صفحات الثقافةلقمان ديركي

ممنوع آزاد

 

لقمان ديركي

 لكي تسمي ابنك أو ابنتك اسماً كردياً في الشمال السوري عليك بمراجعة 13 فرعاً أمنياً  لتفوز بالاسم الذي أحببت أن تسمي به وليدك. وربما يتم الأمر أو لا يتم حسب الرشاوى التي يمكن أن تدفعها من بيض ودجاج وخرفان وديوك رومية وأموال.

أما في السبعينات فكان الأمر مستحيلاً. أنا نفسي سماني أبي “لقمان” لأنّهم رفضوا اسمي الكردي الأصلي “سردار” لأنه “أعجمي” كما قال المسؤول الأمني المكلّف تسجيل الأسماء. نعم، هناك حراس على أسماء مواليد الوطن. لا يمكن أن يكون هناك اسم كردي، الاسم الكردي خطر على أمن الوطن، خطر على وحدته.

إلا أن الأمر كان نعيماً بالنسبة إلينا أمام من سمّوهم أجانب وجرّدوهم من هوياتهم السورية العام 1962، فأصبحوا يعيشون ببطاقة تعريف حمراء شهيرة في الجزيرة السورية. وهؤلاء “الأجانب” لا حقوق لهم تحت سقف الوطن سوى أن يدرسوا من دون أمل بالحصول على وظيفة، وأن يعملوا من دون نيل ملكية. يعني بالعامية: “اعمل اللي بدك ياه بس ما فيك تاخد شي”. ويمكنك أن ترى في العائلة نفسها مواطنين وأجانب، فنحن مواطنون وبيت خالتي أجانب وهلم جراً. لذا يسجل الأجانب ملكياتهم بأسماء أقربائهم المواطنين كنوع من “تمشاية” الحال. لكن حال “الأجنبي” يبقى حلماً يداعب “مكتوم القيد”. فمكتومو القيد هم من المغضوب عليهم جداً جداً. لذا لم يجردوا من جنسياتهم فحسب، بل ألغيت الجنسيات نهائياً. إنهم أشباح يعيشون تحت سقف الوطن، يمكنك قتلهم لأنهم ببساطة غير موجودين، وتخيل الحال بالنسبة إلى العائلات التي استفادت من قانون التعليم الإلزامي فأرسلت أبناءها للدراسة، لكن هيهات يا معدوم الذات، فالولد وصل إلى الصف العاشر لكن الحكومة ترفض إعطاءه الشهادة. “ليش يا ابن الحلال؟ الولد نجح وعلاماته عال العال! إي صح بس هذا الأمر محال، أنتم غير موجودين، فكيف أعطي شهادة التاسع لشبح؟!”.

المهمّ ما لك بالطويلة يا طويل العمر، رحنا لندفع المعلوم من رشوة ورشوة ورشوة، لكن الحكومة عصلجتها من جديد: ليش اسم ابنك آراس؟! ليش التاني اسمه آزاد؟! والله هيك قرأت بمقال لرفيقي محي الدين عيسو اللي وافقوا على اسمه لأنه جايي عربي من الوكالة طخ، بس أخواته لأ، ممنوع آراس. ممنوع أمكيهان، ممنوع آزاد.

طيب ما في مجال للحوار؟! إي ليش لأ. في مجال، بنغير الأسماء، لازم أسماء عربية تليق بسقف الوطن، لعيونك ولعيون سقف الوطن رح غيّر الأسماء بس المهم تعملنا أجانب. هي القصة أنو نحنا بدنا نتحول من مكتومين إلى أجانب، بس حتى لو كنت أجنبي لازم يكون اسمك عربي، يا سبحان الله!

المهم زبدة السردة، قعدنا مع الوالد لاختيار الأسماء، ورحنا بعد ثلاثة أيام من العام 1997 لنسلمهم إياها. قام شفناهم عم يسلمونا بطاقات التعريف الحمراء تبع الأجانب، ما في داعي تعذبوا حالكم باختيار الأسماء، سميناهم أحلى أسماء، “أمكيهان” صار اسمها خاتون، و”آراس” صار اسمه باسل، و”آزاد” صار اسمه بشار! فتأمل يا رعاك الله. يا لطيف، يا ستّار.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى