صفحات الحوار

مناف طلاس: تمنيت لو أن الأسد أصغى إليّ.. وكنت أعتبر الحل الأمني انتحارا للنظام


قال في حوار مع «الشرق الأوسط»: من الصعب أن يتحمل شخص واحد المسؤولية في هذه المرحلة.. والمفروض أن يتعاون فريق من الداخل والخارج لهذه المهمة

العميد مناف طلاس خلال حواره مع «الشرق الأوسط» في جدة

طارق الحميد

بعد صمت، وتردد، قرر العميد مناف طلاس كسر صمته والتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن علاقته ببشار الأسد، والانشقاق عنه، والأوضاع في سوريا، وكيف يرى المستقبل هناك، وإذا ما كان من دور يبحث عنه في سوريا المستقبل. أجري الحوار مع العميد مناف في مدينة جدة على الساحل الغربي من المملكة العربية السعودية، حيث قدم إلى السعودية لأداء العمرة، وكان لـ«الشرق الأوسط» معه هذا الحوار:

* لف الكثير من الغموض عملية خروجكم من سوريا، فما الذي حدث تحديدا؟

– كانت عملية خروج معقدة وأخذت الكثير من الوقت واشتركت فيها مجموعة من الأطراف، وأخذت فترة زمنية طويلة بعض الشيء، لكن لن أصرح عن طريقة الخروج.

* حماية لمن ساعدوك!! – حماية لمن ساعدوني.. صحيح..

* هل خرجت عن طريق مطار دمشق، تركيا، أو بيروت؟

– لا أستطيع تحديد المكان خشية تعرض البعض للمساءلة، أو معرفة الجهة أو الطرق، بالنسبة لي سأبقى صامتا، وربما في يوم ما سأكشف عن كيف تمت عملية خروجي من سوريا.

* لم تعلنوا انشقاقكم رسميا فور خروجكم، وعلى غرار من ينشقون عن النظام، فلماذا ترددتم؟

– أنا لم أتردد، فمنذ بداية الأزمة كنت مختلفا مع النظام على طريقة معالجة الأزمة، ونأيت بنفسي لفترة زمنية ثم أصبح هناك أخطاء كثيرة في طريقة معالجة الأزمة، ولم يكن لي رأي وقرار في هذا، لذلك فقد فضلت الخروج، ولم أحاول أن أكون طرفا في البداية من أجل أن أكون طرفا وفاقيا، ولكي لا أكون طرفا على حساب طرف، لأنه كان لا بد من معاونة كل الأطراف من أجل الخروج من الأزمة، فلهذا السبب لم أعلن انشقاقي.

* هل خروجكم هو جزء من مخطط العملية الانتقالية، بحيث توكل إليكم مهمة إدارة سوريا ما بعد الأسد، كما يتردد؟

– أنا لا أبحث عن السلطة، أنا أبحث عن الأمن والاستقرار لسوريا، وإذا أتيح لي أن أشارك كأي مواطن عادي في العودة لبناء سوريا فأنا جاهز، لكنني لا أبحث عن السلطة، ولم أخرج من سوريا لكي أقود المرحلة الانتقالية، فأنا أعي أن هذه المرحلة صعبة، ومن الصعب أن يتحمل شخص واحد المسؤولية في هذه المرحلة، فالمفروض أن يتولى فريق من الداخل والخارج التعاون لإنجاز هذه المرحلة، أما أنا فلم أخرج لأداء أي دور، أنا خرجت لأنني كنت رافضا المشاركة في الحل الأمني، وهذا هو سبب خروجي الأساسي.

* متى كانت آخر مرة التقيت بها بشار الأسد؟

– منذ عام تقريبا.

* هل دار بينكم حديث عن كيفية إدارة الأزمة، أو أي أمر آخر ذي علاقة؟

– لا لم يدر بيننا أحاديث، لكنني كنت أخالف الأجهزة الأمنية رؤيتها لإدارة الأزمة، وحاولت جاهدا أن أحلها بطريقة سلمية، لكن رأيت أن هناك توجهات للحل الأمني فانسحبت من ذلك المحيط، لأنني كنت أرى الأزمة معقدة وتحتاج إلى معالجة حقيقية وفرز لهذا الحراك ومعالجته بشكل صحيح، إلا أنني وجدت أن ما يتم هو تجميع لهذا الحراك ومعالجته بآلية واحدة وهي آلية النار، وكنت رافضا لذلك، فقد كان هناك من هم بحاجة للحوار، وبحاجة إلى أن يستمع لهم النظام، لكنه لم يستمع لهم، بينما أنا كنت ممن يفضلون محاورة الحراك، ولذا فقد نأيت بنفسي جانبا على مستوى العلاقة، وعن إدارة الأزمة.

* الجميع يعرفك بصديق الطفولة لبشار الأسد، فهل يعقل أنك لم تطرح عليه مباشرة، أو عبر وسطاء، نصيحة مفادها أن الحل الأمني غير ذي جدوى؟

– قمت بطرح ذلك، لكن في القضايا السياسية كان هناك صعوبات، وكما تعلم ففي الصداقة يحدث أن تنصح صديقا لعدة مرات ثم تجد أنك غير قادر على التأثير، فتقرر الابتعاد لعل أن يكون لبعدك نوع من التأثير.. لا أكثر ولا أقل، حاولت جاهدا، لكن كان هناك فريق آخر يعمل في اتجاه معاكس.. كنت أتمنى أنه أصغى لي.

* هل يمكن أن تصف لنا كيف يدار الحكم في سوريا، وتحديدا منذ اندلاع الثورة وحتى الآن؟

– هناك أجهزة أمنية تتلقى تقاريرها من أماكن الحراك وتقوم بالمعالجة بطرق أمنية وليس لديها بدائل، وكنت أفضل أن تكون العملية سياسية دون اللجوء للحل الأمني، ولذلك كانت المعالجة منذ البداية أمنية، وشاملة، وكنت أعي أن الدخول في الحل الأمني ثم التراجع عنه سيكون مكلفا، وخسائره كبيرة، لذلك كنت أعتبر الحل الأمني انتحارا للنظام، فكما قلت لك، فإن الخروج من الحل الأمني سيكون كارثيا حقيقة، فيوم عن يوم يزداد عدد الضحايا مما يعني أيضا صعوبة المصالحة يوما بعد الآخر، وهكذا.

* لماذا لم ينشق أحد من الساسة المحسوبين على الدائرة المقربة للأسد؟

– نحن لسنا بصدد البحث عن عدد أكبر من المنشقين سواء من الضباط الكبار، أو الوزراء، نحن نريد معالجة الأزمة التي وصلت إلى مرحلة خطرة جدا في سوريا، حيث باتت الأزمة تنحى مناحي قد تكون الغائية للآخر، ولذلك فليس المطلوب الآن زيادة المنشقين، بل إن المطلوب الآن هو إعادة رسم سوريا الجديدة. المهم أن نجد طريقة للوصول إلى حل لحماية الوطن من الانقسام، ومن الاقتتال الطائفي، هذا ما يجب أن نسعى إليه بأي طريقة كانت.

* هل ترى آفاق حل والأسد موجود في السلطة؟

– الاحتمالات باتت تصعب كثيرا، فبقاؤه في السلطة بعد كل هذه الأعداد من القتلى يعني أن الاحتمالات باتت ضعيفة.. أتمنى أنه لم يسلك هذا السلوك الأمني لبقي في السلطة، لكن الأجهزة الأمنية شوشت الرأي لديه، والأخطاء في السياسة أحيانا قاتلة.

* كيف تنظر للعملية التي استهدفت مقر الأمن القومي وذهب ضحيتها أربعة من كبار قيادات الأسد؟

– هي عملية خرق كبيرة، ولا بد أن يتوقف عندها النظام ويعيد التفكير بالمنحى الذي يسير فيه لأن هذه المناطق، مثل التي وقع التفجير فيها، يصعب اختراقها، وبالتالي فإن هذا يدل على أن الحراك أصبح متطورا جدا، ولا بد أن يتوقف النظام ويستمع لصدى هذا الحراك الذي إن لم يستمع له سيكون بمثابة الكارثة على النظام ككل.

* هل من معلومات عن ماهر الأسد، إذا ما كان حاضرا ذلك الاجتماع؟

– لا أعتقد أن ماهر الأسد من هذه الدائرة ليحضر هذا الاجتماع، فرتبته لا تخوله لكي يحضر هذا الاجتماع.

* سيادة العميد.. هل في تاريخك ما تخاف منه اليوم؟ هل تلطخت يدك يوما ما بالدماء؟

– لا، أنا من بداية الأزمة امتنعت عن المشاركة، وتحديدا من لحظة أن تحولت المعالجة إلى معالجة عنيفة، ويدي ليست ملطخة بالدم، ولا أقبل أن يسجل التاريخ يوما أن تكون يدي ملطخة بالدماء، فأنا أحاسب نفسي قبل أن يحاسبني التاريخ، ولا تهمني السلطة، ولا المناصب.

* هل تعتقد أن الوقت قد تجاوز إمكانية حدوث انقلاب عسكري في سوريا؟

– الانقلاب في سوريا صعب الحدوث لأن هناك تركيبة معينة، وآلية منهجية للنظام، تجعل الانقلاب من الداخل أمرا صعبا، لكن كان المفروض أن يكون الانقلاب من بداية الأزمة، وتمنيت أن من قام به هو الرئيس نفسه (بشار الأسد) لصالح الحل السياسي، والمواطنين، والإصلاحات.

* ما هو حجم الدعم المقدم للأسد من قبل كل من إيران، وحزب الله، والعراق، وبالطبع الروس؟

– تقدير هذا الموضوع صعب لأنه يخضع إلى مسألة الدول والمصالح، فمن الصعب تحديد حجم المساعدات لكن لننظر لمصلحة كل دولة وعلاقاتها بالدولة الأخرى، وما هو مدى تأثير هذه المصالح لديها.

* هل هناك مشاركة لقيادات أمنية إيرانية في عملية إدارة الأزمة بسوريا؟

– لم أر شيئا، لكن سمعت من أشخاص، أما أنا فلم أر أحدا لأنني لم يسبق لي أن كنت من أفراد إدارة الأزمة، فلذلك لا يمكنني الإجابة.

* الغرب يردد أن أيام بشار الأسد باتت معدودة، فهل تعتقد ذلك؟

– نحن لا نتمنى غير الخلاص السليم لسوريا بغض النظر عن عدد الأيام، فليس بمقدوري أن أحدد أياما أو شهورا، لكن أتمنى أن تنتهي الأزمة وسوريا بأقل الخسائر، وتستطيع استعادة عافيتها بسرعة أكثر، فكلما طالت الأزمة طال زمن استعادة سوريا لعافيتها، لذلك ليس بإمكاني أن أحدد وقتا، فهذا الأمر مرهون بتطور الأحداث على الأرض، وتطور الأحداث الدولية.

* من خلال معرفتك بالأسد هل تعتقد أنه من الممكن أن يتنحى، أم أنه سيسير على خطى القذافي إلى النهاية؟

– لا أعلم كيف يمكنني الإجابة على السؤال، فكل شخص يتعرض إلى ظروف معينة ويتفاعل معها بما ينسجم مع شخصيته، بينما لو تعرضت لها أنا لما تصرفت بذلك الشكل.. لكن لا يمكنني أن أجاوب إذا ما كان سيتنحى أو لا.

* استطاع بشار الأسد أن يروج بأن هناك دائرة متشددة حوله، مما أقنع الكثيرين، ومنهم البعض بالغرب، بأنه ليس هو الوحيد الذي يسير الأمور بدمشق، وعليه فهل الأسد هو من يدير الأزمة فعلا؟

– إنها قرارات الدائرة التي حوله..

* ماذا عن دوره؟ هل هو ضعيف؟

– لا، هو ليس ضعيفا، لكن هناك من سهل له حجم الأزمة من الدائرة المحيطة له، وبالتالي فضل أن يتعامل معها بهذا الإطار (الأمني)..

* أعلنت انشقاقك رسميا على قناة «العربية» فما هو تخطيطك الآن؟

– أنا أعلنت انشقاقي منذ بداية الأزمة، كنت منشقا وأنا في سوريا، فليس بالضروري أن يظهر المنشق على التلفاز ويقوم بالتصريح عن انشقاقه، لكنني كنت أتفاعل من بداية الأزمة كشخص منشق لأن إدارة الأزمة في هذا النظام كانت ضد قناعاتي ورغباتي وأنا لا أستطيع التعامل مع حلول هي ضد قناعاتي ورغباتي ولذلك انشققت عن هذا النظام.

* ما هو تخطيطك الآن؟

 تخطيطي هو أن أعيش في أمان مع عائلتي وأولادي في مكان آمن، وأتمنى أن يحصل ذلك لكل الشعب السوري، فإذا كان هناك أمان في سوريا وشعر به السوريون فسأكون من أول الموجودين بسوريا لأنني مواطن سوري ولا أقبل أن أكون في أمان وشعبي غير آمن، فأتمنى أن يتم الأمان في سوريا ويستطيع الشعب السوري كله العيش بأمان.

وبالنسبة للموضوع السياسي، وهل أشارك أم لا، فأنا من الأساس، وعندما خرجت، لم أضع في ذهني أمر المشاركة أو الدخول في مهمة سياسية، لكن إذا كان ذلك يخدم وطني، ويخدم الأمن والاستقرار في سوريا فمن الممكن أن أشارك كمواطن عادي، أو كأي شخص يريد أن يساعد في حل هذه الأزمة. فهناك أناس وطنيون في سوريا، وفي الخارج، ونتمنى أن يكون هناك حل توافقي من دون أن تدمر سوريا. هناك الكثير من الشرفاء في سوريا، ومثلهم في الخارج، نتمنى أن يضعوا خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة بسلام، وبأقل الخسائر سوريا، لأن سوريا دولة متعايشة بأقليات، وإثنيات مختلفة، وبقوميات تحتاج إلى مساحة آمنة لتعيد تطبيب جراحها التي نزفتها في هذه الأزمة، فأتمنى أن تكون هناك جهات وطنية حقيقية شريفة تساعد في لأم هذا الجرح، ومنع سوريا من التدهور الذي بات يهدد مستقبلها، فأتمنى أن تسير سوريا في خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة.

* هل ستقوم بالتواصل مع المجلس الوطني السوري، والجيش الحر؟

– سأتواصل مع كل شريف يريد بناء سوريا، سواء كان المجلس الوطني، أو الجيش الحر، أو إن كان في الداخل، أو الشرفاء وإن كانوا في داخل النظام. سأتواصل مع الجميع لنجد خارطة طريق للخروج من هذه الأزمة، فليس هناك أحد معفي من عدم التواصل، ومع كل شريف، وهناك أشخاص كثر في النظام أياديهم لم تلطخ بالدماء، ولم يشاوروا، وهؤلاء لا يجب اجتثاثهم، بل يجب أن نحافظ على المؤسسات الوطنية في سوريا ونحافظ على الدولة، ويكون التعامل فقط مع الأشخاص الذين أساءوا في إدارة الأزمة، أما الآخرون من المواطنين السوريين الشرفاء فلا يمكن اجتثاثهم من المجتمع السوري. نتمنى أن تصل هذه الفسيفساء السورية إلى خارطة طريق لتعيد رسم سوريا بطريقة حضارية مثل ما كانت، وأجمل.

* من دون بشار الأسد! – لا أرى سوريا ببشار الأسد.

* كيف هو تواصلك مع المجتمع الدولي منذ خروجك من سوريا؟

– أبحث مع الشرفاء خارج سوريا للوصول إلى حل توافقي مع الشرفاء داخل سوريا. خرجت لأحاول، ولا أستطيع القول بأنني قادر، لكن أحاول أن أساعد قدر الإمكان في توحيد الشرفاء داخل وخارج سوريا لوضع خارطة طريق لإخراج سوريا من هذه الأزمة، سواء كان لي دور أو من دون دور، فأنا لا أبحث عن الأدوار بقدر ما أبحث عن خلاص سوريا من هذه الأزمة.

* وماذا عن زيارتك للسعودية؟

– أنا سعيد بوجودي في المملكة العربية السعودية، وسعيد لتمكني من أداء العمرة. فالسعودية دولة صديقة لسوريا، ومن الأخطاء الاستراتيجية للنظام أنه فقد هذه العلاقة مع السعودية، وأتوقع أن تكون دائما علاقة السعودية وسوريا علاقة وطيدة لأنهما يملكان نفس البوصلة إن كان من الناحية الإيمانية، أو من الناحية الوطنية، أو القومية العربية. ولذلك جئت إلى السعودية للسلام على إخواننا السعوديين، ولنرى ما هي إمكانية مساعدتهم لنا في وضع خارطة الطريق هذه، إضافة إلى أصدقاء آخرين في المنطقة والمجتمع الدولي، فأي إنسان يستطيع مساعدة سوريا بهذه الأزمة نتعامل معه، فما بالك بالسعودية وهي دولة شقيقة ولا يجب أن تقطع هذه الشعرة مع السعودية، لأنها دولة ذات قيم ومبادئ، ودولة ساعدت الشعب السوري بمناح كثيرة بدءا من حرب «تشرين» (أكتوبر 1973) حيث أرسلت بعض القوات، إضافة إلى المساعدات الاقتصادية، ونحن نتمنى أن تكون هناك دائما علاقة صداقة وود بيننا وبين الإخوان السعوديين.

وبالطبع أستغل هذه الفرصة لأشكر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على إتاحة هذه الفرصة لي لزيارة السعودية، وعلى كل ما يقدمه من وقفات ومساعدات للشعب السوري، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على النخوة العربية التي يتمتع بها خادم الحرمين.

* بروفايل

* العميد مناف طلاس (في منتصف الأربعينات) لعب دور والده العماد مصطفى طلاس، الذي لازم الأسد الأب واستمر في رئاسة وزارة الدفاع طوال حكمه في الفترة 1972-2004. وكان مناف الصديق المقرب لباسل الأسد شقيق النجل الأكبر لحافظ الأسد والذي كان مرشحا لوراثة حكم سوريا عن والده لولا أنه توفي عام 1994، لتذهب التركة إلى النجل الثاني بشار الأسد بما فيها صداقة مناف طلاس، حيث ظهر للإعلام عام 2000 مع تولي الأسد الابن الحكم. ورأس طلاس الوحدة 105 التابعة للحرس الجمهوري، ليكون أحد أركان الدائرة المحيطة بالرئيس ويظهر معه في تحركاته الخاصة ذات الطابع الاجتماعي والثقافي بعيدا عن أضواء الإعلام.

وبحسب مقربين من النظام، فقد حرص مناف طلاس على متابعة سيرة والده العماد مصطفى طلاس في تقريب المثقفين والفنانين والإعلاميين من خلال التواصل معهم بعلاقات شخصية ودعمهم بشكل غير مباشر، مع فارق أن العماد مصطفى اقتصر دعمه على الترفيه وممارسة العمل الثقافي، بإصدار كتب وافتتاح معارض وتلبية حاجات المثقفين من الدولة، بينما عمل مناف والمجموعة المحيطة به على تشجيع العمل الثقافي والفني من خلال منح هوامش أكثر اتساعا للنقد تحت الخط الأحمر الخاص برأس النظام، وذلك بالتواكب مع برنامج الإصلاح الذي وعد به الأسد الابن ليعطي الشرعية لوراثته الحكم.

إلا أن ذلك لا يعني أن دور عائلة طلاس في حماية النظام وتلميعه بقي على حاله، فمع صعود طبقة رجال الأعمال من الجيل الثاني من أقارب الرئيس – مخلوف وشاليش والأخرس – بدأ دور عائلة طلاس يتراجع، فرجل الأعمال فراس طلاس النجل الأكبر للعماد مصطفى صديق الأسد الأب صعد في التسعينات ليكون الأول في عالم الأعمال السوري في وقت لم يكن مسموحا فيه لغيره بالعمل في القطاع الخاص بسبب النظام الاشتراكي الذي انتهجه حافظ الأسد لثلاثة عقود أرهقت البلاد وحولتها إلى ملكية خاصة بالطبقة الحاكمة باسم الحزب الواحد. وبعد رخاء واستفراد بالأعمال وجد فراس طلاس نفسه منذ عام 2000 غير قادر على منافسة رامي مخلوف ابن خال الرئيس وشريكه في الأعمال، والذي ابتلع كل الاقتصاد السوري مع التوجه إلى الخصخصة وتمويت القطاع العام، تحت شعار اقتصاد السوق المفتوح الذي كان عمليا استئثارا من العائلة الحاكمة بالحصة الكبرى من الاقتصاد، وللمسؤولين في الدولة والحزب والجيش وأبنائهم ما تبقى من الاقتصاد.

ليأتي عام 2011 ويحصل الانفجار، ويكشف المستور من الصراع الخفي على التركة السورية. وتقول مصادر مطلعة إن فراس سارع إلى نقل أعماله إلى الخليج منذ بداية الأزمة، ومن ثم انتقلت العائلة (طلاس الأب والأحفاد) تباعا، ليبقى مناف طلاس إلى جانب بشار الأسد، حيث طلب منه القيام بدور في المصالحة مع أهالي درعا وأهالي الرستن. وبينما كادت جهود مناف تنجح بما منحه من وعود للأهالي، نكث بشار الأسد بالوعود وانقضت أجهزته الأمنية على الأشخاص الذين لبوا دعوات الحوار والمصالحة وتكلموا بصراحة عما يجري من فظاعات، الأمر الذي أحرق أوراق مناف طلاس، وجعله ينأى بنفسه، فكان يذهب إلى مكتبه ولا يتدخل في شيء، وحين سُئل من مقربين له قال إن الأسد طلب منه عدم التدخل.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى