صفحات الناس

مليارات سورية في مصارفنا؟/ بلقيس عبد الرضا

كثيرة هي التصريحات التي تناولت حجم الودائع السورية في لبنان، وكثيرة هي التقارير التي تناولت آلية عمل المصارف اللبنانية مع الأموال الآتية من سوريا. 11 مليار دولار، رقم تناوله أحد تقارير الاسكوا أخيراً، فيما شكك القيمون على إدارة المصارف في لبنان ببلوغ الودائع هذا الرقم. وبسبب غياب الرقم في لبنان، وغياب الإحصاءات فتح الباب على مصراعيه أمام مختلف ألوان التكهن، إلّا ان سياسة التكهن في لعبة الأرقام المصرفية تضع السمعة اللبنانية على المحك. وبين تقارير الإسكوا، والرد المضاد من القيمين على ادارة القطاع المصرفي، يطرح السؤال ما هو حجم الأموال التي دخلت المصارف اللبنانية منذ بدء الثورة السورية؟ وما هي تداعيات تهريب الأموال السورية وتجميدها في القطاع المصرفي اللبناني، لناحية وضع لبنان على خريطة العقوبات الدولة؟ وهل لبنان، وتحديداً قطاعه المصرفي، بمنأى عمّا يجري اقتصادياً ومالياً في سوريا؟

تبنت الإسكوا في تقريرها حول “انعكاس النزاع السوري على الإقتصاد اللبناني”، وصول الودائع السورية في المصارف اللبنانية الى 11 مليار دولار. وعندما تتبنى منظمة دولية في تقريرها هذه الارقام، فهذا يعني ان العيون تتجه مجدداً نحو مصارف لبنان. بطبيعة الحال، لم يمر هذا التقرير مرور الكرام على الساحة المالية والمصرفية المحلية، حيث خصصت جمعية المصارف في اجتماعها الاخير رداً مباشراً على ما تم تسميته “شائعات”، نافية ان تكون الودائع السورية في المصارف اللبنانية وصلت الى هذا الرقم، واعتبرت أن الغاية من وراء هذه التقارير التعرض لسمعة لبنان والنيل من القطاع المصرفي، كما جاء على لسان أمين عام  جمعية المصارف مكرم صادر، الذي اعتبر أن هذه “الشائعات” تروج لضرب السمعة المصرفية بالمجان.

وبين التقرير والرد كان واضحاً أن الجهتين لم تقدّما بيانات دقيقة تثبت صحة كلامهما، ويعود السبب في ذلك الى غياب الإحصاء من دائرة التعاملات اللبنانية، لكي تبقى الأرقام مجرد تكهنات تخدم فئات على حساب أخرى، و يبقى منطق التأويل سيد الموقف.

وحسب أمين عام اتحاد المصارف العربية وسام فتوح، فإن “تقرير الاسكوا يفتقر الى المصداقية وان الودائع السورية التي دخلت المصارف اللبنانية لا تصل الى هذه النسبة لا من قريب و لا من بعيد”، مستنداً بذلك إلى جملة قواعد يعمل عليها المصرف المركزي. ويقول فتوح لــ “المدن”: “تعتمد الدول العربية ومنها لبنان الشفافية المطلقة في التصريح عن إدخال أموال وودائع سورية الى مصارفها، نظراً للعقوبات الاميركية التي وضعت على الأموال السورية، لذا فإن الحديث عن إدخال مبالغ طائلة وضخها في القطاع المصرفي اللبناني أمر مبالغ به، نظراً للمعايير التي وضعها حاكم مصرف لبنان، ونظراً للتشدّد في حجم المبالغ الموضوعة في المصارف من طريق التدقيق في حجم الأموال. اذ لا يمكن فتح حساب مصرفي بأكثر من 10.000 دولار أميركي، ولذا فإن تقسيم 11 مليار على 10.000 دولار يعني ان هناك مليون ومئة الف سوري ميسور الحال في لبنان، وبطبيعة الحال فإن هذا الأمر غير منطقي”.

ويضيف: “نعمل في لبنان وحتى في الدول العربية كإتحاد مصارف عربية على التدقيق المباشر في تحرك رؤوس الأموال السورية، نظراً لطبيعة الأزمة السورية ولإبقاء مصارفنا بمنأى عن أي تداعيات سلبية من جراء الأزمة”.

من جهة أخرى، تلفت مصادر مصرفية مطلعة لـ”المدن” إلى ان “هناك حركة دخول ودائع سورية من قبل رجال أعمال وصناعيين الى لبنان، وقد تم إدخال نسب كبيرة من أرصدة هؤلاء الى المصارف اللبنانية، وعمد بعضهم الى إستثمار الأموال عبر فتح مراكز عمل داخل الأراضي اللبنانية، ومن ثم إدخال الودائع عن طريق أرباح تحققها الشركات أو المحال التجارية التي بدأت العمل فعلياً على الأراضي اللبنانية”. وتضيف “ان هناك ارتفاعا فعليا في حجم الودائع لدى المصارف، وإن كان معظمها ودائع من المغتربين، الا ان للسوريين حصة لا بأس بها، لكنها لا تصل الى الرقم المشار إليه في التقارير الدولية”. وتؤكد المصادر “ان هناك رجال أعمال وصناعيين سوريين حازوا الجنسية اللبنانية العام 1994، وقد وضعوا قسماً من ودائعهم في المصارف اللبنانية بناء على الهوية اللبنانية”.

النفي من قبل المصارف، لم يمنع بعض الاقتصاديين من التشكيك في هذا النفي وإن توافقوا معه من حيث المبدأ. اذ يرى الخبير الاقتصادي ايلي يشوعي إن مبلغ 11 مليار دولار أو الحديث عن مليارات سورية في الجسم المصرفي اللبناني أمر مبالغ به. ويشرح لـ”المدن” أنه “إذا نظرنا الى حجم الأموال السائلة وغير السائلة من سيارات أو طائرات خاصة نلاحظ ان القيمة الإجمالية تفوق الـ11 مليار دولار”.

ويختم يشوعي قائلاً: “حتى الآن نجح مصرف لبنان في تطبيق أعلى المعايير الدولية لضبط السوق المالية اللبنانية، وذلك حرصاً على صورة القطاع عالمياً بعد موجة اهتزازات ضربت القطاع خاصة من قبل الولايات المتحدة الأميركية”.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى