أكرم البنيبشير البكررستم محمودرضوان زيادةسلامة كيلةسمير العيطةصبحي حديديصفحات سوريةطيب تيزينيعقاب يحيىعلي العبداللهعمر قدورغازي دحمانغسان المفلحفايز سارهميشيل كيلوهوشنك بروكا

ملف صفحات سورية الثالث عن الضربة الأميركية المرتقبة على سورية – كتاب سوريين

كيمياء النظام السوري: ستة دروس و’زلة لسان’ واحدة/ صبحي حديدي

في نطاق الافتراض أوّلاً، ولأنّ العالم لا يملك سوى هذا الخيار أساساً، ثمة سلسلة من التعقيدات التكنولوجية الصرفة، الأقرب إلى عوائق كبرى عصية على التجاوز، تجعل تنفيذ الاقتراح الروسي ـ حول وضع ترسانة النظام السوري من الأسلحة الكيميائية قيد الرقابة الدولية، ثمّ التخلص منها نهائياً ـ مهمة شبه مستحيلة. يكفي الوقوف على اللائحة التي يسردها مايك كولمان، كبير العلماء في شركة ‘باتيل’ المتخصصة، والتي شاركت في أعمال تفكيك الترسانة الكيميائية الأمريكية: آجال زمنية قد تمتدّ على عقود، أكلاف مالية عالية تُقدّر بالمليارات، منشآت وأفران يتوجب أن تُبنى خصيصاً، وخبراء بمهارات عالية تقوم على التخصص والكفاءة والدراية العلمية، فضلاً، بالطبع، عن مناخات أمنية مضمونة تماماً، هيهات أن تتوفر في الظروف الراهنة التي تعيشها سورية.

من السابق لأوانه، إذاً، مناقشة هذه الجوانب التقنية على أيّ نحو عملي، أو حتى جدّي؛ ليس في انتظار أن يتكشف الاقتراح الروسي عن حدود دنيا من تفاهم الكبار على تطبيقه، فحسب؛ بل كذلك لأنّ حرب المصير، بين نظام بشار الأسد والغالبية الساحقة من أبناء الشعب السوري، لم تعد تسمح برفاه مستدام من المناظرة بين معركة كيميائية وأخرى دبلوماسية! الحكمة، في المقابل، تحضّ على استخلاص بضعة دروس سياسية من السياقات التي أفضت إلى ولادة المبادرة الروسية؛ هي، في الآن ذاته، بضع إشارات حول جدل الضربة العسكرية المحدودة ضدّ النظام السوري، واحتمالات تأجيلها، أو تبديل طبيعتها من حيث الشدّة أو الضعف، أو صرف النظر عنها كلياً.

ولعلّ الدرس الأوّل، الذي يعني السوريين قبل سواهم، وبالتالي أكثر من غيرهم، هو حقيقة استعداد النظام للتفريط بما تبقى لديه من أوراق قوّة، كانت ذات يوم تُحتسب ـ عند النظام، وكذلك عند أنصاره في ‘محور الممانعة’ الشهير ـ ضمن عناصر ‘التوازن الستراتيجي’ مع العدوّ الإسرائيلي. صحيح أنّ مضامين ذلك ‘التوازن’ تبدّلت جذرياً، ومنذ انطلاق الانتفاضة السورية في آذار (مارس) 2011 بصفة محددة، فصارت منحصرة في محاربة الشعب بالأسلحة المتوفرة كافة، بما في ذلك الكيميائية منها؛ بدل التلويح بها كخيار ردعي ضدّ إسرائيل، يمكن أيضاً أن يُنقل إلى حليف مثل ‘حزب الله’، أو أن يُستخدم ورقة ابتزاز ترجيحية، هنا وهناك في النزاعات الإقليمية.

ومن نافل القول، ضمن استخلاص درس ثانٍ من باطن هذا الدرس الأوّل، أنّ حكاية التفريط هذه تواصل أيضاً خدمة أمن إسرائيل على مستويات ستراتيجية بعيدة المدى؛ وهذا هو ذلك الدور الذي أنيط بنظام ‘الحركة التصحيحية’ طيلة 43 سنة، بل قبلئذ، منذ هزيمة 1967 حين كان حافظ الأسد وزيراً للدفاع. جلي، إلا عند الحمقى ودافني الرؤوس في الرمال من أضراب ‘الممانعين’، أنّ مشروع تفكيك الترسانة الكيميائية للنظام السوري لا يضرّ قوى المقاومة العسكرية داخل صفوف المعارضة السورية إلا بمعدّلات تقلّ كثيراً عن المنافع التي يسديها لجيش الاحتلال الإسرائيلي في الجولان. وعلى غرار ‘الردع الصاروخي’ الشهير، الذي طالما تغنى به ‘الممانعون’، واعتبروا أنه السيف المسلط على رأس إسرائيل؛ كسر النظام محرّم الصواريخ بعيدة المدى هذه، وأطلق الـ’سكود’ بالفعل، ولكن… ضدّ الداخل السوري، بدل العمق الإسرائيلي!

وبهذا المعنى لم يجانب الصواب كثيراً ذلك التأويل الذي استمدّ درساً ثالثاً من هذه السياقات تحديداً، فرأى أنّ للمقترح الروسي مرجعيات إسرائيلية؛ تكشفت على لسان بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، حين ‘خرج عن صمته’ وشارك في تأطير أجواء ما سُمّي ‘زلة لسان’ جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي؛ فأعطى بُعداً إسرائيلياً لانقضاض سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، على مقترح تسليم ترسانة النظام الكيميائية؛ وسهّل لهاث وليد المعلّم، ناطقاً بلسان معلّمه الأسد، إلى إعلان القبول الفوري. كان التوقيت لافتاً، بالفعل، حين كسر نتنياهو بنفسه حال التحريم التي فرضها على وزرائه، بصدد إطلاق التصريحات حول الضربة الأمريكية، فأعلن أنّ الوقت قد حان ‘لنزع الأسلحة الكيميائية في سورية’؛ دون أن ينسى إيران، بالطبع، إذْ حثّ على أن تشملها عمليات نزع مماثلة.

ذلك لأنّ إسرائيل كانت في حيرة بين جاذبية الموافقة على الضربة الأمريكية، بما ستسفر عنه من اهتراء إضافي في قدرات الجيش السوري (وليس قوّات النظام وحدها، أو أوّلاً، بالضرورة)؛ والنفور من الضربة ذاتها، بما قد تفضي إليه من تقوية وحدات المقاومة العسكرية ضدّ النظام (وهذه، وفق التصنيفات الإسرائيلية كافة، قوى معادية لإسرائيل بالضرورة، أو ليست على الأقلّ صديقة لها كما كانت عليه الحال مع نظام ‘الحركة التصحيحية’ طيلة اربعة عقود ونيف). والأرجح، منطقياً، أنّ إدارة نتنياهو فضّلت خياراً ثالثاً، ليس أشدّ نفعاً وأعظم مغنماً فحسب، بل بدا بعيد المنال حتى افترت شفتا وزير الخارجية الأمريكي عن تلك ‘الزلة’، فلم يتأخر نتنياهو في مباركة الفرصة السانحة، إذا لم يصحّ القول إنه شجّع أصدقاء إسرائيل في الكرملين على اغتنام رياحها.

هذا درس رابع، إذاً، يشير مجدداً إلى مقدار التقارب ـ وربما التطابق، في كثير من التفاصيل، أيضاً ـ بين الموقفَين الروسي والإسرائيلي من نظام الأسد، وكذلك من الانتفاضة الشعبية استطراداً؛ بما تتضمنه حال التقارب، أو التطابق، من توافق على أمن إسرائيل في جانب حاسم من شبكات ذلك الأمن، أي بقاء النظام كواحد من أفضل ضامني ذلك الأمن. وهذه، في الآن ذاته، حال روسية ـ إسرائيلية ضاغطة على الولايات المتحدة، ذاتها، ابتداء من الرأي العام كما تصنّعه وسائل الإعلام المعروفة بانحيازها الأقصى لإسرائيل، مروراً بتجاذبات الكونغرس الحزبية التي تتكسر في الختام على صخرة الولاء لإسرائيل، وانتهاء بالرئيس الأمريكي باراك أوباما نفسه كمصبّ ينتهي إليه خضمّ هذه الاعتمالات، وسواها.

الدرس الخامس هو أنّ موسكو، في الانقضاض على ‘زلة لسان’ كيري، لم تتقصد اجتراح شطارة دبلوماسية فائقة، بحيث أنها أخذت واشنطن على حين غرة، وأعادت خلط الأوراق على نحو جعل إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تبدو ـ ومعها في الظلّ تابعها، النظام السوري ـ أقرب إلى منتصر في لعبة عضّ الأصابع مع إدارة أوباما. ذلك تفسير تبسيطي، وانفعالي على نحو ما، يقيم موازين العلاقات بين روسيا وأمريكا، أو بالأحرى روسيا والعالم الخارجي عموماً، على ألاعيب الشطارة الأشبه بالضربات القاضية في الملاكمة. أغلب الظن، في المقابل، أنّ موسكو عثرت على منفذ نجاة لسياستها العالقة تجاه مجازر 21 آب (أغسطس) الكيميائية؛ إذْ بات مربكاً، ومحرجاً تماماً، أن تتمسك دولة عظمى مثل روسيا بسردية واحدة وحيدة، هشة وضعيفة وهزيلة، مفادها أنّ المعارضة هي التي استخدمت الأسلحة الكيميائية في ‘خان العسل’، وأنّ النظام لم يستخدمها في الغوطتَين الشرقية والغربية.

ومن الواضح أنّ ارتباك البيت الأبيض، حول الضربة العسكرية تحديداً، لم يبدأ من سوء التخطيط لها، وسوء إدارتها، سياسياً وإعلامياً وعسكرياً، والنقلات الدراماتيكية التي مرّت بها (ولم يكن قرار تحكيم الكونغرس أقلّها حصافة، أو أشدّها مدعاة لإثارة البلبلة في أذهان الأمريكيين)؛ بل بدأ من ابتداء سياسة أوباما تجاه الملفّ السوري، والانتفاضة الشعبية، وربما انتفاضات العرب جميعها، وذاك هو الدرس السادس. وهكذا، مجدداً، وقبل أن يشرع أوباما في ولايته الثانية، ويتولى كيري ملفات ‘الربيع العربي’؛ لعب البيت الأبيض ـ ممثلاً في مسؤوليه السابقين: وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون، وزير الدفاع روبرت غيتس، رئيس أركان القوات المسلحة الأدميرال مايكل مولن، مساعد وزيرة الخارجية جيفري فلتمان، المدير في مجلس الأمن القومي الأمريكي دافيد لبتون، والمبعوث الشخصي فرانك وايزنر… ـ لعبوا، في تونس ومصر واليمن والبحرين، ثمّ في سورية لاحقاً، الأدوار الأسوأ والأشدّ ضرراً.

البيت الأبيض، وكما ساجلتُ شخصياً في مرحلة مبكرة من انطلاق الانتفاضة، ما يزال غير حاسم بصدد، أو غير مستقرّ تماماً على، تحديد سياسة مفصلة وملموسة وقابلة للتطبيق المرحلي، بصدد الملفّ السوري. واليوم أيضاً، كما في الماضي، هنالك أسباب وجيهة، سورية داخلية صرفة وإقليمية دولية أيضاً، جيو ـ سياسية وعسكرية واجتماعية واقتصادية وثقافية، تجعل الملفّ السوري أشدّ تعقيداً، وإنذاراً بالمخاطر والمزالق، من أن يدفع أوباما إلى اتخاذ قرارات تسير على نقيض فلسفته الرئاسية، حول حروب أمريكا الخارجية بصفة خاصة.

ولقد سال حبر كثير في وصف ألعاب ‘الشطارة’ الأخيرة، بين ‘زلة لسان’ كيري هنا، وبراعة لافروف هناك؛ ولم نعدم جوقة ‘الممانعة’ التي اعتبرت تراجع أوباما عن الضربة بمثابة انتصار للأسد، والمتواضع بينهم ردّ الانتصار إلى بوتين؛ كما غاب عن الجوقة أيّ صوت يتحسر على تفكيك ترسانة النظام الكيميائية بوصفها استقالة علنية من مبدأ ‘التوازن الستراتيجي’، فكيف بالركوع والانبطاح أمام ‘الصهيونية والإمبريالية العالمية’. للحبر أن يسيل أكثر، بالطبع؛ وللدم السوري أن يُراق، بأسلحة كيميائية أو أخرى تقليدية؛ وللخاتمة، التي يدوّن التاريخ حيثياتها بتؤدة، أن تسير إلى حيث قرّر لها الشعب السوري أن تنتهي: شاء أوباما أم أبى بوتين، وتلكأ الأوّل أم تواطأ معه الثاني!

‘ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

الموقف من الضربة العسكرية الغربية المحتملة والتداعيات المحتملة والاستراتيجية المطلوبة/ تيار مواطنة

من المسلم به اليوم أن الحدث الأبرز على مساحة العالم في الأسبوعين الأخيرين هو التصعيد الأمريكي ضد السلطة السورية الذي وصل حد اتخاذ قرار بضربة عسكرية محدودة –ولكن موجعة- لأسلحتها الاستراتيجية، وبخاصة السلاح الكيميائي وتدمير وسائل استخدمه. ومن نافل القول التذكير بأن هذا التصعيد جاء رداً على القصف الكيميائي الوحشي للسلطة السورية على الغوطتين الشرقية والغربية والذي راح ضحيته –على أقل التقديرات- ما يقارب الألف شهيد، جلهم من النساء والأطفال.

وبصرف النظر عن رأينا في هذا التوجه الجديد، أو عن رأينا في المجتمع الدولي، أو عن كل ما قلناه –وما لم نقله- سابقاً عن تخاذل المجتمع الدولي وعن الآثار الكارثية التي تركها هذا التخاذل على الوضع السوري، بما في ذلك استمراء السلطة له والطمع فيه الأمر الذي جعلها تشن الهجوم الكيميائي الفظيع فجر الأربعاء في الحادي والعشرين من آب/أغسطس، نقول وبصرف النظر عن رأينا في التدخل العسكري الذي كنا نرى –ولا نزال- أن شكلاً من أشكاله ضروري لخلق أمر واقع في سورية يجبر السلطة-الطغمة في الأصل على –ويدفع الآخرين إلى- الدخول في مرحلة انتقالية تفضي إلى رحيل السلطة التام سواء أتم ذلك في جنيف أو بأي صيغة أخرى ما دام هذا هو شعار المجتمع الدولي المذكور، وفي كل الأحوال وبغض النظر عن جنيف وغيرها من المعتقد أن التدخل الأممي سوف يكون ضرورياً في مرحلة ما من أجل تعديل ميزان القوى على الأرض ليس بين السلطة والمعارضة فحسب، بل من أجل تبديل هذا الميزان أيضاً بين الجيش الحر والفصائل الإسلامية الجهادية المتطرفة بما يضمن عدم حصول فلتان أو فوضى أو انتقام جمعي أو حرب طائفية معلنة أو محاولة تقسيم أو أي شيء آخر يمس الشعب السوري ووحدته ومستقبله… الخ.

نقول بصرف النظر عن كل ما سبق، فإن السلطة السورية هي من استدرج الضربة العسكرية المحتملة بسلوكها البهيمي الجنوني الأخير الذي جاء تتويجاً لوحشية لم تتوقف يوماً واحداً، وعندئذ فإن من الطبيعي أن يتحرك المجتمع الدولي –بعضه على الأقل- إزاء هذا الجحيم من القتل وبهذا السلاح وفي نطاق زمني لا يتجاوز الساعات على الرغم من أن المجتمع الدولي –بما فيه ذاك البعض- كان يؤكد ليل نهار وحتى هذه اللحظة على أنه ليس بوارد التدخل أبداً بل هو يفضل على طول الخط الحل السياسي بوصفه الحل الأمثل في سورية –إن لم يكن الوحيد- ويبدو أن هذا الموقف هو بالضبط ما أغرى السلطة السورية –بالإضافة إلى وحشيتها في الأصل- بارتكاب العمل الفظيع المذكور لتجد نفسها في شرك ضربة محتملة ستكون –بصرف النظر عن الموقف منها أو الرد عليها- رسالةً صارمةً لها ولأمثالها من السلطات والمنظمات الإرهابية بأن الإفلات من العقاب غير ممكن عندما تصل الجريمة إلى هذا الحد وبهذا السلاح المحرم دولياً منذ عام 1925.

وفي كل الأحوال، حتى لو كانت هناك في ذهن منظمي هذه الضربة المحتملة نوايا أخرى –حسنة أو سيئة- فإنها لا تغير كثيراً في سياق الرسالة الصارمة بعد طول تردد وتخاذل، كما لا يغير كثيراً في هذا السياق رفض الكثيرين لها في العالم وفي الداخل انطلاقاً من حسابات ومخاوف وتداعيات حقيقية أو وهمية، فأصحاب وجهة النظر الرافضة مجتمعين لم يستطيعوا أن يقدموا أي شيء يسير بنا قيد أنملة على طريق حلولهم السلمية المقترحة حتى الآن، ولن يستطيعوا ذلك في المستقبل بالتأكيد لأسباب يعرفونها هم ويعرفها الجميع والتي على رأسها بنية السلطة-الطغمة والتي أوصلت –أي الأسباب- مجتمعةً إلى وضع الاستنقاع الذي نعيشه في سورية اليوم، والذي يبدو أن الوسائل القديمة عاجزة عن فتح ثغرة فيه.

يبقى أن نقول في هذا التمهيد أن الضربة قد تأجلت لأسباب نعرف بعضها ونجهل الأخرى، فمن المعروف منها أن هذه الضربة لا تحظى بتأييد شعبي واسع لا على صعيد الشعوب ولا برلماناتها، وبخاصة الأجنحة اليسارية منها، ولا حتى على صعيد المؤسسة العسكرية في بعض الأحيان انطلاقاً من أسباب عدة، لعل أهمها تعقيد الوضع السوري وانقسام المجتمع الدولي والنزوع السلمي الكاسح لدى الشعوب المذكورة منذ الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولعل رسالة البابا إلى قمة العشرين تعبير واضح عن ذلك. وفي السياق نفسه يأتي التوجه السلمي الأصيل لإدارة أوباما بما في ذلك الانسحاب من الحروب والصراعات العالمية –ناهيك عن الدخول فيها- كما يشكل الفيتو الروسي والصيني الذي سيبقى على حاله على الأرجح سبباً إضافياً يفضي إلى نقص الشرعية الدولية، ولتجاوز هذه العقبات كان –كما يبدو- لا بد من تأجيل هذه الضربة من أجل كسب تأييد بعض القطاعات الشعبية والرأي العام الشعبي والبرلماني والدولي لها، بما يفضي إلى تشكيل ائتلاف دولي حولها خارج مجلس الأمن يحظى بشكل من الشرعية الداخلية على الأقل والدولية قدر الإمكان. ولقد بات هذا كله بحكم المسلم به تقريباً وبخاصة بعد ظهور الانقسام الصريح داخل قمة العشرين وبعد المحاولة العنيدة التي يقودها الروس لتشكيل حلف دولي كبير رافض للضربة المحتملة الذي سيكون على رأسه بالتأكيد دول البريكس الذي يحاول وسيظل يحاول وضع العراقيل الفعلية في عجلات الحلف الآخر المأمول.

ومن الأمور غير المعروفة –ولكن المحتملة- أن يكون التأجيل –بالإضافة إلى ما سبق- هو احتمال توسيع نطاق الضربة في الزمان والميدان والوسائل والأهداف، الأمر الذي يجعل إجازة السلطة التشريعية لها ضرورية وبخاصة إذا كان من بين أهداف هذه الضربة دعم المعارضة السورية سياسياً وعلى الأرض.

وأياً يكن سبب التأجيل فإن الضربة قادمة على الأرجح الأمر الذي يعني بالإضافة إلى ما سبق عدم إضاعة الوقت في تفسير حجم الضربة أو مراحلها أو تطورها، ولا في الخلاف النظري والسياسي حولها، ولا في من هو المصيب أو المخطئ، لأننا نعتقد أن هذه الضربة ينطبق عليها المبدأ الفقهي (اختيار أهون الشرين) أو في أسوأ الأحوال على رأي المثل القائل (رب ضارةٍ نافعة). وفي هذه الحال نحن نعتقد أن النقاش والعمل يجب أن ينصب على تداعياتها الضارة –وهي واقعة- لتلافيها أو التقليل من آثارها، وتداعياتها الأخرى التي قد تكون نافعة لاستثمارها على الوجه الصحيح من خلال قيام جميع الأطراف العسكرية والسياسية والشعبية في خندق الثورة بواجبها الصحيح لعل بالإمكان فتح ثغرة نحو المستقبل في هذا الاستنقاع الراهن نحو الحل السياسي إن أمكن وإلى البديل العسكري في غير هذه الحال.

وفي هذا السياق يترك تيار مواطنة سلسلة السلبيات المحتملة لأن الأطراف الرافضة ستعمد ليس إلى إبراز ما هو حقيقي منها فحسب –وهو قائم- بل إلى اختلاق كوارث وهمية أخرى لا سند لها على الأرض في سبيل تسويغ الرفض وبث الرعب في كل اتجاه، نقول سنترك الآثار السلبية لأصحابها لأنهم سيقومون بواجبهم على “خير وجه” وسنحاول استجلاء الممكنات الأخرى التي ينبغي التركيز عليها والعمل ضمنها، والتي يمكن أن تظهر على غير صعيد. ولما كانت التداعيات الإيجابية الممكنة مترابطة ومتعلقة في النهاية مع ممارسة المعارضة على اختلاف رؤاها ووسائلها، فإننا نفضل عدم الفصل بين العنصرين السابقين –التداعيات والممارسة- وسنعمل على دمجهما في كل واحد بحيث نقول:

• على الصعيد العسكري: يصعب إلى حد كبير –في حدود الضربة المقترحة إن لم تتدحرج- تصور انهيار عسكري مدوٍّ في ميدان القتال، لأن الضربة ستطال على الأرجح بعض أنواع السلاح الاستراتيجي –وبخاصة الكيماوي- بحيث يكون التأثير المباشر هو على التوازن بين الداخل والخارج في حين يكون التأثير بشكل غير مباشر في الداخل وعلى الأرض وعلى كل الأصعدة بحيث يمكن استثمارها لاحقاً بشكل إيجابي لصالح الثورة، وبخاصة إذا شُفعت هذه الضربة باستراتيجية واضحة ومحددة لدعم الثورة والثوار بما يخدم الشعب السوري وثورته وبما يضمن وحدة البلد وسيادته واستقلاله وأمن مواطنيه، لاسيما المدنيين منهم، بكافة انتماءاتهم العمودية والأفقية.

• على الصعيد المعنوي –النفسي والعقلي: ستكون هنالك آثار إيجابية، إذ من المحتمل –بل من المرجح- أن يتراجع عدد الزاحفين نحو السماء والتطرف، بل تمكن المراهنة على أن الزحف المذكور سوف يتوقف، وسوف يبدأ العد العكسي لصيرورة العودة إلى الأرض والاعتدال، لأن من أهم الأسباب –وهي كثيرة- التي أدت إلى الزحف نحو السماء هو تخاذل المجتمع الدولي، وفي هذه الحال فإن الكف عن التخاذل سيكون هو الآخر أحد أهم الأسباب في العودة إلى الأرض، هذه العودة التي ستكون في غاية الأهمية في انعكاسها على مستقبل الثورة ودور المتطرفين فيها.

• وفي خندق السلطة وحلفائها الاجتماعيين: سوف تكون هنالك بداية صيرورة يمكن تسميتها بـ (عودة الوعي، بل وعودة الروح)، فالمكونات الاجتماعية التي كانت تراهني على عدم تدخل المجتمع الدولي –وبالتالي انتصار السلطة- ستجد نفسها أمام واقعة صادمةٍ تشبه الضربة على الجبين يمكن أن توقظ المكونات المذكورة من الحلم-الوهم وتجبرها على البحث عن مخرج يفرض نفسه بالتدريج بمقدار تآكل الثقة في حماية السلطة وانتصارها، وبمقدار تمسك المجتمع الدولي بالحزم والقوة. ومع ذلك لا يمكن استبعاد إمكانية تفاقم التطرف والالتفاف حول السلطة من أوساط أخرى من هذه المكونات –بصرف النظر عن حجمها- لأن هذا من طبائع الأمور.

إن الأثر السابق سيطال النظام السياسي برمته بدءاً من الحزب وانتهاءً بالمؤسسة العسكرية مروراً بالجهاز الإداري والنقابي والحكومي وبعض الجهاز الأمني، وليس من المستبعد أبداً أن نشهد تصدعات وانشقاقات حقيقية قد ترقى إلى الانقسام في حال وضع استراتيجية دعم الثورة موضع التطبيق الفعلي -والبوادر الأولية لذلك بدأت منذ الآن.

كما سيطال تأثير الضربة حلفاء السلطة الخارجيين بما يجعلهم يفكرون في المستقبل بشكل مختلف قليلاً أو كثيراً حتى لو وقفوا بعناد مع السلطة. وفي كل الأحوال، إن الآثار الإيجابية المتوقعة على الصعد المذكورة جميعاً في خندق السلطة ستتنامى في حال أثبتت الأمم المتحدة بالمعايير العلمية استخدام السلاح الكيميائي أولاً ثم رجحت الجهة المستخدمة له -التي هي السلطة- وسوف يكون من غير السهل على روسيا وإيران وحزب الله والحلفاء الآخرين الاستمرار البليد في غيّهم في هذه الحال، ومن المعقول أن تظهر بعض الأصوات هنا وهناك على الأقل.

• وفي خندق الشعب والثورة: سوف تزداد المحاولات الفعلية لاستعادة دور المجتمع المدني –جزئياً على الأقل- وسوف تتصاعد هذه المحاولات بمقدار تقدم الجيش الوطني الحر وتراجع دور السلطة-الطغمة والفصائل المتطرفة على حد سواء، هذه الفصائل التي قد تستفيد من الضربة في البداية –وهي تعمل على ذلك منذ الآن- ولكن سرعان ما تبدأ خسائرها بالظهور في المدى المتوسط وفي نهاية المطاف، وبخاصة لأنها لا تستند إلى حاضنة اجتماعية واسعة وقوية في سورية، بل ليس من المستغرب أن نشهد صراعات حقيقية فيما بينها جنباً إلى جنب مع انشقاقات داخلية فيها حول الثورة في سورية وحول البرنامج السياسي وحول الضربة المحتملة قبل وقوعها وبعده.

انطلاقاً مما سبق ومن وقف الزحف نحو السماء وبدء العودة إلى الأرض، فإنه ليس من المستبعد أن نشهد رفضاً مقنّعاً أو معلناً، قوياً أو خجولاً، للضربة القادمة من قبل الكثير من الإسلام السياسي المجاهد، وبخاصة من الفصائل المتطرفة طبقاً لنصيحة خليفة بن لادن –أيمن الظواهري- الذي طلب بكل وضوح من أنصاره في سورية عدم السماح لأمريكا بسرقة ما يعتقده انتصارهم، هذا كله جنباً إلى جنب مع رفض السلطة-الطغمة وحلفائها للضربة المذكورة على قاعدة معرفة الطرفين أن الضربة القادمة هي ضدهما بشكل مباشر أو غير مباشر لأنها سوف تسرق من كليهما ما يعتقده كل طرف نصراً صافياً له.

إن الضربة التي سوف تطال في البدء النطاق العسكري الاستراتيجي للسلطة يمكن أن تتجه لاحقاً إلى ضرب القاعدة وأمثالها بطرق ووسائل وأشكال أخرى، وبخاصة من خلال الدعم الفعلي للجيش الحر، وهذا ما تتوقعه الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة وأمثالهما.

• على صعيد الجيش الحر: ستكون الصيرورة السابقة مدعاة للتعجيل في الاستعداد على كل الأصعدة بدءاً بالسلاح بأنواعه وانتهاءً بالعنصر البشري مروراً بالخبرة القتالية ووحدة الاستراتيجية والبندقية الوطنية والاستعداد لكل الاحتمالات بما في ذلك احتمال حدوث فراغ سلطوي هنا أو هناك مهما يكن جزئياً.

ولعل من أهم المشاغل هنا العمل على انتزاع زمام المبادرة من الفصائل المتطرفة وإبراز الطبيعة الحقيقية للثورة بما هي ثورة سياسية وطنية من أجل الحرية والكرامة والمساواة وعلى هذه الطريق ينبغي العمل بأسرع ما يمكن على وحدة البندقية الوطنية السورية، ونقصد بالوطنية هنا البرنامج السياسي الوطني السورية في مواجهة البرنامج الأممي الجهادي للمتطرفين، كما نقصد الالتزام التام بوحدة الشعب السوري بمكوناته كافةً وبالمواطنة المتساوية بإطلاق وبالدولة المدنية الديمقراطية… الخ، على الأقل كما جاء في وثيقتي القاهرة للمعارضة في تموز/يوليو 2012، وذلك في مواجهة التمييز البغيض في البرنامج الأممي المتطرف على أساس الدين أو الطائفة أو المذهب أو القومية أو الجنس، وبمواجهة الدولة الإسلامية الإقصائية أحادية الجانب.

إن الإسراع فيما سبق ضروري لأن الفصائل المتطرفة –وربما حتى المعتدلين- سوف يندفعون –خوفاً من التدخل- بشكل محموم لتثبيت أقدامهم أكثر فأكثر ليس في مواجه السلطة فحسب، بل في مواجهة الجيش الحر المأمول تناميه بعد الضربة على قاعدة الوطنية السورية الجامعة. إن وحدة البندقية المذكورة وتقويتها ضروريان ضرورة الماء والهواء للحياة، ولذلك فإن الواجب الوطني الذي يقع على عاتق النواة الصغيرة للجيش الحر كبير جداً مثلما هو واجب الائتلاف وكل قوى المعارضة على اختلاف انتماءاتها ورؤاها السياسية وكل من له نفوذ أو حضور اجتماعي أو سياسي أو معنوي، إن الجميع مدعوون للدفع في هذا الاتجاه ودون إبطاء بما في ذلك بالطبع رفد الجيش الحر بالعنصر البشري الضروري بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك الدعوة إلى التطوع بكثافة. ليس هذا فحسب، بل إن المطلوب من جميع المقاتلين، وبخاصة الجيش الحر، ومن الائتلاف وكل القوى المعارضة الأخرى الالتزام –فضلاً عما سبق- بقوانين الحرب وقواعد الاشتباك واتفاقيات جنيف للأسرى ومواثيق الشرف ونواظم السلوك العسكري والسياسي والعمل بكل قوة لتوطينها ونشرها ودفع المقاتلين –وبخاصة الفصائل المتطرفة- إلى الالتزام بكل ما سبق، ولا بد من العمل الحثيث على كل الأصعدة لتهيئة الظروف المناسبة لوضع الفصائل المذكورة أمام الخيارات الثلاثة التالية: الانضواء تحت البرنامج السياسي الوطني والالتزام بالقوانين والقواعد المذكورة وعدم التدخل على الإطلاق في نمط حياة المجتمع السوري والحريات والقناعات والعقائد وضمائر الأشخاص، ولا في أنماط اللباس أو الطعام أو الشراب أو السلوك، أو مغادرة البلاد أو المجازفة بمواجهة المجتمع والمقاتلين الآخرين. ونحن نعتقد أن بعضهم سوف يندفع إلى الحل الأخير في حين لن نعدم أبداً من يفضل الحل الأول أو الثاني طبقاً لتطور الظروف اللاحقة.

• إن الصراع السياسي الذي سينفتح بين التدخل الخارجي والجيش الحر من جهة وبين الفصائل المتطرفة من جهة أخرى على كل الأصعدة الشعبية والفكرية والسياسية والبرنامجية وحتى العسكرية، عند الضرورة القصوى وعند توفر الإمكانية، سوف تكون له آثاره الإيجابية في الدفع نحو شكل من أشكال التنسيق وربما ما هو أكثر بين القوى الكردية المسلحة –بما في ذلك حتى الـ PYD المتوطئ مع السلطة في مرحلة ما من السياق المذكور- وبين الجيش الوطني السوري الحر الأمر الذي سينعكس إيجاباً بشكل مباشر على ميزان القوى في الشمال والشمال الشرقي والشمال الغربي من سورية، وبشكل غير مباشر في سورية عامةً.

• على الصعيد السياسي: ستكون هنالك آثار إيجابية مؤكدة ليست قليلة الأهمية في حال نجحت الثورة فيما سبق، وبخاصة على المكونات الاجتماعية المترددة أو التي تقف خلف السلطة اليوم، لأنها سوف تجد نفسها بلا ذرائع حقيقية تسوغ موقفها الراهن، فالمبالغات الشديدة ودور وقوة الفصائل المتطرفة والرعب من كل ثائر بوصفه إرهابياً أو مشروع إرهابي سوف يحل محله بالتدريج وعي مختلف عندما ترى بأم أعينها ما يجري على الأرض ضد السلطة أولاً وضد المتطرفين لاحقاً على حد سواء.

وإذا كان من الصحيح القول: إن الرعب –بالإضافة إلى أسباب أخرى- الحقيقي والمتوهم هو الذي حدد بشكل رئيس موقف وسلوك المكونات المذكورة، فإن ما سيحدد ذلك لاحقاً هو الخوف من عدم قدرة السلطة على الانتصار، بالإضافة إلى الاقتناع الجزئي أو الكلي بضرورة شكل من أشكال التدخل الأممي للأسباب التي ذكرت أعلاه بالإضافة إلى وعي الصراع المعقد على الأرض ووعي تقدم بناء الجيش الوطني السوري الحر ذي العقيدة الوطنية السورية الجامعة، حتى لو كان مشكلاً في البدء بجزء رئيس منه من الفصائل الإسلامية المعتدلة بانتظار انشقاقات عميقة في المؤسسة العسكرية ترقى إلى حد الانقسام، ووعي الصراع الذي سوف يجري كما قلنا مع الفصائل الأممية الجهادية المتطرفة من قبل المقاتلين أنفسهم.

وعلى الصعيد السياسي المذكور، من المحتمل –بل من المتوقع- أن يتقدم المجلس الوطني الكردي إلى عضوية الائتلاف الوطني الذي سوف ترتفع أسهمه على الأرض وفي السياسة نتيجة لمصداقية أصدقاء الشعب السوري ونتيجة بالتالي لتزايد إمكاناته بشكل عام.

إن انضمام المجلس الوطني الكردي –من المرجح انضمام بعض منه على الأقل- إلى الائتلاف الوطني وازدياد وزنه النسبي شعبياً وسياسياً سوف يساعد على تقليص شعبية الـ PYD ويجبره على التفكير في الخيارات الصحيحة، وبخاصة إذا تمكن الائتلاف من تحديد موقف صحيح من القضية الكردية في سورية دستورياً وسياسياً وعملياً.

وفيما يتعلق بالمكونات الاجتماعية الأخرى التي ذكرناها أعلاه، إن التداعيات السابقة من شأنها أن تحدث خلخلة داخلها وفي ارتباطها المتين بالسلطة الأمر الذي سوف ينعكس في نقاشات حقيقية داخلها حول الموقف الصائب الذي هو بالتأكيد التخلي ولو جزئياً وبالتدريج عن الموقف الراهن وهو الأمر الذي سينعكس سلباً على ارتباطها بالسلطة وبالتالي على موقع السلطة ذاتها. ولا شيء يمنع من أن يتطور هذا النقاش إلى البحث عن مداخل إلى الحل الوطني العام وإلى الثورة القائمة على الأرض.

• على صعيد المجتمع المدني: ينبغي العمل على قيام انتخابات حقيقية نزيهة وسريعة بعيدة كل البعد عن السلطة-الطغمة والفصائل المتطرفة في المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة والمناطق شبه المحررة من أجل تشكيل مجالس محلية معبرة فعلاً عن الشعب بصرف النظر عن الطرائق التي يجب أن تجري الانتخابات فيها طبقاً لظروف كل منطقة، ومن الضروري أن تضم هذه المجالس مندوبين عن المجالس العسكرية وبخاصة عن الجيش الحر وعن الناشطين على الأرض وعن فصائل المعارضة جميعها على اختلاف انتماءاتها ورؤاها السياسية بغاية الوصول إلى مجالس محلية مشتركة على طريق إدارة ذاتية تمتلك القوة المعنوية والسياسية والتمثيلية والعسكرية للقيام بواجبها اليوم وغداً عندما تفرض الظروف المتوقعة مهام حقيقية في سورية، بما في ذلك المهام المترتبة على إمكانية حدوث فراغ في السلطة هنا أو هناك.

وفي كل الأحوال، على هذه المجالس المشتركة والإدارات الذاتية أن تكون مستعدة لممارسة السلطة الفعلية على الأرض حيث هي وأن تتوحد على مستوى سورية ككل كيما تكون جزءاً فاعلاً من القيادة السياسية للبلاد، إنْ من خلال الائتلاف أو من خلال أي شكل آخر يمكن أن يولد من رحم المستقبل والتطورات اللاحقة.

• على صعيد دول الجوار: من المتوقع أن يتجرأ هؤلاء بعد الضربة على زيادة دعمهم للثورة السورية والشعب السوري والنازحين واللاجئين بمختلف الأشكال والوسائل، وهو أمر ليس قليل الأهمية أبداً، ومن هؤلاء الجيران: تركيا والأردن وقطاعات من الشعب اللبناني وكردستان العراق وقطاعات من الشعب العراقي.

بقي أن نقول: قد يقول قائل –وهو محق- إن العرض السابق يبدو وردياً إلى حد كبير على الرغم من الإشارة هنا أو هناك إلى الخسائر والأضرار في غير موقع أو صعيد، ونحن نجيب: نعم هذا الصحيح، وذلك لأننا فضلنا أن نترك سيناريو الجحيم القادم لأصحابه الشرعيين، لأنهم بالتأكيد الأقدر على تقديمه.

تيار مواطنة

دمشق في 8/أيلول/2013

لماذا غير أوباما سياسته؟/ ميشيل كيلو

جاءت ردود الفعل المباشرة التي صدرت عن باراك أوباما حيال استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد غوطتي دمشق مخيبة لآمال سوريين كثيرين، كانت أغلبيتهم تتوقع أن يأمر بشن ضربة عسكرية ضد النظام تقضي عليه، وتوفر المزيد من دمائهم.

بعد أن حدد العالم مواعيد للضربة، وألقى وزير خارجية واشنطن خطابا قويا ومتوازنا ضد النظام، كشف فيه بالوقائع والبينات ما فعله هذا ليلة قرر استخدام أسلحة كيماوية لإبادة سكان آمنين يقطنون في الحزام البشري الملاصق مباشرة لدمشق، قرر أوباما إحالة الأمر إلى الكونغرس، على الرغم من إعلانه أنه قرر الضربة، وأن صلاحياته الرئاسية تتيح له التصرف من دون عودة إلى مجلسي السلطة التشريعية الأميركية.

لماذا فعل أوباما ما فعله؟ هناك أجوبة افتراضية متنوعة على هذا السؤال، منها:

– أنه أراد دعم الكونغرس في حال جوبه الأميركيون برد إيراني أو سوري يستوجب تصعيد الموقف، عقب الضربة الأولى التي يعتزم توجيهها إلى نظام الأسد. يريد أوباما أن تكون أميركا موحدة في موقفها من أي تطور، ويعتقد أن دعم الكونغرس يحميه من ضغوط حزبية داخلية ورد فعل الرأي العام، الذي قد ينقسم بسبب عمليات عسكرية قد تنقلب إلى حرب تتعارض مع عقيدته الاستراتيجية، التي تركز على الداخل الأميركي، وتقوم على تعبئة حلفاء واشنطن في مناطق الصراع، بحيث يتولون الدور الرئيس في أي حرب. يريد أوباما أقل قدر من الانغماس في صراعات العالم، التي يخشى أن تستنزف قدرات بلاده مهما بلغت من الضخامة، ويعلل خشيته برؤية تؤكد أن الإمبراطوريات تستنفد طاقاتها في حراسة ممتلكاتها التي تتحول من مصدر قوة إلى مصدر ضعف لها، فمن الضروري أن تعرف متى تتوقف عن القيام بمغامرات تبدد قدراتها من أجل أهداف تستحيل المحافظة عليها. هذه النظرة جعلت أوباما يمارس سياسة تقتصد في استخدام القوة خارج أميركا، وتعطي الأولوية لتراكم وتعظيم القوة داخلها، لأن هذه هي ضامن بقاء الإمبراطورية، التي تستطيع عندئذ استعمال قدراتها على فترات متقطعة، لكنها تتكفل بإبقاء العالم في حدود ترسمها هي له، تخدم مصالحها.

– تظاهرت رغبة أوباما في أقل قدر من التورط خلال عامين ونيف، وها هو ينتقل إلى موقف جديد خطوته الأولى قرار بتسديد الضربة العسكرية إلى النظام، والثانية موافقة الكونغرس والرأي العام الأميركي عليها، لأن موافقتهما تتيح له الرد، وظهره محمي بوحدة الطبقة السياسية، على أي تصعيد محتمل، سواء جاء من إيران أم من الخلايا الأسدية الإرهابية. مع موقف الجامعة العربية الذي يوفر غطاء عربيا إسلامي الأبعاد للضربة، التي ستترجم إلى نمط من العمل الميداني سيكون صاعقا وقويا فلا يترك أي مجال لرد أو لتصعيد مقابل، وسيقلص بصورة جدية أو كاملة فرص أي دور إيراني أو روسي في المنطقة بأسرها؛ اليوم وفي مقبلات الأيام.

اتخذ أوباما قرار الضربة بعد أن تفرج بدم بارد خلال عامين ونيف على المأساة السورية، اعتقادا منه بأن أوضاع التدخل نضجت من كل جوانبها، فقد اكتمل تدمير سوريا وبدأ نظامها يتهاوى، وبان إفلاس الدورين الإيراني والروسي وعجزهما عن إنقاذ النظام وحسم الصراع لصالحه، واكتملت شروط فك العقد الناجمة عن تقاطع وتشابك خيوط المصالح والصراعات الدولية والإقليمية والداخلية، وحان وقت «قش» الطاولة أميركيا وتحقيق التغيير من خلال ضربة «سولد» كاملة فورية، بموافقة الكونغرس وسلاح جيش أعد خططه منذ زمن طويل، وانتظر الأمر بالتحرك، وتصميم لن يعرف بعد اليوم أي تردد، لأن التردد يضيع فرصة انتصار حاسم ستسقط ثماره في حضن واشنطن، التي لن تواجه مقاومة جدية. بقرار الضربة، أزاح أوباما روسيا جانبا ودفعها إلى موقع الخسران، وكذلك فعل بإيران، بينما انفتح طريق دمشق أمامه بغباء بشار الأسد ونزعته السلطوية المرضية التي بلغت حد الإجرام، في حين ستفسح موافقة الكونغرس، التي تبدو شبه مضمونة، المجال لتحقيق أهداف معلنة وأخرى لم يعلن عنها، ستظهر خلال الأيام والأسابيع المقبلة، داخل سوريا وخارجها.

والآن، ما هي حدود الضربة؟ وهل ستسقط النظام؟ أعتقد شخصيا أنها ستكون غير محدودة، وموجهة لتكون رصاصة رحمة تطلق على رأس بدأت تتهاوى بعد معارك خان العسل ومنغ والساحل، ومن المؤكد أن نظامها لن يقوى على مقاومة ضربة أميركية مركزة، وأن أحاديث مسؤولي دمشق عن أسلحة ستفاجئ العالم ليست غير محاولة يائسة وأخيرة لإقناع أتباعه بالانتحار!

لن يتردد أوباما بعد الآن، وسيسدد ضربته سواء وافق الكونغرس أم لم يوافق. أما حجته فستكون المحافظة على صدقية أميركا ومصالحها في المنطقة والعالم، وحماية البشرية من مخاطر السلاح الكيماوي.

أخيرا، من المرجح أن ينهار النظام خلال العمل العسكري أو بعده بقليل، وأن تدخل سوريا في طور جديد يصعب اليوم التكهن بملامحه، سيكون من علاماته الإقليمية تغييرات محتملة في العراق وخروج نظام الملالي من العالم العربي وبداية انهياره في إيران، وتهاوي حزب الله اللبناني.

الشرق الأوسط

هل نرى قريباً شبيحة النظام يرفعون صور “أبو حسين” أوباما؟/ عمر قدور

“لا أعتقد أنه يتوجب علينا الإطاحة بديكتاتور جديد بالقوة”؛ هذا أهم ما جاء في كلمة الرئيس أوباما إلى الشعب الأميركي يوم الثلاثاء 10/9/2013. هذا هو الجوهر اللاأخلاقي لسياسة الإدارة الأميركية منذ بدء الثورة السورية، ولم يعد منتظراً تعديله بعد اختراق النظام لكافة الخطوط الحمر التي وضعها أوباما بنفسه. في الخطاب ذاته ندد الرئيس بالهجوم الكيماوي “المثير للاشمئزاز”؛ هكذا فقط! نحن هنا لا نتحدث عن البلاغة، فهو أعفى نفسه من استخدام التعبير الحقيقي الملزم بإجراءات قانونية، ليست مصادفة أو سهواً أن يتحاشى أوباما القول: إن استخدام الكيماوي جريمة ضد الإنسانية، وإنه ليس مجرد تهديد لحلفائه في المنطقة، بل إن الزعم الأخير لا يصمد أبداً أمام استعداد النظام لتقديم كافة الضمانات المطلوبة وغير المطلوبة لأمن إسرائيل، وحتى استعداده لتقديم ضمانات بأن الكيماوي لن يستخدم سوى لقمع إرادة الشعب السوري.

منذ استخدام الكيماوي فجر الواحد والعشرين من آب الماضي في الغوطة، فعل أوباما كل ما بوسعه لحرف الأنظار عن القضية الأساسية، فأصبح الضحايا مجرد دليل على استخدام الكيماوي، مجرد دليل على الخطر الذي قد يمثّله على ضحايا محتملين خارج سوريا، أما من قُتلوا فعلاً في سوريا فلا يستحقون من وجهة نظره قصاصاً من القتلة. لذا لم يتحدث مطلقاً عن العدالة، تحدث فقط عن عقاب رادع، وتحدث وزير خارجيته عن ضربة تشبه وخزة الدبوس. اعترف أوباما بأن مرات استخدام الكيماوي تجاوزت العشر، واعترف بذلك صراحة بعدم اكتراثه بانتهاكات النظام المستمرة، وبعدم استعداده للخوض في المعدلات المعتادة للقتل الممنهج الذي يعمد إليه النظام يومياً.

الإعلان عن الضربة الأميركية في نهاية شهر آب لم يكن غير صحوة كاذبة، الطريقة المطاطة وغير الحاسمة كانت تشي بذلك، كانت تستجدي العون من النظام أو حلفائه ليتم التراجع عنها، وعندما تأخر العون من الخارج لجأ أوباما إلى التصويت في الكونغرس لمزيد من التسويف والتأخير. لم يبادر أوباما سريعاً للاتصال بالنواب لاستمالتهم إلى إقرار الضربة، ولم يضغط بقوة لاستصدار قرار سريع، وأخيراً عندما وجه كلمته إلى الشعب الأميركي لم يشرح القضية على نحو يحشد التأييد لها، فالأميركيون ليسوا بالغباء ليصدّقوا أن النظام يهدد العالم بالكيماوي، وهو تحاشى تماماً الاعتبارات الأخلاقية التي كان لها أن تمنح الضربة المحتملة بعضاً من التعاطف.

الرئيس الحائز على نوبل للسلام يبدو أن له فهماً خاصاً جداً للسلام، فهو لا يرى في مقتل نحو 150 ألف سوري شأناً يهدد السلام، ومن الواضح أن هذا العدد من الضحايا لا يؤرق السلام الداخلي له. هو طوال سنتين ونصف من حرب النظام على السوريين لم يتحرك بجدية لإيقافها، لم يُشر إلى أسبابها الحقيقية لأن ذلك يقتضي منه القول بأن لا سلام مع النظام الحالي. في كلمته الأخيرة قال إن معاقبة النظام على استخدام الكيماوي ستردع أنظمة أخرى عن استخدامه، لكنه لم يقل إن عدم معاقبة النظام على مجازره اليومية ستشجع أنظمة أخرى على ارتكاب المجازر في حق شعوبها. حتى ما يسمّيه هو وأركان إدارته “حرباً أهلية في سوريا” يبدو أنها لا تدخل ضمن اهتمامات رجل السلام هذا، فضحايا الحرب الأهلية المزعومة، ولنقل ضحاياها من الطرفين، لا يستحقون جهداً سياسياً حثيثاً من إدارته لإيقاف الحرب.

قد يتحدث البعض عن سلبية السياسة الأميركية تجاه الأزمة السورية، لكن الأمر فاق السلبية مراراً، فالإدارة فرملت في العديد من المرات أي جهد من حلفائها الدوليين أو الإقليمين تجاه معاناة السوريين. الإدارة منعت وصول توريدات الأسلحة في مرتين على الأقل كان فيهما الجيش الحر يحقق تقدماً واضحاً، ومنذ أشهر حتى الآن منعت وصول مضادات للطيران مع أنها الوحيدة التي تكفل نوعاً من الحماية للمدنيين من القصف اليومي، ولعل خوفها الوحيد من الضربة هو أن تؤدي إلى سقوط غير محسوب للنظام. ثم يأتي مسؤولون فيها ليتحدثوا عن حجم المساهمة المالية العالية في دعم المعارضة؛ هذه المساهمة المقدّمة للاجئين السوريين، وكأن القضية السورية هي قضية لاجئين. ولكي لا نذهب بعيداً، فأوباما فرمل في العديد من المرات شطط معاونيه عندما صعّدوا من تصريحاتهم، وبينما كان وزير خارجيته يتصل بلافروف ليبلغه أن كلامه عن تسليم الكيماوي لم يكن إلا بلاغة خطابية، وبينما كانت مسؤولة الأمن القومي أيضاً تصعّد من لهجتها إزاء النظام، أتى أوباما في لقاء تلفزيوني في الأمسية نفسها ليعلن إعطاء الأولوية للتفاهم الديبلوماسي مع الروس وتكليف وزير الخارجية بذلك!

بعد ذلك، وهذا من أكثر الأمور ابتذالاً، يأتي أصحاب الممانعة ليتحدثوا عن مؤامرة أميركية على النظام السوري ومحور الممانعة. الإدارة التي لم تحرّك ساكناً إزاء نظامهم تُتّهم بالعمل على إسقاطه؛ الإدارة التي حمت النظام فعلاً، وعملت مرات على عدم سقوطه بيد الثوار، والتي أعلن رئيسها في كلمته أنه لا يتوجب عليها من جديد إسقاط ديكتاتور؛ في واحدة من عجائب الشعارات السياسية تتهم بالتآمر. قد نقول إن أصحاب هذه المقولات لا يكفّون عن تصنيع العدو، أو يعزّ عليهم التخلي عن صورة العدو الأميركي التي اعتاشوا عليها منذ عقود، لكن ما لا شك فيه حتى الآن أن إدارة أوباما قدّمت لهم العدو الأمثل، إذ بإمكانهم الجعجعة طوال الوقت، من دون أن ينتظروا رداً مقابلاً. بوسع جماعة الممانعة تأليف ما شاؤوا من سيناريوهات المؤامرة لأتباعهم ومريديه، ومن ثم تأليف سيناريوهات أكثر تشويقاً عن انتصاراتهم على السيناريوهات الأولى من دون كلفة بما أن الإدارة الأميركية الحالية لن تفعل شيئاً يعزز فكرة المؤامرة أو يكذّب الانتصارات المزعومة.

ولكن لا بأس بالإقرار بأن جماعة الممانعة يصيبون في استنتاجاتهم أحياناً، وإن كانت مبنية على مقدمات مغلوطة، أو بالأحرى كاذبة، فتلك المقدمات ليست بالأهمية التي يولونها هم أنفسهم للنتائج، وليس مستبعداً أن تكون المقدمات مجرد تمهيد وتهيئة للمحصلة التي يريدون تسويقها أمام جمهورهم. هكذا يجب تصديقهم عندما قالوا إن إعلان أوباما عن ضربة للنظام السوري وضعه في مأزق، مبررين رأيهم بخطئه في الحديث عن ضربة محدودة، لأن أي ضربة محتملة ستشعل المنطقة، وتؤدي إلى محو إسرائيل عن الخارطة، وبالطبع انتهاء عصر الهيمنة الأميركية تماماً. إذاً أوباما في مأزق، لا بسبب تردده وتأخره وإنما بسبب تحسبه من النتائج المتوقعة لضربته “الحمقاء”؛ لا يفوت جماعة الممانعة هنا التنويه بتردده، فقط لإثبات ضعفه إزاء “فحولة” سادتهم. أما أن يكون محور الممانعة جاهزاً للقضاء على إسرائيل ولا يفعل ذلك، أو أن يكون النظام السوري نفسه قد تلقى عدة ضربات جوية إسرائيلية في الأشهر الأخيرة من دون رد، فهي أمور من تكتيكات المقاومة التي لا يُقال عنها شيء.

كم يبدو الانتصار على خصم متعاونٍ سهلاً وغير مكلف! هذا ما لا تقول عنه أدبيات المقاومة شيئاً، ومن المؤكد أن الإدارة الأميركية باغتت منظّري الممانعة بهذا القدر من التساهل، بل لعل أوجع ضربة وجهتها الإدارة هي توضيحها المتكرر بأنها ليست عدواً للنظام ولن تكون هكذا ما لم يتم استجرارها عنوة إلى موقع العدو. ذلك بات يقتضي ملاقاةً من خطاب الممانعة للصديق الجديد، وربما بدأت بشائره حقاً، فغداة إعلان أوباما عن إفساحه الفرصة أمام الجهود الديبلوماسية غاب التجييش المفتعل عن صحف الممانعة، وفي سابقة قد تؤسس لخطاب جديد أفردت إحداها المساحة لتحليل موسع عن انتصار النظام. هذه المرة كان الانتصار ينقذ أوباما من ورطة الضربة وينقذ النظام من الضربة، وينقذ إسرائيل من تهديد الكيماوي، أما الخصم الأكبر الخاسر في الصفقة كلها فيتجلى في “عصابات” المعارضة السورية التي ستدفع ثمن الصفقة، بينما يقفز بندر بن سلطان بصفته المخطط والممول لمؤامرة إسقاط النظام إلى مرتبة العدو الصهيوني. بقي فقط أن يرفع شبيحة النظام صور “أبو حسين” أوباما، بعد أن رفعوا سابقاً صور نظيره الروسي وكتبوا عليها “بوعلي بوتين”.

المستقبل

أكاذيب النظام السوري برنامج لإطالة عمره/ فايز ساره

بعد عامين ونصف العام من قتل ودمار، قام به النظام في سوريا، يستمر النظام في تغطية ممارساته وسياسته بالكذب على الرأي العام الدولي ساعياً الى اطالة عمره، طبقاً لخلاصة التصريحات الرسمية السورية، وبخاصة تلك التي اطلقها وزير الخارجية وليد المعلم في مؤتمره الصحافي مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في موسكو، وقال فيها ان نظامه لم يستخدم الاسلحة الكيماوية ضد السوريين، وان الضربة الاميركية المرتقبة لسوريا، سوف تعزز التطرف ووجود جبهة النصرة في المنطقة، وان الحل في سوريا هو حل سياسي.

والتدقيق في اقوال المعلم وغيره من قادة النظام بمن فيهم رئيسه الاسد، تؤكد عدم مصداقية ما يقولون، وانهم يستخدمون القول للتغطية على افعالهم من جهة، وسلوكا لكسب الوقت املاً في ان يعطيهم ذلك فرصة كسب المعركة ضد السوريين الذين ثاروا على النظام مطالبين بالحرية والكرامة، قبل ذهابهم للمطالبة باسقاط النظام، والانخراط في معركة سياسية عسكرية، هدفها الانتقال من نظام دكتاتوري قاتل ومدمر الى نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين من دون استثناء.

لقد واصل النظام معركته لاخضاع السوريين بمختلف انواع الاسلحة، وترتب على ذلك مقتل وجرح (يصل حد الاعاقة) واعتقال واختفاء نحو مليون سوري في العامين والنصف الماضيين، اضافة الى تهجير نحو اربعة ملايين من بيوتهم داخل سوريا، واجبار عدد مماثل اللجوء الى دول الجوار والابعد منها، وقام بتدمير واسع بين معطياته، تدمير مئات المدن والقرى بصورة كاملة او جزئية. دمرت بناها التحتية وبيوتها ومتاجرها ومؤسساتها ومصادر عيش سكانها، قبل ان يتجه النظام الى استخدام السلاح الكيماوي في نيسان الماضي وصولاً الى مجزرته الكيماوية الرهيبة في الغوطة مؤخراً، والتي ينفي القيام بها، وهو نفي لا يرفع مسؤوليته عما ارتكبه من قتل ودمار، كانت نتائجه، أكبر بكثير، ولا يمكن مقارنتها بنتائج استخدامه للسلاح الكيماوي من حيث الخسائر البشرية والدمار.

واذا كانت الضربة الاميركية لالة حرب النظام كما هو متوقع، سوف تعزز التطرف وحضور جبهة النصرة في سوريا والمنطقة، كما قال المعلم، فان السؤال الطبيعي الذي يثيره كلام المعلم ونظامه، ترى اي تطرف يمكن ان يوقع خسائر بشرية ودماراً مادياً في سوريا والمنطقة أكثر مما اوقعت الة النظام من خسائر في سوريا والمنطقة؟. ان الكلام عن ارهاب وارهابيين وتطرف ومتطرفين في سوريا والمنطقة، لا يمكن ان يقارن بما جسده النظام من ارهاب ضد السوريين وبخاصة في العامين والنصف الاخيرين، بل ان تاريخ النظام وممارساته في مستوى المنطقة والعالم، هو سجل حافل بالارهاب ورعاية التطرف، والتي كان من البارز فيها ارهابه في لبنان وقتله رموزاً من شخصياته السياسية والاجتماعية والاعلامية ومنها اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ورعايته جماعات ارهابية كثيرة بينها حزب الله وفتح الاسلام على ما يظهر بينهما من تناقض. كما ان بين البارز في ارهابه بالعراق، تبنيه خط عمليات دموية لتنظيمات القاعدة هناك، دأب العراقيون بمن فيهم رئيس الوزراء ووزير الخارجية الحاليان على مطالبته بوقفها، والامتناع عن التدخل بالشأن العراقي، وهذا بعض اسباب، جعلت المجتمع الدولي يصنف النظام بانه يدعم الارهاب، وهذا بعض ما يؤكد، ان النظام في دمشق لا يحق له الكلام عن الارهاب والتطرف، لانه مثالهما الاعلى في عالم اليوم.

اما قول المعلم في ان الحل السوري، هو حل سياسي، فهو كلام الحق الذي يراد به باطل. ففي الممارسة العملية، أكد النظام انه الابعد عن الذهاب الى حل سياسي في سوريا، وانه اختار الحل الامني العسكري منذ البداية، وهو مستمر فيه. ومنذ بداية الاحداث في آذار 2011، طرحت مبادرات سياسية، بدأت في المستوى الداخلي، لكنها جميعاً، اصطدمت بتشدد النظام ومراوغته وكذبه، بل ان مقترحات لحل سياسي، وافق عليها مؤتمر عقد بدمشق صيف العام 2011 برئاسة فاروق الشرع نائب رئيس النظام، جرى تجاهلها، واعقبت المؤتمر حملة رسمية على النائب الشرع، قبل ان يتم تهميشه وتغييبه عن المشهد السياسي للنظام، كما تم التعامل بروحية المماطلة والكذب والتهرب مع مبادرات طرحتها دول كانت مقربة من النظام في حينه مثل تركيا وقطر، قبل ان تظهر المبادرات الاقليمية والدولية المعروفة ومنها مبادرة الجامعة العربية، ومبادرة كوفي عنان، ثم مبادرة الاخضر الابراهيمي الاخيرة، وكلها كانت تطرح الحل السياسي، فيما النظام ماض في حله الامني العسكري الذي لايبدو امامه غيره بسبب طبيعته، التي لن يقبل ان يغيرها او يبدلها، مما يعني ان قوله بالحل السياسي، هو مجرد مناورة مراوغة لكسب الوقت.

في التاريخ الطويل للنظام، سجل حافل من الكذب، يرسم استراتيجيته في التعامل مع القضايا والاحداث على مدار عقود من السنين، منها اكاذيب وادعاءات السنوات الاخيرة، وهذا كله مفهوم، لكن من غير المفهوم، ان عالم اليوم بما يملكه من معلومات ومعارف، وبما لديه من ارشيف، يقع اسير اكاذيب النظام، بل بعض من دول وهيئات، يروج لتلك الاكاذيب ويتبنى سياسات تقوم على تلك الاكاذيب من طراز ان ثورة السوريين هي ثورة المتطرفين والارهابيين، وان النظام هو نظام علماني، وانه يقوم بحماية الاقليات!

المستقبل

روسيا كإمبريالية غبية/ سلامة كيلة

التطورات الأخيرة في الوضع السوري تظهر بأن روسيا هي بالفعل إمبريالية غبية، فقد عادت الأمور لتصب في مصلحة أميركا بعد كل التنازلات التي قدمتها خلال السنة الأخيرة لروسيا، وبعد الدور الذي قامت به لإنجاح “الحل الروسي”.

في بداية سنة 2012 صرح باراك أوباما بأن على روسيا أن ترعى مرحلة انتقالية في سوريا كما حدث في اليمن، وكان يعني ذلك أن أميركا تتنازل عن سوريا لروسيا، أو تقدم سوريا لروسيا في ظل البحث عن تقاسم عالمي جديد، في وضع عالمي كان قد بدأ يشهد تحولات كبيرة بعد الأزمة المالية التي ضربت الاقتصاد الرأسمالي.

لكن روسيا بدل العمل على حل بدعم أميركي ذهبت إلى دعم السلطة وهي تصعد من عنفها ضد الشعب، وتقرر في الذكرى الأولى للثورة إعادة السيطرة على الوضع بالقوة العارية بدءا من حمص، حيث كانت تعمل على إعادة السيطرة عليها من خلال ممارسة حرب حقيقية باستخدام كل صنوف الأسلحة.

وقد دعمت روسيا ذلك وشاركت مباشرة في الحرب (في بابا عمرو خصوصا)، وكان منظورها يقوم على أساس معلومات “دقيقة” حول حجم الكتائب المسلحة التي تدافع عن الثورة.

وحين جرى سؤال لافروف خلال لقاء مع الجامعة العربية في القاهرة حول الإشراف على مرحلة انتقالية، أشار إلى التخوف من سيطرة المسلحين على المدن، وبالتالي كان واضحا أن “المعلومات الدقيقة” كانت تشير إلى أن أعداد المقاتلين هي كبيرة بحيث يمكن أن تستفيد من خلخلة السلطة لفرض السيطرة على الوضع.

وكانت هذه معلومات مضللة لأن أعداد المسلحين لم تكن بهذا الحجم، ولم يكن الوضع يشير إلى إمكانية للسيطرة على المدن من المسلحين، على العكس من ذلك كان يشير إلى أن تحقيق الانتقال سوف يلاقي الدعم من الشعب، حيث لم تكن جرائم السلطة قد وصلت إلى حد “القطيعة المطلقة”.

وكان سهلا أن يفضي تغيير السلطة (وهنا الرئيس والحاشية) إلى شعور عام بالانتصار وقبول هذا التحول. طبعا ربما لم يكن بإمكان الروس حينها إيجاد “ضباط كبار” يوافقون على إزاحة بشار الأسد، وهذا ما سربه الروس بعد أن طرحوا تشكيل “مجلس عسكري”.

لكن كان دعم السلطة وهي تطور عنفها ضد الثورة يعزز من تماسكها، ولا يفضي إلى مقدرة على تحقيق انشقاق فيها كان ضروريا لإنجاح تحقيق مرحلة انتقال.

وكنا قد أشرنا إلى أن الروس كانوا قد فقدوا كل الكوادر التي تدربت في الاتحاد السوفياتي والتي كان يمكن أن يتواصلوا معها بسلاسة بعد استلام بشار الأسد السلطة، وبالتالي كانوا بحاجة إلى سياسة “ليست غبية” لكي يحققوا إمكانية نشوء انشقاق في السلطة يسمح لهم بأن يرعوا مرحلة الانتقال لمصلحتهم.

ويبدو أن “الخبراء الروس” الذين ظلوا في دمشق كان قد جرى شراؤهم من قبل السلطة ذاتها، ومن ثم كانوا يقدمون معلومات “دقيقة” (أي مضللة).

بهذا انساق الروس خلف الحل العسكري الذي قررته السلطة منذ البداية، وباتوا معنيين بالقتل الذي يمارس ضد الشعب، أي أنهم أصبحوا في خدمة السلطة وليسوا طرفا قادرا على فرض حل، أو رعاية مرحلة انتقالية.

وبدل أن يجري “سحق المسلحين” توسع دور السلاح وتضخم حجم الكتائب المسلحة، وتحول المئات إلى عشرات الآلاف تنتشر في كل سوريا.

واضطرت السلطة أمام ضغط الثورة إلى الانسحاب من كثير من المناطق ومركزة قوتها الصلبة في مراكز أساسية، خصوصا في المدن، وباتت هذه القوة تتعرض لضربات حقيقية شلتها.

بهذا قاد “الغباء الروسي” إلى خسارة فرصة كان يمكن أن تجنب سوريا كل الدمار الذي حدث، وتجنب روسيا تحمل مسؤولية القتل والدمار والجرائم واستخدام الأسلحة الكيميائية من قبل السلطة، وأسهم في زيادة كبيرة في التدخلات الإقليمية والدولية كانت تشوه الثورة وتعقد الأمور، وتسهل زيادة التدمير والقتل.

إزاء هذا التعقيد في الوضع باتت روسيا بحاجة إلى “المساعدة” الأميركية، ويبدو أن المسألة التي كان الروس بحاجة إلى حلها هي إقناع “كبار الضباط” بضرورة قبول مرحلة انتقالية وإبعاد بشار الأسد، وكان التسريب الروسي يشير إلى تخوف هؤلاء، وبالتالي حاجتهم إلى ضمانات.

في هذا الوضع أقرت “لجنة العمل” بخصوص سوريا مبادئ الحل التي سميت بمبادئ جنيف في نهاية شهر يونيو/حزيران 2012، وهي المبادئ التي تقرر تحقيق مرحلة انتقال بالتشارك بين السلطة والمعارضة، دون الإشارة إلى وضع بشار الأسد كرئيس. وإذا كان قد ظهر خلاف أميركي روسي حول تفسير المبادئ فقط من زاوية وضع بشار الأسد، فقد كانت المسألة تتعلق بتقاسم العمل بين روسيا وأميركا، بحيث يعمل الروس على ترتيب “طرف مفاوض” من السلطة، وتعمل أميركا على ترتيب “طرف معارض”، وعلى ترتيب الوضع الإقليمي و”الغربي” لمصلحة الحل.

هذا التقاسم في الأدوار ظهر واضحا بعد الحديث عن خلافات حول وضع بشار الأسد، مع بداية سنة 2013، وصل -بعد أن أصبح جون كيري وزيرا للخارجية الأميركية- إلى حد مطالبة المعارضة بالحوار مع بشار الأسد، وإلى تفعيل العمل من أجل عقد مؤتمر جنيف2.

وإذا كانت فكرة تشكيل الائتلاف الوطني السوري قد طرحت منذ صيف العام 2012 انطلاقا من السعي (المدعوم أميركيا) لتجاوز سيطرة الإخوان المسلمين على المعارضة الخارجية المتمثلة في المجلس الوطني السوري -والمدعوم من قبل كل من فرنسا وتركيا وقطر خصوصا- في سياق السعي لقبول مبادئ جينيف، فقد أدى تشكيله إلى سيطرة المجلس الوطني (والإخوان خصوصا) على الائتلاف، وبالتالي إعاقة الذهاب إلى “الحل السياسي”.

لكن مع التوافق الأميركي الروسي الذي ظهر إلى العلن بعد عامين من الثورة، بدأ يظهر بأن أميركا تعمل كـ”سمسار” لروسيا في ترتيب وضع الائتلاف الوطني والوضع الإقليمي و”الغربي”.

وهذا ما ظهر في اجتماع قمة الثماني في بريطانيا، حيث جرى دعم جنيف2 وفق التفسير الروسي الذي ينطلق من تجاهل الحديث عن بشار الأسد، ومن ثم اجتماع “أصدقاء سوريا” الذي عقد في قطر، وهو الأمر الذي ظهر في تحولات مواقف كل من فرنسا وتركيا خصوصا (وهي التي كانت لها مصالح خاصة في سوريا).

وأدى ذلك إلى فرض توسيع الائتلاف الوطني بضم “كتلة ديمقراطية” من أجل إحداث توازن مع الإخوان المسلمين، أفضى دخولها إلى تهميش دور هؤلاء وسيطرة قوى توافق على الحل الروسي، بمعنى أن أميركا قامت بترتيب الطرف الذي يقبل مسبقا بالحل الروسي، ووفرت البيئة الدولية التي تسمح بتمريره.

في المقابل، ورغم ظهور مواقف من داخل السلطة تشي بوجود كتلة تقبل الذهاب إلى الحل السياسي كما ظهر في تصريحات فاروق الشرع نهاية سنة 2012، وجدنا أن السلطة تندفع لتعديل ميزان القوى على الأرض. وذلك ما ظهر عندما قررت السيطرة على القصير، وبعد السيطرة عليها توسعت للسيطرة على تل كلخ، وبدأت في محاولاتها السيطرة على حمص والغوطة الشرقية في ريف دمشق، ومناطق كثيرة في درعا والشمال ودير الزور.

كما ظهر أن السلطة السورية باتت تستقدم قوات كبيرة من مقاتلي حزب الله، وكتائب أبو الفضل العباس العراقية ومن الحرس الثوري الإيراني، ومن “الشيعة” في اليمن وحتى باكستان وبلدان أخرى، وأن روسيا تغطي هذه الخطوة، وتزيد من تسليحها للسلطة.

وهذا ما أوصل إلى أن تستخدم السلطة الأسلحة الكيميائية بشكل أكبر مما قامت به مرات عديدة من قبل دون أن يثير موقفا أميركيا “شديدا”، رغم أن أوباما كان قد اعتبر أن استخدام هذه الأسلحة “خط أحمر”.

السلطة احتاجت إلى ذلك لأنها لم تستطع تحقيق التقدم الضروري الذي يخل بميزان القوى القائم، الذي هو في غير مصلحتها رغم استقدام كل تلك القوى، في سياق التحضير لمؤتمر جنيف2، حيث كان التحضير يتقدم من خلال اللقاء الذي كان يجب أن يعقد بين روسيا وأميركا يوم 26/8 لترتيب عقده في شهر سبتمبر/أيلول، وكان الائتلاف قد أصبح تحت سيطرة قوى وافقت على جنيف2، وبالتالي كان واضحا أن السلطة سوف تذهب إلى المؤتمر في وضع الضعف.

هذا الأمر دفع أوباما إلى إقرار توجيه “ضربة عسكرية”، وإلى فتح الأفق لفشل الحل السياسي وخسارة روسيا التي لم تستطع إيجاد طرف في السلطة يوافق على الحل السياسي الذي قررته هي، والذي يتحقق برعايتها، وربما تخسر كل المصالح التي لهثت للحصول عليها بعد نشوب الثورة وحاجة السلطة لـ”الحماية الدولية”.

روسيا إمبريالية غبية، يبدو أنها بحاجة إلى تدريب لدى الإمبريالية الأميركية، فإذا كانت لم تستطع “رعاية” مرحلة انتقالية قبل أن يصبح الصراع مسلحا، ولم تستفد من كل الترتيب الأميركي لكي ينجح حلها هي، وتحصل على سوريا كحصة في التقاسم الدولي، فهل تريد الآن أن يقوم أوباما بإحداث تغيير عميق لكي يأتي طرف في السلطة إلى جنيف2 يوافق على الحل الروسي؟

الجزيرة نت

المأزق الروسي/ علي العبد الله

ادى الاستخدام الكثيف والواسع للأسلحة الكيماوية في الهجوم على الغوطتين الى كسر قواعد الاشتباك، وإنهاء سياسة انتظار تعب طرفي الصراع التي اعتمدها المجتمع الدولي ازاء الصراع في سوريا طوال شهور، ودفعه الى التحرك وفق خطوط المصالح المتصادمة، فالأمريكيون وجدوا انفسهم امام خيار اضطراري للتحرك ضد النظام السوري الذي تجاوز محرمات دولية وخطا أحمر أمريكيا، والروس وجدوا انفسهم امام خيار اضطراري مضاد بالعمل على منع الضربة العسكرية وحماية النظام السوري الذي شكل حجر الاساس في استراتيجيتهم للولوج الى نظام عالمي جديد ، نظام متعدد الاقطاب، تلعب فيه بلادهم ودول أخرى( دول مجموعة البريكس) ادوارا متقدمة وعلى قدم المساواة مع الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الأوروبي، خاصة وأنهم قد استثمروا فيه – النظام- منذ انفجار ثورة السوريين من أجل الحرية والكرامة الكثير كي يصمد ريثما يحققوا هدفهم السالف الذكر عبر الضغط على الولايات المتحدة ومساومتها على حل لملفات عالقة من الدرع الصاروخية الى الوجود الامريكي في آسيا الوسطى وتمدد حلف الناتو باتجاه الحدود الروسية مرورا بسوق النفط والغاز وجورجيا وحقوق الانسان والديمقراطية والتشكيك بشرعية رئاسة بوتين.

قاد التحرك الامريكي السياسي والعسكري الى وضع روسيا في الزاوية ذلك ان اعتماد الخيار العسكري في الرد على النظام السوري سيغلق باب المساومة مع واشنطن ويدمر استراتيجية كاملة استنفدت وقتا وجهدا كبيرين وأهدرت طاقات ضخمة، وهذا انعكس بوضوح في ردود الفعل الروسية الأولية التي اتسمت بالعصبية وأخذت شكلا غير لائق بدولة تسعى للعب دور دولة عظمى في القرار الدولي من قيام الرئيس الروسي بحذف الرئيس الامريكي من قائمة اصدقائه على الفيسبوك، مرورا بوصفه لوزير الخارجية الامريكي بالكاذب، وصولا الى اعتباره العمل العسكري الذي ستقوم به واشنطن ضد النظام السوري عدوانا.

اعتمدت موسكو خيار منع او عرقلة الضربة العسكرية الامريكية عبر التحرك على اكثر من خط ومستوى سياسي وإعلامي وعسكري. فعلى الصعيد السياسي تبنت رواية النظام التي تتهم المعارضة بتنفيذ الهجوم الكيماوي لتأليب المجتمع الدولي على النظام، وقدم اعلامها روايات وقصصا طريفة عن خطط وقنابل بدائية فجرت من قبل عناصر جبهة النصرة بدعم تركي تارة وسعودي أخرى، وطالبت واشنطن بتقديم اثباتات على اتهامها للنظام بتنفيذ الهجوم، وأبدت استعدادها لتأييد الضربة العسكرية اذا ما قُدمت اثباتات غير قابلة للدحض، ودعت الى توسيع التحقيق ليشمل بلدة خان العسل، والى انتظار نتائج التحقيق الدولي. واعتبرت أي ضربة دون تفويض من مجلس الأمن خرقا لميثاق الامم المتحدة وتقويضا للقانون الدولي، وسعت الى حشد دولي مضاد للموقف الامريكي، ودعت الى حل سياسي عاجل بدعوة الاطراف الى التوجه الى جنيف ودعت المبعوث العربي الدولي الاخضر الابراهيمي الى حضور قمة العشرين في سان بطرسبرغ لإحراج الرئيس الامريكي، لكنها لم تنجح في مسعاها حيث لم توفق في تسويق موقفها حتى عند دول حليفة لها مثل الصين والهند والبرازيل، التي ورغم دعوتها لحل سياسي للصراع السوري ميزت نفسها عن الموقف الروسي.

 وقد زاد في حراجة الموقف الروسي نجاح الرئيس الامريكي في كسب تأييد عدد من الدول المشاركة في قمة العشرين( 12 دولة بينها 7 دول من مجموعة الـ 8) وإصدارها بيانا تؤيد فيه ردا قويا على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية، ونجاح وزير خارجيته جون كيري في استصدار موقف اوروبي وعربي مؤيد للموقف الأمريكي، وإعلانه موافقة عدد من الدول، اكثر من عشرة دول، على المشاركة في الضربة العسكرية الامريكية.

توازى هذا التحرك السياسي مع تحرك عسكري مبني على التهويل من مخاطر الضربة العسكرية ونتائجها واحتمال تحولها الى حرب اقليمية ناهيك عن خدمتها للقاعدة والتنظيمات التكفيرية، وتحريك قطع بحرية الى المتوسط ( أربع سفن حربية، سفينة جمع المعلومات، سفينة مضادة للغواصات)، والتلويح بدعم شامل عسكري استخباري لوجستي انساني للنظام السوري.

لقد غدا موقف الرئيس الروسي دقيقا وعرضة للانكسار، خاصة اذا نجح الرئيس الامريكي بكسب معركة التصويت في الكونغرس وصدرت موافقة على الضربة، حيث سيبدأ العد التنازلي لخسارته معركة سوريا مع اول دفعة صواريخ توما هوك  تسقط على المواقع العسكرية للنظام السوري، وخروج روسيا من شرق المتوسط.

المدن

هل ستنفذ أميركا هجماتها على مواقع النظام السوري؟/ فرمز حسين

المشاهد المأساوية للمجازر المتتالية في سورية لم تنقطع يوما منذ بداية الثورة السورية كما أنها لم تفارق مخيلتنا نحن معظم السوريين المقيمين خارج الوطن والصمت الدولي هو الذي منح النظام جرأة الايغال في القتل والإفراط في الوحشية. المجتمع الدولي الذي بقي مشلول الارادة نتيجة الفيتو الروسي، الصيني، سيبقى كذلك اذا استمر في التحكم لمجلس الأمن فيما نظام البعث يذبح السوريين على مدى أكثر من ثلاثين شهرا مستخدما مختلف أدوات القتل التقليدية الثقيلة في طول البلاد وعرضها، وصولا الى استخدام الأسلحة الكيماوية في أماكن متعددة من البلاد منها حي الشيخ مقصود ذات الأغلبية الكردية في مدينة حلب مرورا بالبراميل المتفجرة والقنابل العنقودية، وأوصل هذا النظام بسورية بلدا وشعبا الى الوضع الكارثي الذي نشهده اليوم.

الان وبعد التأكد من استخدام النظام للأسلحة الكيماوية في غوطتي دمشق في 21 من أغسطس الماضي والتي أودت بحياة أكثر من 1500 شخص جلّهم من النساء والأطفال مازالت الدول التي أعلنت صداقتها للشعب السوري واقفة مكتوفة الأيدي فيما الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة أوباما تترنح بخطوة الى الأمام واثنتان الى الخلف في تلويحها بتوجيه ضربات عسكرية على مواقع النظام بغية شلّ قدرته على اعادة استخدام الأسلحة المحرمة دوليا.

 الأزمة السورية ليست الأولى من نوعها فيما يتعلق بعدم اجماع المجتمع الدولي على التدخل العسكري، وقد لجأت الدول الغربية سابقا الى التدخل خارج غطاء الأمم المتحدة كما حدث في كوسوفو 1999 وفي العراق 2003.

 كلفة الغزو العراقي الباهظة الثمن هي من أشد العوامل التي تقيّد التحرك الأمريكي بينما الأكثر تشابها هو وضع كوسوفو 1999 حيث أنّ روسيا والصين كانتا من أشدّ المعارضين لفكرة التدخل العسكري، لكن حين أصبح العمل العسكري أمرا واقعا تعاون الروس مع ادارة بيل كلينتون لإقناع ميلوسوفيتش بالاستسلام.

ما يثير السخرية أن بعض المسئولين العراقيين يدلّون بتصريحات تخلو من المسؤولية تجاه ما يتعرض له الشعب السوري من قتل عام وإبادة جماعية ويدعون الى مناهضة التدخل العسكري في سورية وبأن ذلك شأن سوري داخلي متناسين أنه لولا الدبابات الأمريكية لكان صدام حسين قابعا على صدورهم حتى يومنا هذا ولما كان لهؤلاء وجود.

 شعارات الوطنية الزائفة وإلصاق تهم التخوين بمن يريد التدخل الخارجي لوضع حد للصراع في سورية هي مجرد جعجعة لن تحمي أرواح السوريين، ولن تطيح بنظام البعث وسيبقى الأسد على رأس السلطة كما أن المعارضة لن تتمكن من اسقاطه بالاعتماد على امكانياتها المحدودة، خاصة بعد تغلغل فصائل من القوى الاسلامية الراديكالية التي شوّهت الملامح الثورية للمعارضة بممارساتها البربرية من قطع للرؤوس، تمثيل بالجثث وساهمت الى حدّ كبير بتقليص حجم التعاطف مع المعارضين للسلطة والوقوف الى جانب الشعب السوري ومطالبهم الشرعية كدعاة للحرية،الديمقراطية والتعددية السياسية كما أنهم أصبحوا السبب الرئيس في عدم امداد القوى المعتدلة بأسلحة نوعية لحسم المعركة.

الولايات المتحدة الأمريكية سوف تقصف مواقع النظام لكن ليس لحماية الشعب السوري ولا لمعاقبة الأسد على استخدامه للأسلحة المحرمة دوليا كما تدعي، كذلك ليس لتخليص النظام من مخزونه من الأسلحة الكيماوية لأن تلك الأسلحة كانت في عهدة النظام منذ عشرات السنين، بل سوف تقصف المواقع الحيوية تزامنا مع ازدياد الضغوط على النظام بشكل خاص في مناطق ريف دمشق قريبا من مخازن تلك الأسلحة و قبل وقوعها بأيدي المعارضة التي تسيطر عليها القوى الاسلامية المتطرفة من وجهة النظر الأمريكية، على الرغم من أن أبطال الغوطة هم الثوار الحقيقيون الذين صمدوا في وجه الة القتل الأسدية، لكن أمريكا ترى فيهم تهديدا لأمنها القومي وأمن حلفائها في المنطقة وخاصة اسرائيل.

 تبقى الضربات الأمريكية المحتملة على الرغم من كل ذلك أملا يترقبه السوريون بمشاعر ممتزجة بين الاباء الوطني وبين الأمل بأن تساهم تلك الهجمات على اضعاف قدرات النظام الجوية التي بوساطتها يوزع سمومه القاتلة وربما جرّه فيما بعد الى طاولة مفاوضات سياسية قد تتمخض عنها تشكيل حكومة انتقالية لا يكون الأسد جزءا منها.

ستوكهولم

فرمز حسين

مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم

ايلاف

خلفية الضربة على النظام السوري من المنظار الداخلي الأميركي/ ماهر الشعار

قد يبدو للوهلة الاولى ان الضربة الاميركية المحتملة على سوريا هي رد عسكري لمعاقبة النظام السوري على استعمال السلاح الكيمياوي. ولكن يتبين لمراقب السياسة الاميركية الداخلية والخارجية ان هذا الرد المحتمل على ممارسات النظام السوري هو وليد بعض العوامل الداخلية التي تقاطعت بالوضع السوري والسياسة الاميركية الخارجية تجاهه والتالي شرح لبعض هذه العوامل.

اولا: من الواضح ان الولايات المتحدة قد فشلت ومن ورائها الدول الاوروبية من تحقيق اي تقدم على الخط السياسي لحل الازمة السورية عبر عقد صفقة مع روسيا. فمن المعروف ان الولايات المتحدة حاولت استغلال الوضع السوري في بدايات الازمة لعقد صفقة مع روسيا تتضمن بالاضافة للوضع السوري بعض الامور العالقة في العراق وايران ودول اوروبا الشرقية القديمة وبسبب هذا الفشل لقد تعرض اوباما الى حملة انتقادات واسعة داخل الولايات المتحدة والقرار بالتدخل عسكريا في هذه المرحلة قد يكون بسبب هذه الضغوطات او كوسيلة للهروب الى الامام.

ثانيا: عند بدء الازمة السورية في عام كان الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة سيئا وكان الرئيس الاميركي مشغولا بحملة اعادة انتخابه. اما الآن فان كل المؤشرات الاقتصادية تشير الى تحسن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة مما افسح المجال للرئيس اوباما في التركيز على السياسة الخارجية لادارته الجديدة.

ثالثا: لقد تعرض الرئيس اوباما منذ انتخابه عام لانتقادات واسعة تتهمه بـ”القيادة من الخلف” كما ان بعض وسائل الاعلام اتهمته بالتخاذل وبكونه متردداً وغير قادر على اتخاذ قرارات على المستوى الدولي مما ادى الى تضاؤل اهمية الولايات المتحدة وتأثيرها في المسرح الدولي. وقد يكون اوباما في اواخر ولايته الثانية مهتم بانقاذ سمعته كرئيس لاعظم دولة بالعالم واكثرها قوة من خلال قيامه بعمل عسكري حتى بدون موافقة مجلس الامن في الامم المتحدة. فقد تبين في الايام الاخيرة ان الادارة الاميركية غير معنية بالمشاورات التي تجري في الولايات المتحدة وان الرئيس اوباما وبالرغم من انه يدأب على القول انه يقوم باستشارة الدول الاخرى هو مستعد للقيام بعمل احادي الجانب للظهور بمظهر القوي.

رابعا: من المعلوم ان المسألة الاساسية اللتي تشغل الادارة الاميركية على الصعيد الخارجي كانت ولا تزال المسألة الايرانية والرئيس اوباما وبالرغم من انه وعد الناخب الاميركي بمقاربة هذا الملف بطريقة جديدة لحله فانه فشل حتى الان بتحقيق اي خرق على هذا الصعيد ولذلك فان هذه الضربة المحتملة الى سوريا قد تكون رسالة الى ايران بقدر ما هي الى النظام السوري.

خامسا: ان الولايات المتحدة لديها مصالح كثيرة في المنطقة بخاصة مع دول الخليج العربي التي قد اظهرت امتعاضها من الادارة الاميركية وادارتها للازمة وقد تكون هذه الضربة المحدودة كما وصفها البيت الابيض هي لحفظ ماء الوجه او save face كما قالت بعض وسائل الاعلام في الولايات المتحدة.

سادسا: ان السياسة الخارجية للولايات المتحدة الاميركية هي نتيجة للتفاعل بين مقاربتين مختلفتين للاوضاع الدولية، الاولى هي مقاربة الحزب الجمهوري ممثلا باشخاص امثال جون ماكين الذي دعا الى اسقاط النظام منذ بدء الازمة السورية. والمقاربة الاخرى هي للحزب الديمقراطي الذي ينتمي اليه اوباما والذي يدعو بشكل عام الى عدم التدخل العسكري بتاتا ولذلك فان قرار اوباما بتوجيه ضربة محدودة الى سوريا بالاضافة الى رجوعه الى الكونغرس قبل توجيه هذه الضربة، بالرغم من انه ليس بحاجة الى ذلك دستوريا، قد يكون حلا وسطيا يرضي جميع الاطراف الداخلية في الولايات المتحدة.

وهكذا يتضح من ان خلفيات هكذا ضربة محتملة على سوريا تتطابق بالضرورة مع تطلعات الشعب واهداف المعارضة ولذلك لا يسعنا الا ان نتمنى ان تعجل هذه الضربة ان حصلت الى انهاء الازمة السورية بطريقة ما وبأقل خسائر بشرية ومادية.

المستقبل

تدخل إنساني في سورية وليس عسكرياً/ رضوان زيادة *

ربما يثير بعض المعارضين للضربة العسكرية ضد نظام الأسد تاريخ التدخلات العسكرية والفوضى التي تعقبها، ربما يكون هذا صحيحاً، لكن يجب أن نحدد الهدف من التدخل في سورية، إذ ليس لأهداف عسكرية أو اقتصادية، بل هو في جوهره تدخل من أجل الإنسانية.

ربما يستخف البعض في ذلك، ويقول إن الدول لا تتدخل إلا من أجل مصالحها، وهذا صحيح بكل تأكيد، لكن هذه المصالح تتقاطع، واليوم تقاطعها يعتمد بشكل رئيسي على وقف المأساة في سوريا خاصة بعد استخدام الأسد للسلاح الكيماوي.

فقد عادت قضية التدخل الإنساني في سورية إلى الضوء بسبب ازدياد عدد الضحايا لمدنيين بشكل كبير وتضاعف عدد اللاجئين والصور المربعة التي أتت من الغوطتين بعد استخدام الأسد للسلاح المحرم دولياً ضد المدنيين، لقد ترسخ مبدأ حماية المدنيين تحت ضوء مذاهب ومبادئ القانون الدولي المطبق مسؤولية الحماية والتي يطلق عليها اختصارا باللغة الإنكليزية (R2P) . منذ بداية الثورة السورية في آذار (مارس) 2011 قتلت القوات الأمنية السورية ما لا يقل عن مئة ألف شخص وربما يزيد العدد عن ذلك بكثير. هاجمت قوات الأسد المدنيين باستمرار، وقصفت المناطق السكنية الكثيفة بالمدفعية، ونشرت القناصين والطائرات المروحية الحربية في المدن، واستخدمت الصواريخ الباليستية ضد المناطق السكنية، وقامت بتعذيب المحتجين الذين تم اعتقالهم، وأخيراً استخدمت السلاح الكيماوي ضدهم. كل هذه الأفعال تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية كما عرّفها نظام روما الذي أقامته المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

مسؤولية الحماية: هو مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يمثل هذا المبدأ تطوراً عميقاً في الطرق التي يتخذها القانون الدولي لمعالجة الأزمات الإنسانية. وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية، فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة. وتعتبر الدولة متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنيها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية. واعتُبرت سورية غير ملتزمة بالواجب المكلفة به بموجب مسؤولية الحماية عندما قامت بشن الهجمات المستمرة على المدنيين العزل من دون أي شروط أو قيود. وبذلك تنتقل مسؤولية حماية المواطنين السوريين العزل إلى المجتمع الدولي.

في تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2009 قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتوصيف الأركان الثلاثة التي يقوم عليها هذا المبدأ، أولاً: “تقع على عاتق كل دولة مسؤولية دائمة بحماية سكانها –بغض النظر إن كانوا يحملون جنسيتها أم لا- من الإبادات الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وكل من يحرض على تلك الجرائم السابقة”. ثانياً: يقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم المساعدة للدول على الامتثال لواجباتهم الواردة في الركن الأول. ثالثاً: إن ظهر بشكل واضح فشل دولة في حماية شعبها، فيجب على المجتمع الدولي أن يستجيب لذلك بشكل حاسم وفي الوقت المناسب، بالاستناد إلى الفصول السادسة، والسابعة، والثامنة من ميثاق الأمم المتحدة، وباتخاذ التدابير المناسبة سلمية كانت أم غير ذلك. بالإضافة إلى ذلك ، يمكن في حالات الطوارئ عقد تحالفات دولية مشروعة لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حتى بدون موافقة مسبقة من مجلس الأمن.

ما يحصل في سوريا من حرب ضد المدنيين يوافق معايير مبادئ مسؤولية الحماية للتدخل الإنساني. وتعدى الأمر في سورية حماية المواطنين فحسب، حيث قام الرئيس السوري بشار الأسد بمهاجمة الأحياء السكنية بصورة كثيفة باستخدام الدبابات، والمدفعيات، والطائرات المروحية المقاتلة. ويقع الآن على مجلس الأمن واجب الأخذ بعين الاعتبار خيارات أكثر حزماً وقوة بعد فشل الخيار السلمي في حماية المواطنين. وعلى الرغم من أن خيار إعطاء الإذن لمجلس الأمن بالتحرك لمعالجة الملف السوري هو الأنسب، إلا أنه يبدو أنه مستحيل سياسياً. وبالنظر إلى الظروف الملحة التي تتطلب تحركاً فورياً يحق للمجتمع الدولي أن يتخذ التدابير اللازمة لحماية الشعب السوري تحت مبدأ مسؤولية الحماية، فالحاجة الآن إلى تطبيق مبدأ حماية المدنيين ضمن تحالف دولي يشكل من خارج إطار مجلس الأمن وربما تحت مظلة أصدقاء الشعب السوري.

* مدير المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية

الحياة

كلّنا مسؤولون/ سمير العيطة

من السهل الشروع بالحرب ولكن ليس سهلاً إيقافها. هذا ينطبق على عسكرة الثورة السوريّة، كما على الضربة الاميركية-الفرنسيّة المزمعة على سوريا.

كلّ من سكت عن ممارسات الاستبداد والاعتقال وإهانة البشر لمجرّد اختلافهم في الرأي مسؤول. وكلّ من صمت على اقتحام مسجد أو حيّ مسؤول. وكلّ من هلّل لإطلاق النار على متظاهرين مسؤول. وكلّ من نفّذ الأمر بإطلاق النار على المتظاهرين، حتّى ولو كانت عقوبة رفض الأوامر هي الإعدام، مسؤول. وكلّ من لم يمد يده لجاره المحاصر وأطفاله الذي يتضوّرون جوعاً مسؤول. وكلّ من لم يردع أخيه الغاضب عن القتل على الهويّة مسؤول. وكلّ من فرح لرؤية حيّ يُقصف بالبراميل أو بالكيميائي مسؤول.

بالمقابل، كلّ من دفع نحو عسكرة الثورة عبر التهييج على وسائل الإعلام، مسؤول. ذلك أنّه خلق أوهاماً بسقوط النظام بمجرد أن يتظاهر الناس. وكلّ من برّر منطق غالبية وأقليّة مسؤول عن الحرب الأهليّة التي تأخذ إليها العسكرة. وكلّ من لم يدن الأحداث الطائفيّة منذ بدايتها والتنظيمات المتطرّفة منذ نشوئها وتحالف معها بل غطّى عليها مسؤول عن فوضى اليوم والغد. وكلّ من سكت عن التدخّلات الخارجيّة من أيّ طرفٍ كان أو طالب بها، وإن كان ذلك نتيجة القهر، مسؤول عمّا سيحدث لبلادنا. الكلّ مسؤولون.

هم مسؤولون أيضاً كلّ أولئك الذين تذاكوا في خطاباتهم وعملوا لخدمة ذاتهم لا أهلهم وبلدهم. وكلّ من استبدلوا قهر النظام بتبعيّة لمصالح دولٍ أخرى، وكأنّها ستأتي بالحريّة. وكلّ من ادّعى أنّ الثورة هي إسقاط نظام وليست بناء شيء أفضل لجميع المواطنين. وكلّ من أراد وما زال يريد فرض فكرة أو عقيدة بالقوّة، وخان جميع العهود.

حتماً المسؤوليّة الكبرى يتحمّلها هذا الرئيس وسلطته الاستبداديّة. لقد أراد بأيّ ثمن أن يبقى في الحكم، وكأنّ البلد وشعبها ملكيّة خاصّة باسمه. ويتحمّلها أولئك الذين لم يوقفوه عن الجنون الذي دفع إليه، بل اعتقلوا وعذّبوا وأمروا بإطلاق النار وبالقصف. والمسؤوليّة الكبرى هي أيضاً على الدول التي وظّفت وسائل إعلامها وأجهزتها للتلاعب بالسوريين لتصفية حساباتها مع هذا الرئيس وحلفائه، وكذلك لتلك التي ساندته ولم تردعه.

لا أصفّي حساباً مع أحد. لأنّني أحمّل نفسي أيضاً هذه المسؤوليّة. كيف لم نستطع جميعاً أن نوقف ذهاب بلدنا إلى الجحيم وقتل أبنائها لبعضهم البعض؟ وكيف لم تكن لنا الشجاعة كي نغضب تجاه إثارة وسائل إعلام التي لا تتغّذى إلاّ من مشهديّة الدم، بل تحرّض عليه؟

المشكلة اليوم ليست في الضربة العسكريّة فقط، بل في ما بعد الضربة. وفتح معركة في معلولا، أيقونة التراث التاريخيّ السوري العريق، في حين لا أهميّة عسكريّة لها، وتبريرها، يشير الى أن الآتي أسوأ. فهل من صحوة عند أبناء بلدي، جميعهم؟

السفير

المبادرة الروسية” والضربة الأميركية/ غسان المفلح

بعد مجزرة الغوطة الشرقية في 21 آب 2013 والذي ثبت لدى الجميع، أن الطغمة الاسدية استخدمت الكيماويبحق الشعب السوري، في تلك المنطقة وذهب ضحيتها، أكثر من 1400 شهيد بينهم أكثر من 400 طفلا، اعلنت ثلاث دول غربية، أمريكا وفرنسا وبريطانيا، انها ستعاقب المجرم بشار الاسد عسكريا، اي بضربه ضربة عسكرية محدودة ردا على استخدامه للكيماوي. ما الذي حدث؟

– بعد الضربة والتهديد من قبل هذه الدول، اتصل وزير خارجية ايران جواد ظريف بوزيرة الخارجية الايطالية، من اجل التوسط لدى هذه الدول لمنع الضربة وابدى استعداد طهران للتوسط في هذا الموضوع.

– تحركت جحافل بعض اللوبيات من المسيحية السياسية في المنطقة والعالم، من أجل منع ضرب المجرم، وتحركت بطريقة منظمة وممولة، من دماء شعبنا وثروته، وتوجت بثلاثة احداث، كلمة البابا التي اكدت على رفض الضربة حرصا على مسيحيي سورية، وغير مهم بالنسبة لنيافته ما قام بقتله النظام، ويتحدثون بعدها عن الارهاب! ثم عقد مؤتمر في عمان من أجل ذلك حيث اجمعت القيادات الروحية المسيحية المتواجدة في المؤتمر، انها مع بشار الاسد في قتل الشعب السوري، بينما دعى مشايخ الاسلام فيه إلى حوار الاديان. بعدها اتت رسالة بطرك موسكو حليف بوتين داخليا، لأن بوتين قد موله من أمواله!! هذه الرسالة التي وجهها لبوتين وللامم المتحدة، كي تحمي مسيحيي سورية، من الثورة.

– انقسام اللوبيات اليهودية في العالم ازاء هذه الضربة، وخاصة في بريطانيا وامريكا، مما جعل رئيس الحكومة البريطانية يحيل الضربة لموافقة البرلمان البريطاني، وهو يعرف سلفا ان البرلمان سيرفضها وهو ليس بحاجة دستورية لهذه الاحالة، والسبب الاخر أن بريطانيا وتحديدا رئيس الحكومة وفريقه تصرف بشيئ من الكيدية، لأنه كان ينوي تقديم المجرم للجنائية الدولية منذ ان استخدم الكيماوي قبل عدة اشهر وتقدم بملف كامل، لكن اوباوما عندها رفض، وضغط على كاميرون من أجل عدم تسليح المعارضة.

– الاعلام الغربي كله حتى الذي يساند الضربة العسكرية، لم يعد يهمه من الموضوع سوى إظهار ما يمنع الضربة وليس العكس. لهذا نشرت النيويورك تايم فيديو قيل انه جديد وان من قام به قوى الثورة حديثا مع أن الفيديو قديم وعمره اكثر من سنة ونصف، وغير مثبت من قام بقتل هؤلاء الضباط. مما اضطرها للاعتراف بالخطأ والاعتذار بعدما قمنا كمعارضة بتوضيح ذلك. ثم حاول الجميع استثمار ما حدث في قرية معلولا ذات الغالبية المسيحية، استثمروا قصصا كلها كاذبة ولم تتعرض معلولا لأي هجوم على كنائسها وسكانها من قبل الجيش الحر، ومع ذلك استنفرت جحافل المسيحية السياسية، بقيادة ميشيل عون وفريقه، وهنا النكتة!! في بث اشاعات رخيصة دون ان يكون هنالك استعداد من الاعلام الغربي لسماع رأي الطرف الآخر، حيث تحول حسن نصر الله بالنسبة لهؤلاء ليسوع المسيح وقناة المنار منبرهم.

– لذلك وردا على بريطانيا وعلى تحفظ بعض اوساط الادارة الامريكية بشأن الضربة، قام اوباما بتحويل الملف للكونغرس للتصويت عليه، وهنا لابد من القول: أن الملف السوري صار كله لدى المشرع الامريكي. وبقي التهديد بالضربة قائما.

– رغم كل ذلك بقي اوباما وفريقه يهددون بالضربة، حتى جاءت اجابة كيري في لندن خلال مؤتمر صحفي، في رده على سؤال حول ما الذي يستطيعه آل الاسد القيام به لتجنب الضربة، فرد عليهم تسليم الكيماوي خلال اسبوع، عندها قامت الطغمة الحاكمة بتسليم الروس موقفا انهم يوافقوا على وضعها تحت رقابة دولية. وعلى هذا الاساس طرحت المبادرة الروسية، وليس كما صورها الاعلام على أنها مبادرة روسية بل هو تنازلا اسديا أمام تهديد كيري. لأنها عصابة لاتفهم غير لغة القوة. ولامجال للحديث معها سياسيا.

– خلال ذلك كانت حكومات طهران وبغداد والجزائر تنشط لمنع الضربة.

– اداء الائتلاف السوري المعارض رغم نشاطه الاعلامي كان هزيلا سياسيا، ولم يعط موقفا واضحا من الاسلحة الكيماوية، وكان عليه منذ زمن بعيد ان يوافق لا بل يطالب بتدميرها. لكن في الامر ايديولوجيا خائنة للشعب. لا نتهم شخوصها.

– هيئة التنسيق جل همها حماية آل القتل الاسدية. بدون توريات هذه المرة.

– التهديد بالضربة لايزال قائما، وآل الاسد سيحاولون كسب الوقت مع المافيا الروسية، لهذا القتل لم يتوقف وقصف المدن والقرى لم يتوقف. إيران لم يعد لديها اموالا لتمد المافيا الروسية ثمنا للسلاح ولتمد المافيا الاسدية كي تبقيها في صورة اقتصادية غير منهارة تماما.

رغم تخاذل الادارة الامريكية وغيرها في الوقوف مع الشعب السوري ضد آلة قتل طائفية ومصلحية وارهابية وفاسدة على كافة الصعد، إلا ان امريكا هي نفسها من تقف ضد استخدامه للكيماوي، ولولاها لكان استخدمه منذ اول يوم للثورة.

من الواضح الآن أن المبادرة الروسية هذه، ورضوخ آل الاسد للتهديد الامريكي. يجعل الروس امام قرار من مجلس الامن قدمته فرنسا ورفضوه، وأي قرار سيصدر سيضع سورية تحت وصاية مجلس الامن. وإن لم يصدر فالضربة قادمة. ولتبحث عندها روسيا عن مبادرة أخرى..

ريان كروكر Ryan Crocker السفير الأمريكي الأسبق بدمشق، متحدثا الى الصحفية الإيرانية “كريستيان أمان بور” على قناة “سي.إن.إن” الإخبارية الأمريكية :((إن الإدارة الأمريكية كانت تعلم اكيدا ان استراتيجية الأسد الأب منذ مجازر حماة و تدمر سنة 1982كانت وما زالت أمنية و عسكرية ضد اندلاع ثورة شعبية سنية عارمة على حكمه الطائفي الإجرامي.. لقد هيأ نظامه لهذه اللحظة و جند مقدرات الدولة كلها لهذه الغاية فقط…إن قتل عشرات الألاف من شعبه في الثمانييات بقي الهاجس الذي يشغله لعلمه أن لحظة الحقيقة آتية..و قد مات الأب و درب ابنه الذي لا يقل إجراما و حقدا من أبيه…السياسة الأمريكية لإدارة أوباما تجاه سوريا يمكن تشبيهها بحريق الغابات الذي لا يمكنك أن تطفئه فتوجه جهدك الى حصار الحريق لتدع النار تأكل بعضها ولا تنتشر الى الجوار..أوباما يكذب بان الشعب الأمريكي قد تعب من الحروب في الشرق الأوسط، لأنه بمجرد انتقال النار الى لبنان او إسرائيل أو الأردن فسيرسل حينها الصواريخ و الطائرات القاذفة الأمريكية بلا قرار مسبق من الكونجرس)).

ايلاف

الاسد والنعامة/ بشير البكر

جماعة النظام السوري الذين كانوا يهددون باشعال حرب عالمية ثالثة، دب الهلع في صفوفهم قبل ان يبدأ النقاش والتصويت في الكونغرس الاميركي. وبعد أن عاش محور الممانعة أياما قليلة من الظنون السعيدة، والنشوة الكاذبة بأنه هزم الولايات المتحدة من دون حرب، اقتنع بأن تحركات واشنطن هذه المرة ليست من أجل إثارة الغبار فقط. ورغم أن كل التصريحات الاميركية كانت تتحدث عن ضربات عقابية فقط، من دون الذهاب لاسقاط النظام، فإن معنوياتهم هبطت على نحو لم يكن يتوقعه أحد.

حين أخذت الأجواء تسخن فعليا، وتزدحم سواحل سوريا بالمدمرات الحربية، توقف النظام عن العنتريات، وسارع لإرسال وليد المعلم وبثينة شعبان إلى موسكو، وتقصد أن يصلا العاصمة الروسية، قبل أن يفوت الأوان، وتنتقل الادارة الاميركية إلى الضربة العسكرية، التي كان واضحا أنها باتت فوق الطاولة، بعد فشل فلاديمير بوتين في اقناع نظيره الأميركي باراك اوباما خلال قمة ” سانت بطرسبورغ”، لغض النظر عن أمر معاقبة النظام السوري.

من راقب وجه وليد المعلم وبثينة شعبان في موسكو، لابد انه لاحظ علامات الشحوب والقلق والانكسار، ولكن تعابير الفزع هي التي كانت تنطق في تقاسيم الوجوه. بدا النظام مذنبا، وبثينة صاحبة نظرية اختطاف الاطفال من الساحل وقتلهم بالكيماوي في الغوطتين، ظهرت مذعورة وهي تلتصق بالمعلم في موسكو وتهمس في أذنه بما يشبه الرجاء، كأنهما في مشهد شكسبيري. بثينة تتصرف على طريقة ” يكاد المريب أن يقول خذوني”، بينما كان المعلم مثل مخطوف يجهل مصيره.

كل شيء كان منتظرا من طرف المعلم، غير أن يسارع للاعتراف، وببساطة شديدة، بأن سوريا تمتلك أسلحة كيماوية، ومن دون رفة جفن قال في موسكو: ” ترحب القيادة السورية بالمبادرة الروسية، انطلاقاً من حرصها على أرواح مواطنيها وأمن بلدنا ومن ثقتنا من حرص القيادة الروسية على منع العدوان على بلدنا”. وقد خلّف اسلوب ” فاوست السوري” صدمة لدى جمهور الممانعة، الذي كان يهتز طربا للاعلام وهو يروج منذ فترة لنجاح حلف دمشق في هزيمة الحلف المعادي. وهناك اجماع تام بين خصوم النظام وانصاره، على ان رمي ورقة السلاح الكيماوي بتلك الخفة، يعبر عن عمق حالة الانهيار التي يعيشها النظام، وإلا لكان في وسعه أن يساوم عليها، ولكنه لم يكن يريد من ورائها غير البقاء في السلطة، التي هي بالنسبة له أهم من الوطن والتوازن الاستراتيجي مع اسرائيل، مقتديا بسلوك ديكتاتور ليبيا معمر القذافي حين تنازل في سنة 2003 عن برنامجه النووي. وقتها قام نجله سيف الاسلام بكشف كل أسرار البرنامج، وأسماء العلماء الباكستانيين، وذلك مقابل بقاء العائلة في الحكم. ووصف القذافي نظيره العراقي صدام حسين بالغباء عشية احتلال العراق، لأنه اختار المناطحة مع الولايات المتحدة، على التنازل ورمي السلاح، والخروج عن صف المارقين إلى حظيرة المطيعين.

جوهر المبادرة الروسية هو تمديد عمر بشار الأسد، وهي تقوم على مبادلة الضربة بالسلاح الكيماوي. ولكن الأسد أراد ان يقول، بأنه على استعداد للتنازل عن كل شيء ماعدا الحكم. والأمر الذي يجب التوقف عنده هو سقوط الكم الهائل من الانشاء الانساني الغربي، الذي تفجّع على ضحايا الكيماوي خلال اسبوعين. وتبين من المداولات الأولى حول الصفقة أن تخلي النظام السوري عن مخزونه من السلاح الكيماوي هو القطبة المخفية. وليس سرا أن هذه النقطة تعني أمن اسرائيل أولا وأخيرا، وقد ظلت مصدر قلق غربي منذ أكثر من سنة، وشكلت واشنطن وتل أبيب قوات خاصة للسيطرة على مواقع هذه الاسلحة، في حال حصول فوضى من جراء سقوط النظام.

هذه الحقيقة العارية كانت تنتظر المجزرة، لكي لا يبقى أي وهم حول امكانية مساعدة الولايات المتحدة واوروبا للثورة السورية، من دون ثمن يأخذ مصالح اسرائيل في الحسبان. وقد ظلت الثورة طيلة عامين ونصف العام تحاول تجنب الخوض في هذا الملف، في حين أن رامي مخلوف وضعه على جدول الأعمال بعد شهرين من قيام الثورة. وليس من باب المبالغة الاستنتاج بأن المقايضة الصريحة والعلنية التي حصلت في موسكو، نقلت الموقف العام إلى مستوى جديد، حيث تبدو اسرائيل من الآن فصاعدا هي الملاذ الأخير لآل الأسد، وكل يوم من عمرهم في الحكم هم مدينون به لها.

المدن

الضربات الكيميائية والتدخل العسكري/ طيب تيزيني

 سار الصراع بين النظام السوري وقوى الثورة في ثلاث مراحل ضبطت وحددت مآل هذه الثورة، التي بدأت كصراع سلمي وتحولت إلى صراع مسلح تقليدي، ثم إلى صراع مسلح كيميائي. أما الأول فاستمر ستة أشهر تقريباً لم يخرج عن كونه «سلمياً»، في حين ظل الصراع بين الفريقين في المرحلة الثانية قائماً على استخدام أسلحة تقليدية، كان فيها السلاح الجوي ذا تأثير أكثر فاعلية وخطراً من أي سلاح آخر. ويلاحظ أنه في هذه المرحلة كان ثمة شبه إجماع في أوساط الثورة (الانتفاضة) على رفض التدخل الخارجي العسكري من قبل الغرب وكذلك من قبل الآخرين، بمن فيهم العرب.

وقد جاء ذلك الرفض لدينا في سياق التحدث عن اللاءات الأربعة التالية: الطائفية، والثأرية، والتقسيمية، والتدخل الخارجي، وكنا أوضحنا هذا الأخير، حين ميزنا بين التدخل الخارجي للمساعدات السلمية ومنها الطبية والغذائية والاحتياجات السكنية وغيرها من طرق، وبين التدخل الخارجي العسكري المسلح من طرف آخر، ورفضناه رفضاً قاطعاً وكلياً. ولاحظنا أن هذا النمط من التدخل كان مرفوضاً من مجموعات واسعة في سوريا وفي العالم العربي. وهو (أي هذا النمط) يبدأ بتاريخ التدخل الخارجي الأجنبي منذ العصر الاستعماري الحديث الفرنسي والإنجليزي والإيطالي والأميركي، والصهيوني بطبيعة الحال. وقد لاحظ الكثيرون من الباحثين وأطراف كبيرة من الجماهير العربية التمييز بين ما اعتبر «استعماراً قديماً وآخر حديثاً». ولم يكن هنالك أدنى شك حول ذلك، وقد استمرت منظومة المفاهيم السياسية الاستعمارية على هذا النحو في العالم العربي ومن ضمنه سوريا.

أما ما اتصل بالتدخلات الأجنبية الخارجية التي اقترنت بصيغة غير تقليدية من السلاح، وهو الذي سيدخل التاريخ باسم السلاح النووي أو بسلاح التدمير الشامل أو بالسلاح الكيميائي، فلم يكن له علاقة مباشرة بالعالم العربي، إلا إذا أدخلنا العراق في هذه العلاقة، رغم ما يحفّ الأمر من التباسات ربما ما زالت قائمة.

هكذا إذن نلاحظ أن ما يتصل بالحديث عن أسلحة «غير تقليدية» في العالم العربي يبدأ بظهور سلاح كيماوي مؤخراً مع استخدام سوريا له في الحرب بين النظام القائم والانتفاضة، التي تحولت إلى ثورة، وها هنا يمكننا التحدث عن تاريخ حديث جديد لاستخدام السلاح المحرّم دولياً، وهو الكيماوي. ففي شهر أغسطس 2013، أعلن النظام السوري الحرب الكيماوية على المنتفضين، بحيث أدى ذلك إلى قتل 1600 طفل وامرأة ورجل، ها هنا نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام حدث هائل في تأثيره التدميري ومن ثم في تجاوزه للخط الأحمر الذي وضعته «الولايات المتحدة» حيال ذلك الواقع.

يهمنا من ذلك الإشارة إلى أن الحديث عن تدخل خارجي في الشأن السوري الراهن يتصل، تحديداً، بالسلاح المحرّم دولياً (السلاح الكيماوي) الذي استخدمه النظام السوري ضد مواطنين مدنيين في الغوطتين الشرقية والغربية. وهذا حين يتم فإنه لا يعني تدخلاً من قبل من يرفضه ويدينه ويقف في وجهه، ها هنا تختلف المقاييس وقواعد اللعبة، فاستخدام السلاح المذكور يُدخل في المحظورات، في حين يُعتبر اللجوء إلى مواجهته بمساعدة دول أخرى إنما هو أمر مشروع حتى في الشرائع الدولية الممثلة بما تجسده منظمة الأمم المتحدة. ومن الناحية العملية، فإن اللجوء إلى هذه الأسلحة إنما هو خرق لكل الشرائع المحلية والإقليمية والدولية، هذا بالرغم من أن الأسلحة التقليدية قادت – في حالات معينة – إلى نتائج تصل إلى مستوى نتائج الحرب الكيماوية. وهذا ما يجعلنا نشدد على أن الحروب بأسلحة قاتلة مدمرة تلتقي في أنها جميعاً تمثل خرقاً لحقوق الإنسان، مع اختلاف في وسائل القتل ودرجاته ومخاطره.

الاتحاد

يقايضون.. ويبيعون ويشترون/ عقاب يحيى

قبل أكثر من عشرة ايام.. قبيل وبعيد خطاب أوباما، وتحويله أمر قرار الضربات للكونغرس، بعد أن كان هناك شبه إجماع بين الناس على أن الضربات قاب قوسين ساعات لا أكثر، طرح ابني علي عدداً من الأسئلة يريد بها الاطمئنان على القادم.. وما يمكن أن يحصل. وحين طرحت عددا من الاحتمالات لم يقبلها وقتها.. وقال مستحيل.

قلت له الكيماوي هو ما يهمهم أساساً وليس دماءنا، ولا أي شيء آخر، وإن وضعوا أيديهم عليه.. فلا مبرر لأية ضربة.

قال مستحيل.. هيبة الرئيس وأمريكا تصبح في الحضيض.

قلت: هذه أمور ثانوية يعرفون كيف يبلعونها ويلتفون عليها، فالسلاح الكيماوي هدفهم، وما تبقى ثانوي.. وقد أعلنوه مراراً بخجل، ثم بطلبات واضحة، وانهم يريدون ضمانات للمستقبل كي لا يُستخدم ‘ضد دول الجوار’.

كان بذهني احتمال آخر يكمل الأول: إمكانية عقد صفقة كبيرة بين الروس والأمريكان.. تكون بلادنا جزءاً منها. وفي ما يخص سورية كان السؤال الكبير المطروح: هل انتهى الدور الوظيفي للنظام السوري؟ أم ما زالوا يتمسكون به؟.. والمعلومات التي كانت ترد من جهات صهيونية متناقضة: طاسة باردة وطاسة ساخنة.. وبما يعني لمن يريد أن يحلل، أن القابلية على المدّ بعمره، بطريقة من الطرق، ما زالت قائمة.. ببشار القاتل، أو دونه، وإن تضخيم دور ‘القاعدة’ والمتطرفين يجد صداه في ما يفكرون ويخططون.. وسؤالهم بين بعضهم: هل مجيء المتشددين افضل من نظام خبروه وعجنوه وخبزوه؟.. وهل يستبدلونه وهم اليوم اقدر على عجنه أكثر وأكثر ليلبي جميع مطالبهم، واولها الكيماوي.. وآخرها تدمير ما تبقى من البلد.. وإغراقه بحرب مذهبية قد يذهب مداها طويلاً. كان الاحتمال الثالث يدور حول مراهنتهم على مفاعيل التلويح بالقوة في إحداث انهيارات، او انقلاب داخل النظام يأتي بنوع من تغيير ويفتح الطريق لعلمية انتقالية تتوافق وتصوراتهم عن جنيف ومستقبل سورية. في هذه الاحتمالات جميعها فإن البحث الصادق عن مصلحة الثورة، عن إيمان هؤلاء بنظام ديمقراطي حقيقي، عن موقف المعارضة الذي انقسم بين اللهاث خلفهم، والتأييد والرفض في آخر اهتماماتهم.. حتى لو برر البعض مواقف التأييد بلقاء المصالح عند تقاطع ما، وحاجة الثورة إلى من يعينها، او الترحيب بما ستخلقه الضربات من معطيات جديدة قد يكون سقوط الطغمة من بينها، او تعديل ميزان القوى على الأرض..

نظام المقايضة يبيع ويشتري بكل شيء، وهو مستعد لأية صفقة، وأمن إسرائيل هو المهم بالنسبة للإدارة الأمريكية، وغيرها من الدول الغربية. وعبر ذلك تجري اليوم مشاريع المفاوضات، أو التلويح بالقوة.. والسؤال الذي يطرح نفسه علينا: إذا اتفقوا على وضع الكيماوي تحت تصرفهم او تدميره.. هل تبقى اية تبريرات للضربات التي يتحدثون عنها؟ وأين هي دماء الشهداء السوريين؟ وما هو الموقف من غير الكيماوي في عمليات الإبادة المنظمة؟.

يبقى السؤال المركزي: ما هو دورنا؟ واين يكون موقعنا؟ وكيف يمكن أن نمسك بقرارنا الوطني فلا يبقى مطية الدول الكبرى وغيرها؟ وكيف نحدد أولوياتنا اعتماداً على قدراتنا الرئيسة بالاساس، ودعم الأشقاء المخلصين؟

‘ كاتب سوري

القدس العربي

المبادرة الروسيّة، دمشق وواشنطن… ملاحظة في الحقّانية/مقداد عبود

تقع سوريا، الآن، بين الحقانيّة التي تعني تطابق السياسة مع الحق، والبَعْط الأميركي (البعط: الغلوّ في الجهل والأمر القبيح، وذبح الدابة وحركتها بعده) في الحق، بما هو تخبّط يزعم أنه يتمسك بالحق. من هذا الوضع المتضاد، تفتح الأزمة السورية عين العالم على المهول الحادث في هذا البلد، وتجبره على حبس أنفاسه، ترقباً لما سيؤول إليه، بعد التهديد الأميركي بشن ضربة عسكرية عليه. أولى العلامات، هي البعط الأميركي، في هذا الخضمّ الهائج، حيث تحاول هذه القوة العظمى أن توحي بأنها حامية شرعة الحق، وسلطة القانون، لحماية الناس في العالم، بمنع خرق ميثاق هيئة الأمم المتحدة، وخصوصاً استخدام السلاح الكيميائي، كما في الحالة السورية.

سعت أميركا بشكل محموم إلى توفير الحلفاء من أوروبا والعالم، لشرعنة هذا السعار الذي تقوده، تحقيقاً لمشروعها المسكوت عنه في خطابها السياسي؛ وهو الهيمنة الأحادية على العالم.

أصدقاء سوريا، دولياً، إقليمياً وعربياً، في الحلف المقاوم للحلف الغربي أدركوا خطورة هذه الخطة الاستعمارية، فرفضوا، وهم الذين يشكلون قوة هائلة في العالم، هذه الحرب العدوانية، وهتكوا المستور في خطاب الهيمنة الغربية. لم يجدِ الصراخ الأميركي في ما يخص مزاعم الدفاع عن المبادئ والحقوق العامة للناس ومصائرهم؛ فهذه الكذبة كشفها التاريخ الأسود المعروف للإمبريالية الأميركية، من حربها على فييتنام إلى أفغانستان والعراق. الحكام الأميركان، عليهم أن يخرسوا، حين يتحدثون عن هذه القضايا، وإن كابروا وفعلوا، فلن يكونوا أكثر من دابة تبعط؛ تتخبّط في غير اتجاه بفعل آلام الذبح. هكذا فقد القادة الأميركان رشدهم، يحاولون، عبثاً، أن يسيّدوا أنفسهم قادة الحقانيّة، في الوقت الذي، خطابهم الثقافي الاستهلاكي الآتي من البراغماتية؛ من وليام جيمس حتى معلمهم الأخير جون راولز، لا يسمح لهم إلا بأن يكونوا مع حق القوة الرعناء الصّلِفة التي تبارك كل فعل أو وسيلة لتحقيق المصلحة. هذا هو الذي أسس للتخبط الأخير، بعد الإعلان عن العدوان الأميركي على سوريا، فالرئيس أوباما تارة يؤكد احترامه للقانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة، وطوراً يقدم ديماغوجيته لتبرير العدوان من خارج مجلس الأمن والقانون الدولي، ليوجّه «ضربة عقابية للرئيس الأسد»، دفاعاً عن القانون، ولمنع استخدام الأسلحة الكيميائية! ولم يكن تخبط وزير خارجيته جون كيري بأقل شأناً من رئيسه، فهو مرة يقول بضرورة معاقبة النظام السوري، وبأن «خطر عدم خوض الحرب أكبر من خطر خوضها»، وفي أخرى يذهب إلى «أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للحرب في سوريا»، وهو «لا يستبعد اللجوء إلى مجلس الأمن»، لبحث الضربة.

أما سوريا وأصدقاؤها، فقد حافظوا منذ بداية الاحتجاجات على موقفهم الحقاني؛ فقد اعترف الرئيس بأن هناك مشاكل تحتاج إلى حلّ في بلاده، وهناك حقوق للشعب يجب أن «نعمل» على حلّها عن طريق الحوار مع المعارضة وبالتوافق معها. وبالفعل، أجرى هذا النظام الديكتاتوري تغييرات مهمة كانت مطالب مهمة بالنسبة إلى المعارضة، من التعددية السياسية ووضع قانون الأحزاب، إلى إلغاء المحاكم الاستثنائية، وكذلك إلغاء المادة الثامنة من الدستور التي كانت تفرض أحادية حكم البعث … إلخ. ولكن قادة المعارضة المصنّعة في الخارج منذ البداية، من «مجلس اسطنبول» إلى «ائتلاف الدوحة»، رفضوا الحوار مع النظام، وأطلقوا اسم «جمعة لا للحوار» منذ الأشهر الأولى (8/7/2011)، ورفعوا شعار إسقاط النظام منذ الأيام العشرة الأولى. نعرف عدم الثقة بهذا النظام، ونعرف استعداده للمراوغة، ولكن كان بإمكان المعارضة أن تضغط عليه وتجبره، على التشارك معها في إجراء التغييرات المطلوبة، لكانت تعالت على الجراح ووفرت كل هذا الدمار والقتل، ولكنها لم تفعل وذهبت في ركاب قادة المخطط الإمبريالي لتدمير سوريا.

المبادرة دليل: قبول سوريا بالمبادرة الروسية لوضع السلاح الكيميائي تحت إشراف الرقابة الدولية، ليصار إلى تدميره لاحقاً، يعني سحب صاعق الحرب والعدوان على الشعب السوري، ولو كان في ذلك شيء من الخضوع لمعادلة القوة وبالتالي الرضوخ، جزئياً، للإرادة الصهيو _ أميركية، وما ينطوي عليه من بعض المسّ للكرامة. وهذا يعني، من جهة أخرى، أن سوريا تقف إلى جانب الموقف الحقاني، لأن فيه تطابقاً إلى حدّ كبير بين التوجه السياسي للدولة والموقف الأخلاقي القاضي بضرورة حماية حياة الكثير من المواطنين السوريين، علماً بأن هذا الموقف التنازلي لم يُفقد الدولة السورية دورها الفعلي في مواجهة المشروع الإمبريالي وحلفائه الإقليميين والعرب الرجعيين، ولم يلغِ مسؤوليتها في الدفاع عن الوطن السوري وسيادته ووحدته، عبر مشروع المقاومة الذي تنخرط في تحقيقه وإنجازه.

من هنا، من الحقيقي أن يكون الموقف السوري في تضاد مع الموقف الأميركي الذي يقوم على القوة الغاشمة العمياء، في سبيل مصلحته ومن في صفه. من هنا، يمكن تفسير خرق أميركا للقانون الدولي مرات كثيرة؛ فهي قامت بتهديد سوريا بالضربة العسكرية، وهي أيضاً تحاول الذهاب إلى الحرب على سوريا من خارج مجلس الأمن. وهي دعمت، علناً، المعارضة المسلحة المتمردة على الدولة ذات السيادة، وهي التي صنّعت «مجلس اسطنبول»، وبعده ركّبت «ائتلاف الدوحة». وإن موقف مجلس التعاون الخليجي الداعي إلى ضرب سوريا، وكذلك موقف المعارضة الإسلامية التكفيرية في سوريا التي تهلل للعدوان الأميركي، جميعهم لا يفكرون إلا بمصالحهم، غير عابئين بما يدّعونه من تمسّك بالحق والعدل والقانون. ولعل أهم مؤشر على احتقار أميركا للحق الآن، هو عدم اكتراثها لرأي الشعب الأميركي الذي أعلن عن موقفه في استطلاعات الرأي، حيث 59 في المئة يرفضون الحرب على سوريا.

أما كان من الأجدى لأوباما وإدارته أن يتخذا من المبادرة المتعلقة بالأسلحة الكيميائية سبباً للتوقف مباشرة عن التهديد بشن العدوان على الشعب السوري، فيتفق بذلك مع دعوة أغلبية الشعوب الأوروبية والعربية، ومع دعوة بابا روما، أما كان وقف إلى جانب الحقّانيّة بدلاً من البعط الذي يقوم به عن الحق والقانون؟

* أكاديمي وناشط يساري ــ سوريا

“المبادرة الروسية”: التقاء المصالح أهم من صدام المبادئ!/ هوشنك بروكا

بعد موافقة الكونغرس بناءً على طلب الرئيس بارك أوباما، تأجيل التصويت بشأن “ضرب” سوريا، وذلك على خلفية “المبادرة الروسية”، لم يعد هناك حديث غربي، أميركي أوروبي عمّن استخدمَ “الكيماوي” في غوطة دمشق ضد مَن. الأمر ما عاد مهماً بالنسبة للغرب، كما يبدو، خصوصاً وأنّ طرفي المجزرة سوريان، جلاّداً وضحيةً.

ما يهمّ الغرب وعلى رأسه أميركا، بالدرجة الأساس، هو مصير الكيماوي وقادمه، وبالتالي “تأمينه”، للحؤول دون انتقاله إلى “أيدٍ غير أمينة”، أو استخدامه في “الزمان الخطأ”، و”المكان الخطأ”.

ما يهم أميركا وحلفاءها، هو تأمين جيران سوريا، وفي مقدمتهم وإسرائيل، ضد خطر حرب إقليمية محتملة، كما تبيّن من التراجع السريع لأميركا في اللحظة الأخيرة عن خطتها بتوجيه ضربات عسكرية محدودة لسوريا، وهو الأمر الذي أثار حفيظة دول “مجلس التعاون الخليجي” وعلى رأسه السعودية وقطر، الداعمتان الأساسيتان للمعارضة السورية.

يبدو أن المبادرة الأخيرة التي أطلقها الروس في الوقت الضائع من “اللعب” بالكيماوي السوري” قد أعطت نتائجها الباهرة على صعيد الديبلوماسية الروسية، التي حققت نجاحاً كبيراً في سوريا، وتحاول كلّ جهدها لتعويض خسارتها في ليبيا بسوريا.

الروس ربحوا الحرب في سوريا، حتى الآن، ويبدو أنهم مصرّون على ربح السلام فيها أيضاً، كما تبيّن من طرحهم لمبادرتهم الأخيرة، التي تجاوبت معها أميركا وكلّ الدول الأوروبية المعنية بسرعة غير متوقعة، فاجأت الجميع.

قبول الغرب وعلى رأسه أميركا ب”المبادرة الروسية”، مبدئياً، مقابل تراجع هذه الأخيرة عن توجيه ضربة عسكرية لسوريا، يعني صراحةً الإنحياز للحل الديبلوماسي بدلاً من الحل العسكري، الذي طالما أكدّ عليه مسؤولو الإدارة الأميركية وعلى رأسهم أوباما، الذي لا يزال يريد الحفاظ على لقبه كرئيس يكره الحروب، حائز على جائزة “نوبل” للسلام، وربما من هذا المنطلق نراه يشدد في كلّ مناسبة يخصّها بالأزمة السورية، على حرصه الشديد، بألاّ تتحول سوريا إلى عراق آخر، أو أفغانستان أخرى، على حدّ قوله.

اجتماع رؤساء الديبلوماسيّتين الأميركية والروسية هذه الأيام في جنيف، وإنضمام المبعوث الأممي والعربي المشترك إلى سوريا، الأخضر الإبراهيمي إلى المحادثات الجارية بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سرغي لافروف، كلّ ذلك يشير إلى أنّ الطريق إلى جنيف2 لحلّ الأزمة السورية، من وجهة نظر الدول الكبرى في مجلس الأمن على الأقل، لا يزال حلاً مطروحاً على الطاولة. لكنّ الطريق من واشنطن وموسكو إلى جنيف، ليس كالطريق من دمشق وأنقرة وطهران والرياض والدوحة إليها. كما أنّ اتفاق الروس والأميركان في جنيف، ليس بالضرورة أن يؤدي إلى اتفاقٍ موازٍ بين طرفي الصراع في سوريا، خصوصاً وإنّ الطرفين لا يزالان يرميان “جنيف” وأخواتها خلفهما، ومقتنعان بأنّ لا حلّ في سوريا بدون محو طرف للطرف الآخر، أو محو بعض سوريا لبعضها الآخر.

انضمام سوريا لمعاهدة حظر الأسلحة الكيماوية الموقعة عام 1997، بالإضافة إلى التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس السوري بشار الأسد، بأنه سيتخلى عن ترسانته الكيماوية مقابل توقف أميركا عن تهديداتها بمهاجمة سوريا، في إشارةٍ واضحة على تناغم الموقفين السوري والروسي بشأن “المبادرة الروسية”، كلّ ذلك ما هو إلا دليل على أن النظام السوري، قد سلّم مفاتيح “الكيماوي” إلى حلفائه الروس، الذين سيلعبون به كأقوى وربما كآخر ورقة يمكن التفاوض عليها مع الأميركان والأوروبيين، مقابل تنازل هؤلاء عن خيار الحل العسكري والضغط على طرفي الصراع للجلوس إلى طاولة المفاوضات، طبقاً لبيان “جنيف”.

 بعض المراقبين يشكون في جديّة النظام السوري بشأن “الملف الكيماوي”، ويعتبرون موافقته المبدئية على “المبادرة الروسية”، مجرّد محاولة أخرى للهروب بها إلى مزيدٍ من الأمام، أو مضيعة للوقت، سيّما وأن الأسد ونظامه سبق وأن كذبوا على العالم وأغرقوه في تفاصيله، لكنّ النظام على ما أذهب، فهمَ هذه المرّة بأنّ “الجرةّ لا تسلم كلّ مرّة”.

النظام، كما يبدو من تجاوبه السريع، على غير عادته، وعلى لسان رئيسه دون سواه، هو جدّي هذه المرّة في التنازل ليس عن “الكيماوي” فحسب، وإنما عن كلّ شيء مقابل بقائه، أو على الأقل مقابل خروجه من الصراع في سوريا، سالماً، ولو ب”نصف سوريا” أو حتى بربعها.

الأرجح أنّ النظام سيتنازل عن “الكيماوي”، وروسيا ستفاوض الأميركان بدلاً عنه، وأميركا ستوافق على هذا العرض الروسي السوري المغري، الذي كان سيكلّفها حرباً غير مضمونة النتائج، بوضع “الكيماوي السوري” تحت إشراف أممي، تمهيداً لتفكيكه.

“الكيماوي”، ربما سيرفع من احتمالات كسب روسيا للسلام في قادم سوريا، كما كسبت الحرب، حتى الآن.

“الكيماوي”، ربما سينقذ جيران سوريا وعلى رأسها إسرائيل من خطر امتداد الحرب إليها، وقد يجنّب الأميركيين وحلفاءهم من حرب باهظة التكاليف، ما عادوا مستعدين لخوضها، إلا أنّ “الكيماوي” نفسه، لن ينقذ سوريا والسوريين، لسبب بسيط بات واضحاً، للعالم كلّه، وهو أنّ التقاء المصالح، في الأزمة السورية، إقليمياً ودولياً، بات فوق صدام المبادئ، وأنّ إنقاذ العالم من خطر الحرب الطائفية السورية، بات أهم بكثير من إنقاذ سوريا نفسها منها.

العالم لا يفكّر بإخراج سوريا من الحرب، بقدر ما أنه يفكّر في إخراج نفسه منها!

العالم لا يفكّر بوضع نهاية للحرب في سوريا، بقدر ما أنه يفكّر ب”نهاية” سوريا في الحرب!

تلك هي قصة العالم في سوريا!

تلك هي قصة سوريا في العالم!

ايلاف

سوريا تدخل غرفة العناية الدولية/ غازي دحمان

 ما هي الخطوة القادمة في الملف السوري بعد الإعلان عن صفقة الكيماوي؟، إلى أين ستذهب الأزمة، وهل ثمة تفاصيل لم يحن الوقت بعد للإفراج عنها!، ماذا بعد؟. هل نحن بصدد إحداث تغيير جذري على مستوى نظام الحكم في سورية، أم أن تتجه إلى إحداث في تركيبة الدولة السورية ذاتها؟.

ثمة تسريبات بدأت تصدر عن بعض المراكز الإقليمية والدولية تفيد بأن اتفاق تسليم السلاح الكيماوي السوري ماهو إلا رأس الرمح في صفقة أكبر وأشمل جرى الاتفاق عليها بين القوى الغربية وروسيا وبعلم بعض الأطراف الإقليمية تقضي تلك الصفقة بأن يتم تأمين السلاح الكيماوي وترتيب اتفاق لتسليم السلطة عبر انتخابات يتم تقديم أجلها إلى نهاية العام الحالي بدلأ من صيف 2014 .

لا شك بأن أي اتفاق ينطوي على إمكانية لحل الأزمة في سورية سيكون تطوراً إيجابياً بهذا الخصوص، إذ أن الأزمة فاضت لدرجة صارت هناك صعوبات بالغة في التعامل مع إفرازاتها السيئة التي صارت مجهولة المألات، وخاصة على الصعيد الإنساني، أو لجهة إمكانية انتقال حال عدم الاستقرار إلى كامل المنطقة التي تعاني أصلاً من مشاكل عدم الاستقرار.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه أمام هذه المعادلة هو كيف يمكن تطبيق مثل هذا الأمر ؟، وما هي الضمانات اللازمة لإنجازه؟، إذا أردنا الوصول إلى أجوبة معقولة ومنطقية فإن ذلك يتطلب مناقشة موضوعية بعيدة عن نوازعنا وتوجهاتنا السياسية، ذلك أننا في الحالة السورية أمام بلد نثرت فيه المشاكل كالفطر، إذ أنه على مدار ثلاثين شهراً من الأزمة تخلقت على سطح المشهد السوري العديد من الإشكاليات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية، وقد استطاع نظام حكم بشار الأسد زرع الكثير من الفخاخ في طريق سورية المستقبلية بحيث صار يحتاج نزع هذه الفخاخ إلى خرائط وتقنيات متعددة قد يصعب توفرها في حالة بلد خارج من حرب كارثية.

من النواحي الإجرائية والقانونية، يتطلب تطبيق مثل هذا الأمر استحداث مجلس وصاية من بعض الدول الإقليمية والكبرى للإشراف على تنفيذ مندرجات الاتفاق المشار إليه ولإحداث الترتيبات الموازية من أجل توطين هذا الاتفاق في سياق البنى السياسية والاجتماعية السورية، فالموضوع أعقد بكثير من التصورات والبسيطة التي يتيحها المشهد حتى اللحظة، ونحن أمام تطور نوعي ينطوي على وضع القيادة السورية، وخاصة القلب منها، تحت التشريح، ذلك أن السلاح الكيماوي وإدارة ملفه في هيكلية صنع القرار السوري تشكل بنية لا يمكن سلخها عن بنية النظام، والولوج في هذا الملف يعني العبث في بنية النظام السياسي بكامله، كما انه يشكل مدخلاً للولوج في البنية التسليحية والعسكرية للنظام برمتها نظراً لوجود حالة من التغذية بين مختلف المراتب على الصعيدين السياسي والعسكري.

لا يختلف الأمر كثيراً في المستويات الأخرى، وخاصة المستوى الاجتماعي، إذ أن الأزمة أحدثت انقسامات مجتمعية خطيرة ضربت بعنف البنى الاجتماعية السورية، ولم يبقى مكون واحد بعيداً عن أثارها السلبية، وذلك نتيجة انخراط هذه المكونات بالأزمة، الأمر الذي نتج عنه تمزيق النسيج الوطني السوري، وبات الأمر يتطلب جهوداً مضنية من أجل إعادة تخليق مجال وطني مناسب للعيش المشترك بين هذه المكونات. ومن المعروف أنه وفي خلال الازمة طورت هذه المكونات ومرجعياتها السياسية قنوات تواصل مع قوى خارجية لدرجة تؤهل هذه القوى لأن تصبح شريكاً ومفاوضاً ينوب عن هذه المكونات، فإذا المكون السني يرى في السعودية وتركيا وقطر حلفاء طبيعيين يمكن الوثوق بهم في أي تسوية سياسية مستقبلية، فإن العلويين والمسيحيين يثقون بروسيا وإيران ولايرون أطرافاً أفضل من هاتين الدولتين تضمن حقوقهما.

