صربيا وميليشيات مختلفة. إلا أنه حتى في هذه الحالة، وبينما رأت بريطانيا مثلاً أن «حق» التدخل الإنساني هو الغطاء لتدخل «الناتو»، فإن الولايات المتحدة كانت أكثر حرصاً حيث وصفته بأنه لا يمثل قاعدة أو سابقة. كما أن ما دعم الدفع بطرح «التدخل الإنساني» كان دعم المنظمة الإقليمية المعنية، بخلاف الحالة العراقية.
وجاءت آخر حالة للدفع بطرح «التدخل الإنساني» على الصعيد العربي في ليبيا، بعد ثورة الشعب الليبي على نظام العقيد الراحل معمر القذافي، وفي مسعى لوقف الهجوم المضاد الذي كانت تقوم به قواته حيث بدا أنه بصدد النجاح في القضاء على الثوار، وجاء المبرر بأن قوات الجيش الليبي تعمل لخدمة الحاكم والنظام وليس الشعب. وأدى هذا التدخل، وإن اقتصر على البعد الجوي، إلى قلب موازين القوى وشكل غطاءً مهماً لانتصار الثوار. وتجدر الإشارة إلى أن التدخل هذه المرة جاء بعد ضوء أخضر من جانب المنظمة الإقليمية المعنية، وأعني جامعة الدول العربية، كما بعد اتخاذ مجلس الأمن لقرار فضفاض سمح بتفسيره على أنه يعطيه أيضاً الضوء الأخضر.
وأمام الحالة السورية فالوضع ليس مماثلاً لأي من الحالات السابقة أو غيرها حيث رفع شعار «التدخل الإنساني» لتبرير التدخل العسكري الخارجي، على رغم وجود أوجه للتشابه مع هذه الحالة أو تلك منها. فهنا تقول الدول المنتوية للتدخل، بخاصة الولايات المتحدة وفرنسا، أنه لن يكون هناك تدخل بري أو متواصل، بل ضربة محدودة الزمن والأهداف ولا تهدف لإسقاط النظام. كما ارتبط الأمر، مثل الحالة العراقية، باتهام النظام الحاكم باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، في انتظار تقرير بعثة التفتيش الأممية والذي قد يستغرق بعض الوقت. وبالمقابل، غاب أي قرار من مجلس الأمن، بخلاف الحالة الليبية، في ضوء استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) وكذلك معارضة دول أخرى أعضاء في مجلس الأمن لاعتبارات مختلفة، وجاء موقف مجلس وزراء الخارجية العرب يحمّل النظام السوري المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيماوية، وكما في الحالتين العراقية والليبية، جاء موقف غالبية فصائل المعارضة السورية مؤيداً، بل داعماً، للتدخل العسكري الأجنبي.
وستوضح الأيام المقبلة، في حالة حدوث هذه الضربة، مدى الجهد القانوني والسياسي الذي سنراه من مختلف الأطراف ذات الصلة، إما لتكييف الضربة مع «التدخل الإنساني» أو، على النقيض، لإثبات عدم وقوعها تحت تلك المظلة، أو رفضاً لهذا المفهوم أصلاً وتشكيكاً في قانونيته.
* كاتب مصري
الحياة
حظ الأسد بحلفائه وأعدائه/ رندة تقي الدين
الثورة السورية أظهرت حسن حظ بشار الأسد بحلفائه روسيا وإيران، وبأعدائه أيضاً الرأي العام في الدول الديموقراطية ورئيس أميركي ضعيف. إن الاقتراح الروسي بوضع السلاح الكيماوي السوري الذي مدته به روسيا نفسها لقتل شعبه أنقذ الرئيس أوباما من تردده وتأخره بضربة عسكرية لسورية لردعها عن استخدام السلاح الكيماوي مجدداً ضد الشعب السوري.
ما لا شك فيه أن أوباما منذ البداية لم يكن يريد الانجرار إلى أي تدخل عسكري في سورية. فبدأ باقتراح تصويت الكونغرس الذي أخذ وقته ليعود من إجازات الصيف. ثم الآن جاء الاقتراح الروسي لينقذه من ذلك مؤجلاً تصويت الكونغرس ومعطياً المزيد من الوقت للأسد للقتل والقمع، بمساعدة حلفاء أثبتوا أنه يعتمد عليهم أكثر من حلفاء الثورة السورية اليتيمة. فالثوار السوريون على الأرض متروكون من رأي عام غربي لا يرى إلا خطورة الجهاديين والمسلمين المتطرفين، ولا يزعجه نظام قمعي يستخدم الـ «سكود» والطائرات الحربية ضد شعبه لأنه غير معني بذلك، على عكس قياداته مثل فرنسوا هولاند ووزير خارجيته لوران فابيوس.
إن الضربة العسكرية التي تحدث عنها أوباما وهولاند والأوروبيون لم تكن من أجل الحل في سورية ومن أجل تنفيذ نص مؤتمر «جنيف – ١» وإبعاد الأسد وجماعته عن الحكم. والعدول عنها لا يغير الكثير، لكن فلتان الأسد من العقاب لما يقوم به في حق شعبه أصبح واقعاً نتيجة لا مبالاة الرأي العام العالمي، وأيضاً وعي مفاجئ للنظام السوري بأهمية الإعلام الغربي. فها هو يعطي تأشيرات دخول لجميع وسائل إعلام العالم «الحر» ليقدم لهم روايته لما يجري على الأرض. ففي الأيام الأخيرة تخوف النظام السوري من الضربة الأميركية فتغلغلت وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية والفرنسية لإقناع الرأي العام بأن النظام السوري بريء وبأنه يحارب إرهابيين مسلمين متطرفين من «القاعدة» وغيرها وأن لا ثورة في البلد. يبدو أن النظام السوري استفاد من خبرة صديقه اللبناني الموقوف ميشال سماحة في التعامل مع وسائل الإعلام الغربية لبث روايات النظام. إن أسوأ ما في هذا الصراع أن الرأي العام في الغرب لا يبالي بالمجازر ولا يهمه أن يقتل ١١٠ آلاف سوري و١٤٠٠ بغاز السارين الروسي الصنع طالما هذا بعيد… في سورية، وطالما هناك جهاديون مسلمون متطرفون فليترك النظام هذا أفضل الشرين للغرب.
لكن هولاند وفابيوس أظهرا مشاعر إنسانية ملفتة وشجاعة أمام رأي عام مهتم فقط بمصالحه المحلية ومعارض للضربة العسكرية ومعاقبة الأسد. ولكن، لسوء الحظ، يخلط الرأي العام الفرنسي بين السياسة الداخلية ومواقف هولاند في السياسة الخارجية، فلم يتبع خيار رئيسه لأسباب داخلية بحتة. لكن ضعفه في استطلاعات الرأي لم يمنعه من اتخاذ قرار شجاع وإنساني إزاء ما يفعله النظام في سورية، وتصرف بوعي ومسؤولية وحزم. أما اليمين الفرنسي المعارض فكانت مواقفه مخيبة للأمل، بمناورات سياسية للاستفادة من فرصة لانتقاد خصم سياسي اشتراكي وغض النظر عما يجري في سورية باستثناء وزير الخارجية السابق آلان جوبيه الذي أثبت مجدداً صفات رجل الدولة. فالآن وقد أثبت للعالم أن مهما حصل من مجازر ومهما كان عدد القتلى في سورية لا أحد بإمكانه أن ينقذ الثورة السورية الحقيقية إلا الثوار أنفسهم على الأرض والدول الصديقة مثل فرنسا ودول عربية فاعلة تمدها بالسلاح الذي تحتاج إليه لردع القصف الجوي للنظام وجماعته. سبق للرئيس الفرنسي أن التزم بهذا الوعد إذا لم يتم العقاب عبر ضربة عسكرية لأنه مقتنع على حق بأن لا حل سياسياً من دون قلب الموازين على الصعيد العسكري في سورية. فحتى يتم ذلك كم ضحية إضافية ستسقط يومياً بسلاح نظام مستمر بنهج لا يعرف غيره؟
الحياة
أكاذيب ومسؤوليات/ عبدالله إسكندر
أعلن النظام السوري فجأة تخليه عن قرار سيادي بترحيبه وضع ترسانة أسلحته الكيماوية تحت رقابة دولية تمهيداً لتدميرها. هكذا إذن يعترف هذا النظام بامتلاكه مثل هذه الترسانة، بعد نفي لأعوام طويلة جرى تكراره على نحو شبه يومي منذ عامين ونصف العام. وماذا عن الترسانة الجرثومية؟ هل يملك النظام السوري مثل هذه الترسانة، وهل تخضع للعرض المتعلق بالكيماوي؟
لكن لماذا على النظام أن يتخلى عن ترسانته، ما دام مرتكبو المجزرة الكيماوية في الغوطتين هم الإرهابيين الذين خطفوا أطفال الساحل السوري لحرقهم بالكيماوي في ريف دمشق؟
ترى هل سأل الوزير سيرغي لافروف، قبل أن يعلن عرضه وضع الترسانة الكيماوية تحت إشراف دولي، الوزيرة والمستشارة الإعلامية بثينة شعبان التي شاركت الوزير وليد المعلم في المحادثات في موسكو، عن أدلتها لإعلان حرق أطفال الساحل في ريف دمشق بالكيماوي على أيدي الإرهابيين؟ وهل كان لجوابها دور في العرض؟ الأرجح لا، ليس لأن الوزيرة المستشارة فقدت حس الاتجاهات ومعنى الأدلة منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية، وإنما لأن الوزير لا يهمه من قتل في الغوطتين بل يريد حماية النظام.
في أي حال، ظهر من الترحيب السوري بالعرض جملة أكاذيب ظل يروجها النظام في دمشق، ويدسها في وسائل إعلام «محايدة»، ليؤكد تعرضه للمؤامرة الصهيونية – التكفيرية. ليصبح كيماوي الغوطتين سلاحاً إسرائيلياً وفرته مخابرات عربية خليجية للإرهابيين التكفيريين الذين أحرقوا به المدنيين السوريين. لكن لماذا لم يطالب النظام بوضع الترسانة الكيماوية الإسرائيلية والخليجية تحت الرقابة الدولية بدل مخزونه؟ لا بل لماذا لم يطالب بتحقيق في امتلاك المعارضة المسلحة لترسانة كيماوية لمصادرتها ووضعها تحت إشراف دولي وتدميرها؟ إنه لم يفعل ذلك، لأنه يعرف أن كل ما سربه أكاذيب وأن المعلومات الدقيقة عن استخدام السلاح الكيماوي باتت معروفة وموثقة، وتالياً لا يمكن الهروب من مسؤولية هذا الاستخدام. فلذلك ينبغي نزع ذريعة حيازة هذا السلاح لتعقيد القرار بتوجيه ضربة عسكرية غربية لقوات النظام، فجاء عرض التخلي عنه، رغم ما في ذلك من تخل عن شأن سيادي. لتنكشف بذلك كذبة كبرى أخرى عن السيادة التي طالما تغنى النظام بأنه لا يتساهل بها، فإذا به «يهديها» للمجتمع الدولي حفاظاً على وجوده…
في أي حال، أطلق العرض الروسي، وما رافقه من ترحيب سوري ومن حلفاء دمشق وفي واشنطن، عملية ديبلوماسية تتضمن الكثير من الغموض والتفاصيل على نحو قد تأخذ معه أشهراً قبل التوصل إلى اتفاق دولي – سوري على كيفية نقل السيادة على الترسانة وتجميعها وتدميرها، بما يكون أفرغ العملية من أهدافها التي في مقدمتها التوجه إلى حل سياسي.
لكن هذا الحل السياسي لن يستقيم ما لم يكشف مرتكبو الجرائم الجماعية والمسؤولون عن استخدام أسلحة دمار شامل وأن يمثل هؤلاء أمام المحاكم لتثبيت المبدأ أن مرتكباً لجرائم ضد الإنسانية لن يبقى مستتراً ومن دون عقاب، وتالياً ليس جزءاً من أي حل سياسي.
في هذا المعنى، لن يكون تسليم الترسانة الكيماوية، في حال حصوله وبسرعة، بديلاً من كشف المسؤولين عن مجزرة الغوطتين ومحاسبتهم، لا بل ينبغي أن تسير العمليتان معاً، بغض النظر عن الضربة العسكرية التي يبدو أنها أصبحت مسألة داخلية في الولايات المتحدة وفرنسا.
الحياة
تفكيك الكيميائي بدل النظام/ موناليزا فريحة
لم يوافق النظام السوري منذ بداية الازمة على اقتراح لا يضمن بقاءه، ولا هو سارع الاثنين الفائت الى اعلان قبوله بفكرة نزع أسلحته الكيميائية، لو لم يكن واثقاً من أن خطوة كهذه، إذا حصلت، لن تؤثر في ميزان القوى على الارض ولن تضعف موقعه في أية عملية تفاوضية.
في الشكل، بدا اقتراح مرتجل من كيري تلقفه الديبلوماسي المحنك سيرغي لافروف من موسكو وذهب به أبعد ، كأنه اختراق محتمل لا في أزمة سوريا فحسب، وإنما ايضا مخرج لتورط أوباما وحرج هولاند وعزلة كاميرون.
عمليا، أدركت موسكو أن الجميع يبحثون عن مخرج فطرحت فكرتها التي كانت لتبدو مستهلكة في ظروف مختلفة. فبين أروقة الكونغرس أكثر من اقتراح لم يلق اهتمام الادارة الاميركية. وسبق لروسيا نفسها أن رفضت اقتراحا في هذا الشأن عرضه عليها السناتور لوغار العام الماضي، بعدما هددت دمشق باستخدام الاسلحة الكيميائية ردا على أي اعتداء خارجي عليها، في ما بدا اعترافا أول
للنظام السوري بامتلاكه مثل هذه الاسلحة. أما في الظروف الراهنة، فبدا اعلان لافروف فكرة جريئة تتيح للجميع “هبوطا آمنا”. ولم يكن متوقعا لسوريا أن ترفض لموسكو مثل هذا الطلب. ولِمَ ترفضه أصلا إذا كان يجنبها ضربة أميركية كان يمكن أن تقلب موازين القوى على الارض ويفتح الباب لمساومات لا نهاية لها في شأن المراقبين وآلية الرقابة وغيرها.
في السياسة، يبدو الاقتراح الروسي بديلا من حرب لا أحد يريدها والجميع يستعدون لها، لكنه وإن جنب سوريا الضربة، فقد يكون بذاته متاهة للمجتمع الدولي الذي سبق له أن اختبر مثلها مع النظام العراقي في رحلة البحث عن أسلحة صدام حسين للدمار الشامل.
ففي مواجهة موجة التفاؤل التي أثارها اعلان لافروف في العواصم الدولية، تسابق خبراء على ابراز صعوبة تنفيذ آلية وضع الاسلحة الكيميائية تحت رقابة دولية. فحتى لو امتثل النظام السوري لهذا الطلب فعلا، ولم يكتف بمجرد الترحيب به، ثمة عوائق عدة تعترض طريق تفكيك الترسانة السورية. أما تدميرها فقد يستغرق وحده سنوات.
ومع أنه من السابق لأوانه تحديد نسبة الربح والخسارة من الاقتراح الروسي، فالمؤكد أن النظام السوري نجح حتى الان في الافلات من ضربة بدت للمرة الاولى منذ سنتين ونصف سنة من عمر الازمة السورية وشيكة. ومع ذلك، تبدو مجازفة الافراط في التفاؤل بأنه سيتخلى عن سلاح يوفر لا لنظامه فحسب، وإنما لايران وحلفائها ايضاً، درعا محتملة في المواجهات المفتوحة في المنطقة.
النهار
المخرج الروسي ضربة معلّم للمعلّم موسكو تشترط تراجع أوباما عسكرياً/ خليل فليحان
اذا كان هدف الرئيس الاميركي باراك أوباما معاقبة الرئيس السوري بشار الاسد لاستعماله السلاح الكيميائي، فإن المخرج الروسي القاضي بوضع مخازن السلاح الكيميائي تحت الرقابة الدولية لا يفي بالغرض، لأن الاقتراح لا يلحظ اي عقاب للرئيس السوري.
وفي معرض تعليقها على المقترح الروسي قالت مصادر لبنانية مسؤولة: “يخطئ اوباما اذا لم يتجاوب مع المخرج الروسي الأشمل، لان تنفيذه كاملاً يعني تعطيل فاعلية هذا السلاح الممنوع دوليا والذي تملك منه سوريا بحدود 1000 طن. هذا المخرج أتى كما يقال “رمية من غير رام”، والاتصالات والمشاورات لم تهدأ على ارفع المستويات بخصوص الاقتراح بين واشنطن ولندن وحلفائهما من العواصم مثل باريس وبون.
ورأت ان اقتراح الحل الديبلوماسي الروسي للسلاح الكيميائي خيب آمال بعض الدول العربية التي تطالب بضربة عسكرية لمعاقبة الرئيس بشار الاسد على استعماله السلاح الكيميائي ضد المدنيين في الغوطة الشرقية، وبأن تؤدي تلك الضربة اذا لم يكن الى انهيار النظام فعلى الاقل الى إضعاف قدرات قواته العسكرية. وقد برز عدم رضا دول مجلس التعاون الخليجي في بيان صدر عنه وركزّ على ان “السيطرة على السلاح الكيميائي لا توقف نزف الدم في سوريا”.
ولاحظت ان الاقتراح الروسي لم يدفع بالرئيس اوباما الى تبنيه فهو اكد تشاوره مع نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند ومع رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون. والجديد هو ان اوباما قبل بطرح هذا الاقتراح على مجلس الامن، ولكن رؤية نظيره الروسي فلاديمير بوتين الى التخلي عن مخزون السلاح الكيميائي لا تكتسب اي مغزى فعلي، ولا تصبح قابلة للتطبيق إلا في حالة واحدة هي إعلان أميركا وكل من يدعم مخططاتها تخليها عن استخدام القوة ضد الاسد.
وتوقفت عند ما تقبل به موسكو، وهو صدور بيان عن رئيس مجلس الأمن يتضمن الترحيب بالمبادرة الروسية القاضية بوضع الاسلحة الكيميائية تحت الرقابة الدولية ودعوة الامين العام للامم المتحدة والامين العام لمنظمة حظر الاسلحة الكيميائية والاطراف المعنيين الى السعي لتطبيق الاقتراح الروسي، علماً أن البيان لا يمكن ان يصدر الا باجماع الدول ذات العضوية الدائمة وغير الدائمة التي يتألف منها المجلس.
ولفتت الى ان بروز خلافات في مجلس الامن، فوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف رفض الاقتراح الفرنسي بتبنّي مجلس الامن قرارا تحت الفصل السابع لارغام النظام في سوريا على التقيد بما سيصدر عنه.
وتلقت معلومات فحواها ان الاقتراح الروسي طرحه بوتين على اوباما الاسبوع الماضي خلال قمة العشرين التي عقدت في سان بطرسبرغ، وفي تقرير ديبلوماسي ورد الى بيروت ان اوباما استساغ الاقتراح لانه قد ينقذه من صعوبات سيصادفها اذا ما اتخذ قرارا بتوجيه ضربة عسكرية الى النظام السوري.
واكدت ان موسكو تؤدي دورا رئيسيا في لجم الاندفاعة العسكرية الاميركية بتلقيم قاذفات الصواريخ على متن البوارج في المتوسط، ولم يعد احد يصدق ان الساعة الصفر لن تقترب مع كل التحضيرا ت العسكرية، بدليل ترحيل الموظفين الأميركيين غير الاساسيين مع عائلاتهم من السفارة الاميركية في عوكر، اضافة الى رسائل نصية ارسلتها السفارة الفرنسية الى الرعايا الفرنسيين في لبنان تلفتهم فيها الى ضرورة توخي الحذر في تحركاتهم.
النهار
“العرض الكيميائي”… والمَدْبَرَة!/ الياس الديري
مَنْ يستطيع أن يقول للناس في أميركا وروسيا وفرنسا وكل أوروبا وكل المشرق العربي، وللسوريّين المتروكين لقدَرِهم ولهذا القدْر من أسلحة الموت والدمار على أنواعها، مَن يستطيع أن يقول لهؤلاء ماذا حلّ بـ”الحرب” أو “الضربة المحدودة”، وكيف ستتوقف آلة القتل الجماعي والتدمير العشوائي، وعلى أيّة أسس، وأيَّة شروط، وما هو مصير النظام والقَتَلة، ومصير كميَّة المخزون الكيميائي الأكبر في العالم؟
وإلى أين، المنطقة، والشرق الأوسط “الجديد” بعد كل هذا الضجيج، وكل هذه الخطب والتصريحات… وما الذي سيتغيَّر؟
ثم، هل هناك “عرض” حقيقي قابل للتنفيذ، ويؤدِّي تطبيقه إلى وضع حدٍّ لهذه الحرب العشوائية؟
كل الكلام الذي هطل كالمطر، كالسيول الجارفة طوال نهارات وليالٍ، على الأميركيّين والأوروبيّين والعرب والسوريين خصوصاً وتحديداً، بدا أمس كأن الأرض انشقَّت وابتلعته.
ولم يبقَ أمام الناس، على الشاشات والمنابر، سوى الأسئلة المربكة والمرتبكة، وخصوصاً تلك المتصلة مباشرة بقرار الكونغرس الأميركي… الذي أرجئ إلى أجل غير مسمّى، إضافة إلى كومة من التصريحات التي تفسِّرُ الماء بعد الجهد بالماء.
لقد ضعنا بين الضربة والعرض. أين كنا، أين أصبحنا،؟
مثلاً، في جديد وزير الخارجية الفرنسي رولان فابيوس أن الوضع لا يزال في المربع الأول. وتأكيداً لعدم الاقتناع بكل هذه الهيصة العارمة، يشير إلى “أن كل الخيارات لا تزال واردة”.
هذا الحكي لا غبار عليه. ولكن، أين صارت “الضربة”، وما حلَّ بـ”العرض الكيميائي”؟
نلجأ إلى وزير الخارجيَّة الأميركي المستر جون كيري، الذي لم يتوقف عن الحكي والتصريحات والخطب حتى خلال فترة نومه، فنجده لا يزال على قلقه وارتباكه وخوفه من أن يعطي عدم التحرّك الرئيس السوري “رخصة ليفعل ما يشاء وأينما يشاء”.
ودائماً مع التذكير بأن استقرار الشرق الأوسط “يشكِّل أولويَّة للأمن القومي الأميركي”.
من هذه الناحية الشرق الأوسط على أعصابه معالي الوزير، وأخصُّ بالذكر لبنان الذي تطوّقّه الأزمات بكل أنواعها.
فالهمُّ قد دبَّ في الرُكَب حالاً. إذ إن ما يُدعى أو يُسمى “التداعيات” ستكون من نصيب هذا البلد – الغابة. وقد تفلت عليه المصائب والكوارث، مثلما أُفلتت علينا تلك المدْبَرة في طفولتنا، وكنا يومها جمعة من الأولاد الأقارب… فخطر لنا أن نحركش الدبابير بقضبان من أغصان الزيتون.
فتلقّينا درساً بقي راسخاً في الأذهان، حتى جاد الزمان علينا بتجارب أقسى منه.
الخوف كل الخوف أن تكون ذيول التطوُّرات التي طوَّقت “ضربة الرئيس أوباما” وأحلَّت محلّها “العرض الكيميائي”، شبيهة بذيول “تحرَّشْنا” بمدْبَرَة كرم الزيتون…
النهار
شفير الهاوية وحافة الحل/ ربيع بركات
أدلت إدارة البيت الأبيض بما لديها في ما يخص الملف السوري. نظمت حملة ديبلوماسية لتشكيل «تحالف راغبين» يذكر بذاك الذي شن حرب العام 2003 على العراق، وأظهر رئيسها باراك أوباما للعالم رغبة واضحة بتوجيه ضربة عسكرية إلى دمشق. غير أن التردد الذي رافق عملية صناعة القرار وتسويقه كان جلياً بقدر ما كانت الرغبة بتوجيه الضربة واضحة. وهو لم يكن تمثيلية مسرحية ولا مناورة مدروسة ولا تحايلاً على دعاة إطلاق مسار تسوية بموازين القوى الحالية في الداخل السوري. بل إن التلكؤ الذي أظهرته إحالة القرار إلى الكونغرس قبل تأجيل التصويت عليه مع العرض الروسي الأخير، إنما عكس قلقاً عميقاً من مجهولٍ زاد «الاستابلشمنت» السياسي الأميركي نفوراً منه في السنوات الأخيرة. فالولايات المتحدة، في غزوات الألفية الجديدة ومعاركها من أفغانستان حتى ليبيا، لم تنجح في صوغ معادلة مريحة لها في مراحل ما بعد تفكيك الدولة أو النظام، أو الاثنين معاً. والاختبار السوري، بتعقيداته الإقليمية، أصعب من كل ما سبقه، ونتائجه قد تكون أكثر غموضاً بأشواط. ولعل هذا أكثر ما تعلمه واشنطن يقيناً قياساً بما عداه من تكهنات.
روسيا، في المقابل، تعاملت مع الموقف الأميركي مدركة أمرين اثنين. أولهما أن الإدارة الأميركية جادة في قرارها القاضي بعدم الوقوف موقف المتفرج، وثانيهما أنها مربكة في متابعة تنفيذ هذا القرار. غير أن هذا الإدراك لم يتبدَ منذ اللحظة الأولى. فالعودة بشريط التصريحات تبرز اهتزازاً في موقف الخارجية الروسية، أعاد تصويبه دخول الرئاسة بقوة على خط التعامل مع الأزمة. وسيد الكرملين، بعدما سبقه وزير خارجيته بالقول إن «موسكو لن تخوض حرباً من أجل سوريا»، استدار بمواقفه وبوارجه على سواحل المتوسط بما يكفي لجعل البعض يتساءل عما سيكون عليه موقف بلاده في حال تعرض قواتها للإصابة «ولو عن طريق الخطأ». وهو، بعدما وضع رجاله في مرمى النار أو كاد أن يفعل، أكد أن موسكو «ستدافع عن مواطنيها» و«تتابع دعمها لدمشق»، معلياً بذلك سقف التحدي إلى ذروة كانت الاندفاعة الأميركية منعته من إدراكها بعدما فاجأته بسل سيفها على نحو مباغت.
هكذا، وقف الخصمان اللدودان وجهاً لوجه على شفير الهاوية: فالأميركي، من ناحية، لم يرد التراجع، حتى لا تعنون الأزمة السورية انعطافة في النظام الدولي يضاعف من تقهقر أحاديته، لكنه احتفظ بوسائل تسمح له بالانسلال من الباب الخلفي إن حصل، في مقابل أي تراجع على ما يحفظ ماء الوجه، ويكسبه بعض النقاط التي تظهره متفوقاً أو متعادلاً على أقل تقدير. اللجوء إلى الكونغرس سمح بمواربة من هذا النوع، وخيار تدمير الأسلحة الكيميائية السورية أو وضعها تحت الرقابة الدولية شكل مخرجاً محتملاً لتسجيل النقاط السالف ذكرها. في المقابل، أراد الخصم الروسي رفع مستوى المخاطر إلى حده الأقصى. فهو أقفل مجلس الأمن تماماً إلى حد فاض معه كيل واشنطن، لتتهمه صراحة بـ«إبقاء المجلس رهينة لديه»، وراح إثره رئيس الحكومة البريطاني المنسحب مبكراً من الميدان، ديفيد كاميرن، ينظم حملة علاقات عامة على أرض موسكو وبين جمهورها، بسعيه إلى إقناع دول «البريكس» عدا روسيا والصين (الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) بقبول جواز التدخل من خارج الأمم المتحدة لـ«دواعٍ إنسانية»، وذلك على هامش قمة العشرين الأخيرة.
كان لا بد للوصول إلى ذروة التصعيد، لإنتاج خط متواز للحل، حتى وإن كان غير مضمون المسار والنتائج. فضعف رغبة أي من المتصارعين لخوض معارك كسر عظم، ولو بالوكالة وعن طريق حلفاء إقليميين، وارتفاع منسوب خطر الانفلات الشامل في منطقة تتفجر فيها عوامل التوتر الأهلي على تخوم بوابات النفط العالمية، زاد من احتمالات ابتداع صيغ للحلول أو أنصاف الحلول.
بمعنى آخر، فقد شكل وقوف موسكو وواشنطن متقابلتين، وعلى بعد خطوات من هاوية قد تؤذي الاثنتين معاً، دافعاً للتفكير بالبدائل، وقد ساعد تصعيد موسكو الأخير تحديداً على جرها مع واشنطن إلى نقطة البحث عن مسار رديف. وطرح البدائل هذا، فضلاً عن الاعتبارات العملية التي رجحته والمشار إلى بعضها أعلاه، يمكن إحالته نظرياً إلى ما يعرف بالـGame Theory، أي ذاك التحليل الرياضي الذي تم تطويره وتطبيقه في مجال العلاقات الدولية (كما في علوم أخرى) لشرح احتمالات التعاون والصراع بين لاعبين عقلانيين rational actors.
والنظرية، في هذا الإطار، ترجح أن يقوم اللاعبون المعنيون أو واحد منهم بخطوة من شأنها تنفيس الاحتقان، قبل أن يحين موعد انفجارٍ أضراره أكبر من فوائده حسابياً. وما يساعد على تطبيقها، في هذه الحالة بالذات، هو ابتعاد كل من الفريقين (موسكو وواشنطن) عن أهواء أيديولوجية والتزامهما، حتى اللحظة، شروط البراغماتية السياسية وما تقتضيه من مناورات وتستوجبه من ضوابط (على الأرجح، مثلاً، ما كان يمكن النظر إلى الأمور من هذه الزاوية لو كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ممسكة بمقود المواجهة).
غير أن الوقوف على حافة الهاوية وعدم رغبة الواقفين بالقفز أو التعارك على تخومها، لا يعني بأي حال من الأحوال، أن مسار الحدث ميكانيكي ومعزول عن تأثير ديناميات محيطة وعوامل طارئة. إذ لا يمكن استبعاد تدخل عوامل من خارج السياق تعيد التوتر إلى المربع الأول، بل ربما تضاعف منه وتعجل من انفجاره (ألم يكن ما حصل في «الغوطة»، بمعزل عن المتسبب به، عاملاً قلب الموازين أو كاد أن يفعل؟) كما لا يجدر إغفال خطأ في الحسابات غالباً ما يأتي على شكل مغامرة (ولو محدودة) لدى هذا الطرف أو ذاك، يعيد لصاعق التفجير مكانته في صدارة الاحتمالات.
غير أنه، وبمعزل عن هذه الاستثناءات، يمكن اختصار موقف أبرز لاعبين على الساحة الدولية اليوم كالتالي: ثمة عجز أميركي عن استثمار نتائج الحروب السابقة في أفغانستان والعراق (وإلى حد ما في ليبيا) مع رغبة بالانكفاء عن المعارك المكلفة من دون السماح بتعديل طبيعة النظام الدولي، في مقابل سعي روسي ملحاح للإفادة من لحظة الانكفاء هذه وتقليص الخلل القائم لمصلحة واشنطن في ميزان هذا النظام.
سوريا عنوان هذا الصراع، وهو يجري على حافة انفجار أوسع يبدو أن أحداً لا يريده، أقله حتى الآن.
السفير
الأزمة السورية ومعاهدات منع السلاح الكيميائي/ عبدالله العلوي
من الملاحظ أن الحملة الإعلامية القوية ضد سورية، وصلت درجة عالية جعلت مجرد التفكير صعبا على المتتبع، فما بالك بالمواطن العادي، وتذكرنا هذه الحملة بالهجوم الإعلامي الساحق ضد العراق، الذي أدى بعد ذلك إلى تدمير هذا البلد التاريخي، نظاما وحضارة واقتصادا، وصار دولة فاشلة لا تتوفر على جيش ولا على بنية علمية، بل تم اغتيال 1200 من علمائه الكبار، وأكثر من 2000 طيار وتشريد أطره في العالم. ورغم وعي المتتبع لهذه المرحلة والصخب الإعلامي الذي رافقها، فإنها تتكرر هذه المرة بشراسة أكثر وبمشاركة حزبية ودينية وإعلامية عربية ـ إسلامية، بل سمعنا من الفقهاء من يطالب الغرب بالهجوم العسكري على سورية، وتدميرها رغم أن القرآن الكريم يؤكد ‘لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء…’، والآية ‘يا أيها الذين امنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم’ سورة الممتحنة ــ الآية 13.
إن ما جرى في المنطقة هو محاولة تغيير الواقع السياسي، وإخراج سورية من التاريخ، سورية المحتلة من الجانبين الصهيوني والتركي، والترسانة الكيميائية هي للتوازن الاستراتيجي، مع أعداء يملكون السلاح النووي، والبالستي والكيميائي، والصاروخي، والعالم الإسلامي، لا يندد بهذه الترسانة الصهيونية، بل أصبحت مقبولة لديه، وغير مقبولة حين يتعلق الأمر بسورية وإيران.
لقد صار التفكير الاستراتيجي منعدما إعلاميا، إذ يجرى إغراق الإعلام بخطاب شوفيني وتحريضي وبحملة من الأكاذيب تخفي ما هو أصلي وتظهر ما هو مزيف، فحتى الاتفاقيات الدولية في مجال الأسلحة الكيميائية وغيرها، لم تتم مناقشتها أصلا، وإظهار أن دمشق استعملت الأسلحة، الهدف منه بعد كشف الطابع اللاإنساني، إزالة هذه الأسلحة وهي الوحيدة التي تحقق التوازن نسبيا في مواجهة الكيان الصهيوني، الذي يحتل الأراضي العربية ويقتل ويهاجم لبنان وسورية وحتى السودان ومصر. فبعد استئصال النظام العراقي، يجب استئصال النظام السوري، لأنه رفض معاداة إيران ومحاربة برنامجها النووي لا غير .
أما المعاهدات في المجال الكيميائي فهي ملزمة لمن وقع عليها أصلا ــ خصوصا معاهدة 13 يناير 1993 ــ وبالتالي لا تلزم غير الموقعين، وضمنهم سورية والكيان الصهيوني.
كانت أول معاهدة لمنع استخدام الغازات السامة في 17/6/1925 وتلتها عدة معاهدات أخرى، مثل معاهدة منع استعمال الأسلحة في المنطقة القطبية الجنوبية التي صدرت في 23/6/1959، ومنع التجارب النووية في 10 تشرين الاول/أكتوبر 1963 وحظر استعمال السلاح النووي في منطقتي الكاريبي وأمريكا اللاتينية في 22 نيسان/ابريل 1968 ومعاهدة حظر الأسلحة النووية في 1 تموز/يوليو 1968.
وقد تم إبرام معاهدة تحريم استخدام غازات خانقة أو سامة أو غازات أخرى في الحرب وتحريم طرائق المحاربة الجرثومية، التي سميت بروتوكول (جنيف 1925) في 1925 وصارت نافذة في 8/2/1928 وتم إيداعها لدى الحكومة الفرنسية، وقد تم التوقيع عليها من طرف 140 دولة حتى الآن، والدول التي وقعت وصادقت عليها هي الملزمة وحدها بها، فمثلا الجزائر وانغولا والصين وإسرائيل والهند وكوريا الشمالية وصربيا ونيجيريا ملزمة لها (بالنسبة للدول التي وقعت وصادقت) أما التي لم توقع ولم تصادق فهي غير ملتزمة تجاهها، وقد أكد الكيان الصهيوني في توقيعه على الاتفاقية أن ‘تل ابيب غير ملزمة بالمعاهدة في حال ان أي دولة معادية أو مجموعة أفراد تصل انطلاقا من أراضي الدولة المعادية’، وهكذا يتضح أن المعاهدة غير ملزمة حتى للموقعين والمصادقين عليها، إذ ان كل دولة يمكنها التحفظ أو إبداء رأى فيها والتنصل منها حتى بدون إعلان، خاصة الكيان الصهيوني الذي يملك ترسانة من الأسلحة النووية تصل إلى 200 رأس نووي وصواريخ بالستية .لقد جاءت المعاهدة التالية المتعلقة بالأسلحة البيولوجية والسمية في 10 ابريل 1972، التي أصبحت نافدة في 26 اذار/مارس 1975 وقد وقعت عليها 165 دولة ومن الدول التي وقعت ولم تصادق، مصر وسورية ونيبال وبورما، أما الكيان الصهيوني فلم يوقع أصلا عليها. وقد ألزمت معاهدة 10 ابريل 1972 الأطراف الموقعة بحظر تطوير الأسلحة الجرثومية أو البيولوجية الأخرى أو وسائل الاستخدام، وتدميرها وتدمير وسائل الاستعمال أو الإطلاق .إلا أن هذه المعاهدات لم تجد طريقها إلى التنفيذ، بسبب ما يحيط بالعالم من شكوك، وبسبب سياسة الكيل بمكيالين التي تنتهجها الدول النووية والقوية، فهذه المعاهدات الهدف منها حتى الآن ليس فقط الحرص على السلام العالمي، بل إضعاف الدول العربية، حتى يتم السيطرة عليها، فواشنطن ضربت اليابان بقنبلتين نوويتين في 6 و9 اب/اغسطس 1945 حيث تم تدمير مدينتي هيروشيما وناغازاكي. كما استعملت غاز السارين ضد فيتنام ما بين 1969 و1975 لتعرية الأشجار التي يختفي فيها الجيش الشمالي الفيتنامي.
وفي حربي 1991 و2003 ضد العراق استعمل السلاح النووي المنضب، مما اثر ليس فقط على العراق، بل على الجنود الأمريكيين أنفسهم، وهو من أسباب تشكك الشعب الأمريكي في أي حرب برية، سواء في باكستان أو اليمن، لذا يتم استعمال الطائرات بدون طيار في هذين البلدين لضرب المعارضة وأعداء أمريكا.
ولا زالت المختبرات الغربية تحتفظ بجراثيم وسموم، يقال إن دواعي ذلك علمية فقط، لذلك فان معاهدة 10 ابريل 1972 أشارت في احد بنودها إلى ‘تحريم تخزين المواد الجرثومية بكميات لا مبرر لها’، أي أن مفهوم المخالفة يجوز الاحتفاظ به لأسباب مبررة، كالأهداف العلمية. ومن المعروف أن هذه الأسلحة يمكن أن تتراكم بسرعة ولو من جرثومة وحيدة.
هذا وكانت اسرائيل في حرب 1973 وعلى لسان غولدا مائير هددت باستعمال السلاح النووي، مما جعل واشنطن تمدها بجسر جوي لم ينقطع إلا بعد إيقاف الحرب، وتم إرغام الدول العربية على توقيع معاهدة حظر السلاح النووي، من دون الكيان الصهيوني، وتم تحويل الجيش المصري إلى شركة مساهمة كبرى وإبعاده عن دوره القتالي عبر مساعدات ذات طابع اقتصادي ومالي… مما جعل سورية التي يحتل الكيان الصهيوني ــ فضلا عن فلسطين ــ جزءا منها، هو الجولان، وتحتل تركيا جزءا آخر هو الاسكندرون، تلتجئ إلى توازن استراتيجي عبر السلاح الكيميائي، للدفاع عن نفسها أمام القوة النووية الصهيونية. وقد كان الأمر خطأ فالسلاح النووي، أهم وأفضل من السلاح الكيميائي، للتوازن الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، نظرا لفوائده الاقتصادية والعلمية، كالكهرباء وتحلية المياه. بعكس السلاح السمي الذي يؤدي إلى جعجعة عالمية مزيفة. فلا احد يهاجم بلدا نوويا. أما السلاح السمي، والكيميائي، فليس مهما في مجال التسلح والتوازن الاستراتيجي، كما انه يؤدي إلى سمعة سيئة على المستوى الدولي والإنساني.
وكانت الاتفاقية الأخيرة في هذا المجال ‘حظر وتطوير وإنتاج وتخزين واستخدام الأسلحة الكيميائية’. وقد بدأ التوقيع عليها في 13 كانون الثاني/ يناير 1993 وأصبحت سارية في 29 ابريل 1997، وقعت عليها 188 دولة، ومن الدول التي وقعت ولم تصادق، إسرائيل وبورما أو مينمار .
أما مصر وسورية، فلم توقعا بسبب الترسانة النووية الصهيونية التي تشكل خطرا على المنطقة، وتؤدي إلى اختلال التوازن العسكري المختل أصلا في الأسلحة التقليدية، ذلك أن الكيان الصهيوني وصل درجة عالية من التسلح التقليدي والصاروخي والنووي بمساعدة فرنسا وكندا وواشنطن.
ولا شك بعد تدمير سورية وإخراجها من المعادلة في الشرق الأوسط، ستتجه الأنظار إلى مصر لإرغامها على التوقيع على معاهدة 1993، كما تم إرغامها بالقوة على التوقيع على معاهدة الانتشار النووي لسنة 1968، إذ يجب أن يكون الكيان الصهيوني هو الأقوى في المنطقة، خصوصا بعد نهاية القضية الفلسطينية، عبر إنشاء كيان فلسطيني غير مسلح وقزمي جوار الأردن، هو سوق للسلع الصهيونية، وخزان للعمالة الرخيصة.
إن المعاهدات سواء معاهدة 1993 المتعلقة بالأسلحة الكيميائية، أو معاهدة 1968 المتعلقة بالأسلحة النووية الهدف الأساس لها، العالم العربي، والعالم الإسلامي فقط، وليس باقي الدول. فكل دول العالم تحتفظ بالأسلحة السمية والكيميائية والنووية. وألمانيا وكندا وغيرها دول نووية أصلا، ولا احد يشير إليها بأصبع الاتهام، أما المنطقة العربية فيجب أن تكون مجرد سوق بدون بنية علميـــة أو دفاعية كيفما كان الدفاع، والأخطر أن بعض الدول العربية تسير في هذا الاتجاه وتعاكس القول الشريف ‘المؤمن القوي أفضل من المؤمن الضعيف’ .
إن أهم خلاصات الأزمة السورية وتداعياتها ــ وقبلها العراق ــ أن المنتظم الدولي بدون فعالية، ووجوده في العمق شكلي، فالمحادثات الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، تجرى في غياب الأمم المتحدة، لرفض الكيان الصهيوني، حتى لا تكون هذه المحادثات وفق قراري مجلس الأمن 194 لسنة 1948 و242 لسنة 1967 اللذين ينصان على حق عودة اللاجئين، وحدود 4 حزيران/يونيو 1967.
كما ان احتلال العراق وتدميره وقتل مليون من مواطنيه، تم بقرار واشنطن ليس إلا، وفي الأزمة السورية أحالت بريطانيا والولايات المتحدة على برلمانيها قرار مهاجمة سورية، وفي ذلك خرق سافر للقانون الدولي، إذ ليس من حق ولا يجوز لأي دولة إعلان الحرب، أو استعمال القوة إلا في حـــالة الاحتلال الكلي والجزئي لها ــ وسورية هنا هي المحتلة جزئـــيا. كما أن معاهدة 13 يناير 1993 لا تسمح ولا تجـــيز مهاجمـــة أي بلد، والمنتظم الدولي ــ مجلس الأمن على علاته ــ هو الذي يحق له ذلك في إطار الفصل السابع من قرار إنشاء الأمم المتحدة، فلا يجوز لأي برلمان سواء بالموافقة، أو بالرفض اتخاذ قرار الهجوم ضد دولة أخرى لا تحتل أراضيها.
الأزمة السورية أبانت عن فشل ومأزق الدولة القطرية/ القومية ــ رغم نضاليتها ــ فسورية /حافظ الأسد، وعراق/ صدام حسين، ومصر/ جمال عبد الناصر سقطت في فخ إدارة الأزمات نتيجة تمركز القرار بدون امن قومي او علمي، وإلغاء المؤسسات، والسقوط في الحوار المرحلي مع الغرب، العدو الطبيعي والخوف من فقدان السلطة مما لا مجال له هنا.
وواشنطن على أبواب التخلي عن دور شرطي العالم، فالشعب الأمريكي، رفض التدخلات العسكرية التي أدت إلى مآس وخراب اقتصادي، وهي فرصة تاريخية، للدولة العربية، سواء في الخليج العربي، أو في الشام أو في مصر، لبناء دولة أو اتحاد يتميز بالتوفر على بنية علمية، ودفاعية وطنية، تتوفر على ما يمتلكه باقي العالم، إذ يستحيل بناء اقتصاد وطني ومجتمع قوي ومحمي بدون اكتساب العلم، والاستراتيجية، والقرار السياسي المستقل .
‘ محام بهيئة مراكش
القدس العربي
لماذا تراجع بشار الأسد؟/ رأي القدس
اشتغل الرئيس السوري بشار الأسد بدأب على تكوين صورة لنفسه باعتباره طبيباً استدعاه قدر البشرية لتولّي شؤون سورية بعد وفاة أبيه للاستفادة من خبرته الأكاديمية، لا ليعالج أمراض بلده فحسب بل أمراض العرب والعالم أيضاً.
استطاب الأسد اللجوء الى مخزونه الطبّي ذاك ليطرح على وسائل الاعلام والقمم العربية والعالمية محاضراته العياديّة مستخدماً مصطلحات من عالم الطبّ والكيمياء ساخراً من زعماء العرب الجاهلين مرة ومن المثقفين الأكثر جهلاً مرة أخرى على علاجاتهم غير النافعة لأوبئة شعوبهم ومشاكلها.
في إحدى خطبه التي ألقاها بعد الثورة السورية شبّه الأسد ‘مؤامرات’ أعداء نظامه بالجراثيم التي ‘تتكاثر كل لحظة’ واقترح وقتها تقوية ‘جهاز المناعة’ في أجساد السوريين لأن الجراثيم يمكن ‘عزلها’ ولا يمكن ابادتها.
بين تلك الخطبة المبكّرة ومجزرة الغوطة الكيمياوية طوّر الأسد أطروحته العلمية تلك وقرّر ان يجرّب ابادة ‘الجراثيم’ من خلال جرعة كبيرة من دواء استخدمه عشرات المرّات ولكن بجرعات مخففة لم تكن كافية، على ما يبدو، لعلاج المريض، او لإقلاق ضمير المجتمع الدولي.
المفاجأة التي زلزلت الأسد أن الولايات المتحدة الامريكية اعتبرت هذه ‘الجرعة الزائدة’ تجاوزاً واضحاً لـ’خطّ أحمر’ لم يعد طبيب العيون قادراً أن يراه بعد أن خفّفت امريكا تعريفها للون الأحمر مرات لا تحصى، ثم قررت امريكا، على حين غرّة، تحريك آلتها الدبلوماسية والعسكرية العالمية الهائلة فاردة عضلاتها الفولاذية للقيام بضربة عسكرية للنظام السوري.
استعدادات النظام للهجوم تمثّلت باعادة موضعة قوات النخبة من حرس جمهوري وفرقة رابعة، وبتنفيذ حملات اعتقال عشوائية ووضع ضحاياها ‘المتطوعين’ (مع وجوه فنية واعلامية للتمويه) في مواقع متوقعة للهجوم الامريكي لتلقّي الضربة بدل قوات النظام، وبنزوح كبير لعائلات كبار الضباط والمسؤولين الى لبنان (في ظاهرة يمكن تسميتها ‘نازحون 5 نجوم’ رفعت معنويات وزير السياحة اللبناني فادي عبود فتحدث عن ‘سياح’ سوريين يدعمون السياحة في لبنان).
بذلك جهز النظام نفسه لينجو بنخبته العسكرية فيما يتحمّل تبعات الضربة ضحاياه المدنيون أنفسهم الذين شكّلت أمريكا جبهة عالمية لنصرتهم!
النظام السوري الذي عاش على مقوّيات ومهدئات الأسلحة الروسية، واستعان بقوات حليفة من لبنان والعراق وايران والبحرين واليمن أدرك مع ذلك أن ‘الضربة’ تلك، ولو محدودة، قد تشلّ قدرات جيشه المتهالك التي لا يعرف كيف يستخدمها إلا ضد شعبه، كما ستعرّي أطروحاته السياسية حول الممانعة و’التصدي لاسرائيل’ لأنه، كالعادة، سيتجنب الرد عليها.
الدرس الذي تعلّمه السوريون خلال خمسين عاماً من سيطرة النظام أنه يتراجع بسرعة أمام أية تهديد جدّي من قوّة خارجية لكنه مستعدّ لتدمير البلد بأكمله اذا تجرأ الشعب على المطالبة بالحرية.
تراجع النظام عام 1998 عندما هددت تركيا سورية بالحرب إذا لم تسلّم عبد الله اوجلان، رئيس حزب العمال الكردستاني، وكان أن سلّم النظام السوري اوجلان.
كما تراجع عندما اغتيل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق وفيق الحريري عام 2005 وأدى الموقف الدولي القويّ آنذاك الى انسحاب الجيش السوري من لبنان خلال شهرين بعد 29 سنة طويلة من احتلال البلد ‘الشقيق’.
موافقة النظام السوري على المبادرة الروسية لوضع أسلحته الكيماوية تحت رقابة دولية تدخل في باب هذه المعادلة المأساوية من الخنوع المخزي للضغط العالمي والرفض الاستكباريّ لمطالب الشعب السوري، وهي تأكيد جديد أن لا شيء يمكن أن يوقف النظام إلا وقفة دولية حقيقية تحاسبه على جرائمه.
يتضمن إقرار النظام السوري بوجود ترسانته الكيميائية اعترافاً ضمنياً بجريمته ضد شعبه، وهو يأمل مقابل وعده بتقديم سلاح الجريمة أن ينجو بفعلته، فهل سيسمح العالم بذلك؟
القدس العربي
الحرب المزمعة ضد سورية غامضة الهوية والاهداف/ د. سعيد الشهابي
فيما ينتظر العالم بدء العدوان الامريكي على سورية، تتفاوت النظرات والتحليلات حول ماهية الصراع في منطقة الشام، واسباب المتحمسين للعمل العسكري، ودوافع معارضي العدوان الغربي المتوقع.
الامر الذي اصبح شبه مؤكد ان العمل العسكري ستتصدره الولايات المتحدة الامريكية بدون تفويض دولي وبرغم اعتراض اغلبية دول الاتحاد الاوروبي وبلدان منظمة BRICS. وبرغم القرار البريطاني بعدم المشاركة في الحرب العسكرية ضد سورية، فقد فاجأ باراك اوباما العالم بتصديه منفردا للعدوان، وسعيه لاقناع الآخرين به. ولا يبدو ان موقف الدول التي شاركت في قمة دول الـ 20 الصناعية التي عقدت الاسبوع الماضي بالعاصمة الروسية، قد أقنع الرئيس الامريكي بالعدول عن قرار الحرب وتحشيده لاقناع الكونغرس بالتصويت لها، بل اصبح أكثر اصرارا على خوضها.
اوباما الذي دشن عهده الرئاسي قبل خمسة اعوام بترويج أولويات امريكية مختلفة عما فعله سلفه، جورج دبليو بوش، سيعكر فترة رئاسته الثانية بسياسات تمثل في سياقاتها امتدادا للسياسات الامبريالية الامريكية التي هيمنت على العالم منذ الحرب العالمية الثانية. واذا كان البعض يعتقد ان القاء اول قنبلة ذرية على هيروشيما قبل 68 حادثة فريدة لن تتكرر كثيرا، فان ما شهدته العقود اللاحقة ابتداء بالدور الامريكي في الحرب الكورية وحرب فيتنام ثم الحروب التي شهدها العالم الاسلامي في العقدين الاخيرين، تؤكد ان العقلية الامريكية لم تتغير وانها ما تزال تعتبر التفوق العسكري واثباته عمليا ضرورة لاستمرار الهيمنة السياسة على العالم. وتأكد ذلك بعد سقوط الاتحاد السوفياتي اذ اصبحت امريكا القطب الاوحد المهيمن على السياسة الدولية. وبرغم بعض المقولات احيانا بان الولايات المتحدة تعتزم الانسحاب التدريجي من المسرح الدولي لتركز على قضاياها الداخلية خصوصا الاقتصاد، فان المعطيات المتوفرة لا تشير الى ذلك ابدا. ولقد كان امرا غريبا ان تصر واشنطن على الاستمرار في خيار الحرب بعد القرار البريطاني ضد المشاركة، وهذا يؤكد عزمها على التصدي للشأن الدولي بما لديها من امكانات عسكرية وسياسية. هذا برغم وجود عوامل سياسية واقتصادية تدفعها لتحجيم تدخلاتها في الشأن الدولي. ويمكن تشبيه الوضع الحالي بما واجهته بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية من توجه للانسحاب من الموقع الدولي المتقدم تحت الضغوط الاقتصادية وتنامي حركات التحرر الوطنية في العالم، وادراك بريطانيا ان عصر الاستعمار قد انتهى.
ربما كان هناك شيء من التشكيك في مدى رغبة واشنطن في التورط العسكري في المنطقة بعد تجاربها المريرة التي لم تحسم ايا من القضايا التي انطلقت من اجلها. فالتراجعات التي منيت بها في افغانستان والعراق وليبيا عوامل لا تشجع على تكرار التدخل العسكري المباشر في الدول الاخرى. ولكن الواضح ان مقولة ان ‘الطبع يغلب التطبع′ تجد في السلوك الامريكي مصداقا لمعناها. وقد يمكن تفسير ذلك بالنظر للواقع الامريكي من زاوية اخرى. فالازمة الاقتصادية التي مرت بها في السنوات الخمس الاخيرة كشفت هشاشة المشروع الرأسمالي وكيف ان ضعف اداء المصارف، وهي العصب المحوري للنظام الرأسمالي، ادى الى انتكاسة اقتصادية خطيرة اعادت الى الاذهان ازمة ‘الكساد العظيم’ في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي، قبيل الحرب العالمية الثانية.
وتسعى الحكومات الغربية للخروج من تلك الازمة وتداعياتها بالبحث عن مصادر تمويل لسد عجوزاتها التي تجاوزت في بريطانيا الف مليار جنيه استرليني، وفي الولايات المتحدة 16 الف مليار دولار. وتسعى هذه الدول لسد عجوزاتها بطرق شتى من بينها استرضاء حكومات الخليج التي تضاعفت مدخولاتها في السنوات الاخيرة، وخوض الحروب بالوكالة لتحصيل المزيد من الاموال. ولذلك اصبحت السعودية في الاعوام الخمسة الاخيرة، بتأثير عائداتها النفطية الهائلة، تبحث عن موقع سياسي اقليمي ودولي يتجاوز ما كانت تتطلع له سابقا. كما مكنتها تلك الامكانات من التأثير المباشر على السياسات الغربية خصوصا الامريكية لمواجهة استحقاقات الربيع العربي. وجاء الانقلاب العسكري في مصر بدعم مباشر من السعودية التي رفضت حكم الاخوان، جملة وتفصيلا، ليؤكد طبيعة الدبلوماسية السعودية الحالية التي تسعى لبسط النفوذ على المنطقة باية وسيلة، ولتواجه الاطراف التي لا تنسجم مع سياساتها او التي يتسبب وجودها على رأس السلطة في تحريك الاوضاع الاقليمية والمحلية للمطالبة بالتغيير. لقد ساهمت الازمة الاقتصادية الغربية والتراجعات الميدانية في بلدان مثل افغانستان والعراق في اصابة الموقف السياسي الغربي بالشلل من جهة ودفعه للتواطؤ مع حكومات الدول النفطية لمواجهة القوى التحررية الاخرى في المنطقة، وما يحدث اليوم انما هو مصاديق لذلك.
جاءت موافقة مجلس الشيوخ الاسبوع الماضي على نص قرار قدم للكونغرس لاقراره هذا الاسبوع ليكون اعلانا رسميا بالحرب من طرف واحد، وان كان بدون موافقة دولية. ومع ان اوباما بطبيعته لا يميل للحرب، ولكن الضغوط الخليجية حشرته في زاوية لم يستطع الخروج منها الا من خلال كوة صغيرة تفضي الى قرار الحرب.
وتمارس السعودية في الوقت الحاضر نشاطا محموما للضغط على اعضاء الكونغرس الامريكي لاقرار خيار الحرب ضد سورية بعد ان سعى اوباما لالقاء مسؤوليتها على ممثلي الشعب المنتخبين، لكي لا توجه التهمة اليه وحده بقرار الحرب. ليس سرا ما يمارسه بندر بن سلطان، مسؤول جهاز الاستخبارات السعودي، من ضغوط متواصلة على الدول المعنية لحملها على اقرار خيار الحرب. ففي الشهر الماضي زار موسكو ووعد مسؤوليها بـ 15 مليار دولار كصفقات سلاح، في مقابل تخفيف روسيا معارضتها للعمل العسكري الذي تريده السعودية. الرياض تقمصت قضية سورية بعد ان احدثت انقلابا مكشوفا على قطر، وابعدتها عن الشأن السوري، وشؤون تونس ومصر. انها تنطلق من القضية السورية لتعيد رسم التوازنات لغير صالح تيارات التغيير والتحرر. فهي تستهدف ايران سياسيا وعسكريا. وفي شهر يوليو اكدت صحيفة ‘التلغراف’ البريطانية ان السعودية نصبت منصات لاطلاق الصواريخ باتجاه طهران استعدادا لتداعيات الازمة السورية. وتؤكد التقارير الجديدة (صحيفة التايمز البريطانية يوم الجمعة الماضي) ان الرياض بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي آي أيه) بدأت بتسليح المتمردين السوريين ليكونوا مستعدين للتصعيد خلال الضربات الجوية الامريكية، والسيطرة على مناطق واسعة من البلاد كمقدمة لاسقاط نظام الاسد. فالسعودية تسعى لاعادة التوازن السياسي والعسكري في المنطقة، وتحجيم النفوذ الايراني خصوصا علاقات طهران مع حركات المقاومة ضد الكيان الاسرائيلي. ولم يعد خافيا ان استهداف سورية انما هو من اجل تقطيع اوصال المقاومة المسلحة ضد الكيان الاسرائيلي، وتقوية النفوذ السعودي على لبنان والجهات المتعاطفة مع المقاومة الموجهة للكيان الاسرائيلي.
وقد كثف بندر زياراته للولايات المتحدة لممارسة الضغط على ادارة اوباما للتعجيل بالعمل العسكري وكسر حالة الرتابة في الموقف الامريكي الذي لم يحسم خياره بشكل حاسم حتى كتابة هذه السطور. زياراته المكوكية لامريكا اعتبرت تكثيفا للنشاط السعودي الدبلوماسي من اجل الاعداد لارضية الحرب التي تستهدف النظام السوري بشكل مباشر.
هذا لا يعني ان الخيار السعودي مرشح للنجاح. فالحرب قد تضعف قبضة بشار الاسد على الامور، وقد تؤدي لسقوط نظامه، ولكن السجال في الدوائر السياسية الخاصة في العواصم الغربية والعربية يدور حول طبيعة الجهات التي ستتولى السلطة في دمشق بعد ذلك. ويمكن القول ان الوضع العربي لم يشهد حالة من التشرذم والضياع كما يعيشها الآن. فقبل عشرة اعوام كان الرأي العام العربي واضحا في ما يريد: منع الحرب الانكلو أمريكية على العراق. اما اليوم فهناك انقسام حاد في العالم العربي، وان كانت الاغلبية تعارض الحرب. ولكن الاعلام السعودي ومعه اموال النفط الهائلة اصبحا وسيلتي ضغط فاعلتين في معركة تقرير مصير انظمة الاستبداد العربية. فاسقاط نظام الاسد سيقوي المجموعات المتطرفة التي سيكون لها حصة الاسد في النظام السياسي السوري المستقبلي، فيما لو سقط بشار. الغربيون لا يريدون ذلك، ولكن السعوديين لا يعارضون استلام الجماعات المسلحة بقيادة القاعدة زمام الامور. فسيكون ذلك مصيدة اخرى لتلك المجموعات وشاغلا لها لعدم التوجه نحو السعودية. بينما يرى الغربيون ان جبهة النصرة قد تتوجه ضد الغرب، وسيكون نصيب المجموعات الليبرالية المحسوبة على الغرب ضئيلا لاسباب عديدة من بينها حالة النزاع في ما بينها، وضآلة شعبيتها وصلتها بامريكا.
فالسعودية تؤكد للغربيين انها لن تسمح بصعود جماعات ‘الاسلام السياسي’ خصوصا الاخوان المسلمين الذين اسقطت حكمهم في مصر. واخوان مصر اعلنوا موقفهم المضاد للعمل العسكري المزمع ضد سورية، وكذلك حركة النهضة في تونس والعديد من الجهات السياسية والدينية. الفهم الواعي لما يجري يؤكد ان التغيير سيكون ضمن هندسة سياسية دقيقة تهدف لازالة اي خطر للكيان الاسرائيلي، واضعاف القوى المقاومة للاحتلال. وعلى عكس التصور الشائع فان التدخل السعودي، برغم وجود دوافع مذهبية وراءه، لا يسعى لاقامة ‘حكم سني’ وانما اقامة نظام سياسي مرتبط بالامريكيين بشكل وثيق، وبعيد كل البعد عن ‘جبهة النصرة’ التي ستكون مستهدفة بشكل مباشر من قبل السعوديين الذين لا يريدون بقاء تنظيم سياسي عسكري اكتسب افراده خبرات ميدانية واسعة، لان ذلك سينقل المعركة الى داخل السعودية، وستتحول الانظار للتعرف على هوية الحكم الجديد وعلاقاته مع الرياض من جهة ومواقفه ازاء قوات الاحتلال من جهة اخرى.
‘ كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن
القدس العربي
ضياع السوريين بين واشنطن وموسكو/ محمد كريشان
ارتباك في المشهد واختلاط في الأوراق ذاك الذي حصل في الملف السوري بعد عرض موسكو المفاجىء الخاص بالسلاح الكيمياوي وتلقفه السريع من قبل دمشق وحيرة واشنطن ومن معها من مناصري الضربة العسكرية للنظام.
هذا التطور المثير أفرز ردود فعل متناقضين. الأول: شعور ما بتنفس الصعداء لدى النظام السوري ومواليه بأن شبح الضربة ابتعد قليلا وإن لم يختف بالكامل. شعور سرعان ما تحول إلى نوع من الاحتفاء الخجول بما وصفوه بصلابة الحليف الروسي ودهائه وحكمة القيادة السورية وتخبط إدارة أوباما في إدارة أزمة بدت وكأنها أكبر من قدرتها على المناورة. الثاني: شعور ما بالخيبة والخذلان من قبل معارضي النظام، ومن يواليهم، الذين ظنوا أن العقاب العسكري للنظام كفيل بزعزعته مما يفتح آفاقا أفضل للتقدم ميدانيا على حساب قواته.
الشعوران على وجاهة ما يبدوان عليهما لأول وهلة لا يخلوان من قدر كبير من الزيف ونفاق مع درجة لا يستهان بها من خداع النفس. بالنسبة للأولين، حماستهم للنظام مهما قام به من جرائم تجعلهم لا يرون الخشبة في عينيه ويرون القشة في أعين خصومه. هؤلاء، ليس فقط بلعوا مهانة تهافت دمشق على وضع أسلحتها الكيمياوية تحت الرقابة الدولية تمهيدا لتدميرها لاحقا ، بل راحوا يزينون هذه الخطوة باعتبارها دليلا كبيرا على قدرة الأسد على المناورة وحشر أعدائه في الزاوية. من يطلع على ما يكتبه متيمو النظام هذين اليومين يذهل من درجة لي عنق الحقائق ليصبح الخنوع انتصارا والوضع المزري الذي عليه سوريا حاليا براعة من القيادة في الاستفادة من الحليفين الروسي والإيراني حتى لكأنك تظن أن دمشق هي من استنكفت عن ضرب واشنطن عسكريا. ما زال بعض هؤلاء يستحضرون مفردات الحرب الباردة في تحليل الوضع الراهن ويتحدثون بخيلاء عن وقوف موسكو مع الأسد إلى هذه الدرجة. لم يقل أي منهم، ولو من باب السذاجة، كيف لنظام ممانع مقاوم هو قلب العروبة النابض أن ترتعد فرائصه من تهديد بضربه فيتنازل كل هذا التنازل الاستراتيجي في وقت يقول فيه هو نفسه أن أوباما محرج ومحشور ورأيه العام وكذلك العالم ضده . لم يقل أي منهم كذلك كيف يتنازل نظام مقاوم لأعدائه بهذا الشكل ويتكبر عن التنازل لشعبه في قضايا أبسط بكثير؟!
أما بالنسبة للمعارضة، فقد توهموا أن الخلاص من نظام أوغل في دماء شعبه ونجح في تدمير البلد كما لم يدمرها أحد يمكن أن يأتي على يد واشنطن. نسي هؤلاء أو تناسوا أن الإدارة الأمريكية لم تتحرك غيرة أو نخوة للتصدي لما يلحق بالسوريين من قتل وأذى وتشريد بل فقط لأن وجود ترسانة كيمياوية لدى جار حليفتها إسرائيل أمر مخيف بل هو مفزع إن سقط يوما في يد جماعات متطرفة مغامرة لا يدري أحد كيف يمكن أن تتصرف فيه. الأمر ليس سرا، الأمريكيون لم يتوعدوا أو يهددوا إلا مكرهين بسبب تجاوز ‘الخط الأحمر’ الذي حدده أوباما، فإذا كان بإمكانهم أن يحققوا هدف السيطرة على مخازن السلاح الكيمياوي السوري قبل تدميرها فلماذا يجازفون بعمل عسكري ليس أكيدا أن الكونغرس سيقره فضلا عن أن الرأي العام الأمريكي في غالبيته ليس متحمسا له؟! لقد بلغ النظام السوري من الوحشية ما جعل البعض قادرا على أن يغفر أن يتم ضربه من قبل الأمريكيين شماتة فيه على ما اقترفه حتى وإن لم يكن في هذا العمل العسكري ما يمكن أن يغير الأمور بشكل جوهري على الأرض طالما أن الضربة محدودة زمانا ومكانا.
بين الطرف الاول والثاني تستمر معاناة السوريين الذين كان يمكن إنقاذهم من عجلة الموت بمجرد فرض منطقة حظر جوي، أو توفير ملاذات آمنة، أو أي تفاهم أمريكي روسي صلب وجدي لإنهاء شلال الدم، مثلما تفاهما على موضوع الأسلحة الكيمياوية السورية كما اتضح مؤخرا. صحيح أن هناك موعد ‘جينيف 2′ المفتوح ولكن الحقيقة المرة هي أن لا جدية لوقف مأساة السوريين سواء لدى موسكو أو واشنطن فكلتاهما لديها حساباتها الخاصة ولا يهم أي منهما ما يلحق بالسوريين الأبرياء من ويلات. هؤلاء ليس لهم فعلا سوى الله.
القدس العربي
تدمير نظام الأسد بالكامل أو عدم شن حرب من الأساس/ فؤاد عجمي
سوريا هي الاختبار الأخلاقي والاستراتيجي الذي لم يكن الرئيس الأميركي باراك أوباما يسعى إليه أو يريده، ولذا فقد بذل قصارى جهده لكي يتجنب ويلات وأهوال الحرب. وكان أوباما قد أدلى بتصريحات مقتضبة عن الحزن الذي تعيشه سوريا والألم الذي يشعر به أبناء الشعب السوري. وعندما تحدث أوباما عن سوريا، كان الأمر يبدو في كثير من الأحيان وكأنه يتحدث عن العراق – نفس المنظار الذي يرى من خلاله العالم الخارجي والتهديدات القادمة منه.
وخلال فترة ولايته الأولى، كان المستشارون الأربعة الرئيسيون في مجال السياسة الخارجية – وزيرا الخارجية والدفاع، ومدير وكالة الاستخبارات المركزية، ورئيس هيئة الأركان المشتركة – يدعمون تسليح المعارضة في سوريا: ولكنه كان يتجاهلهم. وفي وقت سابق من هذا العام، وعد أوباما بتسليح الثوار السوريين، وهو الشيء الذي لم يحدث مطلقا.
وسوف يسجل التاريخ لأوباما أن بشار الأسد هو الذي أجبره على الدخول في هذه المعركة. وكان أوباما قد أعطى أهمية قصوى للتمييز بين حروب الاختيار وحروب الضرورة، ويقال: إنه يفكر كثيرا في نظريات الحروب العادلة وغير العادلة. وفيما يتعلق بالأزمة السورية الراهنة، جاء رد فعل أوباما متأخرا للغاية بعد الأعمال الهمجية التي شهدتها سوريا وبعد التدمير الحقيقي للشعب السوري وبعدما انفصل الجهاديون بالإمارات الخاصة بهم. في حقيقة الأمر، لا يهم كثيرا ما إذا كانت هذه الحرب اختيارا أو ضرورة، ولكن الواقع هو أن أوباما قد شكل هذا الصراع بسلبيته في مواجهة ديكتاتور ضيق الأفق كان ينبغي الإطاحة به منذ فترة طويلة.
ويقوم أوباما الآن بإضفاء طابع قانوني على الحرب، على أساس أسباب محدودة للغاية – استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة شرق دمشق. صحيح أن استخدام الأسلحة الكيماوية يعد انتهاكا صارخا في حد ذاته والأول من نوعه منذ الهجمات التي شنها صدام حسين على كردستان قبل نحو ربع قرن من الزمان، ولكن الأسد كان قبل ذلك قد حول المدن القديمة المبتهجة إلى أنقاض وأشعل حربا دينية بين السنة والشيعة وأرسل فرقا أهلية للقتال على الحدود الفاصلة بين المدن السنية والعلوية بهدف «تطهير» مجتمعات بأكملها. لقد تم تمزيق سلام ونسيج هذا البلد المستقر إلى قطع صغيرة وفر شعبها مذعورا إلى دول الجوار. وأشارت التقديرات الصادرة عن الأمم المتحدة إلى أن عدد اللاجئين من الأطفال قد وصل إلى مليون طفل، من بينهم 740000 طفل أقل من 11 عاما.
لماذا يتم عقاب الأسد على الهجوم بالأسلحة الكيماوية على الغوطة فقط، في الوقت الذي قد يعتقد فيه المرء أن استخدام القوة الجوية ضد المدنيين يكفي للتدخل العسكري؟ لقد خلد بابلو بيكاسو قرية غورنيكا بسبب القصف الذي تعرضت له أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، ولكن غورنيكا كانت قرية صغيرة تضم 7000 شخص وتم الهجوم عليها من قبل الألمان والطليان، أما حلب فقد تحملت وحشية الطائرات المقاتلة التابعة للنظام السوري، علاوة على أنها مدينة كبيرة تضم أكثر من مليوني نسمة.
وقد أعلنت إدارة أوباما بالفعل عن توجيه ضربة لسوريا تكون محدودة في المدة والحجم، وتم الإعلان عن ذلك في أجواء من الشك والتردد، وهو ما يعد بمثابة رسالة للأسد بأن نظامه بمنأى عن السقوط. ومنذ بداية هذه الحرب البغيضة، كان الأسد يزهو بنفسه، وحذر الثوار من أنه ليس بمقدور أي جهة خارجية المجيء لنجدتهم. وسار الأسد على نهج والده الراحل وأعلن أن الولايات المتحدة ليس لديها القدرة على اختبار قوتها في بلاد الشام.
إنه لأمر مؤسف في الحياة السياسية العربية أن يخرج المغامرون من الهزائم المريرة ليدعوا البطولة أمام السذج الذين يصدقونهم. انظروا إلى ما حدث عام 1991، حيث أنزلت الولايات المتحدة هزيمة ساحقة بنظام صدام حسين، ولكن «الشارع العربي» الذي احتشد من حوله لم يقتنع مطلقا بأن بطلهم قد تعرض للهزيمة!
وبعد سبع سنوات، وخلال فترة رئاسة بيل كلينتون، تم الهجوم على صدام مرة أخرى عن طريق عملية «ثعلب الصحراء» الأنغلو-أميركية التي كانت تهدف إلى معاقبة الطاغية العراقي نتيجة تحديه لمفتشي الأمم المتحدة. وتوقفت الغارات بعد أربعة أيام واعتبر صدام حسين أن هذا دليل على ضعف القوى الغربية.
وفي عام 2006، أشعل زعيم حزب الله حربا على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، ونسج أسطورته حول «النصر الإلهي» الذي سيحمي الميليشيا الخاصة به. وقد خيم الموت والدمار الاقتصادي على لبنان، ولكن كان يكفي أن حزب الله ظل موجودا بعد انتهاء الحرب!
ونتيجة لذلك، يجب حرمان النظام السوري من المكاسب التي سيحققها في حالة شن حرب غير حاسمة عليه. ويجب أن يكون النظام نفسه – الأعضاء والشرطة السرية ووحدات النخبة العسكرية والقواعد الجوية – يجب أن تكون أهدافا مشروعة، وينبغي تطبيق الشيء نفسه على القصر الرئاسي للأسد. يجب أن يكون هناك قناعة وشجاعة في هذه المعركة مع الديكتاتور الأسد.
الحقيقة هي أن العالم العربي (السني) به عداء كبير الآن تجاه الحاكم السوري وعصابته ولن يبكي على رحيله. ويجب أن تحلم الغالبية العظمى من العرب بوضع نهاية له مشابهة للمصير المروع لمعمر القذافي. ويتعين على أوباما أن ينحي قلقه من استعداء مشاعر المنطقة جانبا، فهذا هو «الشرق» والأفعال الغربية تحدث على مرأى ومسمع من الذين يحدوهم شك في حل للأزمة وفي ضعف الغرباء. لقد أعلن أوباما بكل فخر أنه لا يخدع الآخرين، ولكن الديكتاتور السوري قد وصفه بأنه مخادع.
* خدمة: «بلو بيرغ. كوم»
الشرق الأوسط
سيناريو الكابوس السوري؟/ عبد المنعم سعيد
«السيناريو» واحد من الفنون السينمائية التي توضح تتابع وتصاعد الأحداث في قصة نحو نوع من الحبكة في حالة من التوتر الدرامي، التي تنتهي إما بالانفراج في شكل يبهج ويسعد المتفرج؛ فيتزوج البطل البطلة، أو ينتهي الأمر في التراجيديات إلى فجيعة. العلوم الاجتماعية، ومنها علم السياسة، استعارت التعبير والمنهج لاستقراء الحالة ومستقبلها، بعد أن تبين أن الحياة فيها ما هو أكثر إثارة درامية من الفنون السينمائية. وخلال شهر رمضان القريب، اشترت المحطات التلفزيونية المختلفة مسلسلات من كل نوع؛ تركي وبرازيلي وأوكراني، بالإضافة إلى المصري واللبناني، وما كان محفوظا في العلب من تلك السورية، على أساس أن الصائمين بالنهار لا بد أنهم يحتاجون الاسترخاء في المساء. ولكن ما حدث أن الجمهور لم يقبل على المسلسلات خاصة في مصر، فقد ظلت السياسة، وما يجري فيها من البرامج الحوارية هي المكان المفضل، ومن ثم الإعلانات. الخسارة كانت كبيرة بعد تجلي الحقيقة؛ أن في السياسة من التوتر والحبكات والتطورات الدرامية ما هو أكثر إثارة للاهتمام من المسلسلات والأفلام.
القصة هذه المرة ليست مصرية، ولو أن المصرية لا تزال حاضرة بقوة في الأذهان، بعد أن دخلت العربات المفخخة إلى المشهد، ولكن القصة السورية أخذت نسبة المشاهدة الأعلى، منذ أعلن الرئيس باراك أوباما عن نيته عقاب الرئيس السوري على استخدام الأسلحة الكيماوية في مواطنين سوريين. المشهد الافتتاحي مروّع عندما تشاهد قرابة 1400 ضحية مرة واحدة لا يشك أحد أنهم ماتوا أو قُتلوا بأسلحة كيماوية، ولكن ما يأتي بعد ذلك يعبر عن كون القصة ليس متفقا عليها، فالحكومة السورية مصممة على أن ذلك من فعل المعارضين، والمخابرات الأميركية لديها من الشواهد والأدلة ما يضع الذنب على كاهل الحكومة السورية. الحكومة الأميركية لديها سابقة الكذب في العراق، ولكن الحكومة السورية لديها سابقة الكذب في كل الأوقات. مهما كان الأمر، فقد جرى عبور خط أحمر لا يمكن السكوت عليه، ولا بد لطرف ما أن يدفع ثمنا لما جرى، وكان القرار الأميركي أن الطرف المذنب هو النظام السوري. هنا تتطور القضية لكي يكون طرفا المعادلة جزءا من نطاق فني أكبر، فالولايات المتحدة جزء من التحالف الغربي، أي حلف الأطلنطي، ومن يقاربه من دول عربية بات لديها يقين بضرورة زوال النظم العربية المتيبسة منذ الحرب الباردة والقائمة على شعارات عنيفة وبليدة في آن واحد. النظام السوري هو الآخر ليس واقفا وحده؛ فمعه توجد إيران وروسيا وحزب الله وحماس أيضا. هنا يتفرع الموضوع إلى مجموعة من القصص الجانبية، فمجلس العموم البريطاني يعترض على الحل العسكري للموضوع، والمعارضة السورية التي تريد الولايات المتحدة مساندتها منقسمة إلى «أخيار» الجيش الحر، و«أشرار» القاعدة وجبهة النصرة وجماعات لا تجد غضاضة في قضم قلب رجل ميت، طالما أنه من الأعداء الكفار، أو يكفي أنه من الطرف الآخر.
المسألة أن القصة في النهاية تبدأ تدريجيا، الغرق في التفاصيل والمشاهد الجانبية التي ربما تسرق الشاشة أو المسرح للحظات، ولكن القصة الأصلية تبقى أن الولايات المتحدة وحدها أو مع حلفاء، مثل فرنسا وتركيا، سوف تستخدم القوة العسكرية ضد النظام السوري، مهما كان المسلسل جاريا في الكونغرس، أو أن الجامعة العربية أصدرت قرارا يناشد المجتمع الدولي أن يستخدم كل الوسائل لعقاب النظام السوري على استخدامه للأسلحة الكيماوية. وفي القصة الأصلية يمكن أن تكون نهايتها سعيدة نوعا ما لكل الأطراف، فالنية الأميركية المعلنة، والأعمال بالنيات، هي أن الهدف من الضربة العسكرية إرسال رسالة غضب إلى بشار الأسد. «قرصة أذن» حتى لا يستخدم الأسلحة الكيماوية مرة أخرى، وإشارة لكل من يريد استخدامها في المنطقة بأن الثمن سوف يكون عداء عسكريا للولايات المتحدة.
الجنرال ديمبسي قائد القوات الأميركية المشتركة، قال في الكونغرس إنه لا ينتظر أن تكون الضربة سببا في تغيير موازين القوى في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا. المسألة إذن هي استعراض للقوة (Show of Force) سوف ينتهي بنهاية الاستعراض، وإذا تحملها النظام السوري بشجاعة، فإنه يستطيع إعلان النصر بعدها، لأن الهدف من الضربة كان إسقاط النظام كما يعتقد، وطالما أن ذلك لم يحدث والنظام باقٍ، فمعنى ذلك أنه انتصر على القوة العظمى الوحيدة في العالم. هكذا فعل صدام حسين من قبل، وحتى جمال عبد الناصر – أو بعض من حواريه – بعد هزيمة عام 1967.
ولكن ليس بمثل هذه الطريقة تكون النهايات؛ سواء كان في الروايات أو الوقائع الكبرى في التاريخ التي تُستخدم فيها الأسلحة. فماذا لو أن ضربة أوباما الجوية لم تكن محدودة كما هو شائع، ويباع في أروقة الكونغرس، أو بعضها الديمقراطي على أقل تقدير، وإنما سوف تكون ضربة طويلة على طريقة «كوسوفو»، ولذلك فإن ما تحشده أميركا من أرصدة القوة المسلحة لا يحتوي فقط على صواريخ «كروز» تخرج من المدمرات الخمس في البحر الأبيض، وإنما أضيف لها حاملة الطائرات «نيمتز» التي سوف تنطلق طائراتها B – 1 وB2، بينما تأتي طائرات B – 52 من قواعدها الأخرى، وحتى من الولايات المتحدة ذاتها.
نحن إذن، وتدريجيا، لم نعد نتحدث عن ضربة صاروخية، بل عن حملة جوية متعددة الأبعاد، وتضم صواريخ «كروز» و«توماهوك» وقنابل ثقيلة، وربما تكون ممتدة الفترة الزمنية لأكثر مما هو شائع. النتيجة ليست ضربة موجعة، وإنما يمكن أن تكون ضربة تؤدي إلى شلل النظام، وربما معه جماعات من المعارضة غير المرغوب فيها. فلا يمكن لأميركا أن تعمل على الإطاحة ببشار الأسد لكي يحل محله جماعة النصرة.
هنا نصبح أمام مشهد آخر تماما، فحلفاء النظام لن يمانعوا ضربة صغيرة، ولكن واحدة كبيرة ربما لن يصبروا عليها، لأنه لو كانت هناك ضرورة في المواجهة من قبل إيران وحزب الله مع الولايات المتحدة، فإن الوقت المناسب لها الآن من حيث توازن القوى. ولما كانت أميركا بعيدة، فإن إسرائيل هي الأقرب، وأراضيها امتداد للأراضي الأميركية على أي حال، والصواريخ السورية والإيرانية تستطيع الوصول إليها، لماذا لا تكون المعركة المنتظرة الآن وليس غدا. مشهد النهاية في هذه الحالة كابوس كبير، تتحول فيه الضربة المحدودة إلى حرب إقليمية عظمى، ويسير التاريخ في اتجاه آخر غير مخطط وغير معروف النهاية. فالمؤكد أنه يمكن معرفة بدايات الحروب، وكيف تكون الطلقة الأولى، أما النهايات والطلقة الأخيرة، فإن المخرجين في السينما والسيناريو، ومن يتخذ القرارات الكبرى، يفضلون دوما أن يبقوها مفتوحة!
الشرق الأوسط
سوريا.. فعلها الروس/ طارق الحميد
سمِّها ما تشاء.. «المبادرة الروسية»، أو «زلة اللسان الأميركية»، التي قادت لإعلان بشار الأسد التنازل عن أسلحته الكيماوية لتجنب الضربة العسكرية، فما نحن بصدده ما هو إلا الضعف الأميركي، والدولي، بالمنطقة؛ حيث لقن الروس الأميركيين، وتحديدا الرئيس أوباما، درسا لا ينسى في الأزمة السورية.
أمس قلنا هنا إننا أمام اللحظات الأخيرة الحاسمة لتعرف المنطقة موقف الغرب، وتحديدا أميركا، من أمنها ومصالحها، وهذا ما حدث فعلا، حيث «لعب» الروس الدبلوماسية الجادة وورطوا الرئيس الأميركي، المتورط بتردده، حين قاموا، أي الروس، بفتح جبهة مناورة للأسد تجنبه الضربة العسكرية، وتخوله مزيدا من الوقت لتجنب الضغط الدولي، ومواصلة ارتكاب جرائمه. وكل ما قدمه الأسد في المقابل هو إعلانه قبول تسليم أسلحته الكيماوية، أو وضعها تحت الرقابة الدولية، وهي حيلة جديدة كالتي فعلها مع المحكمة الدولية في قضية اغتيال رفيق الحريري، حيث قبل الأسد ثم راوغ، وتحولت المحكمة برمتها إلى ملف مركون في أروقة المنظمات الدولية!
اليوم باع الروس الأميركيين الوهم، أو باعوهم غازا لا أحد يعرف كميته الحقيقية، ولا كيف سيتم وضع اليد عليه، وما الوقت المطلوب لإنجاز ذلك، فنحن أشبه ما نكون بأننا أمام عملية شراء سمك في الماء! فعلها الروس بذكاء، وتلقفها أوباما بسرعة مذهلة، وكأنه يريد حفظ ماء الوجه، حيث ورط نفسه بطلب تصويت الكونغرس على توجيه ضربة للأسد. واليوم يمكن القول بأن الأزمة السورية قد عادت إلى المربع «صفر» سياسيا، خصوصا أن الأسد سيقوم بتفريغ هذه المبادرة من محتواها بالتسويف والمماطلة، كعادته؛ حيث يجيد الكذب والمراوغة.
المبادرة، أو الخدعة، الروسية تقول إن أمن المنطقة كله في خطر، خصوصا بعد أن عاد الروس ليثبتوا، وبسبب ضعف أوباما، أنهم لاعب رئيس بالمنطقة، والواضح أن الروس والأسد قد تعلموا الدرس العربي في مصر، حيث أيقنوا أن واشنطن دائما ما تخضع للأمر الواقع ما دام أن هناك من يبادر، ويتحرك.
هذا ما فعله الروس والأسد عمليا بمناورة التنازل عن الأسلحة الكيماوية، رغم أن الأزمة ليست في قصة الكيماوي فقط، حيث تبدو المبادرة الروسية، ولوهلة، كأنها أعادت تطبيع العلاقات بين الأسد والمجتمع الدولي، فالأزمة في سوريا إنسانية، وأمنية، وأزمة كيان.. الأزمة السورية أكبر من قصة الكيماوي، وهذا ما على العرب تذكره، خصوصا أن المنطقة الآن بين خيارين؛ فإما قبول اللعبة الروسية – الأسدية، والتعايش مع الأزمة السورية مثل ما تعايشنا مع أزمات أخرى، وسيكون الثمن فادحا، أو أن على العرب، وتحديدا الفاعلين، التحرك وقلب الطاولة على الروس والأسد!
وهذا يتطلب فرض أمر واقع على الأرض، وقبله التشدد في شروط المبادرة الروسية بضرورة أن تكون، مثلا، عبر مجلس الأمن، وتحت الفصل السابع، وأن تقود إلى حل سياسي شامل للأزمة السورية. وفي حال لم يتم ذلك، فإن هذا يعني أن العرب قد قبلوا بالروس بوصفهم قوة أخرى بالمنطقة سيكون المستفيد الوحيد منها هو إيران والأسد.
الشرق الأوسط
التدخل الخارجي: المعضلة والتجربة التاريخية/ خالد الحروب
«التدخل الخارجي» في بلد ما ليس سلوكاً دولياً جديداً، بل هو قديم ومارسته الدول والقوى والحضارات المختلفة على مر القرون. وكان على الدوام مثار خلاف وموضع سجال سياسي وتاريخي محتدم. ودوماً تختلف الأطراف المتخاصمة على موضعته وتأريخه. ووقائع «التدخل الخارجي» واستدعائه والاستنجاد به، سواء في الإطار العربي أم غير العربي، تكاد لا تُحصى. تاريخياً يحفل تاريخ هذه المنطقة بكل الروايات المتناقضة التي يمكن تخيلها، رغم أن جوهر التدخل الخارجي يكون نفس القصة: حاكم يضطهد شعبه إلى درجة يضطر ذلك الشعب للاستنجاد بـ«العدو» الخارجي، أو حاكم يقوم بعملية طائشة في فضائه «القومي» يضطر جزء من هذا الفضاء للاستنجاد بالخارج لردعه. والخارج بطبيعة الحال، مدفوعاً بحوافز وعوامل كثيرة، يكون في انتظار مثل هذه الدعوة ليقبلها ويأتي على الفور. والإشكالية التي كانت تواجه الناس عامة والمؤرخين خاصة هي أن قبول «العدو» دعوة الاستعانة وقدومه تترافق مع تضحيات كبيرة، ذلك أن للعدو مصالح هي التي تقوده للتضحية بجيشه ومقدراته وخوض حرب باسم الشعب الواقع تحت الاضطهاد. فالموازنة بين مضار ومنافع الاستنجاد بالعدو الخارجي، وإلى أي جهة تميل، تقع في قلب عملية تقليب الحدث التاريخي ثم تأريخه، وهي محط الخلاف الكبير والذي لا ينتهي. وقد اتسع نطاق الاستنجاد حتى صارت له فصول في الفقه الإسلامي تحت باب «حكم الاستعانة بالمشركين»، مما يشير إلى تعدد الحوادث وتكرارها. لكن المثير دوماً هو التأمل في الكيفية التي أرّخ بها المؤرخون لحوادث «الاستنجاد» وكيفية تركيب الوقائع وتسلسلها بحيث تقود إلى تفسير معين أو تخدم فكرة مسبقة. ففي التعامل مثلاً مع الفتح الإسلامي للبلدان نجد أن كثيراً من التأريخ الإسلامي يستدعي فكرة الاستنجاد ويعلي من شأنها في تسويغ تحرك الجيوش الإسلامية نحو هذا البلد أو ذاك. وحسب التاريخ التقليدي لـ«فتح مصر» أو «فتوح الأندلس» أو «فتوح آسيا الوسطى»، هناك استنجادات دائمة من قبل سكان هذه البلدان، القبط في مصر، والقوط في الأندلس، وحواضر آسيا الوسطى… بالحكام المسلمين ليخلصوهم من ظلم حكامهم المحليين. وفي كتب التأريخ الإسلامي لتلك الحروب، نجد استجابة خلفاء المسلمين وأمرائهم لـ«استنجاد النصارى» كدليل على المروءة والانتصار للمظلوم وإحقاق العدل. وهناك تجاهل متعمد لتحليل الدوافع الحقيقية وراء استجابة أولئك الخلفاء لدعوات الاستنجاد، إذا افترضنا أنها وقعت وكانت حقيقية. ما يعرفه طلبة التاريخ الإسلامي في المدارس والجامعات العربية هو رواية المؤرخين المسلمين لتلك الوقائع، لكنهم لا يدرسون رواية مؤرخي تلك البلدان، والتي غالباً ما تكون مختلفة إن لم نقل مناقضة.
كيف سيتعامل مؤرخ المستقبل مع غزو صدام حسين للكويت؟ وكيف سيرصد تسلسل الوقائع التي سبقت الغزو؟ وما هي الأهمية التي سوف يمنحها لهذا العنصر أو تلك الواقعة في السياق الإجمالي للغزو؟ وكيف سيتم التأريخ لتدخل التحالف الغربي بهدف طرد صدّام من الكويت والاستجابة السريعة والواسعة للغرب، وموضعة مسألة القدوم من أجل الدفاع عن مصالحه إزاء القدوم استجابةً لمطلب الكويتيين لتحرير بلدهم؟ وهل كان التدخل الغربي مدفوعاً بهاجس تحرير الكويتيين أم أنه استغل الفرصة للقضاء على الجيش العراقي الذي أصبح قوياً وكاد يحقق تغييراً استراتيجياً في ميزان القوة مع إسرائيل؟
في العصر الراهن، تواجه الكتابة التأريخية معضلات وتحديات إضافية تتعلق بفيض المعلومات، أو بحسب المصطلح الذي نحت حديثاً، «المعلومات الضخمة» (Big Data). مشكلة المؤرخ هنا لم تعد في شح المعلومة والأخبار عنها، ولا في بذل الجهد الكبير للوصول إليها، بل تتمثل في فيضان المعرفة وطوفان الأخبار والمعلومات والتحليلات. لكن هذا الفيضان لا يعني توافر كل شيء، بل التغطية على الأشياء والعناصر المهمة الخاصة بحدث معين. فالذي يتم، سواء بقصد أم بغيره، هو إغراق الحدث بكم هائل من المعلومات والتحليلات والصور المتلفزة والوثائق بحيث تصبح مهمة المؤرخ شبه مستحيلة. هذا كله دون الانخراط في جدل التشكك في أهمية الوثيقة أصلاً ومدى صلاحية الاعتماد عليها كأساس للتأريخ، وفي ما إن كان ذلك الاعتماد يعزز منهج التأريخ أم يعزز التضليل غير المقصود. مثلاً، هل يمكن أن يوثق زعيم ما رغبته وسياسته في إبادة جزء من السكان ثم يوثق طرائق التنفيذ؟ وهل يمكن أن يوثق قادة وسياسيون دوافعهم الحقيقية لغزو بلد مجاور؟ ما هو موثق في هذه الحالات تبريرات وتفسيرات تخفي النيات الحقيقية. كيف نوثق إذن للنوايا والأهداف الحقيقية وراء الفعل والحادثة التاريخية؟
في ضوء ذلك، وفي اللحظة الراهنة، تقدم الحرب في سوريا ومسألة التدخل الخارجي المتوقع، مثالاً طازجاً وتحدياً كبيراً للتاريخ والتأريخ والمؤرخين. أين نضع هذا التدخل من منظور التأريخ وكيف سيتم وصفه: هل هو انحياز من القوى الغربية لقيم العدالة، نظراً لأن الأمر في سوريا وصل درجة لم يعد بالإمكان السكوت عليها وصار لابد من الانتصار للضحايا، أم هو تدخل هدفه خدمة المصالح الأميركية فقط، وخدمة إسرائيل عبر انتهاز فرصة توحش النظام القائم وتقديم المسوغ للولايات المتحدة لضرب البنية العسكرية التحتية لسوريا، وبالتالي إزالة أي خطر سوري مستقبلي عن إسرائيل؟ ليس هناك جواب بنعم مطلقة أو لا مطلقة على هذه الأسئلة، ذلك أن أجزاء متداخلة من النوايا والأهداف والضغوط هي التي تقود إلى سياسة معينة. لكن أين يمكن رسم الحدود من ناحية التأريخ لهذا الحدث؟ وإلى أين يمتد تأثير ضغوط «القيم الإنسانية» في قرار التدخل الخارجي؟ وإلى أين يمتد تأثير ضغوط المصلحة والأهداف الاستراتيجية؟ مهمة لا يُحسد عليها مؤرخ هذه الحرب، سواء كان بين ظهرانينا أم كان من أبناء المستقبل!
الاتحاد
سوريا وعواقب عدم التحرك/ فريدة جيتيس
يميل النقاش حول دعوة أوباما لتحرك عسكري في سوريا إلى الاصطدام بخليط مربك من الحجج من قبيل: ما الجدوى من ضربة عسكرية إذا كانت القوات الأميركية لن تضرب بما يكفي من القوة لإسقاط الأسد؟ ثم ألن تستولي «القاعدة» على سوريا في حال قامت واشنطن بإسقاط الأسد بالفعل؟ وهل الأمر كله يتعلق بالحفاظ على مصداقية الولايات المتحدة بعد تحذير أوباما من أن استعمال الأسلحة الكيماوية يمثل «خطاً أحمر»؟ أم أنه يتعلق بجهد خاطئ أصلاً من قبل الرئيس لإنقاذ ماء وجهه؟
إن الطريقة الصحيحة للنظر إلى تدخل أميركي، أو تدخل تقوده أميركا، في سوريا، تقتضي أن نضع في أذهاننا أن العملية لديها أهداف كثيرة، وجماهير عديدة. فالعالم قلق على نحو مبرر بشأن الكارثة التي ألمت بالشعب السوري وبشأن ما قد يحدث لاحقاً داخل حدود ذلك البلد، غير أن التدخل يهدف إلى معالجة عدد من المشاكل في وقت واحد، وسوريا إحداها. وإذا كان التأثير على مجرى الحرب حتى يكف الأسد عن تذبيح شعبه، ثم يتسنى تأمين مستقبل أفضل بالنسبة للسوريين في نهاية المطاف، يمثل أحد الأهداف، فإن ثمة هدفاً يتعدى سوريا.
لقد قال أوباما إن «الخطر الأحمر» الشهير ليس خطه، مشيراً إلى أن «العالم هو الذي وضع خطاً أحمر». والحقيقة أن أوباما وضع ذلك الخط بالفعل، وكذلك فعل المجتمع الدولي، حيث اتفقت الأغلبية الساحقة من المجتمع الدولي قبل عدة سنوات على تحديد سقف خارجي للفظاعات التي يمكن تحملها حتى إبان الحرب. وهكذا، حظر العالم استعمال بعض الأسلحة، ومنها الأسلحة الكيماوية.
والواقع أن حقيقة أكثر من 100 ألف شخص قُتلوا في سوريا أمر فظيع ومروع، لكن ذلك لا يعني أنه من النفاق فرض تطبيق اتفاقية دولية مهمة تحظر استعمال بعض الأسلحة. فهناك أسباب لتحريم أسلحة الدمار الشامل، أسباب تفسر لماذا تخشى البشرية استعمالها بشكل خاص. ثم إنه ستكون ثمة عواقب إذا ما غض العالم الطرف بينما يقوم ديكتاتور بإطلاق صواريخ محملة بالسم على شعبه.
إن توجيه ضربة لسوريا عقب الهجوم بواسطة غاز السارين، يهدف إلى تأكيد أن ذلك لن يكون مسموحاً به. وإلا، فسنراه يحدث مراراً وتكراراً وبوتيرة متزايدة في سوريا وأماكن أخرى. وإذا كان آخرون يرفضون التحرك، فإن ذلك لا يعني أن على الولايات المتحدة السماح بمرور هذا الانتهاك السافر للقوانين الدولية بدون عقاب. فالطغاة والخارجون على القانون يتابعون ما يجري ويستخلصون الدروس، والتجارب السابقة أظهرت أنه عندما لا يتم ردع هؤلاء، فإن وحشيتهم تزداد.
وإلى جانب حماية القوانين الدولية، هناك أيضاً مسألة ما سيحدث عندما تُصدر الولايات المتحدة تحذيراً. ذلك أن أصدقاء أميركا وأعداءها يراقبون جميعاً ما يجري عن كثب، علماً بأن أميركا وجهت تحذيرات أخرى، وخاصة لإيران. وإذا كان تحذير أميركا الصارم لا يعني شيئاً الآن، فإن آخرين سيخلصون إلى أنه يمكنهم تخطي الخطوط الأخرى، وهكذا ستتضرر الجهود الرامية إلى تجنب الحروب في المستقبل. وبالتالي، فمن شأن رسالة قوية يتم إيصالها بشكل جيد أن تؤدي إلى تجنب حروب مستقبلاً.
والأكيد أن أي عمل عسكري لا يخلو من خطر وليس ثمة اختيارات جيدة كلياً، غير أن ثمة خطراً كبيراً في عدم التحرك. وشخصياً، أعتقدُ أن هذا الأخير يفوق خطر تدخل عسكري محدود، وخاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار الكلفة الأكبر لعدم التحرك!
محللة سياسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
الاتحاد
كي تردعوا إيران.. اكبحوا جماح الأسد/ ستيفن هادلي
أدت “اليقظة العربية الثورية” المفاجئة إلى خلق أزمة مستعصية في الشرق الأوسط قد يتطلب حلها سنوات، إلا أن هناك مشكلة ينبغي حلّها خلال أشهر، لا سنوات. ويتحتم الآن على كل أميركي يريد منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية أن يدعو الكونجرس للموافقة على طلب إدارة أوباما استخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد.
وينطوي تنصيب الرئيس الإيراني الجديد على بعض الأمل في التوصل إلى حل دبلوماسي يمكنه أن ينفي التوقعات بقرب تحول إيران إلى دولة نووية. إلا أن روحاني يحتاج إلى موافقة خامنئي الذي اختار أن يجعل من نصب العداء للولايات المتحدة العنصر الأساسي لسياسته في الحكم. ولن يجبر خامنئي على القبول بصفقة حول برنامجه النووي إلا الضغط الشعبي الداخلي المترافق مع التهديد بعمل عسكري من جانب الولايات المتحدة. وهذا هو السبب الذي دفع أوباما ومن قبله بوش وكلينتون، إلى التأكيد بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة بما فيها خيار اللجوء إلى القوة العسكرية.
ولقد تجرأ بشار بشكل متكرر وفاضح على تجاوز “الخط الأحمر” عندما عمد إلى استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. وإذا امتنعت الولايات المتحدة عن القيام بعمل عسكري، فأي مصداقية ستبقى للتهديد الأميركي بشن حملة عسكرية إذا واصل النظام الإيراني تمسّكه بتطوير الأسلحة النووية؟ وإذا كان هذا التهديد “مجرّد كلام”، فلن يبقَ لأمتنا إلا أشهر قليلة حتى تجد نفسها مرغمة على القبول بوجود إيران جديدة متدرّعة بالأسلحة النووية، أو أن تلجأ إلى القوة العسكرية لمنعها من ذلك.
ولو أن إدارة أوباما عملت بشكل جدي على تدريب وتسليح العناصر المعتدلة من المعارضة السورية خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، لما كانت أميركا بحاجة للقيام بعمل عسكري الآن. وكان على الولايات المتحدة، وبالتزامن مع هذا الإجراء، ألا تغفل عن توجيه إنذار إلى النظام السوري من أن تجاوز الخطوط الحمراء لن يمر من دون عقاب.
ولا يمثل تجاوز الخط الأحمر لاستخدام الأسلحة الكيميائية، التهديد الوحيد لمصالح الولايات المتحدة في سوريا، بل إن هناك دواعي أخلاقية نتجت عن كارثة بشرية أدت إلى مقتل أكثر من 100 ألف سوري وتشريد 2 مليون لاجئ في دول الجوار ونزوح أكثر من 4 ملايين مواطن داخل سوريا ذاتها، ومازال اللاجئون يتدفقون إلى دول الجوار وبما يرجح أن يؤدي هذا الصراع الوحشي إلى تهديد الاستقرار في لبنان والأردن وتركيا، وأن يشعل حرباً ضروساً بين السُنّة والشيعة. وهناك توقعات حقيقية بأن يكون تنظيم “القاعدة” بصدد أن يجعل من سوريا موطئ قدم ينطلق منه لتنفيذ هجمات ضد حلفاء الولايات المتحدة والمواطنين الأميركيين. أو أن تنجح إيران وحليفها “حزب الله” في إنقاذ نظام الأسد وتشكيل دائرة نفوذ أكثر اتساعاً في الشرق الأوسط، يمكنها أن تهدد حلفاء الولايات المتحدة بمن فيهم إسرائيل.
وإذا كان للولايات المتحدة أن تحمي مصالحها، فإن من الضروري أن يتجاوز العمل العسكري فكرة إطلاق عدد قليل من الضربات الصاروخية الهادفة إلى ردع النظام السوري أو الحدّ من قدرته على شنّ المزيد من الهجمات بالأسلحة الكيميائية. وينبغي أن تكون الضربة كافية لإنهاء التفوق العسكري للنظام السوري على الأرض.
وهذا لا يعني أن ندفع بجنود أميركا إلى الأرض على شاكلة ما حدث في الحملة العسكرية على كوسوفو، بل إنه يعني ضرب الطائرات وأنظمة الصواريخ والدفاع الجوي وقواعدها في سوريا، وهي الأسلحة التي يستخدمها الأسد للإيقاع بضحاياه من المدنيين الأبرياء ومن دون حساب. ولم يقصّر المواطنون السوريون الذين يتحلّون بقدر عالٍ من المسؤولية عن الدعوة إلى الاحتكام للحلول السياسية عبر المفاوضات، إلا أنهم سئموا وفشلوا، لأن الأسد لا يرغب في التفاوض باعتباره يتمتع بميزة التفوق العسكري، كما أن المعارضة لم تنجح في مسعاها لأنها في موقف عسكري بالغ الضعف.
ولا يمكن أن ينطوي مبدأ التفاوض على أي احتمال للنجاح ما لم يتم تغيير موازين القوى. ولهذا السبب، يكون من الضروري أن تقوم الولايات المتحدة بضربة جوية محدودة تهدف إلى إضعاف القوة العسكرية للأسد تكون متبوعة بحملة لتدريب وتسليح العناصر المعتدلة للمعارضة التي تدعم الديموقراطية، وتسعى إلى تحرير سوريا من النظام وتنظيم “القاعدة” وبقية الفصائل المتطرفة.
وينبغي على الكونجرس الموافقة على قرار يجيز لإدارة أوباما أن يفرض هذه السياسة. ويتركز الهدف من هذه الحملة على تحجيم القدرة السياسية والعسكرية للنظام السوري ودفعه إلى مشاركة القوى الديموقراطية من المعارضة لتشكيل حكومة انتقالية يمكنها أن توقف الحرب وتحمي السوريين جميعاً (بمن فيهم العلويون وبقية الأقليات) وملاحقة عناصر تنظيم “القاعدة”، وربما كان من الصعب تحقيق هذا الإنجاز الذي قد يتطلب تنفيذه بعض الوقت.
وأما الاحتمال البديل لهذا السيناريو فيتمثل في انتصار الأسد وتزايد نفوذ تنظيم “القاعدة” وبقية التنظيمات المتطرفة وسقوط سوريا في دوامة الفوضى، وكلها عوامل من شأنها أن تهدد المصالح الأميركية في المنطقة.
وطالما أن أوباما سعى إلى طلب موافقة الكونجرس للقيام بالعمل العسكري، فلقد بات في حكم المستحيل من الناحية النظرية أن يقوم بهذا العمل لو أن الكونجرس صوّت ضده. وحتى تتمكن الإدارة الأميركية من تجنب التداعيات المؤلمة لرفض الكونجرس، فسوف يتوجب عليها القيام بأعمال بالغة الأهمية للحفاظ على مصالحها.
وبالنسبة لسوريا بالذات، هذا يعني ضرورة توسيع وتسريع مهمات تدريب وتسليح العناصر المعتدلة من المعارضة المسلحة، وتفعيل المساعدات الإنسانية وخاصة في المناطق التي تم تحريرها من قبضة النظام. ويعني هذا الأمر في أفغانستان، الإبقاء على عدد كبير من القوات العسكرية الأميركية بعد الانسحاب الذي ينتظر أن يتم أواخر عام 2014 وذلك من أجل الحفاظ على استقرار البلد ومراقبة النشاطات الإيرانية المشبوهة هناك. وأما في العراق، فإنه يعني ضرورة زيادة الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للحكومة من أجل محاربة تنظيم القاعدة والحد من الضغط الإيراني. وأما في المنطقة برمتها، فهو يعني ضرورة تفعيل الدعم الدبلوماسي والأمني للحلفاء الذين يعتورهم القلق من التوسع الإيراني.
وفيما عدا ذلك فإن عدم قيام الولايات المتحدة بعمل عسكري ضد سوريا سيُقرأ على أنه انتصار لإيران وبما يقوي من احتمال أن تصبح دولة نووية وبما يزيد من قدرتها على توسيع نفوذها في المنطقة.
مستشار الأمن القومي في إدارة بوش الابن
ينشر بترتيب مع خدمة “واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس”
الاتحاد
سوريا وشروط الحل العادل/ حسن خضر
الحل العملي ليس عادلاً، بالضرورة. والحل العادل ليس سلمياً، بالضرورة. يتمثل الحل العملي في قبول آل الأسد بالتفاوض على الخروج الآمن، مقابل ضمانات بعدم الملاحقة القانونية، وحماية العلويين، وحلفاء النظام.
لن يقبل الثوّار بهذا الحل، لكن لدى أمريكا وأوروبا، وبعض الدول العربية الفاعلة، من النفوذ ووسائل الضغط، ما يمكنها من فرضه. ولن تجد إيران (وبالتبعية حزب الله) مخرجاً أفضل من التفاوض على ضمانات خاصة.
فوائد هذا الحل أنه يحمي ما تبقى من الدولة السورية من الانهيار، ويمهد لمرحلة انتقالية تضمن عدم تقسيم البلاد فعلياً، أو بحكم الأمر الواقع، ويحول دون استفحال خطر الجماعات الأصولية الإرهابية، وديمومة الحرب الأهلية بلا أفق معلوم.
الحلول العملية ليست مثالية، بالضرورة، ولكنها أقل خطورة وتكلفة. ومع ذلك، لا توجد إمكانية لحل كهذا طالما أن آل الأسد يرفضونه، بينما يستفيد الروس والإيرانيون من الوضع الراهن، والولايات المتحدة لم “تضرب” النظام، بعد، بطريقة ترغم آل الأسد على قبوله.
أما الحل العادل فيتمثل في القضاء على نظام الأسد، إما بتسليح الثوّار بأسلحة مضادة للدروع، والطائرات، أو شن حملة عسكرية من شأنها تدمير النظام وآلته العسكرية (على الطريقة الليبية) وصولاً إلى اعتقال ومحاكمة الأسد، ورؤوس النظام كمجرمي حرب، ومساعدة السوريين على إنشاء دولة ونظام جديدين. ولا تناقض في القيام بالأمرين معاً. هذا الحل عادل، بالمعنى السياسي، والأخلاقي، لأن ما ارتكبه نظام الأسد من جرائم لا يستحق ما هو أقل من هذا العقاب.
ومع ذلك، ثمة عقبات كثيرة تعترض سبيل الحل العادل، وعلى رأسها حقيقة أن القوة الوحيدة القادرة على تحقيقه هي الولايات المتحدة. وتاريخها في العالم العربي لا يمنح الكثير من الطمـأنينة، سواء من ناحية حساباتها الاستراتيجية، أو الكفاءة في تحقيق الأمن والاستقرار، وضمان الانتقال الآمن إلى دولة ونظام جديدين.
لإسرائيل أولوية ومكانة مركزية في الاستراتيجية الأميركية، وقد عرقلت أمريكا تسليح الثوّار السوريين بالأسلحة المضادة للدروع والطائرات، لأنها تخشى على أمن إسرائيل، التي لم تكن معنية، إلى ما قبل استخدام السلاح الكيماوي، بإسقاط النظام، بقدر حرصها على إطالة أمد الصراع إلى حد يكفي لتدمير سورية شعباً، ومجتمعاً، ودولة، وجيشاً، ومؤسسات.
أما الكفاءة في تحقيق الأمن والاستقرار، ففي النموذجين العراقي والليبي ما يكفي للتدليل على حقيقة أن الأمريكيين نجحوا في القضاء على صدام حسين ومعمر القذافي، لكنهم فشلوا في تحقيق وضمان الأمن والاستقرار.
في العراق فازت إيران، وانقسمت البلاد على أسس طائفية، وأصبحت السيارات المفخخة، والعمليات الانتحارية، جزءاً من الحياة اليومية للمواطنين. وفي ليبيا تفككت الوحدة التراتبية على أسس قبلية، ونشأت سلطة مركزية عاجزة ورمزية إلى حد بعيد، وهيمنت الجماعات الأصولية الإرهابية على مفاصل ما تبقى من الدولة والمجتمع.
ما الذي يضمن ألا يحدث في سوريةا ما حدث في العراق وليبيا؟
لا توجد ضمانات. بل والأرجح تكرار السيناريوهات العراقية والليبية بطريقة أكثر قسوة وعنفاً. ومع ذلك هذه السيناريوهات ليست قدرية، ولا حتمية، ويمكن تفاديها في حال تمت الاستفادة من الدرسين العراقي والليبي.
في العراق نـزل الأمريكيون على الأرض، لكنهم فككوا الدولة، وحلوا الجيش. وفي ليبيا انقضوا على كتائب القذافي من الجو، ثم طاروا إلى قواعدهم، ونسوا ليبيا.
وفي الحالة السورية ينبغي البحث عن حلول لا تؤدي إلى تفكيك الدولة، أو حل الجيش (مع ضرورة معاقبة كبار القادة والعسكريين الذين أسهموا في قتل شعبهم). كما لا يجوز الانقضاض على نظام الأسد من الجو، ثم العودة إلى حاملات الطائرات، وتجاهل سيناريو اليوم التالي في دمشق. هذا، مع ضرورة الحفاظ في الذهن على حقيقة أن كل حملة عسكرية لا تستهدف القضاء على النظام لن تحقق شرط الحل العادل.
بهذا المعنى يبدو كلام الأمريكيين عن الضربة المحدودة متأخراً، وأقل مما يجب. في أجهزة الإعلام العربية، على نحو خاص، ثمة تحليلات تعكس أمنيات، ومفادها أن الكلام عن الضربة المحدودة، مجرد قناع لحملة تستهدف القضاء على النظام.
ومع ذلك، سواء صحت الأمنيات أو خابت، فإن سيناريو اليوم التالي في دمشق هو الغائب الحاضر: في حال إذا سقط النظام، أو لعق جراحه، ووقف على قدميه. وماذا بعد؟
لا يملك أحد جواباً مضموناً وواضحاً. وفي ظل وضع كهذا ثمة ما لا ينبغي أن يسقط من الحسبان:
أولاً، كل حملة لا تستهدف إسقاط النظام تطيل من آلام وعذاب السوريين، ومن احتمل تدمير الدولة والمجتمع.
ثانياً، وإذا كانت الحملة محدودة، فإن هذا لا يتنافى مع تدريب وتسليح الثوّار بما يمكنهم من حسم المعركة في أقرب وقت ممكن.
ثالثاً، سقوط النظام يطوي صفحة الأسد، ويفتح صفحة جديدة شرطها تجريد الميليشيات من السلاح، وتمكين الحكومة الانتقالية من احتكار حق العنف والسلاح، والحيلولة دون محاولة استيلاء طرف بعينه على السلطة، ومع هذا وذاك البدء بمشروع لمصالحة وطنية شاملة.
وهذا، كله، لا ولن يتأتى دون قوة إسناد (عربية أو دولية، أو مشتركة) بغطاء من الجامعة العربية، والأمم المتحدة. وفي هذا السياق: لا يدور الكلام عن الحل العادل وحسب، بل وعن ضمانات نجاحه، أيضاً.
موقع 24
في انتظار “الغرب” / حسام عيتاني
كتب أحد الاصدقاء على صفحته في فيس بوك: “لماذا لا يساعدنا الغرب الصليبي – الصهيوني في اقتلاع بشار الأسد”. تلخص هذه السخرية السوداء جانباً من المأزق الذي يواجهه العالم العربي وعلاقته بالغرب من جهة، وموقف هذا الغرب من القيم التي رفع لواءها في ماضٍ يبتعد.
الإشكالية الأولى في السؤال الجدي/ الساخر تظهر في اعتبار اللجوء إلى الغرب طلباً للمساعدة في تسوية الصراعات المحلية، عملاً مقبولاً في ظل الثقافة السائدة التي تمنح الغرب قدرات سحرية. فهو الشر والخير المطلقين، وفي آن واحد. هو الملجأ الذي يتطلع الملايين من العرب إلى الفرار إليه هربا من قسوة العيش في بلادهم وضيق مجتمعاتهم وانظمتهم السياسية بكل أنواع الحرية وعجزها عن تقديم التعليم والعناية الصحية اللائقة واحترام الفرد والمساواة أمام القانون. لكن الغرب، في المقابل، مصدر الانحلال الاخلاقي وتأييد المعتدي الاسرائيلي ودعم الديكتاتوريات والتمييز العنصري.
هذه الرؤية المزدوجة للغرب والتي تستبطن عدداً من الآفات الاجتماعية والتربوية، هي التي تجعل تعليق الآمال عليه لتأييد الثورات العربية الساعية إلى الخلاص من الأنظمة الشمولية المفلسة، وبناء ديموقراطيات ما بعد الحكم التسلطي. لكنها هي أيضاً مصدر الخشية من الغرب الغامض الذي جاء مستعمراً ومستشرقاً وناهباً لاقتصاد بلادنا، على ما تقول سردية يتفق العرب بحكوماتهم ومعارضاتهم عليها. لقد بُذلت جهود جبارة لتبرير الفوات العربي والإسلامي وإلقاء المسؤولية عنه على الغرب المطالب اليوم بمساعدتنا في الصراع ضد طغاتنا المحليين.
القسم الناقص في السؤال أعلاه، يتعلق بالثمن الذي يتعين على العرب دفع مقابل العون الغربي المرتجى. فرغم الرطانة المنتشرة عن أن “الدول ليست جمعيات خيرية” وأن تعثر الغرب في تقديم المساعدة يرجع إلى غياب أية مصلحة له في هذه اللحظة، تغيب مسألة الثمن عن المعادلة. فعلى الغرب مساعدتنا لأننا نسعى إلى التخلص من أنظمة عسكرية دموية قتلت وذبحت مئات الآلاف من مواطنيها.
يغفل طالبو المساعدة من الغرب عن مسألتين. الأولى أن المعاناة الإنسانية لم تكن في يوم محركاً لتدخل عسكري غربي، مع استثناءات نادرة جداً. فالمجتمع الدولي، والغرب في صميمه، وقف بلا حراك يتفرج على “حقول القتل” التي حرثها وزرعها الخمير الحمر في كمبوديا بملايين الجثث في السبيعنيات. ولولا النزاع مع الجارة فيتنام التي اجتاحت كمبوديا لاستمرت المجزرة أعواماً مديدة اضافية. الأمر ذاته تكرر في رواندا حيث قتل أفراد قبائل الهوتو مليون إنسان من قبائل التوتسي في ثلاثة أشهر عام 1994، من دون أن يرف جفن المجتمع الدولي الذي كان يشاهد الكارثة وهي تكبر بلامبالاة كاملة.
الوضع ليس أفضل في منطقتنا. وفي وقت تتراجع فيه أهميتها الاقتصادية والاستراتيجية (بسبب النجاحات في مجال النفط الصخري وتقلص دور نفط الشرق الأوسط) واضمحلال القضية الفلسطينية والإخفاقات المتوالية في بلدان “الربيع العربي”، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي باتت مزمنة وعصية على الحل في أوروبا، لا يخطر في بال أي من الناشطين العرب التفكير في “الثمن” الذي قد يشجع الغرب على تناسي مشكلاته للحظة والاهتمام بكوارثنا (التي نتحمل المسؤولية الأولى عنها وليس أي طرف آخر).
فالعرب لا يريدون الاعتراف أن عدم نبذ القوى المتطرفة ومحاربتها ميدانياً وإعلامياً وسياسياً، يرتد وبالاً على أي محاولة لبناء تعاطف مع القضايا العربية، القديمة والجديدة. وما زال كل من يتلو آية او جملة من نص مقدس، منتزعة من سياقها، يحظى باحترام بين قومه حتى لو قادهم إلى التهلكة. وهم لا يريدون تغيير موقفهم من القضية الفلسطينية والصراع العربي -الإسرائيلي الذي خرج عملياً من دائرة الاهتمامات العالمية. ولا هم يقبلون تغيير نظرتهم النرجسية الى أنفسهم كأصحاب حضارة كبرى، رغم أن إنجازات الحضارة تلك قد جرى استيعابها وتجاوزها منذ قرون. يظهر ذلك في العلاقة المأساوية بين المثقف العربي والتراث.
من جهة ثانية، لا بد من الإقرار أن الغرب لا يجد مبرراً للانخراط في أي عمل عسكري في هذه المنطقة التي تتفوق فقط في توليد الكراهيات والضغائن والعداوات غير المفهومة بل عديمة القيمة بالنسبة إلى المواطن العادي المهتم بمشكلاته الاقتصادية والمالية الحادة. أما ميراث التنوير وحقوق الانسان والسلم العالمي، فليس هو المحرك الواقعي للسياسات في هذا العالم.
مع ذلك، لا يجد المواطن العربي الذي خرج إلى الساحات والشوارع للمطالبة بالتعامل معه كبشري وليس كجزء من قطيع، غير الطلب إلى الغرب مساعدته على التخلص من بلاوه. من دون جدوى، طبعاً.
موقع 24
سوريا ومصير انعدام الجاذبية/ إيان بريمر
أنهت مجموعة العشرين اجتماعاتها ومناقشاتها على مآدب الطعام بشأن التحركات الواجبة في التعامل مع الاتهامات الموجهة إلى الرئيس السوري بشار الأسد باستخدام غاز سام لقتل أكثر من 1400 من أفراد شعبه.
وقد أظهرت بريطانيا وتركيا وكندا درجات متفاوتة من الدعم لدعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما للقيام بعمل عسكري، في حين نعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتن وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالكاذب، وزعم أن الأدلة ضد الأسد غير حاسمة وغير مقنعة.
وفي الكواليس، حذر الاتحاد الأوروبي والبابا فرانسيس من أنه لا يوجد أي “حل عسكري” ممكن في سوريا.
بعبارة أخرى، سار كل شيء كما كان متوقعا بالضبط، فالأميركيون والفرنسيون وغيرهم يواصلون دفع الروس إلى قبول أن الحكومة السورية استخدمت الأسلحة الكيميائية، ويرفض الروس -الحريصون على حماية حليفهم السوري- الأدلة ويعتبرونها غير حاسمة وغير مقنعة، وتستمر المذبحة.
ويتحرك محور المعركة الآن نحو الكونغرس الأميركي، حيث يحاول تحالف نادر بين الديمقراطيين الليبراليين والجمهوريين الانعزاليين عرقلة خطط الرئيس أوباما.
ولا توجد لدى أولئك الراغبين في وقف إراقة الدماء خيارات جيدة، ويصدق هذا على أوباما وعلى الأوروبيين المشغولين بالصداع السياسي الداخلي، والزعماء العرب الذين يتوقون إلى رؤية حكومة الأسد تنهار، ولكنهم غير راغبين في التصريح بذلك علنا.
ويقول رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون إن حكومته لديها أدلة جديدة ضد الأسد، في حين صوت البرلمان على حجب الدعم عن الرد العسكري، وفرنسا على استعداد للعمل كتابع ولكنها لا ترغب في تولي القيادة.
وتريد جامعة الدول العربية من “المجتمع الدولي” أن يتحرك من أجل إنهاء المذبحة، ولكن من دون استخدام القوة.
ويطلب أوباما من الكونغرس الموافقة على ضربات جوية محدودة قد تردع استخدام الأسلحة الكيميائية في المستقبل، ولكنها لن تغير التوازن في الحرب الأهلية في سوريا.
والحق أن الأسد، والمتمردين السوريين، والأميركيين، والروس، والعرب يستحقون جميعا الانتقاد بجدارة، ولكن توجيه أصابع الاتهام يقودنا بعيدا عن جوهر المسألة.
فالموقف في سوريا هو أقوى دليل حتى الآن على نشوء نظام عالمي جديد قائم على خواء القوى في السياسة الدولية، حيث لن تقبل أي قوة منفردة أو كتلة من القوى تحمل التكاليف والمخاطر المصاحبة للزعامة العالمية.
وحتى إذا ضربت الولايات المتحدة وفرنسا دمشق، فإن هذه الضربة لن تنهي الصراع في سوريا -خلافا لما حدث في يوغوسلافيا السابقة، عندما نجحت الضربات العسكرية في وقف الحرب في كوسوفو من خلال قصف بلغراد- لثلاثة أسباب.
فأولا، هناك الكثير من الأطراف المعنية التي تسعى إلى حماية نطاق بالغ التنوع من المصالح. ورغم أن القصف من شأنه أن يحمل الأسد على إعادة النظر في كثير من الأمور، فإنه لن يرغمه على الاستسلام، ولن يشجع حلفاءه على الانقلاب ضده، ولن يوضح القصف كيفية استعادة الاستقرار وبناء سوريا أكثر استقرارا وازدهارا، نظرا للحاجة إلى التعاون بين العديد من الجهات الفاعلة التي تحمل أهدافا متضاربة.
فالولايات المتحدة وأوروبا تريد سوريا التي تلعب دورا أكثر إيجابية في المنطقة، وإيران وروسيا تريدان الاحتفاظ بحليف بالغ الأهمية، وتركيا والمملكة العربية السعودية وقطر تريد رؤية سوريا التي تبقي إيران على مسافة، ولا تتحول إلى بلد مُصَدِّر للتطرف العنيف عبر الحدود.
ونتيجة لهذا، فإن سوريا من المرجح أن تتحول إلى ساحة تتنافس فيها قوى إقليمية -بدعم من جهات خارجية مهتمة- على فرض نفوذها.
وثانيا، سوف تستمر الولايات المتحدة -الدولة الوحيدة التي تملك القوة اللازمة للعب دور حاسم- في مقاومة التورط بشكل أعمق.
فأغلب الأميركيين يقولون إنهم لا يريدون المساهمة في زيادة الآلام التي تعيشها سوريا، وهم يشعرون بالضجر والسأم من الحروب في الشرق الأوسط، ويريدون من قادتهم أن يركزوا على التعافي الاقتصادي وخلق فرص العمل في الداخل.
وسوف يكون لزاما على أوباما أن يتوخى الحذر في التعامل مع الكونغرس، وحتى برغم تصويت معارضيه الجمهوريين على تقديم دعم محدود فإنهم سوف يجعلون حياته صعبة بقدر الإمكان.
وأخيرا، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تعتمد على حلفائها لمساعدتها في الأعمال الثقيلة، ففي ليبيا كان من السهل نسبيا قصف جيوش معمر القذافي مع تقدمها عبر مساحات مفتوحة، وعلى النقيض من هذا فإن قصف دمشق -التي تظل مدينة ذات كثافة سكانية عالية رغم فرار اللاجئين- سوف يسفر لا محالة عن قتل عدد كبير من المدنيين السوريين.
وكما كانت الحال في منطقة البلقان قبل جيل واحد عندما تحرك زعماء الغرب لإنهاء الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الفرنسيين مستعدون لإرسال طائراتهم وطياريهم إلى سوريا، ولكن البريطانيين يتحدثون بأكثر من صوت واحد في هذه القضية.
وعلاوة على ذلك، فإن أغلب زعماء أوروبا مشغولون بالتداعيات المحلية للصراعات الجارية في منطقة اليورو، ففي ألمانيا على سبيل المثال سوف تتجنب المستشارة أنجيلا ميركل خوض مجازفات غير ضرورية قبيل الانتخابات العامة المقبلة.
وعلى نحو مماثل، لن يبادر الزعماء العرب -المهمومون بالاضطرابات في مصر، وتصاعد وتيرة العنف في العراق وليبيا، والتهديد المتمثل في الاضطرابات الاجتماعية داخل بلدانهم- إلى دعوة القوى الغربية علنا إلى قصف دولة مسلمة، وحتى كندا لن تشارك في هذا الأمر.
إن مشكلة خواء القوى لن تدوم إلى الأبد، ففي نهاية المطاف سوف تهدد الحرائق السياسية -التي سُمِح لها بالخروج عن السيطرة- العدد الكافي من الدول القوية فترغمها على مستوى معين من التعاون، ولكن من المؤسف بالنسبة للسوريين أن معاناتهم لن تكون كافية وحدها.
الجزيرة نت
النظام السوري وجوقته / خطاب كاذب وتافه/ فيصل البيطار
التصريح الأخير لمستشارة الرئيس السوري بثينه شعبان يجب ألا يثير الدهشه والإستغراب بقدر ما يؤكد بؤس أنظمة الديكتاتوريات وتفاهتها للدرجة التي تعجز فيها عن الدفاع عن سياساتها ولو بقدر ضئيل من العقلانيه والواقعيه . تصريحها لم يشذ عن منهج الخطاب الإعلامي للنظام منذ فجر الثوره السوريه وهو الذي أتسم بالكذب والمخادعه وتشويه الثوره كنهج ثابت ودائم حتى الآن . وما زال في الذاكره تلك الصور التي عرضها وزير الخارجيه المعلم في مؤتمر صحفي له بعد أشهر قليلة من إندلاع الثورة على أنها لتكفيريين داخل سوريا ليتبين بعد ساعات أنها لمقاتلين في باب التبانة في طرابلس ولمواطن مصري إقترف جريمة قتل في إحدى الضيع اللبنانيه، والسيده شعبان هي نفسها التي أتهمت الفلسطينيين بوقاحة من أنهم هم من يقفون خلف الثوره في درعا وحمص قبل أن تمتد لتنتشر في كافة أصقاع سوريا، وقاحة لقيت الإستهجان من أنصار النظام من الفلسطينيين قبل غيرهم وفي مقدمتهم أحمد جبريل زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة .
لكن مالذي أتحفتنا به مؤخرا السيده شعبان بعد صمت طويل ؟ بمختصر العباره، تقول السيده شعبان لمحطة سكاي نيوز الإنجليزيه وهي تخاطب الرأي العام الغربي، أن المعارضه هي التي قتلت الناس في الغوطه الشرقيه بالسلاح الكيمياوي بعد أن خطفتهم من قرى اللاذقيه وجمعتهم في مكان واحد . شعبان تريد أن تقول أن قتلى الكيمياوي هم من علويي قرى اللاذقيه دون أن تفسر الطريقة الجهنمية التي نقل بها الثوار أكثر من 1400 علوي لمسافة تزيد عن 350 كم متخطيه حواجز الجيش وأجهزة الأمن وحزب الله الى الغوطه الشرقيه المحاصرة تماما من جيش النظام منذ عدة أشهر، هذا عدى عن أمور أخرى لا تقل أهميه تحتاج الى تفسيرات عقلانيه ليصدق أحد السيده شعبان .
الديكتاتوريه السوريه كغيرها من الديكتاتوريات لا تقاتل بقدراتها العسكريه فقط، تحتاج الى ماكنة إعلاميه واسعه وظهير داعم ناعق من خارج حدودها تتناسب في حجمها وحيويتها مع الجرائم التي تقترفها كل يوم بحق السوريين، ماكنة لا تجد بدا من إعتماد الكذب والتشويه في عملها الشاق فمن المستحيل عليها أن تبرر قتل الأطفال والمدنيين وإغتصاب النساء وتدمير المدن بالأسلحة الثقيلة ودفع ثلث السكان للهجره وإستخدام السلاح الكيمياوي وكل الجرائم الموثقة بدون اللجوء الى نمطها هذا مضافا اليه الصمت المطبق في غالب الإحيان، هكذا كان شأن الخطاب الإعلامي منذ بداية الثورة وعلى كل مستويات النظام بدءا من رأسه الذي اتهم الثوار بالجراثيم، وسقوط الضحايا وإسالة الدماء بالعمليات الجراحيه الضروريه، مرورا بإركانه على المستويات المختلفه لساسته وإعلامييه ورجاله من شيوخ الدين، إنتهاء بأنصاره في الشارع العربي وخصوصا في لبنان والأردن .
أحزاب من الوان عدة ومنظمات نقابيه وصحف وأفراد يحسبون أنفسهم على قوى التقدم ومع هذا لا يرون في كل موضوعة الصراع السوري أكثر من طرفين . النظام الذي يصفه البعض بالديكتاتوري مواربة وخجلا أحيانا ويالوطني أحايين أخرى، ولا يميزون بينه وبين الدوله الوطنيه، بين الديكتاتوريه والشعب، بين الوريث وبطانته من اللصوص وبين ملايين السوريين الذين يتضورون جوعا في المنافي بعد أن هدمت منازلهم وغاب عن أنظارهم شبابهم إما تحت التراب أو في المعتقلات، وطرف آخر تكفيري رجعي همجي آكل للكبود يريد العوده بسوريا الى ما قبل قرون . ولا من أثر لشعب سوريا وحركته الوطنيه فقد تبخر من عقولهم تماما .
الخطاب الإعلامي للنظام وجوقته لا يرى من الثورة السوريه الا جانبها المظلم، وهو الجانب الحتمي والضروري الذي لا يمكن القفز من فوقه طالما هناك ثورة، تلك الجماعات التكفيرية المؤلمة لخواصر النظام الآن هي نفسها التى إستدعاها ورعاها في محطات سابقه وفتح أبوابه مشرعه لعبورها من كل حدب وصوب نحو العراق، وهو نفسه المؤسس الحقيقي لتنظيم فتح الإسلام بقيادة شاكر العبسي والمشرف على جرائمه في لبنان وعلى الأخص في مخيم نهر البارد، وهو الذي إحتفظ بقيادة وقواعد جبهة النصرة في سجونه وأطلق سراحها عندما أحتاجها ليسم الثورة السورية بطابع الإرهاب دون أن يحسب إمكانية تمددها وخروجها عن طاعته في يوم قادم، قادة البعث العراقي المتحالف مع الإسلام التكفيري كانوا ينشطون من الأراضي السوريه برعاية أجهزة النظام الأمنية، ونشاط القاعده في تجنيد القتله وتدريبهم وإستقبال العرب منهم لإرسالهم لقتل المدنيين العراقيين في الشوارع والأسواق الشعبية وأماكن العبادة كان برعاية النظام نفسه كما كان برعاية حليفه الإيراني بشهادة النظام الطائفي في العراق عدو الأمس حليف اليوم، ومثال الداعيه السوري عضو القاعدة محمود قول أغاسي المعروف بأبو القعقاع والذي كان ينشط علنا من مسجده في حلب في تجنيد المقاتلين للقتال في العراق، يشهد على تحالف النظام مع الإرهاب السني الذي يسم به الآن الحركه الوطنيه السوريه . كعادة النظام، وكما إغتال الشيخ البوطي بطلقة مسدس في رأسه بعد أن إستنفذه، إغتال أبو القعقاع بأربعة طلقات وبدء في التضييق على نشاط القاعده بعد أن إنتهى دورههم السوري ولاح في الأفق بداية شهر العسل مع نظام الحكم الطائفي في العراق .
جوقة النظام ترى في الإسلام السياسي السني المتطرف مشروعا لإلغاء مكونات الوطن الأخرى، مسيحيون وكورد ودروز وشيعة وعلويون . لكنهم لا يشيرون ولو من بعيد الى أن نفس المشروع قد تحقق بالفعل في الجمهوريه الإسلامية الإيرانيه راعية النظام وحارسه الأمين ومعها حزبها الشيعي اللبناني . كما تحقق على الأرض السوريه بأيدي طائفة ممسكة بزمام السلطة منذ مازاد على الأربعة عقود . تهميش للسنه والكورد والدروز على كافة مستويات إدارة الدولة الرئيسية، الإقتصاد والجيش والأجهزة الأمنيه وتمكين طائفة واحده من الحياة السورية عامة .
سيقدم النظام بسياسة الإلغاء أو التهميش لسنة سوريا هديته الثمينة لمتطرفيهم، تماما كما هي سياسة الإستحواذ على ثروات الوطن وقمع الحريات وهدر كرامة الناس ستكون المسبب الرئيسي لإندلاع الثورة الديمقراطيه .
لا أحد ينكر نشاط وتمدد مجموعات الإسلام السياسي بألوانهم المتعدده، لكن تلك المجموعات ليست أكثر من جانب من المشهد الذي يسلط النظام وجوقته في الخارج والداخل الضوء عليه . في أيام سلمية الثورة التي إستمرت لأكثر من خمسة أشهر، إعترف النظام بمشروعية مطالب المتظاهرين وأعلن رأسه بعد أيام من إنطلاقها ومن على منبر مجلس الشعب تبنيه لها ونيته في تحقيقها، كان هذا لفظا، أما على الأرض فقد كان له رأي آخر مغاير، إستمر في قتل المتظاهرين وإعتقالهم لتتحول الثورة تحت ضغوطات النظام نفسه الى ثورة مسلحة الإسلام المتطرف بدأ يظهر ضعيفا كأحد أركانها منذ الشهر العاشر من عمرها وهو الذي لا ينمو ويتمدد إلا في بيئة قلقه سياسيا وطائفيا أوجدها النظام بعنجهينه وتصلبه أمام مطالب الشعب التي وصفها رياء يالمشروعه .
النظم الديكتاتوريه لاهم لها الا الحفاظ على سلامتها في قمة هرم السلطة بإمتيازاتها الإقتصاديه والإجتماعية المغريه، أمنها وسلامتها هو المهم وليس أمن وكرامة الشعب، وكل الأسلحة التي كدستها على حساب قوت المعدمين هي لقتلهم فيما لو تنفسوا طلبا للحرية والكرامة ومستوى للعيش أفضل، الدين السياسي هو أحد أسلحتها كما تبين في تحالف النظام السوري مع التكفيري منه والمعتدل، ومهمة خطباء الجمعه عندهم هي في الترويج لنظامهم ودعوة الناس لإطاعة ولي الأمر والقبول بما قسمه لهم على الأرض، بكلمة أخرى، الدعوة للرضوخ للإستبداد وتمييع الصراع بين الشعب المطحون وبين مصاصي دماءه، من يسرقهم ويصادر حقهم في الحياة الكريمة ولا يهم هنا أن يدمر النظام في قصفه الأعمى أكثر من 1450 مسجدا والعديد من الكنائس . الديكتاتورية السوريه لا لون لها، ليست قوميه أو وطنيه، ليست مقاومه وممانعه ولا مهادنه أو راكعه، ليست مع هذا الدين أو ذاك ولا تنحاز لمذهب إلا بما يخدم وجودها وإستمرار نهبها، هي مع نفسها وتقف في المربع الذي يضمن مصالحها وسلامتها، بسويعات شلح النظام سلاحه الكيماوي وأبدى إستعداده للتوقيع على أتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية التي صرف عليها عقود من العمل ومئات الملايين من الدولارات من أموال الشعب، وأستعد لمواجهة الضربه الأمريكيه المحتمله بدعوة الشعب للصيام وبحملة مليونية لترديد دعاء ( حسبنا الله ونعم الوكيل، أستغفر الله وأتوب اليه ) .
لكن ماذا عن الوجه الآخر للثوره ! الوجه المشرق والذي تتناساه عمدا جوقة النظام في الداخل والخارج، ملايين السوريين خرجوا يطلبون الحريه والديمقراطيه وتبادل سلمي للسلطة وحياة أفضل في نظام جديد تعددي يضمن المساواة وحقوق كافة مكونات الشعب الأثنيه والدينيه والطائفيه، ومازالت شعارات الثورة السلمية هي نفسها التي تتكئ عليها غالبية الجموع المسلحة .
لا خوف أبدا على مستقبل سوريا، هذا الشعب المنفتح على العصر لن يسمح بسقوط دولته بيد الإسلام السياسي، المصريون صنعوا نصرهم عليه، والليبيون يحاصرونه ويوقفون تمدده، وها هم التوانسه يلاحقونه يوما بيوم على طريق هزيمته . أما السوريون ولإعتبارات كثيره إقتصاديه وإجتماعيه، فهم أولى من غيرهم بصنع إنتصارهم على التخلف بعد كنس النظام .
تذكروا: كان الكيميائي السوري مقابل النووي الإسرائيلي/ ربيع الحسن
بعد تصريح لافروف الذي أعلن فيه قيام روسيا بطرح مبادرة على القيادة السورية تقتضي بوضع السلاح الكيميائي السوري “تحت مراقبة دولية”، خرج علينا المحللون والخبراء على الفضائيات السورية مباشرة يهيئون الرأي العام لتقبل هذا المقترح تحت عنوان الانتصار الذي سيتحقق إذا ماقبلت القيادة السورية بهذا المقترح وقدموا تبريرات عديدة منها :
– الجيش يملك قوة نارية كبيرة ليس بحاجة لهذا النوع من الأسلحة.
– قبول المبادرة يفيد في تجنيب بلادنا حرب مدمرة.
– هذا السلاح عديم الفعالية والقيمة وتكاليف الاحتفاظ به أعلى من بقائه مخزنا.
– القضية كلها تمثيلية تهدف لحفظ ماء وجه أوباما لأن المقترح ينص على وضع السلاح تحت المراقبة الدولية.
لايوجد معنى قانوني لهذا المصطلح “رقابة دولية” ولكن كان الهدف من استعمال هذه الكلمة تخفيف الأثر الناجم عن القول تدمير السلاح الكميائي السوري وذلك بموجب توقيع سورية على معاهدة حظر انتشار السلاح الكيميائي والتي من أهم بنودها تدمير سلاح الدولة الكيماوي الموقعة على هذه الاتفاقية ومنع إنتاجه بالإضافة إلى أن منظمة حظر السلاح الكميائي يحق لها زيارة المواقع السورية وبأي توقيت تريده.
فإذا الاتفاق متفق عليه قبل كل هذه التصريحات وإلا ماهذه الثقة الكبيرة التي تحدث بها ضيوف الفضائيات السورية حول انتصار الدبلوماسية السورية بتجنيب البلد ويلات الحرب إذا ماقبلت بالمقترح الروسي فلماذا لم يضعوا باعتبارهم إمكانية رفض الدولة لهذا المقترح.
ومن يسمع تصريحات الوزير المعلم قبل عدة أيام في مؤتمره الصحفي في دمشق عندما قال نحن نفضل القتال على الأبتزاز، لايصدق أنه نفسه الشخص الذي أعلن ترحيب دمشق بالمقترح الروسي بوضع السلاح الكيميائي تحت رقابة دولية، وفي واقع الحال أن هذا الإعلان يفهم منه أن دمشق ترحب بالمقترح الأمريكي بوضع أسلحتها تحت رقابة إسرائيلية، والمعلم برر قبول سورية بهذا المقترح انطلاقا من حرصها على الشعب السوري وأمن المواطنين. إذا كان واقع الحال كذلك لماذا لم يعلن المعلم أن هذا المقترح سيتم عرضه على مجلس الشعب السوري الذي يمثل الشعب كما تقول الحكومة، ألا يعطي هذا صورة أفضل للعالم عن واقع الإصلاحات التي قيل أنها حدثت، ويعطي المواطن السوري ولو ظاهريا الحق في التصويت على هكذا مقترح ؟ هل حلال أن ينتظر السوريون أعضاء الكونغرس كي ينتهوا من إجازاتهم ليصوتوا على مشروع قرار يجيز لأوباما العدوان على بلدهم وحرام عليهم إبداء رأيهم في قرار يتعلق بتسليم سلاح استراتيجي للعدو وهو السلاح الذي كنا بالأمس القريب لانؤكد ولاننفي امتلاكه ولايجوز مناقشته مع أحد من غير السوريين؟
الآن وبعد سنتين ونصف من الحرب والتدمير المنهجي الذي قامت به المجوعات الإرهابية للبنى التحتية والمواقع العسكرية واغتيال الكفاءات العلمية في تخصصات عديدة ناهيك عن استشهاد عدد كبير من عناصر وضباط الجيش في هذه الحرب المدمرة، هل يمكن بعد كل هذا الدمار والضعف أن نتنازل عن سلاح ردع استراتيجي يجعل أي عدو يحسب حسابه فلا يجرؤ على التدخل المباشر ، كما أنه ورقة أخيرة يمكن التهديد بها عندما نصل إلى مرحلة نكون أو لا نكون ومن يدري ربما هدف الحرب على سورية من الأساس كان الوصول لهذا السلاح الإستراتيجي والتخلص منه علما من الصعب أن تتم السيطرة على هذا السلاح سوى بطريقة قبول تدميره من قبل الدولة، وهاهو البرنامج النووي الإيراني دليل على أهمية هذه النوعية من السلاح فإسرائيل تريد أن تشعل حربا في المنطقة من أجل التخلص من النووي الإيراني، فهل يمكن بعد كل هذه التضحيات أن نقدم لإعدائنا هذا السلاح الذي أنفقنا عليه الملايين إن لم نقل المليارات وكان نتيجة جهود بحثية سورية على مدى عقود، وماهو المقابل؟ إذا كان الغرض من هذا السلاح هو خلق نوع من التوازن مع السلاح النووي الإسرائيلي فهل ستتنازل إسرائيل عن سلاحها النووي وهي التي لم تقبل بهذا العرض منذ عدة سنوات عندما كانت سورية بكامل قوتها عندما طرحت سورية على الأمم المتحدة مشروع قرار لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل. هناك من قال أن الهدف هو لحفظ ماء وجه أوباما، ولماذا نحن مضطرون لهذا التنازل الكبير من أجل حفظ ماء وجه أوباما؟ وخاصة أننا لايوجد لدينا الكثير كي نخسره في حين الآخرين لديهم مايخافون عليه أكثر منا خاصة أننا سمعنا كثيرا عن قوتنا وقدرتنا على الرد وإشعال المنطقة وأن نتائج العدوان ستكون كارثية على الدول المشاركة به وأننا نملك خيارات الرد والمفاجئات التي لايعلم بها أعدائنا. هذا لايعني أن تجنيب البلد حربا مدمرة في ظل هذه الظروف الصعبة التي نمر بها شيء غير مستحب أو غير مطلوب، لكن السؤال بعد أن سلمنا سلاحنا الردعي وبعد كل التدمير الحاصل في سورية من الذي يضمن أن سيناريو العراق وليبيا لن يتكرر؟ أليس نحن السوريون من كان يقول أن لدينا أسلحة ردع تخلى عنها القذافي وصدام وهي التي تمنع العدوان على سورية . أمريكا لم تعتدي على العراق وليبيا إلا بعد أن تخلصت كلتا الدولتان من هذا السلاح فمن يضمن أن العدوان الذي ربما تأجل لبعض الوقت لن يكون أقوى وأكثر تدميرا بعد عدة شهور أو بعد عدة سنوات؟ أعتقد أن دور سورية المحوري والأساسي في المنطقة تلقى ضربة كبيرة بتسليم هذا السلاح.
ومايثير الغرابة والإشمئزاز بنفس الوقت هو موقف المعارضة الوهابية ومن يدور في فلكها من “صحفيين ومثقفين” ومن قيادات “ميليشيا الحر” فقد جن حنونهم عندما سمعوا عن المباردة الروسية الإمريكية وظهرت “وطنيتهم” المفاجئة الخائفة على السلاح الكيميائي السوري حتى وصل الأمر بفيصل القاسم تسميت السلاح الكيميائي “شرف سورية العسكري” ، الآن بعد أن أدركوا بأن العدوان على سورية لن يحصل تذكروا أن هذا السلاح ليس سلاح النظام وهو سلاح سورية وأن الجيش والبلد الذين ركعوا عند الغرب وقبلوا رجله ويده وأشياء أخرى من أجل تدميره تحت عنوان جيش الأسد وقوات الشبيحة هو جيش سورية وهو الضامن لوحدة البلد في ظل وجود مجموعات إرهابية من (83) جنسية سواء اختلفنا أو اتفقنا مع بعض ممارساته. وهم بالأمس القريب كانوا يتسابقون لتقديم أهداف ليتم قصفها من قبل أمريكا وحلفاءها كما تعهدوا بتسليم هذا السلاح وغيره إلى الأمم المتحدة عندما يصلون إلى الحكم ناهيك عن تعهداتهم بقطع العلاقات مع المقاومة في لبنان ومع إيران. نقول لهؤلاء المجرمين ممن يسمون “بالمعارضة” الذين يناشدون العدوان على سورية أنتم الأب الروحي للخيانة ولايمكن أن يصل لمستواكم أي معارضة أو نظام حكم في العالم .
بالعموم من المؤكد أن اتفاقا حصل بين روسيا وأمريكا وستظهر تفاصيله في وقت قريب ويحكى الأن عن توقعات بشأنه، لكن المهم أن خسارة سلاح سورية الإستراتيجي لايقابله أي مكسب سوى أن تتخلى إسرائيل عن سلاحها النووي وهذا يبدو أقرب إلى المستحيل وخاصة إن السوريين أنفسهم لم يذكروا أي كلمة أو حرف يفهم منه تحقيق هذا المكسب .
فخ بوتين بـ«أسنان» الأسد/ زهير قصيباتي
سيد الكرملين، القيصر الجديد الذي خطف مجلس الأمن منذ أكثر من سنتين، يمكنه أن يتباهى أمام الرئيس الأميركي باراك أوباما، بأن «مبادرته» في ربع الساعة الأخير، أنقذت سيد البيت الأبيض من نكسة كبرى في الكونغرس الذي لا يميل إلى ضرب سورية. والحال أن فلاديمير بوتين ينقذ النظام السوري إذ يقايض عملياً بقاءه بأسنانه «الكيماوية». أما مسألة الضمانات التي تمتلكها موسكو لتنفيذ دمشق ما أعلنت قبوله في شأن رقابة دولية على أسلحتها الكيماوية، فقضية قد تشهد من الإجراءات والمراوغة والتسويف، ما يجعل التلويح الأميركي بالخيار العسكري ورقة منسية.
أنقذ بوتين ماء وجه أوباما، لكنه قصف الخيار العسكري الأميركي – الفرنسي، وآمال المعارضة السورية باقتراب الفصل «الحاسم» من الحرب مع نظامٍ ما زال يمتلك من الصواريخ والطائرات الحربية والبراميل المتفجّرة ما يمكّنه من استكمال خططه للقضاء على الثورة أو «الإرهابيين» بالتعريف الروسي – الإيراني. وإذا كان صحيحاً ان واشنطن لا تسعى في كل الأحوال إلى إطاحة النظام السوري بالقوة، فالصحيح كذلك أن ما سُمّي «المبادرة» الروسية، سيجعل ليل سورية وثورتها أطول، لأن الغرب – و «بفضل» موسكو – سيكون اختصر مِحَن السوريين بترسانة كيماوية، وحوَّل الصراع مع النظام والحرب على البشر والحجر إلى شأن داخلي «عادي»، ومنازلة مملّة، البقاء بعدها للأقوى.
هدية بوتين أتاحت لأوباما أن يؤجل تجرّع الكأس المُرَّة لأي نكسة في الكونغرس، حيث الحاضر الأكبر العراق وأفغانستان، مهما كرر الرئيس الأميركي أن الضربة المؤجلة والمرتَجِفة ستبقى محدودة جداً، ما دام الهدف مجرد رسالة عقاب. وهو سارع في البداية، إثر ضرب الغوطتين بالأسلحة الكيماوية، إلى التقاط «الخط الأحمر» معتبراً أن النظام السوري تجاوزه بالفعل هذه المرة، وهدَّد أمن إسرائيل والولايات المتحدة. في خطابه ليل الثلثاء – الأربعاء تحدث أوباما عن المشاهد المروّعة لأطفال ينازعون، ولم يتساءل بالطبع عن قدرة الحليف الأول للنظام السوري، روسيا، على إرغامه على وقف القتل بوسائل غير كيماوية، ضحاياها تجاوزت مئة ألف. ويدرك الجميع في المنطقة، أن النظام سيسرّع وتيرة الحسم العسكري مع المعارضين المسلّحين، إذا نجحت إدارة الكرملين للأزمة في طي صفحة الضربة الأميركية.
إلى جنيف، سيحمل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اليوم الاقتراحات التطبيقية لـ «المبادرة» التي انتزعت من المعارضة السورية أقوى ورقة راهنت عليها لقلب ميزان القوة في الصراع. سيقدّم لافروف الى الوزير الأميركي جون كيري الضمانات الروسية لنزع «الأسنان» الكيماوية للنظام السوري على مراحل، لا يمكن أن تستجيب أي مهلة إنذار، قياساً إلى التجارب السابقة لدمشق في تعاملها مع الأمم المتحدة (من مفوضية اللاجئين إلى فرق تقصي الحقائق). ومهما اندفعت باريس إلى إبقاء الضربة العسكرية خياراً، فالأكيد أن موسكو أثبتت أن لا احتمال وارداً يجعلها تتخلى عن صدّ أي مسعى غربي لتحرير مجلس الأمن من عصا «الفيتو» الروسي.
لم تكن مجرد مزاح عبارة التشفي التي أطلقها مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين، بعد إحباط سريع لمشروع القرار الفرنسي في المجلس، إذ أبدى نشوة انتصار لأن «الجميع سيبقون واقفين على أصابعهم»… على إيقاع الكرملين!
فعلَها بوتين في دفاع شرس عن بقاء النظام السوري، فنسي الجميع سريعاً تسليم الكرملين علناً بأنه لن يخوض حرباً لحماية بشار الأسد ونظامه. تلك كانت ببساطة، في رأي أوساط عربية، محاولة استدراج خبيثة وناجحة، أوهمت واشنطن وباريس برفع الغطاء الروسي عن دمشق، وبأن الطريق إلى ضربها باتت نزهة، حتى كانت مفاجأة «لا» البريطانية التي حشرت فرنسا وحيدةً في زاوية القرار الأميركي… وما إن ظن أوباما أن صفعة «الضربة المحدودة» للنظام السوري باتت في متناول يده وبنانِه، ليمحو ما علِق بصورته من اتهامات بالعجز والتردد بعد «مهزلة» الخطوط الحمر، حتى باغته الروسي بصفقة ربع الساعة الأخير: نزع «الكيماوي» في مقابل نزع فتيل التهديد ببديل لنظام الأسد.
والسؤال اليوم، بعد خيبة المعارضة السورية ونكبتها بحلف دمشق – موسكو – طهران، وبتراخي الغرب وذعره من التورط في رمال الشرق الأوسط وصراعاته المفخخة، هو: هل يقرّ كيري لزميله لافروف بقبول شرط بوتين لإطلاق المبادرة «الكيماوية» على سكة التنفيذ، أي تخلي أوباما نهائياً عن خيار الضربة؟
ألا تُصدِم المعارضة دعوة الوزير الأميركي الرئيس السوري الى «أن يغتنم فرصة محاولة صنع السلام»، كأنه يعيد إليه الاعتبار ويُشرِكه في الحل؟
أوباما الذي «تعلّم من العراق»، تجنَّب إلى حين، الكأس المرّة، ولم يتطوّع هو ولا فرنسوا هولاند أو ديفيد كامرون لإقناع أي سوري بأن الحل السياسي للحرب والثورة والصراع مع النظام، ممكن ولو بعد عام 2014.
كؤوس الثوار فارغة إلا من مرارات الوعود الغربية، والخِدع الروسية، ودماء شعب ستبقى رهينة، إذا أوكلت واشنطن إلى موسكو ايضاً تهيئة مسرح «الحل» في «جنيف 2».
الحياة
خاسر وحيد في سورية/ حسان حيدر
قد يكون من المبكر الحكم على امكان نجاح الاقتراح الروسي بوضع ترسانة بشار الاسد الكيماوية تحت المراقبة الدولية قبل تدميرها، ذلك ان المفاوضات بين الاطراف الدوليين لا تزال في بدايتها وسط شروط وشروط مضادة، لكن الموافقة السورية الفورية عليها ثم قبول الولايات المتحدة بمنحها فرصة، يرجحان التوصل الى تسوية ما، ويثبتان في الوقت نفسه مجموعة من الحقائق عن طبيعة نظام دمشق والادارة الاميركية الحالية.
فإحدى ركائز النظام الذي ارساه حافظ الاسد قبل اربعين عاما ونيف هي الاستقواء بالخارج على الداخل، اي اعطاء الاولوية والجهد والاهمية لكل ما هو خارج سورية وتجاهل الداخل السوري تماما، إلا اذا شكل خطرا ما، عندها يصبح التعامل معه كمعاملة السجان الغليظ القلب لسجين متمرد.
ولأن الخارج مهم، يجب عدم استفزازه الى الدرجة التي تضطره الى قطع كل الخيوط واستخدام القوة.
حصل هذا من قبل. ففي العام 1998 بلغ التوتر أوجه بين النظام السوري وتركيا التي هددت باجتياح الاراضي السورية وحشدت جيشها عند الحدود متهمة دمشق بدعم هجمات «حزب العمال الكردستاني» واحتضان زعيمه عبدالله اوجلان. وفهم السوريون ان تصرف تركيا العضو في «حلف شمال الاطلسي» يلقى تأييدا من دول كبرى، فانصاعت دمشق للتهديد واخرجت اوجلان من اراضيها ممهدة لاعتقاله، وتعهدت بوقف دعمها للمتمردين الاكراد.
واليوم يتكرر الموقف نفسه لكن في ظروف مختلفة: عندما احست دمشق بأن التهديد الاميركي بتوجيه ضربة الى مفاصل جيشها يقترب من التنفيذ لانعدام المخرج السياسي، طلبت من راعيها الروسي تقديم مبادرته التي اعلن عنها خلال زيارة وليد المعلم الى موسكو، علما ان الاعلان عن هذه الزيارة سبق انعقاد قمة «مجموعة العشرين» في سان بطرسبورغ، اي ان المبادرة كانت جاهزة وبحثها بوتين مع اوباما خلال لقائهما القصير على هامش القمة، باعتراف كليهما.
وهكذا اظهر النظام السوري مرة اخرى انه مستعد لتقديم اي شيء في سبيل بقائه، وجاهز لاسقاط كل الشعارات عن «التوازن الاستراتيجي» مع اسرائيل و «الممانعة» عندما يتعلق الامر بمصيره. المهم ان لا يقدم شيئا لشعبه وان يبقى قادرا على الامساك بآلة القمع التي اطلقها ضده.
اما واشنطن التي طبعت معالجتها الملف السوري سلسلة من التراجعات بتبريرات غير مفهومة احيانا حتى لاعضاء الادارة نفسها، فوجدت في المبادرة الروسية طوق نجاة من المغامرة العسكرية غير المرغوبة اصلا، رغم مواقف التمنع والحديث عن ابقاء الخيار العسكري قائما وعن مهل زمنية، وسواها من لوازم التفاوض.
تنفس باراك اوباما الصعداء لانه لم يعد مضطرا الى الخروج عن عقيدته اللاحربية طالما ان هم ادارته الاساسي، اي أمن اسرائيل، يمكن ضمانه بدون استخدام عضلات جيشه. ولا مانع ايضا من الضحك على الروس وايهامهم بأنهم عادوا قوة دولية تستطيع مقارعة الدولة العظمى الوحيدة، لان بالامكان تجاوزهم في اي وقت واي مناسبة.
خاسر وحيد في كل هذه المعمعة هو المعارضة السورية: جيش الاسد يضربها بكل ما أوتي من قدرة يؤارزه حلفاؤه الايرانيون واللبنانيون، ولن يتوقف عن ذلك. والغرب يتخلى عنها عمليا متذرعا بانقسامها واصولية بعض اطرافها غير عابئ حتى لو طالت الحرب الاهلية سنوات طالما انها لا تشكل تهديدا اقليميا، وكأن المشكلة مع نظام الاسد كانت في نوعية ما يستخدمه من اسلحة. اما العرب المنقسمون فلا حول لهم ولا قوة.
الحياة
سراب «الضربات الموجعة»: بوتين ينقذ الأسد و… أوباما/ عبدالوهاب بدرخان *
أحرزت الاتصالات السرّية، الأميركية – الروسية، نتيجة تلبي التمنيات الضمنية لباراك أوباما ويمكن أن تبدّل الموقف من قرار بتوجيه ضربة عسكرية إلى الاكتفاء بأن مجرد التهديد بها حقّق الغاية، فبدلاً من «ردع» النظام السوري أمكن انتزاع سلاحه الكيماوي. لم يكن الهدف ولا لحظة مساعدة المعارضة السورية في قتالها، إذاً فبإمكان النظام أن يواصل القتل كيفما يشاء فقد اشترى لتوّه بقاءه لوقت زائد لا معنى له سوى إطالة المقتلة والتمادي بها. وبالطبع تبعث هذه «الصفقة» المحتملة إلى الشعب السوري برسالة محبطة، مفادها أن تضحيات نصف مليون من أبنائه بين قتيل ومصاب وسجين ومفقود، فضلاً عن ستة ملايين بين مهجّر ونازح، لا تعني شيئاً في مساومات الدول الكبرى ولا يستحق النظام عليها أي معاقبة.
بين تصويت غير مضمون في الكونغرس وعرض روسي – سوري يتضمّن تنازلاً ملموساً، استجدّ لدى أوباما خيارٌ ثالث هو إعادة النظر في قراره. فالأهم عنده كان تسجيل وجود «خط أحمر» أميركي للسلاح المحظور، وبدا مع الترويج للضربات أنه لا يمانع تغيير طبيعة الصراع داخل سورية، لكن هذا لم يكن أولويته. أما فلاديمير بوتين فكان المهمّ عنده إجهاض الضربة وليس محاسبة حليفه السوري على استخدامه السلاح الكيماوي، وظلّ الأهم إبقاء خيار الحل السياسي الذي فشلت موسكو وأفشلها النظام في إدارته مسترشدة بمقترحاته غير الواقعية وغير العملية.
مع انتهاء قمة الدول العشرين لم يتضح أن الاتصالات البعيدة من الأضواء أنجزت اختراقاً يكبح الاندفاع الأميركي – الفرنسي نحو عمل عسكري ضد النظام. فالجانب الأميركي أوضح أن التخلي عن الضربة ممكنٌ فقط لقاء تنازلات من بشار الأسد على محورين: الأول قوامه سحب الترسانة الكيماوية من يد النظام، والثاني يطالب بمبادرات عملية تدفع قدماً بحل سياسي يمكن إطلاقه في إطار مؤتمر «جنيف – 2». أي كان هناك بحث عن صفقة متكاملة تستبعد العمل العسكري لكنها تتعامل بحسم مع المعضلة الكيماوية، وتمهّد لمباشرة المعالجة السياسية للأزمة. وإذ أصبح التنازل الأول (الكيماوي) على الطاولة فإن «الصدمة» التي أحدثها حجبت التنازل الآخر (السياسي) فبقي معلّقاً، ولا يُعرف ما إذا كان ينتظر تأكيد التخلي نهائياً عن الضربة أم إنه متروك لمزيد من المساومة. وكان المتداول في هذا المجال أن يعلن الأسد – على الأقل – عدم السعي إلى مدّ رئاسته بعد انتهائها منتصف العام المقبل، وهو ما كان الأميركيون لوّحوا بقبوله مشترطين أن لا يعرقل خطوات نقل السلطة.
وفيما ظلّ أمر الضربات الصاروخية معلّقاً على تصويت مجلسي الكونغرس، وعليه توقف أيضاً مصير «التحالف» الدولي الذي تولّى الوزير جون كيري بلورته في جولة أوروبية من دون نتائج قاطعة، جاءت «المبادرة الروسية» بمثابة إنقاذ للجميع: للمترددين في الكونغرس، لأوباما الذي ستتعرّض هيبته للمهانة، للأوروبيين المرتبكين إزاء حراك الرأي العام، لموسكو التي خشيت أن تعطّل الضربة سياستها الانتهازية، لإيران التي تظاهرت بالتأهب للردّ، لكن حساباتها الجديدة لم تجد مصلحة في المواجهة حتى لو رغبت فيها، وأخيراً لنظام الأسد الذي صعّد كلامياً وأدرك عملياً أن وضعه الحالي بائس وأن سلسلة من الضربات قد تقوّض مقوّمات تماسكه. لا شك في أن موسكو لم تحصل بسهولة على هذا التنازل الكيماوي من النظام، وبمجرد أن طلبته، بل اضطرت للمرة الأولى من عامين لإفهام طهران ودمشق أن الضربات الأميركية ستفسد استراتيجيتها، بالتالي تجب مساعدتها على منعها.
برهن بوتين في هذه المساومة على أنه يجيد اللعب بأوباما وخياراته، إذ تركه يتخبّط مع «الخطّ الأحمر» وشاهده ينصب فخّاً لنفسه باللجوء إلى الكونغرس، ثم ظهر كمن يرمي إليه بخشبة الخلاص. حتى النظام السوري عرف كيف يخترق الإعلام الغربي ليخاطب الرأي العام ومترددي الكونغرس بما يريدون سماعه مرفقاً بتهديدات مدروسة وإنْ كانت جوفاء، ثم إنه عرف كيف ومتى وأين يقدّم التنازل ولو مُجبراً، فموافقته على تدمير مخزونه الكيماوي لم تثبت فقط أنه مسؤول عن مجزرة الغوطة بل أكدت أنه افتعل الهجوم الكيماوي كمقامرة لتحريك معطيات الصراع، والمهم بالنسبة إليه أنه سيتفادى ضربه لقاء خلعه أحد أثمن أثوابه.
للمرّة الأولى أيضاً منذ بداية الثورة السورية لاح لأبنائها أن ثمة أملاً يمكن التعويل عليه، فجرائم النظام بررت حتمية معاقبته أياً تكن الجهة التي تضربه، فأي بشاعة يمكن تصوّرها للتدخل الخارجي (بالاقتباس من ياسين الحاج صالح) لا يمكن أن تكون أكثر فظاعة من خنق الأطفال بالغازات السامة واغتصاب النساء والقتل الجماعي للمدنيين العزّل وتعذيب المخطوفين/ المعتقلين وتشريد الناس وتدمير المدن بصواريخ الدمار الشامل… لكن ضربات أميركا ما لبثت أن صارت سراباً، بل طعنة في صدر الشعب السوري. والواقع أن أوباما يحصد حالياً مع إدارته نتائج التلكؤ والتردد والإهمال التي هيمنت على تعامله مع الأزمة السورية. فكل ما عُرض عليه قبل عام أو أكثر ورفض بتّه لأسباب غير مفهومة في معظم الأحيان، يبدو اليوم وكأنه يعود إليه مجبراً بعدما استدرجته الأزمة استدراجاً. إذ طرح، مثلاً، تعزيز قدرات «الجيش السوري الحر» كأحد الخيارات البديلة إذا حالت التعقيدات دون توجيه الضربات المزمعة، ومعروف إلى أي حد عارض أوباما تسليح المعارضة وإلى أي حد تلاعبت إدارته بتدفق الأسلحة حجباً أو إفساحاً، ما جعل نظام بشار الأسد متيقّناً بأن واشنطن لم تتوقف عن المراهنة عليه، وما مكّنه من الشروع في تغيير المعادلة الميدانية للصراع وبالتالي العبث بشروط أي «حل سياسي» متوازن. أكثر من ذلك، يُستدلّ من «الحرب الباردة» المستجدّة بين أميركا وروسيا أن محور التنافس الحالي في سورية هو الهيمنة على الشرق الأوسط من جهة واحتواء النفوذ الإيراني من جهة أخرى. ومعروف هنا أيضاً إلى أي حدّ كان أوباما متموقعاً بل حاسماً في خيار «الانسحاب» و «الاستقالة» من الشرق الأوسط، ولذلك كان دائم التهرّب من مواجهة الأزمة ودائم الميل إلى التستر على معلومات مؤكدة بأن النظام استخدم السلاح الكيماوي عشرات المرات، بل دائم التقليل من هول الأحداث والخسائر البشرية في سورية. والنتيجة التي يواجهها حالياً أن ناقديه يقولون إنه غير مقنع وإنه يريد الذهاب إلى عمل عسكري في منطقة حساسة ومتوترة من دون أن تكون لديه رؤية استراتيجية واضحة.
وهذا مأخذ صحيح لأن مخططي «الضربات المحدودة» صمموها وفقاً للمعايير التي حددتها إدارة أميركية لا تريد أن تضرب أصلاً، ومع توصيفهم بأنها ستكون «موجعة» أكدوا أنها لا تريد التسبب بانهيار النظام من دون وجود بديل جاهز. بات ما شهدناه أخيراً يبدو كأنه مجرد كلام في كلام عن حرب لا يراد لها أن تقع، إلا أنه مع ذلك استطاع أن يعرّفنا إلى حدود كل طرف. فالنظام خشي أن يجد نفسه أمام واقع جديد لم يسبق له أن اختبره ولا اختبر انعكاساته على قدراته القتالية وعلى معنويات قواته واستطراداً على استراتيجيته للبقاء والسيطرة. أما الإيرانيون الذين توزّعوا الأدوار بين من يتوعد بردٍّ قاس على الضربات ومن يرسل إشارات تدعو إلى تسوية، فإنهم كسواهم من القوى الخارجية يخوضون في سورية حرباً بالوكالة يستخدمون فيها قوات النظام ومقاتلي «حزب الله» اللبناني و «الميليشيا العراقية» التي أشرفوا على تنظيمها. ويدرك الإيرانيون أن الردّ الوحيد ذا المغزى لا بد أن يكون ضد إسرائيل غير أن أخطاره كبيرة، والتوقيت غير مناسب. لذا، فضّلوا مثلاً الاستمرار بإطلاق التهديدات مع الاختباء وراء «مبادرة» هزيلة أعلنها نوري المالكي، ولم يعرها أحد اهتماماً.
* كاتب وصحافي لبناني
يعوم الاسد ويغرق أوباما؟/ راجح الخوري
عندما يلتقي جون كيري ندّه الروسي سيرغي لافروف اليوم في جنيف سيبدو واحداً من فرسان باراك اوباما، الذين يمتطون الاحصنة الخشبية ويحاربون طواحين الهواء في الكونغرس واوساط الرأي العام الاميركي، الذي يرفض كل حديث عن الحرب.
لافروف المقطب والمتهدج الصوت، لم يخف ضحكاته عندما جلس يعرض “مبادرة الكيميائي”، او الفخ الذي سرعان ما وقع فيه اوباما الواقع اصلاً في فخاخ الكونغرس، ولافروف المرتاح جداً الى التعثّر الاميركي والى اهتزاز الصدقية الاميركية، لن يسهّل الامور على اوباما وادارته العالقة في وحول مأزق يفوق التصور، فالنقلة الروسية في الشطرنج الشرق الاوسطي، تبدو كأنها أوقعت “الملك الاميركي”، بكسب النقاط المتتالية عبر المذبحة السورية التي ترعاها، وليس من المبالغة القول ان القرار السياسي السوري بعد الفعل العسكري بات الآن في يد موسكو!
ان التطورات المتسارعة والحافلة بالمقالب والمفاجآت منذ اعلان لافروف عن “مبادرة الكيميائي”، وقد تحولت فخاً سار اليه اوباما مضطراً ليخرج من مأزق التهديد بالضربة المحدودة، تدفع الى استنتاج مثير ومخيّب طبعاً، ذلك انه سرعان ما تبين ان هذه المبادرة، هي مناورة تقوم على سياسة المراوغة، والدليل ما جرى ويجري الآن في كواليس مجلس الأمن، وخصوصاً بعدما رفضت موسكو مشروع القرار الفرنسي وربطه بالفصل السابع، مشترطة ان يقتصر الامر على بيان رئاسي غير ملزم، وهذا ما يشبه قيام مجلس الأمن بالتربيت على كتف الاسد وتشجيعه هو وغيره على استخدام الكيميائي وغير الكيميائي!
لست ادري كم سيتجرّع اوباما من الخيبة والمرارة بعد، لكنني اعتقد ان “المناورة الكيميائية الروسية” تتجه الى تحقيق نتائج صاعقة على النحو الآتي:
1 – ان تعوّم النظام السوري الذي كان يواجه خطر الضربة الاميركية بعدما نجحت في انتشال الاسد من مستنقع جريمة الغوطتين، وحتى بمنع تسليم ترسانته الكيميائية، وخصوصاً بعدما ربط بوتين عملية التسليم غير الواضحة او المضمونة اصلاً، “باعلان اميركا وكل من يدعمها التخلي عن الخطط لاستخدام القوة ضد سوريا”، وهذا لا يعني رفع التلويح بالضربة المحدودة فحسب، بل رفع كل عمل عسكري من اميركا وحلفائها الاقليميين ضد النظام السوري. أضف الى هذا ان كل الاهتمام يتركز الآن على السلاح في حين يتم نسيان الجريمة والمجرم، وهذا يشبه عملية غريبة كمثل وقوع خلاف على مصادرة المسدس المستعمل في القتل ونسيان القاتل والقتيل معاً!
2- ان تزيد من دفع اوباما الى وحول مأزق العجز عن التعامل مع جريمة الغوطتين، فهو يلوّح بضربة عقابية غير قادر عليها، ويسارع الى الوقوع في فخ تسليم الكيميائي، الذي لا يريد الروس تسليمه بل سلامة رأس الاسد!
النهار
قال مجتمع دولي قال…
الياس الديري
قال مجتمع دولي قال. قال شرعيّة دوليّة قال. قال دول كبرى عُظمى قال…
حطّ بالخرج. مجرّد أوهام بأوهام. ولبنان خبير في هذا الحقل، إن لم يكن من أوائل العارفين والمجرّبين والملدوعين.
فالويل للشعوب والدول الصغيرة، إذا ما زلّت بها الظروف وأجبرتها على اللجوء إلى “عدالة” الشرعيّة الدوليّة، و”نخوة” المجتمع الدولي…
هذا ما يقوله لنا، وللناس أجمعين “درس الكيمياء”، الذي أظهر الوجه الحقيقي لهذه الأساطير التي لا تختلف عن قصص الجن والغول والعنقاء وبيضة طير الرخّ.
وتالياً أزاح، أو أسقط ورقة التين عن كل العورات وكل المخبّأ خلف الستارة، وأظهر هذا العالم، أو ذاك الجزء من العالم وحكّامه، وكشفهم حين دقّت “ساعة الكيميائي”.
لساعات، لدقائق، لثوان تباطأت حتى الثمالة، بدت الدول الكبرى بمسؤوليها وعظمتها وتاريخها وهالتها، كأنها فوجئت بمكمن. أو بلغم نووي كبير. أو بجدار من الكيميائي يسوّر القارات الخمس، ويضع شعوبها في عهدة سياج من نار وكيمياء.
ولكن، كيف تصدّق الدول الصغيرة وشعوبها التي كانت تظنّ أن “امبراطورية رينغو” مثلاً، هي عنترة الفوارس والنزالات والساحات في كل الفصول والأوقات… كيف تصدق أن رئيس “الستايتس” باراك أوباما يبدو قلقاً مرتبكاً متردّداً خائفاً وهو يخاطب شعبه، ويتوجّه عبره إلى سائر الشعوب مفتّشاً عن المبرّرات والأسباب التي توفّر له باباً خلفياً للفرار من هذا الفخ.
للحال غاب “الحلفاء” عن السمع، وأوعزوا إلى “الناطقين” أن يعلنوا “بلع” كل ما قيل حول الدعم والتأييد.
وحين أعلن الداهية سيرغي لافروف وزير خارجية قيصر روسيا فلاديمير بوتين عن “عرض” جديد يوفّر حلاً لقضية الكيميائي في سوريا، سارع جون كيري وزير خارجية أميركا إلى إعلان الموافقة الفورية، وتبادل العناق هاتفياً مع لافروف.
… وتنفّس أوباما والكونغرس والأميركيون الصعداء، وربما تلوا جميعهم صلاة الشكر.
إذا كان هذا وضع الدول العظمى، فماذا تقول الدول الصغيرة الممزَّقة المبعثَرة، كلبنان مثلاً؟
البعض من المراقبين وحاملي الهمّ سارعوا إلى تلقّف الموقف الاعتراضي الوحيد، على صعيد المنطقة والعالم، والذي أعلنه مجلس التعاون الخليجي في اجتماع جدّة الطارئ. مع التأكيد أن المبادرة الروسية لا توقف نزف الدم في سوريا، بل قد تزيد الوضع شراسة وذعراً وموتاً وعذاباً ودماراً.
فحلّ افتراضي كهذا يحتاج إلى دزينة ونصف دزينة من السنوات لتطبيقه… ولو جزئياً.
تُرى، هل انتهى دور المجتمع الدولي والشرعيّة الدوليّة، ومعهما الدور الوهمي لإمبراطورية رينغو؟
النهار
واشنطن فاجأت حلفاءها بالتسوية الكيميائية فشل الحلّ الانتقالي يمدّد للنظام والحرب/ روزانا بومنصف
على رغم ابقاء الرئيس الاميركي باراك اوباما الضربة العسكرية ضد النظام السوري خيارا محتملا موضوعا على الطاولة، فان مراقبين سياسيين وديبلوماسيين لم يعودوا يرونها خيارا فاعلا وان كان يستخدم للضغط على النظام وحلفائه في لعبة الافادة من الخيار الديبلوماسي. اذ ان الرئيس الاميركي غير الراغب اصلا في اي عمل عسكري فقد اللحظة المناسبة لأي ضربة عسكرية بعدما تمت تهيئة العقول والنفوس لها في المنطقة وأجهضت تباعا بقرار اوباما العودة الى الكونغرس قبل القيام بها ثم بتأجيل التصويت عليها تبعا للاقتراح الروسي حول وضع النظام السوري اسلحته الكيميائية تحت رقابة دولية، فضلا عن اعطاء التأجيل او التأخير فرصة لحلفاء النظام لاعتماد مواقف اخرى مختلفة عما كانت ساعات او ايام بعد اعلان اوباما نيته توجيه ضربة محدودة للنظام السوري. ومع تفعيل الروس المبادرة التي اطلقت اولا على لسان وزير الخارجية الاميركي جون كيري بتسليم النظام الاسلحة الكيميائية التي في حوزته الى الامم المتحدة، سلمت الدول الغربية بالعرض الروسي انطلاقا من ان الضربة المحتملة كانت ستتم تحت عنوان تخطي النظام “خطا احمر” وضعه الرئيس الاميركي يحظر استخدام السلاح الكيميائي ولأن هذا السلاح يثير قلق الغرب واسرائيل بنوع خاص من انتقاله الى “حزب الله” او الى المتطرفين السنة. والعمل على موضوع الاسلحة الكيميائية ينطوي على ايجابية لا يمكن تجاهلها. لكن بالنسبة الى المراقبين السياسيين والديبلوماسيين فان التركيز على هذه النقطة وحدها يشبه الى حد بعيد الضربة العسكرية من حيث انها كانت تهدف الى وضع حد لاستخدام النظام السلاح الكيميائي وردعه عن اللجوء مجددا اليه في حين ان محدودية الضربة كانت ستبقي على النظام في موقعه ولن تمس به. ولذلك فان الاسئلة التي تطرح تتصل بما اذا كان التركيز على نزع السلاح الكيميائي او وضعه تحت رقابة الامم المتحدة سيسمح بعودة النظام الى ممارسة حربه ضد شعبه بالاسلحة التقليدية وان المجتمع الدولي سيمضي قدما في غض النظر عن قتل اكثر من 110 آلاف سوري ام ان ثمة بحثا جديا ستفتح عليه المناقشات حول الاسلحة الكيميائية من اجل الوصول الى حل للازمة السورية؟
تكشف معلومات متوافرة لدى مصادر معنية ان الاقتراح حول تسليم النظام السوري اسلحته الكيميائية كان مفاجئا لدول اقليمية حليفة للولايات المتحدة واثارعلامات استفهام عدة تتصل بما اذا كان هذا الاقتراح نتيجة اللقاء الذي جمع اوباما مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في بيترسبيرغ، خصوصا ان الدول الحليفة لم تكن في اجوائه مما اثار استياء لديها ما لبث ان شمل رد الفعل الاميركي على الاقتراح الروسي. اذ ان التركيز على موضوع الاسلحة الكيميائية يعطي الولايات المتحدة واسرائيل والغرب ايضا ما يريده في مقابل ترك الحرب السورية تتفاعل لأشهر وربما سنين طويلة او في مقابل حصانة للنظام السوري بموجب تعاونه مع الامم المتحدة لاحقا. ولذلك صدر توضيح عن مساعد مستشارة الامن القومي سوزان رايس “ان اوباما لا يزال ملتزما دعوته الى تنحية الاسد” في اجابة عن تساؤلات على اعادة تعويم النظام في حال تعاونه مع الامم المتحدة خصوصا اذا تم تجاهل محاسبته عن استخدامه هذا السلاح الذي وصفه الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ومسؤولون دوليون اميركيون وسواهم بانه جرائم ضد الانسانية مما يفترض محاسبة النظام على ذلك واحالته على المحكمة الجنائية الدولية تحت هذا العنوان وحده وليس فقط الاكتفاء بوضع الاسلحة الكيميائية تحت الرقابة الدولية. وهو سقف ترفعه بعض الدول الاقليمية ايضا كأحد ابرز العناصر التي يجب ان تؤخذ في الاعتبار في حال فتح ابواب المباحثات حول تسوية للازمة السورية والتي يرى المراقبون انه يمكن الدخول اليها من باب الرقابة او نزع الاسلحة الكيميائية. فما يجري قد يكون ايجابيا من جوانب عدة احدها هو تضاؤل فرصة اللجوء الى الخيار العسكري فيما لا يزال ممكنا الافادة من استمرار استخدامه خيارا محتملا خصوصا اذا تم اقناع الكونغرس الاميركي بالموافقة على اعطاء اوباما الغطاء لضربة عسكرية حتى لو لم يستخدمها. في حين ان الجوانب الاخرى قد تتمثل في العودة الى مجلس الامن للتحرك من خلاله بعدما اصابته الحرب السورية بعطب خطير أثّر في صدقيته وفاعليته بعدما ساهم الفيتو الروسي والاسراف في استخدامه في منح روسيا قدرة كبيرة على مواجهة الولايات المتحدة والدول الغربية في حين ان التحرك من خلاله يعيد الاعتبار للمجموعة الدولية ككل ولمظلتها لاي تسوية في سوريا. كما تتمثل هذه الجوانب في ان استخدام الكيميائي يفتح الباب امام تفاوض روسي اميركي اوسع مدى يعيد الاعتبار الى جنيف – 1 على نحو جدي من خلال فرض وقف للنار اولا وارسال مراقبين دوليين ودعوة الافرقاء الى الحوار على حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تستلم السلطة حتى اجراء انتخابات جديدة، والا فان البديل قد يكون في انعدام فرص الحل السياسي في سوريا لسنوات اخرى خصوصا في حال اعتبر النظام انه ارضى الغرب واسرائيل بتسليم اسلحته الكيميائية واخذ في المقابل “كارت بلانش” لاستئناف او استكمال ما كان يقوم به حتى الآن بحماية روسية مؤكدة اكبر من السابق وليس بحماية ايران وحدها.
النهار
لئلا يرد الأسد على الضربة بسلاح كيميائي اتفقت أميركا وروسيا على التخلّي عنه أولاً/ اميل خوري
يمكن القول إن الاقتراح الروسي أرجأ الضربة العسكرية على سوريا لكنه لم يلغها لأن المطلوب محاسبة من استخدم السلاح الكيميائي وأودى بحياة الآلاف من المدنيين بينهم نساء وأطفال، وليس بمجرد وضع مخزون هذا السلاح تحت الرقابة الدولية تمهيداً لتدميره يتوقف القتال ويتم التوصل إلى حل كامل للأزمة السورية.
يقول سفير سابق للبنان تنقّل في عمله بين عدد من عواصم القرار إن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، والاقتراح الروسي وإن كان يخرج الرئيس باراك أوباما من مأزق الدخول في حرب مجهولة النتائج، فإن الموافقة النهائية عليه تحتاج إلى إيضاح عدد من الأمور مثل: هل سيسلّم الرئيس بشار الأسد كل الأسلحة الكيميائية وكيف يمكن التأكد من ذلك؟ وهل تكفي موافقة الولايات المتحدة الأميركية ومن معها على الاقتراح الروسي؟ أم أن الأمر يحتاج إلى موافقة مجلس الأمن الذي عليه اتخاذ الاجراءات الكفيلة بجمع كل الأسلحة من الأماكن التي وضعت فيها ومن ثم تدميرها على أن تتضمن هذه الاجراءات حلاً متكاملاً للأزمة السورية على أساس مقررات جنيف، أو بإرسال قوة دولية إلى سوريا تفصل بين المتقاتلين وتوقف إطلاق النار إذ لا يعقل البحث في حل والقتال دائر بين السوريين ويكون لتقدم طرف على الأرض تأثير على طبيعة الحل. ثم ما نفع أن يقتصر الحل على تدمير الاسلحة الكيميائية فيما النزف مستمر للشعب السوري مع استمرار الخلاف على الدخول في مفاوضات الحل بوجود الرئيس الأسد أو من دون وجوده، والمعارضة السورية ترفض التغاضي عن محاسبة من استخدم السلاح الكيميائي إذا لم يكن الثمن أقله تنحي الرئيس الأسد؟
ويضيف السفير نفسه أن أياً من الدول الكبرى ليست مع خوض مغامرة حرب لا أحد يعرف حدود تمددها لا لشيء سوى الخلاف بين من يصر على بقاء الرئيس الأسد في السلطة ومن يصر على تنحيه بالحسنى أو بالاكراه في حين ان ما يهم هذه الدول هو منع الحصول على أسلحة كيميائية يستخدمها من يمتلكها ساعة يشاء، خصوصا إذا وقعت بين أيدي ارهابيين فتصبح دول الغرب معرضة لخطرها.
ولم يستبعد السفير اللبناني أن تكون الولايات المتحدة الاميركية وافقت على الاقتراح الروسي بعدما سمعت الرئيس الأسد يهدد باستخدام كل ما يملك من أسلحة للرد على الضربة العسكرية، وقد يكون السلاح الكيميائي الذي يستهدف به كل دولة تقف مع هذه الضربة في محاولة لإشعال حرب اقليمية بضرب اسرائيل بهذا السلاح وهو ما قد تكون روسيا لفتت الولايات المتحدة الاميركية اليه وجعلتها تقتنع بضرورة وأهمية تجريد سوريا من سلاحها الكيميائي أولاً، ومن ثم البحث في حل للأزمة وليس بين أيدي الاطراف المتقاتلين ما يخيف بوجود هذا السلاح.
ويذهب السفير إياه أبعد من ذلك في القول إن الازمة السورية اذا اقتصر حلها على تدمير السلاح الكيميائي وظلت الساحة السورية مفتوحة لحروب الآخرين لتدمير كل ما تبقى فيها، فإن في ذلك خدمة كبرى لاسرائيل التي تريد ان يكون أمنها فوق كل اعتبار وتجاريها في ذلك ليس الولايات المتحدة الاميركية فحسب بل روسيا أيضاً. فسلاح الدمار الشامل كان دائماً هو الهاجس لدى اسرائيل، وهي التي حرضت الولايات المتحدة على خوض حروب لتدمير هذا السلاح لتبقى هي الاقوى بامتلاكها وحدها السلاح النووي بدليل انها جعلت الولايات المتحدة تتخلى عن حليفها شاه ايران عندما امتلك قوة عسكرية يستطيع بها ان يهدد اسرائيل، والقبول بحكم ديني بديل من حكم الشاه العلماني، وجعلت الولايات المتحدة ايضا تتذرع بوجود سلاح الدمار الشامل في العراق لتطيح حكم صدام حسين بعدما أصبح العراق يمتلك قوة عسكرية وثروة نفطية كبيرة.
الواقع، ان ليس لدى اسرائيل لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل همّ سوى ان تظل وحدها تمتلك السلاح النووي وتمنع اي دولة معادية لها من امتلاكه. فليبيا زمن القذافي اضطرت للتخلي عنه تحت ضغط الولايات المتحدة وها هي تعمل الآن جاهدة لمنع ايران من امتلاك هذا السلاح او جعله يتسرب الى تنظيمات اصولية وارهابية لا لتضرب أمن اسرائيل فحسب بل أمن عدد من الدول الصديقة لها.
لذلك يمكن القول ان الرابح في الازمة السورية اذا توقف حلها عند تدمير السلاح الكيميائي هو الرئيس الاسد الذي ضمن بقاءه في الحكم حتى نهاية ولايته واسرائيل التي اطمأنت الى أمنها، ولا يهمها بعد ذلك استمرار القتال في سوريا لتدمير ما تبقى منها، كما لا يعود يهمها من يحكم سوريا عندما تسقط كدولة ممانعة كما تسمي نفسها، وتغرق دول عربية بالدم والفوضى والصراع على السلطة وينهار الاقتصاد فيها وهو ما يربح اسرائيل ولا تعود تشعر بالخطر على امنها، ولا يعود حتى في الامكان حل القضية الفلسطينية حلا عادلا، ولا تحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة عندما تعود اسرائيل لتطرح “الارض في مقابل الامن وليس في مقابل السلام”.
هل يتم التوصل الى اتفاق اميركي – روسي على خطة حل متكامل للأزمة السورية يوافق عليها مجلس الامن ام يعود الحل العسكري هو البديل من الحل السياسي مهما تكن مضاعفاته؟
النهار
بشار يفلت لكن موقّتاً/ علي حماده
قلب المقترح الروسي في شأن تسليم نظام بشار الأسد أسلحته الكيميائية لتوضع تحت رقابة دولية تمهيداً للتخلص منها، المنحى الذي كانت تسير فيه الأمور بالنسبة الى احتمال قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة الى النظام عقاباً له على استخدام السلاح الكيميائي صبيحة الحادي والعشرين من آب الفائت. وقد أتى الاقتراح الروسي الذي بدأت تتكشف بعض خلفياته وتفاصيله لينقذ طرفين كانا في أمسّ الحاجة إليه: بشار الأسد الذي أدرك أنه حتى بضربة محدودة سوف يوضع على طريق الانهيار السريع، بحيث يتمكن الثوار من اختراق دفاعات العاصمة دمشق، وبالتالي إسقاط شرعية النظام في أمد منظور، ومن هنا اضطرار بشار الى التضحية (نظرياً حتى الآن) بـ”رصيد” استراتيجي يحتفظ به، إما كملاذ أخير في صراعه من أجل البقاء، وإما كسلاح يؤخّر فيه سقوط العاصمة ومناطق الساحل. أما الطرف الآخر فكان الرئيس الأميركي الذي كان يتجه مكرهاً نحو عمل عسكري، لذا عمل على كسب الوقت تارة عبر إحالة الموضوع على الكونغرس، وطوراً عبر فتح السقف الزمني لتوجيه الضربة ليصل الى شهر، وهو لم يمارس صلاحياته كقائد للقوات المسلحة الأميركية التي كانت تخوّله القيام بعمل عسكري من دون العودة الى الكونغرس قبل ستين يوماً.
ما من شك في أن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي ربما ذكر التاريخ مستقبلاً انه كان أكثر الرؤساء حكمة أو أكثرهم ضعفاً، فضّل السير في المخرج الروسي تماشياً مع تردده وضعف التأييد الشعبي الأميركي لأي عمل عسكري خارجي. ومع أن المقترح الروسي المفصّل سوف يبحث اليوم بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة في جنيف، فإن التفاصيل لن تعرف قبل أيام، والأهم أن ما خفي من بنود ملحقة بالمقترح لن يعرف قبل مدة غير محددة. وعندما نتحدث عن “بنود ملحقة” نعني البنود السياسية التي يُحكى أنها قيد التداول الجدي بين موسكو وواشنطن، وهي المتعلقة باحتمال الاتفاق على انعقاد مؤتمر “جنيف 2” في شهر تشرين المقبل، وفي أي اطار يمكن أن ينعقد. ومن البنود السياسية التي يمكن أن تكون قيد التداول، مصير بشار الأسد، بعد استخدامه السلاح الكيميائي، وأول العارفين بذلك هم الروس الذين يعرفون أن بشار غير قابل لإعادة التأهيل، لا هو ولا أي من أفراد حلقته الضيقة، طال الوقت أم قصر. من هنا وصفنا لحال بشار الذي ربما يفتح “الشامبانيا” اليوم احتفاءً بابتعاد الضربة الأميركية، بأنه أشبه بجثة مرمية في براد المستشفى يرفض أهلها التعرف إليها كيلا تعلن الوفاة رسمياً قبل أن يتفق الورثة على تركة الفقيد! والحال أن تجربة الأسابيع الأخيرة بين أوباما وبشار الأسد زادتنا اقتناعاً بأنه لم يستمر الى اليوم إلا لسببين: أولاً إحجام أميركا عن العمل الجدي لإسقاطه، وثانياً لأن لا اتفاق على مرحلة ما بعد النظام.
لا نشك لحظة في أن ضفاف “بحيرة ليمان” ستشهد اليوم أول تجربة جديدة بين الأميركيين والروس للبحث فيما هو أبعد من السلاح الكيميائي لبشار. فلا ننسى أن جرائم بشار السابقة للهجوم بغاز “السارين” أودت بأرواح ما يزيد على المئة ألف سوري، والرقم الى تصاعد.
النهار
أوباما خطيباً/ هشام ملحم
النقاش الراهن في واشنطن حول سوريا يتسم بالتناقضات والغرابة وحتى السوريالية. ومنذ اللحظة التي قرر فيها الرئيس باراك اوباما طلب تفويض من الكونغرس للضربة العقابية – الردعية المحدودة لسوريا، انفتح المجال لمختلف التحولات والمتغيرات السياسية والميدانية التي لا تستطيع الولايات المتحدة التنبؤ بها ناهيك بالسيطرة عليها. الاقتراح الروسي غيَّر المعادلات وأوجد ديناميات تلاحقت بسرعة مدوية، ودفع الرئيس أوباما الى اعادة صياغة خطابه من خطاب تعبئة الى خطاب مناشدة للكونغرس لتأجيل التصويت على الضربة واعطاء الديبلوماسية بعض الوقت، الأمر الذي أبعد عن اعضاء الكونغرس قراراً اراد معظمهم تجنبه. اوباما بدا استاذاً محاضراً ومفسراً أكثر منه قائداً.
التناقضات لا تحصى ومنها:
– نظام بشار الاسد ضعيف عسكرياً ولا يملك القدرة على تهديد القوات الاميركية بعد الضربة، ومع ذلك فانه كما يقول أوباما يشكل خطراً على الامن القومي وحلفاء واشنطن.
– بعد التشكيك في فعالية مجلس الامن “المشلول كلياً والرافض لمحاسبة الاسد” على حد أوباما، ها هو الآن يعود الى المجلس للبحث في الاقتراح الروسي.
– اوباما وكيري يؤكدان من جهة ان الضربة ستكون محدودة للغاية وليست مصممة لتغيير النظام، او اسقاط الأسد، لكنهما من جهة اخرى يقارنان الأسد بهتلر. فكيف يمكن التوفيق بين الموقفين؟
– التأرجح بين الاعتبارات الانسانية لتبرير الضربة، واعتبارات الامن القومي، وصعوبة التوفيق بين الاعتبارين.
– قبل سنتين طالب اوباما الاسد بالتنحي، والآن يريده ان يشاركه في “عملية سياسية” لنزع الاسلحة الكيميائية. بمعنى آخر، الاسد جزء من هذه الجهود، وهو باق في السلطة حتى اشعار آخر.
تسأل عن الغرابة والسوريالية؟ للمرة الاولى تطرح ضربة عسكرية مرتقبة في مناقشات علنية وتصريحات وخطب وجلسات استماع وفي الاعلام. وكذلك الشرح المسبق لطبيعة الضربة: “محدودة بشكل لا يصدق وفقاً لكيري، صغيرة ومركزة وفقاً لاوباما. اوباما تحدث عن سوريا وكأن الاسد هو اللاعب الوحيد، ماذا عن المعارضة التي لم يذكرها في خطابه او تسليحها؟
خطاب اوباما يعني ان الضربة العسكرية مؤجلة، وهذا يعني ان الفترة المقبلة ستشهد متغيرات ومفاجآت ستفرض على أوباما التعامل معها. الخطاب ترك اسئلة كثيرة من دون جواب: ما هي الفترة التي سيعطيها للنظام السوري للتنازل عن ترسانته الكيميائية وكي يضمن ان دمشق لا تماطل لكسب الوقت؟ هل يمكن جمع الاسلحة الكيميائية مع استمرار القتال، وهل هناك توقعات لتعاون المعارضة التي تتعامل معها واشنطن؟ وماذا عن التنظيمات الاسلامية المتشددة؟ والأمر الأخطر من ذلك، هو ان الخطاب لخص النزاع السوري بالترسانة الكيميائية وضحاياها متناسياً ان الاكثرية الساحقة من الضحايا قتلت بالسلاح التقليدي.
النهار
سخرية الجبابرة/ ساطع نور الدين
ما بات يعرف بالمبادرة الروسية، وهي في الاصل فكرة اميركية، او بالاحرى مطلب اميركي واسرائيلي قديم جرى تحديثه في اعقاب مجزرة الغوطة، تمثل بداية طريق شاق وطويل، يحتاج الى معجزة لكي يصل الى الهدف النهائي المنشود اي تجريد النظام السوري من اسلحته الكيميائية..التي لم تعد جزءا من الصراع في سوريا، بل صارت بندا من بنود معاهدات نزع الاسلحة الاستراتيجية في العالم.
ما زال من المغامرة القول ان ثمة مبادرة روسية. الفكرة اطلقت علنا للمرة الاولى قبل اسبوعين من جانب عدد من اعضاء الكونغرس الاميركي، وبينهم النائب ستيف اسرائيل، (والاسم ليس مستعارا)، الذين فوجئوا باعلان الرئيس باراك اوباما التوجه نحو عملية عسكرية ضد سوريا، لا تسقط النظام ولا تنزع اسلحته الكيميائية، وطلبوا من الادارة ان تستكشف مدى استعداد موسكو لازالة تلك الاسلحة السورية، مقابل تراجع واشنطن عن العمل العسكري، الذي لا يحظى اصلا بالغالبية لدى الرأي العام الاميركي، او في داخل الكونغرس، حيث رفض رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستجابة لطلب اوباما المساعدة في تغيير موقف النواب والشيوخ الموالين لاسرائيل، والمناهضين لخيار الحرب.
في البداية، ترددت موسكو عندما سمعت الاقتراح من اوباما في قمة مجموعة العشرين في سان بطرسبورغ، ثم من وزير الخارجية جون كيري في لندن وباريس، لانها في الاصل لا تريد ان تجزم بوجود سلاح كيميائي في سوريا، والاهم من ذلك انها لا تود ان تقر ضمنا بان نظام بشار الاسد هو الذي استخدم هذا السلاح في الغوطة. لكنها وافقت في ما بعد مشترطة ان تعلن واشنطن، وعلى لسان اوباما شخصيا، تراجعها عن الخيار العسكري. وهو ما حصل بالفعل عندما طلب الرئيس الاميركي من الكونغرس تأجيل التصويت على تفويضه بالقيام بعمل عسكري، واعلن انه يستطيع ان يحقق مبتغاه من دون اللجوء الى القوة.
من هذه النقطة، بدأت جولة جديدة من الحوار الاميركي الروسي، يمكن ان تكون سوريا عنوانها الرئيسي والوحيد اليوم، لكنها لن تبقى كذلك غدا.. بحثا عن قاسم مشترك بين جانب يخادع في التلويح بالحرب، وبين جانب يساوم على نزع سلاح استراتيجي، ينكر وجوده او على الاقل استخدامه من قبل حليفه السوري. وهو وضع لا يختلف كثيرا عما كان سائدا في جميع الجولات السابقة من التفاوض حول خفض الاسلحة الاستراتيجية بين الدولتين، لا سيما في زمن الاتحاد السوفياتي.
التاريخ يفيد ان الخداع الاميركي والانكار الروسي كان مجديا لاحدهما وقد ادى الى تجريد الاخر من عناصر تفوق ترسانته النووية وبالتالي من أهم عوامل قوته الدولية. لكن التاريخ لا يعيد نفسه..الا بشروط غير متوافرة للجانبين، ولا يمكن ان توفرها الحرب السورية تحديدا، التي تسجل الان تعادلا في موازين القوى، واستحالة في حسم الصراع في ميادين القتال وحدها.. وبالتالي ميلا متبادلا من قبل المتحاربين نحو الذهاب الى التفاوض، الذي يفترض حكما تسليم احد الفريقين بان معركته خاسرة.
ليس هناك دليل واحد على ان روسيا تريد ان تنتقم من الاذلال الذي تعرضت له في اعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي، او ان تستخدم سوريا لشن هجوم مضاد على اميركا والغرب، على ما يقول الممانعون ويتمنون، لكن هناك اكثر من دليل على انها تعتبر الازمة السورية منصتها السياسية والدبلوماسية الاكثر اهمية في هذه اللحظة، لتحريك وتحديث مفاوضاتها مع الاميركيين، حول الكثير من القضايا الثنائية والعالمية. هي تدرك ان دمشق ليست ورقتها الرابحة، لكنها تعرف ايضا انها لم ولن تكون ورقة اميركية رابحة ايضا. الاصح انها مأزق مشترك لكل من موسكو وواشنطن، وازمة يرغب الجميع في تفاديها والابتعاد عنها قدر الامكان.
الخروج من هذا المأزق السوري المشترك يتطلب الكثير من المهارة الدبلوماسية التي لا تبدو ظاهرة اليوم في موسكو او في واشنطن.. حيث تدخل العاصمتان في حوار جديد تسبقه مناورات عفا عليها الزمن، وهي تثير السخرية في كل مكان معني بوقف دمار سوريا.
المدن
إسرائيل: الرسالة إلى سوريا تُسمع بوضوح في إيران/ حلمي موسى
لا تزال أصداء المبادرة الروسية بشأن السلاح الكيميائي السوري تتردد في المحافل الإسرائيلية، التي لم ترتح لأي فعل يقلّ عن توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، لإفهام إيران بوجود خيار عسكري موثوق. وفي إطار عدم الارتياح، تركّز إسرائيل على أن المبادرة الروسية هي في الواقع اتفاق مع أميركا، وليست نتاج «زلّة لسان» وزير الخارجية الأميركية جون كيري بنت عليها روسيا مبادرتها.
وطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الاسرائيلي شمعون بيريز، بتفكيك ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية تحت طائلة توجيه ضربة عسكرية غربية الى سوريا. وقال نتنياهو، بحسب تصريحات أوردتها الإذاعة الإسرائيلية، إنه «لا بد من ضمان لتجريد النظام السوري من أسلحته الكيميائية، وينبغي على العالم أن يضمن أن يدفع من يستخدم السلاح الكيميائي الثمن». وأضاف، أثناء احتفال عسكري، أن «الرسالة التي تلقتها سوريا سيستمع اليها بصوت مرتفع وواضح في طهران».
وقبل ذلك، عبّر بيريز عن ثقته بأن الولايات المتحدة ستتدخل عسكرياً إن لم تكن سوريا «صادقة» بشأن ترسانتها الكيميائية. وجاء في بيان صادر عن مكتبه أنه «من الأفضل دائماً الحصول على نتائج عبر الديبلوماسية بدلاً من الحرب، ولكن المسألة الأساسية حالياً تتمثل في صدق النظام السوري». وأضاف البيان أنه «إذا كانت سوريا صادقة واتخذت تدابير ملموسة لإزالة وتدمير الأسلحة الكيميائية على أراضيها، فإن الولايات المتحدة لن تهاجم. لكن إن كان هناك نقص في صدق سوريا ليس لدي أدنى شك في أن الجيش الأميركي سيتدخل».
وأشاعت صحيفة «معاريف» أن إيران على وشك التقدم بمبادرة للتوصل، على خلفية دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى اتفاق مع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بشأن سلاحها النووي. وترمي المبادرة الإيرانية هذه إلى إحداث شرخ بين الموقفين الأوروبي والأميركي وتفكيك مجموعة الخمسة زائداً واحداً على أساس آمال الأوروبيين برئاسة حسن روحاني وتردد الأميركيين في اللجوء إلى القوة. وتخشى إسرائيل على وجه الخصوص من احتمال نجاح المبادرة الإيرانية هذه، الأمر الذي سيقوّض مساعي نتنياهو لتشديد العقوبات ضد إيران.
ونشرت «معاريف» مقالة للمبعوث الأميركي السابق إلى الشرق الأوسط دينيس روس، شدد فيها على أن إلغاء الضربة العسكرية الأميركية لسوريا سيدفع إسرائيل للهجوم على إيران. وأشار إلى أن معارضي الضربة العسكرية لا يفهمون أنهم بذلك يسدون باب الضربة المحدودة، لكنهم يفتحونه أمام خطوة أشد خطورة. وفي رأيه أن عدم قيام أميركا بتوجيه ضربة عسكرية لسوريا، يقضي على فرص التوصل إلى حل ديبلوماسي للأزمة النووية مع إيران. ومن المؤكد أن رؤية دينيس روس هذه أقرب ما تكون للمحاججة التي أوصلتها إسرائيل للوبي الصهيوني في أميركا «إيباك»، بعد طلب الرئيس الأميركي باراك أوباما العون من نتنياهو في الكونغرس.
أما «يديعوت» فقد نشرت ما اعتبرته «الاتفاق السري» بين أميركا وروسيا، والذي أبرم على هامش مؤتمر الدول العشرين. وكتبت مراسلة الصحيفة في واشنطن أورلي أزولاي، أن المتحدث باسم البيت الأبيض جي كارني أقرَّ بأن أوباما وبوتين تحدثا قبل إعلان الاقتراح الروسي عن مخرج ديبلوماسي. وأضاف أن «الحديث بينهما كان نتيجة ثانوية للضغط الأميركي المكثّف لعملية عسكرية». ونقلت أزولاي عن مصادر ديبلوماسية في أميركا قولها إنه خلال لقائهما الثنائي، سمع أوباما من نظيره الروسي معارضته لاستخدام السلاح الكيميائي، ومن هنا بدأت جملة الاقتراحات لوقف استخدامه من دون الخروج الى عملية عسكرية. وقال أوباما لبوتين إنه اذا توفرت تسوية ديبلوماسية تُخرج السلاح الكيميائي من اللعبة ـ فسيُمنع الهجوم. أما بوتين من جهته فقال إنه سيعمل من خلف الكواليس. لم يعد بشيء، وتوقعات أوباما كانت متدنية.
وأشارت المراسلة إلى أن الاقتراح الروسي لم يخرج الى العلن بسبب زلّة لسان كيري، وإنما ولد في لقاء بوتين ـ اوباما، وبعد ذلك ترعرع في سلسلة من الخطوات السرية، من خلف كواليس الساحة الدولية. والآن أيضاً ليس معروفاً بالضبط ماذا وعد بوتين الأسد مقابل موافقته على التنازل عن السلاح الكيميائي، وماذا دفعت روسيا لسوريا كي تمنع هجوماً اميركياً.
وفي إطار النظرة الإسرائيلية الأوسع لمخاطر الدور الروسي، يرى رئيس الموساد الأسبق إفرايم هاليفي أن الاقتراح الروسي «أعاد روسيا الى مركز المسرح في الشرق الاوسط كقوة عظمى يمكنها أن تحدث فيها تغييرات إستراتيجية. وهكذا فإنها تبدأ بشطب 40 سنة غياب عن منطقتنا ـ منذ فشلت مرعيتاها، مصر وسوريا، بالضبط قبل 40 سنة في حرب يوم الغفران». وأبدى تخوفاته من أن «نجاح الخطوة الروسية سيفتح أمام موسكو امكانيات توسيع نفوذها الى دول اخرى في الشرق الاوسط – غير حليفتيها الفوريتين سوريا وايران. فالعراق مثلاً أوشك قبل سنة على التوقيع معها على اتفاق لتوريد السلاح بمليارات الدولارات. والضغط الأميركي الشديد وحده على بغداد، احبط هذه الصفقة».
ولكن ألون بنكاس في «يديعوت» وخلافاً لغالبية المعلقين الإسرائيليين رأى أن اسرائيل تكسب من المبادرة الروسية، «فإذا جُرِّدت سوريا من السلاح الكيميائي فهذا انجاز مهم لاسرائيل. وقد سكتت بحكمة كبيرة، ولم يثبت تجنيد ايباك نفسها للرئيس اوباما للامتحان ولم يضر أصلاً بصورة اسرائيل». ويستبعد بنكاس «الكلام السخيف» الذي يقول إن بوتين خدع اوباما واحتال عليه، وكتب أن هذا لا يأخذ في الحسبان أن الازمة السورية أكدت عدم الاهتمام الأميركي بما يجري في الشرق الاوسط، في مقابل الضغط الروسي للحفاظ على مصالح غير عالمية كلياً.
ولكن يبدو من تقارير تنشر في الصحافة الإسرائيلية أن بوتين أكثر جدية مما تراءى للكثيرين في تحالفه مع سوريا علناً وتحالفه مع إيران سراً. ونقلت هذه الصحف عن أخرى روسية قولها إن روسيا، وفي إطار صراعها الدولي مع الولايات المتحدة، ستزود إيران بمنظومة صواريخ «إس 300» وبمفاعل نووي جديد.
السفير
الاستقطاب الأميركي والتحدي السوري/ جيمس زغبي
بفضل قرار العودة إلى الكونغرس الذي اتخذه أوباما لطلب دعمه في توجيه ضربة محدودة لنظام الأسد نجد أنفسنا اليوم في خضم استقطاب سياسي ونقاش وطني ضروري، لم يكتمل بعد، بشأن وجاهة السياسة الأميركية إزاء الأزمة السورية. فعلى مدار الأسبوع الماضي طفت إلى سطح النقاش الذي صاحب السياسة الأميركية تجاه الصراع، مجموعة من المواضيع التي تسعى إلى مقاربة ما يجري وسبر أغواره. وما نعرفه اليوم أن الاقتتال الجاري في سوريا كلف الشعب ثمناً إنسانياً باهظاً، بعدما تجاوز عدد القتلى، سواء على يد النظام، أو قوات المعارضة، 100 ألف شخص، في حين فر أكثر من مليوني نسمة آخرين إلى الخارج، ليتحولوا إلى لاجئين في الدول المجاورة، يعيشون في ظروف بالغة القسوة، مهددين أحياناً استقرار البلدان المضيفة. هذا ناهيك عن جزء كبير من النازحين داخل سوريا نفسها يقدر عددهم بحوالي أربعة ملايين نسمة. ولعل الأخطر من ذلك كله هو الطابع الطائفي الذي بدأ يتسم به الصراع ليزيد من تعميق الانقسام داخل المجتمع السوري، بل وفي عموم المنطقة أيضاً. والنتيجة أننا بصدد مأساة حقيقية في قلب الشرق الأوسط، لا تختلف كثيراً عن فظاعات ما جرى في العراق، لتصل الأمور ذروتها مع الأدلة التي تشير إلى احتمال استخدام نظام الأسد للسلاح الكيميائي، دافعاً بذلك الولايات المتحدة للتفكير في التدخل؛ وهو ما يقودنا استطراداً إلى جوهر النقاش المحتدم حالياً في واشنطن حول هذه القضية بين مؤيد ومعارض لها، حيث برز عدد من الأفكار والأطروحات التي تساند قرار أوباما الداعي للتدخل العسكري.
ولعل أهم تلك الأفكار وأكثرها تداولا هو القول إن استخدام السلاح الكيميائي وما نتج منه من فظاعات لا يمكن تمريره من دون عقاب، وهذا الموقف عبر عنه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي قدم لأعضاء الكونغرس أدلة تربط بين الهجوم على الغوطة الشرقية بدمشق وبين النظام، داعياً الإدارة إلى تحميل الأسد مسؤولية أعماله. فإذا لم يعاقب الأسد، حسب الرئيس أوباما ومؤيديه في الكونغرس، فإن ذلك سيعني إطلاق يده لاستخدام السلاح الكيميائي مرة أخرى وتشجيعه على ارتكاب جرائم جديدة ضد شعبه. هذا فضلاً عما يمثله التغاضي عن الأسد من تكريس لانتهاك الأعراف الدولية والسماح لدول مارقة، أو أطراف خارج إطار الدول، بالتصرف بطريقة مشابهة. ومن هنا يأتي إصرار مؤيدي الضربة العسكرية على ضرورة معاقبة الأسد واستخدام القوة، لا سيما بعدما حدد أوباما في وقت سابق «خطوطاً حمراً» يبدو أن الأسد انتهكها دون تفكير في العواقب، الأمر الذي سيعرض مصداقية أميركا، في حال تقاعسها، للاهتزاز. وفي دفاعه عن التدخل العسكري، حرص البيت الأبيض على توضيح أن الضربة ستكون محدودة في نطاقها، وأن الهدف منها هو ردع الأسد والحد من قدراته على استخدام الأسلحة الكيميائية في المستقبل. ومع أن الرئيس كان واضحاً في البداية بتركيزه على الطبيعة المحدودة جداً للتدخل، إلا أنه مع تقدم النقاش بدا أن الإدارة أكثر تركيزاً على الحد من قدرة النظام على ضرب المعارضة.
وفي المقابل، أثار معارضو الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط مجموعة من الحجج والدفوعات، وسواء تعلق الأمر بالصقور أم بالحمائم، فقد شكك الطرفان معاً في وجاهة الضربة المحدودة. فمن جهة انتقد الصقور إدارة أوباما على محدودية الضربة باعتبارها غير كافية، مصرِّين على أن تكون حاسمة لتؤدي إلى إسقاط النظام، وهو ما أوضحه أحد أعضاء الكونغرس بقوله إن «القيام بالمزيد يعني إنهاء نظام الأسد واستبداله بنظام علماني معتدل وديمقراطي». ولعل من الأصوات العالية ضمن فئة المطالبين بضربة حاسمة السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي نجح في إدخال لغة قوية على مشروع القرار الذي تقدم به مجلس الشيوخ، مطالباً برد حاسم على نظام الأسد لا يصل إلى مستوى إرسال القوات، ولكنه يرقى إلى «تغيير الزخم على أرض المعركة» لمصلحة المعارضة السورية.
أما الحمائم داخل الكونغرس فقد بنوا معارضتهم للضربة العسكرية على مخاوف تورط أميركا مرة أخرى في حرب مكلفة في العالم العربي، قائلين إن ضربة محدودة ستضع الولايات المتحدة على طريق خطير تتحول بموجبه الدعوات الحالية لتدخل محدود إلى مطالب لاحقة بتدخل حاسم. وهم أيضاً يحيلون إلى ما يعرف بعقيدة «باول» التي صاغها وزير الدفاع السابق كولين باول عندما حدد مجموعة من الشروط قبل التفكير في أي تحرك عسكري أميركي، منها التكلفة الاقتصادية والعواقب السياسية وظروف التدخل، ثم درجة التأييد المحلي والدولي، وهي أمور لم تجتمع بعد لقرار التدخل في سوريا.
ويشير المعارضون خصوصاً إلى غياب الدعم الدولي والمحلي، فقد أعرب الرأي العام الداخلي من خلال استطلاعات الرأي ولقاءات أعضاء الكونغرس بالناخبين عن إنهاك واضح لدى الرأي العام جراء الحروب المتلاحقة في الشرق الأوسط، من دون أن ننسى تعذر الحصول على دعم دولي واسع حتى من الحلفاء الأوروبيين غير المتحمسين. ولكن في ما عدا هذه الإشكالات التي كشف عنها النقاش الأميركي هناك أيضاً قضايا أخرى ظلت غائبة مثل توابع التدخل الأميركي على فرص التسوية السلمية، وآثاره السلبية على المسيحيين الذين تقول التقارير إن نصفهم تقريباً غادروا سوريا، هذا بالإضافة إلى ارتفاع عدد اللاجئين، وأسئلة أخرى عديدة حول طبيعة رد حلفاء دمشق المحتمل في إيران والعراق و«حزب الله». وفي جميع الأحوال ومهما امتد النقاش الذي سيحسم خلال الأسابيع القليلة القادمة يبقى الأهم التركيز على حقيقة أساسية مفادها أن الحل الأنسب للصراع الدائر في سوريا، هو من خلال تسوية سلمية متفاوض عليها كونها الهدف النهائي لكل مسعى سواء دبلوماسيا كان أم عسكريا حتى.
السفير
سورية: اوباما يسمح بالقتل ولكن بأسلحة تقليدية/ رأي القدس
تشهد جنيف اليوم لقاء هاما يجمع وزير خارجية امريكا جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف لبحث تفاصيل اقتراح التخلص من الاسلحة الكيماوية لدى النظام السوري.
مبادرة التخلص من الاسلحة الكيماوية، قدمها لافروف اثناء لقائه بنظيره السوري وليد المعلم في موسكو يوم الاثنين الماضي، بعد ساعات قليلة من زلة لسان كيري بأن نظام الاسد يمكن ان يتجنب الضربة العسكرية اذا سلم كل الاسلحة الكيماوية خلال اسبوع. بعد ذلك كشف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انه ناقش هذا الموضوع مع باراك اوباما اثناء قمة العشرين في سان بطرسبورغ، لكن رغم ذلك فان هذا الاقتراح لم يكن من بنات افكار بوتين، ولا نتيجة زلة لسان كيري، بل يبدو ان صياغته تمت في تل ابيب.
غداة الضجة التي اثيرت بعد الهجوم الكيماوي على الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق، في 21 آب (اغسطس) الماضي، تحدث المحللون الاسرائيليون المقربون جدا من صناع القرار في تل ابيب عن ضرورة تسليم سورية اسلحتها الكيماوية.
هذه المبادرة، المرجح ان تكون اسرائيلية والتي سميت ‘روسية’، تلقفتها العواصم المعنية من موسكو لواشنطن ودمشق.
ففي واشنطن منحت المبادرة اوباما فرصة للخروج من مأزق سياسي خطير، وأعفته من اصدار أمر شن ضربة عسكرية على سورية بدون موافقة الكونغرس وتأييد الامم المتحدة’والرأي العام الامريكي الذي سئم كلفة النزاعات في الخارج بعد حربي افغانستان والعراق’، على حد تعبير اوباما نفسه في كلمته للشعب الامريكي مساء الثلاثاء.
اما بالنسبة لموسكو، فيبدو بوتين اليوم اهم الفائزين، فبهذه المبادرة تنجح روسيا بحماية حليفها السوري وبالعودة كقوة مؤثرة على الساحة الدولية.
وبالنسبة للنظام السوري، فقد ابعدت المبادرة عنه شبح الضربة العسكرية، التي كان من المقرر ان تستهدف اكثر من ترسانة الاسلحة الكيماوية، لتطال مقار ومعدات عسكرية كبيرة، وقد تستهدف ‘عن طريق الخطأ’ شخصيات نافذة بالدولة. وكان تعبير دمشق عن الانتصار واضحا يوم أمس حيث تسلمت هدية قيمة للاسد في عيد ميلاده الثامن والاربعين.
لكن لا بد من الاشارة هنا الى ان هذا نصر مؤقت للنظام السوري، ففي اي مواجهة قادمة ستكون دمشق مجردة من وسائل التهديد والرد، وخاصة على اسرائيل، التي تعتبر ايضا احد الفائزين بهذه الصفقة.
فوقف خطر نحو الف طن من العناصر الكيماوية المتعددة في سورية من بينها غاز السارين والخردل (حسب التقديرات الامريكية)، سبب كاف للاحتفالات في تل ابيب.
الخاسر اليوم هو المعارضة السورية، التي فوجئت بالصفقة، وكانت قدمت قائمة بعشرات الاهداف، أملت ان يتم قصفها، لاضعاف النظام كمدخل يؤدي لاسقاطه، او الذهاب للحل السياسي من موقع اضعف.
ولا شك ان اكبر الخاسرين هم المدنيون السوريون الذين يرون بالمبادرة انقاذا للاسد واستمرارا لحرب وحشية وتشريعا للقتل ولكن باسلحة تقليدية.
الجدل الذي شهدته اروقة الامم المتحدة وعواصم العالم خلال الاسابيع الماضية حول الاسلحة الكيماوية، اختزل الازمة في سورية بالاسلحة الكيماوية وحول قضية نزعها الى غاية، في تجاهل كامل الى ان المطلوب وقف نزيف دم الشعب السوري المستمر منذ ثلاثين شهرا سواء باسلحة كيماوية او غير كيماوية.
القدس العربي
الحبكة الدرامية تتعقد في قضية سوريا
ديفيد إغناتيوس
عندما كان الكتّاب المسرحيون اليونانيون أو الرومان القدماء يضعون أنفسهم في مأزق في إطار الحبكة الدرامية، فإنهم أحيانا ما لجأوا إلى الوسيلة المعروفة باسم «المدد الغيبي»، التي يهبط فيها مخلِّص أو منقذ على خشبة المسرح ليضع نهاية للدراما التي لم تكن لتكتمل بخلاف تلك الطريقة. حدث شيء مماثل هذا الأسبوع فيما يتعلق بالشأن السوري. فقد تقدمت الدراما إلى مرحلة تمثل فيها مزيجا من كارثة دولية وتفاهة سياسية محلية. كان تهديد الرئيس أوباما بالقيام بعمل عسكري ضد سوريا صائبا من حيث المبدأ، لكنه لم يمنح أي دعم سياسي حقيقي – على الأقل – لأن أوباما وجنرالاته يتفقون على أنه لا يوجد حل عسكري لأزمة سوريا.
لقن الممثلين (في موسكو!): ربما كانت التوجيهات المسرحية مربكة، بدءا من سطر طائش من جانب وزير الخارجية كيري، ليتبعه بسرعة نظيره الروسي. وفجأة، تكتظ خشبة المسرح بكورس مبهج ضم الرؤساء الأميركي والفرنسي والروسي والأمين العام للأمم المتحدة والصينيين، بل وحتى الإيرانيين.
إن أي شخص يعتقد أن هذا مجرد حادث مسرحي عارض يجب أن يرجع إلى مدرسة الدراما. لقد ظل أوباما وكيري والروس يتحدثون عن الرقابة على الأسلحة الكيماوية السورية على مدى عدة أشهر، وكان آخر المحادثات قبل أسبوع في اجتماع مجموعة العشرين في سان بطرسبرغ. دعونا نقل إن بوتين المتقلب المزاج يعرف كيفية اقتراح اتفاق في اللحظة الأخيرة.
لقد تراجعت وسيلة المدد الغيبي، لكن هذا لا يعني أن لعبة سوريا قد انتهت. فالجزء الدبلوماسي المعقد في بدايته. آمل أن يضع أوباما وحلفاؤه في اعتبارهم بعض المبادئ الأساسية، بحيث لا نعود بسرعة إلى انهيار آخر في سوريا: لقد أتى أسلوب أوباما الصارم بثماره. فقد أيد الروس الرقابة الدولية على الأسلحة الكيماوية بعد أن هدد أوباما بشن هجوم، ولم يتراجع في سان بطرسبرغ أو في البرلمان. ربما يكون رئيسا ضعيفا في الشؤون الخارجية، ولكن هذا الاستعراض للقوة من جانبه أكسبه قدرا من المصداقية الثمينة.
يتحرك مجلس الأمن الآن نحو وسط خشبة المسرح. النظام الصحيح هو مشروع القانون الذي كانت فرنسا تصوغه يوم الثلاثاء، بدعم الولايات المتحدة. وهذا المشروع من شأنه أن يلزم سوريا وضع أسلحتها الكيماوية تحت المراقبة الدولية. قد تواجه سوريا ضربات عسكرية مضادة إذا ما خرقت مشروع القانون هذا، الذي يقترحه الفرنسيون، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يصدق على استخدام القوة. في النهاية، سيطالب مشروع القانون بمعاقبة هؤلاء المسؤولين عن الهجوم الكيماوي الذي وقع يوم 21 أغسطس (آب). وتتمثل الخطوة التالية في إحياء محادثات السلام بجنيف، حيث تستطيع عناصر من النظام والمعارضة التفاوض على وقف إطلاق النار والمضي في خطة انتقالية. يجب أن تبدأ الولايات المتحدة وروسيا، التفكير الآن في شأن كيفية الحيلولة من دون حدوث فجوة فوضوية وقتل انتقامي طائفي عند بدء تحول سياسي. إن الدروس المستفادة من العراق وليبيا واضحة؛ ينبغي أن تبقى عناصر الجيش السوري ومؤسسات الدولة المؤيدة للتسوية من دون مساس.
على الرئيس الأسد الرحيل. الروس يدركون هذا؛ لقد أوضحوا ذلك مرارا وتكرارا في مقابلات سرية مع مسؤولين أميركيين. الآن، يحتاجون لجعل هذا يحدث على أرض الواقع. لقد جمع مفتشو الأمم المتحدة أدلة تفيد بمقتل مدنيين سوريين بغاز الأعصاب (السارين) يوم 21 أغسطس؛ ولم يكن من الممكن أن يتخذ هذا الإجراء إلا من قبل النظام. سيكون السماح للأسد بالبقاء في السلطة بمجرد الكشف عن هذه المعلومات أمرا خطيرا من الناحية السياسية، فضلا عن كونه غير أخلاقي. ينبغي أن تكثف الولايات المتحدة جهودها في تدريب الثوار السوريين المعتدلين وإمدادهم بالدعم – لا لمجرد إسقاط الأسد، بل لتوفير قوة مضادة للجهاديين في المعارضة والمساهمة في تحقيق الاستقرار لسوريا في المستقبل. تتجه أول قوات الكوماندوز التي تلقت تدريبا من قبل وكالة الاستخبارات المركزية إلى الميدان، في وحدات مؤلفة من 30 أو 40 ضابطا. عليكم بزيادة تلك الأعداد. كما ينبغي أن تثبت إيران أنها تستحق مقعدا على طاولة جنيف. لا يمكن أن تمثل جزءا من حل لمشكلة سوريا ما لم تغير سياساتها المزعزعة للاستقرار – ليس فيما يتعلق بدعم الأسد فحسب، بل أيضا في برنامجها النووي ودعمها لحزب الله وأفعالها الأخرى. إن على الإيرانيين وإدارة أوباما التفكير بشكل أكبر في منظومة أمنية جديدة للمنطقة.
وبالنظر إلى رفض أميركا التام خوض حرب أخرى في الشرق الأوسط، تدرك إسرائيل أنه سيتعين عليها تحمل المسؤولية عن أمنها الخاص، بما في ذلك أي إجراء عسكري ضد إيران.
الخبر الجيد هو أن القوة الإسرائيلية صلبة وموثوق بها. يبدو أن كلا من الأسد والإيرانيين ممنوعان من اتخاذ أي إجراء متهور، والروس (سرا) متعاونون. إن التهديدات الجديرة بالثقة باستخدام القوة تمنع اندلاع حروب.
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط
سوريا.. الآن التفاصيل/ طارق الحميد
من الواضح الآن أن المجتمع الدولي قد امتص أثر الصدمة التي أحدثتها المناورة الروسية تجاه سوريا، وقرر، المجتمع الدولي، التحرك للرد على تلك المناورة دبلوماسيا بشكل فعال، مما يعني أننا أمام موجة جديدة من التفاصيل، وهذا طبيعي!
المبادرة الروسية التي استجاب لها الأسد «سريعا» بالأقوال لا الأفعال، والتي تقضي بنزع جميع أسلحته الكيماوية، رأى البعض فيها فرصة لحفظ ماء الوجه بالنسبة للرئيس أوباما، وسلّما يمكّنه من النزول من فوق الشجرة، حيث باستطاعته التراجع عن الضربة العسكرية، وتفادي طلب التصويت في الكونغرس، إلا أن ما يبدو الآن هو أن الغرب، وعلى رأسه فرنسا، وبدعم حقيقي وصلب، من الخليجيين الذين عدّوا المبادرة الروسية لا تضمن وقف النزيف السوري، قرروا، أي الغرب، الرد على المناورة الروسية من خلال تحرك عبر مجلس الأمن من شأنه إحراج الروس، واصطياد الأسد، الذي اعترف لأول مرة بامتلاكه الأسلحة الكيماوية.
الآن نحن أمام معركة دبلوماسية شديدة التعقيد هدفها وضع الأسد بالقفص، وإبطال المخطط الروسي – الأسدي الهادف لإغراق المجتمع الدولي بالتفاصيل، ولذا كان المقترح الفرنسي مهما، وذكيا، حيث يقضي باللجوء لمجلس الأمن لضمان التزام الأسد بنزع أسلحته في مدة لا تتجاوز الـ15 يوما تحت الفصل السابع الذي يخوِّل المجتمع الدولي استخدام القوة. ومثلما قلنا بالأمس إن الروس قد فعلوها وورطوا المجتمع الدولي، وأوباما، بخدعة ذكية، إلا أنه من الممكن القول اليوم إنه من الممكن أن يتحول هذا الذكاء الروسي لخطأ قاتل، ومن باب أن «غلطة الشاطر بعشرة»، خصوصا إذا تعامل الغرب بجدية مع المناورة الروسية، وهذا ما يبدو الآن.
المطمئن اليوم هو الرفض الخليجي للمبادرة الروسية، وهذا هو معنى التصريح الخليجي بعيدا عن الدبلوماسية، كما أن المريح بالنسبة لأوباما أن المناورة الروسية منحته مزيدا من الوقت لترتيب أوراقه الداخلية. وهذا ليس كل شيء، بل إن المناورة الروسية من شأنها أن تحرر رئيس الوزراء البريطاني أيضا، خصوصا بعد اعتراف الأسد بامتلاكه للكيماوي، وقد تأتي تقارير الأمم المتحدة في أي وقت الآن لتعزز معلومات استخدامه الكيماوي، مع المماطلة الروسية الواضحة حول عملية نزع أسلحة الأسد، وتهديد الروس بتعطيل مجلس الأمن مجددا، مع اشتراط موسكو على الغرب إلغاء الضربة العسكرية لتفعيل مبادرتها تجاه الأسد.
كل ما سبق يعني أننا أمام موجة جديدة من التفاصيل، وهي ليست سيئة، إلا في حال تم تجاهل الحل السياسي الشامل في سوريا، وليس فقط نزع الأسلحة الكيماوية، فكما قلنا بالأمس إن الاكتفاء بنزع الأسلحة يعني وكأنه تطبيع دولي جديد مع الأسد، وهذا خطأ قاتل، فالقصة أكبر من الكيماوي. وعليه نحن الآن في مرحلة شديدة التفاصيل، والمثل يقول إن الشيطان في التفاصيل، ولذا فلا بد من الحضور العربي الواعي، والفعال، لكي لا يستغل الأسد الأخطاء الغربية مجددا، وبدعم من الروس، خصوصا أنها منطقتنا، وقضيتنا، والمستهدف هو أمننا واستقرارنا.
الشرق الأوسط
رهان الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن/ د. أحمد عبد الملك
حُبست الأنفاسُ خلال الأسبوعين الماضيين في العالم العربي لاحتمال قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية إلى سوريا على خلفية استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه، والذي راح ضحيته حوالي 1500 شخص بينهم نساء وأطفال.
لكن اللعبة الدبلوماسية ورهانات «تحريك الأحجار» على الطاولة بين موسكو وواشنطن أزالت التوتر – ولو وقتياً – كون أوباما طلب تفويضاً من الكونجرس لقيام بتوجيه تلك الضربة، وانقسم الكونجرس– حتى يوم الاثنين 9/9/2013 – حيث أيّد 23 عضواً موقف أوباما بتوجيه الضربة، فيما عارض ذلك 22 عضواً، وبقي 55 عضواً غير مؤكدين لموقفهم، كما تم إرجاء التصويت المقرر إجراؤه يوم الأربعاء 11/9/2013 بعد أن حرّكت موسكو “حجراً مؤثراً ” لتجنيب سوريا ضربة عسكرية أميركية باقتراحها فرض رقابة دولية على الأسلحة الكيماوية في سوريا.
وفي الحال رحبَ وزير الخارجية السوري بالمبادرة الروسية من دون أية تحفظات، بل إنه – حسب قناة (فرانس 24) – قد أكد استعداد سوريا للكشف عن أماكن وجود الأسلحة الكيماوية والتوقف عن إنتاجها وإبلاغ ممثلي روسيا والدول الأخرى والأمم المتحدة عن منشأتها! وهذا التأكيد يثبت وجود أسلحة كيماوية في سوريا. ولأن هذه الأسلحة من الخطورة بمكان، فلا شك أنها محاطة بسياج أمني كثيف لا يمكن اختراقه بسهولة! وهذا أيضاً يُقربنا من صحة « دحض» الزعم والتلميح الذي يردّده النظام السوري من أن الجيش الحر هو الذي استخدم السلاح الكيماوي وليس النظام. كما دافع عن ذلك – دون أن ينفيه – الأسد خلال لقائه التلفزيوني مع شبكة (CBS) والذي أنكر فيه أن نظامه قد استخدم السلاح الكيماوي .. وتحدى أوباما كي يثبت ويقدم البراهين لذلك الاستخدام!. في الوقت الذي اتهم الرئيس السوري البيت الأبيض بنشر الأكاذيب، مُذكراً بما قام به وزير الخارجية الأسبق كولن باول حول وجود أسلحة كيماوية في العراق قبل احتلاله.
إن قبول سوريا المبادرة الروسية بلا تحفظ، وتصريح وزير الخارجية السوري عن أماكن وجود تلك الأسلحة، ينافي «مناورة» الأسد في تلك المقابلة، حيث إنه لم يثبت أو ينفي وجود تلك الأسلحة.
السؤال الذي يدور في مخيلة كل العرب هو: هل المأساة السورية تُختصر فقط في وجود أو استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي الذي أودى بحياة أكثر من 1500 مواطن ، أم أن المأساة تخص شعب قُتل منه أكثر من 100 ألف شخص وتم تشريد الملايين في العراء؟!
هذا هو السؤال المحوري في القضية. وهل تريد روسيا أن تحفظ ماء وجه النظام السوري كي يكون على طاولة (جنيف)، حيث يتم اللعب على ورقة الوقت، حتى تنتهي ولاية الأسد في العام المقبل، ثم لكل حادثة حديث؟
وبعد كل الضحايا والمشوهين والتدمير وضرب الطائرات السورية للمواطنين المدنيين وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم وتشتيت الشعب السوري ، هل يصلح هذا النظام كي يتفاهم من جديد مع شعبه؟!. وهل المجتمع الدولي سينسى – بالطبع لن ينسى السوريون – كل تلك المشاهد المؤلمة لما لحق بهذا البلد من دمار نتيجة عسف النظام وشموليته وعدم تجاوبه مع دعوات المواطنين باستبداله، لأنه أصبح «منتهي الصلاحية»؟ تماماً كما تم في البلدان العربية الموبوءة بالمرض والفساد و «عبادة» الرجل الأول في البلاد
نقول : إن المَخْرج الروسي لقضية الأسلحة الكيماوية قد يكون اتجاهاً نحو إزالة كل الأسلحة الكيماوية من سوريا ، وهذا يخفف من « ذعر» إسرائيل – إن كان هنالك ذعر – من احتمالية استخدام النظام السوري تلك الأسلحة ضدها في يوم من الأيام !. لكن الذاكرة أثبتت أنه منذ العام 1967 – احتلال إسرائيل لهضبة الجولان السورية – لم يوجه النظام السوري ولا إشارة ضوئية فوق الجولان المحتل، فكيف يُقدم على إطلاق صواريخ كيماوية إلى ذاك النظام الذين يستبيح أراضيه منذ ذلك التاريخ ؟!
ويبدو أن المبادرة الروسية أراحت الإدارة الأميركية، بل وزادت في « شق» صف أعضاء الكونجرس والرأي العام الأميركي، نحو عدم المخاطرة بأبناء الولايات المتحدة في حرب لا تشكل أية أهمية بالنسبة لبلادهم ولا لأمنها القومي كما يكرر أوباما، خصوصاً وأن قبول سوريا تسليم أسلحتها الكيماوية إلى المجتمع الدولي قد رجّح كفة المعارضين لتوجيه ضربة ضد سوريا. كما أن الرأي العام الأميركي والكونجرس يستحضران ما حدث في العراق قبل أكثر من عشر سنوات !؟.
وبدأ التردد الأميركي في اتجاه توجيه ضربة عسكرية محدودة لسوريا عندما أعلن أوباما وأولاند يوم 10/9/2013 إبقاء كل الخيارات مفتوحة في شأن سوريا ” .. وترجيحهما ” تفضيل الحل الدبلوماسي”! بل وإعلان الرئيس أوباما بأن الخطة الروسية تشكل “اختراقاً كبيراً”، وتلك إشارة واضحة إلى التردد المذكور، كما أنه بموافقته على دراسة الخطة الروسية أرجأ التحرك المحتمل و”الحماسي” نحو توجيه الضربة العسكرية، وما زاد في التردد ما جاء في لقاء وزير الخارجية الأميركي مع نظيره البريطاني في لندن، وإعلانهما”أن الرئيس السوري يمكنه تفادي أي عمل عسكري ضده، بتسليم ما لديه من أسلحة كيميائية إلى المجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل”. وبهذا “التسليم” تهنأ إسرائيل من أي خطر كيماوي في المستقبل!
القضية – كما قلنا – ليست في السلاح الكيماوي، الذي انكشف وجوده بمرور الأيام، كما انكشف زيف ادعاءات النظام بعدم وجود ذاك السلاح! القضية في الضحايا الذين قُضوا، وفي المشرَدين في العراء، وفي ملايين الأطفال الذين تركوا مدارسهم، والطلاب الذين هجروا جامعاتهم، وفي حجم المرارة التي تعتمر قلوب السوريين الذين شاهدوا طائرات بلدهم تقصف أحياءهم ومنشآتهم وتقتل زرعهم وحرثهم.
القضية التي يحاولون إيجاد حل دبلوماسي لها عبر رهان الحصانين (الأميركي والروسي) أكبر من نصر دبلوماسي لهذا الطرف أوذاك … إنها قضية شعب إما يعيش كريماً أو يموت أيضاً كريماً.
الاتحاد
المناورة” الروسية.. أوان الحلّ حان في سوريا/ ربى كبّارة
تشير المبادرة “المناورة” التي طرحتها روسيا لحل معضلة استخدام نظام بشار الاسد سلاحاً كيماوياً ضد مواطنيه، الى أن أوان الحل للأزمة السورية قد حان، سواء أكان ذلك عبر طرق سياسية يفترض التفاوض عليها غياب الرئيس السوري، ام عبر ضربات عسكرية اميركية محدودة تشلّ قدراته التفوقية وتفتح الطريق امام معارضيه للتقدم على الارض وكسر التوازن السلبي السائد منذ اشهر.
فللمرة الاولى منذ انزلاق الثورة السورية الى العسكرة قبل نحو عامين ونصف العام، قدّمت روسيا أول تنازل فعلي عندما اقرّت، وإن مداورة، بحصرية امتلاك النظام السوري السلاح الكيماوي بعد إلصاقها مع حلفائها تهمة استخدامه بالمعارضة. فقد اقتصر عرضها على الاشارة الى الترسانة الرسمية من دون الطلب من المعارضة تسليم أي مخزون كيماوي.
رغم ذلك تلقف النظام السوري، الذي طالما رفض الاقرار بامتلاكه هذا النوع، الطرح الروسي وسارع للموافقة عليه وصولا الى الاعراب عن استعداده للتوقيع على “معاهدة حظر الاسلحة الكيماوية” التي دأب على رفض الانضمام لها بذريعة التوازن مع النووي الاسرائيلي.
أمام الطرح الروسي المفاجئ لم تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها، ممن كانوا على أهبة توجيه ضربات عسكرية محدودة لمنع استخدام هذا السلاح، بدّاً من إعطاء فرصة جديدة للنظام القاتل مرهونة بمهل زمنية وبسلوك عقابي يصدر عن مجلس الامن الدولي.
لكن وبسرعة ظهرت بوادر مبكرة لفشل التحرك الروسي الذي أرجأ ضربة عسكرية لنظام متهاوٍ خشية ان تقضي عليه دفعة واحدة . فقد دعت موسكو الى إرجاء اجتماع لمجلس الامن الدولي ارادت فرنسا ان تطرح عليه مشروعاً للتعامل مع الاقتراح الروسي يربط تملّص سوريا من الالتزام بتطبيق الفصل السابع الذي يسمح باستخدام القوة، كما اشترطت وفق معلومات صحافية ان تعلن الولايات المتحدة إلغاء الضربة العسكرية لتتابع السير في خطتها. وينص الاقتراح الفرنسي، وفق ما تسرب عن مسودته، على كشف سوريا وفتحها “خلال 15 يوماً” جميع مواقع الاسلحة الكيماوية امام مفتشي الامم المتحدة ويسمح “في حالة عدم تقيّد السلطات السورية ببنود القرار” بتبني اجراءات ضرورية تحت الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة.
في هذا الوقت أثار انصياع الولايات المتحدة وفرنسا اساساً لما تحوكه روسيا غضب المعارضة التي عزته مع حلفائها العرب، خصوصا الدول الخليجية، الى تردد أوباما في تبنّي خيار عسكري لا ينسجم مع طروحاته، فدانت بوضوح المبادرة الروسية لحصرها الازمة بالسلاح الكيماوي، لكأن القتل بسلاح آخر يبقى مسموحاً.
ويدرج سياسي لبناني متابع بدقة الموافقة السورية السريعة في اطار سلوك النظام البعثي وخبرته في التسويف والمماطلة بانتظار مستجدات ما. ويلفت، مذكراً بقضية اسلحة الدمار الشامل في العراق، الى تعقيدات وطول المدة التي تستغرقها السيطرة الاممية على الكيماوي وتدميره، ويذكّر بالمبادرات السابقة التي وافق عليها الاسد لمجرد كسب أشهر اضافية بدءاً من مهمة المراقبين العرب عبر جامعة الدول العربية وصولا الى مهمة المراقبين الدوليين عبر الامم المتحدة.
ويرى ان الولايات المتحدة وفرنسا اللتين أعطتا فرصة للمناورة الروسية، لم تتراجعا عن تمسكهما بضربات عقابية خصوصاً ان الاسد يستخدم هذا السلاح لقلب الموازين كلما اقتربت المعارضة من نصر حاسم كما جرى في ريف حلب ثم ريف ادلب وأخيراً الغوطة في ريف دمشق. فهما لن يتركا المدى الزمني مفتوحاً ولم يسحبا بوارجهما وقطعهما العسكرية من البحر المتوسط، كما ان التحضيرات العسكرية والاستخباراتية لم يلحق بها أي ارتخاء. فعلى الرغم من طلب الرئيس الاميركي باراك أوباما إرجاء تصويت الكونغرس، اتى كلامه الى الشعب الاميركي واضحاً بشأن تصميمه على صون هيبة بلاده ومصداقيتها وتفوقها.
ويرى المصدر أن الاقتراح الروسي هو أول خطوة فعلية من موسكو للمساومة على رأس الاسد عبر حصر وجود الاسلحة الكيماوية بيد النظام. فملكيتها الحصرية تعني حصرية استخدامها وحتمية المعاقبة. فعلى الرغم من اشتراط النظام السوري عدم تحديد المفتشين الدوليين مصدر الكيماوي فإن تقريرهم المنتظر في الايام المقبلة والذي سيؤكد وفق كل المؤشرات استخدام الكيماوي سيعني حتماً ان النظام هو من استخدمه، ومن يستخدمه لن يفلت من العقاب ولن يكون على طاولة المفاوضات. كما ان هذه المناورة تسهّل على أوباما عبور طريق الكونغرس اذ تبرر له التدخل العسكري.
وبذلك تكون المبادرة الروسية سواء نجحت او فشلت، مؤشراً إلى أن أوان الحل في سوريا قد حان إن بالطرق الديبلوماسية أو بالضربات العسكرية مع ما سيليها من دعم لـ”الجيش السوري الحر”، ما يجبر الاسد على التنحي، لان من يثبت استخدامه للكيماوي يصبح مرفوضاً في أي تسوية كما يصبح عبئاً على حلفائه اسوة بأنظمة سابقة ثبت استخدامها للكيماوي، ويفتح ذلك الطريق امام حلّ سياسي قد يتم على طاولة “جنيف 2” مع حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات تضم المعارضة وشخصيات من النظام لم تتلوث أيديها بالدماء.
المستقبل
ضرب إيران… عوضاً عن سوريا/ دينيس روس
يستند معارضو منح أوباما موافقة الكونجرس لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا على مجموعة أسباب تسترعي اهتمامهم. فهم يعتقدون أن العمل العسكري يتطلب تكاليف باهظة وغير مضمون النتائج، وأن ما يحدث في سوريا لا يعدو أن يكون حرباً أهلية يشترك فيها بعض المعارضين من ذوي التوجهات الحسنة والكثير من ذوي الميول الشريرة. وهم يعترفون بأن استخدام الأسلحة الكيميائية هو عمل شنيع، إلا أن ما حدث في سوريا لا يمثل مشكلة بالنسبة لنا إلا إذا تدخلنا هناك عسكرياً. ويرون أنه يمكن لهذا التدخل أن يؤدي إلى الانزلاق في منحدر خطير سيتعذر معه تجنّب استخدام القوة العسكرية على نطاق أوسع، بحيث نجد أنفسنا وقد أُقحمنا في صراع طويل الأمد لا يمكننا الانتصار فيه. وهذا يذكرنا بحربي العراق وأفغانستان وحيث كلّفنا خوضهما الكثير من الدماء والأموال حتى أصبح الشعب الأميركي، وفقاً لما تؤكده استطلاعات الرأي، يرفض بشكل قاطع التورط في صراعات الشرق الأوسط ويحْذرها.
وقد يكون بوسعنا أن نتفهّم مبررات الحذر والخوف عند هؤلاء، إلا أن ذلك لن يخفّض من تكاليف عدم التدخّل على الإطلاق. وينظر معارضو الضربة العسكرية من كلا الحزبين الممثلين في الكونجرس إلى الأمر ببساطة شديدة مؤداها أننا إذا قررنا الامتناع عن التدخل في النزاع فسوف لن نتحمل أية تكاليف. وقد أشار أوباما ووزير خارجيته كيري إلى أن مثل هذا الموقف سيؤدي إلى تداعيات خطيرة تتعلق بصلب المبادئ والمعايير الدولية التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية. ويبدو من المؤكد أنهما نطقا بالحقيقة عندما أشارا إلى أننا لو رأينا الأسد يقتل شعبه بالغازات السامة ولم نواجهه إلا بالعبارات القاسية ومن دون أن نعاقبه، فسوف يستخدم هذا السلاح مرة أخرى. ولا نشك أبداً في أن الثمن سيكون في هذه الحالة باهظاً بالنسبة لسوريا وبلدان العالم الأخرى. ولعل ما هو أدهى من ذلك وأمرّ، هو أن بعض الأشرار الآخرين سوف يفهمون أن استخدام الأسلحة الكيميائية ليس مسموحاً به فحسب بل إنه لم يعد كافياً لاستثارة ردود الأفعال المناسبة من العالم المتحضر في ظلّ الظروف الجديدة المتولدة من الكفّ عن معاقبة الجناة.
وهناك ما هو أكثر من ذلك، فالآراء التي يعتمدها المعارضون لمنح أوباما الموافقة على الضربة العسكرية تحمل الصفة التجريدية المطلقة. فهي تعني أن التهديدات الحقيقية والمفاجئة والمباشرة هي وحدها التي تستدعي من الولايات المتحدة الرد عليها بالضربات العسكرية. وإذا صرفنا النظر عن الدعوة لعدم اللجوء إلى الرد العسكري إلا في الحالات الأكثر خطورة، فسوف يكون هناك أمر آخر يستحق منا أخذه بعين الاعتبار، فإذا عمد المعارضون في الكونجرس إلى رفض الموافقة على الضربة وما سيترتب على هذا الموقف من شعور لدى أوباما بأنه لم يعد يستطيع قيادة قواته لمعاقبة النظام السوري، فسوف يؤدي ذلك بالضرورة إلى التأكد من عدم جدوى مواقفنا السياسية من الصراع مع إيران حول قضية امتلاكها للأسلحة النووية.
وأنا أقول ذلك لسببين. أولا، لأن روحاني الذي واصل الغمز بإشارات توحي بأنه جاهز لعقد صفقة حول البرنامج النووي الإيراني، سوف يضعف موقفه بشكل كبير عندما يتأكد بأن الولايات المتحدة لا يمكنها استخدام القوة العسكرية ضد سوريا. وفي هذه الحال، سوف يتأكد المتشددون في الحرس الثوري الإيراني والمقربون من المرشد الأعلى من أن الحصول على السلاح النووي يحتاج إلى تكاليف اقتصادية فحسب ولا ينطوي على أية أخطار عسكرية. وسوف يتوصلون إلى استنتاج يفيد بأنه عندما تمتلك إيران الأسلحة النووية، فسوف تثبّت نفوذها في المنطقة وستتعزّز قوتها العسكرية الرادعة وسيتأكد العالم من أن العقوبات التي تم فرضها عليها قد آلت إلى الفشل. وفي هذا الوقت بالذات سوف يحلّ عصر التحدي الحقيقي مع إيران.
أما اليوم، فإن خامنئي ما زال يشعر بالخطر من وضع الولايات المتحدة كافة الخيارات على الطاولة وأن أوباما لن يسمح لإيران بامتلاك الأسلحة النووية. فإذا تم منعه من استخدام القوة ضد سوريا، فسوف يكون من الواضح أن كل الخيارات قد اختفت من فوق الطاولة وبأنه بات علينا التعايش مع واقع جديد تمتلك فيه إيران الأسلحة النووية.
ويضاف إلى ذلك أن إسرائيل لا يمكنها أن تتقبل هذا الواقع إلى ما لانهاية. وهذا يمثل السبب الثاني الذي يؤكد على أن عدم استخدام القوة ضد سوريا سيؤدي إلى استخدامها ضد إيران، وسوف تشعر إسرائيل بغياب دواعي ومبررات الانتظار، وبأنه لم يعد هناك أي ضرورة لمنح الحلول الدبلوماسية فرصة جديدة، ولن يبقَ ثمّة ما يبرر الاعتقاد بأن الولايات المتحدة سوف تهتم بهذه المشكلة. وينظر نتنياهو إلى إيران النووية على أنها تمثل الخطر الدائم الذي قد يؤدي إلى «محرقة يهودية جديدة»، وبأن عليه أن يقف بحزم ضد هذا الخطر الذي يتهدد الشعب اليهودي. وطالما أنه يشعر بأن أوباما مصمم على مواجهة الخطر الإيراني فإن بوسعه تأجيل العمل. إلا أن هذا الوضع سوف يشهد نهايته لو تمكّن المعارضون في الكونجرس من منع الضربة العسكرية ضد سوريا.
ولو نجح هؤلاء المعارضون، فإنهم سيحولون دون تحقيق الضربة التي أرادها أوباما أن تكون محدودة. وحتى بعد أن استخدمت إسرائيل القوة العسكرية لفرض التقيد بالخط الأحمر ومنع سوريا من نقل الأسلحة المتطورة إلى «حزب الله»، فإن كلاً من الأسد وإيران و«حزب الله» امتنعوا عن الردّ. فلقد كانوا قليلي الاهتمام بالرد على الهجمات الإسرائيلية التي يقتصر أثرها على إضعاف القوات الحكومية السورية وجعلها تحت رحمة قوات المعارضة. وهذا يعني أيضاً أن اهتمام سوريا وإيران بالتصعيد ضد الولايات المتحدة عند تنفيذ الضربة العسكرية سيكون محدوداً.
الاتحاد
أسباب وأبعاد الضربة الأميركية المحتملة لسورية/ مركز الجزيرة للدراسات
شهدت سورية، في 21 أغسطس/آب، واحدة من أبشع حلقات الصراع الدائر منذ عامين ونصف العام بين الشعب ونظام الحكم، عندما أخذ المئات من المواطنين السوريين، في بلدة المعضمية من الغوطة الغربية، وثلاثة مواقع أخرى من الغوطة الشرقية، في السقوط بدون تعرضهم لإطلاق نار، وبأعراض تشبه التسمم الكيماوي بغاز السارين.
كما في حالات سابقة، أنكر النظام السوري استخدامه السلاح الكيماوي، ولكن المؤشرات الأولية، بما في ذلك شهادات الناجين، وأدلة توفرت للدول الغربية الرئيسة، أكدت مسؤولية النظام عن هذه المجزرة، التي أوقعت أكثر من 1600 قتيل، بينهم عدد كبير من الأطفال. خلال أيام قليلة، دعت فرنسا وبريطانيا المجتمع الدولي للتدخل ومعاقبة النظام، لتلحق بهما الولايات المتحدة بعد ذلك. ولكن، وبالرغم من تصريحات قادة الإدارة الأميركية الحاسمة حول استعداد واشنطن توجيه ضربة عقابية للنظام السوري، سرعان ما أعلن أوباما عن عزمه طلب تفويض من الكونغرس قبل توجيه مثل هذه الضربة.
كان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد خصّ استخدام السلاح الكيماوي باعتباره خطًا أحمر، منذ بداية تفاقم الأزمة السورية في 2011، ربما لأنه لم يتصور حينها أن نظام الأسد لن يقدم على مثل هذه الخطوة. ولأن أوباما لم يرغب مطلقًا في التدخل في الأزمة السورية، تجاهلت واشنطن حوادث استخدام الكيماوي السابقة، التي لم تكن ببشاعة مجزرة 21 أغسطس/آب، على أية حال. فما الذي دفع إدارة أوباما لهذه الانعطافة في مقاربتها للأزمة السورية؟ وهل سيستطيع الرئيس الأميركي فعلاً الحصول على تفويض من الكونغرس؟ وإن حصل على التفويض، فما الذي يمكن توقعه من الضربة من أثر على نظام دمشق؟
تدخل لم يكن يريده أوباما
من يوم إلى آخر في مسيرة الثورة السورية الطويلة، وعندما أخذت وحشية النظام في التصاعد، وأعداد القتلى في الازدياد، توقع السوريون تدخلاً دوليًا ما، يضع نهاية لاستباحة حياتهم ومعاشهم ومقدرات بلادهم. ولكن هذا التدخل لم يقع. كان الواضح من البداية أن التدخل الدولي في سورية مشروط بالموقف الأميركي، وأن الولايات المتحدة لا تريد ولا ترغب ولا تخطط للتدخل في سورية.
لأسباب تتعلق بموازين القوى العالمية، بصورة أساسية، وبالإخفاقات التي منيت بها إدارة بوش الابن وحروبها في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين، اتخذت إدارة أوباما قبل أربعة أعوام قرارًا بإعادة النظر في الاستراتيجية الأميركية العالمية. طبقًا لرؤية أوباما، أصبح لحوض الباسيفيك الأولوية في الاستراتيجية الأميركية الجديدة. مستهدفة إحاطة الصين، في البر والبحر، عززت الولايات المتحدة أسطولها في الباسيفيك، وعقدت سلسلة من الاتفاقيات مع دول المنطقة، لإنشاء قواعد عسكرية أو الحصول على تسهيلات لقواتها الجوية والبحرية. آخر هذه الاتفاقيات وُقّع مع الفلبين في الأسبوع الأول من سبتمبر/أيلول، لتوسيع نطاق التمركز والنشاط العسكريين في الجزر الفلبينية؛ حيث تواجدت قاعدة أميركية منذ زمن. في المقابل، انتهجت إدارة أوباما سياسة الانسحاب من المشرق العربي-الإسلامي، الانسحاب العسكري الكامل من العراق، والانسحاب الملموس من أفغانستان، وتجنب التورط في أية مغامرات جديدة في المنطقة.
لم تخرج الولايات المتحدة كلية من المشرق العربي، وليس بإمكان أية قوة عالمية أن تُقدم على الخروج من المنطقة الأكثر أهمية جيوسياسية، ولكن حجم ما يمكن أن تخصصه واشنطن من الاهتمام، من الزمن، من الموارد، من الجهد، تراجع إلى حد كبير. التدخل الأميركي في الأزمة الليبية كان استثناء، وجاء بعد أن قررت الدول الأوروبية التدخل وعجزت عن حسم الموقف. وبالرغم من أن العملية الليبية انتهت إلى إسقاط نظام القذافي، لم تعتبرها إدارة أوباما أمرًا مهمًا، ولا سابقة تحتذى، ولا احتلت موقعًا بارزًا في حملة أوباما الانتخابية الثانية.
لم يكن لدى أوباما، منذ اندلاع الأزمة السورية، أي مخطط للتدخل، ليس خوفًا من إيران وحزب الله، ولا ترددًا وضعفًا. لم يرد الرئيس الأميركي التدخل لأن المحددات الاستراتيجية لإدارته اختلفت عن إدارة سابقة. ولكن واشنطن أوباما ما كان لها أن تتجاهل سورية كلية، لأنها أصلاً لم تقرر الخروج كلية من المشرق العربي-الإسلامي، ولأن ما بدأ كثورة شعبية انتهى إلى أزمة إقليمية ودولية. في البداية، تصور أوباما، كماتصور أردوغان، أن لدى النظام السوري من عقلانية الدول ما سيجعله ينصت للغة الاحتجاج والتهديد. ولكن نظام الأسد لم يكن بصدد التراجع. وهكذا، لم تعارض الإدارة الأميركية جهود الدول المؤيدة للشعب السوري لدعم الثوار السوريين، سواء الدعم المالي أو الدعم بالسلاح، وإن بصورة مشروطة.
يُبدي الأميركيون قلقًا بالغًا من النفوذ المتزايد للجماعات الإسلامية الراديكالية، أو تلك المتهمة بالارتباط مع القاعدة، في صفوف الثوار السوريين. وكان هذا هو السبب الرئيس خلف امتناع الولايات المتحدة عن المشاركة في دعم الثوار، وخلف الضغوط الأميركية على الحلفاء الإقليميين للامتناع عن توفير أسلحة نوعية، يمكن أن تشكّل مصدر تهديد مستقبلي، إن وقعت في أيدي الجماعات الراديكالية. ولكن حتى هذا الموقف، يبدو أنه خضع لبعض المراجعة والتغيير في الآونة الأخيرة.
ما حاولته واشنطن بصورة أكثر جدية، كان العمل من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة. ولأن روسيا هي القوة الدولية المؤيدة للنظام السوري، والعضو الدائم في مجلس الأمن، الذي عارض كل محاولة لإدانة النظام في دمشق وتبلور إجماع دولي ضد سلوكه المشين ضد شعبه؛ توصلت الولايات المتحدة إلى اتفاق جنيف الأول مع روسيا، في صيف العام الماضي، الذي كان يُفترض أن يمهد الطريق لعقد مفاوضات بين ممثلين عن النظام وعن المعارضة للتوصل إلى حل للأزمة. ولكن غموض اتفاق جنيف، واستعصاء الموقف الروسي، أدّيا إلى دفع الجهود التفاوضية إلى طريق مسدود. جرت المحاولة الثانية لإطلاق المسار التفاوضي في لقاء موسكو بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وروسيا في يوليو/تموز الماضي. ولكن الآمال التي أطلقها لقاء موسكو سرعان ما تأجلت بفعل التطورات المتلاحقة على الأرض السورية.
لماذا تغير موقف إدارة أوباما؟
ما يدفع إدارة أوباما الآن إلى توجيه ضربة عقابية لنظام دمشق، عدد من الأسباب،الأول: كان لجوء النظام، للمرة الثالثة على الأقل، وبنتائج بالغة البشاعة والقسوة، إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري في أكثر من موقع، في الغوطة الشرقية بصورة رئيسة، كما في الغوطة الغربية. ثمة أدلة استخباراتية، وأدلة معملية، قاطعة، على ارتكاب النظام هذه الجريمة، ربما لم تتوفر في حوادث سابقة. كما أن من المعروف أن النظام يعاني صعوبات بالغة في التعامل مع مجموعات الثوار في بلدات الغوطة الشرقية، على وجه الخصوص، التي تشكّل تهديدًا بالغًا لأحياء دمشق الشرقية؛ حيث مواقع مؤسسات حكومية رئيسة وأحياء يقطنها قادة الدولة والنظام. بمعنى، أن هناك دافعًا واضحًا خلف هذه الجريمة.
من جهة أخرى، أصبح استخدام السلاح الكيماوي منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، الذي كانت الدول الغربية أول من استخدمه في الحروب، بما في ذلك الحروب الاستعمارية، مقرونًا بانتهاك خطير للقيم والمعايير الدولية. وهذا ما دفع الرئيس الأميركي إلى إعلانه المبكر حول اعتبار لجوء نظام الأسد للسلاح الكيماوي خطًا أحمر، الخط الذي تحول في الشهور الأخيرة إلى مصدر للسخرية.
في النهاية، برز هذا الاستخدام السافر والبشع للسلاح الكيماوي كامتحان مصداقية حاسم للرئيس الأميركي، رئيس الدولة الأكبر في العالم.
السبب الثاني خلف هذه الانعطافة في مقاربة إدارة أوباما لسورية وشؤون المشرق، يتعلق بالموقفين الإيراني والروسي؛ فخلال الشهور القليلة الماضية، وبفعل الإخفاقات المتتالية التي منيت بها قوات النظام السوري في كافة الجبهات، شهد الصراع في سورية انخراطًا أوسع لحزب الله وعناصر الميليشيات الشيعية المرتبطة به في القتال، وأخذت إيران في لعب دور أكثر نشاطًا في تعزيز الجهود العسكرية لقوات النظام ومقدّراتها.
من جهة أخرى، سورية ليست سوى دولة من العالم الثالث، لا يمكنها أن تخوض حربًا بهذا الاتساع، طوال عامين ونصف العام، بدون إمدادات عسكرية مستمرة وكبيرة. وهذا ما قامت به روسيا وإيران. إضافة إلى ذلك، لم يعد ثمة مجال للشك في أن موسكو، وبغض النظر عن سعيها إلى، وتوكيدها على، ضرورة التوصل إلى حل سياسي، تقف وبقوة ضد أي تغيير سياسي جوهري في النظام السوري. إدارة أوباما، باختصار، وجدت نفسها في مواجهة إهانة كبيرة في سورية، بالرغم من، وربما بسبب، حرصها المبكر على تجنب الانخراط في الملف السوري.
أما السبب الثالث، فيعود إلى نفوذ الليبراليين من دعاة التدخل العسكري الإنساني في إدارة أوباما، وعلى رأسهم سوزان رايس، سكرتيرة مجلس الأمن القومي. هؤلاء، وبالرغم من ليبراليتهم، لا يختلفون كثيرًا عن المحافظين الجدد، من جهة إيمانهم بأن على الولايات المتحدة، بصفتها القوة الكبرى في العالم، مسؤوليات مختلفة عن الدول الأخرى، وأن من أهم هذه المسؤوليات التدخل العسكري لحماية القيم التي تمثلها الولايات المتحدة. وكما المحافظين الجدد، يؤمن الليبراليون التدخليون بأن على الولايات المتحددة أحيانًا أن تتعهد مسؤولياتها العالمية حتى إن لم تستطع الحصول على غطاء من الأمم المتحدة؛ وإن كانوا حريصين في الوقت نفسه على أن يتمتع أي تدخل أميركي عسكري بدعم ومشاركة من أكبر عدد ممكن من الحلفاء.
هل سيحصل أوباما على تفويض من الكونغرس؟
فسر البعض ذهاب أوباما المفاجيء للحصول على تفويض من الكونغرس بأنه مؤشر على الضعف والتردد؛ فالرئيس، أي رئيس أميركي، ليس مضطرًا للحصول على تأييد الكونغرس لقراراته بالعمل العسكري، ما لم يرغب في إعلان حالة الحرب، أو إن طالت العملية العسكرية التي أمر بها لأكثر من تسعين يومًا. ولكن، وبالرغم من أن أوباما أكد أكثر من مرة على أنه انتُخب لوضع حدّ للحروب الأميركية وليس لإشعالها، وأنه بنى استراتيجيته على أساس أن الشرق الأوسط لم يعد منطقة بالغة الحيوية للسياسة الأميركية العالمية؛ فالأرجح أن ذهابه للكونغرس يحمل دلالات أخرى، بما في ذلك خشيته من تطور الضربة العقابية التي يخطط لها إلى تدخل أوسع في الأزمة السورية، بفعل عوامل وقوى ليست في الحسبان، ورغبته بأن يتحمل الكونغرس معه عبء أية تطورات غير منظورة.
حصل طلب أوباما على تأييد من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، في 4 سبتمبر/أيلول. ولكن، وبالرغم من نفوذ اللجنة وتأثيرها على توجهات مجلسي الشيوخ والنواب فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فإن حظوظ تأييد مجلس النواب لطلب الرئيس تبدو ضعيفة، بينما حظوظه في مجلس الشيوخ أعلى قليلاً. المشكلة، أن إدارة أوباما لم تستطع إقناع الرأي العام الأميركي بأن سورية تمثل خطرًا يهدد الأمن القومي الأميركي؛ وبعد عقد من الحروب المكلفة، لا تبدو الحجة الأخلاقية مقنعة بما يكفي. من جهة أخرى، يرى عدد ملموس من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ أن الرئيس كان بإمكانه توجيه الضربة بدون الرجوع للكونغرس، كما فعل أسلافه من الرؤساء من قبل، وأن طلبه التفويض منهم ليس سوى محاولة لتوريطهم في حرب لا يؤيدها الرأي العام الأميركي.
ثمة جهد كبير تبذله إدارة أوباما منذ بداية الأسبوع الثاني من سبتمبر/أيلول لإقناع أكبر عدد ممكن من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب المترددين، أو من لم يحسموا موقفهم بعد. كما سيُجري أوباما سلسلة من المقابلات المتلفزة مساء الاثنين، 9 سبتمبر/أيلول، ويوجه كلمة للأميركيين في اليوم التالي، في محاولة لكسب أكبر قطاع ممكن من الرأي العام. ولكن المؤكد أن أحدًا لا يستطيع التنبؤ بما سيكون عليه تصويت أي من مجلسي الكونغرس. كما من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه موقف إدارة أوباما في حال لم يستطع الحصول على تأييد المجلسين، أو واحد منهما، أو إن جاء التأييد بفارق أصوات ضئيل.
الضربة ونتائجها
سيؤدي حصول أوباما على التفويض من الكونغرس، على الأرجح، إلى توجيه ضربة أميركية للنظام السوري، ضربة محدودة، كما قالت واشنطن. ولكن الذي تعنيه “محدودة” هنا؛ مسألة لا يمكن تقديرها. يتحدث مسؤولون أميركيون عن أن الضربة، إن وقعت، ستستمر لعدة أيام فقط، وأن هدفها ليس إسقاط النظام، ولكن تلقينه درسًا يمنعه من استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى؛ وأنها ستُنفذ بإطلاق صواريخ موجهة وطائرات، بدون إنزال عسكري بري على الأرض السورية. والحقيقة أن ليس هناك نظام حكم سبق وأن أُسقط بضربة جوية، طالت مدة هذه الضربة أو قصرت.
مهما كان حجم واتساع ومدة الضربة الأميركية؛ فمن الضروري ملاحظة وقع الضربة الأميركية على مقدرات الضبط والتحكم في صفوف قوات النظام (command and control)، وليس مجرد حجم الضرر الواقع بقواعد ومخازن ومطارات القوات الموالية للنظام. كما من الضروري ملاحظة ما إن كانت أعداد ملموسة من الضباط والجنود ستترك مواقعها أو تختار الانشقاق والانضمام إلى صفوف الثورة. سيتيح مثل هذا الأثر للثوار السوريين إحراز تقدم ملموس على الأرض في جبهات الاشتباك الرئيسة، سيما ما تبقى من مناطق سيطرة النظام في محافظتي إدلب وحلب، ومحافظة درعا الجنوبية، وخطوط الاشتباك في محافظتي حمص وحماه، إضافة لريف دمشق الشرقي والشمالي.
من جهة أخرى، لابد من مراقبة رد فعل النظام السوري وحلفائه؛ ففي حال لجأ النظام إلى توجيه صواريخه للأراضي التركية والأردنية والسعودية، أو قام حزب الله بقصف أهداف إسرائيلية؛ فالأرجح أن تتطور الضربة نوعًا وزمنًا؛ وقد تنتقل المشاركة التركية المتوقعة، من جهد عسكري جوي محدود إلى تدخل عسكري أعمق.
المسألة المهمة أن سورية أصبحت جزءًا حيويًا في الاستراتيجية الإيرانية الإقليمية. وقد اعتمدت إيران، منذ نهاية الحرب العراقية-الإيرانية، سياسة الحرب بالوكالة (proxy wars) لتنفيذ أهدافها وتعزيز نفوذها الإقليمي، متجنبة أية حروب تقليدية ومواجهات عسكرية مباشرة. وإن أدت الضربة الأميركية إلى إيقاع ضرر ملموس بمقدرات نظام دمشق العسكرية، فلابد لإيران أن تسارع بالرد؛ والأرجح أن الرد سيتبع سياسة حروب الوكالة ذاتها. وسيكون من الضروري بالتالي ملاحظة اتجاهات الرد الإيراني، سواء في لبنان والعراق، ضد الدولة العبرية، أو دول الخليج العربية، لما له من صلة مباشرة باحتمالات تفاقم الأزمة السورية إقليميًا.
خلاصات أولية
لا تعتبر الضربة الأميركية لسورية شأنًا محتومًا؛ أحد أبرز محددات الضربة هو بلا شك موقف الكونغرس، سيما أن العالم الغربي شهد تراجع الحكومة البريطانية عن المشاركة في عمل عسكري ضد سورية بعد خسارتها التصويت في مجلس العموم البريطاني. إضافة إلى ذلك، فقد تؤدي الضغوط الروسية المحمومة على سورية، سيما تلك المتعلقة باقتراح وضع السلاح الكيماوي السوري تحت إشراف دولي (9 سبتمبر/أيلول)، إلى إطلاق عملية سياسية أوسع من السلاح الكيماوي ذاته. ما ينبغي تذكره أن هدف السياسة الأميركية في هذه اللحظة من الأزمة السورية هو التوصل إلى اتفاق بين المعارضة والنظام على حل ينتهي بتنحي الرئيس السوري والحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية. هذا الهدف هو ما يتوخى الأميركيون أن تساعد الضربة العسكرية على تحقيقه، بما تمثله الضربة من ضغط على النظام وحلفائه في طهران وموسكو. إن طرح الروس تصورًا لمسار ينتهي بخروج الأسد من المشهد، وليس مصير السلاح الكيماوي وحسب، فلن تكون هناك حاجة لتوجيه ضربة عسكرية.
أما إن تداعت الأوضاع إلى قيام الولايات المتحدة، بدعم من حلفائها الإقليميين والدوليين، بتوجيه ضربة عسكرية للنظام، فقد لا تنتهي الأمور بما يريده المسؤولون الأميركيون من “عقاب محدود”. الاستقطاب الحاد ومناخ عدم الاستقرار في المشرق العربي-الإسلامي، وما باتت تمثله سورية للأطراف الإقليمية المختلفة، كفيل بمزيد من التفاقم لأزمة أوقعت، خلال عامين ونصف العام، آلامًا لا تُحتمل وخسائر باهظة بالشعب السوري ومقدرات وطنه.
كغدٍ في ظهر الغيب/ الياس الديري
دائماً وأبداً للبنان حصّة حرزانة في كل مسألة أو أزمة أو قضيّة عربيّة. ولا داعي للعودة إلى ما قبل الاستقلال، وما بعد النكبة.
بديهيٌّ، إذاً، أن يكون في موقع الشريك غير المضارب في الحرب السوريّة وتطوّراتها، وخصوصاً بعد انخراط “حزب الله” في ساحاتها، وانتقال ما يُقدّر بمليون ونصف مليون سوري إلى الربوع اللبنانيّة الغنّاء.
كل التفاصيل والمحاذير والمخاوف في هذا الصدد أُشبعت شرحاً وتفنيداً. وكل ما قيل في هذا الموضوع الإنساني الشائك لا يقدّم ولا يؤخّر. وقد يكون الآتي أعظم في هذا المجال وغيره.
أما وقد توقّف قرع طبول حرب السلاح الكيميائي موقتاً أو نهائياً، وأُزيلت حواجز كثيرة من درب الحلول البديلة، فمن الطبيعي طرح أسئلة متلازمة مع الكيميائي كسلاح فتّاك، ومع الحرب السوريّة بكل أسلحتها، وطائراتها، وصواريخها، وأفرقائها، وضحاياها، ودمارها، ونظامها الذي يشكّل لبّ الموضوع وجوهر القضيّة.
على افتراض أن السلاح الكيميائي قد سلك سبل التسوية. إما بوضعه تحت رقابة الأمم المتحدة، وإما بتسليمه إلى الشرعيّة الدوليّة، وإما ببقائه في أرضه والدوران حوله وحول اقتراحات حلوله في جنيف أو سواها… ثمانين حولاً لا أب لك يسأم.
فما الذي يحصل لاحقاً في سوريا، ومن زاوية حرب الإبادة الجماعيّة التي تجتاحها بقسوة وشراسة منذ نيّف وسنتين؟
وإلى متى؟
وما هي الحلول، أو الاقتراحات، أو الاحتمالات التي تضع حداً لهذه المجازر، التي تغتسل بها مَنْ كانت بوابة التاريخ، والمشرق؟
جنيف – 2، مثلاً، كما تشير بعض التلميحات، وكما تؤشّر حركة الأخضر الإبرهيمي الذي أعادته إلى الصورة الضربة الكيميائية التي لم تحصل، وقد لا تحصل أبداً مطلقاً بتاتاً؟
قد يستلزم الوصول إلى أيّ حلٍّ، أو أيّ تفاهم يوافق عليه الثوّار وترضى به المعارضة، ويباركه “الجيش السوري الحرّ” المزيد من الاجتماعات، والأشهر، وربما السنوات من الانتظار… فيما آلة الموت والدمار مستمرّة في “مهمتها”.
فما العمل؟ وما هي الجزية الإضافية التي ستُفرض على لبنان المشلول والممنوع من تأليف حكومة عادية، وهو على أبواب استحقاقات رئاسيّة ونيابيّة؟
لا أحد في لبنان، لا مسؤول ولا مراقب من المخضرمين يملك جواباً شافياً كاملاً، ولا حتى أية مقاربة في هذا المجال. لا شيء. لا شيء سوى المزيد من الانتظار.
فالجزء الواضح من “الخطّة الروسيّة” يقتصر على بندين: تأجيل، أو إلغاء الضربة، واستمرار السعي في اتجاه جنيف – 2.
ولكن، لا إشارة بالنسبة إلى النظام والموضوع الأساسي الذي تطوّرت الاعتراضات والمواجهات والمآسي بسببه.
أسئلة كغدٍ في ظهر الغيب.
النهار
دهر لتدمير ترسانة الأسد؟/ راجح الخوري
تتلاحق فصول “مسرحية الكيميائي” الاميركية – الروسية، وليس من الواضح كيف ستنتهي وإن كانت قد فتحت نفقاً من الشروط والعراقيل، وهو ما يدفع الى القول انه اذا كانت المفاوضات بين جون كيري وسيرغي لافروف في جنيف، للاتفاق على تسليم الترسانة الكيميائية السورية ستستغرق ثلاثة ايام، فان تدميرها قد يستغرق ثلاثين سنة!
لن اكتب اليوم في السياسة، تعالوا نتصور كيف ستتم عملية ضبط الترسانة وتجميعها وإتلافها، فقياساً بتجربة المراقبين العرب ثم الدوليين، الذين ذهبوا الى سوريا وتاهوا في الأنفاق والدهاليز والشروط والتفاصيل التي يبرع فيها النظام، لن يكون من السهل التحقق من تسليم الف طن من المواد المخزنة في براميل وصفائح وحاويات، موزّعة على المخازن والاقبية والمزارع، في بلد بحجم فرنسا يغرق في الحرب والكمائن، وليس من الواضح ما اذا كان النظام سيسمح للمفتشين بزيارة كل هذه المواقع.
قبل البدء بالتحقق ستواجه العملية سلسلة طويلة من “الشروط السيادية” التي سيضعها النظام سلفاً، لمعرفة هوية المراقبين ومن اي بلد يأتون، وما لون عيونهم، وما هي فئات دمهم، وهل لهم حرية الذهاب منفردين للقيام بمهماتهم ام بمرافقة رسمية، ثم هل يكون لهم الحق بضبط هذه المواد ونقلها، ام ان النظام سيتولى النقل، وكيف، والى اين، وبمواكبة من، وتحت اي حراسة ستوضع، حراسة من الروس مثلاً، وفي طرطوس، ام في الداخل السوري، وما دور الامم المتحدة في العملية؟
بعد التحقق والتجميع تبدأ المرحلة الاكثر تعقيداً، فكيف سيتم تدمير الترسانة؟ هذه العملية تستلزم جهداً كبيراً ووقتاً كثيراً وتكلفة بالمليارات فمن الضروري تأمين مراكز آمنة للتخزين، ثم بناء محارق خاصة، يجب ان تخضع لمعايير علمية وقواعد بيئية صارمة تمنع التلوث، وسيشرف على الحرق خبراء يتم اختيارهم وفق دفاتر الشروط السورية المعقدة، التي واجهها المراقبون من قبل، وسيكون عليهم الاقامة الدائمة في سوريا ولمدة يقول الخبراء انها قد تستمر 15 الى 20 عاماً، فحرق الف طن من هذه المواد عملية دقيقة تتطلب كل هذا الوقت… وبعد كل هذا من سيدفع المليارات؟
“مسرحية الكيميائي” لم تكن طارئة، “الواشنطن بوست” تؤكد انها كانت مدار بحث بين واشنطن وموسكو منذ اشهر وقبل مذبحة الغوطتين، وكانت محور النقاش بين اوباما وبوتين في سان بطرسبرج، لهذا من الفظاظة المضحكة ان يعلن البيت الابيض “ان روسيا تضع هيبتها على المحك في الكيميائي”، في وقت تبدو سمعته في الحضيض!
من المؤكد ان البحث بين كيري ولافروف في جنيف لن يقتصر على عملية الكيميائي، بل سيتم حكماً ربطها بالتسوية السياسية التي لا يمكن ان تنتظر زمناً، لهذا تم استحضار ديكور الأخضر الابرهيمي.
النهار
الشكوك تحاصر سيناريو التسوية الكيميائية الغرب “نمر من ورق” أمام تفوّق روسيا/ روزانا بومنصف
لا يبدو السيناريو الغربي الذي يتحدث عن اختراق يتم السعي اليه من خلال الاجتماعات في جنيف بين وزيري الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف الهادفة الى صياغة اتفاق حول نزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام السوري او وضعها تحت رقابة الامم المتحدة باعثا على التفاؤل وفق مراقبين ديبلوماسيين. فالتوافق على موضوع الاسلحة الكيميائية ليس سهلا ويحتاج الى آلية طويلة قد تستغرق سنوات يخشى ديبلوماسيون في ضوئها ان تنجح روسيا في تكريس الحاجة الى النظام السوري وتعاونه كشريك في هذا الاتفاق مما قد يعزز وجوده بدلا من المسارعة الى الاستغناء عنه. فالاتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا الذي وقع العام 1997 من اجل تفكيك الاسلحة الكيميائية وتدميرها لم يسمح حتى الان وبعد مدة طويلة على توقيعه في ازالة غالبية المخزون لدى روسيا في حين نجح بازالة التسعين في المئة منه الموجود لدى الولايات المتحدة. وفيما ان هذه الآلية بطيئة حتى في دول تتمتع بكامل سيادتها وتعيش سلاما واقعيا بحيث تتمتع بالاهلية لتنفيذ ما تعهدت به، فان الحرب الجارية في سوريا قد تكون عنصرا يستغله النظام وداعموه من اجل المماطلة في الالتزام وفي تمديد حياته على حد سواء.
يعزز هذا السيناريو غير الايجابي عدم الوضوح في ما اذا كانت نقطة الالتقاء الاميركي الروسي حول موضوع الرقابة على الاسلحة الكيميائية او نزعها قد تثمر اتفاقا باعتبار ان هناك اختلافات كبيرة بين المبدأين. لكن في حال حصول ذلك فان السؤال الذي يلي هو هل يذهب النظام الى مؤتمر جنيف – 2 من اجل الاتفاق مع المعارضة السورية على حكومة انتقالية تتمتع بصلاحيات كاملة بعد التطورات الاخيرة؟
والاجابة غير مؤكدة ان لم تكن سلبية لاعتبارات عدة قد يكون اهمها واقع ما اسفر عنه الكباش الدولي حول احتمال توجيه ضربة عسكرية اميركية الى النظام وصولا الى اقتراح روسيا وضع الاسلحة الكيميائية لدى النظام تحت رقابة دولية. فالرئيس باراك اوباما وجد لنفسه مخرجا ديبلوماسيا من خيارين صعبين احدهما كان نيته توجيه ضربة عسكرية لمواقع تعود للنظام السوري في الوقت الذي لم تكن لديه اي حماسة لذلك، والآخر اقناع الكونغرس والرأي العام الاميركي بدعمه في خياره وتوفير الغطاء السياسي والشعبي له، وهو كان صعب التحقيق. ولم يكن موقف اوباما في خطابه الى الشعب الاميركي معبرا عن موقع قوة بل على العكس من ذلك وكان مرتبكا في منطقه خصوصا ان ادارته استخدمت الخيار العسكري بما يمكن ان يجعل النظام السوري ومعه ايران يطمئنان الى ان هذا الخيار غير قابل للاستخدام مرة اخرى لاعتبارات مختلفة ولن يسهل التلويح به مجددا بعدما استنفدت ورقته وظهر ان الغطاء له لن يتوافر بسهولة لاي خيار اكان يتعلق بسوريا مجددا او بايران بحيث ان المنطق الاميركي ككل لا يمكن ان يشكل رادعا لايران في هذا الاطار. اضف الى ذلك واقع ان يصب كل الدفع في اتجاه موضوع الاسلحة الكيميائية في اتجاه اسرائيل اكثر من اي طرف آخر في حين ان النظام السوري وفي ظل منعه من اللجوء الى الكيميائي فانه قد يستفيد من واقع ان كل الاسلحة الاخرى تحت سقف الاسلحة الكيميائية مسموحة ولا حظر دوليا محتملا لها.
في المقابل فان روسيا انتقلت بسرعة من موقع المعرقل لاي قرار في مجلس الامن ومن موقع المناقض لغالبية الدول الغربية والعربية في استمرار دعمها للنظام وتبني نظرية اتهام المعارضة السورية باستخدام الاسلحة الكيميائية على عكس كل الدلائل الاخرى الى موقع عراب تسوية للضربة العسكرية التي كانت ستوجه ضد النظام السوري ولو من باب جزئي هو الموضوع الكيميائي. هذا الموقع الجديد لروسيا مهم قياسا الى واقع ما بدت عليه الدول الغربية ككل بالنسبة الى الازمة السورية كـ”نمر من ورق” ازاء قدرة روسيا على تعطيل مجلس الامن من خلال الفيتو الذي استخدمته ثلاث مرات في شأن سوريا ثم من خلال استمرار الطعن بكل الدلائل التي قدمها الغرب وصولا الى القفز على تثمير موقعها من اجل انقاذ النظام من انهياره في حال حصلت الضربة العسكرية ضده. وقد يتعين على اميركا والدول الغربية محاولة ترميم صدقيتها في المرحلة المقبلة لجهة الخروج من عجزها من جهة ودعمها حلفائها على طول الخط من جهة اخرى مثلما فعلت وتفعل روسيا.
في الجانب الآخر من هذه المعادلة فان الازمة السورية لم تعد تقتصر في تعقيداتها الاقليمية والدولية على النظام والمعارضة بمقدار ما باتت تشمل جملة امور يعتقد المراقبون انها باتت تشكل امتدادات لها من بينها ما هو ظاهر وعلني يتصل بوضع “حزب الله” مثلا بعدما بات جزءا من مشهد الازمة السورية او ما يتمثل بالدعم الذي تقدمه ايران والربط الاستراتيجي بين مصالحها في سوريا وملفها النووي ومنها ما هو ظاهر وغير معلن او الاثنين معا يتصل بمصالح الدول العربية الاستراتيجية ايضا في سوريا. وبحسب مصادر ديبلوماسية عليمة فان الولايات المتحدة وسائر الدول المؤثرة الاخرى باتت تدرك ذلك في مقاربتها للوضع السوري بما يطرح تساؤلا جديا هل ان واشنطن جاهزة مع موسكو والدول الاقليمية لهذه المقاربة لايجاد حل للازمة السورية انطلاقا من النافذة التي يمكن ان يشكلها اي توافق حول الاسلحة الكيميائية؟
هذا الامر غير محتمل وثمة شكوك قوية في امكان العبور الى ذلك.
النهار
المبادرة الروسية من منظور إسرائيلي/ رندة حيدر
شكلت تطورات الايام الاخيرة درساً في الجيوبوليتيك فائق الاهمية يعكس المعايير والاعتبارات التي يتعامل المجتمع الدولي مع الازمة السورية انطلاقاً منها، والتي تختصر بكلمة واحدة المصالح الاستراتيجية لهذه الدول. فبعد كل الضجيج الأميركي بشأن حشد المجتمع الدولي لضربة عسكرية عقابية للنظام السوري لاستخدامه الاسلحة الكيميائية ضد شعبه، والحملة المضادة التي قادها محور الدول الموالية للنظام السوري بقيادة روسيا لكبح الهجوم وايجاد مخرج سياسي للمشكلة، والمناخ العام السائد وسط الرأي العام الأوروبي والأميركي المعارض لحرب جديدة في الشرق الأوسط، بات واضحاً اليوم ان جميع الاطراف الدوليين ليسوا على استعداد لتعريض مصالحهم للخطر لاعتبارات اخلاقية او انسانية، وان مصالحهم الاستراتيجية تأتي قبل اي اعتبار آخر.
بالنسبة الى اسرائيل، ما حدث بالغ الاهمية، ليس لأنه أظهر تلكؤ إدارة أوباما عن الدفاع عن الخطوط الحمر التي وضعتها ضد السلاح الكيميائي في سوريا، ولانه عكس تردد الرئيس الأميركي وتذبذب مواقفه، بل لانه جعل إسرائيل تشعر ربما للمرة الاولى منذ أعوام طويلة بانها ستكون وحدها في مواجهة المشكلة النووية الإيرانية. فاذا كانت دول الغرب لا تريد التورط عسكرياً ضد سوريا تخوفاً من عمليات انتقامية قد تتعرض لها مصالحها، او من ان يؤدي ذلك الى ارتفاع اسعار النفط وقت تعاني غالبية هذه الدول ازمة اقتصادية خانقة، فماذا سيكون موقفها والحال هذه عندما تفشل المفاوضات الدائرة مع إيران في شأن سلاحها النووي، واذا قررت السير قدماً نحو القنبلة النووية؟
رغم كل المحاولات التي يبذلها المعلقون الإسرائيليون لاظهار النقاط الايجابية في المبادرة الروسية، فان الانعكاسات السلبية لما حدث على إسرائيل لا يمكن تجاهلها.
من النقاط الايجابية للمبادرة انها اذا نفذت فهي ستشكل حلاً لمشكلة السلاح غير التقليدي السوري الذي لطالما حذرت إسرائيل من انتقاله الى يد “حزب الله” في لبنان أو الى أيدي التنظيمات الجهادية في سوريا. نقطة ايجابية اخرى تُسجل لمصلحة أوباما أن اصراره على الخيار العسكري ومضيه حتى النهاية في الاعداد للضربة قد اعطيا ثمارهما الردعية من غير ان يطلق طلقة واحدة.
لكن النقاط السلبية لا تنتهي، وفي مقدمها كما نشرت “الجيروزاليم بوست” بقاء الأسد في منصبه. ومعنى ذلك انه في القرن الحادي والعشرين يستطيع رئيس دولة ان يقتل مواطنيه بسلاح دمار شامل وان ينجو من العقاب والمساءلة. النقطة الثانية تعزيز قوة المحور الراديكالي المكون من إيران – “حزب الله” – سوريا المعادي لإسرائيل، ونقطة أخيرة هي تشجيع إيران على عدم الخوف من الملاحقة الدولية في سعيها الى امتلاك السلاح النووي.
النهار
هل تنسحب ديبلوماسية “الكيميائي” على المواجهة النووية بين إيران والغرب؟ العالم سيراقب عن كثب كل ما يقوله روحاني في الأمم المتحدة/ موناليزا فريحة
تراقب ايران كيف أفلتت سوريا، بمساعدة روسيا بالطبع، مما كان يفترض أن يكون ضربات أميركية محدودة لا تطيح نظام حليفها بشار الاسد، فهل تنسحب ديبلوماسية “الكيميائي” السوري على المواجهة النووية بين طهران والغرب؟
الثلثاء الماضي، وبعد 24 ساعة تقريباً من “القنبلة” التي فجرها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وحولت الزخم الحربي حيال سوريا دفعاً ديبلوماسياً استثنائياً، أعلنت طهران دعمها القوي للاقتراح الروسي وضع الترسانة الكيميائية السورية تحت رقابة دولية.
ونقلت “وكالة الصحافة الفرنسية” عن ديبلوماسي غربي في طهران ان الاقتراح الروسي هو “مصدر ارتياح لطهران” التي كانت تخشى تصعيداً عسكريا في المنطقة. وقال ان هذا الامر “يمنح ايران القليل من الوقت والطمأنينة” للقيام باعادة نظر محتملة في دعمها للنظام السوري. واضاف الى ان الايرانيين فوجئوا بالهجوم الكيميائي وانهم “سيطرحون أسئلة على أنفسهم عن مدى اهلية الرئيس (السوري بشار) الاسد للثقة… اما بالنسبة الى النووي، فان لا مصلحة للحكومة في تاجيج الازمة لانها منخرطة في دينامية تعاون وشفافية” مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
الواضح حتى الان أن الحكومة الجديدة للجمهورية الاسلامية تحاول تجنب مواجهة مع الغرب على خلفية دعمها لنظام الاسد. فالرئيس الايراني الجديد حسن روحاني يبدو حريصاً على تحسين علاقاته مع المجتمع الدولي والتفاوض على انهاء العقوبات على بلاده بسبب برنامجها النووي. وقد سعى الى ادراج المبادرة الروسية في سياق جهود طهران لتجنب نزاع، قائلاً إن “الامال (في عدم نشوب حرب) تعززت في الايام الاخيرة”.
ففي طهران، كانت التهديدات الاميركية بضربة عسكرية لسوريا تعتبر تحذيراً للجمهورية الاسلامية من أن مواقعها النووية قد تواجه مصيراً مماثلاً إذا أصرت على المضي في تخصيب الاورانيوم.
وتنسب “الفايننشال تايمس” الى مصدر داخل النظام أن”ثمة اقتناعاً قوياً في ايران بأنه عندما تتحدث واشنطن عن الحاجة الى هجوم ومزيد من الضغط على سوريا، فان الهدف الحقيقي يكون ايران”، لذا فان “طهران تبذل جهدها لتجنب حرب بالتنسيق مع روسيا”.
ومع أن التهديد بالضربة لا يزال سيفا مصلتاً فوق سوريا، يواصل روحاني بحذر هجومه الناعم، محاولاً الافادة من الفرصة التي منحتها واشنطن للنظام السوري .
وتنقل “الجيروزاليم بوست” عن رئيس المجلس الوطني الايراني الاميركي تريتا بارسي أن روحاني “يحاول أن يستفيد في الداخل” من الاقتراح الروسي، مغتنماً اياه للقول إن ديبلوماسيته تؤتى ثماراً أكبر من الخطب النارية لسلفه محمود أحمدي نجاد”، الامر الذي يمكن أن يتيح له هامشا أكبر للمناورة في المسألة النووية، وأنه “إذا تراجع التوتر في شأن سوريا، ستشعر ايران بأنها أقوى”.
وكذلك، يعتقد راي تقية الباحث في مجلس العلاقات الخارجية والمستشار السابق للشؤون الايرانية في وزارة الخارجية الاميركية أن الطريقة التي تتطور فيها المسألة السورية “تجعل الايرانيين يشعرون بالراحة”. ويشرح ان تردد المجتمع الدولي في استخدام القوة واحالته المسألة على عملية بطيئة للأمم المتحدة يوفران لطهران فرصة للاسترخاء قليلا”.
وترى ايميلي لانداو ، مديرة برنامج مراقبة الاسلحة والامن الاقليمي في معهد دراسات الامن القومي، ان ايران تراقب عن كثب “عمق الخلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا”، وكيف سحبت أوروبا نفسها عمليا من أن تكون لاعباً حقيقيا في هذه المسرحية.
ومع أن ثمة اختلافاً بين الأزمة السورية التي تحولت أزمة أسلحة كيميائية، والملف النووي الايراني ، تقول لانداو إن “هذا نوع من الاختبار للمجتمع الدولي في مواجهة انتهاكات خطيرة في حقل أسلحة الدمار الشامل”.
اشارة الى طهران
وكما كانت الضربة الاميركية المحتملة لسوريا تحمل رسالة الى طهران، ثمة من يعتقد أن المسار الديبلوماسي الراهن يوجه اشارة اليها أيضاً.
ويقول المحلل في المجلس الوطني الايراني الاميركي رضا مراشي إن أي هجوم اميركي على سوريا “سيقوي المتشددين في الولايات المتحدة وايران وروسيا” و”سيقلص هامش المناورة الذي يحتاج اليه روحاني واوباما لاعادة العلاقات” بين البلدين. ولكن من خلال أخذها المبادرة الروسية على محمل الجد، “ترسل واشنطن اشارة الى طهران بانها مستعدة للقيام بمجازفة وتسويات لصنع السلام. هذا ما كان ناقصا خلال السنوات الاربع الاخيرة”.
وفي ما يمكن أن يؤذن بذوبان الجليد في العلاقات المجمدة بين الجانبين منذ فترة طويلة، تتواصل الادارة الاميركية والحكومة الايرانية الجديدة في الشأن السوري، على ما أقر وزير الخارجية محمد جواد ظريف. وقد تكونان تتحركان بعيدا من الاضواء في اتجاه اجراء محادثات مباشرة بينهما، آملا في تبديد حدة المواجهة على البرنامج النووي الايراني.
في أي حال، يترقب العالم باهتمام الزيارة التي سيقوم بها روحاني لنيويورك هذا الشهر للتحدث أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة. وعلى رغم أن الرؤساء الايرانيين غالباً ما استغلوا منبر الامم المتحدة لتحسين صورتهم ودفع رسالتهم، فان الآمال المعلقة على الديبلوماسية الجانبية التي يمكن روحاني القيام بها في أروقة البيت الزجاجي، لم تكن قط بالحجم الذي بلغته الآن.
ويقول مهرزاد بوروجردي، مدير برنامج دراسات الشرق الاوسط في جامعة سيراكيوز إن “كل الاشارات والاحاديث عن امكان اعادة اطلاق العلاقات والسياسات الايرانية مع الغرب ستختبر في الامم المتحدة. كل ما يقول روحاني ويفعله سيراقب عن كثب”.
النهار
خطاب تناقضات أوباما: ضياع القيادة/ راغدة درغام
عودة الرئيس باراك أوباما إلى أنماط التردد والتراجع، بعدما بدا على وشك الحزم، جعلت الأكثرية في العالم تتساءل أي أوباما آتٍ وأيهما ذاهب ووضعت التخمين مكان اليقين.
الزئبقية الأوبامية حوّلت إبرة البوصلة لهذا الأسبوع نحو التوجه إلى إبرام الصفقة والتملص من تنفيذ الضربة. خطاب التناقضات الذي ألقاه الرئيس الأميركي ضاع بين إقناع الرأي العام الأميركي بأخلاقية عدم دفن الرؤوس في الرمال إزاء استخدام الأسلحة الكيماوية التي قال إنه متأكد من أن النظام السوري استخدمها ضد شعبه، وبين إيضاحه للشعب الأميركي أنه هو أيضاً لا يريد العمل العسكري في سورية ويود تفاديه عبر تفاهم مع روسيا على وضع ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية تحت إشراف دولي. غاب عن خطاب التناقضات أي ذكر لأفق زمني محدد للديبلوماسية الكيماوية. غابت عنه الاستراتيجية الواضحة المعالم لما يريده باراك أوباما حقاً في سورية – أهو الصفقة الكيماوية إذا كانت جدية؟ أهو العقاب والمحاسبة على تجاوز «الخط الأحمر»؟ أهو عملية إنقاذ ماء الوجه إزاء وضوح نتيجة التصويت في الكونغرس وحجب إعطائه صلاحية استخدام القوة العسكرية؟ أم إن في ذهن الرئيس باراك أوباما مفاجأة تدهش مَن يراهن على ضعفٍ بنيوي في نظر المغامرين؟
هناك مَن يعتقد أن باراك أوباما يتعمد إضعاف منصب الرئاسة لأنه يؤمن بضرورة ذلك الإضعاف. يشير أصحاب هذا الرأي إلى إصرار باراك أوباما على تقليص صلاحيات الرئاسة ووضع القرارات في أحضان الكونغرس. ويقولون إن ذلك ليس سهواً وإنما يدخل في صلب استراتيجيته. لذلك، تخلى عن صلاحية اتخاذ قرار العمل العسكري في سورية وقدم «الفيتو» عليه إلى الكونغرس على رغم احتفاظه بحق اتخاذ القرار بصفته الرئاسية.
ترجمة النظام السوري والرئيس بشار الأسد للقيود التي فرضها الرئيس الأميركي على نفسه – إضافة إلى تلك التي فرضها الكونغرس في مداولاته على أية عملية عسكرية – هي أن النظام في أمان وأن الولايات المتحدة لا تريد محاسبته ولا إزالته ولا إضعافه.
الرئيس أوباما أثبت حتى الآن أنه في صميمه لا يريد أن يفعل شيئاً نحو سورية. لا يريد شيئاً، في الواقع. جرّته التطورات إلى مواقف لم تكن في ذهنه ولا في باله. قال منذ حوالى سنتين إن على الأسد أن يتنحى، ثم طوى ذلك في ملفات النسيان والصفقات الديبلوماسية. مارس خطابة رئاسية عندما قال إن على الرئيس السوري أن يرحل، ثم اكتفى باللغط اللغوي. لم يفعل شيئاً لينفّذ كلمته – وهي كلمة الرئاسة الأميركية. رمى الكلمة، وأدار وجهه. هكذا، تراجع عملياً عما أعلنه، ومشى. أكثر من مئة ألف قتيل وملايين المشردين واللاجئين السوريين لم يعيدوا الرئيس أوباما إلى كلمة «تنحى» بل إنه دخل في المساومة على دور الرئيس السوري في العملية السياسية الانتقالية التي أصرت روسيا وإيران على أنه دور الباقي في السلطة – أقله حتى الانتخابات الرئاسية صيف 2014، فيما الحرب الأهلية مستعرة.
لم يكتفِ الرئيس الأميركي بالعودة عن المطالبة بالتنحي بل إنه، عملياً، تعهد بعدم إطاحة نظام الأسد عندما أصر مراراً على أن هدف أية ضربة عسكرية هو التأديب والردع في مجال استخدام الأسلحة الكيماوية. كان في وسعه عدم الإدلاء بمثل ذلك التعهد – كما كان في قدرته الاحتفاظ بحق الضربة وغموض أهدافها. فعل العكس، فطمأن النظام في دمشق إلى أن المحاسبة ضيقة ومحصورة كيماوياً، وليس محاسبة على أية تجاوزات أخرى. هدد، فطمأن. والآن، لدى دمشق تأكيد من الرئيس الأميركي بأن إسقاط النظام ليس سياسة الولايات المتحدة الأميركية.
عندما داهمه استخدام الأسلحة الكيماوية، جُرِح عنفوانه. فهو كان رسم «خطاً أحمر» – وحتى ذلك كان زلة لسان. إنما من وجهة نظره، كانوا يعلمون أن هذا «خطاً أحمر»، فلماذا إحراجه وهو الذي تفادى الانجرار إلى المسألة السورية. ثار غضبه إنما ثارت أيضاً مشاعره إزاء رؤية الأطفال ينتفضون أجساداً بلا دماء تلاقي الموت. فصعّد وتوعّد بضربة.
ظن البعض أن خامة أوباما الباطنية ظهرت بعد رؤية المشاهد المروعة. لذلك، انقلب على تردده واستبدل ضعفه بالعزم على العقاب. إنما ما حدث أنه ما لبث أن هدأ، وتراجع. وجد في الكونغرس مخرجاً للتملص من المسؤولية الفردية. وسريعاً ما اكتشف أنه ما زال في الورطة.
أتت المبادرة الروسية «المطبوخة» أو «العفوية» نتيجة زلة لسان أخرى – يقال – أتت على لسان وزير الخارجية جون كيري. أتت لتوفر فرصة أخرى للتملص من العمل العسكري. ولتأكيد أن التعهد بتوجيه ضربة عسكرية أتى بمبادرة من الرئيس أوباما كان في وسعه ألّا يطرحها. أما وقد طرحها، فإنه زاد من التوقعات. ثم بتراجعه عنها، زاد من الإرباك. وبعد التراجع الثاني والثالث، ساهم في ترسيخ الانطباع عنه بأنه رئيس لا يمتلك صفات القيادة.
كان في وسع الرئيس أوباما، عندما ألقى خطاب التناقضات، أن يمتلك مجدداً زمام القيادة عبر إعادة صلاحية القرار إلى الرئاسة. كان في وسعه إبلاغ الكونغرس أن روسيا طرحت مبادرة وضع الأسلحة الكيماوية السورية تحت إشراف دولي ينوي استنباطها واختبارها. فإذا أثبتت حسن النوايا والجدية، سيبني عليها. أما إذا أثبتت أنها مبادرة لشراء الوقت والمراوغة والمناورة، فإنه يعتزم استخدام صلاحيته كرئيس واتخاذ القرار المناسب – عسكرياً كان أو ديبلوماسياً.
كان في وسع الرئيس أوباما أن يبلغ الكونغرس بأن أمام هذا التطور، لا حاجة للكونغرس للتصويت على قرار. كان عليه ألا يطلب «تأجيل» التصويت بل أن يقوم بإبلاغ الكونغرس أنه سيحيطه علماً بالقرار. فعل العكس. ترك لنفسه، مرة أخرى، مساحة للتملص والتراجع عبر سجن قراره الرئاسي بتصويت الكونغرس. ومن أجل إثبات تناقضاته، احتفظ بحق التصرف واتخاذ القرار بمعزل عن الكونغرس، إذا ارتأى ذلك.
لم يذكر الرئيس باراك أوباما في خطابه المعارضة السورية من منطلق الثقة «بالجيش الحر» الذي تقول إدارة أوباما إنها تنوي تعزيز الدعم له. بهذا، صفع مرة أخرى تلك المعارضة التي تتكل على الدعم الأميركي وتخشى في عمق أعماقها السيرة الأميركية المعهودة القائمة على خذل مَن يقف معها والاستغناء عنه.
لم يضع الدور الروسي في الأزمة السورية في إطاره بالذات لجهة مد النظام في دمشق بالمساعدات العسكرية الروسية، ولم يشرح الخلاف الأميركي – الروسي وتعطيل روسيا والصين مجلسَ الأمن عمداً كوسيلة لإجهاض كل محاولة أميركية لحل الأزمة سياسياً أو للحصول على صلاحية عسكرية. اكتفى بتقديم دور القيادة لموسكو في المسألة الكيماوية. لم يضع أية شروط أو أي إطار زمني لاختبار صدق روسيا أو سورية في إعلان الاستعداد لوضع ترسانة الأسلحة الكيماوية تحت إشراف دولي بهدف تدميرها.
بدلاً من أن يتوجه فوراً إلى مجلس الأمن بمشروع قرار بموجب الفصل السابع من الميثاق يمتحن ما أعلنته روسيا ورحبت به سورية، وافق الرئيس أوباما على إيفاد وزير خارجيته إلى جنيف للتفاوض مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على المبادرة الكيماوية. وافق على «التفاوض»، فيما كان عليه التقاط فرصة تكبيل المبادرة في قرار في مجلس الأمن. وافق على إخراج المسألة من مجلس الأمن فأعطى روسيا هدية تحييد المجلس تفادياً للفصل السابع لتكون المحادثات ثنائية، أميركية – روسية.
بهذا، خذل الرئيس الأميركي الحليف الفرنسي الذي أسرع إلى مجلس الأمن بمشروع قرار بناءً على المبادرة الروسية ردّت عليه موسكو فوراً بأنه مرفوض.
الرئيس باراك أوباما أربك حلفاءه أكثر مما أربك أعداءه. أركان إدارته صوّروا النزاع في سورية من زاوية انتصار إيران و «حزب الله» وروسيا، في حال عودته عن تعهده بالضربة. أما أوباما فإنه لم يذكر «حزب الله» في خطاب التناقضات، وأتى على ذكر إيران بليونة فائقة.
ماذا في جنيف إذاً عندما يجتمع كيري بلافروف؟ هل هناك حقاً خطة روسية متكاملة لتنفيذ وضع الترسانة الكيماوية السورية تحت إشراف دولي بهدف إتلافها؟
لافروف سيسعى وراء «ترويض» كيري ليكون مجدداً الشريك الهادئ المقتنع بالحل السياسي. روسيا لا تريد قراراً بموجب الفصل السابع بل إنها لا تريد وضع الملف السوري في مجلس الأمن. سيحاول لافروف تقنين المسألة الكيماوية ثنائياً وسيحاول إحياء «جنيف – 2» بعيداً من «عقدة الأسد». فلافروف ورئيسه فلاديمير بوتين يعتقدان أن أوباما هو حليف الأمر الواقع لهما لأنه، في رأيهما، الرجل الذي لا يريد توجيه الضربة العسكرية والرجل الذي يحتاج إلى مخرج والرجل الذي سيتردد دوماً والرجل الذي يفضل التقهقر على الإقدام.
قد تكون روسيا أوقعت نفسها في ورطة الفصل السابع لأن آلية تنفيذ وضع الترسانة الكيماوية تحت الإشراف الدولي تتطلب قراراً من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع – إذا كانت روسيا وسورية جديتين. هذا يعتمد على إذا ما كانت إدارة أوباما جدية حقاً – أما إذا كان هدفها تلقي المبادرة الروسية من أجل التملص والتردد والتراجع مجدداً، فإنها ستسمح بالدخول في متاهات المفاوضات الديبلوماسية الثنائية مع روسيا لأجل غير مسمى.
منطقياً، ما أسفرت عنه التطورات هو أن ترسانة الأسلحة الكيماوية باتت في الساحة. فأما أن يفعل بشار الأسد ما فعله صدام حسين عبر الموافقة على تدمير ترسانة أسلحة زعماً أنها أساسية في مواجهة العدو الإسرائيلي، وبذلك يوافق الأسد على تدمير قدرات رئيسة لـ «المقاومة» – أو أنه يسمح للمفتشين الدوليين بدخول سورية كما فعل صدام حسين مُرغماً فيما يقوم بإخفاء الأسلحة. والنتيجة واحدة. فكلاهما وضع النظام فوق البلاد. وما يحدث الآن هو تطوّر جذري يفتح باب التفتيش الدولي والتدقيق في صحة الإعلانات، مهما كان ذلك المسار معقداً أو صعباً.
فلقد كان المخرج الكيماوي مخرجاً موقتاً لكل من أوباما وبوتين والأسد، لكنه قد يكون مدخلاً دائماً إلى سورية يشابه ذلك المدخل المشهور إلى العراق. فبصرف النظر عما إذا كان أمامنا أوباما المعتاد بتردده وبتراجعه أو أوباما المفاجأة، لقد طرأ جديد جذري على المسألة السورية أتى به استخدام الأسلحة الكيماوية.
الحياة
مفارقات تأجيل الضربة/ وليد شقير
على هامش المفاوضات والمناورات التي تدور حول حل سياسي لأزمة استخدام نظام بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه يجنّبه الضربة العسكرية الأميركية والغربية، يستوقف المرء بعض الخواطر والاستنتاجات والمفارقات، بعيداً من البروباغندا الترويجية عن النصر الذي حققته هذه الدولة أو تلك، إن على الصعيد الديبلوماسي أو على الصعيد العسكري أو الأمني.
من أبرز الملاحظات أن الدول المساندة للنظام السوري لم تعتمد على قوتها وقدراتها العسكرية من أجل تجنيب الأسد الضربة الأميركية، بل راهنت على التأثير في موقف الكونغرس الأميركي وتصويته ضد تأييد توجه الرئيس الأميركي باراك أوباما نحو تنفيذ الضربة.
من تابع تصريحات قادة الدولتين الأبرز المساندتين للنظام السوري، روسيا وإيران، لا بد من أن يلاحظ أنهما تجنبتا تهديد أميركا بالرد في حال نفذ أوباما قراره، بل فضلتا تحذيرها من عواقب الضربة، لجهة استفادة «القاعدة» والمنظمات الإرهابية منها من أجل التوسع في عملياتها ضد المصالح الأميركية والغربية. وأعلنت موسكو بصراحة أنها لن تشترك في أي حرب تندلع الى درجة أنها لن ترد على إصابة إحدى سفنها إذا حصلت خطأ، وقد لا ترد حتى إذا أصيبت عن قصد، فيما شددت الحملة السياسية – الإعلامية الإيرانية على أن أول المتضررين من الضربة هو إسرائيل، مهددة بأن الصواريخ ستسقط عليها عند بدء سقوط الصواريخ على مواقع النظام في سورية. والحجتان، الروسية والإيرانية، هدفتا الى التأثير في أعضاء الكونغرس الأميركي المترددين أو الذين قد يغيّرون موقفهم إذا تأثروا بالحملة التي قادها أوباما لإقناعهم بوجهة نظره. نزلت موسكو وطهران الى اللعبة الديموقراطية في واشنطن بموازاة إرسال موسكو سفناً لإخلاء الرعايا ولرصد التحركات العسكرية الأميركية في المتوسط، لعل الرادارات الروسية تساعد في الإنذار المبكر لنظام الأسد عند انطلاق الصواريخ من السفن الحربية الأميركية، ومقابل تسريب أنباء عن أن «حزب الله» تولى مسؤولية بعض المنصات الصاروخية السورية، على الأراضي السورية، في تلويح الى أنه قد يرد من الأراضي السورية لا اللبنانية، على إسرائيل. راهنت طهران على أن يقود ذلك اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، من شدة قلقه على أمن إسرائيل، الى التأثير على من يستطيع أن يؤثر فيهم من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، لرفض الضربة، في وقت ما زال حفظ أمن إسرائيل من ثوابت موسكو.
وظّفت طهران «لوبي» أميركياً للعمل على تحذير الرأي العام الأميركي من عواقب الضربة، لعلّ ذلك يساعد في الحفاظ على أكثرية في الكونغرس رافضة للضربة. ووعدت بمساعدات إنسانية واقتصادية لسورية. وذهب الأمر بالرئيس فلاديمير بوتين الى حد كتابة مقال في «نيويورك تايمز» ليتحدث «مباشرة الى الشعب الأميركي وقادته السياسيين»، في خطوة نادرة، دعا فيها الى حماية القانون الدولي، متبرئاً من حماية نظام بشار الأسد.
وإذا كان أوباما نفسه لعب لعبة تأثير الخارج على الكونغرس عبر حشد الدعم الأوروبي وتمكن من تحقيق تقدم عبر الموقف الأوروبي الداعي الى «رد قوي وواضح على استخدام النظام السوري الكيماوي»، فإن المفارقة تكمن في تشابه أسباب ما يدأب الجميع على وصفه بـ «تردد» أوباما لمجرد قراره اللجوء الى الكونغرس للحصول على تأييده، وفي أسباب لجوء كل من موسكو وطهران الى الأساليب السلمية و «الديموقراطية» في مقاومة الضربة.
إنه الاقتصاد. وإذا كان الرأي العام الأميركي، الذي لا يريد أن يسمع بحرب جديدة بعد ما سببته الإخفاقات الأميركية في العراق وأفغانستان من تراجع في الاقتصاد الأميركي، هو الذي كان وراء تردد أوباما، خوفاً من انعكاس الضربة العسكرية سلباً على الوضع الاقتصادي، وعلى وعود أوباما للأميركيين بقرب تعافيه، فإن الأمر لا يقل أهمية بالنسبة الى روسيا وإيران. فالوضع الاقتصادي في كل منهما لا تحسدان عليه، وانزلاقهما الى أي نوع من المواجهة العسكرية، سواء المباشرة أم غير المباشرة، مع أميركا في حال نفذت الضربة سيضاعف صعوباتهما الاقتصادية، نظراً الى كلفة إقبالهما على أي منازلة. والكلفة الاقتصادية المحتملة هي التي دفعت الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة العشرين (الاقتصادية) قبل أسبوع، الى التحذير من الانعكاس السلبي لأي حرب.
ومن دون التوقف عند مفارقة اعتراف النظام السوري بامتلاكه الأسلحة الكيماوية والاعتراف الضمني من قبل الروس بأنه استعملها، طالما أنهم يقترحون وضعها في عهدة الأمم المتحدة (لأن الأزمة نتجت عن استعماله إياها وليس عن امتلاكه لها)، فإن المفارقة الأخرى هي أن المبادرة الروسية تتيح العودة بحكم آلياتها الى الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة السورية، بعدما حالت دون ذلك 3 فيتوات روسية وصينية في مجلس الأمن. باتت العودة (بجدية) مطلباً أميركياً لا روسياً. فواشنطن تراجعت عن أحادية قيادتها للعالم بعد أقل من سنة على اجتياحها العراق وفشلها في إدارته، في عهد جورج بوش نفسه. وللتذكير فإن أولى ثمرات انهزام أحاديتها كانت القرار الدولي الرقم 1559 حول لبنان، الذي لحقته قرارات عدة أهمها ما يتعلق بالعقوبات على إيران، بموافقة روسية وصينية… وتصر واشنطن على التعاون مع موسكو حفاظاً على التوافق الدولي في شأن الملف الإيراني.
لكن أكثر ما يدعو الى السخرية والشفقة في لعبة التأثير على الديموقراطية الأميركية، هو الرسالة التي بعث بها رئيس مجلس الشعب السوري الى برلمانات بريطانيا وفرنسا وأميركا مطالباً أعضاءها بـ «عدم التهور».
الحياة
وهم الانتصار/ صادق عبد الرحمن
يتمتع مصطلح “المشفى الميداني” في الأوساط الموالية للنظام السوري بوقع خاص. هذا المصطلح ارتبط لديهم “بالمجموعات المسلحة” وما ارتكبته من أعمال “إرهابية” منذ اندلاع الثورة السورية. وكان مرور عبارة من قبيل “مداهمة مشفى ميداني” في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي ، يبث السرور في نفوس مؤيدي النظام.
المشفى الميداني هو ذلك المكان الذي يصممه “الإرهابيون”، الخارجون على سلطة الدولة لمعالجة جرحاهم الذين يستحقون الموت أصلاً. ويقع على عاتق “الجهات المختصة” تفكيك هذه المشافي. واعتقال كوادرها الطبية والتمريضية، ولا بأس في قتل هؤلاء الأطباء الإرهابيين على ما يبدو.
لكن منذ بدأ التلويح الجدي بضربة عسكرية غربية ضد النظام السوري، كان يمكن تسجيل حضور ووقع مختلف للمشافي الميدانية.
فقد سارعت مديرية الصحة في طرطوس إلى وضع مشفى ميداني قرب حديقة “الباسل” في المدينة، ثم تم نصب خيام أخرى في منتصف ما يعرف بشارع “الطلائع”.
طبعاً كانت فكرة المشفى الميداني مثار رعب في المدينة في البداية. فضلاً عن رمزية المصطلح، المرتبط لدى أغلب السكان بالجماعات المسلحة الخارجة “عليهم”، فإنه يعني اقتراباً جدياً للضربات العسكرية الغربية.
إلا أنه مع قرار السلطات السورية تسليم أسلحتها الكيماوية ومن ثم احتمال تجنب الضربة العسكرية، تحولت هذه المشافي الميدانية بالتوازي مع ارتفاع معنويات أنصار النظام إلى مظهر احتفالي، فالأغاني “الوطنية” تصدح منها ويتجمع الناس حولها في مظهر يدعو “للبهجة”.
هكذا، يدفع النظام أنصاره للتصالح مع مصطلحٍ “خارجٍ على القانون” كالمشفى الميداني، ويدفعهم أيضاً للاحتفال والابتهاج بتسليم جزء من ترسانته العسكرية التي يفترض أنها وجدت أصلاً لترفع من سوية قدرته على مواجهة أي عدوان خارجي، لكنه اختار تسليمها للبقاء في السلطة.
ولا يبدو أن لهذا الفصام الذي يعيشه أنصار النظام السوري نهاية، فالمستشفيات الميدانية والجماعات الحاملة للسلاح خارج المؤسسات الرسمية، وأيضاً وأيضاً التفاوض مع إسرائيل والتنازل أمام القوى الغربية والاستقواء بالخارج، كلها أمور تجوز للنظام السوري دون سواه.
يوم أدان المحللون السياسيون الموالون للنظام السوري، ومعهم طيف لا بأس به من المعارضة “الوطنية” استعداد جزء من المعارضة للتعاون مع المجتمع الدولي في التخلص من الأسلحة الكيماوية السورية، كانت تلك الإدانة تنصب على هذا “الاستعداد” بوصفه خيانة للوطن وتفريطاً بمقومات التوازن الاستراتيجي مع العدو الصهيوني.
إلا أن هذا الاستعداد نفسه يصبح مدعاة للابتهاج والفخر “بالانتصار”، الذي صنعه الذكاء الدبلوماسي الروسي – السوري المشترك. ويصبح هو نفسه موقفاً وطنياً لأنه قد يفضي إلى بقاء نظام الأسد في رأس السلطة.
قصة الكيماوي السوري ليست سوى فصل من فصول الانتصارات “الهزائمية” التي احتفل بها النظام السوري وأنصاره أثناء الثورة وقبلها أيضاً.
هنا يمكن تذكر خروج الجيش السوري من لبنان، والذي تم تسويقه بوصفه حنكةً سياسية وقتها. كما يمكن تذكر “نجاح” الجيش السوري في دخول حي “بابا عمر” الصغير في مدينة “حمص”، بعد حصار طويل ومعارك ضارية، وأيضاً “انتصار” الجيش الهزيل في القصير بمساعدة حزب الله اللبناني.
على أي حال، فإن الأمر لا يتعلق بمفاصل أو أحداث بعينها، وإنما يتعلق بالخطاب ونمط التفكير القروسطي السلطاني الذي يوحّد الدولة بشخص الحاكم وأسرته، أو بالطغمة الحاكمة.
هذا الخطاب الذي يصبح بنتيجته تدمير مساحات واسعة من العمران السوري، ومقتل مئات آلاف السوريين بمن فيهم عناصر الجيش والأجهزة الأمنية، وكذلك فتح البلاد على التدخلات الخارجية ومخاطر التقسيم، والتفريط بالسيادة الوطنية وتحويل البلاد برمتها إلى أداة بيد إيران وروسيا في صراعهما مع الدول الغربية، واستنزاف القوة العسكرية السورية، كل هذا يصبح غير مهمٍ طالما بقيت الطغمة الحاكمة في موقعها. الطغمة الحاكمة نفسها التي تحكم بذريعة حماية الوطن وسيادته والدفاع عن أبنائه ومصالحهم، تبقى منتصرة طالما بقيت في السلطة حتى لو تم تهديد الوطن ووحدته، واستباحة سيادته، والتفريط بأبنائه ومصالحهم.
وربما يكون من المفيد هنا، العودة إلى عدوان حزيران عام 1976 عندما تلقى النظامان “التقدميان” في مصر وسوريا هزيمة ساحقة على يد “جيش الدفاع الإسرائيلي”، إذ لم يجد النظامان وقتها حرجاً في إعلان أن العدوان لم يحقق أهدافه لا لشيء إلا لأنهما لم يسقطا بنتيجته. هكذا تلاشت وتتلاشى القضايا كلها ويغدو بقاء النظام هو القضية، النظام الذي يتوحد مع “الوطن” في خطابٍ بائسٍ يتجه إلى نهايته “الحزينة” بينما تعيش هذه البلاد مخاض الحرية الدامي.
المدن
ما بعد المبادرة الروسية.. إيران وسيناريوهات الضربة الأمريكية المجمدة/ عبد القادر فايز
تختلف إيران وأمريكا بشأن كل ما يدور في سورية تقريبا، لكنهما تتفقان بشكل لا يقبل التأويل بأن عدم ضرب سورية عسكريا سيعني أن القوة العسكرية الأمريكية فقدت هيبتها بأعين الايرانيين. بعكس كل اللاعبين الاقليميين والدوليين في سورية، تبدو المعادلة السورية بين طهران وواشنطن واضحة، فالطرفان متفقان على أن انتصار الرئيس الأسد وبقاءه في السلطة سيكون في أحد أوجهه انتصارا للحرس الثوري الايراني، والطرفان متفقان أيضا بأن دفاع الايرانيين عن سورية هو دفاع عن المجال الحيوي للجمهوية الاسلامية وأمنها القومي.
ربما سهل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري المهمة على الايرانيين، حين اعتبر الضربة العسكرية لسورية بمثابة رسالة لايران وحزب الله، وربما وفر كيري الكثير على الايرانيين، حتى أن طهران استغنت عن جيوش الخبراء ومراكز الدراسات والاستراتيجيين والمحلليين لمعرفة ما يدور في رأس الرئيس الأمريكي، بل وجدت نفسها على حق حين اعتبرت، ومنذ اللحظة الأولى، أن ملف الأزمة السورية ليس ثورة شعبية، بل هو ملف أمني – عسكري يتوجب إبعاده عن ساحة السياسة والتسيس وتسليمه لقوات النخبة في الحرس الثوري، فضلا عن أن التعامل معه يجب أن يتم في الساحة الدولية، وليس وفق قواعد اللعبة الداخلية بين النظام والمعارضة المسلحة. هنا قد يصح أن يقول الأمريكيون بان أهداف الايرانيين في سورية واضحة وتتخلص بضرورة بقاء الأسد والنظام حتى الانتخابات الرئاسية عام 2014، بعدها ووفق صناديق الاقتراع، بقي الأسد أم لم يبق فتلك قصة أخرى. كذلك يصح أيضا قول طهران بانه لا داعي لتجميل الأهداف الأمريكية في سورية، فالهدف هو ايران وكسر توازن المعادلة الاقليمية لصالح إسرائيل، وهذا لن يحصل هكذا، من دون أوجاع من الدرجة الأولى.
ربما يكون الدور الايراني هو الأكثر واقعية بين أدوار اللاعبين الاقليميين على خشبة المسرح السوري، بينما تكون النوايا الأمريكية هي الأكثر وضوحا وصدقا مع نفسها. من جملة الأمور الواضحة أيضا بين طهران وواشنطن على خط الأزمة في سورية، أنه ومهما حصل في المستقبل فان القيادة الايرانية – وعكس ما يعتقد الكثيرون – لن تتخذ قرارا بفتح معركة مباشرة مع أمريكا وأساطيلها في المياه الخليجية وقواعدها في المنطقة، فصواريخ – توماهوك – وفي حال انطلقت من البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية فإنها ستسقط على دمشق وأخواتها من المدن السورية، وليس على طهران وناتانز وآراك وفردو وبوشهر، لكن ذلك لا يعني أن يوم القيامة وفيتنام الثانية، وكل ما هدد به قادة الحرس الثوري كان مجرد إسطوانة مشروخة ودعاية على الطريقة الايرانية.
فاذا كان لا بد من المواجهة العسكرية فسيكون من المهم جدا رسم حدود واضحة لهذه المواجهة، من هنا يحصر الايرانيون احتمالات واقعية للضربة الأمريكية ويدرسون ردودا أكثر واقعية، بحيث لا تنهار المعادلة القائمة بشكل مفاجئ، وتكون طهران قد جرت الدب الأمريكي إلى كرم العنب الايراني:
السيناريو الأول: العسكر في خدمة السياسيين
لم تسقط طهران من حساباتها أن يكون هدف كل هذا العزف الأمريكي على وتر الضربة العسكرية والحرب هو دفع الجميع خاصة النظام السوري والقيادة الايرانية إلى إحداث تغييرات نوعية في سياستهما تجاه الأزمة السورية. بالنسبة لايران، إذا ما كان ذلك سيمنع حربا باتت تقف على بوابات دمشق وتهدد بانهيار منظومة التوازن العسكري في المنطقة، فليكن التغيير ضمن المساحة الدولية وليس في معادلة الميدان على الأرض، يبدو ذلك واضحا حين تلقف النظامان السوري والايراني المبادرة الروسية على قاعدة السلاح الكيماوي السوري، مقابل وضع خيار الحرب الأمريكي جانبا بشكل مؤقت. حقق الأمريكيون شيئا من أهدافهم عبر شطب السلاح الكيماوي الاستراتيجي جدا بالنسبة لسورية، وهي الجارة لاسرائيل، كذلك حقق الايرانيون والروس نجاحا أيضا من خلال منع الضربة وبقاء الأسد ونظامه في السلطة. في هذه المعادلة يبدو الخاسر الأكبر بالمعنى السوري، المعارضة السورية، وبالمعنى الاقليمي، السعودية وتركيا ودولا عربية أخرى، بينما الجميع خرج رابحا على المستوى الدولي. هذا أحد أوجه الوضوح في المعادلة السورية على الخط بين طهران وواشنطن، لا غالب ولا مغلوب، بل خطوتان نحو الأمام مع بقاء العداء قائما.
السيناريو الثاني: ضربة محدودة..
تضعف النظام وتمنح حلفاءه نصرا استراتيجيا
يعرف الايرانيون أن أمريكا تقصد ما تقوله بأن الضربة العسكرية لسورية هي رسالة لايران، لهذا لا ترى طهران المقترح الروسي اختراقا قويا قادرا على كبح الأمريكيين وإقناعهم بالعدول عن هدفهم الأساس في توجيه رسالة قوية للايرانيين قبل بدء جولة جديدة من المفاوضات بشأن البرنامج النووي. وهنا لا تستبعد القيادة الايرانية توجيه واشنطن ضربة عسكرية للنظام حتى بعد قبوله بالمقترح الروسي، بيد أن الأكثر قبولا لدى العقلية العسكرية الايرانية هو، أن الولايات المتحدة لا تريد حربا إقليمية واسعة، فربما تكتفي بوضع بنك أهداف إستراتيجي في سورية يتم التعاطي معها بسرعة، عبر ضربة خاطفة وموضعية قبل مؤتمر جنيف2 الخارج من غرفة الانعاش بفعل المبادرة الروسية. هناك ما يمكن أن يسمى إجماعا نظريا بأن الايرانيين سيحاولون إطالة أمد الضربة الأمريكية في حال حصلت وتوريط الأمريكيين أكثر في المستنقع السوري، وذلك بهدف الضغط على الرأي العام الأمريكي والغربي المهيأ فقط لضربة محدودة وخاطفة، كما يركز قادة الحرس الثوري على أهمية أن يرى الشعب الأمريكي بعض توابيت جنود المارينز وهي تعود إلى أرض الوطن ملفوفة بالعالم الأمريكي، إذ سيكون ذلك كفيلا بايقاظ كوابيس حرب العراق، على أن يترافق ذلك مع دعم مكثف للرئيس الأسد وفرص بقائه في السلطة، هذا البقاء سيقدم للعالم لاحقا على أنه نصر إستراتيجي لمحور المقاومة والممانعة، فالأمريكيون وحلفاؤهم جاؤوا وذهبوا من دون تحقيق هدفهم الأساس المتمثل باسقاط الرئيس الأسد ونظامه.
السيناريو الثالث: دمشق غراد
أكثر ما يخشاه الايرانيون هو أن تقرر الولايات المتحدة وضع مبادرة الروس وتجاوب النظام السوري معها جانبا وتمضي قدما في توجيه رسالة إلى ايران عبر صندوق البريد السوري. بالنسبة للايرانيين يعني ذلك أن تبدأ الضربة الأمريكية لسورية تحت شعار أنها محدودة وتتطور إلى ما هو غير محدود، وربما تنفلت الأمور من عقالها باتجاه أوضاع غير قابلة للسيطرة. يرسم القادة العسكريون الايرانيون أسوأ سيناريو ممكن، بأن تبدأ الضربة الأمريكية جوية صاروخية، وتتطور عبر إقامة ما يمكن أن يسمى مناطق آمنة للمعارضة، وصولا إلى منطقتي حظر طيران واحدة في الجنوب بمحافظة درعا على الحدود الأردنية، وثانية في الشمال تشمل محافظة حلب على الحدود مع تركيا. سيناريو كهذا من شأنه أن يؤمن للمعارضة السورية مناطق محمية من سلاح الجو السوري، كخطوة أولى باتجاه تطبيق السيناريو الليبي القائم على تأهيل بعض المطارات العسكرية التي تسيطر عليها قوات المعارضة، والبدء باستقبال طائرات المساعدات القادمة من الخارج، وتحديدا من دول عربية بعينها، وبالطبع المحملة بالمساعدات اللوجستية والمعدات العسكرية والأسلحة والسيارات المصفحة وغيرها من وسائل الصمود بوجه القوات النظامية، هذا سيكون اشارة أولى على وقوع العاصمة دمشق بين فكي كماشة مناطق حظر الطيران، لتصبح دمشق بمثابة دمشق غراد والحد الفاصل بين النصر والهزيمة لكلا الطرفين.
حين تتحدث مع الايرانيين يستبعدون مثل هذا السيناريو كأنه لن يقع أبدا، لكن حين تراقب وعن كثب تحركاتهم في المنطقة واستعداداتهم تشعر وكأنه سيقع غدا. ما يبدو مؤكدا بالنسبة للايرانيين اليوم هو أن المبادرة التي تبناها الروس وضعت الضربة العسكرية لسورية في الثلاجة حتى إشعار آخر، لكن ذلك لا يعني شطبها من الحسابات فاي تغيير ميداني بسيط قد يعود بها إلى الواجهة من جديد.
‘ كاتب فلسطيني متخصص في الشؤون الايرانية
الخيار السياسي بضمان السلاح الكيماوي/ محمد السعيد ادريس
في اللحظات الحاسمة الأخيرة من السباق الجنوني بين الحرب والسلام في سوريا كانت المفاجأة “الصدمة” التي أفقدت الكثيرين توازنهم . فقبيل ساعات من توافد أعضاء الكونغرس الأمريكي لمناقشة طلب التفويض الذي تقدم به الرئيس باراك أوباما لشن حرب على سوريا جرى تسميتها “ضربة عسكرية” أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مؤتمر صحفي إثر محادثات مع نظيره البريطاني ويليام هيغ: “دعوني أكون واضحاً، إن الولايات المتحدة، الرئيس (باراك) وأنا شخصياً وآخرين، متفقون تماماً على أن وقف النزاع في سوريا يتطلب حلاً سياسياً، لا يوجد حل عسكري، وليست لدينا أوهام بهذا الصدد”، للحظات توقع الحضور أن من يتحدث أمامهم ليس كيري ولكنه ربما يكون سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي، وربما يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأن هذه العبارة هي ما ظلت الدبلوماسية الروسية ترددها خلال أيام وأسابيع مضت، وتجلت صريحة واضحة في مؤتمر “قمة العشرين” في سان بطرسبورغ الروسية يومي 5 و6 سبتمبر/أيلول الجاري، لكن الصدمة تأكدت عندما تبين أن من أمامهم هو كيري وليس لافروف، وتضاعفت الصدمة عندما زاد كيري الأمر التباساً بقوله: “لسنا ذاهبين إلى الحرب” (!!) .
ما سر كل هذا التحول الجذري في الموقف الأمريكي، فقبل أربعة أيام فقط كان الرئيس باراك أوباما يعلن عدم تفاؤله بتقريب وجهات النظر مع موسكو، وليقول: “نحن نتحدث حالياً عن رد محدد على استخدام السلاح الكيماوي” .
المسافة واسعة جداً بين ما ورد على لسان كيري في مؤتمره الصحفي المشار إليه وقوله: “لسنا ذاهبين إلى الحرب” وبين مواقفه السابقة ومواقف رئيسه، رغم ذلك “إذا عرف السبب بطل العجب” . والسبب أن واشنطن أدركت أنها يمكن أن تصل إلى بيت القصيد من دون أراقة دماء أو خلق أزمة في العلاقات مع روسيا و”مجموعة دول بريكس” (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا) .
فالسلاح الكيماوي السوري هو بيت القصيد، والحرب التي كانت واشنطن تخطط لها لم تكن تهدف إلى اسقاط نظام بشار الأسد، انما الاستراتيجية السورية وبالتحديد الترسانة الكياوية .
كان الموقف شديد التعقيد أمام واشنطن في قمة سان بطرسبورغ فالدول العشرين انقسمت على قرار الحرب، ووقفت الدول الكبرى في المجموعة مثل روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وأندونيسيا ضد قرار الحرب . في الوقت نفسه ظهرت ضغوط أخلاقية تحذر من خيار الحرب ولم يكن مستبعداً أن تصل أصداء هذه الضغوط خاصة من جانب بابا الفاتيكان ومجموعة “الأزمات الدولية” إلى آذان الشعب الأمريكي، ومن ثم إلى الكونغرس، فالبابا فرانسيس بابا الفاتيكان لم يكتف بالتنديد بالحرب فقط، لكنه تجاوز ذلك وتحدث عن “الحروب التجارية لبيع الأسلحة” .
أما “مجموعة الأزمات” فقد حذرت من أن تؤدي الحرب على سوريا إلى تصعيد العنف وتشجيع النظام الحاكم على الانتقام من المعارضة والمدنيين . كما حذرت من أن تغري الحرب بعض مجموعات المعارضة المسلحة باستخدام الأسلحة الكيماوية لتحميل النظام مسؤوليتها، من أجل الدفع باتجاه المزيد من التدخل العسكري ضد النظام .
كل هذه التطورات تجمعت مع بعضها بعضاً، وجاء الاقتراح الروسي على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف قبيل ساعات من لقائه مع وليد المعلم وزير الخارجية السوري في موسكو الخاص بتفكيك ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية بمثابة “طوق نجاة” لكل الأطراف ومن بينها الإدارة الأمريكية، فهو يعفيها من المخاطر والتداعيات السلبية المحتملة لشن الحرب على سوريا .
مبادرة لافروف التي قبلت بها سوريا وتلقفها كيري تقول: “ندعو القادة السوريين ليس إلى الموافقة على وضع مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية تحت مراقبة دولية فقط ثم التخلص منه، لكن أيضاً الانضمام إلى منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية .
كيري تلقف المبادرة وقال “من المؤكد أن (بشار الأسد) يستطيع تسليم ترسانته الكيماوية كلها إلى المجتمع الدولي خلال الأسبوع المقبل، تسليم كل شيء من دون إبطاء ( . .)” .
تسليم كل شيء من دون إبطاء . . هذا هو الهدف والنظام السوري مستعد تحت غطاء “انقاذ سوريا”، لكنه أيضاً غطاء انقاذ النظام، وإذا كان هذا هو “الخيار المر” بالنسبة للنظام لتجاوز عنق الزجاجة بالنسبة للأزمة، فإنه بالنسبة للمعارضة “خيار غير مرغوب فيه” والشعور بأن أطرافاً خانت عهودها .
الخليج
دعوة روسية للحذر/ فلاديمير بوتين
دفعتني الأحداث الأخيرة التي تكتنف سوريا إلى الحديث بشكل مباشر مع الشعب الأميركي وقادته السياسيين. من المهم أن نفعل ذلك في وقت تبدو فيه الاتصالات ضئيلة بين مجتمعينا.
لقد مرت العلاقات بيننا بمراحل مختلفة. وقف بعضنا ضد بعض خلال الحرب الباردة، لكننا كنا حلفاء أيضا في السابق، وهزمنا النازيين معا. ثم أنشئت المنظمة الدولية حينئذ – الأمم المتحدة – لمنع تكرار وقوع مثل هذا الدمار مرة أخرى.
وقد أدرك مؤسسو الأمم المتحدة أن القرارات التي تؤثر في الحرب والسلم يجب أن تأتي فقط من خلال توافق الآراء، وبموافقة أميركا صار حق النقض الذي تمتلكه الدول صاحبة العضوية الدائمة في مجلس الأمن مصونا في ميثاق الأمم المتحدة. وكانت الحكمة من هذا توطيد استقرار العلاقات الدولية لعقود.
لا أحد يريد أن تعاني الأمم المتحدة ذات مصير عصبة الأمم من قبلها، التي انهارت بسبب افتقارها إلى نفوذ حقيقي. إن انهيار الأمم المتحدة ممكن ما دامت «الدول المؤثرة تتجاهل الأمم المتحدة وتلجأ إلى العمل العسكري دون تفويض من مجلس الأمن الدولي. فسوف تؤدي الضربة المحتملة التي قد توجهها الولايات المتحدة إلى سوريا، رغم معارضة عدد كبير من الدول والشخصيات السياسية والدينية وضمنهم بابا الفاتيكان، إلى سقوط عدد كبير من الضحايا الأبرياء وتصعيد العنف واحتمالية انتشار الأزمة إلى خارج حدود سوريا في المستقبل. كما يمكن لضربة عسكرية أن تؤدي إلى اندلاع موجة جديدة من الإرهاب. وقد تقوض الجهود متعددة الأطراف التي تبذل من أجل تسوية المشكلة النووية الإيرانية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، ناهيك عن أنه قد يسفر عن تكريس حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد ينسف منظومة القانون والنظام الدوليين.
إن ما يجري في سوريا ليس كفاحا من أجل بسط الديمقراطية، بل مواجهة مسلحة بين الحكومة والمعارضة في دولة أساسا متعددة الأديان. هناك مؤيدون قلائل للديمقراطية في سوريا، لكن هناك ما يكفي من مقاتلي «القاعدة» والمتطرفين من جميع المشارب يقاتلون الحكومة. وقد صنفت الحكومة الأميركية جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، اللتين تقاتلان في صفوف المعارضة، كمنظمتين إرهابيتين. هذا الصراع الداخلي، الذي غذته الأسلحة التي تقدم للمعارضة، أحد أكثر الصراعات دموية في العالم.
إن قتال المرتزقة من دول عربية يقاتلون هناك، ومئات من المتشددين من الدول الغربية وحتى روسيا، مسألة تستدعي قلقنا العميق. أليس من المتوقع أن يعودوا إلى بلداننا يحملون الخبرة اكتسبوها في سوريا؟ الخلاصة أنه، بعد القتال في ليبيا، انتقل المتطرفون إلى مالي. وهذا يهددنا جميعا.
دعت روسيا منذ البداية إلى حوار سلمي يمكن السوريين من وضع خطة تسوية من أجل مستقبلهم. نحن لا نحمي الحكومة السورية، بل القانون الدولي. نحن بحاجة إلى استخدام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ونعتقد أن الحفاظ على القانون والنظام في عالم اليوم المعقد والمضطرب أحد الطرق القليلة للحفاظ على العلاقات الدولية من الانزلاق إلى الفوضى. فالقانون لا يزال هو القانون، ويجب علينا الالتزام به سواء أحببنا ذلك أم لا. وبموجب القانون الدولي الحالي، لا يسمح بالقوة إلا في حالة الدفاع عن النفس أو عن طريق قرار من مجلس الأمن. وأي شيء آخر هو أمر غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة ويشكل عملا من أعمال العدوان.
لا أحد يساوره الشك في أن ثمة غازا ساما استخدم في سوريا، لكن هناك من الأسباب ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأنه لم يستخدم من قبل الجيش السوري، بل إنها قوات المعارضة التي تقف إلى جانب الأصوليين بغية تحريض ولاة نعمتها الأقوياء على التدخل. وقد أشارت التقارير إلى أن المقاتلين يعدون لشن هجوم آخر – هذه المرة إسرائيل – لا يمكن تجاهله.
ما يثير القلق هو أن التدخل العسكري في النزاعات الداخلية في الدول الأجنبية قد أصبح أمرا مألوفا بالنسبة للولايات المتحدة. فهل هذا في مصلحة أميركا على المدى الطويل؟ أشك في ذلك. فالملايين في جميع أنحاء العالم لم تعد ترى أميركا بوصفها نموذجا للديمقراطية، بل على أنها أضحت تعتمد على القوة الباطشة التي تستجمع حولها حلفاء وفق مبدأ «من ليس معنا فهو ضدنا».
لكن تلك القوة أثبتت «عقمها وعدم جدواها، فأفغانستان تترنح، ولا أحد يستطيع أن يتوقع بما سيحدث بعد انسحاب القوات الدولية. وليبيا انقسمت إلى قبائل وعشائر. وفي العراق لا تزال الحرب الأهلية تحصد العشرات كل يوم. وفي الولايات المتحدة يستخلص الكثيرون أوجه تشابه بين العراق وسوريا، ويسألون لماذا تريد حكومتهم تكرار الأخطاء الأخيرة.
مهما كانت الضربات دقيقة أو مدى تطور الأسلحة، فسقوط ضحايا من المدنيين أمر لا مفر منه، بما في ذلك كبار السن والأطفال، الذين يفترض أن تحميهم الضربات الجوية.
وسيرد العالم بطرح السؤال التالي: إذا كنت لا تستطيع الاعتماد على القانون الدولي، حينئذ يجب عليك البحث عن طرق أخرى لضمان أمنك. وبالتالي فإن عددا متزايدا من البلدان سيسعى إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل. وهذا أمر منطقي، فإذا كان لديك قنبلة فلن يستطيع أحد أن يقترب منك. نحن ما زلنا نتحدث بشأن الحاجة إلى تعزيز منع الانتشار النووي، بينما في الحقيقة نتراجع.
يجب علينا التوقف عن استخدام لغة القوة والعودة إلى مسار التسوية الدبلوماسية والسياسية المتحضرة. وقد لاحت فرصة جديدة لتجنب عمل عسكري في الأيام القليلة الماضية. ولذا يجب على الولايات المتحدة وروسيا وجميع أعضاء المجتمع الدولي الاستفادة من استعداد الحكومة السورية لوضع الترسانة الكيماوية في ظل رقابة دولية لتدميرها في ما بعد. ووفق تصريحات الرئيس أوباما، فإن الولايات المتحدة ترى في هذا بديلا عن العمل العسكري.
أرحب برغبة الرئيس في مواصلة الحوار مع روسيا بشأن سوريا. ويجب أن نعمل سويا للحفاظ على هذا الأمل حيا، كما اتفقنا عليه في اجتماع مجموعة الثماني في لوغ أرني في آيرلندا الشمالية في شهر يونيو (حزيران)، وتوجيه النقاش نحو العودة إلى المفاوضات.
إذا كنا نستطيع تجنب استخدام القوة ضد سوريا، فسوف يؤدي ذلك إلى تصفية الأجواء على الساحة الدولية وتعزيز الثقة المتبادلة. وسيمثل ذلك نجاحا مشتركا لنا ويفتح باب التعاون بشأن القضايا الهامة الأخرى.
إن علاقة العمل والعلاقة الشخصية مع الرئيس أوباما تتسم بثقة متنامية، وأنا أقدر ذلك. ولقد درست بعناية خطابه إلى الأمة يوم الثلاثاء، لكني أود أن أختلف مع القضية التي طرحها بشأن الاستثنائية الأميركية، عندما قال إن سياسة الولايات المتحدة هي «ما يجعل أميركا مختلفة. وهذا ما يجعلنا استثناء». إنه لمن الخطير للغاية تشجيع الناس على رؤية أنفسهم استثنائيين، مهما كانت الدوافع. هناك دول غنية ودول فقيرة وهناك دول كبيرة وأخرى صغيرة وبعضها يسعى للديمقراطية وبعضها حقق الديمقراطية، وهناك اختلافات بالتأكيد هنا وهناك، ولكن يبقى شيء واحد مهم، هو أننا حين نتوجه بالدعاء إلى الله ليباركنا، فإن علينا أن لا ننسى أنه خلقنا جميعا متساوين.
* خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الأوسط
سياسي بريطاني يوقف الحرب على سورية وينقذ اوباما من التخبط/ فلاح شمسة
مع توقيت سقوط الصاروخ الكيماوي على مئات المواطنين السوريين يوم 21 آب/اغسطس الماضي، قرعت طبول الحرب في حلف الحرب على الدول العربية الانكليزي- فرنسي- أمريكي، وهو الحلف الذي قاد الحرب على العراق وليبيا، والآن يتوجه للحرب بعد رسم خطوطه الحمراء وقيامه بعمليات زرع الأدلّة لتجريم وإدانة الضحية. ليس المهم معرفة الجهة التي أطلقت هذا الصاروخ، تيمناً بالمبدأ الغربي القائل ‘الحقيقة ليست بذات أهمية حين لا تستعمل’، خصوصا حين يرتدي المدّعي المدين بدلة القضاء لإصدار حكم الإدانة. وفي هذه الحالة، فإنّ المدان سلفاً ومن دون تحقيق هو سورية. وعلى الفور تحرّكت بوارج البحرية الأمريكية في المتوسط واتجه السلاح الجوي الإنكليزي نحو قبرص، وفرنسا تشحذ الهمم ثأراً لموت الأطفال السوريين ضحايا الكيماوي، وقطر والسعودية، كما ذكر جون كيري امام الكونغرس، اعلنتا تحملهما نفقات حرب أمريكا (على شقيقتهما سورية). وأيضاً الرجعية العربية سحبت من ارصدتها 800 مليار دولار لدفع فاتورة الحرب الغربية – الإسرائيلية لتدمير قلب الحضارة العربية سورية. إنّ الحقيقة ليست مهمة في عالم جهز التهمة سلفاً، وهو يتربص خلف خطوطه الحمر لاحتلال ثالث الشعوب العربية.
ولأوّل مرّة منذ عام 1782 صوّت مجلس العموم البريطاني ضدّ رئيس وزرائه لدخول حربٍ غير مبرّرة، مما أدّى إلى اضطراب الموقف الأمريكي رئيساً ووزيراً. كان الارتباك في كلّ سمات فريق اعداد الحرب الامريكي. فقد غابت عنه حكمة التاريخ ‘عند إدراك الحافّة يجب إعادة النظر والتقييم العقلي السليم قبل الخطوة الأخيرة’. وتعالت في واشنطن صرخات اليمين الدافعة نحو الحروب، امثال السيناتور ماكين وهالي وليبرمان، زعما بأنّ أي تراجع يسيء لسمعة امريكا وهيبتها. وبالموازاة جرى السعي الدبلوماسي لايفاد السلطان قابوس لطهران لجس نبضها، وطهران بكل هدوء تخيّب الآمال الغربية في عدم المساس بالمبادئ أجابت، ان شن الحرب بغض النظر عن محدوديتها سيستوجب ردّاً لا محدودا، فإن الشروع بالحرب لا يضمن محدودية الرد أبداً. هنا قرر الرئيس اوباما إحالة خياره بإعلان الحرب على سورية للكونغرس الأمريكي، في خطوة جلبت شتّى التفسيرات والكثير منها غير صائب، خصوصا في صحافة الشرق العربي.
الرئيس أوباما محترف للخداع ويمارس شنّ الحروب باستعمال قناع المكر الواقي. فهو دخل الانتخابات الأمريكية كليبرالي (ديمقراطي يساري) ضد سياسة شنّ الحروب، وإنهاك البلد اقتصادياً، وفاز لأنّه كان يخالف سياسات سلفه الرئيس بوش في احتلال العراق وأفغانستان، ثمّ بعد فوزه تحوّل نحو تمديد البقاء لقوات الاحتلال في العراق وأفغانستان لأطول فترة ممكنة، وفي ذات الوقت قاد حرب طيارات ‘درون’ الخفيّة لاغتيال عناصر التنظيمات الإسلامية المناوئة في باكستان واليمن… سياسة حرب أزهقت ارواح الالاف من المدنيين.
وقد تمادى في حنثه بوعده الانتخابي بغلق سجون غوانتانامو، وهي لم تزل قائمة على حالها، ثمّ تحول من الوسط نحو اليمين واصبحت سياسته الخارجية اقرب للمتشددين الجمهوريين. وخلال السنتين من الحرب العربية- التركية – الاسرائيلية على سورية حاول تجنب الدخول بحرب علنية لدعم عناصر جبهة النصرة و’القاعدة’ والمجندين عربيا من المنشقين عن الدولة السورية. وفجأة حين انتصرت دمشق بعدد من المعارك الرئيسية، وكانت على ابواب النصر في الغوطة الشرقية علا العويل على اطفال سورية، وثارت حميّته وإنسانية الغرب بشكلٍ مهوس. ولمن لا تخونهم الذاكرة، ربمّا ما كان ضمير الغرب مولوداً بعد حين التنكر لموت مليون طفل عراقي اثناء شد طوق الحصار الغربي لتجويع العراق.
وبما ان هناك مؤتمرا لدول جي – 20 يعقد في بيترسبورغ الروسية 4 ـ 5 أيلول/سبتمبر، توّجهت أنظار العالم نحو تسوية سلمية يخرج فيها الرئيس الأمريكي من أصعب اختبار دولي لمقدرته وقيادته السياسية. والعالم كلّه يراقب حركاته وسكناته وخيارات الحرب كما السلام، كلها مكلفة له سياسيا وفيها مخاطر الانزلاق نحو حرب كارثية تلهب المنطقة. وفي عملية بارعة لم ينتبه لها العالم، بعث وزير خارجية بريطانيا الأسبق برسالة لدول الـ’جي-20′ قبل يومين من انعقاد المؤتمر جاء فيها مخاطبا البرازيل والهند والمانيا ودول مجلس الأمن: ‘إتركوا صراعاتكم في مجلس الأمن جانبا ولمّا لم يمكنكم تشخيص من استعمل ومن لم يستعمل الغاز الكيماوي في سورية، وأيضاً لا يمكنكم الاتفاق على عمل عسكري موحد لإضفاء القانونية، حسناً يمكنكم الاتفاق على إزالة السلاح الكيماوي من سورية’. وقد رفع الرئيس الروسي بوتين سقف مطاليبه بقبوله خطّة اللورد أوين مقابل عدم ّ شنّ الحرب على سورية.
وإذا كانت أساليب شنّ الحروب بغرض الإنهاك كمقدمة للاحتلال لاحقاً، كما حدث في العراق، ماثلة أمام الذاكرة الدوليه فانّ إسلوب التعامل مع الأزمة السورية أكثر مقاربةً لأزمة نصب الصواريخ الروسية في كوبا، اثناء المواجهة الأمريكية – الروسية بين كيندي وخروتشوف والإصرار الأمريكي عام 1961على مهاجمة كوبا لتدمير الصواريخ.
في حينها اقترب العالم من حرب بين العملاقين وحتى الساعات الأخيرة قبل نفاذ الإنذار الأمريكي، انفرجت الأزمة بموافقة روسيا الاتحادية على نقل الصواريخ شرط تعهد الولايات المتحّدة بعدم مهاجمة كوبا. ففي حال الأزمة السورية وعلى ذات النسق تسعى روسيا لانتزاع ضمان أمريكي بعدم مهاجمة سورية وإن تعددت وسائل التدخل الأمريكي، فالأردن والسعودية تعملان في مجال الدعم المادي والمخابراتي واللوجستي تحت مظلّة عسكرية – مخابراتية أمريكية، ولكن الفارق هنا ان خطر الانفجار في المنطقة يزول وقتيا، فإن خيارات اوباما كلها متصادمة ببعضها ومن الممكن جدا ان يتأثّر الكونغرس الامريكي بمجلس العموم البريطاني ويصوّت ضد مشروع الرئيس أوباما، حيث أن اوباما، كما ذكرت صحيفة ‘نيويورك تايمز′، يتعكّز على ‘الأيباك اليهودية’ في امريكا، ونتنياهو في إسرائيل لمساعدته في اقناع اعضاء الكونغرس الأمريكي بالتصويت لصالح مشروعه.
وفي مساء الثلاثاء توجه الرئيس الأمريكي أوباما بخطاب لمدة 15 دقيقة يتلمس دعم الشعب الأمريكي في معركته في الكونغرس. ومن اللحظة الأولى أدعى أن الحكومة السورية قتلت الاطفال والرجال والنساء بالغاز الكيماوي، ولم يتكلف إقامة الحجّة بتاتاً، فلا هي عادة الشعب الأمريكي ولا الكونغرس أن يطلب دليلاً على إدّعاء رئيسه. وهنا يكمن خطر شن الحروب إذ لا مجال للتثبت من الحقيقة، حين يتكلم الرئيس. وإن إدّعاء أوباما أن عملية اطلاق الكيماوي في دمشق في الغوطة الشرقية صاحبها ارتداء الجيش السوري أقنعته الواقية من الغازات، هو تلفيق جديد لم يسبق لأيّ متحدث أمريكي أو غربي أن تطرّق بهذا الشكل المفضوح من التحامل والكذب. إنّ كل التهم الموجهة للحكومة السورية لإدانتها لا تخرج عن كونها كلاما مغرضا يراد من ورائه خلق جوٍّ من إرباك الجمهور الامريكي لتبرير الاعتداء على سورية، لكنّ الرئيس أوباما ولاول مرّة يقدم اتهاما ناشزاً، لو يدعمه بالتوثيق لاستصدر بموجبه قرار إدانة لسورية من مجلس الأمن… وفي الوقت الذي يبرر رغبته الملحة في قصف سورية، ولو بأهداف محددة كعقوبة رادعة لسورية لقتلها مئات الأطفال بالكيماوي يتنصّل عن مسؤولية التّدخل في انهاء الحرب الأهلية في سورية، ويقّر أن امريكا ليست البوليس الدولي لتخلص الدول من الديكتاتورية، وهو نفس الإدّعاء الذي تقنّع به الرئيس بوش الأب حينما رفع شعار لا علاقة بحملتنا (لتحرير الكويت) بتغيير النظام في العراق. وبعدها بـ 13 سنة جاء ابنه جورج دبليو بوش رافعا شعاراً على النقيض تماماً: الحرب على العراق من أجل إسقاط نظام صدّام الدكتاتوري.
وفي الوقت الذي يعاني الرئيس الأمريكي من التخبّط في إدارة تهديده بالحرب على سورية، فقد أظهر إرباكاً شديداً في التوفيق بين ما روّج من ادّعاءات وبين اتخاذ القرار الذي يتوخاه! وحتى في خطابه لم يكن موفقا في التمهيد لإقناع الكونغرس الأمريكي، وجاءت حججه بشن ضربة تأديبية لسورية واهية تعاني من الاختلال المبدأي والأخلاقي. ولولا رسالة اللورد أوين الموجهة لزعماء مؤتمر بيترسبرغ (‘المساء ستاندرد’ 292013) وكانت الحبل الذي تعلّق به أوباما للخروج من مأزقه لما أصبح ولأوّل مرّة مطلباً لأمريكا بالتخلّص من السلاح السوري الكيماوي، على غرار مطلب بوش بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل في العراق، التي لم تكن موجودة أصلاً. والآن يحق لسورية أن تتشبّث (لكسب الوقت) بتوجيه الأنظار نحو ترسانة السلاح النووي الإسرائيلي والكيماوي، إلا أن ذلك يستدعي دعماً روسيا وهو مشكوك فيه كون الرئيس بوتين، وهو نقيض أوباما تماماً، بدا خلال الأزمة ثابتاً في موقفه عارفا لما يريد بالضبط: إخراج سورية من دائرة الحرب الأمريكية كهدف فوري وإبعادها عن ماكنة الدمار وترك الرئيس اوباما يرقص بين الأفكار والخيارات على دون هدىً.
‘ كاتب عراقي مقيم في امريكا
القدس العربي
أوباما الحائر من فخ الكونغرس إلى فخ الكيماوي!/ راجح الخوري
ما لم ينته هذا الشريط الطويل من التضارب الأميركي المخجل حيال الأزمة السورية بسوق بشار الأسد إلى جنيف ليوقع على التنحي وتبدأ عملية انتقال سياسي حقيقية، فإننا سنكون أمام انهيار مريع للمصداقية الأميركية في الشرق الأوسط والعالم، وسنكون أمام ثلاثة مهزومين؛ وهم: باراك أوباما، والأمم المتحدة، والقوانين الدولية لردع الإبادة بالكيماوي، وفي المقابل أمام ثلاثة منتصرين؛ وهم: النظام السوري الذي يقطر دما، وروسيا التي تقطر إثما لحمايتها لسوريا، وإيران المتورطة في الدم السوري.
في أقل من أسبوعين، تحولت أميركا في نظر الكثيرين من إمبراطورية تقرع طبول حقوق الإنسان إلى جمهورية موز كبيرة، وهو ما يذكرني بما كتبه جون تشاينبك يوما «عندما أنظر إلى مداخن البيت الأبيض أحسبها فبركة كبيرة للأوهام الخادعة»، فلقد تصاعدت من هذه المداخن في الأسبوعين الأخيرين وبعد مذبحة الكيماوي، تصريحات وعنتريات كثيرة تبين سريعا أنها من الأوهام الخادعة والمخدوعة!
لنتذكر قليلا:
بعد مذبحة الغوطتين، أعلن أوباما أنه سيوجه ضربة عقابية محدودة إلى النظام السوري الذي تجاوز الخط الأحمر، وفي اليوم الثاني قال إنه سيذهب إلى الكونغرس «لكي تتحدث أميركا بصوت واحد»، لكنها تتحدث الآن بأصوات متناقضة تعمق الخيبة التي يتقلب فيها أوباما، في استوكهولم وقف أوباما إلى جانب فريدريك رينفيلت ليقول إنه واثق بأن الكونغرس سيوافق على الضربة، وبعد أيام قال إنه غير واثق بهذا. ولنتذكر قوله: «إن مصداقيتي ليست معرضة للخطر، مصداقية المجتمع الدولي معرضة للخطر، مصداقية أميركا والكونغرس معرضة للخطر، إننا نتحدث كثيرا عن القوانين والأعراف الدولية».
لا حاجة إلى استعراض عنتريات جون كيري، ولا إلى كلام سوزان رايس قبل يومين عن أن «أميركا يجب أن توجه ضربة عسكرية إلى سوريا لأن هذا يبعث برسالة إلى إيران، وأنها ملزمة أخلاقيا بالرد على استخدام الأسد السلاح الكيماوي»، لكن المثير أن كلام رايس تزامن مع موافقة أوباما على الدخول في «النفق المظلم» لعرض موسكو حول تسليم الكيماوي، الذي سرعان ما بدا أنه مراوغة روسية جديدة، وخصوصا بعد رفض بوتين ربط مشروع القرار الفرنسي بالفصل السابع مشترطا إعلان أميركا التراجع عن الضربة قبل تسليم الترسانة الكيماوية!
في الأساس، لم يكن الأمر عرضا روسيا بناه سيرغي لافروف بسرعة قياسية انطلاقا من رد كيري على ذلك «السؤال الافتراضي»: كيف يستطيع الأسد تجنب الضربة العسكرية؟ بالقول: «بتسليم ترسانته الكيماوية في أسبوع ودون إبطاء، لكنه ليس مستعدا للقيام بذلك»… كانت عملية مدبرة، وضعت في كواليس قمة الثماني عبر ما يعرف في الدبلوماسية باقتراح «اللاورقة»، وقد اتفق عليه بوتين وأوباما انطلاقا من اقتراح سبق أن قدمه السيناتور ريتشارد لوغار في أغسطس (آب) الماضي، بأن يسلم الأسد ترسانته الكيماوية بعدما هددت دمشق باستعمال هذا السلاح ردا على أي عدوان خارجي، وما جرى بعد ذلك كان مسرحية متدرجة… كيف؟
1- السؤال الافتراضي كان مفبركا: «هل يستطيع الأسد تجنب الضربات العسكرية»؟ كان جواب كيري حاضرا ومتفقا عليه، فقال بسرعة ومن دون لحظة تأمل أو تردد: «يمكنه أن يسلم سلاحه الكيماوي إلى المجتمع الدولي دون تأخير، لكنه لن يفعل»!
2- المسرح الروسي كان جاهزا، فبعد أقل من ساعة وقف لافروف يدعو النظام السوري لتسليم ترسانته، وفي أقل من ساعة وقف وليد المعلم الذي كان ينتظر في موسكو وإلى جانبه فيصل المقداد وبثينة شعبان، ليقرأ بسعادة بيانا كتب في دمشق، متعمدا فظاظة الرياء بالحديث عن «الحرص على أرواح مواطنينا» وقد قتل منهم ما يزيد على مائة ألف!
3- تتوالى مواقف الترحيب مع إبداء الحذر طبعا. يتصل كيري بلافروف لترتيب المسار. يتم تأجيل التصويت في الكونغرس وتستمر تمثيلية ضغوط البيت الأبيض للحصول على التفويض للضربة. يدخل بان كي مون على خط الترتيبات الغامضة والمعقدة لتسليم الكيماوي التي تحتاج إلى سنوات، ويلتقي كيري لافروف أمس في جنيف لضبط إيقاع «الصفقة – المخرج»!
4- أوباما كان واقعا في فخ فضيحة عجزه عن تنفيذ تهديداته بعدما ذهب إلى الكونغرس، انتشله بوتين من المأزق عبر مبادرة الكيماوي، لكنه وقع في مأزق أدهى لأنه أفقد أميركا صدقيتها في المنطقة، ولهذا ما لم ينته هذا الشريط الأميركي الطويل من التضارب الفاضح، بسوق الأسد إلى جنيف للتنحي وبدء عملية انتقال سياسي، فسيكون أوباما قد حول أميركا من إمبراطورية إلى جمهورية موز ليصح فيه قول السوريين إنه «مضطرب وممثل مسرحي»!
الشرق الأوسط
ابعثوا للأسد برسالة يمكنه استيعابها/ روبرت دانين
التقيت بشار لأول مرة في قصره في دمشق قبل عشرة أعوام. وفي مايو (أيار) 2003. كنت جزءا من فريق رفيع المستوى تابع للحكومة الأميركية والذي توجه إلى سوريا وأمر الأسد بمنع إرسال الجهاديين إلى العراق لقتل الأميركيين؛ والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية في سوريا ولبنان وفلسطين؛ ووقف تطوير أسلحة الدمار الشامل.
لم يكن بمقدور المسؤولين الأميركيين أن يكونوا أكثر وضوحا، ونحن نقرع الرئيس السوري في وطنه. وبشجاعة، نفى بأسلوب مهذب صحة كل اتهاماتنا وطلب منا تقديم أدلة عليها. لذلك، فبعد بضعة أشهر، سافر فريق آخر من المسؤولين الأميركيين، كنت أنا من بينهم، إلى دمشق واتخذنا خطوة إضافية، حيث قدمنا له دليلا لا جدال فيه على التصرف غير المقبول الذي، مثلما حذرنا، كان بحاجة للإقلاع عنه على الفور. لم يكن ثمة غموض في رسالتنا – أو هكذا اعتقدنا.
غير أن الرسالة التي ظننا أننا قد نقلناها للأسد لم تكن هي تلك التي وصلته. فبدلا من أن ينتابه الشعور بالخوف من تحذيرنا، شعر الأسد براحة من حقيقة أن المسؤولين الأميركيين تكبدوا عناء السفر إليه للحديث معه. ومن هذا المنطلق، استدل أن همه الأساسي الوحيد – البقاء الفعلي – لم يعد مشكلة: لم تكن الولايات المتحدة لتطيح به، مثلما فعلت مع صدام حسين في دولة العراق المجاورة.
هذه الحادثة تستحق الاسترجاع، بينما تنظر الدولة في ماهية الإجراء، إن وجد، الذي يمكن اتخاذه حيال سوريا. لقد أوضح الرئيس أوباما هدفه الأساسي من شن غارة عسكرية بتوجيه «رسالة تحذيرية»، بحيث يقوم الأسد «بتلبية المطلب المحدود المتعلق بالأسلحة الكيماوية».
إن الهدف الرئيس من مشروع القانون الذي اقترحه الرئيس هو منع استخدام الأسلحة الكيماوية أو أي أنواع أخرى من أسلحة الدمار الشامل في المستقبل.
ربما تكون تلك رسالة الرئيس، لكن بالتأكيد سيتلقاها الأسد بصورة مختلفة. سوف ينصب تركيز الرئيس السوري على المحظورات المفروضة ذاتيا من الولايات المتحدة على أي عمل عسكري – لا «قوات أميركية على الأرض»، لا جهد يبذل لإسقاط النظام، ولا جهد جادا يبذل لقلب توازن القوى في سوريا، ولا «حملة طويلة الأجل». بعدها، سوف يتنهد في حالة من الراحة. سوف يجد الأسد ملاذا في التزام أوباما المعلن الخطوات التي «ستكون محدودة جدا ولن تضم التزاما طويل الأجل أو عملية أساسية». ولم لا؟ يرقى هذا إلى درجة القول إنه، بعيدا عن استخدام الأسلحة الكيماوية، لا تستحق عمليات القتل الوحشية التي يرتكبها الأسد حتى الآن رد فعل أميركيا.
الأسد بلا شك مستعد لتلقي بعض الضربات من الولايات المتحدة كعقاب لاستخدامه الأسلحة الكيماوية ضد شعبه. بإمكان نظامه امتصاص تلك الضربات، مثلما امتصت ضربات أميركية أخرى. في ديسمبر (كانون الأول) 1983، أطلقت القوات الجوية الأميركية 28 طائرة مقاتلة ضد مواقع الجيش السوري في لبنان بعد أن أطلق السوريون صواريخ أرض جو على طائرة استطلاع أميركية. في ذلك الوقت، أشار البنتاغون إلى أن الهدف كان منع مزيد من الاستهداف لرحلات طائرات الاستطلاع الأميركية. لكن ذلك لم يجد نفعا. فقد أسقطت نيران مدافع سورية مضادة للطائرات طائرتين نفاثتين أميركيتين. وفي فبراير (شباط) 1984. قصفت الولايات المتحدة أهدافا سورية من السفن الحربية فيما عرف بأنه «أشد قصف بحري منذ الحرب الكورية». ظل سلوك سوريا كما هو من دون أي تغيير، وعادت القوات الأميركية إلى أرض الوطن.
وفي خضم الحرب الأهلية الوحشية في سوريا، من المرجح أن يوظف الأسد الغارات الجوية الأميركية المحدودة في الأسابيع القادمة لتعبئة المشاعر الوطنية، على مستوى الوطن داخليا والشرق الأوسط بأكمله خارجيا، ضد «القوى الإرهابية» الأجنبية والإمبرياليين الذين قد ألقى اللوم عليهم في أحداث العنف في سوريا. ربما يحفز استخدام القوة العسكرية الأميركية الأسد على عدم شن المزيد من الهجمات بالأسلحة الكيماوية، لكنه ربما يكثف استخدامه للأسلحة التقليدية ضد شعبه، مدركا أن المجتمع الدولي كان مستعدا لصرف تركيزه عن مقتل أكثر من 100 ألف سوري منذ عام 2011. ومن شأن مثل هذا السيناريو أن يسمح للولايات المتحدة رغم ذلك بإعلان تحقيقها أهدافها المحدودة.
ولا يتمثل البديل لمثل هذا الأسلوب المحدود الذي يكفل للأسد الفوز في معركة المفاهيم في غزو بري من قبل الولايات المتحدة. لكن إذا ما رغبت إدارة أوباما في إرسال رسالة إلى الأسد يمكنه استيعابها بشكل دقيق، فلن يكون لزاما على الولايات المتحدة فقط إبداء رد موثوق به على استخدامه مؤخرا لأسلحة كيماوية، وإنما أيضا جعله يصدق أن رد الفعل جزء من استراتيجية أكبر لإقناعه بوقف ذبح شعبه – بأي وسيلة. ومثل هذا الأسلوب قد يتطلب التزاما من جانب الولايات المتحدة بالقيام بما هو أكثر من مجرد توجيه ضربات محدودة على مرافق مرتبطة بالأسلحة الكيماوية. لكنها الرسالة الوحيدة التي سيستوعبها الأسد.
* روبرت دانين زميل رفيع المستوى بمجلس العلاقات الخارجية الأميركية، عمل نائبا لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى في الفترة من عام 2005 إلى عام 2008.
* خدمة «واشنطن بوست»
الشرق الأوسط
عودة الدبّ الروسي/ الياس الديري
ليس من فراغ، أو من باب المبالغة وُلدت صيغة أو صفة “الأميركي البشع”، ولاقت صدى ورواجاً على نطاق دولي، ولفترة زمنيَّة طويلة.
وليس من صنع المصادفة أن تكون الهزيمة من نصيب هذا “الأميركي البشع” في كل غزواته “الرينغويّة” التي خاضها على طريقة الكاوبوي الدائم التفوُّق جون واين. من فيتنام الى أفغانستان فالعراق، على سبيل المثال لا الحصر.
ربما ساهمت هذه التجارب القاسية، التي استيقظت متأخرة في ذاكرة الرئيس باراك أوباما، في اللجوء الى التريُّث والتأني واشراك الكونغرس والرأي العام الأميركي في قرار “الضربة” التي لم يُكتب لها أن تترجم… على الأرض السورية او تغادر الصواريخ الفتاكة راجماتها.
ثمة مَنْ فسَّر التراجع التراجيدي الذي لجأ اليه أوباما بأنه لا يختلف عن الاستغاثة. استنجد بالداخل والخارج: أغيثوني.
في هذا الوقت كان القيصر الروسي يتمشَّى في الكرملين، وعن يمينه دبٌ أبيض أصيل لا يضحك حتى مصادفة. وحتى لو ضحك رئيسه الذي يستطيع أن يعدَّ المرات التي ابتسم فيها.
فاستجابت موسكو لاستغاثة الاستاذ الجامعي المقيم في البيت الأبيض، ودعته لملاقاتها في منتصف الطريق، وعلى اساس ارجاء الضربة أو ابدالها بصفقة تضع السلاح الكيميائي السوري في عهدة الامم المتحدة، مثلاً.
على الرحب والسعة، كان جواب جون كيري وهو يتلقّى النبأ.
والتفاصيل التي تَلَت هذا التطوُّر تتابع مسيرتها في طريق قد يوصل يوماً الى حلّ ما في سوريا، وكما قد يكون مصيره السقوط في بحر الظلمات… أو في بحر الدماء.
المهم هنا، والقصد من التركيز على أحداث مضت، هو الاشارة الى عودة الدب الروسي، وعودة الروسيا بكل ثقلها وما تمثل الى حلبة الصراع الدولي، بعدما أتاحت لها زلّة قدم أو زلّة لسان الرئيس الاميركي فرصة رجوع الشيخ الى صباه.
“نحن هنا”، أراد بوتين أن يقول لـ”زعيمة العالم الحر”، ولذاك الرينغو الذي تبيّن انه لم يغادر شاشات السينما. مثلما تبيَّن حجم الهزال الذي أُصيبت به إمبراطورية العصر… كذلك الأمر والحال، بالنسبة الى حلفائها الاوروبيين الذين تواروا عن الأنظار، وغابوا عن السمع عندما طلب أوباما مساندتهم.
حتى بدا خلال أيام معدودة أنَّ عصراً، بكل عظمته وانجازاته ومكانته في التاريخ والجغرافيا، بدأ يلملم أطرافه وأغراضه استعداداً للرحيل، واخلاء الساحة لعصر جديد ستكون فيه الروسيا شريكاً رئيسيّاً، والتساوي مع أميركا… وخصوصاً في الشرق الأوسط. والمياه الدافئة. والثروات الطائلة.
وقد تُتاح فرصة جديدة للبنان، ولمن يدعونهم “الأقليّات” وهم في الأصل أهل الأرض والقضية.
ولكن، ماذا سيحلُّ بالقضيَّة “الأم”، بالحرب السورية المدمِّرة؟
النهار
بدأت المراوغة الكيميائية!/ راجح الخوري
في طريقه الى جنيف قرأ جون كيري بالتأكيد مقال فلاديمير بوتين في “نيويورك تايمز” الذي يتهم المعارضة السورية باستخدام الكيميائي، محذراً من ان “استعمال القوة في سوريا خارج مجلس الامن سيشكل عملاً عدوانياً من شأنه ان يزعزع الشرق الاوسط”!
بعد هذا الكلام الذي يمثّل بداية محبطة لمحادثات كيري وسيرغي لافروف حول المبادرة الروسية الكيميائية، جاء تصريح بشار الاسد كصفعة مستأسدة موجهة الى باراك اوباما عندما قال: “حين نرى اميركا تريد فعلاً استقرار المنطقة وتتوقف عن التهديد بالسعي الى الهجوم وعن تسليم الاسلحة الى الارهابيين، عندها سنعتبر انه في إمكاننا المضي في عملية وضع الكيميائي تحت اشراف دولي”، لم يشر الى تدمير هذه الترسانة واعتبر انه يتجاوب مع رغبة بوتين ولا ينصاع الى تهديدات اوباما!
امام هذا تبدو الصورة قاتمة ليس بالنسبة الى اوباما الذي يضعه الاسد تحت الامتحان، ويملي عليه شروطاً تطالبه بوقف دعم المعارضة ويا للسخرية، بل بالنسبة الى ما قد تصل اليها عملية تسليم الترسانة الكيميائية وتدميرها. فرغم تقديم دمشق طلب الموافقة على الانضمام الى معاهدة منع الاسلحة الكيميائية، ليس هناك ما يؤكد او يضمن ان العملية ستصل الى نهايتها فعلاً، وخصوصاً بعدما تبين ان موسكو تريدها مدخلاً الى حل على قاعدة “جنيف – 1” الذي لا يشير الى نهاية حكم الاسد!
في المقابل لا معنى لتكرار التلويح الاميركي باستعمال القوة اذا فشل الاقتراح الروسي، ولا للتذكير بان البوارج ستبقى “مستعدة لضرب سوريا بقوة”، لأن الكونغرس والرأي العام الاميركي يعارضان الضربة، وبالتالي ستكون هناك تداعيات سلبية ليس على هيبة اوباما كرئيس ضعيف ومتردد تهوّر في اطلاق التهديدات، ثم ابتلعها مختبئاً وراء الكونغرس، بل على هيبة اميركا وعلى مصالحها في المنطقة والعالم، فلقد كان مهيناً ان يتعامى اوباما عن المذابح السورية وعن سقوط اكثر من مئة الف قتيل وتشريد الملايين، وكان معيباً ان يمنع بعناد يقرب من التآمر تسليح المعارضة، وكان فاضحاً ان يلوّح بالعصا التي تبين انها تشبه تلك القذائف الكاذبة التي سبق ان اطلقتها نيوجرسي في لبنان ومن ينسى؟
ظل اوباما يهدد على مدى اسبوعين بأن صدقيته وصدقية اميركا والمجتمع الدولي على محك “الضربة المحدودة” [ويا للمسخرة] “وإن لم نفعل شيئاً ضد الاسد ستضعف قوة الردع الدولية”، لكن قمة المسخرة ان يعلن البيت الابيض الآن “ان صدقية روسيا وهيبتها وسمعتهاعلى محك مبادرة تسليم الترسانة الكيميائية”. والواقع ان صدقية اميركا وروسيا والامم المتحدة والمجتمع الدولي في الوحل والعار، لأن الجميع مهتمون بالاسلحة التي قتلت لا بالضحايا الذين قتلوا… فادفنوا قتلاكم وليسلم القاتل مسدسه ويسلم!
النهار
سوريا كرست عودة روسيا/ سميح صعب
ربما للمرة الاولى منذ ان نقل الرئيس المصري الراحل انور السادات مصر من المعسكر السوفياتي السابق الى المعسكر الاميركي اواسط السبعينات من القرن الماضي، تعود روسيا بهذه القوة الى الشرق الاوسط من البوابة السورية. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو اليوم شريك اساسي في رسم المشهد السياسي والعسكري في المنطقة، بما لا يدع مجالاً للشك في أن الاحادية التي تمتعت بها الولايات المتحدة منذ انتهاء الحرب الباردة اوائل التسعينات، قد انكسرت.
وقد يكون الرئيس الاميركي باراك اوباما مديناً لبوتين بانقاذ الولايات المتحدة من التورط في حرب جديدة في الشرق الاوسط، باقتراحه تفكيك الاسلحة الكيميائية السورية في مقابل الامتناع عن الحرب التي كان الرئيس الاميركي على وشك شنها على سوريا من اجل اضفاء الصدقية على “الخط الاحمر” الذي كان حدده العام الماضي في ما يتعلق باستخدام الأسلحة الكيميائية على رغم ان موسكو ليست مقتنعة بالرواية الاميركية عن استخدام هذه الأسلحة في الغوطتين او في مناطق سورية اخرى خصوصاً في خان العسل في وقت سابق من هذه السنة.
وفي النتيجة تسارعت الاحداث بعد اعلان اوباما اتخاذ قرار بضرب سوريا وطلب موافقة الكونغرس على هذه الضربة التي لو كانت حصلت لكانت أثبتت ان استعادة روسيا مكانتها العالمية ضرب من الخيال. لكن روسيا بعثت بأساطيلها الى المياه المقابلة للسواحل السورية، واعتمد بوتين ديبلوماسية ناشطة أفضت الى نزع فتيل الانفجار الذي كان من شأنه ان يقود المنطقة الى سيناريو اسوأ بكثير من السيناريو العراقي او الافغاني او الليبي، حتى لو قال اوباما العكس.
ومن الصعب الاقتناع بان “زلة لسان” جون كيري في لندن على حدّ تعبير “الغارديان” هي التي اوقفت الحرب على سوريا. فلو لم يلمس اوباما تلك المعارضة الشعبية الواسعة لفكرة الحرب، ولو لم يتيقن من عدم قدرته على اقناع الكونغرس المتردد حيال الضربة العسكرية، ولو لم يتخل عنه اقرب حلفائه التاريخيين مثل ديفيد كاميرون، ولو لم يسمع كلمات البابا فرنسيس “الحرب هي الحرب” سواء أكانت محدودة ام شاملة، لما كان رضي بالعرض الروسي الذي أتى في الوقت المناسب ليحفظ ماء الوجه للرئيس الاميركي فيعود الى سلوك الخيار الديبلوماسي سبيلاً الى حل الازمة السورية.
وحتى لو تقلب رونالد ريغان في قبره غضباً كما كتبت صحيفة “معاريف” بسبب قبول اوباما العرض الروسي، فإن روسيا تنهض اليوم لمسؤوليتها التاريخية في منع اميركا من المضي في مغامراتها الحربية في الخارج، وبات في وسع المندوب الروسي لدى الامم المتحدة فيتالي تشوركين أن يقول بثقة: “سنبقي العالم واقفاً على رؤوس أصابعه”.
النهار
“اكتشاف” روسيا/ جهاد الزين
نظر فلاديمير بوتين مع ابتسامة خفيفة نحو الصحافي. ثم صمت لحظة وبدأ يضحك مع تصاعد تدريجي في ضحكته ثم قال للمراسل: “أنتَ فعلا تجعلني أضحك. سأذهب إلى بيتي للنوم ومزاجي جيّدٌ هذا المساء”. ثم تابع ضحكه وسط ذهول الصحافي الذي أحسّ على ما ظهر أن الرئيس الروسي لا يسخر فقط من مقولة الغربيين، بل أيضا من الصحافي نفسه الذي يكرّر هذه المقولة بأن نشر صواريخ “باتريوت” موجّه ضد إيران وليس ضد روسيا.
يكره “روسيا فلاديمير بوتين” اليوم كلُّ الذين يريدون إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وبصورة خاصة المستعجلين على إسقاطه. مثلما يكره أميركا كل الذين لا يريدون إسقاط هذا النظام.
أتفَهّم صدمة الكوادر العلمانية والدينية الملتحقة بالثورة السورية من “اكتشافها” الدور الروسي بعدما عاندت طويلا في اعتباره إمّا ثانويّاً وإمّا غير استراتيجي في موقفه من النظام السوري. وإذا كانت الأمور هنا، أي في موضوع الصراع في وعلى سوريا، لا تُقاس بخواتيمها لأنه صراعٌ مفتوحٌ وطويل، فقد ظهر “الدب الروسي” ليس فقط دبّاً حقيقيا بل أيضاً ذكيٌّ. لقد كان هذا الدبّ مواكبا منذ اللحظة الأولى لاندلاع الصراع السوري ولكن مساره انطلق من الظل ثم تدريجيا نحو الضوء بعد الفيتو الأول في مجلس الأمن، إلى أن حضر بكامل حضوره تحت شمس الصراع في قمة العشرين في بطرسبرغ الأسبوع المنصرم. (راجع مقال الرئيس بوتين في صفحة الرأي في “النيويورك تايمز” أمس الأول والذي وجّهه إلى الشعب الأميركي عبر هذه الصحيفة).
ثبت، وقد جادلنا كثيرا في ذلك خلال العامين ونيف المنصرمين على هذه الصفحة ومرة من خلال مكتب “كارنيغي” في بيروت في ندوة بإدارة مديره (السابق) الصديق بول سالم ومع خبير روسي عبر “السكايب” من موسكو، ومرة أخرى في ندوة في جنيف أوائل هذا العام الجاري عقدتها “هيئة التنسيق الوطنية” المعارضة أن الموقف الروسي من الوضع السوري هو موقف استراتيجي ولا يجوز النظر إليه على أنه مجرد موقف تكتيكي سيتغيّر نحو حصول صفقة مع واشنطن “تبيع” فيها موسكو حليفها “المتهاوي”.
تخوض “روسيا فلاديمير بوتين”، وهي روسيا التحالف بين “الدولة العميقة” الخارجة من رخاوة مرحلة التسعينات التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي وبين الكنيسة الأرثوذكسية كبيرة الكنائس الأرثوذكسية في العالم وبين قوى “الوطنية الروسية” بما فيها “الحزب الشيوعي” المعارض، تخوض معركتين كبيرتين متّصلتين عبر الوضع السوري:
الأولى إعادة تأكيد موقعها كدولة عظمى في النظام العالمي، وهي بذلك تسعى في الواقع لإعادة بناء هذا النظام العالمي بالتحالف الذي يظهر أيضا وثيقا مع الصين قطب المنافسة الأول لواشنطن في شرق آسيا وبحارِه.
الثانية هي تكريس نفسها على الضفة الآسيوية العربية من البحر الأبيض المتوسط، أي سوريا، آخر معاقلها العربية والذي تعتبره، كما “اكتشفنا” وكما ثبت، خط الدفاع الخارجي الأول عن حدودها الجنوبية السياسية والدينية والإتنية. وهذه النقطة تحْيي التنافس الإقليمي مع تركيا ذي التاريخ الطويل انطلاقا من القوقاز الذي هو أقرب للقامشلي السورية منه لاسطنبول وهو ليس أبعد عن حلب من بعده عن اسطنبول.
لهذين السببين ساهمت روسيا في وقف مد “الربيع العربي” من الشواطئ الإفريقية العربية إلى الشاطئ الآسيوي. وتبيّن لنا جميعا أن موسكو فهمت منذ اللحظة الأولى لاندلاع “الربيع العربي” أنه يعني من تونس إلى مصر مرورا بليبيا بناءً لتحالفٍ جديد بين أميركا – الغرب وبين نخبة جديدة تصل إلى الحكم في العالم العربي وتجمعها بأميركا رغم معضلة الصراع العربي الإسرائيلي قِيَمُ الليبرالية السياسية والاقتصادية. وكان وصول شرائح الإسلام السياسي السريع إلى الحكم بعد ثورات “الربيع العربي” يجدّد بدوره لدى القيادة الروسية ذكرياتِ التحالف التاريخي بين الإسلام السياسي وبين واشنطن ولاسيما الكابوس الأفغاني الذي ساهم جنوبا مع الوضع البولوني شمالاً في إحكام فكّي الكمّاشة التي أدّت إلى إسقاط الاتحاد السوفياتي نفسه، إضافةً في حالة فلاديمير بوتين إلى إحياء كابوس حرب الشيشان التي خاضها هو شخصيا ضد “الجهاد الإسلامي” وأدّى انتصار الجيش الروسي فيها إلى جعله المرشح الذي لا يُنافَس داخل روسيا لتولّي منصب الرئاسة الروسية.
شاهدتُ على الـ”يوتيوب” قبل أيام مقطعاً من مقابلة كان يجريها مراسل محطة تلفزيونية روسية مع الرئيس فلاديمير بوتين. قال له المراسل أن الأميركيّين يقولون أن نشر شبكة “صواريخ باتريوت” هدفه إيران وليس روسيا. نظر بوتين ببرودة تعابير وجهه المعهودة مع ابتسامة خفيفة نحو الصحافي. صمت لحظة وبدأ يضحك مع تصاعد تدريجي في ضحكته ثم قال للمراسل: “أنتَ فعلا تجعل مزاجي جيّدا. سأذهب إلى بيتي للنوم ومزاجي جيّد هذا المساء”. ثم تابع ضحكه وسط ذهول الصحافي الذي أحسّ على ما ظهر أن الرئيس الروسي لا يسخر فقط من مقولة الغربيين بل أيضا من الصحافي نفسه الذي يكرّر هذه المقولة. قد يكون الـ”يوتيوب” أصبح قديماً بعض الشيء لكن قِدَمَهُ لا يقلّل مطلقا من أهميّة دلالته على النظرة الروسية في هذا المجال.
إذن وبوضوح اعتبر بوتين أن القول بأن هدف نشر الصواريخ هو إيران وليس روسيا مسخرةٌ تستحق الضحك لا المناقشة ليقول دون أن يقول إن الهدف طبعا هو روسيا لا إيران.
لا يمكن معرفة نتائج هذه الحرب في سوريا التي ستكون طويلة من الآن. ولكن الأمر الأكيد أن خسارة روسيا لها ستعني “طرد” موسكو “نهائيا” من منطقة الشرق الأوسط سواءٌ كقوة إقليمية أو كقوة دولية.
علينا أن نفهم كمتابعين سياسيّين بل علينا أن نفك “اللغز” التالي:
هل سبب تردّد أميركا في هجوم خارج مجلس الأمن هو معرفتها بقدرة التكنولوجيا العسكرية الروسية ولو بأيدي خبراء سوريين أو إيرانيين على صد هجوم الصواريخ الأميركية المتقدّمة أو على الأقل جعله مكلفا، أم أن تردّد قيادات الغرب وفي المقدمة أميركا من خوض حرب ولو “محدودة” خارج تفويض مجلس الأمن سببه معرفة البيت الأبيض بوجود أكثرية في الرأي العام الأميركي والغربي ضد أي حرب؟
السؤال باختصار: هل روسيا دولة عظمى عسكريا بنظر واشنطن أم لا؟
اليوم الدور الروسي في أحد “مرتفعاته” الديبلوماسية ومعه يُعاد “اكتشاف” روسيا. وأستطيع أن أضيف أنه “يُعاد” ترتيب موقع إيران كموقع في الدرجة الثانية في الصراع على سوريا!
لقد أظهر الدب الروسي العائد إلى “الغابة” الدولية في الفترة الأخيرة انه محنّك. لكن لا زال أمامنا أن نعرف هل هو قوي أم ضعيف؟
النهار
هاجس الفوضى وانهيار النظام يُقلق الغرب فهل تنظّم موسكو خروجه بعد الكيميائي؟/ روزانا بومنصف
يخشى مراقبون سياسيون الا يكون العراق قد عانى من تداعيات الازمة السورية كما حصل بالنسبة الى لبنان والاردن وسواهما بل ان يكون قد استخدم في الاشهر القليلة الماضية كما لا يزال يستخدم من خلال تصاعد وتيرة الاعمال التفجيرية التي يذهب ضحيتها ابرياء كثر ورقة من أوراق تذكير الدول الغربية وتحذيرها من مغبة التدخل في سوريا تحت وطأة تحويل سوريا عراق آخر. والتدخل في العراق كان ولا يزال عاملا لتذكير الولايات المتحدة والغرب بجملة أمور من بينها ان واشنطن قادت حربا ضد النظام العراقي بذرائع خاطئة او غير صحيحة وان رغبتها في احلال الديموقراطية في العراق ذهبت به الى اتاحة المجال امام سيطرة ايران عليه في موازاة تحويله الى فوضى حقيقية. ويقول المراقبون المعنيون ان استحضار نموذج العراق حصل تكراراً من زاوية محاولة ردع الرئيس الاميركي عن توجيه ضربة عسكرية لمواقع النظام السوري نتيجة لاستخدامه الاسلحة الكيميائية متخطيا خطاً احمر رسمه الرئيس الاميركي. الا ان الهاجس الفعلي لدى الولايات المتحدة والدول الغربية يكمن في عدم تكرار تجربة العراق من حيث اطاحة النظام وفق التأكيدات لـ”ضربة محدودة” لم يكن هدفها اطاحته بل على العكس الابقاء عليه من اجل ان يكون حاضراً على طاولة المفاوضات من اجل الموافقة على حكومة انتقالية ومن اجل الابقاء على هيكلية المؤسسات الرسمية في سوريا وعدم انهيارها مما يخشى ان يؤدي الى فوضى لا يزال يعاني منها العراق المجاور. في الوقت الذي يعتبر المراقبون ان العراق استخدم على مستويات عدة ليس أقلها مد سوريا ايضا بالمتطرفين الذين يؤازرون “جبهة النصرة” كما مد النظام بالاسلحة والمساعدات، فانه يضغط من اجل حلول مختلفة بحيث لا يجوز الاستهانة بمدى الاثر الذي يتفاعل في شأنه العراق.
وأثار رد الفعل الاميركي على الاقتراح الروسي غضب المعارضة السورية التي شعرت وفق ما يعتبر المراقبون ان الصفقات يمكن ان تمر من فوق رأسها فيما يدفع السوريون الاثمان على الارض في الوقت الذي يتم تجاهل وجودها. وكذلك فعلت بعض الدول الاقليمية. اذ تختلف النظرة الى دور بشار الاسد المستقبلي بين عدد من الدول الغربية التي وان كانت تطالب برحيله باعتبار انه لم يعد مؤهلا وقادرا على حكم سوريا مجددا لمسؤوليته عن جرائم ضد الانسانية فانها تعتبر انه لا يزال يطمئن طائفته وبعض الاقليات التي لا تؤيده لشخصه او لحكمه بل خوفا من المتطرفين الذين ساهم النظام جنبا الى جنب مع الدعاية الغربية في زيادة حجم اخطارهم وبين افرقاء المعارضة السورية الذين اغضبهم انقاذ رأس النظام باقتراح وضع الاسلحة الكيميائية تحت رقابة الامم المتحدة. فمع ان الطرفين يطالبان باضعافه من اجل ارغامه على المجيء الى طاولة المفاوضات، فان المراقبين يتحدثون عن معطيات كانت تفيد بخشية كبيرة من انهيار النظام تحت وطأة اي ضربة ايا يكن حجمها في ظل قرارات واضحة من روسيا بعدم التدخل عسكريا وعدم رغبة ايران في استنزاف قدراتها او تتسبب بفتح الباب امام استهداف ملفها النووي. الامر الذي كان سيكشف عزلة النظام كليا اقليميا ودوليا على رغم التهديدات التي ساقها بعض المسؤولين العسكريين في ايران ويؤدي الى انفكاك محيطه من حوله ويفقد حلفائه أوراقاً مهمة للتفاوض عليها. وهذا ما لا تود اميركا حصوله على رغم رغبتها في معاقبته على استخدامه الاسلحة الكيميائية كما لا تود روسيا حصوله ايضا باعتبار ان انهيار النظام تحت وطأة اي ضربة سيؤدي الى فوضى يخشى منها الجميع اضافة الى احتمال مسارعة المتطرفين الى كسب مواقع والسيطرة عليها بحيث يكون ذلك مكلفاً جداً ليس فقط في سوريا بل ايضا بالنسبة الى دول الجوار التي تعتبر الدول الغربية انها ستنقذها من خطر الاسلحة الكيميائية في حين تبقى المخاطر الاخرى . هذا فضلاً عن المخاوف من الانتقامات التي يمكن ان يسوقها هؤلاء ضد ابناء الطائفة العلوية او سواها من الاقليات التي لا تزال ملتصقة بالنظام ويستخدمها في الحرب. والمشكلة ان هذه المخاطر لم يتم ايجاد مخارج لها حتى الان لا مع المعارضة السورية ولا على اي مستوى كان بحيث ترتفع الخشية من استمرار المراهنات في هذا الاتجاه او ضده في الوقت التي لا تزال مشكلة الاسلحة الكيميائية في بدايتها وفي انتظار تقرير لجنة المفتشين الدوليين حول استخدام الكيميائي الاسبوع المقبل الذي يمكن ان يدخل عناصر جديدة الى المباحثات الروسية الاميركية التي بدأت حولها.
لكن السؤال يبقى اذا كان موضوع الاسلحة الكيميائية نقل المشهد الاقليمي والدولي الى مكان آخر مختلف عن السابق بحيث لا يبقى الوضع السوري ما بعده كما قبله. فاذا كان الاقتراح الروسي انقذ الأسد من الضربة العسكرية ومن احتمال الانهيار، فان ذلك يرتب على موسكو الاعداد لمرحلة خروجه من المعادلة بانتظام خشية الفوضى وكذلك الامر بالنسبة الى ايران في ضوء تطورات بدأت تظهر لا سيما في الموقف الايراني الذي يكاد يسرق الاهتمام مما شهدته الازمة السورية مع مرونة لافتة تجاه الولايات المتحدة ورسائل تفهم متبادلة في عز ازمة كان يفترض ان تشعل مواقف مختلفة من جانب ايران .
النهار
“كيمياء” أميركية – روسية/ محمد ابرهيم
بالنسبة الى الولايات المتحدة يشكّل مصير السلاح الكيميائي المدخل الصحيح للتعاطي مع الازمة السورية. فقد تبدل الكثير منذ بداية هذه الازمة في المواقف الاميركية، وخصوصا في ما يتعلّق برحيل النظام، لكن الثابت بقي العين الاميركية المركزة على السلاح الكيميائي السوري.
الخط الاحمر الشهير، والوحيد، الذي رسمه باراك اوباما في وجه بشار الاسد كان “كيميائيا”. واجتماعات التخطيط الاقليمية – الاميركية كانت لمعالجة مسألة مصير السلاح الكيميائي في حال انهيار النظام، وكيفية التدخل، عسكريا، لمنع وصوله الى الايدي الخطأ. والمقصود هنا “القاعدة” و”حزب الله”. وكان لافتا ان اوباما بالغ في اعلان ان الضربة التي خطط لها ضد النظام السوري محدودة، وكان دقيقا في القول انها لا تستهدف السلاح الكيميائي وانما القدرة على استعماله. وكان القلق الاميركي ظاهرا من ان تؤدي الضربة الى انهيار النظام. مما قد يقتضي ان يطأ الجنود الاميركيون الارض السورية، لتأمين “الكيميائي”، عكس تعهدات رئيسهم.
هنا اتى المخرج الذي قدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بنزع ترسانة سوريا الكيميائية، ليخاطب المصالح الجوهرية الاميركية، ويقدم حلا مثاليا لورطة اوباما، والهدف الروسي ليس سوى فتح الطريق امام دخول اميركي – روسي مشترك على مجمل عناصر المأزق السوري.
وعندما نتحدث عن المصالح الاميركية الجوهرية فإنه يكفي مقارنة المصلحة الاميركية في ضمان امن اسرائيل (خصوصا ما يشكله السلاح الكيميائي من ثغرة في المنظومة الدفاعية الاسرائيلية) بالمصلحة الاميركية في تغيير النظام في سوريا.
ليس المهم بالنسبة للإدارة المدى الزمني الذي ستستغرقه عملية اتلاف السلاح الكيميائي السوري، وانما الالتزام بالعملية، والضمانات على هذا الصعيد قابلة للتحقق. والعامل الجوهري فيها هو اقرار روسيا بأنه لا بد من التضحية الفعلية بهذا السلاح اذا كان ثمة امل في صوغ مشترك اميركي – روسي لنهاية الحرب السورية، على قاعدة الوصاية المشتركة على النظام الجديد.
الحرب في سوريا هي في احد اوجهها رد على “ممانعة” النظام، لسنوات طويلة، في كسر السلسلة الممتدة من طهران الى بيروت. وتسليم السلاح الكيميائي انعطافة جوهرية على هذه الطريق، ولو كانت برعاية روسية.
لذلك كله كان طبيعيا ان يتبع الحديث عن الصفقة الكيميائية الحديث عن فتح الطريق امام “جنيف – 2”. ومثلما ان نزع السلاح الكيميائي عملية طويلة ومعقدة، لكنها ذات اتجاه واحد، فإن مساومات “جنيف – 2” ستكون ايضا طويلة ومعقدة، لكن يسهّلها المزيد من الاثبات، الاميركي – الروسي، ان الطرفين المتصارعين، المرعيين اقليميا ودوليا، غير قادرين على حسمها، خصوصا بعد وضع “الكيميائي” جانبا.
النهار
حكي جردي: كيماوي للمقايضة/ بومدين الساحلي
” ياما ركعت وصليت ودعيت انك ما تفرّق ولادي ابداً عن بعضهم، ما كنت عرفانة انك حتقبل تبعت لي ياهم بتلات توابيت بنفس الوقت !!..
هلق عن جدّ انت عادل !!!… “
ذلك ما قالته ثكلى بعد مجزرة الغوطة .
\ \ \
ما من جريمة تحصل ويهتزّ لها الوجدان اللبناني عموماً هذه الايام، عدا بعض الذين ارتضوا ان يكونوا خارج القطعان الطائفية والمذهبية، يتأثّرون وينفعلون ساعات واياماً ثم تغرقهم الحياة في مشكلاتها التي صنعها السياسيون . تشير ارقام وزارة الداخلية الى حصول حوالي 150 جريمة قتل من بداية عامنا 2013 وحتى منتصف الصيف، ثلثا هذه الجرائم جرى إثر خلافات فردية وعائلية .
لم يعد اللبناني آمناً في عيشه رزقاً وتنقّلاً ومسكناً، حوادث السلب والخطف صارت مِلْحَ هذا الشعب المخطوف أصلاً. التقى القابضون على رقاب الناس على التمديد لأنفسهم بما يعني ذلك تمديداً لكل كوارث البلد التي هي صنيعتهم، لكنهم لم يجتمعوا يوماً لرفع يدهم عن الأمن فجعلوه سياسياً بامتياز. يشهد على ذلك آلاف الذين صدرت بحقّهم مذكرات توقيف لأسباب شتى لكنهم ينعمون برعاية هذه القوى السياسية التي تمنع الجهات الامنية من تنفيذ واجباتها، غياب القرار السياسي الأمني حوّل عدداً من أصحاب الرتب العسكرية المقرِّرة إلى زعماء مافيا يحمون الممنوعات ويقبضون الأتاوات من هنا وهناك دون محاسبة .
في ظلّ هذا الجو المسموم كثرت الجرائم، أغلبها حصل في ظل ظروف مادية واجتماعية ونفسية قاهرة، تجتمع هذه الظروف تحت عنوان شبه وحيد اسمه الفقر، نهب البلد أدى إلى عوز الآلاف المؤلفة من العائلات، هم يعيشون في ظلّ ظروف لا تمتّ الى الانسانية بصلة.
لكنهم رغم ذلك يساقون خرفانا في قطعانهم المذهبية عند كل استحقاق، لا بل ان بعضهم يصبح اشدّ المدافعين عن الغول المذهبي الذي أكل واقعهم ومستقبل أولادهم .
واقع الجريمة اللبناني يستدعي من اصحاب القرار وقفة ضمير أخيرة واسترجاعا لما أقسموا عليه من حفاظ على تطبيق القوانين والسهر على مصالح الناس، بالأمس عمدت أم وولداها إلى قتل رب العائلة وتقطيع جثته ورميها في النهر، قبل ذلك تآمرت امراة واخوتها على قتل زوجها أمام باب المنزل، منذ فترة اقدم رجل على قتل زوجته واولاده، حوادث الخطف وطلب الفدية اصبحت بالعشرات والذين يقومون بها معروفون، سرد هذه الحوادث أصبح مؤلما بالنسبة لبعض اللبنانيين. صار من الضروري رفع الصوت عالياً في وجه الذين استولوا على السلطة : إخجلوا من أنفسكم ومن عائلاتكم ومن أهلكم، إذا استمرت الأحوال على ما هي عليه سيكتب التاريخ أنكم لم تكونوا أكثر من لصوص وقتلة .
\ \ \
وافق النظام السوري على وضع سلاحه الكيميائي بعهدة المجتمع الدولي. اعتبر بعض اعلامه الموالي ان ذلك انتصار للديبلوماسية السورية الذكية، ورأى آخر انه تمّ لتجنيب الشعب السوري مذبحة أميركية أكيدة، الجميع تجاهل ان المجزرة السورية المستمرة بهذا الشعب المسكين يتحمل مسؤوليتها الاساسية هذا النظام ويتحمل مسؤوليتها ثانيا هذا المجتمع الدولي الذي غابت عن توجهاته وأهدافه كل المثل والقيم الانسانية التي حثّت على العدل والمساواة ورفع الظلم .
السلاح الكيميائي الذي يصنّف ضمن اسلحة الدمار الشامل جرى التسويق له بشكل غير مباشر ومنذ عشرات السنين بأنه عامل توازن استراتيجي في المعركة ضد العدو الصهيوني، لم يعترف النظام يوماً بأنه قام بتصنيعه أو انه موجود في مخازنه، لكنّه لوّح قبل مجزرة الغوطة على لسان أحد مسؤوليه بأنه لن يستعمله ضدّ شعبه فيما لو امتلكه يوماً – !!! -، الغريب في الأمر ان انصياع النظام واعلانه هذا التسليم أظهر الولايات المتحدة بمظهر الشرطي الحازم العادل، وأن رئيسها أوباما مستعد للتنازل عن موقفه الذي أعلنه في أكثر من مناسبة في سبيل دفع الظلم عن فئات من الشعب السوري، وكشف بما لا يقبل الشك ان النزاع في سوريا خرج تماما من يد الأطراف المتحاربة. فالنظام السوري سلّم أوراقه تماماً للّاعب الروسي، أما قوى المعارضة فلم تمتلك أساساً أوراقها التي بقيت في عهدة الولايات المتحدة توزّعها هنا وهناك وفقاً لمصالحها، لكنّ فاجعة الشعب السوري الكبرى تكمن في ان خطوة اركان النظام السوري أكّدت أنه جاهز للقيام بكل ما يطلب منه في سبيل المحافظة على موقع ودور له في السلطة .
طلبُ النظام الانضمام الى موقعي معاهدة حظر الاسلحة الكيماوية شكّل كذلك طعنة للمشروع الايراني الطامح إلى إطلالة على البحر الابيض المتوسط وإلى إحداث تغيير جيو سياسي يرتكز على وجود مناصرين له من ايران حتى لبنان مرورا بالعراق وسوريا، وأظهر ان ضرورات وحسابات الساحة الداخلية طغت على محظورات الصراع مع اسرائيل بحيث ان ميزان القوى مع الأخيرة سيصبح لصالحها وبفارق كبير دون ان أدنى شك .
من جهة اخرى بيّن هذا التنازل ان اللاعب الروسي ليس أكثر من ” تاجر شنطة ” يبيع ويشتري في الزمان والمكان المناسبين، وان كلامه عن امتلاكه وثائق وتسجيلات واشرطة مصورة تؤكد ان قوى من المعارضة هي المسؤولة عن مجزرة الغوطة لم يكن أكثر من زوبعة في فنجان، وان الصفقة مع الاسرائيلي والاميركي قد انجزت قبل أشهر : عندما صرّح الرئيس بوتين عقب لقائه مسؤولين اسرائيليين بأن الحدود الشمالية لاسرائيل مع سوريا ستكون آمنة كعادتها منذ أربعين من الأعوام، وعندما التقى قبل أسابيع مفوض السياسة السعودية بندر بن سلطان في جلسة كانت حسابات أرباح الاستثمارات طاغية فيها على مصلحة السوريين الذين يموتون بالمئات يوميا في المجزرة السورية المستمرة .
بانتظار ما سوف تحمله الايام القادمة، صار من الواجب على حزب الله ان يراجع حسابات عبوره الحدود السورية والمشاركة طرفاً في صراعها الدائر لاسيما وقد صار واضحا ان حدود المعركة وتفاصيلها ونتائجها ومجرياتها اصبح على طاولة اللاعبين الاميركي والروسي فقط. هذه المراجعة اللازمة هي واجب لحقن دماء تراق في غير معركتها الاساسية ودرء ربما لما هو أكبر وأفظع : تطور الصراع السني _ الشيعي وما سينتج عنه من انفراط نهائي لعَقْد الاجتماع اللبناني خصوصاً .
\ \ \
قال ” خبيث ” من 14 آذار : ” ينهانا حزب الله عن شيء ويأتي بمثله !!.. هو يرفض حديثنا عن وضع سلاحه بأمرة الجيش اللبناني ويقبل ان يضع النظام السوري سلاحه بعهدة المجتمع الدولي !!.. كنا نترقب زوال اسرائيل بعد التصريحات السورية والايرانية المدوية وعلى ما يبدو أنها لم تكن أكثر من فقاعات هواء في ماء !!.. “
\ \ \
مقتل الفلسطيني محمد السمراوي على واحد من الحواجز الكثيرة التي تحيط بضاحية بيروت الجنوبية يستدعي التوقف عنده والتأمل في توقيته ومكان حصوله، هو حصل في ظل اسوأ مرحلة من علاقات الشارع الفلسطيني بحزب الله، وفي وقت يبدو فيه أن مخابرات دول الارض كلها تجتمع في بيروت، ووسط انكشاف أمني لم تشهده يوما البلاد، نتج بعضه عن فشل أطراف الصراع الداخلي في التوصل الى تشكيل حكومة، ووسط صراع بين الاجهزة الامنية اللبنانية اخرج ارتباطاتها الخارجية هنا وهناك إلى العلن.
مقتل السمراوي جاء على باب مخيم برج البراجنة، المخيم الذي شهد لشهور كثيرة حصاراً ومعركة مع حركة أمل في النصف الثاني من ثمانينات القرن الماضي. جرى ذلك بتوجيهات سورية واضحة على خلفية تحجيم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للامساك بالورقة الفلسطينية في لبنان. الكثير من ابناء المخيم ما زالوا يحملون ذكريات مؤلمة عن ذلك الحدث .
يتحدث الكثيرون من الفلسطينيين عن استفزازات تحصل بحقهم عند مرورهم على أحد الحواجز المتاخمة. اجراءات ضبط النفس التي يؤكد عليها بعض القائمين على المخيم نجحت حتى اليوم، ” فاعلو الخير ” كثر، قد يستغل بعضهم ما يجري لاشعال حرب فلسطينية _ شيعية، بانتظار ما سيحدث في الايام والاسابيع القادمة، سلم أهل القتيل السمراوي امرهم للقضاء اللبناني آملين ان يكون عادلاً، ذلك ما لاقدرة للقضاء عليه في ظل سيطرة قوى الامر الواقع على الأرض، علما ان القاتل معروف بالاسم .
\ \ \
شر المهازل ما يضحك : أميركا التي قتلت ملايين الناس في حروبها الخارجية التي لم تكن يوما إلا اعتداء سافراً وظالماً على الكثير من شعوب الأرض، تبدو اليوم خشبة خلاص بالنسبة لكثيرين من السوريين !!..
المدن
اوباما: ضعف ام حصافة؟/ سعد محيو
هل باراك أوباما رئيس ضعيف للغاية أم حصيف للغاية؟
الآراء منقسمة بشدة حول هذا السؤال في كل أنحاء العالم، على رغم وجود إجماع نادر لدى الجميع تقريباً بأنه متردد كثيرا، ومتقلِّب أكثر.
منتقدو الرئيس الشاب، وهم باتوا كثراً الآن في الداخل الأميركي، ينعتونه بأسوأ الأوصاف. فهو، برأي بيل كلينتون، كما ورد في الكتاب الأخير للكاتب الأميركي البارز إدوارد كلين بعنوان “الهاوي” (The Amateur)، “غير كفؤ وغير قادر على القيام بواجبات البيت الأبيض. أنه هاوٍ ولايعرف كيف يكون رئيساً، كما لايعرف كيف يعمل العالم”.
مواقف أوباما من تطورات الأزمة السورية الراهنة، توحي بأن كلمات كلينتون دقيقة حرفاً بحرف. فهذا الرئيس أثبت أنه يستيقظ متردداً وينام متقلّبا. يتخذ قراراً “حاسماً” في الصباح، ويغيّره بـ”حسم” في المساء. وهذا جعله وإدارته يتخبطان خبط عشواء في كل خطوة قامت بها حيال هذه الأزمة السورية. كما جعل الدولة العظمى الوحيدة في العالم تبدو أشبه بكرة تتقاذفها دول كبرى ومتوسطة وصغرى على حد سواء.
نقطة البداية في هذا التخبط، التي تجرأت صحيفة “فايننشال تايمز” المتطرفة في رزانتها وتحفظها على وصفها بأنه بات “كوميديا”، كانت في لحس الرئيس الأميركي تهديده السنة الماضية بمعاقبة النظام السوري “في حال تجاوزه الخط الأحمر الكيميائي”، رغم اعترافه مؤخراً أن النظام استخدم الأسلحة الكيميائية 11 مرة ضد شعبه.
ثم توالت بعد ذلك فصول هذه المسرحية: من قرار أوباما توجيه ضربة عسكرية سريعة للنظام السوري وقيامه بحشد الأساطيل الأميركية في شرق المتوسط استعداداً لذلك، إلى قراره في ربع الساعة الأخير من الموعد المحدد للضربة التراجع وإحالة الأمر إلى الكونغرس. هذا على رغم أن أوباما كان يعلم سلفاً أنه سيواجه معارضة شديدة من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وأنه قد يتعرض إلى هزيمة سياسية نكراء قد تجعله أول رئيس أميركي في التاريخ يتحول إلى “بطة عرجاء” قبل ثلاث سنوات كاملة من انتهاء عهده.
وجاء الفصل الأخير الآن، حين وافق أوباما على وضع كل بيضه في سلة روسيا وسورية، بعد أن وضعها في سلة الكونغرس، من خلال موافقته على اقتراح موسكو بوضع الأسلحة الكيميائية السورية في عهدة الأسرة الدولية، وهو أمر سيتطلب في حال تطبيقه سنوات طوال.
يقول هنا إيان بريمر، رئيس فريق أوراسيا، أن “تذبذبات وتقلبات السيد أوباما حول الضربة العسكرية لسورية، سيكون لها تأثيرات ضخمة على مصداقية السياسة الخارجية الأميركية. فحلفاء الولايات المتحدة (مثل السعودية وبقية دول الخليج والفيلبين وسنغافورة وحتى اليابان) سيكونون قلقين حيال الالتزامات الأميركية المقدمة إليهم”.
هذا عن نقاد أوباما. فماذا عن أنصاره؟
يقول هؤلاء، بمن فيهم الرئيس الأسبق جيمي كارتر والدبلوماسي الأميركي البارز جيريمي شابيرو، أن انتقاد أوباما من موقع الربط الشديد بين الضربة العسكرية وبين المصداقية الأميركية، أمر مخطيء ويجر سريعاً إلى تكرار الحربين الفيتنامية أو العراقية.
ويضيفون أن أوباما، وعلى رغم تقلباته المزعجة والمحيّرة، كان حصيفاً حين حاول بكل امكاناته تجنب استخدام العصا الغليظة التي لطالما استخدمها جورج بوش. اما الحديث عن أن عدم توجيه ضربة إلى سورية سيشجع إيران على المضي قدماً في مشروعها النووي من دون رادع أو خط أحمر أميركي، فهي محاججة مردودة لأن طهران تواصل أصلا قبل سنوات من اندلاع الأزمة السورية هذا المشروع.
من على حق في هذا الجدال؟
المعسكر الأول، لكن ليس فقط لأن أوباما كان متردداً عسكرياً ومتقلباً استراتيجيا، بل لأنه أدخل الشلل إلى الدبلوماسية الأميركية. وهنا يجب أن نتذكَّر أن الولايات المتحدة حققت أبرز انتصاراتها (عدا في الحربين العالميتين الأولى والثانية) من خلال الدبلوماسية لا الحرب: من جذب هنري كيسينجر الصين إلى المحور الأميركي خلال الحرب الباردة، إلى نجاح جيمس بيكر في حشد العالم ضد نظام صدام حسين عشية غزو العراق، مروراً بالعمل الباهر الذي قام به ريتشارد بروك في استعادة الثقة الجيواستراتيجية للولايات المتحدة لدى بلدان جنوب شرق آسيا غداة هزيمة فيتنام.
أوباما كان في وسعه أن يحقق مثل هذه الانجازات الدبلوماسية من دون ضربات عسكرية، أو أن يحقق “النصر من دون حرب” (على حد تعبير ريتشارد نيكسون في كتابه الشهير). لكنه لم يفعل. وهذا ما جعل مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والدولية الروسية على حق حين قالت قبل أيام أن أوباما “سيُثبت أنه أضعف رئيس، وأكثرهم غير قابلية للتوقع، في كل التاريخ الأميركي”.
المدن
أوجه الشبه والاختلاف بين سوريا وكوسوفو/ عمر عدس
كثرت المقارنات بين التدخل الأمريكي العسكري في كوسوفو، عام ،1999 والتدخل المرتقب حالياً في سوريا، وقد أشار محللون إلى أوجه شبه، وأشار آخرون إلى أوجه اختلاف، ولكن الاختلاف، في ما يبدو، أكبر من الشبه .
من أهم أوجه الاختلاف، ما ذكره جيمس روبين، “نائب وزير الخارجية الأمريكية للشؤون العامة، أثناء إدارة كلنتون”، من أن التدخل العسكري في كوسوفو تمَّ بموافقة من روسيا، حيث أعرب وزير الخارجية الروسي عن تلك الموافقة، أثناء نقاشاته مع وزيرة الخارجية الأمريكية يومئذٍ . . أما في سوريا، فالموقف الروسي معارض للتدخل بحزم وثبات ووضوح .
وأن الغارات على كوسوفو نفذتها قوات الناتو . . لا الولايات المتحدة، كما يُحتمل أن يكون عليه الوضع في سوريا .
في صحيفة نيويورك تايمز، (4/9/2013) وتحت عنوان “سوريا ليست كوسوفو”، كتب روبين مع الجدل الدائر في الكونغرس الأمريكي حول التدخل في سوريا، يجري الاستشهاد بسابقة حملة القصف بالقنابل التي شنّها حلف الناتو عام 1999 في كوسوفو، لتبرير استخدام القوة العسكرية ضد الحكومة السورية . ولكن حرب كوسوفو، من الناحيتين القانونية والسياسية، لا تشكل سابقة يمكن النسج على منوالها، لشنّ غارات جوية على سوريا .
ويمضي الكاتب قائلاً: صحيح أن روسيا والصين كانتا معارضتين لصدور قرار في مجلس الأمن، يخوّل استعمال القوة في كوسوفو عام ،1999 وهما معارضتان لمثل ذلك القرار بشأن سوريا اليوم . ولكن التشابه ينتهي عند هذا الحدّ .
ومن أوجه الاختلاف الأخرى بين الحالتين، كما يرى الكاتب، أن الفترة التي سبقت بدء حرب كوسوفو، شهدت نقاشات مطولة بين وزيرة الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت، مادلين أولبرايت، ونظيرها الروسي، ايغور ايفانوف . وأن ايفانوف اعترف في تلك النقاشات، بضرورة استخدام قوة عسكرية لإقناع رجل صربيا القوي، سلوبودان ميلوسيفيتش بأن يوقف ذبح ألبان كوسوفو، ويوافق على حل دبلوماسي للصراع . (فقد كان يأمل ايفانوف، في أن يكون التهديد بالقوة كافياً لحمل ميلوسيفيتش على التراجع . وعندما لم يفلح ذلك مع ميلوسيفيتش، وبدأت الحرب الجوية، عارضت روسيا حرب الناتو علناً، ولكنها أبدت في ما بعد، تعاوناً وثيقاً مع الولايات المتحدة، لإقناع ميلوسيفيتش بالإذعان) .
أمّا اليوم، في المقابل، فإن موسكو شديدة المعارضة للغارات التي تقترح أمريكا شنها على سوريا، ولا تعترف بأن دمشق استخدمت أسلحة كيماوية، وتزوّد دمشق، كما تقول بعض التقارير، بمعلومات استخبارية حساسة عن الاستعدادات العسكرية الأمريكية .
ومن الفوارق الأخرى بين الحالتين، أن نهج أمريكا في صنع السياسة مختلف هذه المرة اختلافاً بيِّناً، إذ إنها لا ترى أن الوضع في سوريا يهدد مصالحها، خلافاً لما كان عليه الوضع في كوسوفو . . فقد ظل الرئيس أوباما على مدى السنتين المنصرمتين، يُردد أن المصالح الأمريكية الحيوية، ليست معرضة للخطر بفعل الحرب الأهلية في سوريا . وعلى الرغم من أنه بدأ بدعوة الأسد إلى التنحي عن السلطة، فإن إدارته لم تفعل سوى القليل، أو لم تفعل شيئاً، لجعل ذلك يتحقق . وليس إلاّ في الآونة الأخيرة، أنْ بدأت واشنطن برنامج تدريب متواضع للمعارضة السورية . .
أمّا في حالة كوسوفو، فإن الرئيس بيل كلنتون أوضح منذ البداية، أن لأمريكا مصلحة في تحقيق الاستقرار في أوروبا، وفي منع حدوث هجمات إبادية على مئات الألوف من ألبان كوسوفو الأبرياء . ثم طرحت الولايات المتحدة بعد ذلك استراتيجية دبلوماسية مدعومة بالقوة، وقامت من خلالها بتأمين الدعم من جميع الدول الأوروبية، ومن معظم دول العالم، لتحقيق سلام عادل تُصان حقوق الصرب وألبان كوسوفو في ظلاله .
وبالعمل سويّاً مع ممثلين من أوروبا وروسيا، صاغت الولايات المتحدة اتفاقية وقعها ألبان كوسوفو، ورفضها ميلوسيفيتش . وعندئذٍ فقط، وفي إجراء أخير، تمّ شنُّ حملة جوية على صربيا . وبعد 78 يوماً، استسلم نظام ميلوسيفيتش . وبعد ذلك نشر الناتو قوات حفظ سلام، وأقنعت أمريكا جيش تحرير كوسوفو بإلقاء السلاح .
ويقول الكاتب، إن هذه الاستراتيجية قد نجحت، لأنها اعتمدت على شرعية الأمم المتحدة والناتو لتحقيق مستقبل سلمي وديمقراطي لمنطقة تكتوي بنيران الحرب . واليوم، بعد أكثر من عقد من الزمن، بدأ الصرب والكوسوفيون بالمصالحة وقام زعماء صربيا وكوسوفو المستقلة في الآونة الأخيرة بتوقيع اتفاق لحل النزاعات السياسية والقانونية المتبقية .
أمّا في سوريا، فإن مثل هذه النتيجة غير مضمونة . فالولايات المتحدة وأوروبا على خلاف مع موسكو، ومجلس الأمن في أزمة، والناتو واقف موقف المتفرج، والجامعة العربية غير فاعلة . ولا توجد استراتيجية لتحقيق مرحلة نهائية مستقرة، يجري خلالها نشر قوات حفظ سلام، وتجريد المتمردين من سلاحهم، كما أن مؤتمر جنيف للسلام قد تمّ تأخيره إلى أجل غير مسمّى .
ومن ناحية القانون الدولي، أيضاً، لا تشكل كوسوفو سابقة لقضية سوريا، كما يقول الكاتب، ويضيف: في محكمة القانون الدولي، كانت قضية كوسوفو ضعيفة . ولكن في محكمة الرأي العام، كانت قوية .
وكان حكم التاريخ بشأن كوسوفو، أن التدخل مشروع ولكنه ليس قانونياً تماماً .
أمّا إذا ضربت أمريكا سوريا، فسوف يكون موقف واشنطن بموجب القانون الدولي أشدَّ ضعفاً بكثير مما كان قبل 14 عاماً . فلا يوجد قرار من مجلس الأمن . ولن تقوم بتنفيذ الغاراتِ الجويةَ منظمة إقليمية مثل الناتو . وهنالك دولتان من الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، تقفان بكل حزم ضدّ التدخل . كما أن البرلمان البريطاني صوّت لمصلحة البقاء بعيداً .
وفي مجلة ذي “أميريكان كونسيرفاتيف”، (30/8/2013)، يُذكر ليون هادار، (المحلل الرفيع في المجموعة الاستشارية الجيوستراتيجية، ويكيستارت، ومؤلف كتاب مهم عن عملية عاصفة الصحراء)، بأنه كان قد تنبأ بحدوث تغييرات في السياسة الأمريكية إزاء الأزمة السورية، عندما أحدث الرئيس أوباما تغييرات في أعضاء فريقه للسياسة الخارجية، حيث عيّن عدداً من الشخصيات، التي يصفها هادار، بأنها “أممية- ليبرالية ثقيلة”، مثل سامانتا باور، وسوزان رايس، وجون كيري . . في مناصب رفيعة .
ويشير الكاتب إلى أنه رأى في ذلك بوادر على رغبة البيت الأبيض في إعادة تقويم سياسته في سوريا، تمهيداً لتدخل شبيه بما حصل في يوغوسلافيا في عهد الرئيس بيل كلنتون، وفي ليبيا، في عهد أوباما .
يقول هادار: من اللافت للنظر أن الأمميين الليبراليين والمحافظين الجدد يقارنون الصراع السوري بالحرب الأهلية في يوغوسلافيا السابقة، حيث تقول كلتا الجماعتين إن نموذج “التدخل الإنساني” بقيادة الولايات المتحدة، ضد رجل صربيا القوي، سلوبودان ميلوسيفيتش، يمكن استخدامه ضد الرئيس السوري بشار الأسد، حيث تلتهم الحرب الطائفية شرق المتوسط . ولكن الكاتب يخالف هذا المنطق، ويقول إن الإشكال فيه، هو أن الحرب الأهلية في يوغوسلافيا، تعتبر آخر مرحلة في فترة تاريخية أعقبت الحرب الباردة، وبلغت أوجها بانضمام البلقان إلى أوروبا المستقرة والمزدهرة، وهذا الوضع مختلف تماماً عن الوضع القائم اليوم في شرق المتوسط .
فهذه المنطقة تشبه البلقان، ولكن ليس في نهاية الحرب الباردة، بل بعد انهيار الامبراطورية العثمانية وعشية الحرب العظمى . . وهي تتكون من خليط من قوميات وجماعات إثنية ودينية متمازجة، وتلعب دور العميل لأطراف إقليمية ودولية قوية، تتدخل في صراعاتها الدموية وتتلاعب بها .
والاتفاقات التي وضعت نهاية للحروب في البوسنة وكوسوفو، لم يتم التوصل إليها إلاّ بعد أن خسر الصرب الحرب، ووافق الكروات، والبوسنيون، والكوسوفيون على تشكيل مناطق إقليمية مستقلة، كجزء من العملية التي وعدت بإدخالهم الاتحاد الأوروبي .
ولكن واشنطن وحلفاءها الآن- حتى في ظل أفضل السناريوهات – ليسوا في وضع يسمح لهم بهندسة مثل ذلك السلام في شرق المتوسط . فأمريكا لم تعُد تتمتع بوضعية القطب الأوحد، الذي برز بعد الحرب الباردة، من حيث القوة العسكرية والاقتصادية .
وخلاصة الأمر في نظر الكاتب، أن الأمميين – الليبراليين، والمحافظين الجدد، الممسكين بزمام السياسة الخارجية الأمريكية، عازمون مرة أخرى على الضغط على رئيس أمريكي ليس متحمساً للتدخل في حرب، لن تعود على المصالح الأمريكية إلاّ بالنزر اليسير .
الخليج
دبلوماسية روسيا الكيميائية في الأزمة السورية/ خليل حسين
من المعلوم أن الأسلحة الكيميائية والبيولوجية تُدرج ضمن إطار الأسلحة غير التقليدية وفي مقدمتها الأسلحة النووية . وإذا كانت هذه الأخيرة قد حظيت بكم إعلامي هائل نظراً لخطورتها، إلا أن السلاح الكيميائي والبيولوجي لم يأخذا نفس الاهتمام رغم أسبقيته وقدمه في تاريخ الحروب حتى القديمة منها . وحالياً ثمة اتفاقات ومعاهدات ومنظمات تعنى بالعمل على عدم انتشار الأسلحة غير التقليدية ومنها منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية التي توصلت إلى اتفاقية دولية بهذا الشأن في الأول من إبريل/ نيسان 1993 ودخلت حيز النفاذ في العام 1997 . ويشار هنا إلى أن سوريا لم تنضم إلى الاتفاقية ولم توقع عليها إلا أنها بدأت بإجراءات الانضمام مؤخراً .
في المبدأ ليس الانضمام إلى أي منظمة عالمية يعتبر ملزماً للدول، إلا أن ما يصدر عنها من اتفاقات ذات طابع عرفي، على الدول الانصياع لها والتقيد بالتزاماتها . وتأتي منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية كغيرها من المنظمات الدولية ذات الطابع غير الملزم إلا وفقاً لآليات محددة يمكن اتخاذها عبر الأمم المتحدة وبالتحديد مجلس الأمن وفقاً لصلاحياته ضمن الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة .
لقد أتى المقترح الروسي في لحظة حاسمة وتلقفتها جميع الأطراف المعنية بها، لكن العبرة في المتابعة والآليات الممكنة لتنفيذها . ففي المبدأ يعتبر جميع الاطراف في جزئية الأزمة السورية الحالية في مأزق، والواضح أن معظم الفواعل فيها يفتشون عن حل ما بهدف تفادي الخسائر الكبرى . لكن هل يمكن الولوج في اطار مقترح يبدو هلامياً وغير واضح المعالم؟
لقد هدفت دبلوماسية روسيا الكيميائية المفاوضة على طريقة حافة الهاوية، وهي تجربة تحاول موسكو استنساخها عن أزمة الصواريخ الكوبية ،1961 حين وصلت الأمور بين موسكو آنذاك وواشنطن إلى الاقتراب من إشعال حرب نووية، وتم تراجع الفريقين عبر سحب الصواريخ من كوبا مقابل سحب صواريخ الناتو من تركيا .
واليوم تحاول روسيا عبر مقترحها سحب فتيل الأزمة المتمثلة بالضربة العسكرية على قاعدة الأسلحة الكيميائية التي من المفترض أن توضع تحت رعاية دولية وصولاً إلى تدميرها . لكن هل يعتبر هذا المقترح قابلاً للحياة في ظل مخاوف وشكوك متبادلة بين أطراف كثيرين في الأزمة السورية؟
أولاً، لقد تمكنت روسيا من إبعاد الولوج بقرار أممي في مجلس الأمن وفقاً للفصل السابع وهو ما حاولت باريس القيام به بداية، ما يعني أن الولوج في الملف الكيميائي السوري بات مرهوناً بأسلوب المفاوضات وغاياته ونتائجه بين الفريقين الأمريكي والروسي في جنيف . وثانياً أن بدء دمشق بإجراءات الانضمام إلى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هو دليل واضح على نيتها تقديم تنازلات في هذا الملف بالتحديد .
وبصرف النظر عن محاكمة النوايا، ثمة سوابق كثيرة في مثل تلك الملفات ومن بينها تجربة واشنطن مع العراق في تسعينيات القرن الماضي، وهو هاجس يُحرك الغرائز السياسية والعسكرية لكل الأطراف ويجعل المقترح الروسي ضرباً من الخيال للعديد من الاعتبارات العملية والعلمية المتعلقة بالأسلحة الكيميائية السورية ومن بينها، أولاً عدم المعرفة الدقيقة للحجم والكم والكيف لهذه الأسلحة ما سيعني صعوبة التعامل معها، وإذا تم تجاوز هذا الموضوع فإن التعامل التقني مع الاسلحة دونه صعوبات كثيرة بالنظر لانتشارها في اماكن متفرقة يصعب الوصول إليها في ظل فلتان أمني موصوف وبغياب ضمانات رفيعة المستوى للفريق الذي سيكلف بهذا الملف . اضافة إلى ان الوصول إلى المراحل المتقدمة في هذه العملية يتطلب اجراءات دقيقة لجمعها وإعادة تلفها والتي يمكن ان تستغرق سنوات كثيرة، علاوة على وضع ضوابط دقيقة على وسائل إنتاجها ووسائل إطلاقها .
ان تجربة العراق لا تزال ماثلة في الاذهان وهي آلية لم تتمكن الامم المتحدة ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية من تقديم شيء يذكر في هذا الملف، وقد تم احتلال العراق في العام 2003 على قاعدة الأسلحة غير التقليدية وكانت شهادة هانس بليكس في ما بعد واضحة لجهة عدم جدية التحقيقات وعمليات التفتيش والنتائج التي تم التوصل إليها . وعلى الرغم من اختلاف الظروف والوقائع في كلتا الحالتين العراقية والسورية، ثمة من يقول ان الأهداف الأمريكية غير المعلنة في كلتا الحالتين هي واحدة متعلقة بتدمير القوى الاستراتيجية العربية، بصرف النظر عن إمكانية استعمالها في هذا الاتجاه تحديداً .
إن مشكلة الأسلحة غير التقليدية وإمكانية استعمالها باتت من القضايا ذات الاهتمام العالمي في القرن الحادي والعشرين، لكن أساليب حلها الظاهرة حالياً لم تعد تقنع الرأي العام العالمي، بالنظر إلى الازدواجية التي يتم التعامل بها في نفس الملفات . ففي الوقت الذي تمتلك “إسرائيل” على سبيل المثال كميات هائلة من الأسلحة غير التقليدية من النووية والبيولوجية والكيميائية ثمة تعتيم وغموض مقصود في التعاطي معه . لذا فإن المقترح الروسي في هذا المجال سيظل حلاً جزئياً لقضية بعينها، إن لم يكن الحل في إمكانية الوصول إلى بيئة اتفاقات إقليمية ودولية لنزع وتدمير أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط ومن بينها الأسلحة الاسرائيلية وغيرها .
في الظاهر تمكنت الدبلوماسية الروسية من تسجيل نقاط واضحة المعالم، لكن إمكانية الاستمرار والبناء عليها دونها عقبات كثيرة، وبخاصة أنه مقترح متعلق بأطراف كثيرة وآليات عمل متشعبة وطويلة الأمد ومرتبطة بظروف مستقبلية يصعب السيطرة عليها .
الخليج
سوريا.. بل هي لعبة!/طارق الحميد
حذر وزير الخارجية الأميركي نظيره الروسي بأن خيار الضربة العسكرية ضد بشار الأسد لا يزال قائما، وأن المبادرة الروسية لنزع أسلحة الأسد الكيماوية يجب أن تكون جادة، مشددا على أن «هذه ليست لعبة»! فهل صحيح أن المبادرة الروسية، وموافقة الأسد عليها، ليست لعبة؟
أعتقد أنها لعبة، وخصوصا عندما يعلن الرئيس الإيراني روحاني، أمس، تأييد إيران «المبادرة الروسية، وقرار سوريا الانضمام للمعاهدة الخاصة بالأسلحة الكيماوية»! فمجرد إعلان إيران تأييد المبادرة يجعل المراقب أكثر حذرا، فهل وافقت إيران لأنها رأت بتلك المبادرة سلامة الأسد من الضربة، وبالتالي إطالة عمر نظامه؟ وما يزيد الشكوك أيضا حول جدية المبادرة الروسية هو كشف صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية أن وحدة خاصة تابعة للأسد تدير برنامج الأسلحة الكيماوية تقوم بتوزيع تلك الأسلحة على عشرات المواقع بسوريا لتفادي رصدها. فهل يمكن القول بعد كل ذلك إننا لسنا أمام لعبة؟
بكل تأكيد هي «لعبة»، طالما أن هدف المفاوضات الجارية الاكتفاء بنزع أسلحة الأسد الكيماوية وتجاهل جرائمه، وتجاهل الحل السياسي الشامل، الذي يجب أن ينتهي برحيل الأسد، لا الابتهاج بانضمامه لمعاهدة نزع الأسلحة؛ فالمبادرة الروسية، وبشكلها المطروح، تعني غرق المجتمع الدولي في بحر من التفاصيل، مما يعني بقاء الأسد لفترة أطول، وهو ما يهدد سوريا، والمنطقة ككل. والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل إن الشك مبرر، ويتزايد، خصوصا مع ملاحظة أنه بينما يقوم وزيرا خارجية أميركا وروسيا بالتفاوض في جنيف، فإن هناك حملة علاقات عامة ضخمة ومنظمة تجري في أميركا، هدفها إضعاف موقف الرئيس أوباما الداخلي، والحيلولة دون حصوله على تفويض من الكونغرس للقيام بضربة عسكرية ضد الأسد! ويشارك في تلك الحملة الأسد نفسه، من خلال المقابلة التلفزيونية الأخيرة مع محطة أميركية، والرئيس الروسي الذي كتب مقالا في صحيفة «نيويورك تايمز» حاضر فيه الأميركيين عن الديمقراطية، والقانون الدولي! كما يشارك في هذه الحملة أقرباء للأسد كانوا يدعون معارضته!
وهدف تلك الحملة، وملخصها، أن نصف المعارضة من تنظيم القاعدة، وأن المعارضة أسوأ من الأسد، ولا ينبغي دعمهم بالأسلحة، وأنه يجب عدم السماح بتوجيه ضربة عسكرية للأسد تقول الحملة إن من شأنها تقوية المعارضة، وفجأة بتنا أمام سيل من الصور، والأفلام التي يراد منها توثيق «وحشية» المعارضة، فيما يبدو أنه رد على الأشرطة الخاصة بمجزرة الغوطة الكيماوية التي طالب الرئيس أوباما الأميركيين في خطابه الأخير بضرورة مشاهدتها، لمعرفة مدى وحشية جرائم الأسد!
وعليه، فإذا كان الروس والأسد يلعبون في أميركا نفسها، ويحاولون تشتيت الرأي العام فيها، فكيف لا يلعبون في سوريا؟! وإذا كانت إيران سارعت لتأييد المبادرة الروسية القاضية فقط بنزع أسلحة الأسد الكيماوية، مع إغفال الحل السياسي الشامل، فكيف لا يقال إنها لعبة؟! بل هي لعبة بكل امتياز.
الشرق الأوسط
حتى لا ينجو القاتل بفعلته!/ د. نقولا زيدان
كي لا ينجو القاتل بفعلته، كي لا تصبح الجريمة هي القانون السائد في المجتمع الدولي، كي لا يعمد هذا المجتمع نفسه الى التغافل والتغاضي عن عشرات ألوف السوريين الأبرياء الذين ما زالت دماؤهم تخصب وتروي منذ أكثر من سنتين ونصف تراب سوريا ومدنها وأحيائها وحقولها، كي لا ننسى تحت وطأة تتابع التطورات وتلاحقها المذهل المحموم عشرات ألوف المعتقلين والموقوفين في مراكز الاستجواب وأقبية التعذيب والإعدامات السرية، وحتى في سياق التردد والمراوحة والتجاذب بين عواصم القرار وأروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، لا تضيع حقوق الذين ذبحوا كالخرفان أو أحرق النظام البربري الوحشي آفة الدهور ولعنة العصور الذي تجاوز حدود العقل، أجسادهم واغتصب نساءهم وأطلق النار بلا مساءلة ولا رادع ولا وازع على أطفالهم… لا بد الآن وقبل أن تصبح جريمة الغوطتين مادة متداولة يومية عادية تتعود عليها البشرية وقراء الصحف ومشاهدو التلفزة، من وقفة مسؤولية وردة فعل إنسانية تواجه القاتل والمجرم قبل أن ينجو بفعلته.
إن سياق التجاذب والمفاوضات ومآل المبادرات ومشاريع القرارات ولقاءات الأقطاب والبحث المضني الدؤوب وهو غطاء العجز والتراخي والاستسلام عن مخرج سياسي للجريمة البربرية لتحويلها الى مفاوضات دولية، ليدل أن ثمة خطراً جدياً يتهدد حقوق الضحايا المنكوبين الذين صعقهم غاز السارين في ضاحية دمشق.
لقد هب الحليف الدولي، الذي هو نفسه قد أدرك المنعطف الخطير الذي اتخذته الأزمة السورية بالضرب بلا هوادة بالسلاح الكيماوي، لإنقاذ بشار الأسد من ورطته المريعة ومأزقه التاريخي بمبادرة ملتبسة ومقترح يحتمل التأويل والنقاش والتهيئة والترتيب فكيف بآلية التنفيذ وشهور التحقق من مواضع ومواقع التخزين لسلاح الدمار الشامل، وكيف بإتلافه والخلاص منه.
إن الحليف الدولي للنظام السوري، وبصرف النظر عن تصريحات بوتين المرتجلة باتهام الضحية، أي المعارضة السورية، بارتكاب المجرزة الوحشية الموصوفة، سارع الى استنباط حل لحليفه ودميته الدموية الفاشية بقصد كسب الوقت وشراء المراوغة والمماطلة والأخذ والرد، كي يبقى حاكم دمشق الى ما لا نهاية قابعاً في السلطة فوق رقاب الشعب السوري الضحية المنكوب.
ثمة نوايا ليست سليمة على الإطلاق بل خبيثة تكمن وراء المقترح الروسي المجبول بالدهاء والحيلة واستغلال رخيص بغيض موصوف للتردد الدولي والغرق في منطق أفضل السبل وأقل الوسائل العسكرية إيذاء لمعاقبة المعتدي الجبان.
لقد قرأ الكرملين جيداً كيف طبعت حروب أميركا الرأي العام في بلادها وكيف انعكست حرب أفغانستان سخطاً وغضباً ورفضاً على شعبها، بل كيف تورط بوش في كثبان العراق تلك الحرب الفضيحة، بل كيف طاولت تلك الحالة من الرفض البلدان الحليفة للعم سام كبريطانيا وفرنسا وألمانيا، فقدم له النموذج البريطاني بالتحفظ على الرد العسكري على مجزرة الكيماوي فرصة سانحة، فوجد ثغرة استطاع النفاذ منها لزعزعة التحالف الدولي وهو بعد قيد الإنشاء والتشكيل والإعداد.
لقد انتقلت عدوى الخوف من التورط الى العواصم الغربية كلها، فأصبح السائد الآن هناك هو العودة الى المجالس والهيئات التمثيلية، فإذا بالرئيس أوباما يصبح شغله الشاغل التأثير على الرأي العام واستمالته وإقناعه، وأصبح همه الأكبر نيل موافقة الكونغرس حيث يحتدم النقاش ويطول الجدال وتجري تصفية الحسابات بين جمهوريين هُزموا في انتخابات الرئاسة وديموقراطيين بدأوا يغرقون في الإعداد للرئاسة المقبلة. لقد طغى شبح “بوش” على “أوباما” وطغى شبح “طوني بلير” على “كاميرون” فانعكس ذلك ضعفاً ومراوحة ليشكل ثغرة نفذ منها المقترح الروسي الملتبس. فما كان من النظام الأسدي إلا أن قام بحركة التفاف ومراوغة لطالما أتقنها إذ بعد موافقة “وليد المعلم” السريعة على وضع مخزون النظام الكيماوي تحت الرقابة الدولية، التفّ النظام في دمشق على الأفكار التي راجت في العواصم الغربية رافضاً إتلاف ذلك المخزون، بل سارعت طهران لتأييد موقف كهذا.
إن المخجل والمعيب والمخيف في آن معاً أن يقتصر نقاش الأزمة السورية على ارتكاب نظام دمشق لمجزرة الغوطة الكيماوية، وكأنها إن حلت انحلت الأزمة برمّتها، وكأننا بذلك نقر ضمناً مذعنين لاستمرار الأسد المضي في غيه، وإطالة عمر الحرب في سوريا، باحثين لاهثين كما يروّج الآن عن إحياء جنيف2، بينما المطلوب معاقبة القاتل حتى لا ينجو بجريمته وسقوط مدوٍ لنظامه قبل فوات الأوان.
المستقبل
التفاوض على سوريا لا من أجلها/ سليمان تقي الدين
أوقف الرئيس الأميركي باراك أوباما الضربة العسكرية لسوريا استجابة للمبادرة الروسية بالإشراف الدولي على السلاح الكيماوي تمهيداً لتدميره. باشر وزيرا خارجية البلدين مفاوضات معقدة لا زالت الفجوة بين الموقفين فيها واسعة. يصر الأميركي على إبقاء الضغط العسكري قائماً، ويصر الروسي على التراجع عن التدخل العسكري كأساس لتنفيذ المبادرة. فالمبادرة لا يمكن تنفيذها عملياً إلا بإجراءات تقنية صعبة وطويلة الأمد. السيطرة على السلاح الكيماوي تحتاج إلى ظروف ميدانية، من بينها وقف إطلاق النار، ووجود قوات طرف ثالث لحراستها والعمل على تعطيلها. كلنا يتذكر فرق التفتيش في العراق في ظل سيطرة النظام على الأمن فكيف في حالة بلد تمزقه الحرب الأهلية. المسار التفاوضي بدأ من مسألة محددة ويحتاج إلى تفاهم سياسي أوسع بكثير لتنفيذ مهمة نزع السلاح الكيماوي. حصل الأميركيون على مضبطة اتهام ضد النظام السوري باعترافه بوجود هذا المخزون الهائل من السلاح، ولا نعرف بعد نتائج التحقيق في استخدامه.
ونجح الروس في تجنيب سوريا ضربة عسكرية قد تؤدي إلى كارثة، إما بسبب تفجير هذا السلاح فيها، أو عبر استخدامه للضغط على الموقف الأميركي. قد يكون الأميركيون قلقين فعلاً من الفوضى التي تعقب الضربة العسكرية ولكنهم يصرون على تغيير النظام أو التغيير في النظام بشكل أو بآخر، وهم حققوا جزءاً كبيراً من هذه الخطة. التفاوض مع الروس هو أقرب لحصر التداعيات وترتيب المخارج والبدائل. هناك أكثر من قضية في هذا الملف الذي تشترك فيه دول الجوار وعلاقة النظام بها، كما في مسألة العلاقة بين مكوّنات الشعب السوري التي تظهّرت طائفياً وتحتاج إلى ضمانات، فضلاً عن الجماعات المتطرفة. من المبكّر إذاً الحديث عن «تسوية سياسية» للأزمة السورية بأبعادها الكيانية.
لأول مرة يتحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن ضحايا الحرب الأهلية، وعن ملايين المهجرين، وعن تداعيات هذه الحرب التي يجب أن تكون في بنود التفاوض. هو يريد حلاً سياسياً كاملاً ولو من مدخل السلاح الكيماوي. الأميركيون أعادوا اهتمامهم وتركيزهم على الأزمة السورية بعد شبه انكفاء، لأنها أصبحت فعلاً تهدد الأمن الإقليمي وربما العالمي. لم يقلق الأميركيون من استعادة النظام السيطرة على الأوضاع بل من عجزه عن تلك السيطرة. فبعد سنتين ونصف السنة من القتال المدمر أصبحت الجماعات المسلحة أكثر قدرة على الوصول إلى بعض مواقع الأسلحة الإستراتيجية ومنها الكيماوي. وما كان يتعهده النظام في حراسة هذا السلاح أصبح غير مضمون، ولا سيما بعد استخدامه سواء من النظام أو من الجماعات المسلحة. وليس في اهتمام الأميركيين أن هذا السلاح قتل مئات الضحايا، فلقد كان الضحايا بعشرات الآلاف في هذه الحرب. بل الأصح هو مخاطر انتقال هذا السلاح إلى أطراف لا يخضعون لقواعد النزاعات الدولية والقوانين الدولية.
لقد كان الأميركيون جادين، ليس في وقف الحرب الأهلية السورية وتورّط الأطراف الإقليميين فيها، بل لأنها شارفت على فوضى لا قدرة لهذه الأطراف السيطرة عليها. لقد أمسكوا الجميع من نقطة الضعف هذه وذهبوا بها إلى حافة الحرب ولو أنهم لا يرغبون بها. لكنهم الآن أكثر قدرة على ابتزاز جميع الأطراف. فالروسي والإيراني لديهم الهواجس نفسها والمصالح نفسها في أن لا يظلوا في موقع الدفاع عن نظام لم يعد قادراً أن يتصرف كنظام في الحفاظ على مرافقه الأساسية ولا سيما أسلحته الإستراتيجية، بل أصبح طرفاً ولو قوياً في الحرب الأهلية. في واقع الأمر تحولت الأزمة السورية منذ زمن بعيد إلى نزاع إقليمي ودولي ولم يعد الأطراف السوريون أصحاب القرار مع تدويل الأزمة. تختلف ظروف البلدان العربية لكن أنظمتها قادت وتقود للنتائج نفسها من الرضوخ للأجنبي وعدم التنازل لمطالب شعوبها. ولأنها تفقد شرعيتها الشعبية تقود بلادها في المواجهة كما في المساومة مع الخارج إلى التفريط والإطاحة بالسيادة الوطنية.
السفير
بوتين يقضي على الأسد!/جمال خاشقجي *
لنتوقف عـن قرع طبـول الـحرب في سـورية، فـقد كتـبت مقالات عدة منذ بدايات الأزمة هـناك، وكررت فيها أن القـوة هي الديـبلومـاسـية الوحـيدة التي يفـهمـها بـشـار الأسد، ولنجرب المبادرة الروسية الداعية الى تجـريد النظام السوري من أسلحته الكيماوية، في مقابل عدم استهدافه بضربة عسكرية، ليس فقط لأن لا خيار آخر أمام العرب، طالما أن الغرب متردد حيال التدخل العسكري الحاسم، وإنما لأنها قد تكون ضمة الدب الروسي الأخيرة لصاحبه، والتي ستقضي عليه في نهاية المطاف… كيف ذلك؟
يستدعي تجريد النظام السوري من أسلحته الكيماوية بروتوكولاً يحدد مهمات ووقت المفتشين الدوليين وصلاحياتهم، لذلك حاولت فرنسا أن تستصدره من مجلس الأمن ليقضي بمدة زمنية محددة، وتهديد تحت البند السابع بمعاقبة النظام في حال مماطلته، فرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك، فهو في حال نشوة واعتداد بالنفس بعدما بدأ يسمع المحللين السياسيين يتحدثون عن قوته الباهرة، وسطوع نجمه على حساب أوباما المتردد. ولكن في النهاية لا بد من بروتوكول ما يحدد آلية تجريد النظام السوري من الكيماوي، وسيكون التفاوض مع روسيا وليس مع النظام السوري، وهنا إشارة مهمة إلى النهاية المحتومة للنظام الذي فقد ظله، وأصبح قرار بقائه في يد أجنبي بعيد، والأجنبي لا يمكن أن يكون وطنياً متحمساً حتى وإن بدا مدافعاً متحمساً. سورية الأسد أصبحت من الآن فصاعداً مجرد «طابة» في الملعب الروسي لتحقيق نتائج لها.
لا بد من أن يقضي البروتوكول بجدول زمني، ثم الاتفاق على تحديد مواقع تخزين الأسلحة الكيماوية وآلياتها ومصانعها والتفتيش عليها، ومن ثم تفكك وتنقل خارج سورية. ستقارن الخرائط والمعلومات الروسية وتلك التي سيقدمها النظام بالمعلومات الدقيقة المتوافرة لدى الأميركيين والفرنسيين، والذين بالطبع سيستعينون بمعلومات الإسرائيليين الدقيقة، فهؤلاء أكثر الناس اهتماماً ومتابعة لبرنامج السلاح الكيماوي منذ أن وضع لبنته مع الإيرانيين الراحل حافظ الأسد، وتوسع فيه ابنه بشار على أساس أنه سلاح الردع والتوازن مع إسرائيل، ولا يزايدن أحد علينا، فلم يبق عند تلك العائلة البائسة ونظامها ردع ولا ممانعة أو مقاومة، فلقد سقطت آخر ورقة توت، بينما كان وزير خارجية النظام وليد المعلم يعلن من موسكو الثلاثاء الماضي بعبارات رتيبة أول استسلام للنظام بالتخلي عن الكيماوي، واستعداده «لكشف مواقع أسلحتنا الكيماوية، ووقف إنتاجها، وعرض هذه المنشآت أمام ممثلين عن روسيا وبلدان أخرى والأمم المتحدة». تلك لحظة استدعت مثيلاً لها عام 1998 وفي حياة حافظ الأسد عندما اعترف للأتراك بوجود زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان، وأبعده من سورية بعدما رأى أمامه رتلاً من الدبابات التركية في الجانب التركي من الحدود المتجاورة!
يعيش هذا النظام بالقوة وبها يفاوض ويتنازل… ثم يموت، وبالتالي فإن كل من يتحدث عن رفض الضربة الأميركية بزعم حرصه على «الجيش العربي السوري» إنما يبحث عن عذر يبرر عدم رغبته في نصرة الثورة السورية وتطلعاتها نحو الحرية. لقد سقط الجيش السوري ودوره القومي لحظة وجّه بندقيته نحو شعبه.
بعد مقارنة الخرائط والمعلومات تبدأ عملية التفتيش، فلا أحد يثق بالنظام السوري ولا بحليفته روسيا، وبالتالي لا يعقل أن توافق الولايات المتحدة بقبول «وضع الأسلحة تحت رقابة روسيا الاتحادية». لا بد من أن تطالب هي وبقية دول العالم الحر، وربما مجلس الأمن بالتخلص التام من الأسلحة الكيماوية ومصانعها وآلياتها، ولكن سورية… كل سورية في حال حرب، إذاً لا بد من الدعوة لوقف إطلاق النار كي يتسنى للمفتشين الدوليين القيام بعملهم، ولكن وقف إطلاق النار بمثابة انتحار للنظام، فالثورة أصلها سلمية، وستعود الى سلميَّتها والتظاهر مطالبة برحيل بشار ومن معه، (وربما يفضلون الآن إعدامه)، وهنا لا بد للروس من أن يُلزموا حليفهم بوقف إطلاق النار، وإلا فستنهار مبادرتهم ويعود الرئيس الأميركي ومن معه من غرب وعرب إلى مربع الضربة العسكرية.
أريد أن أتفاءل وأقول إن الأطراف الدولية ستضغط نحو حل سلمي، فالحل العسكري وعلى رغم ترحيب معظم الشعب السوري به ليأسهم من أي إمكان تفاهم مع النظام سيؤدي إلى سفك مزيد من الدماء، ليس بسبب القصف ذاته، وإنما بسبب المعارك بين الثوار والنظام التي ستستعر فور بدء الضربات الدولية، وبالتالي فالأفضل للشعب السوري التوجه إلى جنيف للتفاوض على نقل السلطة وتشكيل حكومة انتقالية، ولكن التجربة تقول غير ذلك، فبشار نظام عربي ملأته الكراهية والحماقة، وقرر أن كل من يعارضه إرهابي يستحق الموت، وبالتالي فلا يُتوقع أن يبادر إلى حل تفاوضي إلا إذا ضغط عليه الروس بعدما باتوا يملكون قراره، أو يتركونه يواجه المصير الذي يستحقه.
التحول الأهم الذي حصل الأسبوع الماضي هو أن التفاوض بات يجري مع روسيا، ولم تتواضع هذه وتقبل بالتفاوض لإنقاذ حليفها الصغير إلا بعدما رأت الجدية في أعين الأميركيين. سيتعجل كثيرون ويقولون إن صفقة ما ستعقد بين واشنطن وموسكو لحل الأزمة السورية، ولكن المسافة بعيدة بين بقاء بشار ورحيله، لذلك سيقضي بوتين عليه، إما رضوخاً لضغط المجتمع الدولي، أو لأنه لم يبق شيء يستطيع أن يفعله بعدما استنفد كل ما عنده من سهام.
* كاتب سعودي
الحياة
لماذا يثير استخدام السلاح الكيميائي كل هذا الغضب؟
نشر موقع “بي. بي. سي” (12 أيلول 2013) تقريراً أعده مراسلها للشؤون الأمنية فرانك غاردنر، حول أسباب “صدمة” العالم من إقدام النظام السوري على استخدام السلاح الكيميائي ضد شعبه، على الرغم من عدم اكتراث هذا العالم للحرب الجارية. من التقرير نقتطف:
منذ ثلاثة أسابيع تقريباً، استيقظ العالم بهلع على نبأ الهجوم الكيميائي الواسع الذي شُن على أحياء سكنية في غوطة دمشق. ويتساءل بعضهم عن سبب اعتبار الغرب استخدام السلاح الكيميائي في سوريا تصرفا ممجوجا ومثيرا للاشمئزاز رغم ان البلاد ما زالت تشهد حربا ضروسا راح ضحيتها عشرات الآلاف في ظروف بربرية.
فحتى قبل يوم الاربعاء الحادي والعشرين من اغسطس / آب كانت سوريا قد شهدت قائمة طويلة من الفظائع شملت القصف المدفعي العشوائي لمناطق سكنية وتفجيرات انتحارية وقطع رؤوس والتعذيب الفظيع واستخدام قنابل النابالم الحارقة ضد المدارس وملاعب الاطفال. فلماذا كل هذا اللغط حول الكيميائي؟
يقول توماس ناش، وهو مراقب تسلح يعمل مع هيئة مقرها بريطانيا تدعى (المادة 36) تقول إن هدفها منع الضرر غير المقبول المتأتي عن استخدام انواع معينة من الاسلحة، إن “استخدام الأسلحة الكيميائية غير مقبول، ولكنه من غير المقبول أيضا، وبالدرجة نفسها، قصف المناطق الآهلة بالسكان بالمدفعية والعتاد الثقيل”.
ويقول ناش “أظن ان علينا ان نتذكر ان كل القواعد والقوانين التي وضعت للتحكم باستخدام الانواع المختلفة من الاسلحة هي مجرد وسائل لغايات معينة. فهي وسائل لمنع وتخفيف المعاناة الانسانية كالتي نراها في سوريا. وهذه القوانين تسري على القنابل العنقودية والحارقة واستخدام المتفجرات في المناطق المأهولة اضافة الى الاسلحة الكيميائية بطبيعة الحال”. ولكن الاسلحة الكيميائية لها خصوصية، قد يكون مردها انها لا ترى بالعين ولا يمكن الهرب منها، وانها تسبب موتا مؤلما جدا.
وكان من المفروض ان يتعلم العالم من الفظائع التي تسببت بها الاسلحة الكيميائية في الحرب العالمية الاولى ويقرر الا يستخدم هذا النوع من الاسلحة في المستقبل ابدا. ولكن لم تكد ان تمر بضع سنوات على مجازر الحرب الاولى قبل ان تستأنف بريطانيا استخدام الاسلحة الكيميائية ضد الاكراد العراقيين وفي افغانستان ايضا، وذلك قبل حظرها نهائيا في بروتوكول جنيف لعام 1925.
ويقال إن رئيس الوزراء البريطاني ابان فترة الحرب العالمية الثانية وينستون تشرتشل كان من دعاة استخدام هذا السلاح (تشرتشل كان يشغل منصب وزير المستعمرات في 1920 عندما استخدم البريطانيون الاسلحة الكيميائية ضد الاكراد)، كما سرت مخاوف من ان يعمد هتلر الى استخدامها ضد بريطانيا. ولكنه لم يفعل، وافلتت بريطانيا من مخاطر هذا السلاح – الا ان عدة بلدان لم تكن محظوظة كبريطانيا.
فقد استخدمت اليابان الغازات السامة ضد الصين في الثلاثينيات، كما استخدمها الفاشي الايطالي موسليني في اثيوبيا اواخر الثلاثينيات واستخدمها الجيش المصري في حربه ضد القبائل اليمنية في الستينيات.
ولكن هذا كله لا يمكن ان يقارن بما حصل في بلدة حلبجة الكردية العراقية القريبة للحدود مع ايران. ففي مارس / آذار 1988، وبعد اجتياح القوات الايرانية للبلدة في الاسابيع الاخيرة من الحرب العراقية الايرانية التي امتدت ثماني سنوات، قصفت القوات العراقية حلبجة بالسلاح الكيميائي مما اسفر عن مقتل نحو 5000 من سكانها على الفور.
كان كامران حيدر يبلغ الحادية عشرة من عمره وقتها، ويقول إنه وباقي افراد اسرته هرعوا الى الملاجئ عندما بدأ القصف. وقال لي كامران إن القصف بدأ بالقنابل التقليدية، ولكن بعدها بدأ واسرته بشم رائحة غريبة تشبه رائحة الفواكه والثوم. عندها عرفوا ما كان يحصل. وقال “عندما شممنا هذه الرائحة، عرف امي وابي انها رائحة سلاح كيمياوي. بدآ بالصراخ والعويل. كان الوضع مروعا، خصوصا وان السلاح الكيميائي يختلف كليا عن باقي انواع الاسلحة. فمع الاسلحة التقليدية يمكنك الاختباء في ملاجئ او في كهف، ولكنك لا تستطيع ان تهرب من الكيميائي”.
ومضى للقول “عندما ادركت والدتي ان السلاح كان كيميائيا، اسرعت الى المطبخ وعادت ببعض المناشف ودلو ماء، وقالت: ضعوا هذه على وجوهكم كيلا تحترقوا لأن الحروق الكيميائية تفقد البصر”.
ثم هرعت والدة كامران الى خارج الدار بحثا عن احد اولادها الذي ركض الى الخارج. وفعلا وجدت الصبي ميتا، ولكن بعد عودتها الى الملجأ ماتت هي الاخرى من تأثير الغاز السام. وفقد كامران في ذلك اليوم والده ووالدته واخته الوحيدة واخويه واحد ابناء عمومته. ويقول “كانت معجزة اني بقيت على قيد الحياة، فمن 35 شخصا كانوا في ذلك الملجأ، لم ينج الا انا وصديقي هوشيار”. واضاف “ولكن بسبب اضطراري للبقاء في الملجأ مع الجثث لثلاثة ايام من دون ماء او طعام تسممت بالمواد الكيميائية. فقدت بصري واحترق جلدي وكنت افقد الوعي”.
ان السبب الذي يدفع المجتمع الدولي لاتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع استخدام الاسلحة الكيميائية اذن هو تجنب حلبجة ثانية. ويعبر العقيد هامش دي بريتون غوردون، وهو مفتش سابق عن الاسلحة الكيميائية، عن خشيته من ان ما حصل في غوطة دمشق الشهر الماضي قد يصبح سابقة لحوادث أسوأ في المستقبل.
ويقول “اعتقد ان ما يدفعنا للتصرف بسرعة هو الخشية مما قد يخفي لنا المستقبل. ففي هجوم الشهر الماضي استخدمت كميات من غاز الاعصاب سارين تراوحت بين 100 و200 لتر. الا اننا نقدر ان نظام الرئيس الاسد يمتلك بين 400 و1000 طن من السارين، بامكانها ان تفتك بعشرات بل بمئات الآلاف اذا استخدمت. علينا اذن التحوط لما قد يخفيه لنا المستقبل”.
ليس باسمنا/ مصطفى زين
هي اللعبة القديمة تتكرر دائماً. القوى العظمى تتفاوض نيابة عن الدول والشعوب الضعيفة. تقرر المصائر وشكل الحكم. تنصب الرئيس المناسب. تعزل هذا وتقرب ذاك. ترسم الحدود الجغرافية. تقرر من العدو ومن الصديق. تنشىء الأحلاف. تتكرم بتسليح هذا الطرف للدفاع عن نفسه وتحرم الآخر … كل ذلك باسم الإنسانية والقانون الدولي.
العين الآن على جنيف. على لافروف وكيري. مصير الشعب السوري، وشعوب المنطقة كلها، معلقة في انتظار اتفاقهما أو افتراقهما. الأول يمثل سورية النظام وحلفائه في الداخل والخارج. والثاني يمثل «الثورة» وتوابعها وحلفاءها.
واقع الأمر أن كلاً منهما يجتهد للحصول على أكبر قدر ممكن من كعكة المصالح النفطية والجيوستراتيجة. وضمان نفوذه عبر سلطة أو نظام «صديق» يحمي هذه المصالح ويؤمن ديمومتها. كان باستطاعة الطرفين بدء هذه المفاوضات قبل أكثر من سنة. لكن كليهما كان يراهن على انتصار فريق سوري على آخر. وكلاهما كان يؤمن الدعم المادي والتسليحي والسياسي لحليفه. الولايات المتحدة كانت تراهن على «الثوريين» لتوسيع نفوذها. وعلى قسم ظهر الحلف الممتد من إيران إلى لبنان. وروسيا العائدة بقوة إلى المسرح الدولي تراهن على تماسك هذا الحلف الكاسر للتوازن الدولي. تطمح إلى استعادة دور الإتحاد السوفياتي. بوتين قيصرها الجديد يلعب دور الحزب الشيوعي بكل مؤسساته. أما مسألة الكيماوي ومأساة السوريين فليست سوى ورقة تستخدمها الولايات المتحدة لتغطية طموحاتها التي لا تخفيها. وتسعى جاهدة لإقناع العالم بمشروعيتها. لكن إدارة الرئيس أوباما فشلت في إقناع الأميركيين بأن ضرب سورية يحقق هذه الطموحات. الشعب كان أكثر واقعية من الإدارة. تعلم من التجارب السابقة التي دفع ثمنها ترليونات الدولارات وآلاف الجنود القتلى. وجزءاً ليس قليلاً من حريته، ومن أمنه واستقراره.
خلال حملته المكثفة لإقناع الأميركيين والكونغرس بضرورة إعطائه تفويضاً لضرب سورية، استشهد أوباما بأميركي كتب إليه يقول: «ما زلنا في مرحلة التعافي من تورطنا في العراق». وأضاف أن «أحد المحاربين القدامى عبر عن الوضع بطريقة مباشرة حين قال لي : هذه الأمة مريضة ومتعبة من الحرب. وكان جوابي بسيطاً: لن تدوس أقدام الجنود الأرض في سورية. لن أشن حرباً مفتوحة مثل الحرب على العراق أو افغانستان. لن أطلق حملة جوية طويلة مثلما كانت الحملة على ليبيا أو كوسوفو. سيكون الهجوم سريعاً لتحقيق أهداف محددة: وقف استخدام الأسلحة الكيماوية، وإضعاف الأسد».
وصف خطاب أوباما بأنه كان ضعيفاً مليئا بالتناقضات. ضعيف لأن قائله كان متردداً. هو لا يريد الحرب لكنه مدفوع إليها للمحافظة على ماء وجهه فقد حدد خطوطاً حمراء تجاوزها الأسد. وعليه تنفيذ وعيده. ومتناقض لأنه يريد القضاء على النظام بالضربة القاضية، وهو ليس واثقاً من ردود الفعل. يريد إسقاط النظام ولا يسعى إلى ضرب الجيش الملتف حوله. لذا تراجع وألقى الحمل على الكونغرس. لجأ إلى المفاوضات مع الروس. فاللعبة بالنسبة إليه ليست ثورة ومقاومة وحريات. هي لعبة مصالح ونفوذ، وليدفع السوريون الثمن، ليقتتلوا إلى أن ينهكوا جميعاً وتسقط الثمرة. أما روسيا فكل همها الآن الخروج من الحرب القوة العظمى الثانية، بقي الأسد أو رحل.
ليس باسم السوريين يتفاوض الروس والأميركيون. وليس باسمنا نحن العرب الذين سلمنا أمرنا إليهم. وعلينا تقبل النتائج كما هي في انتظار ثورة ثانية.
الحياة
مصادفة أم صفقة؟/ سناء الجاك
ضربة أم لا ضربة؟ قسماً، هذه ليست المسألة. المسألة في منسوب القرف الذي يرتفع حتى يكاد يلوث الغيم. كأن يعلن نائب رئيس الوزراء السوري وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم “ترحيب الجمهورية العربية السورية باقتراح القيادة الروسية انطلاقاً من حرص القيادة السورية على أرواح مواطنينا وأمن بلدنا وانطلاقاً من ثقتنا بحكمة القيادة الروسية الساعية لمنع العدوان الأميركي على شعبنا”. ففي هذا الكلام كمٌّ من الكذب السمج والمزعج.
أولاً سوريا ليست جمهورية، بل ديكتاتورية يحكمها الأب والإبن، والشهية مفتوحة لإعداد الحفيد لمتابعة مسيرة الصمود والتصدي. لذا تبذل السيدة الاولى محاولات عدة لوضع ابنها حافظ في مدرسة حكومية أو خاصة في سويسرا أو في بريطانيا، في ظل أنباء عن رفض غالبية المدارس استضافة “ابن الديكتاتور”.
اما ثانياً، فيتعلق بحرص القيادة السورية على أرواح المواطنين وأمن البلاد. هذه كذبة مدوية، أكثر بكثير من صاروخ “سكود” وبراميل البارود التي تنزل حممها على رؤوس الابرياء، او الاسلحة الكيميائية التي تبيد الشعوب بنظافة يصبح هتلر معها ملاكاً. اما عن السجون وأقبية الاعتقال واساليب التعذيب قبل الثورة وخلالها فحدِّث ولا حرج. من لا يصدّق فليقرأ كتاباً لفرج بيرقدار عن حقائق لا تهز الا من يبتلي فيها في غياب الحشرجة في الضمير العالمي.
تبقى الكذبة الاخيرة المتعلقة بحكمة القيادة الروسية الساعية لمنع العدوان الأميركي على شعبنا. فكل الملفات المتعلقة بسيناريوات الأزمة السورية التي وضعت على طاولة الاهتمام الدولي دفعة واحدة، بدت معطياتها كأنها تشير الى تنافس، ربما مصطنع، بين التسوية السياسية والضربة العسكرية، مع اشارات كثيرة الى رائحة الصفقة التي تفوح في اسلوب الطرح الذي تداعى ككرة ثلج وبدأ مع اقتراح وزير الخارجية الاميركي جون كيري تسليم نظام الاسد أسلحته الكيميائية، ليتلقف الاقتراح نظيره الروسي سيرغي لافروف ويقولبه ويطرحه على المعلم الذي صدف انه يزور موسكو ليوافق فوراً ومن دون تردد او حتى انتظار مشاورات رسمية او اجتماعات لقراءة الاقتراح وتداعياته. كأنه كان أعدّ قبل سفره جملته السحرية التي تتحدث عن مواطنيه وجمهوريته، في انتظار ان ينطق كيري جوهرته.
يا لمحاسن المصادفات التي خلطت الاوراق عشية سعي الرئيس الاميركي باراك اوباما للحصول على موافقة اشبه بمعجزة من الكونغرس الاميركي لتنفيذ ما كان يردده عن توجيه ضربة محددة وردعية للنظام الاسدي الذي استخدم السلاح الكيميائي ضد أهالي الغوطة.
من باب المصادفة وليس الصفقة، جاء اعلان مسؤول إسرائيلي عن دعم الجهود الديبلوماسية لمنع توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا في مقابل موافقة النظام السوري على تسليم جميع الأسلحة الكيميائية. فقد نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية بالتزامن مع كرة الثلج نفسها، ان المسؤول الذي تحدّث من دون ذكر اسمه، قال “ويعدّ هذا هو الحل الأفضل حتى بالنسبة لإسرائيل”.
المهم ان لا ينسى الجميع في خضم الصفقة، هدفها الاساسي القاضي بأن لا ينزعج خاطر اسرائيل من اسلحة بشار الكيميائية. لكن الاهم ان لا تخسر اسرائيل وجود بشار ونظامه لتبقى مرتاحة الى وضع الممانعة الفولكلوري والضامن لأمنها. كرمى عيون اسرائيل نسّق الروس مع الاميركيين وأعطوا توجيهاتهم لقلعة الصمود والتصدي التي وجدت في العرض ما يناسبها لتتابع مسلسل اجرامها.
ذلك ان دخول اقتراح تسليم دمشق الاسلحة الكيميائية الذي اعتبره النظام الاسدي روسياً، مع ان كيري كان الاول في طرحه، سيؤدي حتماً الى منح هذا النظام مزيداً من الوقت الضائع ليتابع جرائمه ويسعى الى تغيير المعادلات واطالة عمره على الارض، بكيميائي أو من دونه، بمعلولا أو بغيرها، من مثل نقل أزمته الى دول الجوار، ولبنان منها، ليخفف عن كاهله وطأة الضغط الدولي. من شأن ذلك أيضاً ان يمنح الادارة الاميركية فرصة لتتنفس الصعداء وتعيد ترتيب اولوياتها بما يناسب مصالحها. فاذا حصلت الضربة كان به، واذا استطاع التلويح بالضربة حيناً وبالتسوية حيناً آخر أن يجعل الولايات المتحدة تحصل على مزيد من التنازلات الاسدية والايرانية فسيصبح الوضع افضل ومن دون تكاليف. واذا انسد الافق يصار الى الغرق في التفاصيل وتفاصيل التفاصيل حتى يقضي الله أمراً كان محتوماً.
النهار
ثمن الكيميائي/ يوسف بزي
يصرّ بشار الأسد أن يكون شبيهاً بصدام حسين. وبدرجة الإصرار نفسها، تكرر الولايات المتحدة (والمجتمع الدولي)، في تعاملها مع نظام الأسد، الأخطاء ذاتها التي ارتكبتها في التعامل مع نظام صدام حسين.
إثر حرب تحرير الكويت، التي غزاها صدام حسين في آب 1990، منيت القوات العراقية بهزيمة كبيرة، وتلقى النظام العراقي ضربات هائلة أصابته بضعف شديد قارب الانهيار التام. وإزاء هذا الضعف، رأى الشعب العراقي فرصة سانحة للتخلص من نظام أخذ العراقيين إلى التهلكة بمئات الألوف، في حربيه المدمرتين الإيرانية والكويتية. فبعد أن رأى الشعب العراقي تلك الهزيمة في حرب لا مبرر لها، ورأى خراب بلاده على يد ديكتاتور، قبل أن يكون على يد “تدخل خارجي”، وشعر بوهن النظام وتضعضه وفقدانه للسيطرة، انتفض العراقيون في مطلع آذار 1991، وشملت خروج المواطنين في تظاهرات سلمية قامت بمحاصرة معسكرات الجيش والأمن داعية إلى إسقاط النظام (قبل “الربيع العربي” بعشرين عاماً)، وانضم إلى الانتفاضة قطعات كاملة من الجيش العراقي وقوات الشرطة، بالإضافة إلى “المعارضة المسلحة” (فيلق بدر في الجنوب، والبشمركة في الشمال). وشملت تلك الانتفاضة 14 محافظة عراقية من أصل 18 محافظة، أي الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي. خلال يومين فقط، كان معظم العراق قد تحرر وخرج عن سيطرة نظام صدام حسين، الذي سرعان ما ردّ على هذه الثورة بكل ما أوتي من وحشية وقوة نارية، مستعيناً بفرق النخبة والحرس الجمهوري والميليشيا البعثية. في تلك اللحظة، سمح الأميركيون لصدام حسين، طالما أنه وقّع اتفاقية وقف إطلاق النار معهم، باستخدام الطوافات العسكرية داخل العراق، التي سيستخدمها صدام حسين بـ”إبادة” المتمردين واستعادة السيطرة على المدن المنتفضة. ونعني بكلمة إبادة، لجوء النظام إلى أسلوب فحواه أن تواجد معارض واحد للنظام في مكان ما سبب كاف لقتل أهل المنطقة بأسرهم. وحسب وثائق علي حسن المجيد (علي الكيماوي)، قتل صدام حسين خلال 14 يوماً (مدة الانتفاضة) أكثر من 300 ألف شخص، بمعدل 20 ألف قتيل في اليوم الواحد.
وبالأسلوب ذاته الذي سيعتمده بشار الأسد، روّج صدام حسين للعالم، بأن هذه الانتفاضة طائفية “ظلامية”، من ناحية، و”انفصالية كردية” من ناحية ثانية، موحياً أنها لتنفيذ أجندات خارجية مشبوهة، ما أثار ريبة وتوجس الجيران: دول الخليج، تركيا، سوريا، الأردن، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وحلفائها. وعليه، وقفت القوات الأميركية عند حدود مدينة البصرة تتفرج على المجزرة، وهي التي تمنّعت عن إكمال مسيرها في نهاية شباط 1991 نحو بغداد لإسقاط صدام، بحجة أنها لا تملك “تفويضاً” أبعد من تحرير العراق، تاركة العراقيين لمصيرهم المشؤوم. وكانت النتيجة أن استعاد صدام حسين هيمنته وجدد حكمه الدموي لسنوات عديدة إضافية.
كان لتأجيل إسقاط صدام حسين من العام 1991 إلى العام 2003، عواقب كارثية. ففي هذه الفترة كان لنتائج العقوبات الاقتصادية أثراً فادحاً على الشعب العراقي وعلى الدولة ومؤسساتها، والأهم هي الانتكاسة الكبرى التي أصابت أرواح العراقيين الذين باتوا أكثر فقراً وأمّية ويأساً، وزادت عزلتهم عن العالم وعن روح العصر، وارتدّوا إلى ما قبل المدنية، وإلى أشد أنواع العصبيات الدينية تزمتاً وتطرفاً.
في أثناء ذلك، قايض العالم (بقيادة الولايات المتحدة) بقاء صدام حسين بتسليمه السلاح الكيميائي، وقبل صدام حسين تدمير مخزونه من أسلحة الدمار الشامل مقابل ضمان بقائه وعصابته في السلطة. وكان الثمن حرية الشعب العراقي وحقوقه.
على الدرب ذاته، يسير اليوم بشار الأسد، وتسايره أيضاً الولايات المتحدة، التي كما حدث في العراق، تتناسى الدم السوري وحماية المدنيين وحقوق الإنسان، في صفقة فحواها: ترك السوريين لمصيرهم المشؤوم أمام آلة القتل الفاشية، مقابل تسليم النظام سلاحه الكيميائي. كذلك تعمد الولايات المتحدة إلى الأخذ برواية النظام ذاتها التي روّجها صدام حسين عن انتفاضة العراقيين، بأنها انتفاضة تكفيريين وإرهابيين من صنف تنظيم “القاعدة”، كتبرير للتملص من واجبها السياسي والأخلاقي، بوصفها قائدة لـ”العالم الحر” الذي أخذ على عاتقه، بعد انتهاء الحرب الباردة، صياغة مبدأ “التدخل الإنساني” بوصفه قانوناً أسمى من مبدأ “السيادة الوطنية”، والعمل به في إدارة السياسة الدولية وفي شروط الأمن الدولي ومعاييره.
وحال “سوريا الأسد” اليوم، كما حال “عراق صدام” بعد حرب الكويت، فهي منذ قانون “محاسبة سوريا” الأميركي، ثم القرارات الغربية والدولية والعربية منذ بداية الثورة، تعيش سوريا تحت وطأة عقوبات سياسية واقتصادية، يُضاف إليها التدمير المنهجي الذي يمارسه النظام للعمران وللمجتمع.. وإذا استمر هذا الحال لسنوات مقبلة ولم يسقط النظام سريعاً، فإن أي تدخل دولي متأخر سيكون بعد فوات الأوان، أي بعد أن يكون النظام قد أتى على البقية الباقية من سوريا الدولة والمجتمع والعمران والإنسان، تماماً كما حدث في العراق عام 2003، عندما بدأنا لأول مرة نشاهد عبر الشاشات والصور العراقيين وهم ينهبون بلدهم بالذات هائمين في الشوارع في هيئات مزرية وحال بائسة. كانوا كتلاً بشرية معطوبة وقد نالها الخراب من داخلها، منفلتة على عنف أعمى وعبثي وعلى فساد يائس وأعمار ضائعة وأرواح محطمة لم تعرف ماذا تفعل بتلك “الحرية” التي جلبها “الاحتلال”، ولم تعرف حتى اليوم ماذا تفعل بحريتها حتى ما بعد الاحتلال.
في نهاية المطاف، سيذهب الأسد عاجلاً أم آجلاً، لكن الخوف هو أن ينجح أيضاً في التشبّه بصدام حسين بأيامه الأخيرة، أي أن يأخذ معه سوريا نفسها إلى الخراب العميم.
المستقبل
سوريا.. اتفاق غير قابل للتنفيذ/ طارق الحميد
أعلن الأميركيون والروس التوصل إلى اتفاق للتخلص من ترسانة أسلحة نظام بشار الأسد الكيماوية، وذلك بعد مفاوضات ثلاثة أيام في جنيف، ويمكن وصف الاتفاق بأنه أشبه بعملية شراء سمك في الماء، ومن الصعب تصديق نجاحه، أو أن يجري التعامل معه بجدية من قبل الأسد.
نقول إن الاتفاق أشبه بعملية شراء سمك في الماء لعدة أسباب؛ أولها أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقول إنه بموجب الاتفاق يتعين على الأسد أن يقدم «قائمة وافية» بمخزوناته من الأسلحة الكيماوية خلال أسبوع، وإنه يجب أن يكون مفتشو الأسلحة على الأرض بسوريا في موعد لا يتجاوز نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، معلنا، أي كيري، أن الهدف هو التدمير الكامل لأسلحة الأسد الكيماوية بحلول منتصف عام 2014، وهو موعد الانتخابات الرئاسية في سوريا، التي أعلن الأسد نيته الترشح فيها، ولهذا مدلولات كثيرة بالطبع. ثم يضيف كيري، وهذا المهم هنا، أنه إذا لم يلتزم الأسد بالاتفاق فإن نظامه سيواجه عواقب بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يعني استخدام العقوبات والعمل العسكري، إلا أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يقول، وبكل وضوح، إن الاتفاق «لم يذكر شيئا عن استخدام القوة، ولا شيء بشأن أي عقوبات تلقائية»!
إذن السؤال هنا هو: ما الذي يضمن هذا الاتفاق؟ وما هي عواقب عدم تنفيذه؟ والأخطر من كل ذلك أن لافروف يقول إن نجاح هذا الاتفاق يتطلب أيضا تعاون المعارضة، فهل المعارضة هي من يملك الكيماوي، أو من يسيطر أساسا على مواقع تقع فيها تلك الأسلحة؟ والأخطر من كل هذا أن الأميركيين والروس لم يصلوا إلى اتفاق واضح حول عدد مواقع الأسلحة الكيماوية، والسبب واضح وهو أن إقرار الروس بعدد المواقع، وأماكنها، يعني مسؤولية الأسد المباشرة والتلقائية عن مجزرة الكيماوي في 21 أغسطس (آب) الماضي في الغوطة الشرقية، مما يسهل جر الأسد لمحكمة الجنايات الدولية في حال أراد المجتمع الدولي فعل ذلك، خصوصا بعد قول الأمين العام للأمم المتحدة إن الأسد، وطوال عمر الثورة، قام بارتكاب جرائم بحق الإنسانية، وهذا ما لا يريده الروس بالطبع.
وعليه فطالما أنه لا عواقب واضحة لعدم التزام الأسد بالاتفاق، وخصوصا عدم الاتفاق الواضح حول استخدام القوة تحت الفصل السابع، وطالما أن الاتفاق متروك لـ«حسن النوايا» من قبل الأسد، والضامن هو التعهد الروسي، حيث باتت موسكو الوصي الشرعي على الأسد، وطالما أن المواعيد المعلنة من قبل الوزير الأميركي للتخلص من الأسلحة الكيماوية تقودنا إلى منتصف عام 2014 نفس موعد الانتخابات الرئاسية السورية، مما يخول الأسد استخدامها كورقة مساومة، فإن كل ذلك يعني أننا أمام اتفاق صعب التنفيذ، وأشبه بعملية شراء سمك في الماء، اتفاق يقول إن الروس نجحوا مرة جديدة في حماية الأسد، والمفارقة أنهم حموه هذه المرة ليس باستخدام الفيتو بمجلس الأمن، بل بموافقة من إدارة أوباما نفسها!
الشرق الأوسط
في يوم واحد/ عباس بيضون
أخيراً في يوم واحد، وفي سرعة البرق لم يعد للضربة الأميركية وجود. يقولون أن بوتين هكذا أنقذ سوريا وأميركا، أنقذ أيضاً حلفاء سوريا وحلفاء أميركا. لا نعرف إذا كان الأميركان والروس سينتهون إلى وفاق، لكن أوباما استمهل الكونغرس وحكام سوريا رحّبوا بهذه النجدة وكل شيء يؤكد أن حديث الضربة طوي، وأن الجميع خرجوا من الورطة سالمين. قال ميشال كيلو أن الأميركيين تدخلوا لمصلحة إسرائيل وأن إسرائيل وحدها الرابحة. كان الكيماوي إذن يوازن النووي لكن وزير الخارجية السوري لم يلتفت إلى ذلك وفي غمرة ترحيبه بالاقتراح الروسي لم يخطر له أن سوريا فقدت توازنها مع إسرائيل، لقد نجا النظام السوري من الضربة وهذا وحده الذي همّ وزير الخارجية السوري. لعل هذه الموازنة بين الكيماوي والنووي لا تخطر لأحد، لم تخطر لحكام سوريا، لعلها ليست أكثر من خرافة. مَن يضع الكيماوي في مقابل النووي، لما شعر الإسرائيليون أن ثمة نية لمفاعل نووي عجلوا إلى ضربها، لم ترعبهم ترسانة الكيماوي ولم تستحق تدخلهم، هذه الترسانة موجودة فقط ضد شعبها، إنها ترهبه وحده، الآن ننتظر تقرير لجنة الأمم المتحدة، ماذا لو كان التقرير كما توقع الأميركيون والأوروبيون والعالم كله، ماذا لو دان النظام السوري. لو جرّمه، انهم فقط 1500 مواطن، رقم صغير مقابل الـ150 ألفاً الذين قتلوا في سنتين، إلى أين يصل العدّ بعد عشرة أعوام، قرابة المليون، من حق النظام السوري ان يقتل شعبه، من حقه أن يقصفه من الجوّ، أن يضربه بالصواريخ، أن يلقي عليه براميل المتفجرات. إنه شعبه وهذا حقه القومي والوطني، فهو يؤدب قومه ووطنه وليس من حق أحد أن يدخل بين الحكومة وشعبها، الكيماوي وحده محرّم، الكيماوي وحده ممنوع بقرار دولي. ربما ينتظرون حتى يصل عدد القتلى إلى مليون. لا نعرف إذا كان مسموحاً بالمليون، ليقولوا لنا أين يقف العدد، ما بعد المليون، ما بعد المليون والنصف. يقولون أن ربع هذا العدد من أنصار النظام. ومن قال أن ذبح مؤيدي النظام أمر لا يؤبه له وأن دمهم يُهرَق في موضعه ويسيل في مكانه، إذا كان ربع العدد من أنصار النظام، فهذا لا يؤذن بأن المجزرة مشروعة وأن توازن القتل مبرر ومقبول.
السفير
التراجع «الكيماوي» وتلفيق نصر مستحيل/ بشير هلال
يسعى النظام الأسدي بكل الوسائل الى تحويل تراجعه المعلن في قضية السلاح الكيماوي الى نصرٍ إعلامي يوظفه في استمرار حربه الشاملة على المعارضة السورية. وذلك ليس غريباً على تقليدٍ عروبوي وبعثي وأسدي قديم جرى تجسيده الفاقع في هزيمة 1967 حين اعتبر حزب «البعث» الذي «استدرج» اكثر مقدماتها، أن النجاح في الحفاظ على نظامه انتصار لا يقلل من شأنه نجاح إسرائيل باحتلال الأرض.
ولا يبتعد سعي النظام هذا عن السياق الذي جعل حليفه «حزب الله» يعلن «النصر الإلهي» بعد حرب تموز (يوليو) 2006 ويستثمره في تعزيز هيمنته في الداخل على رغم الخسائر الجسيمة في صفوفه وبين المواطنين، وفي الاقتصاد والعمران، وخروجه من الحرب مكبلاً بالقرار 1701 وباليونيفيل ومتهيباً القيام بعمليات «تذكيرية» مهما كانت صغيرة.
والحال أن ادعاء الانتصار مبنيٌ على الترويج لفكرة أن واشنطن «اضطُرَّت» للتراجع عن الضربة المقررة المستند إلى ثلاثة تفسيرات:
الأول، أن الاقتراح الروسي بإخضاع وتسليم السلاح الكيماوي وقبول الأسد به الذي أسفر عن تأجيل الضربة، كان لمساعدة أوباما على الخروج من «المأزق» الذي وضع نفسه فيه بتهديداته. وتصفه جريدة «الأخبار» في عدد 9/10 بأنه «الصبي الأزعر يحتاج ليس فقط الى من يمسكه من قميصه بل الى من يرشوه ليغادر المكان». وهذا ما قاله في شكلٍ مختلف بوشكوف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الدوما الروسي.
الثاني، خوف اوباما من ردود الفعل الحربية لدمشق وحلفائها على أي عملية عسكرية. وتولَّى إعلام الممانعين الترويج لردود الفعل «الحربية المحتملة» مع صورٍ قيامية. فكتبت الصحيفة ذاتها في عدد 2/9 ما معناه أن الأسد والممانعين والروس اظهروا «بعض الأشياء على الارض وفي البحر وفي اكثر من منطقة حساسة بالنسبة الى الاميركيين»، وأرفقوها برسالة موجزة: «ليس عندنا ما يسمى ضربة محدودة او رمزية او شكلية، وأي صاروخ يعبر الأجواء السورية يعني انطلاقة اوسع حرب شاملة». وكان الأسد ساهم في تعميم التوقعات الكارثية في مقابلته مع محطة «سي بي اس» الأميركية بقوله: «توقعوا أي شيء. كل شيء ممكن الحدوث»، من دون نسيان تذكير الأميركيين بـ11 أيلول (سبتمبر)، وذلك في اختلافٍ عمَّا كانت روسيا وإيران تعلنانه كل على طريقتها من أن الدعم لن يتجاوز حدود تقديم السلاح والعتاد و «المساعدات الانسانية».
والسؤال هو: اذا كان أوباما والأميركيون على هذه الدرجة من الخوف الذي يجب ان يلتقي «منطقياً» مع خوف اسرائيل من الادعاءات المتقطعة لبعض قادة ايران و «حزب الله» بالقدرة على إزالتها، وإذا كانت الممانعة الأسدية على هذه الدرجة من الثقة بتقديراتها وتقديرات حلفائها، فلماذا تسلم السلاح الذي كان احد ابرز الاسلحة الافتراضية في «التوازن الاستراتيجي» وفي ردع عدوٍ تُنسب اليه قيادة المؤامرة على النظام والمقاومة والممانعة و «التعددية القطبية» جملة وتفصيلاً؟
الثالث وقد أدلى به رئيس النظام السوري أخيراً في مقابلة مع تلفزيون «روسيا 24» الحكومي، والقائل ان وضع اسلحة بلاده الكيماوية تحت الإشراف الدولي إنما يأتي «تلبية لطلب روسيا»، وأن «تهديدات الولايات المتحدة لم تؤثر في القرار». وقد فسّره بعضهم بأنه تعبيرٌ عن»الوفاء» للدعم الروسي بينما هو يُظهِر، بالعكس، تهافتاً في قوة النظام أجبره على إطاعة الحامي والملجأ الأخير أياً كان التكتيك الذي يقترحه، خدمة للهدف المرحلي باتقاء الضربة.
بيد أن النظام ليس وحيداً في بحثه عن تلفيق نصرٍ موهوم على القوة الاميركية الغربية. إذ ان القوى التي تسانده وتدعمه بمقومات الاستمرار تشـاركه تمامـاً هذا الـمسـعى لمـصالح مشتركة من جهة، ولتحقيق مكاسب إعلامية سياسية لكلٍ منها ثانياً، ولحجب حقيقة نسبة القوى التي أظهرها الإذعان لمبدأ تسليم الكيماوي ثالثاً. وذلك أمرٌ مـستـقل نسبياً عن أربـع قـضايا:
أولاً، السياق اللاحق الذي يمكن أن تتخذه الأحداث. فطالما أن مشروع «الضربة» لم يُطوَ رسمياً وأن إسقاطه نهائياً مشروطٌ بحل مشكلة الكيماوي جذرياً، فإنه سيبقى على الطاولة ويظل قابلاً للتطور إلى نزاعٍ متجدد، مثلما يمكن في المقابل أن يُشكل أداة ضغط مهمة لولوج باب تسوية تتجاوز الإطار التقني. وهي تسوية قد تكون غالباً في غير مصلحة استمرار حكم الأسد، وهذا ما أشارت اليه وسائل اعلام وما أوحى به خطاب أوباما الى الأميركيين بتوصيفه السلبي للأسد وبتعهده العمل على حل سياسي للصراع في سورية.
ثانياً، إن الترويج لمقولة أن تسليم الكيماوي للإشراف الدولي يضمن إنقاذ النظام ويُجدِّد «تعاقده» مع العالم واعترافه به، يتجاهل أن التسليم يحميه من ضربة خارجية لكنه يقلص، بما سيفرضه تنفيذه من ضبطٍ، قدرته التدميرية الداخلية والتدخلية خارجياً، ويشكل صفعة إعلامية له باعتباره أنكر دائماً وجود الاسلحة الكيماوية، فيما يتبين انه يملك منها مخزوناً هو بين الأكبر في العالم، وهزيمة أخلاقية باعتبار تسليم الكيماوي بعد مقتلة الغوطة إقراراً موارباً باستعماله، وأخرى سياسية بأنه نظامٌ يعجز عن مواجهة الثورة عليه بغير استخدام وسائل القتل الجماعي.
ثالثاً، في عملية تسليم الكيماوي تحقق الولايات المتحدة ربحاً صافياً على النظام، إذا أخذناه ضمن سياق هدفها القديم بتعديل سلوكه وبما يؤدي الى خسارة موازية لـ «قوى الممانعة والمقاومة» الإقليمية على مستويي السلاح وحرية الحركة.
رابعاً، انه ليس نصراً على الثورة طالما انها مستمرة وأن النظام يخسر، بهذا الاتفاق، سلاحاً استخدمه ضدها وفي ترويع مؤيديها، في حين يمكن ان يكون في معرض خسارة أسلحة أخرى، وفق تسريبات الصحافة الاسرائيلية التي تحدثت عن تقليص طلعات سلاحه الجوي ومنعه من استخدام صواريخ «سكود».
إذا كان كل ذلك يثبت لا معقولية سياسة النظام وداعميه بتصنيع نصرٍ مستحيل، فإنه يعود للمعارضة وحدها استثمار ايجابيات نتائج التهديد بالضربة، والأمر مرهون بمعالجة مشكلاتها الحادة المتمثلة بتشظيها ومحلوليتها، وغياب مركزٍ قيادي لها وباختراقها بقوى اسلاموية عدمية متنفذة، تمنع الربط بين اسقاط النظام وإعداد مقدمات البديل الديموقراطي التعددي الذي تأسست تحت رايته.
الحياة
المسألة السورية وتحولها إلى مسرح للعبة الكبرى/ حسن شامي
صحيح أن أصوات طبول الحرب على سورية شهدت خفوتاً في الأيام الأخيرة. وهذا ما يستدل عليه من خطاب أوباما الأخير الذي يدعو فيه إلى إفساح المجال أمام الحل الديبلوماسي، طالباً من الكونغرس إرجاء التصويت على طلبه استخدام القوة. وقد يكون صحيحاً أيضاً أن رفع الصوت القارع والمؤذن بضربة عسكرية أميركية جاء أصلاً لاستكشاف خريطة الاصطفافات بعد تقلبات في غير بلد من بلدان «الربيع» العربي وفي مقدمها مصر. التلويح بالضربة هو، في هذا المعنى، طريقة لجس نبض القوى المتنازعة إقليمياً ودولياً واختبار مدى انضوائها في لعبة الأمم التي أطبقت على المسألة السورية وأخرجتها عملياً، وإن تدريجاً، من النطاق الوطني السوري لتصبح مسرحاً للعبة الكبرى.
الحديث عن عودة «اللعبة الكبرى»، وفق توصيف ذائع الصيت عن الصراع حول أفغانستان وجوارها الإقليمي في القرن التاسع عشر، ليس ضرباً من المجاز. فقد تذرعت الإدارة الأميركية بقضية استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة واتهمت النظام السوري باستخدامه من دون أدلة مقنعة على قاعدة أن جسمه «لبّيس». وقد رأى كثيرون وبحق أن الذريعة الحالية لشن هجوم على سورية تشبه كثيراً تلك التي لجأ إليها المحافظون الجدد لغزو العراق في عهد جورج بوش السيء الذكر. ذلك أن الإدارة الأميركية الحالية رفضت غير مرة المصادقة على اتهامات باستخدام النظام الأسدي السلاح الكيماوي وهي اتهامات لم تصدر فقط عن قوى بارزة في المعارضة السورية في الخارج، إذ صدرت أيضاً، قبل شهرين تقريباً، عن قوة دولية حليفة لأميركا إضافة إلى كونها عضواً فاعلاً في مجلس الأمن، وهي فرنسا.
هناك عوامل عدة ساهمت في ترجيح المعالجة الديبلوماسية وتأجيل الضربة العسكرية التي لا يعرف أحد نتائجها ومضاعفاتها على غير صعيد. سنسارع إلى القول إن هذه العوامل تتضافر بحيث تؤول إلى تغليب لعبة التفاوض الدولي باعتبارها فن المناورة الحربية بوسائل أخرى.
في مقدم هذه العوامل الديبلوماسية الروسية المتزايدة الوزن، ليس على النظام السوري وحلفائه الإقليميين فحسب، بل كذلك على اللاعبين الآخرين. فالاقتراح الروسي بوضع أسلحة النظام الكيماوية تحت الرقابة الدولية وموافقة الأخير عليه وعلى قرار حظر انتشار مثل هذا السلاح أربكا دعاة الضربة العسكرية، وقدما مخارج لائقة لدعاة الهجمة الحربية المندفعين بمقدار ما هم مترددون ومتخوفون من العواقب والتداعيات. وكان طبيعياً أن يشعر الهواة بخيبة الأمل. ينبغي التذكير بأن الروس سارعوا، غداة الإعلان عن المجزرة في الغوطة، إلى وصف الاتهام بأنه مناورة استفزازية مفبركة ولم يترددوا في تقديم أدلة على انطلاق الصواريخ من مناطق تسيطر عليها المعارضة. لن ندخل هنا في معمعة السجال والمناظرات التقنية حول المسؤولية عن المجزرة.
العامل الثاني يتعلق بالرأي العام وبما أظهرته الاستطلاعات من رفض غالبية متزايدة في أميركا، وفي فرنسا أيضاً، للحرب وللتورط العسكري المباشر في مغامرة مجهولة التبعات على رغم الوعود الإعلامية القاطعة بمحدودية الضربة وبطابعها العقابي بسبب انتهاك النظام السوري المفترض الخطوطَ الحمر التي أفصح عنها الرئيس الأميركي، معولاً على انتصار الجمهور لهيبة القوة العظمى ومنظومة قيمها العالمية.
غير أن أهمية الرأي العام تبقى نسبية جداً. فقد سبق لإدارات «ديموقراطية» أن خاضت حروباً كانت غالبية المستطلعين لا تؤيدها. حصل هذا في بلدان غربية، وفي زمن قريب أيام التحالف الدولي لاجتياح العراق. هناك دولة واحدة وأطلسية رفض برلمانها ورأيها العام السماح للقوات الأميركية بعبور أراضيها على رغم إغراءات مالية ضخمة فاقت عشرين بليون دولار، ونعني تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية. مع ذلك، نرجح أن تكون الإدارة الأميركية الحالية أكثر التفاتاً لاتجاهات الرأي بالنظر إلى رطانة دعوة أوباما إلى عدم التورط بحروب جديدة بعد إخفاق التجربتين العراقية والأفغانية وما ترتب عليهما من حاجة إلى ترميم صورة أميركا عالمياً عبر تحسين أدائها عموماً وحيال حلفائها خصوصاً.
العامل الثالث، ويعنينا أكثر من غيره، يتعلق بتجوّف القوام الوطني السوري بسبب جموح طرفي النزاع، وهما في الواقع أطراف واتجاهات عدة، نحو تصورات استئصالية ما أضعف فرص الاستقلال بالقرار والتطلعات الوطنية السـورية وأفسح المجال لازدهار مجموعات وكتائب مسلحة مشتقة في معظمها من تنظيم القاعدة أو ما يشابهه. وجاء تدفق الجهاديين من كل حدب وصوب حاملين معهم لغة استئصالية صريحة وممارسات هاذية، ليقلل وزن القوى المدنية وفعاليتها التي شاركت بقوة في الحراك في الأشهر الستة الأولى بحيث باتت الواجهة المدنية تبدو في نظر كثيرين أقرب إلى أن تكون في عداد الهوامش فيما انتقل متن النزاع إلى قوى أخرى.
الهجوم على بلدة معلولا العريقة ذات التراث المسيحي التاريخي وما صحبه من بيانات إسلاموية تتحدث عن الصليبيين، إضافة إلى الاعتداء على الأديرة والكنائس، أمر يبعث على القلق. والهجوم يُضاف إلى سلسلة من المجازر والاعتداءات التي طاولت المسيحيين وسواهم ما ينذر بنشر عقيدة حرب الكل ضد الكل، بما في ذلك خطف المطرانين ومعهما المطران الإيطالي المعروف بتأييده للمعارضة. اللافت هو بالضبط التباس مواقف قسم بارز من قوى المعارضة المدنية حيال تنامي ظاهرة الجهاديين التكفيريين. وهذا الالتباس الذي لم يقتصر على الواجهة الخارجية للمعارضة، فشمل قوى غربية تزعم الدفاع عن العلمانية، بات يجيز الظن بتواطؤ متعدد الأشكال تمليه الحاجة إلى مقاتلين بأي ثمن، بل يثير الشبهة بضلوع دول وأطراف إقليمية بتصدير هذه المجموعات أو السماح لها بالمرور من أراضيها إلى الداخل السوري. إنها طريقة لخوض الحروب بواسـطة التهـريب كما لو أنها سوق سوداء. ومع تفاقم الاغتيالات التي استهدفت ضباطاً وعناصر في الجيش الحر وتفاقم الحروب الدورية بين التنظيمات الإسلاموية القاعدية والأكراد، لا يعود هناك شك في أن هذه التنظيمات تعمل وفق تصورات مدمرة لما تبقى من النسيج الوطني السوري. وسط كل هذا يتشبث النظام بلعبة ابتزاز يحفظ فيها سلطته بدعوى الدفاع عن الدولة والمؤسسات. التذرر الأهلي بكل أشكاله هو ما يفتح الباب أمام تحول سورية إلى مسرح للعبة دولية كبرى ومفتوحة.
الحياة
السعودية وأميركا.. زمن الاختلافات/ خالد الدخيل *
لم يحدث أن اختلفت الرياض مع واشنطن حيال قضيتين مهمتين من قضايا المنطقة في وقت واحد كما يحصل الآن. وقد تجلى ذلك في قضيتين ساخنتين تزامن انفجارهما في لحظة واحدة: القضية المصرية والقضية السورية. في مصر تدعم الرياض، على العكس من واشنطن، استعادة الجيش للحكم في مصر بعد أن عزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، بل ذهبت الرياض أبعد من ذلك بهدف تحييد استخدام المساعدات المالية الأميركية والأوروبية للضغط على الحكم الجديد في مصر، بأن أبدت استعدادها مع دول خليجية أخرى بتعويض مصر كل وقف لمثل هذه المساعدات. الأرجح أن الرياض وواشنطن تتفقان في رؤية أن ما حصل في مصر انقلاب عسكري، كما تتفقان في الهدف، وهو الحفاظ على استقرار مصر سياسياً. وهذا هدف يهم السعودية في هذه المرحلة أكثر من غيرها، في ضوء انهيار العراق وسورية معاً. ما عدا ذلك، هناك اختلاف واضح بين السعودية وأميركا حيال هذا الملف الآن، على رغم أن إدارة أوباما تقبلت أخيراً فكرة التعايش مع الحكومة الانتقالية المصرية، أولاً لأنها كذلك، وثانياً لمصلحة علاقة القاهرة بإسرائيل.
في ما يتعلق بالملف السوري، يبدو الاختلاف بين هذين الحليفين أبعد شقة وأكثر تعقيداً، فالرياض وواشنطن تتفقان في رؤيتهما للأزمة السورية لكنهما تختلفان في ما بعد ذلك في كل شيء تقريباً: في الأولويات والسياسة والهدف. السعودية ترى أنه فضلاً عن أن سقوط النظام السوري مطلب شعبي قضى من أجله عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من الجرحى والمفقودين وملايين من المشردين داخل سورية واللاجئين خارجها، هو مصلحة إستراتيجية للمنطقة ولاستقرارها. في نظر الرياض، هذا نظام دموي يهدد حياة السوريين، ويهدد جيران سورية، ويعتاش على فكرة مدمرة اسمها تحالف الأقليات، وبسبب ذلك تحول إلى تابع للسياسة الإيرانية التي تهدف بدورها إلى تعميق فكرة الأقليات هذه في المنطقة.
لا تختلف إدارة أوباما في توصيفها لطبيعة النظام السوري ودمويته، لكنها لا تعتبر تغييره أولوية لها الآن. هي لا تمانع أن يتحقق ذلك، لكنها لا تريد أن تدفع ثمن هذا التغيير. ربما ترى أن تطورات الأزمة كفيلة بتحقيق هذا الهدف من دون أثمان لا لزوم لها. الثابت الوحيد في موقف أوباما، كما أشرت، هو أن المخرج من الأزمة في سورية غير ممكن إلا بحل سياسي يبدأ بمرحلة انتقالية. وأن هذا الحل يتطلب تفاهماً مع روسيا وإيران. صحيح أن أوباما توقف منذ زمن عن مطالبة الرئيس السوري بالتنحي، لكن الصحيح أيضاً أن التفاهم مع روسيا وإيران يفرض عليهما شيئاً ما حول هذا المطلب. واستمرار التفاهم وتطوره يعني إما أن إدارة أوباما تقبل بحل يتضمن بقاء الرئيس السوري، أو أن روسيا وإيران تقبلان بحل من دون الرئيس السوري.
إشارات التفاهم مع إيران تحديداً كثيرة ولافتة، وأطلقها أوباما نفسه في خضم حملته لإقناع الأميركيين بجدوى ضربة عسكرية محدودة للنظام السوري. وفي حديثه لأربع فضائيات أميركية الأسبوع الماضي، قال أوباما إن «إيران لعبت دوراً بناء لإقناع الرئيس السوري بالامتناع عن استخدام السلاح الكيماوي مرة أخرى». قبل ذلك كان أوباما، كما نقلت صحيفة «لوس آنجيليس تايمز» الأميركية قد بعث برسالة إلى الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني، نقلها السلطان قابوس بن سعيد سلطان عمان، أثناء زيارته لإيران أواخر أغسطس الماضي. ووفق الصحيفة، فإن أوباما اقترح في رسالته على القيادة الإيرانية «فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين»، ولمح إلى إمكانية تخفيف العقوبات الأميركية على إيران. توقيت الرسالة لافت، فهو جاء بعد استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في غوطة دمشق، والأزمة التي فجرها. ولافت أيضاً أنه بعد هذه الرسالة التزمت الحكومة الإيرانية الصمت عندما أعلن أوباما قراره بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري. كما أنه لافت أيضا أن روحاني بعد الرسالة هنأ اليهود بعيد رأس السنة اليهودية باللغة الإنجليزية، وأعلن وزير خارجيته محمد ظريف، أن إيران لا تنكر الهولوكوست. واللافت رابعاً إسراع الرئيس السوري إلى قبول المبادرة الروسية، ما يعني أنه شعر بأنه سيكون وحيداً في مواجهة الأميركيين، إذا لم يمتثل لضغوط من حلفائه الروس والإيرانيين. كما يعني أن المبادرة الروسية لم تكن وليدة اللحظة التي أعلن فيها جون كيري مطلب تخلي النظام السوري عن سلاحه الكيماوي قبل أيام في لندن.
يتكامل مع ذلك ما قاله جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق الذي يعمل حالياً مساعداً للأمين العام للأم المتحدة، الخميس الماضي لفضائية الـCNN بأن التوصل إلى حل في سوريا يتطلب التفاهم مع إيران. أما التفاهم مع روسيا فهو واضح منذ الاتفاق على مسار جنيف العام الماضي، وقبول أوباما للمبادرة الروسية مؤخراً بشأن السلاح الكيماوي السوري. وآخر مؤشرات تمسك أوباما بهذا التفاهم ما نقلته صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية الجمعة الماضية عن استعداده للتخلي عن مطلب أن يتضمن قرار الأمم المتحدة استخدام القوة لضمان التزام النظام السوري بتسليم كامل ترسانته الكيماوية. وهو مطلب كانت روسيا قد رفضته مقدماً، وهددت باستخدام الفيتو لمنعه.
قبول أوباما المبادرة الروسية لا يعكس فقط حرصه على التفاهم مع الروس، بل يعكس أيضاً حرصه على الأمن الإسرائيلي، لكن قبوله المبادرة على هذا النحو، وبمعزل عن العناصر الأخرى للأزمة السورية، وخاصة مستقبل الرئيس السوري، يجعل من الأخير وكأنه طرف في اتفاق دولي إلى جانب أمريكا وروسيا، والحقيقة أنه ليس أكثر من غطاء لطرف آخر خفي حتى الآن في الاتفاق، وهو الطرف الإيراني.
ما معنى موقف الإدارة؟ هل هي مع حل سياسي ينتهي بتنحي بشار الأسد؟ أم يبدأ به؟ أم أن الأمر يجب أن يترك لتفاهم واتفاق الأفرقاء السوريين الذين سيتفاوضون على المرحلة الانتقالية ويتفقون على طبيعتها ومدتها والمآل النهائي لها؟ في ثنايا ما تتسم به مواقف الرئيس الأميركي من تردد وارتباك في نظر البعض، يبدو أنه يميل للخيار الأخير. الأمر الواضح بالنسبة له حالياً أنه لا تمكن مقاربة الحل السياسي المطلوب قبل الانتهاء من مسألة السلاح الكيماوي، وقبل تفاهم مع روسيا، ثم إيران، ما يعني أن هذا الحل لا يمكن أن يكون بالكامل على حساب روسيا أو إيران. في الغالب سيكون هذا الحل على حساب بشار الأسد، الذي حولته تطورات الأزمة إلى عبء على الجميع.
لا تنكر السعودية ضرورة التفاهم مع إيران، لكنها ترى أن التفاهم يجب أن يأتي عقب حل الأزمة السورية وليس قبلها. من جانبها، ترى واشنطن أن هذا التفاهم يجب أن يتوازى مع هذا الحل. والفرق بين الموقفين واضح: أسبقية الحل في هذه الحالة يحرم طهران من أوراق ليست من حقها أصلاً، وبالتالي يسمح بأن تعود سورية إلى محيطها العربي وأن تخرج من مأزق أنها تحولت مع الوقت إلى ورقة إيرانية على حساب دول الإقليم. في المقابل، يحقق توازي التفاهم مع الحل عكس ذلك تماماً.
والحقيقة أن موقف إدارة أوباما من الأزمة السورية ليس مفاجئاً، بل لا ينبغي أن يكون كذلك، فهو يتسق تماماً مع سياستها المعلنة حيال الشرق الأوسط،. ينبغي أن نتذكر أنه إلى جانب ميل أوباما للتفاهم مع الإيرانيين، نقل تركيز اهتمام إدارته من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق آسيا (انظر الحياة 17 فبراير، 2013). وربما أن عملية النقل هذه هي التي اقتضت ذلك التفاهم. في كل الأحوال، فإن وصول أزمة سورية إلى المنحنى الحاد والغامض الذي وصلت إليه يفرض على السعودية مراجعة جدوى اعتماد أمن منطقة الجزيرة العربية والخليج على المظلة الأمنية الأميركية، فالواضح الآن أن الولايات المتحدة منذ غزوها العراق عام 2003، وتعايشها بعد ذلك مع النفوذ الإيراني هناك، تتجاهل مصالح حلفائها وانشغالاتهم السياسية والأمنية أو تقلل من أهميتها، وربما ترى أن مظلتها الأمنية كفيلة بالتعويض عن ذلك. انطلاقا من ذلك، تؤكد مواقف إدارة أوباما الأخيرة حاجة السعودية الملحة لمراجعة مفهومها لأمنها الوطني، وبالتالي مراجعة موقعها ودورها في تحالفها مع واشنطن.
* كاتب وأكاديمي سعودي
الحياة
السيادة في سورية/ عبدالله إسكندر
مهما كانت النتيجة التي ستنتهي اليها المفاوضات الاميركية – الروسية في جنيف في شأن سورية، ومهما كان مآل ترسانة السلاح الكيماوي السوري، أظهر تعامل النظام السوري مع هذه المشكلة جملة من الحقائق، وسيترك جملة من المضاعفات والآثار.
ويبدو ان صرخة الانتصار التي اطلقها النظام، بعدما تخلت الولايات المتحدة الاميركية وحلفاؤها عن ضربة عسكرية سريعة لقوات النظام، بعد اتهامه باستخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، تخفي في الواقع حجم التنازلات الاستراتيجية الكبيرة التي الزم النظام سورية – الوطن على تقديمها، من اجل الحفاظ على وجوده.
معلوم ان النظام السوري كان يرفض في المطلق البحث في الانضمام الى الاتفاق الدولي للحد من انتشار الاسلحة الكيماوي، وحاول لعب لعبة الغموض في شأن امتلاكه لهذا السلاح، معلناً في كل مناسبة ان هذه المسألة تتعلق بالصراع مع اسرائيل والتوازن والردع مع سلاحها النووي. ونفى النظام امتلاكه هذه الترسانة حتى بعد اندلاع الحركة الاحتجاجية واتهامه باللجوء الى استخدامه. ليتأكد لاحقاً حيازته على ترسانة ضخمة من هذا السلاح الذي استخدم ضد المدنيين السوريين، في اول مواجهة خطرة على النظام في ريف دمشق، في محاولة لدب الرعب والهلع في نفوس السوريين المعارضين له، وإرغامهم على التخلي عن مطالبهم وطلب رحمته!
اي ان النظام السوري تخلى عن كل عناصر التوازن والردع مع اسرائيل بمجرد ان اعتبر ان وجوده بات مهدداً، بفعل التلويح بضربة غربية لقواته. وليس من دون معنى بالنسبة الى اسرائيل ونظرتها الى الجبهة السورية ان يتخلى النظام السوري عن ترسانته للردع الاستراتيجي بعد الهدوء الطويل على جبهة الجولان. وفي هذا المعنى يصب تنازل النظام السوري ايضاً في مصلحة اسرائيلية. ما يشكل نهاية علنية لاستراتيجية التوازن وايضاً استراتيجية المقاومة والممانعة، ما دامت هذه الاستراتيجية فقدت عنصرها الاساسي، اي الردع.
في موازاة ذلك، فوض النظام السوري روسيا التفاوض عنه، مباشرة مع الولايات المتحدة في جنيف، في ظل اعتبار ان تقديم اوراق لموسكو الساعية الى استعادة التوازن مع واشنطن، يجعل من استمرار النظام حاجة حيوية للديبلوماسية الروسية، وبما يجعل تهديده بمثابة تهديد لها. وهذا صحيح في احد وجوهه. لكن وجهه الآخر، والأكثر خطورة على الدولة والوطن في سورية هو التخلي عن عنصر اساسي من السيادة التي طالما تغنى النظام بحمايتها. كما يجعل من سورية «محمية» روسية، ديبلوماسياً على الاقل، رغم التوريد المستمر للاسلحة السورية اليها.
في الوقت نفسه، وتحت شعار التحالف الممانع، تستغل ايران الانكشاف الاستراتيجي السوري امام اسرائيل، بعد التخلي عن الترسانة الكيماوية، لتعوض عنه بمظلة دفاعية صاروخية، تتولاها مباشرة عبر خبراء ايرانيين او عبر عناصر من «حزب الله» اللبناني. هنا ايضاً يتخلى النظام عن عنصر حيوي من سيادته لحساب قوة خارجية، بما يتجاوز بكثير مجرد الاستعانة بمقاتلين على الارض لمواجهة تقدم المعارضة المسلحة.
لقد ربح الرئيس فلاديمير بوتين جولة من المواجهة مع الرئيس باراك اوباما، عبر تولي التفاوض باسم سورية على ترسانتها الكيماوية في مقابل وقف الضربة العسكرية للنظام السوري، وربما ربح النظام بعضاً من الوقت خلال هذه المفاوضات، لكنه اظهر انه مستعد لكل انواع التنازل امام الخارج لانقاذ نفسه، بما في ذلك سيادة الدولة، في ظل تصلب لا سابق له ازاء مطالب الشعب التي اضيفت اليها الآن استعادة هذه السيادة.
الحياة
ضعف أوباما وضعف الثورة/ حازم صاغية
تجميد الضربة الأميركية جاء، كالعادة، مناسبة لإعلان انتصار. فوفق العقل اللامع الذي تتمتع به الممانعة، كل ما لا يميت ولا يهيل التراب فوق الجثة نصر مؤزر. التوقع توقع الذليل، والصراخ مرتفع جداً.
مع ذلك مني النظام السوري بهزيمتين مادية ومعنوية مطنطنتين. فهو المالك والمخزن للسلاح الكيماوي الذي استخدم بعضه في الغوطتين، وهو المضطر تالياً إلى تسليمه صاغراً قبل تدميره الذي يصحبه تدمير آخر لكذبة «توازنه الاستراتيجي» مع إسرائيل. لكن النظام السوري سيكون أيضاً الخاضع لرقابة وتفتيش يشكلان، في أغلب الظن، خطوة أولى على طريق موته التي قد تطول وتتعرج. إنه الموت بعد إهانات كثيرة تضفي عليها صرخات المجد والانتصار نكهة المسخرة.
لكن هذا لا يلغي أن الثورة السورية ليست الطرف المستفيد من الإضعاف الكبير الذي ألم بالنظام، وقد تنتهي الأمور إلى وضع لن يكون فيه أحد قادراً على الاستفادة من موته.
ذاك أن المعركة السياسية الأخيرة التي نشبت بين «المجتمع الدولي» ونظام الأسد حيدت الشعب السوري وآلامه، تماماً بمقدار ما عجزت الثورة عن اختراق تلك المواجهة وعن إنشاء صلة عضوية بين معركتها ومعركة «المجتمع الدولي» ضد عدو مشترك.
وفي القلب من هذه الصورة حل ضعفان: ضعف قيادة باراك أوباما (للأسف، الأمبريالية ضعيفة!) وضعف الثورة السورية.
والحال أن الضعف الأول، بعد حروب العراق وأفغانستان وفي ظل الأزمة الاقتصادية، إنما يتغذى على المزاج الانعزالي النامي، لا في الولايات المتحدة فحسب بل في أوروبا الغربية أيضاً. فأكثرية الثلثين في هذه المجتمعات لا تستسيغ أي تدخل عسكري مهما كان شكله خارج أراضيها، كما تضعف مناعتها حيال المناشدات الإنسانية فتقابلها، في أحسن الحالات، بالتفهم والتعاطف البعيد.
هل هذه الصورة قابلة للتغيير، وهل من دور للثورة السورية في تغييرها؟
باستعادة تجربة الحرب العالمية الثانية، يتبدى أن المزاج الأميركي كان عازفاً عن الانخراط في المواجهة الكبرى، مكتفياً بالدعم العسكري للحلفاء البريطانيين، وقليل الاكتراث بمحاولات ونستون تشرشل «توريط» واشنطن في الصراع. واستمرت الحال هكذا إلى أن كانت ضربة بيرل هاربور التي أكدت استهداف قوى المحور للولايات المتحدة وسيادتها ومصالحها. لكن الاستجابة الأميركية للضربة المذكورة ترافقت مع إدراك واضح وشعبي للفارق بين الطرفين المتصارعين، الفاشية من جهة والديموقراطية الليبرالية من جهة أخرى.
فإذا كان لتلك التجربة أن تعلم شيئاً، فهو ضرورة توضيح وحدة المصالح مع القوى التي يراد الحصول على دعمها، وضرورة توضيح الفوارق عن القوى التي يراد إلحاق الهزيمة بها، وكذلك عن قوى الثورة التي تسيء إلى تواصلها مع العالم.
بلغة أخرى، ليس من أمل بجر الموقف الغربي إلى موقع أكثر تقدماً في ظل الخجل من التحالف مع الغرب، أو مقاتلة البعث بلغة بعثية، أو غض النظر عن التكفيريين أكانوا من صناعة النظام أم لم يكونوا، أو وضع مسألة الأقليات، العلوية والكردية والمسيحية وسواها، بين هلالين، أو الامتناع عن تقديم أية رؤية مستقبلية واعدة، أو الاستنكاف عن بناء أجسام عسكرية وسياسية وتنظيمية يمكن حملها على محمل الجد.
وهذه مهمات صعبة من دون شك. إلا أن الوضع السوري بدوره صعب، لا مكان فيه للخيارات السهلة. ولا بد من القول إن التعويل على تدخل خارجي ما، في ظل العجز عن حسم الصراع مع النظام، ينطوي بذاته على جرعة مرتفعة من النقد الذاتي الصامت. فهو يقول إننا أمام نظام وحشي لم تسقط وحشيته من السماء، بل خرجت من مقدمات اجتماعية ملموسة. لكنه يقول أيضاً إن المقدمات الاجتماعية المضادة ليست كافية لإطاحة ذاك النظام وإنجاح الثورة.
وربما آن لهذا النقد الذاتي الضمني والصامت لمجتمع بأسره أن يغدو مسموع الصوت، متبلور الوجهة.
غير ذلك يعني أن «المجتمع الدولي» سيقتل النظام بصورة أو أخرى، إلا أن الثورة تكون قد ماتت بدورها.
الحياة
اليوم ما بعد اللا- ضربة/ سامر فرنجيّة
يبدو أنّ الضربة لن تحصل وأنّ الحرب العالمية الثالثة لن تبدأ وأنّ الإمبريالية لن تجتاح سورية. لن تأتي الضربة الغاشمة ولن يواجهها الرد الباسل. إنّه نصر «إلهي» آخر يضاف إلى رصيد جبهة الممانعة، التي بمجرّد إفلاتها من العقاب، انتصرت.
الاستكبار العالمي منطوٍ على ذاته، والإمبريالية فقدت شهوتها لاحتلال العالم. كل ما كان مطلوباً هو بعض التذاكي الروسي لإنهاء هذا الكابوس، وإراحة الرئيس الأميركي من دوره الإمبريالي، والممانعين من مهمة إعدام الخونة أمام عائلاتهم، واليساريين من تخبطهم النظري. قد يكون هناك خاسر واحد جراء هذا اللا-حدث التاريخي، وهم بحارة «نيميتز»، الذين أُرجئت إجازاتهم بدواعي الضربة (وهناك احتمال وجود خاسر آخر، وهو اليسار المعادي للإمبريالية، الذي سيواجه بصعوبة سقوط الإمبريالية، وهو سقوط قد يفوق بوطأته انهيار الاتحاد السوفياتي).
يمكن ترك ترتيب الرابحين والخاسرين لهذه الجولة وتوزيع الجوائز للمحللين الجيوستراتيجيين، آفة عالمنا. فبين الضباط المتقاعدين وتحليلاتهم العسكرية وبعض المعلقين وهوسهم بأنابيب النفط، ستحل على المنطقة مرحلة من سطوع التحليلات التي قد تكون أشد وطأة من الضربة نفسها. وبعد انتهاء هذه الضربة، يمكن العودة إلى المسلسل السوري، الخالي من الكيماوي الذي هو أصلاً غير موجود والذي هو في يد المعارضة، وإن كانت سورية قبلت وضع ما لم تملكه تحت مراقبة دولية ما زالت لا تستطيع تقرير ما إذا كان قد استعمل أصلاً.
غير أنّ لهذا اللا-حدث الدولي تداعيات سياسية على المعارضة السورية التقاطها. ومن غير المفيد بعد مهزلة الضربة العودة إلى موّال لوم المعارضة السورية على هذا الإخفاق. فالفشل السياسي الذي أحاط بمسألة التدخل الدولي يعود في الدرجة الأولى إلى تخبّطات الداعم الدولي للثورة السورية وعدم تقبل الرأي العام الغربي لأي مغامرة عسكرية جديدة. صحيح أنه يمكن إرجاع هذين الأمرين إلى إخفاق المعارضة السورية، بشقّيها الـسيـاسي والإعلامي، في إقناع الغرب، ولكن أمام العـواقب النفسـية والسـياسـية في وجـه مـبدأ التدخّل، كان من الصـعب إنـجاز أي شـيء في هذا المجال، وقد يكون غير عادل لوم المعارضة في هذا الإطار.
الواقع الناتج من الجولة الأخيرة يفرض مقاربة جديدة للخطاب الإعلامي للثورة السورية، بخاصة أنّ إمكانية الضربة القاضية باتت مستبعدة اليوم. فقد بات من الواضح أنّه ليست هناك رغبة غربية في التدخّل في سورية، خارج بعض المساعدات العسكرية غير العلنية. ذاك أنّ الرأي العام الغربي، وبغض النظر عن تلاوينه وانقساماته، لم يتعاف بعد من كابوس العراق. هذا لا يعني أنّ هناك لامبالاة تجاه القضية السورية أو أن هناك دعماً خبيثاً للأسد، إنّ استثنينا متطرفي اليسار واليمين الذين لا دور لهم في هندسة الرأي العام. هناك تعاطف إنساني ونبذ فعلي للأسد، لكنه يبقى من دون ترجمة سياسية. ومن الصعب أن يُبنى على هذا التعاطف أي أمل سياسي أو عسكري ما دام شبح العراق يطوف فوق الغرب.
الأمر الثاني الذي ظهر من النقاشات التي أحاطت بمسألة الضربة هو الافتراق بين الثورة السورية والضحية السورية. ففي تصوير الوضع السوري، بات هناك لاعبان هما النظام والمعارضة، وبينهما شعب يقع ضحية إجرامهما، وإن كان النظام أكثر دموية. غير أنّ ما بات واضـحـاً أن الـثــورة، بشقّيها الـسـياسـي والعـسكري، لم تعد تمثل الضحية السورية في نظر هذا الرأي العام الغربي. التدخلات الإنسانية المعروضة هي تدخلات لا تعترف بسياسية الضحية أو بتمثيل المعارضة لها. إنها حلول لحروب أهلية، بحيث باتت معادلة إبراز الظلم الذي يأتي بالتدخل فاقدة لأية واقعية. قد يكون هناك تدخل أو لا يكون، لكن المؤكد أنه لن يكون هناك تدخل مدعوم برأي عام مؤيد في المستقبل القريب.
اللا-ضربة إشارة إلى أنّ الثورة السورية تدخل مرحلة طويلة لن تكون فيها نهاية سريعة بل معركة طويلة، قد تنتهي بتفاوض غير ثوري. بات من الواضح أن الراعي الغربي متخبّط وأن الراعي الإقليمي يمارس «سياسات قرية في عالم مدن»، وفق عبارة لياسين الحافظ. فبين الانـقسـامات السياسية والتخبط تـجاه الـتسـليح وتـعاطي الهواة مع العـلاقـات الدولية، تدفع الثورة الـسورية ثمن دعمها الخارجي بقدر ما تستفيد منه. هذا ليـس للقول إنّها بريئة مما آلت إليه الأوضاع، لكنّه إشارة إلى صعوبة الاستمرار بمقاربة سـياسـية متـخبـّطة إلى هذه الدرجة. وفقط للمقارنة، هناك تجربة سياسية أخرى، هي تجربة «قوى ١٤ آذار»، التي استفادت من دعم كهذا، ليعود هذا الـدعم ويقـضي عليها جراء حـسابات القرية التي تسيطر على سياستها.
هذا التخبّط يترجم بعدم وضوح موقف المعارضة السورية من مقترح التفاوض المطروح، والحلول المرحلية التي يتمّ عرضها. تبدو المعارضة السورية غير موجودة خارج قطبي الانتصار الكامل أو الخسارة الكاملة، ضحية تخبّط من يدعمها من جهة وضرورة المحافظة على حد أدنى من التماسك من جهة أخرى. فشل خيار الضربة القاضية قد يفرض التعاطي مع تلك الحلول المرحلية، وهو ما يتطلب معارضة أكثر ليونة وسياسية.
فبعد اللا-ضربة بات من الصعب إنكار أن هناك شعباً يقتل جراء نظام إجرامي وحرب أهلية، وأنّ هناك نظاماً يستحيل عليه الفوز ومعارضة غير قادرة على الحكم، ورأياً عاماً دولياً متعاطفاً لكنّه غير داعم، وتوافقاً دولياً على حل سياسي لن يرضي أحداً وإن كان الحل الأفضل في تلك الظروف، وخياراً تصعيدياً إقليمياً فيه من «البهورة» أكثر من الاستراتيجية. اللا-ضربة، بهذا المعنى، هي انتهاء آخر إمكانية أو وهم بنهاية خلاصية لهذه الثورة.
ليست هذه دعوة إلى التشاؤم، لا سيّما أنّ الوضع الميداني لم يتغير جراء هذا اللا-حدث، لكنها إشارة إلى أنّ الثورة دخلت طوراً جديداً، يتطلب مقاربة مختلفة. اليوم، ما بعد اللا-ضربة، سيكون طويلاً جداً.
الحياة
الوجه الآخر لبطولة الأسد/ علي الرز
المفتونون ببشار الأسد يعيشون على وهج “بطولاته” دائماً. فالجريمة والقهر والقمع واستخدام الأوراق الطائفية وفتح الباب للتدخل الخارجي … بطولة.
تصدير الإرهاب شرقاً وغرباً، و”تفخيخ” وزراء ومسؤولين وجهاديين لاستخدامهم بما يترجم كلام “القائد” ورؤيته الثاقبة عن تمدّد النار السورية … ايضاً بطولة.
تحمُّل الغارات الاسرائيلية الواحدة تلو الاخرى بطولة.
تمزيق السوريين أشلاء وتسوية منازلهم وقراهم وأحيائهم بالارض بالقصف الجوي والبري وجنازير الدبابات والجرافات … بطولة.
إحراق السوريين بالكيماوي وتوزيع الحلوى والعصائر ابتهاجاً بمجزرة الغوطة في المناطق التي يسيطر عليها النظام … بطولة.
توسيط العالم بأسره لتفادي ضربة غربية والموافقة علناً على تسليم المخزون الكيماوي، وربما سراً على ما هو اكثر من ذلك… بطولة.
بهذه الصورة يبدو عنف الأسد وبطشه ضد شعبه بطولة، وكذلك الأمر استكانته في مواجهة اسرائيل واميركا والعالم. لكن المفتونين به يصفّقون له ويمجّدونه في الحالتين، فهو في الداخل السوري عندما يتعامل مع شعبه يتجاوز عقدة الحلقة الطائفية المحيطة به ومحورها: “لو كان ابوك عايش ما كانوا استرجوا يعملو هيك”، فيتقدم على والده بالقمع والقتل والتنكيل. وعندما يتعامل مع الخارج يتجاوز عقدة مماثلة محورها “النظام اولا”، فطالما بقي النظام موجوداً يمكن لاحقاً تثبيت موقعه وإعادة بسط نفوذه والامساك بالاوراق الاقليمية … ألم يخض صدام حسين حرباً ضد ايران ممزقاً اتفاقية الجزائر ثم تنازل لها لاحقاً عندما غزا الكويت عن مساحات من الاراضي تفوق بكثير ما قاتل من اجله؟ ألم يَقتل نصف مليون عراقي في البصرة ووافق على كل الشروط الاميركية لوقف الحرب؟ ألم يَحرق الاكراد بالكيماوي ويفتح لاحقاً منشآته للتفتيش الدولي بما في ذلك قصوره؟ ألم يهدد بالويل والثبور وعظائم الامور علناً ويرسل الوسطاء الى الاميركيين مستعداً لتسليمهم كل شيء بما فيه النفط و”البعث” مقابل إبقائه في السلطة؟ ألم يكن “بطلاً” عند محبيه حتى عندما فرّ من مواجهة “الغزاة” واختبأ في حفرة بعدما ملأ الدنيا شعارات بأنه سيقاتل “حتى الاستشهاد”؟
“النظام اولا”، حتى لو تقلص من حالة وطنية الى حالة بعثية الى حالة طائفية الى حالة عائلية الى عائلة واحدة.
في حديثه الاخير الى مراسل قناة “سي بي اس” الاميركية يقول له المحاور: انت جزار. يبتسم الأسد بهدوء ويردّ بانه طبيب وعندما يجد قدماً مصابة بالغرغرينا يبترها ليحمي الجسد، وهنا الفارق من وجهة نظره بين مَن يعتبره جزاراً ومن يعتبره طبيباً.
كلام الأسد هنا عند “شبيحته” نوع من البطولة لانه في نظرهم يتقن لغة العالم الغربي ولم يقع في الاستفزاز. وكلامه بالنسبة لكل الآخرين نوع من النفاق والكذب لا يستحق التعليق، ولنتخيّل فقط ان الأسد يزور مكاناً عاماً في سورية وهتف احد الشبان المعارضين: “انت جزار”، اي الكلمة نفسها التي استخدمها المراسل الاميركي، طبعاً ستتفرغ كل مخازن رصاص المرافقين في جسده … بطولة.
تقصف اسرائيل فرق الأسد العسكرية، مثنى وثلاثاً ورباعاً، فلا يرد من باب البطولة، أما أطفال درعا فإن كتبوا شعارات على جدار المدرسة تُسحب اظافرهم ويُعتقل آباؤهم وتُشتم أعراضهم.
تهدد اساطيل العالم بضرب الأسد فيردّ – من باب البطولة – بأنه يخشى ان يؤدي ذلك الى إضعاف قواه العسكرية واختلال ميزان القوى، أما الشبان الذين رفعوا شعارات إصلاحية وقدموا الورد والماء للجيش السوري فيُعتقلون ويعادون الى اهلهم مقطّعين بلا أحشاء.
يقول له المسؤولون الدوليون انه مجرم حرب وسيدفع ثمن أفعاله، فيردّ – من باب البطولة – بإرسال الموفدين وفتح أبواب الصفقات حتى مع اسرائيل كي يبقى النظام، أما عندما خرجت التظاهرات السلمية فكان الردّ عليها بكل أنواع الاسلحة، وعندما صارت المقاومات مسلحة تدرّج الردّ وصولاً الى الضرب بالكيماوي.
بقاء الأسد في السلطة بأي ثمن هو البطولة الحقيقية … الباقي تفاصيل.
إيران والصراع في سوريا
حكومة روحاني…سياسة برغماتية ودعم غير مطلق للأسد
رحَّبت إيران ضمن الأزمة السورية بالاقتراح الروسي الذي يقضي بفرض رقابة دولية على الأسلحة الكيماوية في سوريا. ومن الممكن الآن أن يأتي تفضيل الرئيس الأمريكي باراك أوباما لحلّ النزاع بالطرق الدبلوماسية مناسبًا للقوى المعتدلة في طهران التي هي ضد دعم بشار الأسد دعما مطلقا مهما كان الثمن. كما يرِد في تحليل الخبير الألماني ماركوس ميشائيلسن لموقع قنطرة.
يبقى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران وفيّاً للصورة التي كوّنها عن العالم، إذ يرى أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية سوف توظف معاقبة سوريا، على استخدام دمشق الأسلحة الكيميائية، كذريعة من أجل توسيع نفوذها في المنطقة. وفي الأسبوع الماضي صرّح علي خامنئي في طهران بألا أحد يصدِّق دوافعها الإنسانية وقال: “لكننا نعتقد أنَّ الأمريكيين سوف يرتكبون خطأً في سوريا وبكلِّ تأكيد سوف يتكبَّدون خسائر”.
وبهذا فإنَّ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران الذي يعدّ رأس النظام الإيراني لا ينحرف عن نهجه الخطابي المعتاد ولا ينطق بأية تهديدات صريحة. ولكن مع ذلك يتَّضح بدون شكّ لدى بطانة خامنئي وحاشيته وجود خلافات حول الأزمة السورية. فقد أدَّى إعلان الولايات المتَّحدة الأمريكية عن نيَّتها القيام بضربة عسكرية إلى توترات واضطرابات في العاصمة الإيرانية طهران. وبعد نتائج الانتخابات الرئاسية المدهشة تزعزع الهدوء المتوتر. إذ بات الرئيس حسن روحاني وبعد أقل من شهر من توليه الرئاسة يواجه التحدي الأوَّل على مستوى السياسة الداخلية والخارجية.
استعادة ذكرى صدمة الحرب العراقية الإيرانية – سقط في الثمانينيات عشرات الآلاف من الجنود الإيرانيين ضحايا لاستخدام صدام حسين أسلحة كيماوية. وحتى يومنا هذا لا يزال الكثيرون من المصابين في الحرب يعانون من الأضرار الناجمة عن استخدام الأسلحة الكيماوية.
محور طهران-دمشق
تعدّ إيران من أهم الداعمين لحاكم سوريا بشار الأسد. فالحرس الثوري الإيراني يساند نظام الأسد في قمع الثورة كما تقاتل ميليشيات حزب الله اللبنانية المدعومة من طهران إلى جانب الجيش السوري ضدّ الثوَّار وذلك لأنَّ سوريا هي من تضمن نفوذ إيران الاستراتيجي في المنطقة. ومن خلال حزب الله والجماعات الفلسطينية المتطرِّفة يمكن الضغط على إسرائيل وبالتالي على الأمريكيين أيضًا.
وبهذا المعنى تمامًا من المفترض أنَّ قاسم سليماني الذي يعدّ قائد وحدة من قوَّات النخبة في الحرس الثوري الإيراني قد أعلن مؤخرًا أنَّ إيران ستدافع عن سوريا “حتى النهاية”. وبحسب رأي المتشدِّدين في طهران فإن الاستسلام في سوريا لن يشكًّل إلاَّ الخطوة الأولى نحو التغيير الذي تسعى إلى تحقيقه الولايات المتَّحدة الأمريكية في النظام الإيراني.
ولكن مع ذلك فإنَّ الحكومة الإيرانية الجديدة تبدو حذرة. فقد وصف وزير الخارجية جواد ظريف في مقابلة أجرتها معه مجلة “آسمان” الأسبوعية هجوم الولايات المتَّحدة الأمريكية على سوريا بأنه خطوة غير مقبولة تنتهك الاتفاقيَّات الدولية. وقال إنَّه كان يجب على الأمريكيين التعلّم منذ فترة طويلة من تجاربهم في فيتنام والعراق وأفغانستان أنَّ الأهداف السياسية لا يمكن فرضها بالقوة العسكرية.
انتقادات حادة للقيادة في دمشق – قال الرئيس الإيراني الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني: “لقد تم استهداف المواطنين بالأسلحة الكيماوية من قبل حكومتهم والآن هم مضطرون أيضًا إلى انتظار تعرّضهم لهجوم خارجي”.
وفي الوقت نفسه حذَّر جواد ظريف من تنامي نفوذ الجماعات المتطرِّفة التي ساهمت في تأجيج النزاع في سوريا. وقال إنَّ استخدام الأسلحة الكيماوية كان مجرَّد “فخ” يهدف إلى إيقاع إدارة أوباما في شباك الحرب.
الخوف من الجماعات السُنِّية المتطرِّفة
وبهذه التكهنات يلمِّح جواد ظريف إلى المخاوف التي تتقاسمها إيران مع الأمريكيين وتشير إلى احتمال بسط الجماعات الإسلاموية المسلَّحة مثل تنظيم القاعدة سلطتها على سوريا بعد سقوط نظام الأسد.وهذه الجماعات يتم دعمها من قبل المملكة العربية السعودية وقطر – أي من قبل منافسي إيران الاستراتيجين في المنطقة.
ومن جانبه وعد الرئيس روحاني في حالة تعرّض سوريا لهجوم أمريكي بتقديم مساعدات إنسانية فقط، وفي الوقت نفسه أدان بكلِّ وضوح ولكن بشكل شامل استخدام الأسلحة الكيماوية. وفي الحقيقة يشكِّل استخدام الأسلحة الكيماوية والغازات السامة أيضًا هنا في إيران تجاوزًا للخط الأحمر. فقد سقط في الحرب العراق الإيرانية عشرات الآلاف من الجنود الإيرانيين ضحايا استخدام صدام حسين الغازات السامة وحتى يومنا هذا لا يزال الكثيرون من المصابين في تلك الحرب يعانون من الأضرار الناجمة عن استخدام الأسلحة الكيماوية.
تحالف استراتيجي – تعدّ إيران من أهم حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد. إذ تقوم طهران بتقديم الدعم السياسي والتقني وكذلك العسكري والاستخباراتي بالإضافة إلى الدعم المالي لدمشق.
والتصعيد في سوريا لا يتناسب مع حسابات الرئيس حسن روحاني الذي يختبر منذ توليه منصبه حرية التصرّف التي تتمتَّع بها حكومته داخل جهاز السلطة في إيران. وهو الآن يضع مسؤولية المحادثات النووية مباشرة تحت تصرّف وزارة الخارجية. وبذلك لم يعد مجلس الأمن القومي مسؤولاً عن ملف المحادثات النووية، هذا المجلس الذي يخضع للرئيس من خلال منصبه ولكن روحاني لا يتمتَّع في داخله بنفوذ كبير بالمقارنة مع أعضاء آخرين من النخبة الحاكمة.
“يرتبط الهدف الأهم في سياسة روحاني الخارجية ارتباطًا وثيقًا بأولوياته الداخلية؛ أي بتحسين الاقتصاد. وهو يسعى من خلال التوصّل إلى اتِّفاق مع الغرب حول البرنامج النووي الإيراني إلى النجاح في رفع العقوبات المفروضة على إيران وزيادة صادرات النفط وتخفيف العبء الاقتصادي لدى المواطنين”، مثلما يقول مراد فيسي الذي عمل في السابق رئيسًا لتحرير بعض الصحف الإصلاحية المشهورة في إيران.
سوريا كتهديد لحكومة روحاني
ولكن التهديد الأمريكي بشن هجوم على دمشق يمكن أن يعزِّز موقف المتشدِّدين في القيادة الإيرانية. وفي هذا الصدد يقول فيسي: “من الممكن أن تصبح سوريا خطرًا على حكومة روحاني، وذلك لأنَّ هذا التهديد يمكن أن يضع تحسن العلاقات مع الولايات المتَّحدة الأمريكية وحلّ النزاع حول البرنامج النووي الإيراني موضع تساؤل وشكّ. ومن الممكن عندئذ أن تعيق أيضًا العقوبات الدائمة نجاح برنامج روحاني الاقتصادي”.
مساعدات لحماية نظام الأسد – تقاتل ميليشيات حزب الله منذ عدة أشهر بشكل علني إلى جانب القوّات النظامية السورية وقد نجح أفراد هذه الميليشيات مؤخرًا في الاستيلاء على مدينة القصير السورية في شهر حزيران/ يونيو الماضي 2013.
لقد حصل الرئيس روحاني على الدعم من مرشده رفسنجاني الذي حمَّل حكومة الأسد المسؤولية المباشرة عن استخدام الأسلحة الكيماوية. وصحيح أنَّ رفسنجاني تعرَّض بسبب ذلك لانتقادت شديدة من معسكر المحافظين ومن ثم اضطر في وقت لاحق إلى التخفيف من حدة تصريحاته، ولكن هذه ليست المرَّة الأولى التي يستهدف فيها هذا السياسي المحنَّك أحد المحرَّمات في الخطاب الرسمي من أجل اتِّباع حسابات سياسية واقعية.
وفي طهران فإن البراغماتيين ضد دعم بشار الأسد دعماً مطلقاً مهما كان الثمن. إذ أنَّ تورّط إيران في نزاع لا يمكن التنبؤ بعواقبه لم يعد يحظى بشعبية لدى الشعب الإيراني بعد الاعتقالات الجماعية وسقوط مئات الآلاف من القتلى في سوريا والآن بعد أن تم هناك استخدام أسلحة كيماوية. وهذا ما كان بوسع وزير الخارجية جواد ظريف استخلاصه مباشرة من التعليقات التي بلغ عددها أكثر من ألفين وخمسمئة تعليق تلقاها بعد نشر رسالة حول سوريا على صفحته على الفيسبوك.
خوف إيران من انتشار الجماعات السُنِّية المتطرِّفة في سوريا – تخشى القيادة السياسية في طهران من احتمال بسط الجماعات الإسلاموية المسلَّحة مثل تنظيم القاعدة سلطتها على سوريا بعد سقوط نظام الأسد.
وبالتالي تشكِّل الأزمة السورية اختبارًا داخليًا مهمًا لحكومة روحاني أيضًا. فقد قبل المتشدِّدون بعد الهزيمة الواضحة التي تكبَّدوها في شهر حزيران/ يونيو الماضي بفوز روحاني في الانتخابات وذلك من أجل التغلّب على حالة الانقسام بعيد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل والتي تم إجراؤها في عام 2009 وكذلك من أجل ضمان استقرار النظام.
ولكن من الممكن الآن أن يقدِّم التعامل مع النزاع في سوريا الذريعة الأولى من أجل وضع حدود للحكومة الجديدة. وعلى العكس من ذلك يمكن لروحاني الآن إثبات قدرته على صنع القرار.
ماركوس ميشائيلسن
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
الحرب في سوريا والتدخل العسكري الغربي ضد نظام الأسد
تدخل الغرب المحدود لن يحد من وحشية لا تعرف الحدود
تؤكد الصحفية الألمانية كيرستن هلبيرغ في تعليقها التالي لموقع قنطرة على ضرورة تدخل الغرب تدخلاً عسكرياً حاسماً غير محدود في سوريا ودعم الثوار لتحقيق نصر حاسم على النظام والمتشددين وإلا فإن النتيجة ستكون حصد المزيد من أرواح السوريين قبل اجتماع الفرقاء على طاولة المفاوضات.
ما الذي يجب أن يحصل أكثر؟ لماذا ننتظر؟ هناك نظام يدمر منذ عامين ونصف وبعنف لا متناه بلاده ويذبح شعبه، وكل ما يخطر على بالنا في ألمانيا هو التحذير لا شعورياً من حريق يعم المنطقة بأسرها وإشاعة الخوف من تنظيم القاعدة والمطالبة بحل سياسي. لكن الرغبة في التفاوض منعدمة، لدى السوريين وغير السوريين.
لقد أشعل الأسد منذ فترة الحريق الذي سيأتي على المنطقة، كما أعلنها، وإيران وحزب الله يقاتلان إلى جانب النظام، بينما تدعم السعودية وقطر وتركيا المعارضة. إلى جانب ذلك، يتدفق أعضاء فرع تنظيم القاعدة في العراق إلى سوريا دون انقطاع. لقد بدأت سيناريوهات الرعب تتحقق واحداً وراء الآخر في سوريا، وكل ذلك لأننا لا نحرك ساكناً ولأن المجتمع الدولي شلّه الخوف من هذه السيناريوهات.
لكن استخدام غاز الأعصاب على نطاق واسع على أعتاب مدينة دمشق شكل نداء إيقاظ للساسة الغربيين، الذين باتوا يعرفون بأن موت مئات الأطفال بالأسلحة الكيماوية موتاً فظيعاً ومنظرهم وهم يتلوون ويحاولون التقاط أنفاسهم ويرتعشون ارتعاشاً تتفطر له القلوب، إذا تُرك دون أي عواقب، فلن تخسر الأمم المتحدة وحدها مصداقيتها، بل وسيخسر العالم بأسره كل ذرة أخلاقية لديه.
إن العزم الذي تبديه واشنطن ولندن وباريس هو مجرد تمثيلية، وفي الحقيقة لا يرغب أي منهم في التورط في حرب، بل يريد فقط إرسال رسالة واضحة إلى الأسد. ولذلك سينتهي الأمر عند ضربات عسكرية محدودة لن تغير من ميزان القوى في البلاد، وهذا يختلف تماماً عن مفهوم “مسؤولية الحماية”.
بعد هجوم بغاز الأعصاب في الحادي والعشرين من أغسطس/ آب 2013، قُتِلَ أكثر من 1300 شخص على الأقل. الأسلحة الكيماوية محظورة منذ سنة 1925 من خلال اتفاقية جنيف التي تعتبر سوريا من الدول الموقعة عليه. لكن سوريا لم توقع على معاهدة الأسلحة الكيماوية لسنة 1992، والتي تنظّم التسليح الكيماوي.
ما هي العبر التي يمكننا استخلاصها بعد عامين ونصف من الثورة وعامين من الانتفاضة المسلحة وعام ونصف من الحرب بالوكالة؟ أولاً: إن وحشية نظام الأسد لا تعرف حدوداً. فالجيش والشبيحة مستعدون لارتكاب أية جريمة. ثانياً: كلما طال أمد الصراع، ازداد تطرف المعارضين للأسد. فالثوار السوريون يشعرون بأن الغرب قد تخلى عنهم ولذلك فهم مستعدون لقبول الدعم من المجموعات القريبة من تنظيم القاعدة، التي تمدهم بالسلاح والمال وتؤثر عليهم أيديولوجياً.
تدخل غير مُقنِع
ثالثاً: إن مجتمعاً بأكمله يزداد وحشية، إذ يتم ارتكاب جرائم وحشية على كافة الأصعدة وينزلق السوريون ببطء إلى حلقة مفرغة من الانتقام والمقابلة بالمثل. رابعاً: الخاسر الأكبر في هذا الصراع هم الناشطون الذين خرجوا في بداية الثورة، فهم واقعون بين قنابل النظام وعنف الثوار والأوضاع المزرية بعد اتساع دائرة نفوذ الإسلامويين المتطرفين.
خامساً: إن الرابح الأكبر هم الجهاديون القادمون من خارج سوريا، الذين يعتبرونها ساحة قتال جديدة ومكاناً لنشر مفهومهم المتحجر عن الإسلام، والذين يهدفون إلى إقامة دولة إسلامية إقليمية، وهي أهداف لا تتفق وأهداف الثورة السورية.
أزمة إنسانية متصاعدة: يوجد أكثر من ستة ملايين لاجئ سوري حتى الآن، منهم مليونان فقط مسجل حتى الآن لدى منظمة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. هؤلاء اللاجؤون يعيشون حالياً بشكل مؤقت في مخيمات مثل مخيم الزعتري في الأردن.
هذه العبر الخمس نستخدمها في الغرب كي نبرر عدم تدخلنا في سوريا، وبدلاً من ذلك نقوم بإرسال بعض المواد الغذائية والطبية، إضافة إلى بعض البنادق الآلية والهواتف النقالة المزودة بكاميرات. كما سمحت الحكومة الألمانية باستقبال خمسة آلاف من أصل ستة ملايين لاجئ سوري! إضافة إلى إطلاق الولايات المتحدة وحلفائها بعض الصواريخ. وهذا كفيل بإراحة ضميرنا المثقل.
لكن المشكلة تكمن في أن هذا التدخل غير المُقنِع يزيد من حدة الصراع، ذلك أن جميع أطراف الصراع يتلقون دعماً من الخارج يمكّنهم من مواصلة الصراع، إلا أنه لا يمنحهم النصر.
لن يكون السوريون وحدهم قادرين على السيطرة على مسار هذه الحرب، ناهيك عن إنهائها بأنفسهم. فقد تحولت سوريا إلى مسرح لحرب دولية وإقليمية بالوكالة لن تنتهي بانتصار فريق على الآخر، ذلك أن العديد من الأطراف المتداخلة لها مصالح مختلفة. وبذلك سيتحول الصراع السوري إلى صراع دموي ينتهي به الأمر على طاولة المفاوضات. لكن قبل ذلك، يجب أن تشتد حدة الصراع للأسف، وليس فقط على حساب السوريين، بل على حساب كافة الأطراف المشاركة.
التصعيد سيجعل التفاوض حتمياً
حين تصبح أزمة اللاجئين والسيارات المفخخة وإطلاق الصواريخ واستخدام الغاز السام خطراً على المنطقة بأسرها، وعندما يخشى الجميع – من القدس إلى طهران ومن أنقرة إلى الرياض ومن موسكو إلى واشنطن – انعدام الاستقرار والأمن، فإن ضرورة المفاوضات والجاهزية لتقديم تنازلات ستصبح كبيرة بما فيه الكفاية لحل الأزمة السورية سياسياً. لكن قبل ذلك، ستكون كل دعوة إلى المحادثات بمثابة محاولة لكسب الوقت من أجل المزيد من القتل ولإرضاء الضمير.
وبدلاً من التدخل بأقل قدر ممكن، يجب على الغرب أن يعلن موقفاً واضحاً. ففي كل مكان بسوريا هناك أشخاص يحلمون بدولة ديمقراطية وحرة. وهناك آلاف الناشطين الذين يعملون يائسين من أجل تحقيق هذا الحلم. وفي المناطق التي سيطر عليها جهاديون من خارج سوريا، هناك من ينزل إلى الشوارع للتظاهر ضد مفاهيمهم وطرقهم المتطرفة.
لماذا تخلينا عن هؤلاء الأشخاص؟ لماذا نحكم على جميع السوريين بأنهم يسعون لإقامة خلافة إسلامية وطرد الأقليات؟ الأفكار المتطرفة تنتشر لأن المتطرفين يمتلكون اليد الطولى عسكرياً، بينما لا يحظى الثوار المعتدلون في الجيش السوري الحر بدعم كاف.
مقاتلو كتيبة حمزة: لقد تحول الصراع السوري منذ فترة طويلة إلى حرب مدوّلة تسعى فيها مجموعات متطرفة إلى إقامة دولة إسلامية. وفي هذا الصراع لا يقاتل الثوار السوريون ضد الجيش النظامي فقط، بل وضد مجموعات منتمية إلى تنظيم القاعدة وعناصر حزب الله اللبناني وغيره من المجموعات المحلية الإسلامية المتطرفة.
ضرورة تدخل حاسم من قبل الغرب
ما الذي يمكن فعله، إذاً؟ أفضل ما يمكن تحقيقه هو ما نتمناه، أي حماية المدنيين في شمال البلاد وجنوبها من خلال إقامة منطقة حظر للطيران، بالإضافة إلى تزويد الناشطين والثوار بكل ما يحتاجونه من أجل تحقيق نصر على النظام وحسم المواجهة مع الجهاديين المتطرفين. من الهراء القول بأنه لا يوجد شريك للغرب في سوريا، فعدم إيجاد شريك في سوريا هو ذنب الغرب. قد يكون صحيحاً أننا لا يمكن أن نكون متأكدين من أن الأسلحة لن تقع في الأيدي الخاطئة، لكن هذا الخطر مقبول في ظل البديل، المتمثل في دولة فاشلة تستخدمها القاعدة معقلاً لها.
إن إقامة منطقة حظر للطيران أمر مكلف ولا يحظى بشرعية دولية دون تفويض من الأمم المتحدة. لكنها تقترب مما نريده في سوريا. فهذه المناطق ستحمي المدنيين من القنابل التي يلقيها عليهم النظام وستشكل منطقة آمنة يلجأ إليها الفارون من منازلهم، علاوة على منحها اللاجئين في دول الجوار فرصة العودة إلى سوريا ومعارضي الأسد فرصة تنسيق المقاومة السياسية والعسكرية بشكل أكثر فعالية.
لقد احتملنا الوضع في سوريا لمدة عامين ونصف قدر الإمكان، والنتيجة كانت كارثة على المستوى الإنساني والسياسي والجيوستراتيجي. والآن نحن في حاجة إلى الشجاعة والتدخل الجاد على كافة الأصعدة كي لا يتحول حلم الحرية وحق تقرير المصير في سوريا إلى مسلسل لا ينتهي من القتل.
كيرستن هلبيرغ
ترجمة: ياسر أبو معيلق
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013
عاشت الصحفية المستقلة كيرستن هلبيرغ منذ سنة 2001 وحتى 2009 في دمشق. صدر لها في العام الماضي كتاب بعنوان “سوريا: بؤرة توتر. نظرة في عمق بلد منغلق” عن دار هيردر للنشر.
صفقة الكيماوي: المخرج الذي يحتاجه أوباما؟
وحدة تحليل السياسات في المركز
بعد مجزرة القصف بالسلاح الكيماوي في غوطتي دمشق في 21 آب/ أغسطس 2013، دخل الملف السوري مرحلة جديدة؛ إذ أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما في 1 أيلول/ سبتمبر عن قراره توجيه ضربة عسكريّة إلى النظام شرط تصديق الكونغرس على هذه الخطوة. وعلى الرغم من وجود معارضة واسعة ضمن شرائح الرأي العام الأميركي، ومن أعضاء في الكونغرس أيضًا، فإنّ احتمال تنفيذ الضربة العسكرية بقي قائمًا، ولم يتضاءل هذا الاحتمال إلا عندما أعلنت روسيا مبادرةً رحب بها النظام السوري، وهي تقضي بوضع الأسلحة الكيماوية السوريّة تحت الرقابة الدولية وبسحبها وتدميرها في مرحلة لاحقة.
وتستعرض هذه الورقة كيفية تعامل إدارة الرئيس أوباما مع قضية استخدام السلاح الكيماوي التي ساهمت في بلورة المبادرة الروسية، كما تتناول الاحتمالات التي تتجه إليها المسألة السوريّة في ضوء التطورات الأخيرة، وإمكان تراجع الاهتمام الدولي بحلّ الأزمة في ما يتعلق بنزع السلاح الكيماوي وانتقال التركيز من معاقبة النظام على استخدام السلاح إلى الاكتفاء بتسليمه.
تطور الموقف الأميركي من الأزمة السوريّة
بعد الاستخدام الواسع للسلاح الكيماوي بدأت إدارة أوباما تحضير ضربة عقابية للنظام السوريّ، الأمر الذي اعتبر تغيرًا نوعيًا في الإستراتيجية الأميركية تجاه الملف السوري الذي أبدت تجاهه لامبالاة متفاوتة الدرجة. ويمكن إجمال إستراتيجية الولايات المتحدة منذ انطلاق الثورة السورية حتى استخدام الكيماوي في 21 آب/ أغسطس بما يلي:
الانكفاء عن التدخل المباشر، والاكتفاء بالضغوط الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية ضد النظام، بما يتوافق مع المحددات العامة لإستراتيجية إدارة أوباما في القضايا الخارجية.
عدم اعتبار الأزمة السوريّة تهديدًا للأمن القومي الأميركي والمصالح الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة، ما دامت تستطيع مع حلفائها في المنطقة إبقاء الصراع محصورًا داخل الحدود الجغرافية لسورية[1].
توصيف الصراع في سورية على أنه “حرب أهلية” قد تستمر لفترات زمنية طويلة، ما يفرض ابتعاد الولايات المتحدة عن الانخراط المباشر، وبخاصة أنّ المعارضة السوريّة وفق النظرة الأميركية هي معارضة منقسمة ومشتتة، تضم “قوى متطرفة”. ومن ثمّ، فإنه من غير المؤكد أن تشكل المعارضة السوريّة الحالية حليفًا إستراتيجيًا للولايات المتحدة في حال حسم الصراع وسقوط النظام[2].
رفض تسليح المعارضة السوريّة.
بناء على ما سبق، فضّلت إدارة أوباما الانحياز التدريجي للتنسيق مع روسيا لإيجاد حل سياسي وفق اتفاق جنيف، كخيار بديل من خيارات أخرى غير مضمونة مثل تسليح المعارضة السوريّة، أو التدخل المباشر بأنواعه المختلفة. ولضمان السير في هذا النهج، حذّر أوباما النظام السوري مبكرًا من استخدام السلاح الكيماوي، واعتبره “خطًا أحمر” لا يمكن تجاوزه، وأنّ ما أسماه “قواعد اللعبة” سوف تتغير بشكل كامل في حال لجوء النظام إلى استخدام هذا السلاح.
مثّل استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية على نطاق واسع في الغوطتين إحراجًا لأوباما وإدارته، ووضعه أمام استحقاق التعامل مع تجاوز النظام الخطوط الحمراء التي حددها بوصفها عتبة ضرورية لتغيير تعاطيها مع الأزمة السوريّة. وفي ضوء ذلك، أعلن أوباما قراراه توجيه ضربة سريعة وعاجلة ضد النظام، بحيث تكون ضربة عقابيّة ومحدودة النطاق. ويمكن إجمال أهداف الضربة في الآتي:
معاقبة النظام السوري لتجاوزه “الخطوط الحمراء” المحددة، بما يؤدي إلى إخراج أوباما من الحرج ويظهره رئيسًا حازمًا بعد الانتقادات الداخلية المتزايدة التي تصفه بالضعف والتردد.
تدمير القدرات الكيماوية للنظام السوري للحيلولة دون استخدامها ضد حلفاء الولايات المتحدة؛ أي إسرائيل. وبهذا تحقق الولايات المتحدة إحدى أولويات الأمن الإسرائيلي.
تحذير بعض الدول في المنطقة والعالم – وهي التي تصفها الولايات المتحدة بأنها “دول مارقة”؛ مثل إيران وكوريا الشمالية – برد عقابي حازم إذا سعت لامتلاك أسلحة الدمار الشامل أو تطويرها، فضلًا عن استخدامها، وبما يحافظ على “صورة” الولايات المتحدة ومكانتها بوصفها قوة عظمى تتحكم في مخرجات السياسة الدولية أو تؤدي دورًا مهمًا فيها.
ومن الملاحظ أنّ أوباما لم يلتفت إلى أهداف الثورة السوريّة، ولا قضايا الشعب السوري في خطابه السياسي في هذه المرحلة. كما أنه – خلافًا لسلفه جورج بوش – لم يتطرق إلى نشر الديمقراطية أو مكافحة الإرهاب أو الاستبداد، بل قصر خطابه على قضايا العلاقات الإقليمية والدولية المتعلقة بالضرر الذي يمكن أن يلحق بالولايات المتحدة وحلفائها. كما يلاحظ أنّ مؤيدي النظام السوري هم من تصدّوا لتبني خطاب جورج بوش المتعلق بمكافحة الإرهاب الإسلامي والظلامية.
وفي ضوء الأهداف السابقة، حرصت إدارة أوباما على طمأنة الداخل والخارج، وبخاصة حلفاء النظام السوري بأنّ الضربة المحتملة ستكون محدودة، ولا تهدف إلى إسقاط النظام، أو تغيير موازين القوى على الأرض. وفي هذا السياق يمكن فهم قيام الدبلوماسي الأميركي جيفري فيلتمان بصفته مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بزيارة طهران في 26 آب/ أغسطس 2013، إذ سعى لاحتواء رد فعل إيران، ودفعها إلى عدم التصعيد في حال حصول الضربة العسكرية.
الحشد الأميركي للضربة
خلال الأيام التي سبقت عودة الكونغرس من إجازته الصيفية، بدأت إدارة أوباما مساعي دبلوماسية حثيثة لبناء تحالف دولي واسع للمشاركة في العمل العسكري، أو تأييده على الأقل؛ فتحالف “الراغبين” المصغّر الذي كان يضم بريطانيا وفرنسا إلى جانب الولايات المتحدة لم يعد قائمًا بعد خروج لندن منه في أعقاب تصويت مجلس العموم البريطاني على رفض المشاركة في العمل العسكري ضد نظام الأسد. وبالفعل، فقد نجح أوباما خلال قمة العشرين في تجاوز المعارضة الشديدة لخطوته من قبل روسيا والصين فضلًا عن القوى الصاعدة المتحالفة معها (البرازيل والهند وأندونيسيا)؛ إذ صدر على هامش القمة بيان لـ 12 دولة (في 6 أيلول/ سبتمبر 2013) تحدّث عن ضرورة القيام برد قوي لردع النظام السوري عن استخدام الكيماوي. كما نجحت مشاركة وزير الخارجية الأميركي جون كيري في اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوربي في ليتوانيا في 7 أيلول/ سبتمبر، وصدر بيان ختامي طالب برد قوي رادع ضد النظام السوري. وعلى الرغم من أنّ كيري فشل في إدراج الاتحاد الأوروبي في قائمة المشاركين في الضربة، فإنه نجح في ثني ألمانيا وإيطاليا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى عن مطلبها بضرورة الحصول على موافقة مجلس الأمن على القيام بعمل عسكري ضد النظام السوري. وكانت حصيلة جهد الدبلوماسية الأميركية موافقة (33 دولة) على المشاركة في الضربة المزمعة ضد النظام.
ومن الضروري دراسة رد فعل الرأي العام الغربي الذي لا تصدق بعض فعالياته محدودية الضربة، وتشكك في نيات حكوماته بسبب الأثر الذي خلفه العدوان الأميركي على العراق بحجج كاذبة. ومن الواضح أنّ الرأي العام الغربي لم ينقسم في هذا الموضوع إلى يسار ويمين، أو ليبراليين ومحافظين؛ إذ نجد عناصر من أقصى يمين الخارطة السياسية تعارض توجيه ضربة جنبًا إلى جنب مع حركة السلام، إما من منطلق الحرص على مصالح إسرائيل أو من منطلق عداء الإرهاب. فقد نجحت دعاية النظام الروسي في تأكيد مواقفه ضد الإسلام، ودعاية النظام السوري في خلخلة مواقف قوى سياسية تثير أساليب النظام السوري القمعية اشمئزازها، ولكنها لا تتعاطف مع البديل منه. وفشلت دعاية المعارضة السورية في وضع معاناة الشعب السورية في المقدمة، وفي نقد جرائم القوى المتطرفة في سورية، وتفنيد الصورة التي ينشرها النظام عن الثورة. وبالمقابل، نجد في صف المؤيدين للضربة قوى ليبرالية ويسارية ويمينية؛ لدواعٍ وأسباب مختلفة.
“صفقة” في الوقت المستقطع
بموازاة الاستعدادات للضربة، نشطت الجهود الدبلوماسية لتجنب الخيار العسكري؛ فإيران – وهي لاعب أساسي في الأزمة – لم تكن بحكم حجم مصالحها في سورية ودورها في الصراع الدائر فيها في موقع يسمح لها بتمرير ضربة ضد حليفها. وبالمقابل، لم تكن القيادة الإيرانية الجديدة راغبة في دخول مواجهة مبكرة تقضي على فرص انفتاحها على الغرب وبخاصة مع الولايات المتحدة. وقد بدا أنّ إيران سلمت بالضربة، وبدأت الإعداد لامتصاصها والحفاظ على ما هو قائم في إيران والعراق ولبنان. فبادرت بالتعاون مع حلفائها في المنطقة لعرض مخارج تجنّب النظام السوري الضربة؛ فجاءت مبادرة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ذات النقاط الثماني في 4 أيلول/ سبتمبر 2013، وهي تدعو الى وقف فوري للقتال، وانتظار نتائج تحقيق فريق المراقبين الدوليين في استخدام الكيماوي، وإلزام النظام والمعارضة موعدًا محددًا لإجراء مفاوضات، وتشكيل حكومة مؤقتة تُجري انتخابات بإشراف عربي وأممي، يعقبها تداول سلمي على السلطة[3].
ولم تجد مبادرة المالكي صدىً واسعًا على الصعيد الدولي الذي كان يركز على معاقبة النظام على استخدام السلاح الكيماوي فحسب، ما جعل الأنظار تتجه نحو كواليس قمة العشرين في انتظار مفاوضات اللحظة الأخيرة، فتمخضت المساعي الدبلوماسية التي قادها عدد من الدول – وعلى رأسها ألمانيا خلال القمة – عن عقد لقاء قصير بين أوباما وبوتين على هامش القمة[4]. ويبدو أنّ القيادة الروسية كانت قد اقتنعت بجدية الأميركيين في تنفيذ تهديدهم، وبأنّ تجنب وقوع الضربة يتطلب تقديم “تنازلات” مهمة في موضوع السلاح الكيماوي، إما لإيجاد مخرج لأوباما، أو ربما لإضعاف موقفه أمام الكونغرس والرأي العام المعارض للضربة العسكرية من خلال مبادرات تسحب منه ما تعتبره “الذريعة” المباشرة للقيام بالضربة؛ وهي حيازة السلاح الكيماوي وإمكانات استخدامه[5].
بدا من الواضح أنّ روسيا ومن ورائها ألمانيا – التي كانت تجري اتصالات مع دول أوروبية ومع إيران – تحضران لـ “صفقة” قبل عودة الكونغرس من إجازته في 9 أيلول/ سبتمبر، ومن ثمّ، قبل كلمة أوباما للشعب الأميركي في اليوم التالي.
وبالفعل، فقبيل ساعات من مناقشة الكونغرس للضربة العسكرية، أعلنت روسيا عن “مبادرة” تنص على وضع السلاح الكيماوي السوري تحت الإشراف الدولي، وعلى تدميره لاحقًا بعد انضمام سورية إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية. وبصورة فورية، أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم من موسكو عن “ترحيب القيادة السورية بالمقترح الروسي حرصًا منها على أمن مواطنيها وبلادها”.
لقد جاءت المبادرة الروسية لتحقق أهداف الإدارة الأميركية من “الضربة العقابية”، وبذلك عززت قوة الجناح المتحفِّظ عن الضربة أصلًا في داخل الحكومة الأميركية، كما أنها أخلّت بتماسك المؤيدين للضربة في الولايات المتحدة، وبخاصة اللوبي الإسرائيلي المتحمّس فقط لتدمير المخزون الكيماوي السوري بوصفه أحد أهم أهداف الأمن الإسرائيلي في الوقت الذي يفضل فيه الحفاظ على النظام ضعيفًا لأنّ البديل منه إما الفوضى أو ما هو أسوأ لإسرائيل. وهو – بالمناسبة – موقف تشترك فيه دول أخرى مثل الأردن على سبيل المثال.
الحسابات الجديدة واحتمالات التسوية
أعادت “صفقة الكيماوي” خلط الأوراق على كل المستويات في الأزمة السوريّة، فقد تراجع احتمال الضربة العسكرية الأميركية بعد أن كان شبه مؤكد. وظهر ذلك جليًا في خطاب الرئيس أوباما للشعب الأميركي يوم الثلاثاء 10 أيلول/ سبتمبر. فعلى الرغم من أنّ أوباما أبقى الضربة خيارًا قائمًا، ومناشدته الشعب الأميركي وأعضاء الكونغرس تفويضه القيام بذلك، فإنّ أعلن أنّ الأولوية هي للخيار الدبلوماسي، ولذلك طلب تأجيل التصويت في الكونغرس. وبناء عليه، فإنّ تطورات الملف السوري والحراك الدولي بشأنه تقع في المدى المنظور ضمن ثلاثة احتمالات رئيسة:
أولًا: تسوية تقتصر على قضية الكيماوي: يمكن لأوباما أن يروّج أمام الرأي العام الأميركي والكونغرس أنّ المبادرة الروسية تمثل “انتصارًا” شخصيًا له ولإدارته، وبخاصة في ضوء اتهامه بالضعف والتردد؛ فخيار اللجوء إلى القوة والتهديد بالتدخل العسكريّ أثبت “نجاعته”، وأجبر روسيا والنظام السوريّ على التراجع خطوة إلى الوراء. وقد تُشكِّل هذه الخطوة “المخرج” الذي ينشده أوباما لتجنّب العمل العسكري الذي يضعه وحزبه في مواجهة مع الرأي العام، فضلًا عن أنه يتعارض مع إستراتيجية الانكفاء التي اتبعها في حملاته الانتخابية، وكذلك منذ توليه السلطة. فانطلاقًا من ذلك، قد تبادر روسيا إلى تسريع تنفيذ هذه “الصفقة” بما يعيد الأزمة السوريّة إلى مرحلة ما قبل مجزرة الكيماوي، وليستمر الصراع قائمًا في انتظار أن تنضج ظروف ملائمة داخليًا وخارجيًا لبلوغ “تسوية”. وإنّ تركيز الولايات المتحدة على مسألة السلاح الكيماوي، وتجاهلها الكامل للمأساة السورية في جوانبها الأخرى أكثر من عامين، يجعل هذا الخيار “الأكثر رجحانًا”. وقد ترجم هذا الخيار عمليًا في الاتفاق الذي جرى بين كيري ولافروف في جنيف 14 أيلول/ سبتمبر، والذي نصّ على إطارٍ لتدمير المخزون الكيماوي السوري بحلول منتصف عام 2014.
ثانيًا: تسوية كبرى يشكل فيها الكيماوي مدخلًا لإطار شامل للحل: قد تفتح مسألة استخدام السلاح الكيماوي – وقد جرى استثماره في لعبة المقايضات بين الغرب وروسيا حول الملف السوري – الباب لترتيبات أوسع؛ وقد تمنع تعقيدات الصراع داخل سورية من أن تقتصر “الصفقة” على موضوع الكيماوي فحسب. كما أنّ الضغوط التي تمارس على الإدارة الأميركية من بعض الدول العربية والإقليمية والأوروبية – فرنسا مثلًا – والمتحمسة لمعاقبة النظام السوري، تصب في مصلحة عدم اقتصار الصفقة على السلاح الكيماوي. وربما يشكل ذلك فرصة لتسريع الحل السياسي وفق اتفاق “جنيف 1″، وتشكيل حكومة مؤقتة كاملة الصلاحيات مكونة من النظام والمعارضة، بحيث تكون خطوة أولى على طريق الانتقال السياسي في سورية. ولكن، ثمة صعوبات عدة تعترض هذا الاتجاه؛ أبرزها عدم جاهزية طرفي الصراع، وبخاصة النظام للدخول في عمليّة سياسيّة؛ فقد وافق النظام على “الصفقة” على أنها ثمن لبقائه كما هو في معادلة الصراع داخليًا، وإعادة تأهيله طرفًا ” شرعيًا” معترفًا به دوليًا. لذلك، من غير المتوقع أن يذهب النظام إلى عملية سياسيّة وهو يشعر بالضعف أو تحت التهديد كما هو الحال الآن. ويمكن استذكار كيف أنّ النظام وحلفاءه سعوا منذ نيسان/ أبريل 2013 إلى قلب موازين القوى العسكرية على الأرض لتجنّب الذهاب إلى مؤتمر “جنيف 2” من منطلق ضعف.
ثالثًا: فشل الصفقة: قد يساهم تضارب مصالح القوى الدوليّة والإقليمية وتقلّب موازين الربح والخسارة في فشل هذه الصفقة، أو على الأقل صعوبة تنفيذها في المدى المنظور. الأمر الذي قد يعيد المشهد الدولي إلى ما قبل الإعلان عن المبادرة الروسية؛ بمعنى أن تستمر الإدارة الأميركيّة في سعيها للحصول على تفويض الكونغرس، من خلال حشد دور جماعات الضغط الرئيسة المتحمّسة للضربة وتفعيلها، ومن خلال التأكيد على المصالح الوطنية والهيبة والصدقية الأميركية. إلا أنّ ما يضعف هذا الاحتمال هو صعوبة التكهن بنتيجة تصويت الكونغرس الأميركي في ضوء التباينات والانقسامات الموجودة داخله، والمعارضة الواسعة من قبل الرأي العام. كما أنه من المستبعد أن يقوم أوباما بتوجيه ضربة للنظام السوري إذا رفض الكونغرس تفويضه.
إنّ كل ما تقدم يجعل المبادرة الروسية تمثل مخرج الحد الأدنى الذي تسعى له القوى الكبرى الرئيسة المهتمة بالصراع بعد التصعيد الكبير الذي أعقب استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي ضد شعبه. واللافت أنّ قوى المعسكرين (حلفاء النظام وخصومه) تعاونت بشدة للتوصل إلى الاتفاق للحيلولة دون وقوع الضربة العسكرية الأميركية. فهل يمثل هذا التعاون نموذجًا يمكن أن يتكرر في إطار تسوية أشمل تؤدي إلى إنهاء المأساة السورية، وتساهم في وضع حد لنظام دمر مدن سورية وارتكب في حق شعبها جرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية؟ أم هل أنّ إدارة الأزمة ومنع انتشارها سيستمر نهجًا في التعامل مع الموضوع؟ من الواضح أنّ الشعب السوري مضطر لمواصلة الاعتماد على نفسه في هذه المرحلة، وللارتقاء بدرجة التضامن الداخلي وبأداء قواه السياسية والمقاتلة.
[1] في شهادته أمام الكونغرس في 19 آب/ أغسطس 2013، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي: “إنّ التحرك تجاه الملف السوري يجب أن يحصل لحماية مصالح حلفائنا (تركيا، والأردن، وإسرائيل) فحسب”. انظر:
“General Says Syrian Rebels Aren’t Ready to Take Power,” New York Times, 21/8/2013:http://www.nytimes.com/2013/08/22/world/middleeast/general-says-syrian-rebels-arent-ready-to-take-power.html?_r=0
[2] Ibid.
[3] “المالكي يطرح مبادرة لحل الأزمة السورية: وقف القتال والحوار ورفض أي عمل عسكري”، صحيفة الحياة، 5/9/2013، انظر:
http://alhayat.com/Details/548508
[4] أدت ألمانيا دورًا في تخفيف التوتر بين الرئيسين أوباما وبوتين إثر إلغاء البيت الأبيض اجتماعًا ثنائيًا بين الرئيسين كان قد تقرر مسبقًا على هامش قمة العشرين؛ نتيجة اتهام بوتين الإدارة الأميركية بالكذب في قضية السلاح الكيماوي قبل أيام قليلة من انعقاد القمة.
[5] خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية الأميركي جون كيري في لندن في 9 أيلول/ سبتمبر 2013، سُئل من قبل أحد الصحفيين بشأن إمكانية تجنّب الضربة في حال تخلّص سورية من السلاح الكيماوي، فكانت إجابته بالموافقة، إذا ما حصل ذلك خلال أسبوع.
وحدة تحليل السياسات في المركز
تتكوّن وحدة تحليل السّياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات من مجموعة من الباحثين الذين يعملون بشكلٍ جماعيّ، ويلتقون دوريًّا، لتدارس المواضيع السياسيّة والإستراتيجيّة الرّاهنة ذات الأهميّة العالية، ومناقشتها، ورصدها، ومتابعة تطوّراتها، وتوقّع تأثيراتها المحتملة. تعمل الوحدة تحت إشراف الدكتور عزمي بشارة، وبتوجيهه، ويقوم باحث بتنسيق الاجتماعات والمواضيع والموادّ المقترحة للنّقاش. يكلّف باحث أو أكثر بصياغة ورقة، ويقدمها لتخضع للمناقشة في جلسة، ثمّ يعاد تحريرها في ضوء الملاحظات التي يبديها أعضاء فريق الوحدة. وتخضع قبل نشرها على الموقع الإلكتروني كورقة “تقدير موقف” أو ورقة “تحليل سياسات” لمراجعةٍ أخيرة