إضافة لما سبق، فإن سورية المدمرة بناها الاقتصادية والإنتاجية، لا يمكنها العودة إلى حياة طبيعية بدون وجود تعاون دولي وإقليمي في هذا المجال يتكفّل إعادة إعماؤها، وهو الأمر الذي لا يستطيع ضمانه طرف واحد، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم.

سورية امام مرحلة جديدة ومختلفة، مرحلة تدخل فيها البلاد إلى غرفة الرقابة الصحية الكاملة من أجل إنقاذ ما تأخر إنقاذه او ما يمكن إنقاذه، والطبيب هنا مجموعة من القوى الإقليمية والدولية، ونجاح العملية يتطلب إستمرار حالة التوافق بين هذه القوى، وكذلك الإستناد إلى صيغ منطقية ومعقولة….فهل تتعافى البلاد وتخرج سالمة من غرفة العناية تلك؟.

ايلاف

—————————-

حروب السوريين المؤجلة إلى حين/ رستم محمود *

في رسالته التبريكية المصورة، صبيحة اقتحام قوات المعارضة السورية مطار منغ العسكري، وجه أشهر القادة الميدانيين للجيش السوري الحر، العقيد عبد الجبار العكيدي، كل الشكر والتقدير لـ»الأخ» أبي جندل، قائد التشكيل العسكري لـ»دولة العراق والشام الإسلامية» في تلك المعركة. حيث كان «القائدان» الميدانيان يقفان إلى جانب بعضهما بعضاً في ساحة ذلك المطار «المحرر»، العكيدي ببزته العسكرية الرسمية، وأبي جندل بهيئته التقليدية المحافظة، مرتدياً ثياباً وقبعة أفغانية.

ما وراء المشهد المباشر، يبدو واضحاً حجم التناقضات الهائلة، تلك التي لا بد أن تُباين بين دروب ومصائر هاتين الشخصيتين، في مستقبل البلاد القريب. فالجنرال العكيدي لا يمكنه إلا أن يبقى ملتزماً بالخطاب العام والخيارات السياسية العمومية للثورة السورية، وإن بالحد الأدنى. إذ سيبقى متمركزاً حول قيم «الوطنية» السورية والدولة المدنية والعملية الديموقراطية والمواطنة السورية…الخ، فهذا النمط من الخيارات هو الجوهر التأسيسي لاستحواذه على شرعية انشقاقه عن الجهاز العسكري للنظام السوري. فيما لن ينفك «الأخ أبي جندل» عن سعيه الحثيث لتأسيس سلطة ثيوقراطية قروسطية، عبر مشروع مبني على التسلط السياسي والهيمنة الاجتماعية. إنه مشروع عابر للكيانات والتوافقات السياسية وتوازنات المجموعات، مشروع غير مبال بسياق التاريخ وفروض الجغرافيا والديموغرافيا، تلك التي لا يمكن لشخصية في موقع الجنرال العكيدي إلا الالتزام بها.

المؤكد أن صِداماً حتمياً لا بد أن يندلع بين المشروعين في المستقبل المنظور للبلاد. والغريب، غياب أي مظهر لذلك الاحتراب المحتوم المُنتظر. فالطرفان، ولحاجات ودواع سياسية راهنة ملحة، يحافظان على مستوى عال من الانضباط الميداني المتبادل بينهما، وهما متوافقان على رمي كل تناقضاتهما الذهنية وشروخهما السياسية في مساحة «المؤجل من القضايا»، فمواجهة النظام السوري أولوية مطلقة، لا تفوقها أية مسألة، ولا يوازيها أي اعتبار.

على جنبات اللوحة السورية، تتناثر حالات كثيرة مطابقة لهذا: حيث في كل حالة جماعتان سوريتان سياسيتان، كل واحدة منهما مسلحة وممارسة لأشكال مختلفة من العنف. لكن في العمق ووراء الأكمة، ثمة شروخ سياسية وأيديولوجية بين كل منهما، لكنها تباينات مضبوطة ولا تظهر في راهن العلاقة بين الجماعتين، بسبب ضرورات تفوقها قيمة وأولوية.

حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في شمال البلاد كمثال، يستحوذ بشكل شبه تام، على كامل التعبير العسكري والسياسي الكردي هناك، ولا يسمح لأي تنظيم أو جماعة عسكرية كردية أخرى بالظهور، محاججاً بأن وحدة الصف الكردي هذه هي الركيزة الأهم لتقوية المجتمع الكردي في مواجهة الجماعات المتشددة. وهذه الأحجية تلاقي قبولاً عالياً في الرأي العام الكردي السوري. لكن لا يعني ذلك أن هذه الرواية ستدوم، مع أي تحول جوهري في مشهد الشمال السوري. فثمة أطراف سياسية كردية، تقليدية وذات وزن مقبول، لن تقبل إلا بمزاحمة الحزب المذكور، تلك المزاحمة التي لا تبشر بحتمية التوافق، وذلك بناء على تجارب اقتتال الإخوة – الأعداء التي اشتهر بها الأكراد في أكثر من دولة.

قوى الساحل السوري، تلك التي تبدو على قلب رجل واحد في معركتهم «الوجودية» الراهنة، ولا يتخلل توافقها أي خلاف. لكن الأكيد – مع التقادم – أنهم سينقسمون بين خيارين متصادمين، واحد سينزاح للدفع نحو أولوية حماية الطائفة وحفظ جغرافيتها الحيوية المباشرة، وآخر سيستبسل في الدفاع عن خلود حكم آل الأسد لعموم البلاد، حيث الصدام حتمي بين المشروعين.

حروب كثيرة ومختلفة الأحجام، تبدو وكأنها تتربص بمستقبل السوريين، كل واحدة منها ساكنة وباردة بالتوافق راهناً، تنتظر زوال عامل موضوعي أعلى، يمنع صدامها في الراهن، لكن إلى حين. وسورية لن تخلو من «حروب الثأر» الكثيرة بين الجماعات «المنتصرة» و»الخاسرة» في معركتها المفتوحة الآن، وكذلك لن تخلو من «حروب النفوذ» بين الجماعات «المنتصرة» في كل منطقة منها، ولن تبخل بحروب الصراع على هوية الدولة المستقبلية ودستورها، والأكيد أنها لن تخلو من حروب الجماعات الأهلية المتجاورة، حروب الذاكرة ومحاولة إعادة عقارب تاريخ ممارسات سلطات النظام التي كانت حروب نفوذ الدول الإقليمية ورغباتها بالهيمنة على السياسة الخارجية السورية، حروب رجال الدين ومافيات الاقتصاد، حيث تسعى كل واحدة منها إلى السيطرة على الرأسمالين المادي والرمزي في البلاد. إنها حروب كثيرة كثيرة، حروب مؤجلة إلى حين.

وحده التوافق الدولي، المبني على صيغة لتحقيق آمال السوريين، ولو بالحد الأدنى، وإلزام وضبط توابع هذه القوى الدولية، من فاعلين إقليميين وداخليين، هو ما قد يقلل، بعض الشيء، فظاعة ما ينتظر السوريين من شقاء.

* كاتب سوري

الحياة

السوريون في عين العاصفة!/ أكرم البني *

تتعدد آراء السوريين وتختلف مواقفهم من احتمال تعرض البلاد لضربة عسكرية، جراء اختلاف إصطفافاتهم وتباين ردود أفعالهم وإجاباتهم عن أسئلة مقلقة، حول جدية الغرب في تنفيذ تهديداته، وحول حدود الضربة وقوتها وزمنها، وما قد تخلفه من نتائج على الصراع الدائر ومسار تطوره.

ثمة من هم على يقين بأن لا ضربة عسكرية قريبة ولا من يحزنون، ودليلهم التردد والتناقض في المواقف الرسمية الغربية والإحالات إلى مؤسسات تشريعية تعرف كيف تلتهم الوقت، كمجلس العموم البريطاني والكونغرس الأميركي، وما لغة التهديد والوعيد سوى زوبعة في فنجان، إما لأن الدول الغربية تخشى الدخول في معركة غامضة ضد النظام وحلفائه وتتحسب من الانجرار إلى مستنقع يماثل حالها إبان احتلال العراق، وإما لامتصاص ضغط الرأي العام من صور مروعة لضحايا سلاح كيماوي سبق واعتبره الرئيس أوباما خطاً أحمراً، وفي الطريق تحسين الموقف الأميركي في قمة العشرين لحض الطرف الروسي على تسخين المعالجة السياسية للصراع السوري قبل فوات الأوان.

والأوان، يراه آخرون، ضربة عسكرية محدودة غرضها تأديبي. فمع ازدياد الحرج الأخلاقي والسياسي من استخدام أحد أسلحة الدمار الشامل، بات من الضروري إظهار العصا الغليظة كرسالة صريحة من المجتمع الدولي بأنه لن يقف مكتوفاً تجاه من يتجرأ ويتجاوز وسائل الصراع التقليدية، ويخلص هؤلاء إلى نتائج مثيرة للقلق حول قدرة النظام على تحمل هذه الضربة وتوظيفها إعلامياً، مرة بتنشيط الشعارات الوطنية ضد العدو الأجنبي للطعن بشعارات الحرية والكرامة، ومرة بالنيل من سمعة المعارضة وتشتيت صفوفها عبر مغازلة قوى يحتل الهم الوطني ومواجهة التدخلات الخارجية الأولوية لديها، ومرة بتحويل الأنظار عن المأساة الداخلية وما خلفه العنف المفرط من ضحايا وخراب، لتحرير الذات من المسؤولية وتحميل ما جرى ويجري للآخر المتواطئ، بما في ذلك شحن الدعاية الرسمية عن المؤامرة الكونية التي تتعرض لها البلاد بسبب موقفها المقاوم والممانع، وعن دول استعمارية لفقت قضية الكيماوي كي تسوغ مشاركتها المباشرة في الصراع حين استشعرت تحول ميزان القوى لمصلحة النظام، ولا يقيم أصحاب هذا الرأي اعتباراً لدوافع موسكو في إحجامها عن الدخول في حرب مع الغرب من أجل سورية، أو لدلالات تصريح رفسنجاني الأخير وما رشح عن تردد طهران، فهي عندهم مجرد مناورات، وحين تقع الواقعة لن تتخلى روسيا وإيران عن مصالحهما الكبيرة في المنطقة ولن تخذلا النظام، وربما تنتهزان هذه الفرصة لقلب الطاولة على رؤوس الجميع.

المعروف أن للسوريين حساسية خاصة تجاه المسألة الوطنية والتدخل الأجنبي بعد تجربة العراق، لكن حين يثار الجدل حول الضربة العسكرية ربطاً بصراع مدمر طال، وبمعاناة إنسانية شديدة، وبانسداد الأفق أمام أي بديل يمكن أن يردع آلة القمع ويضع حداً لعنف منفلت، تسمع آراء جديدة ما كنت لتسمعها سابقاً تعترف بحاجة البلاد اليوم الى تدخل أممي فاعل يخرجها مما هي فيه.

ليس غريباً أن يعلن سوريون عبارات واضحة عن تضامنهم وتأييدهم للضربة العسكرية، فهي عند المتضررين من عنف النظام رجاء طال انتظاره كي ترد عنهم بعض القهر والظلم، بخاصة أولئك الموجودين في المدن المحاصرة والمناطق التي خرجت عن سيطرة السلطة ومن النازحين واللاجئين في بلدان الجوار، فضلاً عن الكثيرين ممن بدأوا يستشعرون خطورة القادم وأنه أكثر سوءاً إن طال أمد الصراع الدموي، ويتطلعون الى دور دولي رادع يوقف العنف ويضع البلاد على سكة المعالجة السياسية.

وإذ تتفق أوساط سياسية وثقافية على تحميل النظام مسؤولية ما يحدث وأن إفراطه في العنف واستجرار الدعم الخارجي شكلا حافزاً صريحاً لتدخل الغرب عسكرياً، لكن بعضهم يرفض الضربة العسكرية ويحذر من تداعياتها في إجهاض الحل السياسي وتعزيز قوى التطرف والعنف لدى السلطة والمعارضة في آن، بينما على العكس يحذر آخرون من ضررها إن جاءت ضعيفة أو غير ناجعة وسمحت للنظام بالتقاط أنفاسه وتوظيف استمراره في الحكم كانتصار وبرهان على قوته وجدوى مواجهاته، وبين هذا وذاك ثمة من يأمل بأن تكسر الضربة المحدودة الاستعصاء القائم حتى لو دفع الصراع نحو المجهول، أو من يحدوه رهان بأن تفضي، في ظل الإنهاك المتزايد للقوى العسكرية والموقف المتردد لحلفاء النظام، إلى تفكيك الدائرة الضيقة المتمسكة بخيار العنف، وبلورة قوى من داخل تركيبة السلطة نفسها تزداد قناعة بضرورة المعالجة السياسية، وتبادر الى إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

يخشى الكثيرون من أن تفتح الضربة العسكرية الباب أمام الفوضى وانفلات الاقتتال الأهلي من غير رادع، إن مع انهيار دور الدولة وقدرة مؤسساتها على ضمان حياة الناس وحاجاتهم، وإن في منح الجماعات الاسلاموية المتطرفة الفرصة للنيل من الآخر المختلف ووضع أجندتها موضع التنفيذ من دون اعتبار لحقوق الناس وكراماتهم، وتحسباً من الفوضى، تسمع اصواتاً قوية تطالب بمزيد من الجهد لربط الردع العسكري الخارجي بإرادة أممية تضمن استقرار الأوضاع وترعى تنفيذ خطة طريق انتقالية تستند إلى المعايير الدولية لحقوق الانسان والقواعد الديموقراطية التي تمكن الشعب السوري من تقرير مصيره.

أين وصلت أحوالنا وأي غد ينتظرنا؟! هو سؤال قلق يتكرر على لسان غالبية السوريين بغض النظر عن اصطفافاتهم ومواقفهم، وكأن ثمة إحساساً عاماً بدأ يتملكهم جميعاً بالهزيمة والضياع وبرغبة صادقة في الخلاص من هذه المحنة، وربما هو شعور مشترك يتنامى من خطورة تصاعد العنف وما يخلفه من خراب ودمار وأعداد تتزايد من الضحايا والمعتقلين واللاجئين، أو هي خشية وحسرة بدأت توحدهم من استباحة بلادهم وتحويلها إلى ساحة صراع على النفوذ بين مختلف الأطراف الاقليمية والعالمية، وربما هو العجز والتوجس من راهن غامض ينزلق من أياديهم نحو الأخطر، ومن مستقبل لم تعد صياغته شأناً داخلياً.

* كاتب سوري

الحياة

فوضوا أوباما لضرب الأسد/ أحمد الجربا

بين كل الانتفاضات الشعبية في التاريخ الحديث، حظيت ثورة الشعب السوري بأكبر درجة من التوثيق. فعلى مدار عامين ونصف، عُرض القمع العسكري الوحشي لنظام الأسد أمام العالم في شهادات وصور ومقاطع مصورة التقطتها الهواتف المحمولة للسوريين المذعورين، ثم فيما بعد وعلى نحو متزايد، في تقارير لصحفيين دوليين محترمين.

ولا شيء أهم من أن نتذكر أن الشهور الأولى من الثورة تردد في صداها شعارات بملء القلب تقول “الشعب السوري واحد” و”سلمية”. حتى عندما صعدت قوات الأمن التابعة للأسد قمعها من إطلاق النار الحي إلى الضربات الجوية، ظل المحتجون يرددون وهم يحملون الأعلام والزهور بل وزجاجات الماء البارد ليقدمونه لقوات الأمن نفسها المكلفة بسحقهم. ودفعت الوحشية المنهجية باردة الدم للأسد السوريين إلى الدفاع عن أنفسهم والمقاومة المسلحة. ولو لم يعص آلاف من الجنود الشجعان أوامر النظام لقتل المحتجين ولم ينشقوا كي يشكلوا الجيش السوري الحر- وانضم إليهم تدريجياً مدنيون يدافعون عن أسرهم- لاستمر العنف الذي لا يصدق الذي مارسه الأسد دون رادع، لأن القمع لم يولد إلا لعدم اكتراث عام في المجتمع الدولي.

وأقنعت لامبالاة العالم وعدم حسمه الأسد بأنه لا يقهر وزادته جسارة في أن ينفذ فظائع بربرية في شعب أعزل. وشن الأسد أكثر هجماته الكيماوية دموية في 21 أغسطس الماضي في مناطق من دمشق ليقتل أكثر من 400 طفل ونحو 1000 من البالغين. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي استخدم فيها الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه ولن تكون المرة الأخيرة إذا لم يُمنع من ذلك.

ولم يلتفت أحد لعدد من التحذيرات، فقد كررت “نافي بيلاي”، مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، في فبراير الماضي دعوتها التي أطلقتها لأول مرة في ديسمبر 2011 بإحالة الأسد إلى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابه جرائم ضد الإنسانية. وناشد أنطونيو جوتيرس، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، المجتمع الدولي قائلا الأسبوع الماضي: “سوريا أصبحت أكبر مأساة في هذا القرن وكارثة إنسانية مخزية، بعد أن أصبحت المعاناة والنزوح بلا مثيل في التاريخ الحديث”

ورغم كل الأهوال، فالوضع اليوم أقل سوءاً، مقارنة بما كان يمكن أن يحدث لو لم يتم التصدي للأسد أو يُحمل مسؤولية جرائمه. فقد استغرق سعي المليون الأول من السوريين للجوء في الدول المجاورة عاماً كاملاً، لكن هروب المليون الثاني من وحشية الأسد، لم يستغرق إلا ستة شهور. فما حجم الخروج الجماعي بعد أن ينجو الأسد بفعلته في المذابح الكيماوية؟ فنحو ثلث سكان سوريا تقريباً بلا مأوى ومعوزون وعدم التحرك سيعزز نطاق الكارثة البشرية واليأس سيغذي التشدد خاصة إذا تم تنفيذ الهجمات الكيماوية.

ويبين التاريخ أن الأسد لا يفهم إلا الضوء الأخضر أو الأحمر ولا شيئا بينهما. فتقاعس العالم عن التحرك والحماية التي يوفرها له حلفاؤه، منحته، حتى الآن، حصانة ضد ما يمارسه من إرهاب في حق شعبه ومنطقته. ولا يعزز تردد أقوى دول العالم قوة نظام الأسد الشرير، فحسب بل يعزز أيضاً قائمة أولويات المتطرفين من الإرهابيين الذين يحذون حذو “القاعدة”، ويتسللون إلى سوريا من الشرق. فهم لا يقاتلون الأسد فحسب، لكن الأهم من ذلك، يقاتلون أولئك الذين يعارضون الأسد.

وكلما ظل نظام الأسد خارجا عن نطاق السيطرة، كلما استغل المتطرفون الوضع وتزعزع استقرار المنطقة برمتها.

اعترف أكثر من 100 دولة بينها الولايات المتحدة بالائتلاف السوري باعتباره ممثلا شرعيا عن الشعب السوري. وبموجب هذا الاعتراف، نطالب الكونجرس والشعب الأميركي أن يعرقل القدرات التدميرية للأسد. من فضلكم فوضوا أوباما ليتخذ إجراءاً ضد الأسد ليمنعه من السير في دربه الدموي. ومع تجاوز حصيلة القتلى 100 ألف، يتواصل مسعانا لتحرير بلادنا من هذا النظام القاتل وحماية شعبنا، لكن لا يستطيع أحد إلا الولايات المتحدة منع الأسد من استخدام أسلحته الكيماوية مرة أخرى.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى