“منتدى موسكو” –مقالات مختارة-
“منتدى موسكو” يتجاهل السياسة ويجمع النظام المعارضة… على الغداء والشاي/ ابراهيم حميدي
غابت عن البرنامج الذي وزعته الخارجية الروسية لـ «منتدى موسكو» الذي ينطلق اليوم بين ممثلي النظام السوري والمعارضة اي عناوين ومحاور سياسية باستثناء اللقاء الذي يجمعهم بوزير الخارجية سيرغي لافروف بعد ظهر الاربعاء، في مقابل تركيز موسكو على «الديبلوماسية الاجتماعية» وجمع الطرفين على وجبات الغداء المفتوح وتناول الشاي… على أمل جمعهم بـ «صورة جماعية».
ويتزامن انعقاد «منتدى موسكو»، الذي يستمر أربعة ايام، مع مرور سنة على انهيار مفاوضات «جنيف-2» بوساطة المبعوث الدولي السابق الاخضر الابراهيمي، نتيجة عدم اتفاق الجانبين على اولوية التفاوض بين تمسك الحكومة بـ «اولوية محاربة الإرهاب» وسعي «الائتلاف الوطني السوري» المعارض الى مناقشة تشكيل «هيئة حكم اننقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة»، بحسب «بيان جنيف» الصادر في منتصف 2012.
ولم يستطع الابراهيمي وقتذاك اقناع وفد الحكومة بإجراء «مفاوضات موازية» حول ملفي الارهاب والهيئة الانتقالية، بل ان رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري لم يسمع الى عرضه قدمه رئيس وفد «الائتلاف» هادي البحرة عن مهمات ومبادئ تشكيل الهيئة الانتقالية الذي جاء في 24 صفحة.
اما الآن، يقاطع «الائتلاف» الحوار في العاصمة الروسية، مقابل مشاركة شخصيات معارضة وقادة «هيئة التنسيق الوطني للتغيير الديموقراطي» التي يسعي بعض قادتها الى منافسة «الائتلاف» على قيادة المعارضة عبر الزج بمعظم قيادييها في داخل البلاد وخارجها في موسكو. وتسلحت «هيئة التنسيق» بـ «وثيقة القاهرة» التي توصل اليها اول امس معارضون بينهم شخصيات من «الائتلاف».
وبحسب البرنامج التفصيلي، الذي حصلت «الحياة» على نسخة منه، اطلقت الخارجية الروسية على الحوار «ساحة روسيا لإجراء الاتصالات التشاورية السورية – السورية»، بحيث يعقد وراء ابواب مغلقة في الصالة الخضراء في دار الضيافة الصغيرة في مبنى الخارجية. وينطلق الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم بـ «تسجيل» المشاركين اسمائهم قبل ان يلقي فيتالي فيتشيسلافوفيتش ناؤمكن مدير معهد الاستشراف التابع للاكاديمية الروسية للعلوم كلمة افتتاحية باعتباره «منسقاً» للحوار ثم يفتح الباب امام الحاضرين لـ «التعارف» على اساس ان عدداً من المعارضين لا يعرف احدهم الآخر نتيجة كون عدد منهم «في المهجر» وقدوم آخرين من دمشق و «معارضة الداخل» والاحزاب التي رخصتها الحكومة في السنتين الماضيتين.
وبعدما «يتعرف ممثلو المعارضة والمجتمع المدني على بعضهم بعضاً» في الطابق الاول، ينزلون الى بهو دار الضيافة لـ «الاستراحة وتناول الشاي والقهوة والمرطبات» قبل ان يعودوا ثانية لـ «مواصلة الحوار» لفترة وجيزة ثم الخروج ثانية لتناول «غداء بوفيه» في «صالة كاريليا» على امل ان يتعرفون على بعضهم اكثر… خلال احضار الوجبات. وتتكرر كلمات «مواصلة الحوار» و «الاستراحة» طيلة برنامج اليوم الثاني من دون ذكر عناوين للحوار، الى ان يقوم ناؤمكن في السادسة من بعد ظهر غد بـ «تلخيص النتائج الاولية لحوار ساحة موسكو».
في اليوم الثالث، يقول البرنامج ان «ممثلي حكومة الجمهورية العربية السورية يشاركون» في الحوار مع «المعارضة السورية وهيئات المجتمع المدني السوري» مع فتح المجال لـ «نقاش عام» بين الحاضرين لنحو ساعة ونصف الساعة قبل خروجهم ايضاً الى بهو المبنى لمدة ربع ساعة لـ «استراحة تناول الشاي والقهوة والمرطبات»، قبل ان يصعدوا ثانية الى «الصالة الخضراء»، حيث يقدم «رئيس الوفد الحكومي» السفير في الامم المتحدة بشار الجفعري «مداخلة» لربع ساعة.
ومن المقرر ان تعقب ذلك كلمة لـ «ممثل المعارضة» من دون اتفاق الى الآن على من سيلقيها ومضمون هذه الكلمة، وما اذا كانت ذاتها «وثيقة القاهرة» التي لم يشارك في صوغها بعض المشاركين في موسكو مثل رئيس «منبر النداء الوطني» سمير العيطة ونائب رئيس «تيار بناء الدولة» منى غانم وسط حديث عن تكليف الفنان جمال سليمان بحمل الوثيقة الى العاصمة الروسية. وعلمت «الحياة» ان صراعاً خفياً يدور بين شخصيات معارضة وان اكثر من شخص منهم ابلغ الخارجية الروسية انه يريد «تولي هذه المهمة» وتلويح اخرين بالمقاطعة اذا لم يقوموا بذلك. ويتردد ان سهير سرميني القادمة من دمشق بـ «توصية» من الحكومة السورية، ستلقي «مداخلة ممثل هيئات المجتمع المدني».
بعد ذلك وفي حال حصول تسوية ما، يخرج الجميع الى تناول الغداء المفتوح، قبل العودة الى «مواصلة الحوار بين الاطراف» لساعة ونصف الساعة، استعداداً لانتقالهم جميعاً الى «صالة شباليرني» في دار الضيافة الكبيرة للقاء لافروف الذي سيلقي كلمة و «يتحاور» مع المشاركين لحوالي ساعة، قبل ان يلخص ناؤمكن «النتائج المرحلية المحتملة».
خصصت الخارجية في برنامجها اليوم الأخير، الخميس لـ «الحوار بين ممثلي الحكومة والمعارضة وهيئات المجتمع المدني السوري» من دون تفاصيل، مع املها ان تساعد «الاستراحة والشاي والقهوة والمرطبات» منسق الحوار في الواحدة من بعد ظهر للوصول الى «الاقرار المحتمل لنتائج اللقاء السوري الاول بما فيها التوافق حول مواعيد استئناف اعمال ساحة موسكو». ويختتم الحوار بـ «صورة جماعية للمشاركين» تؤخذ في بهو دار الضيافة الصغيرة، قبل عودتهم الى فندق «بريزيدنت».
الحياة
موسكو “ممر إجباري” أمام السوريين/ سليمان يوسف يوسف
تعاظم دور التنظيمات الاسلامية المتطرفة في الحرب السورية وسيطرة “تنظيم الدولة الاسلامية – داعش” على مناطق واسعة من سوريا والعراق واعلانها “دولة خلافة اسلامية”. هذه التطورات الميدانية وغيرها التي استجدت على المشهد السوري المضطرب، دفعت الادارة الامريكية الى تشكيل تحالف عسكري دولي/عربي تحت شعار “محاربة الارهاب”. كذلك اضطرت( الادارة الامريكية ) الى اعادة النظر بحسابتها ومواقفها مما يحصل في المنطقة، وتراجع اهتمامها بالقضية السورية، حتى أن ( رحيل بشار الأسد ) لم يعد شرطاً أمريكياً لأي حل سياسي للأزمة السورية. جاءت الجريمة الارهابية على جريدة “شارلي ابدو” بباريس في السابع من هذا الشهر، التي نفذها ارهابيون اسلاميون متشددون مرتبطون بتنظيم القاعدة ، لتدق ” ناقوس خطر الارهاب على أوربا” وتشغل فرنسا والغرب عموماً أكثر فأكثر بمسألة الارهاب وتراجع اهتمامهم بالقضية السورية، الواقعة أصلاً ضحية تنافس وتعارض مصالح القوى العظمى في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
الروس، ابرز حلفاء النظام السوري وأكثر الداعمين له سياسياً وعسكريا، قرأوا جيداً هذه التطورات وما صاحبها من تغير في المناخ السياسي، الاقليمي والدولي المتصل بالأزمة السورية، ومنها انطلقوا بتحركهم الدبلوماسي الجديد – بمباركة امريكية غربية- واطلقوا دعواتهم لشخصيات سورية من مختلف الولاءات السياسية والانتماءات العرقية والدينية، إلى ” لقاء تشاوري” نهاية كانون الثاني الجاري ،على أن يعقبه لقاء بين وفد المعارضات وممثلين عن النظام ، للتحاور حول الحلول والمعالجات السياسية الممكنة للحرب السورية. المستفيدون من استمرار الكارثة السورية سارعوا الى وضع الفخاخ في طريق موسكو1. إما من خلال رفض المبادرة الروسية والتشكيك بأهداف التحرك الروسي أو من خلال وضع شروط تعجيزية لمشاركتهم في لقاءات موسكو. في مؤتمر صحافي قال رئيس الاتلاف الوطني المعارض (خالد خوجا)، القريب من تركيا و المحسوب على التيار الاسلامي: “بحسب ما تدعو موسكو، المطلوب هو حوار مع النظام، وهذا غير وارد بالنسبة إلينا.. لا يمكن الجلوس مع النظام على طاولة واحدة سوى في إطار عملية تفاوضية تحقق انتقالا سلميا للسلطة وتشكيلا لهيئة انتقالية بصلاحيات كاملة”. وكانت قيادة الاتلاف في اجتماعات الهيئة العامة الأخيرة في إسطنبول قد هددت بفصل كل عضو اتلاف يذهب الى موسكو للمشاركة في الحوار مع ممثلين عن النظام. أما معارضات الداخل الممثلة في هيئة التنسيق تركت الحرية لأعضائها المدعوين لموسكو حرية المشاركة من عدمها.
ثمة حاجة وضرورة وطنية لتعاون المعارضات السورية مع الروس لأجل وقف الحرب بين السوريين وعلى السوريين، وقد باتوا مجرد وقود رخيصة في هذه الحرب الكارثية. فالثابت تاريخياً ، أن من هو جزء من مشكلة ما ، سياسية كانت أو غير سياسة، يمكن له أن يكون عنصراً فاعلاً وإيجابياً في حل هذه المشكلة، إذا ما رُعيت مصالحه. وهل بمقدور معارضات ضعيفة متشرذمة ،عاجزة عن حسم الصراع لصالحها ، تجاوز مصالح ودور الروس في أي حل للأزمة السورية؟. وهل من خيار آخر أمام السوريين سوى الذهاب الى موسكو، خاصة وقد تخلت الادارة الامريكية عن “الملف السوري” -على الأقل حالياً – ووضعته في عهدة الروس؟.
طبعاً ، من غير المتوقع أن تفضي لقاءات موسكو1 الى اتفاق نهائي بين أطراف النزاع في سوريا. فلا النظام ذاهب لتسليم السلطة للمعارضة ولا المعارضة ذاهبة للتوقيع على ورقة بيضاء للنظام. لكن يمكن لهذه اللقاءات أن تضع سوريا على سكة الحل إذا ما توفرت الجدية والمصداقية لدى المتحاورين. على النظام أن يكون مستعداً لتقديم تنازلات سياسية مهمة للشعب السوري، الذي انتفض لأجل أنهاء كل أشكال الاستبداد والفساد والانتقال بسوريا الى دولة مدنية ديمقراطية تعددية تحقق العدل والمساواة لكل أبنائها ويُحترم فيها حقوق جميع مكونات الشعب السوري. وعلى المعارضات السورية أن تبدي استعداداً للدخول مع النظام في مرحلة انتقالية والتعاون معه لأجل إنهاء المأساة السورية. فمن دون توافق السوريين على حل سياسي ما يحظى بتوافق اقليمي ودولي ، يستحيل اعادة توحيد بلادهم(سوريا) المقسمة بين الميليشيات والفصائل المسلحة و تطهيرها من التنظيمات والمجموعات الاسلامية المتطرفة والارهابية. فشل موسكو1 يعني المد في عمر الحرب السورية سنوات أخرى وسفك مزيد من الدم السوري وتدمير مزيد ومزيد من المدن والبلدات السورية والتحاق أفواج جديدة من النازحين والمشردين واللاجئين السوريين بمن سبقهم الى مخيمات النزوح واللجوء والهروب الى المنافي. فهل أدرك من يزعم بأنه يمثل الشعب السوري(سلطة و معارضة) مخاطر فشل موسكو1؟
كاتب سوري
ايلاف
أسباب التحرّك الروسي حيال الأزمة السورية/ عمر كوش
ينطلق التحرّك الروسي حيال الأزمة السورية من تطلّع الساسة الروس للقيام بدور وسيط، يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة، لكن حيثيات تحركهم مشدودة إلى طرف النظام، وتحاول إعادة تأهيله وتلميعه، بالنظر إلى الدعم العلني الذي قدمته روسيا إلى النظام السوري، وعلى مختلف الصعد، منذ بدء الثورة السورية.
ولا تبتعد حيثيات التحرك الروسي عن فرضية، مفادها أن النظام والمعارضة وصلا إلى نهاية الطريق في الأزمة، وأن حالة من الاستعصاء باتت تسود الوضع، بعدما تبيّن أن قوات النظام غير قادرة على استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، ما يعني أن النظام لم يعد يحكم كل سوريا. بالمقابل، فإن المعارضة أيضاً أضحت غير قادرة على الحفاظ بجميع المناطق الواقعة تحت سيطرتها، أمام هجمات النظام من جهة، وهجمات التنظيمات المتطرفة، خاصة «جبهة النصرة»، وتنظيم «داعش»، من جهة أخرى، الأمر الذي يقتضي توحيد جهود المعارضة والنظام للوقوف بوجه التنظيمات والمجموعات الإرهابية.
ويبدو أن أسباب التحرّك الروسي تتلخص في محاولة روسيا العودة إلى المشهد السياسي الدولي، عبر بوابة الأزمة السورية، وذلك بعد أن بقيت على الهامش، ولم تلتحق بالتحالف الدولي والعربي في الحرب على داعش، الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
ويعي الروس أن الولايات المتحدة الأميركية منخرطة في الحرب على تنظيم «داعش»، ومنشغلة في هذه الحرب، بوصفها أولوية قصوى لديها، وعدم وجود أي تصور لدى الإدارة الأميركية لحل الأزمة السورية، خاصة بعد انهيار مفاوضات جنيف -2، التي كان لموسكو دور كبير في إفشالها.
ومع طول أمد الازمة، بدأت روسيا تشعر بالإنهاك والتعب، خصوصاً بعد الهبوط الحاد لأسعار النفط، وتأثيرها، إلى جانب العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية، على الاقتصاد الروسي، الذي انعكس في صورة أزمة خانقة، وانهيار سعر الروبل، وبالتالي لم تعد موسكو قادرة على تحمّل التكلفة الباهظة لدعمها اللامحدود للنظام السوري، وخاصة إمداده المستمر بالسلاح.
وأظهرت حصيلة التحرّك الروسي، أن الساسة الروس يهمهم التركيز على الشكل من دون الاهتمام بمضمون ما يطرحونه، بل أن غموضاً مريباً يعتري مضمون الحوار الذي يتحدثون عنه، فلا شيء عن مسائل الحوار وقضاياه، ويربطون كل شيء بموافقة الطرفين، وهو مبدأ أدى إلى إفشال مفاوضات جنيف 2، إذ كان وفد النظام يرفض مناقشة أو طرح هيئة الحكم الانتقالية، كاملة الصلاحيات، فيما رفض وفد المعارضة التركيز فقط على قضية محاربة الإرهاب، التي كان يصر على بحثها وفد النظام، وساندته في ذلك الوقت موسكو.
غير أن الطروح الروسية تظهر أن التحرك الروسي هو في صالح نظام الأسد، الأمر الذي يفسر موافقته على المشاركة في المؤتمر التشاوري، بعد أن اطمأن إلى مختلف التفاصيل، وخاصة مصير رأس النظام، الذي تصر كل من روسيا وإيران على بقائه، وتعولان على أطراف في معارضة الداخل، واستعدادها للدخول في حوار مع النظام، والموافقة على حلٍّ شكلي، يهدف إلى إعادة الشرعية التي فقدها النظام، ويتجسد في صيفة حكومة تشارك فيها المعارضة مع النظام، ولا مانع في أن تتولّى رئاستها شخصية معارضة، شريطة قبولها بقاء الأسد في الرئاسة.
ويجد هذا السيناريو وجاهة في تأكيد موسكو للمعارضة السورية، أن مسألة بقاء الرئيس بشار الأسد أو رحيله «لن تُناقش» خلال لقاء موسكو، وان اللقاء التشاوري فيها، يدخل في سياق استمرارية الحوار الوطني، حسبما ورد في نص اتفاق جنيف-1.
ويبدو أن الساسة الروس يسعون إلى التركيز على الحوار الوطني الوارد في اتفاق جنيف- ، ويسقطون من حساباتهم أهم ما ورد في الاتفاق، وهو تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، بما يعني تخلي الأسد عن سلطاته لها.
ويظهر من طريقة الدعوات التي سلمت إلى المعارضة السورية أنها دعوات شخصية، وليست دعوات إلى الكيانات السياسية التي ينتمي إليها المدعوون. وتخلط بين المعارضة التي أوجدها النظام، وتعمل تحت كنفه وبين المعارضة التي تطالب بإسقاطه.
وتأخذ أطراف في المعارضة الروسية على التحرّك الروسي، بأنه تحرّك يشوبه الغموض، وفقدان الرؤية الواضحة، خصوصاً، في ما يتصل بالمسائل الأساسية، التي لا يمكن من دونها الحديث عن مبادرة، مثل عدم وجود ضمانات جدية، لجهة التزام موسكو بحمل النظام السوري على تنفيذ ما قد يتفق عليه، وفقدان الأطروحات الروسية للتصور العملي للمرحلة الانتقالية، التي لا يمكن تصور حل سياسي من دونها. يضاف إلى ذلك خوف المعارضة من سعي روسي إلى تهميش الائتلاف، وتقوية الجماعات المعارضة المرتبطة بموسكو.
ومع محاولات روسيا الوقوف في وجه أي حلّ، يفضي إلى نهاية نظام الأسد، فإنها تسعى جاهدة إلى لقاء بعض رموز المعارضة السورية، الذين راح بعضهم يحلم بأن شمس الخلاص السوري قد تشرق من موسكو. وهذا مستحيل، لأن قادة الكرملين هم داعمون أساسيون لنظام الأسد في حربه الكارثية ضد غالبية الشعب السوري.
ويبقى أن قادة روسيا لم يسهموا في حل أية قضية في العالم، سواء في زمن الاتحاد السوفياتي المندثر، أم في زمن ما بعد اندثاره، وبرهنوا على أنهم قادرون على تخريب وعرقلة طموح الشعب السوري في التغيير، والعيش من دون ظلم.
المستقبل
شتاء المبادرات السورية/ فاطمة ياسين
الجو بارد جداً، ولأول مرة، يتصدر الرقم صفر تقرير الموت اليومي في سورية، والفضل طبعاً للحراة المنخفضة، فالسبابة المتيبسة لا تقوى على الانحناء أكثر لتعصر الزناد.
البرودة التي جمدت الرصاص وقفت متفرجة على سيل المبادرات التي تدحرجت ككرة ثلج. روسيا، بوصفها لاعباً أساسياً، وطرفاً فعالاً يحّرض الإعلام، لينفخ في مبادرته التي أطلق عليها اسم “منتدى موسكو”، حتى تكاد أن تتحول إلى منطاد ضخم: اجتماعات ودعوات وتسخين شاشات الفضائيات، وكأن تصنيع الحل النهائي المناسب للجميع بدأ بالفعل، ولم يبق إلا أخذ القياسات، ومن ثم التفصيل.
عندما تدعو موسكو “من تراه مناسباً” للحضور، فهي تعرف أن بعضهم لا يمتلك خياراً غير الحضور، وآخرين ليس لهم إلا الرفض، وكأن الحل السوري كائن ينتمي إلى حساب ثنائي لا يقبل إلا إحدى نتيجتين، “ترو” أو “فولس”. وليبرهن بوتين بأن “يده فوق أيديهم”، راح يتعامل مع المعارضة بالمفرق، فهو لا يعترف بأي كيان معارض، ويوجه دعواته لــ”شخصيات”؛ محاولاً عزلها، وربما كسبها، وعلى الأغلب الاستفراد بها، ولاحقاً: التهامها.
قدم المبعوث الأممي اقتراحاً يناسب المناخ القطبي، فبدا متأثراً بالمنخفضات التي هبطت على المنطقة. اختار دي مستورا أكثر اللحظات برودةً، ليقترح تجميد خطوط القتال في حلب، مستوحياً قاعدة يتبناها القانون، عندما يكون عاجزاً عن الفصل بين المتنازعين تقول “يبقى الحال على ما هو عليه”، وتجميد الأوضاع يخلق واقعاً مختلفاً، ويفرض شرعية على كل الأطراف، وتصبح خطوط التماس المجمدة خطوطاً جغرافية، وربما خطوطَ تصدّع وطني جديد، تؤجل المعركة ولا تلغيها، وقد تقسمها إلى معارك صغيرة محولة الميليشيات على طرفي الخطوط الجامدة إلى وحدات جمارك، عملها الرئيسي الجباية من المارين، وتحصيل الضرائب على البضائع! إذاً، الحل لا يوقف القتل، ولكن يقسطه، ويمد في عمر النزيف إلى أجل غير مسمى.
أما المبادرة التي تظهر من وراء غطاء السوليفان الشفاف، مصرية، لا يظهر منها إلا الشائعات، فتبدو كمسلسل غامض طويل الحلقات. الساسة المصريون أصبح عملهم الرئيسي، قبل حل هموم مصر، شرح مقولات السيسي وخطاباته وتحركاته، فالتهافت السياسي المصري يصب في مصلحة الرئيس الذي تحول إلى كل شيء في البلاد. وعلى الرغم من الحجم الهائل لكلمة “مبادرة مصرية”، فإنك لا تكاد تشعر بوجودها، كأنها مجرد فبركة صحفي قادم من “الأهرام”، أو حلم لسياسي مبتدئ. حديث من هذا النوع يصب في مصلحة الرئاسة السورية، أكثر ما يفيد الشعب السوري، فآخر ما يحتاجه المواطن المسكين موضوع جدال جديد لا يقدم ولا يؤخر.
مبادرة بشار الأسد أطلقها منذ اليوم الأول للانتفاضة، وأكدها ليلة رأس السنة من خلف المتراس، منقولة من جبهة الجولان إلى جبهة جوبر، مبادرة لا تكترث لأوضاع المناخ، بل تعتمد على الجنود الذين ربت على أكتافهم، وهم يصوبون بنادقهم إلى حارة من حارات جوبر، مع أن الشريط الذي يحتله النظام، ويصل دمشق باللاذقية، يزداد ضيقاً. يعتمد النظام على قاعدة مالية في إيران، وقاعدة سياسية في روسيا، وبضعة كروت جديدة، أمنها له التطرف الذي انتشر في سورية كالضباب، فاستغله بشار “ليخطف رجله” إلى جوبر، حاقناً في وريد مؤيديه بعض الثقة، وملوحاً لداعميه بأن شعاره ما زال المتراس، ولن يتراجع عنه بمقدار كيس رمل واحد.
أما الجيوش الإسلامية في الداخل، فهي تتفق على “نبوة محمد”، وتختلف عما سواه، لن تقبل بوسيط مثل دي مستورا، وربما تبحث عن محكم “وَقَذَتْهُ العبادة” من طراز أبو موسى الأشعري، أو حتى عمرو بن العاص، تتطرف برغبها وتخلق لنفسها حضناً شعبيًاً بعنف الخطاب الديني القائم على السوط والسيف. هذه الجيوش معنية أكثر بتوسيع رقعة غنائمها، وما تزال ترى النظام خصماً أبدياً لها، ولكن لديها خصوماً مؤقتين، هم أشقاؤها في التدين. المبادرات بالنسبة لكل هؤلاء بدع، وكل بدعة ضلالة، يجب أن يُقَطَّع مُتَبَنُّوها من خلاف، ويُصلبوا على جذوع النخيل.
استحدث هؤلاء مبادرة جديدة لأنفسهم، فأخو البارحة هو عدو اليوم، من دون أن ينسوا التأكيد، عبر حادثةٍ كقتل الزانية الخمسينية، أخيراً، أن هذه العداوة تنحدر من المنبع نفسه الذي تتحرك مياهه صعوداً، باتجاه يخالف الجاذبية، ويعادي كل ما هو إنساني.
السؤال الآن: هل سيريحنا الربيع القادمُ من عبث المبادرات؟
العربي الجديد
منتدى موسكو : الركض خلف السراب/ علي العبدالله
بين زيارة وفد من معارضين سوريين برئاسة الاستاذ احمد معاذ الخطيب (7 و 8/ 11/2014) وموعد عقد لقاء موسكو تغّير شكل الدعوة ومضمونها وهدفها. فبين ما سمعه الاستاذ الخطيب ودفعه الى التفاؤل وتحول اللقاء الى “منتدى” مفتوح دون جدول اعمال او هدف محدد او نتيجة مستهدفة بون شاسع.
فما الذي تغير؟.
كانت المفاجأة التي لم تتوقعها موسكو ان يأتي رفض مبادرتها من حليفيها النظام السوري وايران. فما ان انتهت زيارة وفد المعارضين السوريين برئاسة احمد معاذ الخطيب، وانطلاق الحديث عن وجود “مبادرة” روسية حول سوريا واشاعة الخطيب اجواء من التفاؤل باحتمال “شروق الشمس من موسكو”، حتى جاء رد النظام وإهالته التراب عليها قبل ان ترى النور بإعلان مسؤول فيه “ان المبادرة حاجة روسية وليست حاجة سورية”، وتلميح جريدة الاخبار اللبنانية التابعة لحزب الله اللبناني الى رفض ايران للمبادرة بصيغة مواربة حيث قالت في ختام حديثها عنها “المعضلة في اقناع ايران بها”.
وقد أكد النظام بعد زيارة وزير خارجيته الى روسيا(26/11/2014) رفضه المبادرة وشكك في جدواها حيث سرب صورة مناقضة لما نقله الخطيب. فلا مرحلة انتقالية ولا حتى حكومة وحدة وطنية ولا مسّ بموقع الرئاسة، كل ما هنالك انضاج مناخ لانتخابات برلمانية تعددية تشارك فيها المعارضة قد تجري في العـــام 2015 إن أمكن ذلك أو تجري في موعدها الدســـتوري في العام 2016، وهذا سيعني “تقبل الطرفين لبعضهما” وخلق مناخ “لتشكيل حكومة وحدة وطنية”، وهو امر “أكثر واقعية من البحث في حكومة انتقالية أو حكـــومة وحـــدة وطنيـــة”.
عكست التصريحات الروسية التالية تراجعا عن التفاؤل السابق وتحدثت بحذر عن المبادرة وفرص نجاحها مكررة المعزوفة الأثيرة على قلب النظام عن محاربة الارهاب في سوريا، وعن مضمون القانون الدولي الذي يفرض التنسيق مع النظام السوري في محاربته. وجددت تمسكها ببيان جنيف، وفق قراءتها التي تقوم على اولوية محاربة الارهاب واعطاء رأس النظام دورا في المرحلة الانتقالية وحق الترشح الى الرئاسة في نهايتها، كأساس للحل وتهيئة الظروف لاستئناف عملية التسوية السلمية بموازاة محاربة الارهاب وتوحيد الجهود لذلك. وأكدت هذا التراجع قائمة اسماء الشخصيات المعارضة التي دعيت الى لقاء موسكو، حيث بينت توجه موسكو الى دعوة معارضين بالاتفاق مع النظام، حيث ضمت القائمة شخصيات اما على علاقة طيبة معها أو مع النظام، ودعوتهم بصفة شخصية، لضرب المعارضين ببعضهم وتمزيق أطرهم السياسية من جهة، والالتفاف على موقع ومكانة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، باعتباره ممثلا شرعيا للشعب السوري باعتراف أكثر من مائة دولة، بالإضافة الى اعتراف الأمم المتحدة به كمحاور من جهة ثانية.
لم تنجح تراجعات موسكو وتنفيذها لطلبات النظام بموافقته المسبقة على قائمة المدعوين، وتأكيدها على اولوية محاربة الارهاب، واضطرتها حاجتها الى عقد اللقاء، كنقلة في اطار الصراع مع الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة، الى تقديم تنازلات أخرى بسحب اقتراحها باعتبار لقاء موسكو مدخلا لجنيف3، سحب بيان جنيف من جدول الاعمال واعتماد صيغة اولية في المفاوضات، صيغة “دون ورقة”، لا جدول اعمال ولا هدفا محددا للحوار، والغاء اعتبار اللقاء مفاوضات بل حوارا مفتوحا دون جدول اعمال او شروط مسبقة قبل ان تعتبره لقاء تشارويا كما نقل “معارض” قريب منها “لقاء موسكو سيعقد لأنه تشاوري وتمهيدي ولن يحصل فيه تصويت او اتخاذ قرارات كبرى او تفاهمات سياسية” لتنتهي الى وصفه بـ “منتدى موسكو”.
لم تشعر موسكو بحرج سياسي من الاستجابة لكل طلبات النظام، بل وذهبت بعيدا في رفض طلب بسيط للمعارضة التي ارسلت تطلب اعادة النظر في صيغة الدعوة لتكون الى كيانات سياسية، وليس الى اشخاص بعينهم، وترك حق تحديد الاشخاص لهذه الكيانات، واخراج بعض الشخصيات من قائمة المعارضة واضافتها الى قائمة النظام، لأنها اقرب اليه، فقد ردت بالرفض واصرت على موقفها ولما رفضت بعض الشخصيات (الاستاذ احمد معاذ الخطيب) والكيانات السياسية (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وتيار بناء الدولة) المشاركة ردت بانها ستعقد المؤتمر بمن حضر، وهدد السيد لافروف الرافضين “بانهم سيفقدون دورهم في عملية التفاوض”. وزادت فاعتبرت، على لسان السيد لافروف، “ان الذين قاموا بهجوم باريس تدربوا على ايدي المعارضة السورية”، وطابقت بين فكرة تجميد الصراع في المدن التي طرحها المبعوث الدولي ستفان دي ميستورا والمصالحات التي يجريها النظام مع الكتائب المقاتلة في بعض الاحياء والبلدات التي تسيطر عليها تحت ضغط “التجويع حتى الموت” فوفق بيان الخارجية الروسية فان “مبدأ تنفيذ التجميد الموضعي يطبق بنجاح في منطقة الغوطة الشرقية لمدينة دمشق، حيث تمكنت السلطات من إبعاد حوالي ألفي شخص عن مناطق الأعمال العسكرية، وتنظيم وضع حوالي 450 شخصا من أفراد المجموعات المسلحة المعارضة، الذين اتخذوا قرارا بالتخلي عن الممارسات المسلحة”. وتابعت “نرى أن التجربة التي ستتراكم نتيجة مثل هذه التجميدات، ستكون مفيدة جدا، والطرق المستخدمة لحل أوضاع صعبة بهدف وقف العنف، يمكن أن يتم استخدامها في حلب”.
اربك رفض بعض الشخصيات والكيانات الموقف الروسي فلجأت موسكو الى احتواء السلبيات التي ستترتب على ذلك بخفض سقف التوقعات من اللقاء، فقد اعلن السيد لافروف :” إنه(اللقاء) يهدف إلى تجاوز أخطاء جنيف٢ الخطأ الاول: تغييب وتجاهل أطراف كثيرة من المعارضة السورية وتوجيه الدعوة إلى طرف واحد مقره في اسطنبول( يقصد الائتلاف) والخطأ الثاني: تحويل الفعالية الى استعراض سياسي وإعلامي بدلا من توجيه حوار معمق ومسؤول حول القضايا المطروحة”. وقال رئيس معهد الاستشراق، المستعرب الروسي فيتالي نعومكين، الذي يدير جلسات اللقاء، إنه سيعتبر المؤتمر ناجحا “إذا عمل الجانبان السوريان، النظام والمعارضة، سويا واتفقا على الاجتماع ثانية”.
لن يقبض الذاهبون الى موسكو الا السراب مع اقداح من الفودكا، لتسهل عليهم تجرع الخديعة ومنح البيعة، وصور لذكرى الخيبة والهزيمة.
المدن
ماذا بعد اجتماعات موسكو؟/ بكر صدقي
من المحتمل أن نظام دمشق الكيماوي يشارك في منتدى موسكو، كرمى لحليفه الروسي، بحماسة منخفضة، مقابل امتناع الأطر والشخصيات الرئيسية في المعارضة عن المشاركة. ويقال إن الإدارة الأمريكية ضغطت على هذه الأخيرة لدفعها إلى المشاركة، في إطار ما يتم تداوله مؤخراً عن تحول جديد في السياسة الأمريكية تجاه الأزمة السورية، أقل حساسية إزاء بقاء النظام.
الواقع أن الروسي ضمن بنفسه الفشل المسبق لمبادرته السياسية المزعومة، بالطريقة التي وجه بها الدعوات «الشخصية» لمن اختارهم، بما لا يتعارض مع مطلب النظام في صنع «معارضة» مناسبة على نمط «الجبهة الوطنية التقدمية» سيئة الذكر، مهمتها الوحيدة منح النظام شرعية خسرها منذ أربع سنوات. يبقى أن موسكو نجحت، بخلطة «الشخصيات» التي لبت الدعوة، في شيء واحد هو تمييع مفهوم المعارضة عموماً، فضلاً عن تحميل مسؤولية فشل الحل السياسي المزعوم للرافضين حضور المنتدى، أي تحديداً للائتلاف الوطني الذي كان قد فقد، لأسباب ذاتية وبنيوية، الكثير من وزنه وأهميته أصلاً في السنة الأخيرة، الأمر الذي تفاقم أكثر بعد صعود داعش وبداية الحرب الدولية الجديدة ضد الإرهاب.
يمكن القول، بهذا المعنى، إن النظام الكيماوي نجح بدوره في جر المجتمع الدولي إلى تبني رؤيته للمشكلة التي سوَّق لها منذ بداية الثورة الشعبية. وتقول هذه الرؤية إن الأمر كله لا يعدو كونه مجموعات إرهابية إسلامية تمردت على «الدولة» ويواجهها النظام بحرب شاملة، تماماً كـ»رؤية» الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إلى المقاومة الفلسطينية.
فشلت إسرائيل في إقناع العالم بأنها تدافع عن نفسها في وجه الإرهاب، مقابل نجاح شقيقها النظام الكيماوي في هذا «الإقناع»، ليس بسبب براعته في تسويق رؤيته، بل بسبب الصعود الفعلي للمكون الجهادي بين الفصائل المسلحة التي تقاتل النظام وتراجع وزن الفصائل غير الإسلامية أو الإسلامية «المعتدلة».
تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي يلقن فيه النظام ما «يتوجب عليه فعله» كان المؤشر الأبرز، بين مؤشرات أخرى، على التحول الجديد في المقاربة الأمريكية للأزمة السورية، وقد نزل برداً وسلاماً على النظام وحلفائه. وعلى رغم نفي الناطقة باسم الخارجية جين بساكي للتأويلات القائلة إن تصريح كيري المذكور يعني موافقة الولايات المتحدة على بقاء الأسد أو تراجعاً عن نزع الشرعية عنه، فالوقائع تعزز هذه التأويلات:
طيران النظام يواصل قصف المدنيين بحرية في المناطق الداخلة ضمن إطار عمليات طيران التحالف الدولي، في تناغم لا يعكر صفوه أي احتكاك أو حتى مجرد إنذار لفظي. بل تتحدث التسريبات عن تطمينات أمريكية للنظام بعدم استهداف قواته، نقلت إليه مباشرةً (إلى مندوب النظام الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري) أو عبر قناة الحكومة العراقية.
وما زال الخلاف الأمريكي ـ التركي قائماً حول الشروط التركية للانضمام بفعالية إلى التحالف الدولي، أي إقامة منطقة حظر طيران في الشمال المحاذي للحدود التركية، واستهداف قوات الأسد جنباً إلى جنب قوات داعش في الأراضي السورية، مقابل فتح قاعدة إنجرليك لاستخدام طائرات التحالف.
مع العلم أن الحكومة التركية سبق وحصلت على إذن البرلمان للانخراط بمختلف الأشكال في الحرب الدولية على داعش.
وهذه ورقة بيد الحكومة تساوم عليها الإدارة الأمريكية لفرض شروطها. ولكن واضح أن هذه الأخيرة غير مهتمة بالعرض التركي، واكتفت بتجاوب حكومة داوود أوغلو مع مطلب نقل مقاتلي البيشمركة من كردستان العراق إلى كوباني لمؤازرة القوات الكردية المدافعة عن البلدة المنكوبة التي تم تحريرها مؤخراً من قوات داعش.
جاء اجتماع موسكو بين «معارضين» مرضي عنهم من قبل النظام الكيماوي وهذا الأخير، بلا شروط مسبقة، أي بلا برنامج محدد أو هدف محدد، في ظل هذا التحول الأميركي الموصوف أعلاه والتحولات المشابهة المحتملة لدى الدول الغربية الأخرى، في أعقاب هجمات باريس الإرهابية مطلع الشهر الحالي، هديةً لا تقدر بثمن للنظام الكيماوي فيما لو أراد استثمارها سياسياً لمصلحته. ولكن يبدو أن هذا «النظام» المتصلب غير قادر حتى على استثمارات رابحة من هذا النوع. بدليل الحوار الذي أجرته مع رأس النظام مجلة فورين بوليسي الأمريكية، وخلاصته: ليس هناك شريك للحل السياسي. هذا ما كان يردده قادة إسرائيل عن منظمة التحرير وقائدها الراحل ياسر عرفات.
نظام الأسد هو نظام الحرب الدائمة.
القدس العربي
ورقة مبادىء موسكو.. ورسالة العيطة إلى الجعفري
موسكو – أيهم جبر
لم يوازٍ سقف المطالب في موسكو، أرضية المطالب للشعب السوري. لذا، فإن كل الأوراق والاتفاقات الدائرة ليست إلا مسودات للمؤتمرات القادمة، وهذا الوصف يطلقه المشاركون في المنتدى. وفي سياق مسلسل المؤتمرات التي ينوي “المعارضون” تنظيمها، يبدو أن على الشعب السوري تحمل حمام الدم.
“المدن”، وفي اليوم الأخير للقاء “السوري-السوري”، الذي اصطلحت روسيا على تسميته بـ”منتدى موسكو”، حصلت على ورقتين. جاءت الأولى تحت اسم “مبادىء موسكو”، وهي فعلياً خلاصة ما انتهى إليه “المنتدى”، أما الثانية فكانت من صف المعارضين، إلى ممثلي النظام.
وتبدأ ورقة المبادىء، الحديث باسم “حكومة الجمهورية العربية السورية والمعارضة السورية والمجتمع المحلي السوري، المجتمعون في موسكو”. وفي التفاصيل “خلال السنوات الأربع الأخيرة، شهدت الأراضي السورية انتشاراً للعنف والإرهاب، غير المسبوق، أدى إلى سقوط عشرات آلاف الضحايا من المواطنين ومعاناة الملايين منهم، بالاضافة إلى استقدام الإرهابيين والمتطرفين من جميع أنحاء العالم إلى الأراضي السورية، وواجهت بلادنا مخاطر جسيمة لعل أخطرها محاولة المتطرفين فرض نظام وحشي لا علاقة له بالتقاليد النبيلة للشعب السوري ونسف تقاليده العريقة في العيش السلمي بين مختلف مكوناته. كما تتعرض بناها الاقتصادية والاجتماعية التي أنشئت بجهد أجيال من السوريين للتدمير، وأضحى تراثها الثقافي والتاريخي والحضاري الذي يقدر بثمن عرضة للنهب والسرقة التخريب”.
وعن مهام القوى الوطنية السلمية في المجتمع السوري، ترى الورقة بأنه “من الضروري وضع أسس سياسية للحوار الوطني السوري – السوري من شأنها تمكين السوريين كافة من تسوية المسائل الملحة للأجندة الوطنية وذلك عن طريق الحوار الوطني الشامل وبلا شروط مسبقة”.
الورقة وضعت المبادئ التالية: “الحفاظ على سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها واستقلالها وسلامة أراضيها. مكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتجلياته والسعي إلى تظافر الجهود الرامية إلى مكافحة الإرهابيين والمتطرفين على الأراضي السورية. تسوية الأزمة في سورية بالوسائل السياسية السلمية على أساس توافقي انطلاقاً من مبادئ بيان جنيف تاريخ 30 حزيران 2013. تقرير مستقبل سورية على أساس التعبير الحر والديمقراطي عن إرادة الشعب السوري. رفض أي تدخل خارجي في الشؤون السورية. الحفاظ على الجيش والقوات المسلحة كرمز للوحدة الوطنية وعلى مؤسسات الدولة وتطويرها. سيادة القانون واحترام مبدأ المواطنة وتساوي المواطنين أمام القانون. عدم قبول أي تواجد مسلح أجنبي على أراضي الجمهورية العربية السورية دون موافقة حكومتها”.
ومما سبق نلاحظ أن صيغة الحوار تدلل أكثر فأكثر على اللون الواحد المشارك في المنتدى، والذي التزم، تحت ذريعة نبذ الخلافات، بتجاهل أي بند يرفضه النظام، بدءاً بتجاهل اللغة الواضحة حول إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والتي أتت في إطار المنتدى تحت عنوان “المعتقلين الذين لم يتورطوا بالإرهاب”، وهي لغة يمكن تأويلها كما يريد نظام الأسد، وانتهاءاً بالحديث عن عملية الانتقال الديمقراطي السلمي، وإضافة للحديث عن حصر السلاح بيد الجيش، وهو الأمر الذي يغض النظر عن الجرائم التي ارتكبتها قوات الأسد في سوريا؛ فلا أحد يستطيع اتهام الطرف الذي ينوي “الجميع” حصر السلاح بيده.
في المقابل، حملت الورقة الثانية، مخاطبة قد تكون نادرة، بين المعارضة والنظام. وهي رسالة قدمها رئيس “منبر النداء الوطني” سمير العيطة، إلى سفير سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري، والتي عُنونت بـ”تقديم لاجتماع الحوار مع ممثلي الحكومة السورية” كالتالي: “سعادة السفير، أشكركم بما تقدمتم به، أتيت للتشاور معكم كممثلين عن الحكومة السورية بصفتي مواطن سوري، مواطن أكثر ما يفخر به رغم نشاطه السياسي والمدني منذ بداية الصراع أن الناس تجهل إلى أي مدينة أو مذهب ينتمي، في الحقيقة أنا سوري، ما لا أطيقه هو ما يتعرض له أخواتي وإخوتي في هذه المواطنة من ذل في معيشتهم كما في كرامتهم وحرياتهم، وأحمل معي لفحة حمراء أصرّت إحدى اللاجئات أن تصنعها لي بيدها وأن أحملها حول عنقي أمانة”.
العيطة استكمل حديثه قائلاً: “أضع بين أيديكم جدولاً لمحاور الحوارات المقبلة، التي يجب أن تجري في مناخ محايد، وورقة تشرح خلفية اختيارها، نحن مستعدون للعمل معكم لتقليص الخلافات حولها للوصول إلى عملية تفاوضية بضمانات دولية. إذ في الحقيقة، ومن الواضح أن لدينا خلافات، وهي ليست معكم شخصياً، ولا مع الدولة السورية التي تمثلونها، وهذه الخلافات هي التي تجعلنا نسمّى معارضة، مع أننا حريصون أن تضم الحوارات المقبلة ومن ثم التفاوض كافة أطياف المعارضة السياسية والعسكرية والمجتمع المدني”.
وحول الاختلاف على مفهوم “الإرهاب”، الذي كان للرئيس بشار الأسد قبل سنوات محاولات في تعريفه، أكمل العيطة في رسالته: “نحن نختلف معكم في تعريف ما هو الحل السياسي، وعلى تعريف الإرهاب، فأنتم تعتبرونني إرهابي، لكنني أتيت هنا أولاً للمساهمة معكم، إذا رغبتم ذلك، في إيقاف الصراع العسكري على الصعيد الميداني والمحلي، ولإنقاذ الإنسان السوري من الكارثة والذل الذين حلّا به. إذ لا يمكن العودة إلى السياسة مع استمرار الحرب واستمرار المعاناة”.
وأضافت الرسالة التي حصلت “المدن” على نسخة منها: “سعادة السفير، أنتم تعرفون جيداً أن أغلبية المعارضة المسلحة ليست إرهابية، بل أناس قاموا للدفاع عن أنفسهم وعرضهم، وتعون أن سوريا ليست فقط بحاجة لوقف الحرب، بل لإعادة اللحمة بين هؤلاء المقاتلين وبين الجيش السوري كي يكافحوا سوية كجيش وطني، الإرهاب الداعشي، الذي يحتل جزءاً من أرض سوريا والتنظيمات المتطرفة الأخرى، وأنتم تعرفون مثلنا ثمن التضحيات من الطرفين، وأنه لا يمكن الاستمرار على هذا النحو، كما تعرفون أن الطرفين قد حمّلوا المبادرة الروسية رسالة واضحة، هي رسالة أمل وفرصة قبل أن تصبح الكارثة حتى أكبر مما وصلت إليه من شرذمة وتقسيم”.
العيطة في رسالته، عرّج على الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، والانتهاكات التي تتعرض لها “السيادة” السورية: “سعادة السفير، السيادة السورية تنتهكها اليوم إسرائيل، وقوات التحالف، وعديد من المقاتلين الأجانب على الطرفين، وما تحتاجه سوريا اليوم هو جدية في التعامل مع خطورة الأوضاع، وضمانات متفق عليها، للإسراع بإحداث السلم الأهلي”. أما عن المبادرة التي طرحتها موسكو فكان الحديث: “نحن نريد للمبادرة الروسية النجاح من خلال آليات وضمانات تأتي بهذا السلم الأهلي وتنهي المعاناة، في المناطق المحاصرة كحي الوعر اليوم، وفيما لم يخضع للحصار، حتى لما هو أوسع من تجميد الصراع في حلب، والذي أطلقه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. ونحن نريد إيجاد آلية تضع ما لدينا من أسماء معتقلين وانتهاكات على مؤسسات طبية ومشاكل إغاثة وتعليم، سنسلمكم إياه الآن وللحكومة الروسية، وتأتون بما لديكم حتى نجد في ظل وسيط متفق عليه حلولاً لها، وإلا سنفقد جميعنا الإنسان قبل الأرض”.
الكلام في مجمله لا يحمّل النظام أي مسؤولية عن الأحداث التي عانى منها الشعب السوري، على مدار السنوات الماضية، وأربعين عاماً من حكم عائلة الأسد. وفي إطار التباينات في حدة المواقف كان موقف أمين سر هيئة التنسيق في الخارج خالد حبّو، أكثر حدة، فقد اعتبر أن نظام الأسد هو المعيق الأول للعملية السياسية التفاوضية: “عموماً قبل أن يكون لدينا تخوفات، نحن نعرف أن النظام بالأساس هو المعيق الأكبر للعملية السياسية، لأنه هو من سيدفع فاتورة الاستحقاق السياسي، في حال البدء بالعملية السياسية التي تتضمن انتقال ديمقراطي، فهو يعيق هذه العملية”.
المدن
الوثائق الثلاث التي قدمها سمير العيطة في منتدى موسكو
الرسالة التي أرسلت إلى ممثّل الرئيس الروسية ونائب وزير الخارجيّة
سعادة السيّد ميخائيل بوغدانوف
الممثّل الخاصّ لفخامة رئيس روسيا الاتحادية للشرق الأوسط
معاون وزير الخارجيّة
وزارة الخارجيّة
موسكو روسيا الاتحادية
19 كانون الثاني 2015
تحيّة طيبة وبعد
أشكركم أوّلاً والمسؤولين في روسيا الاتحادية، باسمي وباسم منبر النداء الوطني (المنبر الديموقراطي السوري سابقاً)، على الجهود التي قمتم بها وأنتجت المبادرة الهامّة في توقيتها من أجل الشروع بجولة للحوار في العاصمة موسكو في 26 الجاري، بين مواطنين سوريين ينتمي جزء منهم للمعارضة السياسيّة وبين ممثلين للحكومة السوريّة.
وقد تلقيت دعوة شخصيّة من وزارة الخارجيّة الروسيّة للحضور، وسأكون سعيداً بالفعل إذا استطعت المساهمة إيجابياً في هذا المسعى الروسيّ الذي أتمنّى له النجاح وتحقيق هدفه في الحفاظ على سوريا ووحدة شعبها وترابها الوطنيّ. وكنت قد أوضحت موقفي المعلن والصريح كمواطن من تلبية الدعوة والأسس التي سأستند عليها في مقالٍ مرفق تمّ نشره منذ عدّة أيّام. وفي حين لا أتوقّع أنّ هذا الحوار الأوليّ سيخرج بحلّ سحريّ للصراع القائم في سوريا وعليها، فإنّني آمل وكثير من المواطنين السوريين أن تساهم الروابط التاريخيّة بين بلدينا، وفي ذاكرتنا دائماً المواقف الهامّة المتعدّدة التي اتخذتها دولتكم لعقودٍ طويلة إلى جانب الشعب السوري والشعوب العربيّة الأخرى، كما علاقاتكم مع الجيش السوريّ وغيره من مؤسسات الدولة، وتمكّن روسيا الاتحادية من أن تلعب دوراً فعّالاً في دفع مسارٍ ينتهي إلى حلّ هذا الصراع، ويساعد على كبح إرهاب التنظيمات المتطرّفة كما إرهاب الدولة، ويلبّي طموحات المواطنين السورين المشروعة في العيش بأمنٍ وحريّة وكرامة. خاصّة وأنّ معاناتهم قد وصلت إلى حدودٍ لا يُمكن لأيّ بشرٍ أن يقبلها.
منذ وصول دعوتكم، قمت بمشاورات موسّعة في إطار المنبر، وكذلك مع أطياف أخرى من المعارضة السياسية والمجتمع المدنيّ وبعض القوى المسلّحة المعارضة المناوئة للسلطة، وذلك بغية تنسيق ودراسة مداخلتي والورقة التي سأقدّمها خلال اللقاء. وسأكون ممتنّاً لكم ولمن عهدتم له بإدارة هذا الحوار، بأن يتمّ الحرص على الجوانب التنظيميّة التالية، خاصّة وأنّ أسماء المشاركين النهائية لن تعرف حقّاً إلاّ قبيل الانعقاد:
- أن تعملوا من طرفكم على أن تقوم الحكومة السوريّة قبيل اللقاء بخطوات لبناء الثقة وخلق الظروف الملائمة لإنجاح جهودكم، خاصّة إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين وإدخال المعونات والإغاثة إلى كافّة المناطق السوريّة، مع التشديد على المناطق المحاصرة، وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 2139، ووقف قصف المدنيين، حتّى لو كان ذلك من طرفٍ واحد. إذ يمكن اعتبار خطوات كهذه مقابلاً منطقيّاً للجلوس مع وفد الحكومة السوريّة على طاولة حوار، كخطوة لبناء الثقة لا نملك من طرفنا غيرها.
- الإشارة من طرفكم، كراعي للحوار، وبإصرار أنّ أسس هذا الحوار هي سيادة واستقلال ووحدة أراضي سوريا، وتلبيّة طموحات مواطنيها في العيش بأمنٍ وحريّة وكرامة، وأنّ التفاوض السياسي سيقوم على نصّ بيان جنيف بتاريخ 30 حزيران 2012 الذي وافق عليه مجلس الأمن بقراره رقم 2118.
- التوضيح من طرفكم أنّ هذا الحوار هو بين مواطنين بصفتهم الشخصيّة وبما يمثّلونه سياسيّاً وبين ممثّلي الحكومة السوريّة، وأنّ من واجب الحكومة السوريّة احترام حقّ مواطنيها في التعبير. والتأكيد أنّ المواطنين الحاضرين لا يُمكن أن يمثّلوا “المعارضة” التي نصّ عليها بيان جنيف، بل أنّ مسؤوليّتهم ومسؤوليّة الراعي تكمُن في الوصول إلى آليّات توضح هذا المفهوم وكذلك مفهوم “التوافق” والمفاهيم الأخرى المنصوص عليها. والتأكيد أيضاً على أهميّة وثائق القاهرة كمرجعيّة وحيدة توافقت المعارضة عليها في صيف 2012 من خلال آليّة مشتركة أطلقها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة والجامعة العربيّة.
- أن يراعى خلال الجزء الأول من الحوار الذي لا يضمّ ممثلي الحكومة السوريّة، تحديد وتنظيم المداخلات الشفهيّة واعتماد مبدأ تقديم أوراق سياسيّة من المشاركين توضع للتوثيق وللمتابعة بعهدة الدولة الراعية، وأيضاً لدى الأمم المتحدة. كما نشكركم على مراعاة احترام الاختلافات الطبيعيّة في الآراء والمناهج، وألاّ يكون الهدف هو تسمية “معارضة” بين الحاضرين ذات موقف واحد، وإنّما التوافق على آليّات للحوار مع ممثلي الحكومة السوريّة إن أمكن.
- أن يراعى خلال الجزء الثاني من الحوارات مع ممثلي الحكومة السوريّة، تحديد وتنظيم المداخلات بحيث يتاح لجميع المواطنين الحاضرين عرض آرائهم وأوراقهم بكلّ حريّة، حتّى لو مثّلت هذه الآراء أقليّة.
- وأخيراً أن يراعى في المجال الإعلامي تبيان التوافقات والاختلافات على حدّ سواء، وألاّ يتمّ الإصرار على إصدار بيان مشترك من الحاضرين ومع ممثلي الحكومة السوريّة إن لم يتوافقوا جميعهم على ذلك.
- آمل أن تخرج هذا الحوارات بعرض للخلافات وبآليّة عمليّة لمرحلة مقبلة من الحوارات في روسيا الاتحادية أو في بلدانٍ أخرى غير سوريا تتعاونون معها لإنضاج حلّ سياسيّ، وذلك لإبراز استمراريّة التوافق الدوليّ واتساعه. وأرى شخصيّاً أنّ الخروج بآليّات معقولة وعمليّة للمرحلة المقبلة تنهي إلى آليّة تفاوض هو ما يجب أن يكون الهدف الأساس من اللقاء.
- من المهمّ تركيز الحوارات المستقبليّة حول كيفيّة حشد كلٍّ من:
o المجتمع المدني، وخاصّة الحركات النسائيّة والناشطين في المجالات الإغاثيّة،
o ممثّلي القوى المعارضة من خلال مكوّناتها المعروفة وكذلك القائمين عليها في المستوى المحليّ،
o ممثلي المناطق التي تهيمن عليها التنظيمات المتطرّفة، كداعش.
o كذلك لا بدّ من تنظيم حوارات تتحوّل إلى تفاوض بين الجيش السوريّ وبين الضباّط السوريين المنشقّين وممثّلي القوى المسلّحة المعارضة التي تؤمن بوحدة سوريا أرضاً وشعباً وبمبدئي الحريّة والمساواة التامّة في المواطنة.
- هذه القوى كلّها ينبغي تبيان مواقفها كون أنّها بالطبع طرف في أيّ تفاوض سيقوم مستقبلاً. وفي المحصّلة لا أتوقّع أن يحدث أيّ تقدّم على صعيد التفاوض السياسي العام، حتّى خطوة خطوة، إن لم يحصل أيضاً تقدّم على أصعدة الأمن والإغاثة والمصالحة الوطنيّة في كافّة المناطق السوريّة.
سعادة السيّد بوغدانوف.
نشكركم على هذه الخطوة ونأمل لها النجاح بالرغم من الصعوبات الكبيرة التي يمكن أن تعترضها، ونثق أنّكم والسيّد فيتالي ناؤمكين الذي عهدتم إليه بإدارة الحوار وكافّة المسؤولين في روسيا الاتحادية، تعرفون جيّداً هذه الصعوبات وستجدون الطريقة المناسبة لإرساء آليّات عمليّة بالتعاون مع القوى الدوليّة الفاعلة الأخرى، في سبيل التفاوض على كافّة المستويات للتقدّم نحو إيقاف الحرب ونبذ التطرّف والإرهاب، وخطرهما المهدّد للمنطقة وللعالم، وإحلال دولة المساواة في المواطنة والحريّات في سوريا الموحّدة السيّدة المستقلّة.
سمير العيطة
عضو المكتب السياسي لمنبر النداء الوطني
مرفقات:
- مقالي: أنا ذاهب إلى موسكو، صحيفة السفير، 10 كانون الثاني 2015
- مقالي: ما قبل موسكو، صحيفة السفير، 3 كانون الثاني 2015
ورقة مقدّمة للقاء الحوار السوريّ في موسكو
سمير العيطة
لقد وصلت الكارثة التي حلّت ببلدنا سوريا إلى حدود لا تطاق، إنسانيّاً ومعيشيّاً وتعليميّاً وصحيّاً… ووطنيّاً. تتطلّب منّا جميعاً وقفة جريئة تنطلق من الواقع لإنقاذ وطننا وشعبه ومستقبله.
والواقع الميدانيّ أكثر من كارثيّ علينا وعلى جيراننا. فقد بات لداعش دولة وموارد وجيش وأجهزة أمن. داعش ليست فقاعة، وستتطلّب جهداً كبيراً كي يتمّ الانتصار عليها. باتت تسيطر على جزء كبيرٍ من أرض وطننا، وتمتدّ بنفوذها حتّى وادي بردى وحوران. أنظروا كم تطلّب الأمر فقط لمنع سيطرتها على عين العرب/كوباني: بسالة استثنائيّة من “قوّات الحماية الشعبيّة” وضربات مستمرّة من تحالف دوليّ تقوده الولايات المتّحدة. وانظروا كيف لجأ 500 ألف مواطن إلى الرقّة بحماية داعش هرباً من جحيم حمص وريف إدلب. وفي المناطق الأخرى، يعيش الناس تحت وطأة أمراء الحرب من الطرفين والتنظيمات المتطرّفة، كما في ظلّ البراميل التي تتساقط على المدنيين.
السؤال الأساس أمامنا هو كيف يمكن أن يتمّ حشد الجهود لمواجهة داعش والتنظيمات المتطرّفة الأخرى؟ لم تقدّم السلطة القائمة في سوريا سوى حلّ ما تسمّيه “المصالحات” “والعودة إلى حضن الوطن” في مناطقٍ تمّ خنق أهلها أشهراً بالحصار. لكنّ حتّى هذه المصالحات لا تتقدّم حقّاً، كما هو الأمر اليوم في حيّ الوعر في حمص الذي قبل منذ أشهر بشروط المصالحات الذي سبقته. هذا عن المناطق المحاصرة، فعلى أيّة وتيرة يمكن أن تجري “مصالحات” في مناطق لا تخضع للحصار، بعد أن بات جزء ملحوظ من الأرض السوريّة بعيداً عن الدولة. وهذا في حين لا تشهد جهود “تجميد الصراع في حلب” الذي طرحها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لوقف الحرب بضمانات دوليّة أيّ تقدّمٍ ملحوظ.
بالتالي، إذا استمرّ الأمر على هذه الوتيرة فإنّ داعش هي التي ستنتصر على الجميع، وعلى وطننا. وسينهك الجيش السوريّ والقوّات التي تسانده، كما ستنهك المعارضة المسلّحة وتستسلم للتنظيمات المتطرّفة.
لا بدّ إذاً من إطارٍ وآليّة على المستوى الميدانيّ والمحليّ توقف الصراع المسلّح وتعيد الثقة إلى المواطنين وتمّكنهم من إدارة أمورهم، تذهب في تصميمها أبعد من “مصالحات” السلطة أو “تجميد الصراع في حلب” إلى كافّة المناطق السوريّة سويّة. ما يهمّ ويجب العمل عليه هو إعادة ذاكرة السلم الأهلي والتعايش المشترك إلى المواطنين، أوّلاً على الصعيد المحليّ، كي ينتصر هؤلاء المواطنون، حتّى لو تدريجيّاً، من جديد لفكرة سورية المساواة في المواطنة ضدّ داعش والتنظيمات التي تشابهها. وهنا يلعب مفهوم “اللامركزيّة الإداريّة” ضمن وحدة التراب الوطنيّ والدولة دوراً أساسيّاً ليس فقط لضمان حقوق وتطلّعات إخوتنا الأكراد في المواطنة، بل أيضاً لضمّان مختلف الخصوصيّات وكذلك الديموقراطيّة على الصعيد المحليّ. وقف الصراع المسلّح ميدانيّاً هو ما يمكن أن ينهي هذه الحرب العبثيّة ذات الصبغة الطائفيّة في بلدٍ ليس فيه حقّاً طوائف، وإنّما خوفٌ زرعته الأحداث من الآخر وصراعٌ إقليميّ على سوريّة يبثّ فكرٍ طائفيّ وعشائريّ لتغذية استمراره. الأولويّة هي لهذا الملفّ الميداني المحليّ، بما يحمله من أبعاد إنسانيّة في وقف إرهاب وقصف المدنيين ووقف التعرّض للطواقم والمراكز الصحيّة وفتح المجال لوصول الإغاثة والمؤن لكافّة المناطق وإطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين وكشف مصير المفقودين.
مع انطلاق حوار موسكو التشاوري، ما يدعو للأسف هو عدم مبادرة الحكومة السوريّة إلى أيّة خطوة بناء ثقة لإنجاحه ولإنجاح جهود روسيا الاتحادية وغيرها من الدول لحلّ الصراع. فكيف يمكن إذاً التوصّل إلى إطار وآليّة على الصعيد الميدانيّ، خاصّة وأنّ روسيا كعضو في مجلس الأمن هي في النهاية ضامن لأيّ حلّ للصراع.
لكنّ هذه الآليّة الميدانيّة لا يمكن تحقيقها إلاّ إذا جرى معها تقدّم متزامن، وإن خطوة خطوة، على الصعيد السياسيّ العامّ. مع أنّ الأفضل هو أن يكون هناك قفزة نوعيّة على هذا الصعيد، لما يُمكن لهذه القفزة من إحداثه من أثر إيجابيّ على الصعيد الميدانيّ في سبيل حشد الجهود ضّد الإرهاب. وما له أولويّة على هذا الصعيد هو الحفاظ على مؤسّسات الدولة التي بناها أجدادنا وأباؤنا، وخاصّة المؤسّسة العسكريّة والأمنيّة، بعد إصلاحها. ما يعني أنّه لا بدّ من عودة أبنائها المنشقّين إلى حضنها ودمج القوى المعارضة المسلّحة التي تؤمن بالمشروع الوطنيّ فيها، وبالتالي إعادة هيكلتها بهدف الدفاع عن الوطن والمواطنين ومكافحة التنظيمات المتطرّفة.
التقدّم على الصعيد السياسيّ العامّ يحتاج إطاراً. والإطار الوحيد الذي يُمكن أن يوقف الصراع الإقليميّ والدوليّ على سوريا هو بيان جنيف بتاريخ 30 حزيران 2012 الذي أقرّه قرار مجلس الأمن رقم 2118، الذي قبلته الحكومة السوريّة كما أغلب أطياف المعارضة السياسيّة. بالرغم من أنّ هذا الإطار كان قد وضع قبل أن يتحوّل الصراع في سوريا إلى حرب، ومن أنّ فيه التباسات مقصودة، من واجبنا نحن السوريّون الحوار والعمل على إخراج توافقات لإيضاحها والوصول إلى حلّ لها. أحد هذه الالتباسات هو مفهوم “المعارضة” التي يجب أن تتوافق مع الحكومة السوريّة على هيئة حكم انتقاليّ. في السابق، لم تتوحّد المعارضة إلاّ حول وثائق القاهرة، بما فيها من عهدٍ وطنيّ ورؤية للمرحلة الانتقاليّة، والتي تبقى وثائق مرجعيّة لهذا الغرض. وبعد زمنٍ من التشرذم بفعل القوى الخارجيّة، ها أنّ بعض قوى المعارضة قد انخرطت من جديد في جهودٍ لرأب الصدع بينها، في إعلانٍ صدر في الأيّام الأخيرة في القاهرة، يمكن البناء عليه. من ناحية أخرى، هناك توضيحات يجب التحاور حولها والوصول إلى تفاوضٍ إيجابيّ حول أسس “هيئة الحكم الانتقالي الكاملة الصلاحيّات” التي تهييئ بيئة محايدة تتحرّك في ظلّها العمليّة الانتقالية ما إلى مفهوم “الموافقة المتبادلة بين الحكومة والمعارضة” (حسب نصّ جنيف 1)، خاصّة وأنّ هناك شخصيّات تحمّل هي بالذات مسؤوليّة تطوّر الأمور في سورية إلى الكارثة التي لحقت بنا، ومع أنّ جزءاً من السوريين يعتبرونها ضامنة لوجودهم.
الشكر إذاً موصول للحكومة الروسيّة على عقد هذه الجولة الأوّلى من الحوارات بيننا كمواطنين، وبيننا وبين ممثّلي الحكومة السوريّة. وما يمكن أن ينتج عنه إيجابيّاً هو استمرار الحوار وجعله يشمل الطيف الأوسع من المواطنين والقوى السوريّة السياسية والمدنيّة، وأن يتمّ خلق توافقٍ دوليّ يرعى مختلف جوانب هذا الحوار حتّى تصل الأمور إلى مرحلة التفاوض والخروج من الكارثة. لهذا الهدف، يجب الانطلاق ممّا بني عليه في جولة مفاوضات مونترو التي تسمّى جنيف 2، ومن مهمّة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاصّ بسوريّا. إذ لا معنى للقبول ببيان جنيف 1 وحده دون غيره من محطّات آليّات الأمم المتحدة.
في هذا السياق، كان ممثلو الحكومة السوريّة في مفاوضات مونترو قد طرحوا ورقتين للتفاوض حول “وقف العنف ومكافحة الإرهاب” و”السيادة الوطنيّة”. وبالطبع يجب على هاتين الورقتين أن تكونا موضوعي حوار وتفاوض، ولهما أولويّتهما خاصّة مع تعدّد أنواع الإرهاب، بما فيها قصف المدنيين غير المعنيين بالصراع من قبل الطرفين، ومع تواجد مقاتلين غير سوريين إلى جانب الطرفين، وكذلك منابع إرهاب إقليميّة وانتهاك للسيادة الوطنيّة على أصعدة مختلفة، بينها العدوان الإسرائيليّ الأخير على الجزء غير المحتلّ من أرض الجولان السوريّ العزيزة علينا. كذلك كان المبعوث السابق للأمين العام للأمم المتحدة قد طرح أن يشمل التفاوض موضوعي “مؤسسات الدولة بين الاستمرار والتغيير” و”الحوار الوطني والمصالحة الوطنيّة”. ومن الأكيد أخيراً أنّ الحوار يجب أن يشمل أيضاً “إعادة الإعمار والمهجّرين والإغاثة”.
ما أتمنّى أن يخرج به هذا اللقاء هو التوافق على استمرار الحوار والحرص على أن يصبح أكثر شموليّة. لدينا إذاً، مع “وقف الصراع على الصعيد الميدانيّ والمحليّ” الذي سبق ذكره، سبعة مواضيع لحوار سوريّ-سوريّ وصولاً لمرحلة التفاوض المقبلة، مع ملاحظة أنّ هذا الحوار يجب أن يشمل ليس فقط ممثلي القوى السياسيّة، بل أيضاً:
المجتمع المدني، وخاصّة الحركات النسائيّة والناشطين في المجالات الإغاثيّة، وضرورة حشدهما للحلّ السياسيّ؛
ممثّلي المناطق التي تهيمن عليها التنظيمات المتطرّفة، كداعش، لحشد الجهود بغية عزل هذه التنظيمات المتطرّفة وخلق الظروف التي تسمح بمكافحتها؛
المقاتلين على الطرفين، أي أنّه يجب تنظيم حوارات تتحوّل إلى تفاوض بين الجيش السوريّ وبين الضباّط السوريين المنشقّين وممثّلي القوى المسلّحة المعارضة التي تؤمن بوحدة سوريا أرضاً وشعباً وبمبدئي الحريّة والمساواة التامّة في المواطنة. إذ لا يمكن أن يتمّ خفض العنف وتجميد الصراع بين هذه الأطياف ومواجهة التطرّف عسكريّاً بشكلٍ مشترك دون إحداث نقلة نوعيّة في هذا المجال. وبالطبع يرتبط هذا الأمر بالمبادرة التي أطلقها ممثّل الأمين العام للأمم المتحدة، تحت تسمية “تجميد الصراع في حلب”، لكن مع توسيع نطاق هذه المبادرة إلى كافّة المناطق السوريّة الممكنة.
ممثّلي القوى السياسيّة المعارضة من خلال مكوّناتها المعروفة، وكذلك القائمين عليها في المستوى الميدانيّ المحليّ، لخفض مستويات العنف ولتحقيق النقلة النوعيّة المطلوبة في طبيعة الصراع القائم.
ممثلّي الفعاليّات الاقتصادية ورجال الأعمال من أجل “إعادة الإعمار والمهجّرين والإغاثة”.
هذا الحوار السوريّ-السوريّ هو الأساس. إلاّ أنّ الدول الحريصة على وحدة وسيادة واستقلال سوريّة وحريّة وأمن شعبها وشعوبهم، ومكافحة الإرهاب والتطرّف، مطالبة بدورها بأن تدعم هذا الحوار وأن تخلق له مناخات تمكّن الشرعيّة الدوليّة من خلق الضمانات الكافيّة لجميع الأطراف ومساعدة الشعب السوريّ للخروج من كارثته.
عن قصف المنشآت الصحيّة وعن التعليم والإغاثة
سمير العيطة
سعادة السفير. أشكركم بما تقدّمتم به. أتيت للتشاور معكم كممثّلين عن الحكومة السوريّة بصفتي مواطن سوريّ. مواطن أكثر ما يفخر به رغم نشاطه السياسي والمدني منذ بداية الصراع أنّ الناس تجهل إلى مدينة أو مذهب ينتمي. في الحقيقة أنا سوريّ. ما لا أطيقه هو ما يتعرّض له أخواتي وإخوتي في هذه المواطنة من ذلّ في معيشتهم كما في كرامتهم وحريّاتهم. وأحمل معي لفحة حمراء أصرّت إحدى اللاجئات أن تصنعها لي بيدها وأن أحملها حول عنقي أمانة.
أضع بين أيديكم جدولاً لمحاور الحوارات المقبلة، التي يجب أن تجري في مناخٍ محايد، وورقة تشرح خلفيّة اختيارها. نحن مستعدّون للعمل معكم لتقليص الخلافات حولها للوصول إلى عمليّة تفاوضيّة بضمانات دوليّة. إذ في الحقيقة، ومن الواضح أنّ لدينا خلافات، وهي ليست معكم لا شخصيّاً، ولا مع الدولة السوريّة التي تمثّلونها. وهذه الخلافات هي التي تجعلنا نسمّى “معارضة”، مع أننّا حريصون أن تضمّ الحوارات المقبلة ومن ثمّ التفاوض كافّة أطياف المعارضة السياسية والعسكريّة والمجتمع المدنيّ.
نحن نختلف معكم في تعريف ما هو الحلّ السياسيّ، وعلى تعريف الإرهاب، فأنتم تعتبروني إرهابيّ. لكنّني أتيت هنا أوّلاً للمساهمة معكم، إذا رغبتم ذلك، في إيقاف الصراع العسكريّ على الصعيد الميدانيّ والمحليّ، ولإنقاذ الإنسان السوريّ من الكارثة والذلّ الذين حلاّ به. إذ لا يمكن العودة إلى السياسة مع استمرار الحرب واستمرار المعاناة.
سعادة السفير. أنتم تعرفون جيّداً أنّ أغلبيّة المعارضة المسلّحة ليست إرهابيّة، بل أناس قاموا للدفاع عن أنفسهم وعرضهم. وتعون أنّ سورية ليست فقط بحاجة لوقف الحرب، بل لإعادة اللحمة بين هؤلاء المقاتلين وبين الجيش السوريّ كي يكافحوا سويّة كجيشٍ وطنيّ الإرهاب الداعشيّ الذي يحتلّ جزءاً من أرض سوريا والتنظيمات المتطرّفة الأخرى. وأنتم تعرفون مثلنا ثمن التضحيات من الطرفين، وأنّه لا يُمكن الاستمرار على هذا النحو. كما تعرفون أنّ الطرفين قد حمّلوا المبادرة الروسيّة رسالة واضحة، هي رسالة أمل وفرصة قبل أن تصبح الكارثة حتّى أكبر ممّا وصلت إليه من شرذمة وتقسيم.
سعادة السفير. السيادة السوريّة تنتهكها اليوم إسرائيل، وقّوات تحالف، وعديد من المقاتلين الأجانب على الطرفين. وما تحتاجه سوريا اليوم هو جديّة في التعامل مع خطورة الأوضاع، وضمانات متفق عليها، للإسراع بإحداث السلم الأهليّ.
نحن نريد للمبادرة الروسيّة النجاح من خلال آليّات وضمانات تأتي بهذا السلم الأهلي وتنهي المعاناة، في المناطق المحاصرة كحيّ الوعر اليوم، وفيما لم يخضع للحصار، حتّى لما هو أوسع من “تجميد الصراع في حلب” الذي أطلقه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. ونحن نريد إيجاد آليّة تضع ما لدينا من أسماء معتقلين وانتهاكات على مؤسسات طبيّة ومشاكل إغاثة وتعليم (كما ما سنسلّمكم إياّه الآن وللحكومة الروسيّة) وتأتون بما لديكم حتّى نجد في ظلّ وسيط متفقٍ عليه حلولاً لها. وإلاّ سنفقد جميعنا الإنسان السوريّ قبل الأرض.
كما نريد للمبادرة الروسيّة النجاح من خلال إيجاد آليّة لتوضيح الالتباسات وتقليص الخلافات حول كلّ المواضيع التي تعيق التقدّم في مفاوضات جنيف. موسكو ليست بديلاً عن جنيف، بل ما يُمكن أن يجعل مفاوضات جنيف السياسيّة تأتي بنتيجة.
المرفقات:
- ملف أسماء 340 معتقلاً من المعضميّة
- ملف أسماء 196 معتقلاً من السلميّة
- ملف أسماء 129 معتقلاً من زملكا
- ملف أسماء 385 معتقلاً من قطنا
- ملف أسماء 3 معتقلين آخرين
- ملفّ مؤسسة أطباء من أجل حقوق الإنسان عن الاعتداءات على المنشآت الطبيّة
- ملفّ مؤسسة اليونسيف: أطفال سوريا: الجيل المفقود آذار 2013
- ملفّ مكتب الأمم المتحدة التنسيقي للشؤون الإنسانيّة حزيران 2014.
مواضيع أساسيّة للحوار السوريّ-السوريّ
هدف الحوار هو تقليص الخلافات من أجل التوصّل إلى عمليّة تفاوض سياسيّ بضمانات دوليّة؛ وتتعلّق بتوضيحات والوصول إلى مشتركات فيما يتعلّق:
- بتعريف ما هو الحلّ السياسيّ على الصعيد العامّ كما وخاصّة على الصعيد المحلّي؟
- بكيفية إيقاف الحرب ومكافحة الإرهاب؟
- بكيفيّة إنقاذ الإنسان السوريّ من الكارثة التي حلّت به في كافّة المناطق؟
أمّا محاور الحوار الأساسيّة المقترحة فهي:
- وقف الصراع على الصعيد الميدانيّ والمحليّ
- ترتيبات وقف الحرب والقصف وفكّ الاشتباك
- ترتيبات إطلاق سراح المعتقلين والمخطوفين وتبيان مصير المفقودين
- ترتيبات الإغاثة وفكّ الحصار وعودة الخدمات
- تعريف الإرهاب ومكافحته
- السيادة الوطنيّة
- ترتيبات إخراج جميع المقاتلين الأجانب
- موضوع العقوبات الاقتصادية
- هيئة الحكم الانتقالي الكاملة الصلاحيّات
- مؤسسات الدولة بين الاستمرار والتغيير
- الحوار الوطني والمصالحة الوطنيّة
- حقوق الإنسان
- العدالة ودولة القانون
- إعادة الإعمار والمهجّرين
معادلة لافروف: الأسد أو البغدادي!/ راجح الخوري
منتدى موسكو” الذي أرادت له روسيا النجاح بعد فشل “مؤتمر جنيف” سرعان ما ورث الفشل وما هو أسوأ، فإذا كانت جنيف إستضافت ممثلين للنظام والمعارضة السورية في مرحلتين فاشلتين، فإن موسكو تستضيف الآن مفاوضات مسخرة، الى درجة ان سيرغي لافروف لم يتنازل و”يقلّل عقله” ويحضرها بحجة القول “دعهم أولاً يتحاورون وراء أبواب مغلقة”!
ولكن من يحاور من في سياق ديبلوماسية المساخر التي هندسها لافروف، اذا كانت الاجتماعات التحضيرية في القاهرة فشلت في ان تجمع معارضين حقيقيين واذا كانت اجتماعات موسكو بدأت بالخلاف حتى بين الذين لا يمثلون شيئاً من المعارضة الحقيقية، حيث جرت مشادّة بين “هيئة التنسيق الوطنية” و”هيئة العمل الوطني” (مجرد عناوين)، واذا كان هيثم منّاع إمتنع مع حسن عبد العظيم عن الحضور لأن وليد المعلم لم يحضر!
النظام ليس مهتماً بالمؤتمر ولهذا أرسل بشّار الجعفري بدلاً من المعلم، لكن الأمر لا يتوقف هنا، لأن حديث الرئيس بشار الاسد الى مجلة “فورين أفيرز” الأميركية إنطوى على ما يمثّل تحقيراً للمؤتمر الذي تقرع موسكو طبوله منذ أشهر، أكثر من تحقير الذين حضروه عندما قال: “نحن ذاهبون الى موسكو ونريد ان نفاوض، لكن ما يجري هناك ليس مفاوضات للتوصل الى حلّ بل تحضير للمؤتمر… وهناك سؤال آخر: مع من نتفاوض، نحن كحكومة لدينا مؤسسات ولدينا جيش ولدينا نفوذ، أما الذين نتفاوض معهم فمن يمثّلون”؟
أمام هذا السؤال ربما على لافروف ان يتذكّر القذافي الذي كان يقول للمعارضين في البداية: “من انتم وماذا تمثلون”، ثم تُرك المعارضون الليبيون ليصيروا عرضة للتلاعب والحسابات الخارجية فتمزقوا ومزقوا ليبيا، كما تتمزق سوريا التي تتناحر على أرضها عشرات من التنظيمات المسلحة الكبيرة والصغيرة وتزحم فوقها الحسابات الروسية والايرانية والخليجية والأميركية وغيرها!
الاسد يعتبر المعارضة مجرد دمى سواء أكانت داخلية أم خارجية، مفهوم أيها الرفيق لافروف، ثم انه يستند الى ما تقوله “داعش” و”النصرة” عندما لا تعترفان بوجود معارضة خارج اطارهما، ويضيف في سياق محاولة لإحراج الجميع: “إذا اردنا للحوار ان يكون مثمراً فيجب ان يجري بين الحكومة وهذه الجماعات المسلّحة”، ومن الواضح انه يقول هذا لأن ليس هناك في العالم من يريد ان يفاوض “داعش” و”النصرة”، ولأن العالم يشن حرباً على التنظيمين فلن يبقى للعالم سوى دعم الاسد… مفهوم؟
هل كان كل هذا خافياً على موسكو والرفيق لافروف؟ طبعاً لا، لكن إسقاط المعارضة من المعادلة تكتيك واضح منذ البداية ليصبح العالم في سوريا أمام خيار من اثنين، إما الاسد وإما ابو بكر البغدادي!
النهار
“صعبة ومعقّدة” يا له من اكتشاف/ راجح الخوري
ليس المهم ان ينتهي لقاء موسكو بين النظام السوري وشخصيات ومعارضة الداخل، بإعلان سيرغي لافروف انه لا يتوقع التوصل الى حل سريع وان العملية ستكون صعبة ومعقدة، بل المهم ان لافروف إعترف بأن المعارضين الذين استضافهم لا يمثلون شيئاً تقربياً وانه “يجب بذل جهود إضافية للتوصل الى تمثيل حقيقي للتشكيلة التي ستشارك في الحوار”!
يأتي هذا بعدما قال الرئيس بشار الاسد لمجلة “فورين بوليسي” انه ليس هناك معارضة بل هناك تنظيمات ارهابية، متعمداً ان يضع العالم أمام خيار من اثنين: إما هو ونظامه وإما أبو بكر البغدادي و”داعش”.
المضحك ان لافروف حاول الحديث كمضيف حيادي لا كمدير للحوار، فقال ان المتحاورين السوريين ركزوا على العوامل التي يتوافق عليها الجميع مثل الوحدة والسيادة والاستقلال والطابع العلماني للدولة، ومن ثم يأتي التدرج الى العناصر التي من شأنها تحقيق الوحدة الوطنية، لكأن هناك من يختلف على الوحدة والاستقلال والسيادة، بينما الخلاف هو على كيفية تحقيق الوحدة الوطنية بوجود نظام حوّل سوريا مقبرة اسطورية، حيث سقط مئات الآلاف من القتلى وتشرّد ما يقرب من عشرة ملايين!
المضحك أكثر ان لافروف يتحدث عن الحاجة الى مفاوضات صعبة لكي يتمّ الاتفاق على عملية “بناء الثقة بين الحكومة السورية والمعارضة”، بما يعني صراحة انه يسقط جوهر مؤتمر جنيف، أي عملية الانتقال السياسي التي طالما تولّى شخصياً العمل لإسقاطها وكأن على السوريين بعد اربع سنوات من الدم والدمار ان يعودوا الى بيت الطاعة.
مع هذا الكلام لا يبقى أي معنى لقول لافروف، ان الإنتقال من المواجهة الى الحوار ومعالجة القضايا الوطنية العاجلة يتطلب جهوداً كبيرة بما في ذلك الاستعداد لتنازلات متبادلة، اولاً لأن الذين يحاورون النظام في موسكو ليسوا في المواجهة بل في أحضان النظام، وثانياً لأن هؤلاء تنازلوا اساساً عن كل شيء، في حين لم يتنازل الاسد في حديثه الى “فورين بوليسي” ولو ليعترف بوجود معارضة، فقد اصرّ على ان هناك النظام وهناك التنظيمات الإرهابية وان المعارضة لا تمثّل احداً على الأرض !
ما لا يصدّق ان تكون روسيا الأكثر تدخلاً في سوريا بدعمها السياسي والعسكري للنظام كما هو معروف، وان لا يتردد لافروف في القول، ان ربط الصراع في سوريا بوصفات خارجية يعكس مصالح الخارج، وان التدخل الخارجي هو الذي عطّل اتفاقات جنيف، مع انه هو الذي عطّلها بإسقاط النص عن الانتقال السياسي.
واذا كان “التدخل الخارجي يخدم اهدافاً جيوسياسية خارجية” كما يقول، فمن الواضح تماماً ان التدخل الروسي والإيراني في سوريا يخدم أهداف موسكو وطهران، لكنه لم ولن يخدم سوريا وقد باتت اكبر مأساة في العصر!
النهار
اتساع مساحة التنسيق الروسي – الإيراني ودور مصري مساند
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
قام وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، بزيارةٍ إلى طهران في 19-21 يناير/كانون الثاني الجاري، وقّع في أثنائها مذكرة تفاهمٍ لتعزيز التعاون العسكري والدفاعي الثنائي مع نظيره الإيراني، حسين دهقان، وهي الزيارة الأولى لوزير دفاعٍ روسي منذ عام 2002. وتنص المذكرة على توسيع التعاون العسكري بين البلدين في مجال التدريب، وتنظيم مناورات مشتركة، ودعم الأمنين، الإقليمي والدولي، ومكافحة “الإرهاب والتطرف والميول الانفصالية”. وذهبت وسائل إعلام محسوبة على إيران، أو قريبة منها، إلى الحديث عن نشوء تحالفٍ استراتيجي بين الطرفين، كما جرى تداول تسريبات أنه تم في الزيارة “توقيع عقود موازية لتسليم إيران بطاريات إس-300″، والتي كانت روسيا امتنعت عن تسليمها لإيران سابقًا، وطائرات مقاتلة روسية حديثة “سوخوي-30″، إضافة إلى تحديث مقاتلات “ميغ-29” و”سوخوي-24″، وبيع قطع غيار ومحركات. كما حاولت وسائل إعلام روسية إضفاء أهمية كبيرة على الزيارة التي تأتي في ظروف حساسة ودقيقة، عبر الحديث عن مصالح مشتركة كثيرة تجمع الطرفين.
تحالف استراتيجي أم لقاء مصالح عابر؟
يبدو إبراز أهمية زيارة وزير الدفاع الروسي إلى طهران مفهومًا، بسبب بعدها الإستراتيجي وخدمتها مصالح الطرفين؛ في ظل تعرّض كلٍ منهما لضغوط غربية شديدة، إيران فبسبب برنامجها النووي، وروسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. ومع ذلك، لا تشير الاتفاقية العسكرية الأخيرة، بالضرورة، إلى حصول تغيِّر استراتيجي في العلاقة بين البلدين، بالنظر إلى تاريخٍ طويلٍ من الشكوك وانعدام الثقة؛ إذ طالما استخدمت روسيا إيرانَ ورقةَ ضغطٍ ومساومةٍ في علاقتها المعقدة مع الغرب، وهي لم تكتفِ بالسماح بفرض عقوبات قاسية في مجلس الأمن
“أبدت روسيا امتعاضًا شديدًا بسبب إقصائها عن المفاوضات السرية التي كانت تجري بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان، وأدت إلى التوصل إلى اتفاق جنيف المرحلي حول البرنامج النووي الإيراني”
التابع للأمم المتحدة على طهران، بل صوّتت إلى جانب جميع القرارات ضدها بشأن برنامجها النووي؛ مثل القرارات 1737 لعام 2006، و1747 لعام 2007، و1803 لعام 2008، و1929 لعام 2010. كما امتنعت موسكو في عام 2010 عن تنفيذ التزاماتها المتعلقة بتزويد طهران بنظام “إس-300” الدفاعي الصاروخي، على الرغم من تسديد قيمته البالغة 800 مليون دولار، وقد قدمت طهران، بسبب ذلك، دعوى قضائية إلى محكمة التحكيم في باريس، طالبت فيها موسكو بتسديد أربعة مليارات دولار لعدم التزامها تنفيذ العقد الموقع بين الطرفين. كما رفضت روسيا، على الدوام، الطلب الإيراني المتكرر بصيانة الغواصات الإيرانية التي كانت ستمنح إيران، في حال إعادة تأهيلها، مناورة عسكرية واسعة في الخليج العربي والمحيط الهندي. بالإضافة إلى ذلك، ماطلت موسكو عشر سنوات، لإنهاء بناء مفاعل بوشهر النووي، وتجهيزه وتشغيله، بعد أن ظلت تستخدمه أداة للمساومة مع الغرب. وتغذي هذه المواقف الروسية وغيرها شكوك تيارٍ قوي في طهران، لا يثق بالروس، ويخشى من الإفراط في الاعتماد عليهم.
أما الروس، فلديهم هواجسهم الكبيرة، أيضًا، تجاه السياسات الإيرانية، فمن جهة لا تخفي موسكو قلقها إزاء احتمال حصول طهران على السلاح النووي. وفي هذا الشأن، تبدو المواقف الروسية أقرب إلى الغرب منها إلى طهران، كما بدا واضحًا في اجتماعات مؤتمر منظمة حظر انتشار الأسلحة النووية في موسكو في السنة الماضية. ومن جهة أخرى، يسري اعتقادٌ واسعٌ بين المسؤولين الروس بأنّ طهران سوف تبادر إلى الاستغناء عنهم، في اللحظة التي تنفتح فيها آفاق التعاون مع الغرب، خصوصًا الولايات المتحدة؛ فقد أبدت روسيا امتعاضًا شديدًا بسبب إقصائها عن المفاوضات السرية التي كانت تجري بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان، وأدت إلى التوصل إلى اتفاق جنيف المرحلي حول البرنامج النووي الإيراني. كما يبدي الروس شكوكًا متزايدة تجاه فتح مسار تفاوض ثنائي بين أميركا وإيران، بعيدًا عن صيغة 5+1 التي تشارك فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا.
وعلى الرغم من عدم إبداء مخاوف علنية، فإنّ روسيا قلقة من طموحات إيران في أن تحل محلها مصدراً رئيساً للطاقة إلى أوروبا، وتعلم روسيا أنّ الطاقة هي أحد أهم أسباب انفتاح الغرب على إيران، ومحاولته التوصل إلى اتفاق بشأن الملف النووي الذي يعرقل هذا التوجه. وعلى الرغم من ذلك كله، تحولت روسيا إلى هدف لـ “الاحتواء” والعقوبات الغربية، كما جاء في خطاب حال الاتحاد، أخيراً، للرئيس الأميركي، باراك أوباما؛ ما يفتح المجال أمام تنسيق إيراني – روسي كبير، في ظل تنامي مصالح مشتركة كبيرة بينهما، في معظم ملفات المنطقة. ويختصر مدير مركز تحليل الإستراتيجيات في موسكو، روسلان بوخوف، ذكر هذه المصالح، بقوله صراحةً “إنّ إيران الشيعية تقف، مثل روسيا، ضد الحركات الإسلامية السنية المتطرفة في الشرق الأوسط. كما أنّ إيران وروسيا متضررتان من تراجع الأسعار العالمية للنفط، وتطالبان بزيادة هذه الأسعار. فضلًا عن الوضع المتوتر حول روسيا في أوروبا، بسبب أوكرانيا، وفي الشرق الأوسط حول إيران والعقوبات الغربية المفروضة عليهما”.
ساحات جديدة للتنسيق
ومع أنه لا يخفى وجود تنسيق إيراني- روسي في الأزمة السورية بشأن دعم استمرار نظام الرئيس بشار الأسد، لأسباب تتعلق بكل منهما، ويشمل ذلك تقديم جميع أشكال المساعدة العسكرية والمادية وغيرها، فقد أدى صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش”، واحتلاله أجزاء واسعة من العراق في صيف 2014 إلى تعزيز المصالح المشتركة الإيرانية – الروسية في المنطقة؛ إذ تعتبر روسيا وإيران أنّ صعود التنظيمات الجهادية وتمدّدها يمثل تحديًا كبيرًا لسياساتهما الإقليمية ومصالحهما القومية. لكنّ الجديد في الأمر بروز مؤشرات على وجود تنسيق روسي – إيراني في الأزمة اليمنية؛ إذ يدور صراع شديد بين جماعة أنصار الله الحوثية، القريبة من إيران، وسلطة الدولة اليمنية.
وترى موسكو التي كانت تربطها علاقات وثيقة بجنوب اليمن في سنوات الحرب الباردة، في الأزمة الراهنة في اليمن فرصةً تسمح لها بعودة نفوذها إلى جنوب شبه الجزيرة العربية، عبر بوابة الحرب الأهلية، مثل المسألة السورية، لكنّ السبب الأبرز في نشوء تنسيق إيراني – روسي في اليمن هو رغبة الطرفين في تهديد المملكة العربية السعودية والضغط عليها؛ فموسكو لا تخفي امتعاضها من سياسة السعودية التي رفضت في اجتماع منظمة الدول
“السبب الأبرز في نشوء تنسيق إيراني – روسي في اليمن هو رغبة الطرفين في تهديد المملكة العربية السعودية والضغط عليها”
المصدرة للنفط “أوبك” في نوفمبر/تشرين ثاني 2014 تخفيض إنتاج المنظمة لوقف تدهور الأسعار في الأسواق العالمية. كما ترى موسكو أنها مستهدفة، هي وطهران، مما تعتقد أنه حرب أسعار تشنها السعودية ضدهما بالتنسيق مع واشنطن، للحصول على تنازلات في ملفات إقليمية عديدة؛ وهي اتهامات رددها الرئيس فلاديمير بوتين، في حين هدَّد الرئيس حسن روحاني الذين يقودون سياسة تخفيض أسعار النفط العالمية بدفع الثمن.
ومن منظور أوسع، ترى موسكو أنّ استيلاء الحوثيين على صنعاء، وتنامي نفوذهم في عموم اليمن، يخدم مصالحها في جنوب شبه الجزيرة العربية على المدى البعيد؛ إذ تنظر موسكو إلى الحوثيين بوصفهم جزءًا من المحور الشيعي الذي تجد نفسها في تحالفٍ موضوعي معه، في مواجهة القوى السنية في المنطقة، سواء أكانت دولًا أم تنظيمات، والتي تعدها تهديدًا استراتيجيًا لها ولمصالحها. ويبرِّر هذا الموقف أنّ الحوثيين هم خصوم القاعدة الرئيسين في اليمن؛ لذلك، نجد أنّ معظم سلاحهم معدات روسية تنقلها سفن إيرانية، وتشمل صواريخ “سام 2″ و”سام 3” المضادة للطائرات. ويظهر الدعم الروسي للموقف الإيراني والحوثيين في مجلس الأمن؛ إذ تعمل روسيا بهدوء على عرقلة مساعي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، جمال بن عمر، والحيلولة دون حصوله على دعمٍ كافٍ من مجلس الأمن لجهده الهادف إلى إبطال مفعول التغييرات التي جرت في اليمن بقوة السلاح، وتأكيده على مبدأ العودة إلى العملية السياسية، وتنفيذ اتفاق السلم والشراكة الذي تمّ التوصل إليه عشية استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014.
وفي موازاة تنامي مؤشرات الدعم الذي تمنحه روسيا للموقف الإيراني في اليمن، يبدو الموقف المصري مستغربًا من الأزمة السورية، والذي ينطلق من أجندة داخلية، يهيمن عليها هاجس الخوف من تيارات الإسلام السياسي، بأنواعها المختلفة، لكنه يصب، في نهاية المطاف، في خدمة المصالح الإيرانية والروسية. وبدلًا من أن تنظر مصر إلى التمدد الحوثي – الإيراني في اليمن، بوصفه تهديدًا لأمنها القومي، من خلال إمكانية السيطرة على مضيق باب المندب، ومن ثمّ التحكّم بخطوط النقل البحرية عبر قناة السويس، يبدو أنّ مصر تعمل على تحقيق الأهداف الروسية – الإيرانية في سورية، عبر ضغطها لتشكيل معارضة، تشكّل بديلًا للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وتقبل بحلٍ سياسي، يتضمن القبول بمبدأ بقاء نظام الرئيس بشار الأسد، بدلًا من التمسك بنص “بيان جنيف 1” الذي يدعو إلى تشكيل جسمٍ انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، لقيادة مرحلة انتقالية في سورية، تؤدي إلى قيام نظام حكم ديمقراطي. ويكاد يتطابق الموقف المصري، في هذا الشأن، مع الموقفين الروسي والإيراني اللذيْن يسعيان إلى إنتاج “صيغة سلطة حكم” تجمع النظام والمعارضة، ويكون هدفها الأساسي محاربة الجماعات الإسلامية، جزءاً من الحرب على الإرهاب التي يستثمر الجميع فيها.
خاتمة
تعيش المنطقة العربية حالةً من السيولة الشديدة، تصل إلى حدّ الفوضى التي ينشرها المشروع الإيراني، في سعيه إلى تحقيق الهيمنة الإقليمية، فيما يبدو الدور الروسي داعمًا مرحليًا له، نتيجة نشوء مصالح مشتركة، أهمها مخاوف موسكو غير المبررة من تنامي قوى الإسلام السني، وتحيّز روسيا المبدئي لأنظمة شبيهة بنظامها السلطوي الرافض لمفهوم الثورة والتغيير. وفي الوقت نفسه، تبدو بعض القوى العربية، وفي مقدمتها النظام المصري، مشغولةً بهواجس بقائها، بدلًا من الانشغال بحماية المصالح العربية العليا التي يمثل الصعود الإيراني أحد أهم تهديداتها.
العربي الجديد
وَهم موسكو السوري/ سلام الكواكبي
انتهت “دردشات” موسكو، السورية الأخيرة، بمثل ما بدأت به، بلا طعم ولا رائحة، عدا عن لقاءات هامشية بين أشخاص هامشيين سياسياً على الأقل. وحسناً فعل عدد ممن ظن، في البداية، أن من الممكن أن يلعب الدبّ الروسي، الجريح نفطياً وعزلاً دبلوماسياً وتوتراً إقليمياً وداخلياً، دور الوسيط في “حربٍ” يؤمن بأنه طرف فيها، ولو لم يكن الطرف الأساس. وقد رعاها فيتالي ناومكين، المستشرق المشهود له بعمق ثقافته العربية والمُسخّرة في تحليلاتها وفي استنتاجاتها لملاءمة سادة الكرملين مهما تغيّروا. ويُشهد له بأنه من أهم أصحاب العبارات الساخرة/الهادئة من كل الموقف المعارض السوري بمختلف تلاوينه. كما يتميّز بصمته الانتقائي ووشوشاته غير العلنية، والتي تخصّ تفاصيل يدّعي معرفتها. وربما كان على حق في الغالب، لأنه مزج بين وظيفتي الباحث/المحلل والعنصر الأمني عالي المستوى. مدرسة عالمية، لم ولن تقتصر على الروس، لكنها في حالات مختلفة أقل وضوحاً ومباشرةً و”وقاحة”.
وبعيداً عن الأحكام المتسرّعة والمشخصنة بخصوص من حضر، فمن المقبول، إنسانياً على الأقل، حسن الظن بمن يسعى، بكل ما أوتي من تراجع بنيوي وفكري، إلى وقف المقتلة السورية، ولو اضطره الأمر إلى تقديم أعتى التنازلات مما لا يمتلك منه شيئاً، أو مما لا يمكنه التأثير فيه بشيء. إنه موقف إنساني مُحبّذ لمن فقد الأمل، ولمن يسعى إلى وقف سيلان الدم السوري الغالي. فمن حيث المبدأ، إذا، من رضي على نفسه المشاركة من بعض شخوص المعارضة السياسية “المعتدلة جداً”، لم يقترف أي ذنب أخلاقي أو وطني، أو ما شابه، يُحاسب عليه. ومن المؤسف أن حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بنعوتٍ وتوصيفات خارج نطاق المقبول من الخطاب.
في المقابل، تُعتبر المشاركة “سذاجة” سياسية بامتياز. وبالتأكيد، فمن خلال استعراض “الأعمال الكاملة” للمعارضات السياسية السورية، بتلاوينها المختلفة، والمتصارعة منذ اليوم الأول للمسار الثوري، لا تُعتبر هذه السذاجة إلا جزءاً من سلسلة ووفاءً لتقاليد عريقة. وأيضاً، لا يمكن أن يتمايز به شخوص موسكو عن غيرهم بنقاطٍ كثيرة. ولكن سذاجة هذه المرة سبق وأُشير إليها، وتم التنبيه منها، ممن رضي، بدايةً، الخوض في المستنقع الروسي. واستنكف هؤلاء “المُبَشّرون بالعقل” عن قبول المشاركة، حماية لما تبقى من ذكائهم المستهلك. فروسيا، عبّرت، وبصراحة منقطعة النظير، عن أنها طرف واضح في الصراع الداخلي السوري، ليس من خلال الدعم البشري والعسكري فحسب، بل بالمواقف السياسية المُتسقة والحملات الإعلامية المُحترِفة. كما أنها أدارت ظهرها للمعارضة الأقرب إليها، وتخلّت عن أية مطالبة بالإفراج عن شخوصها المعتقلين، لخوضهم في تفاوض جدي ومبني على أساس انتقال مدروس في المشهد السياسي. لم تستطع موسكو، مثلاً، وربما لم ترغب، أن تتدخل أو تضغط لإطلاق سراح المعارض عبدالعزيز الخير. وهي عملت، ومنذ البداية، على رفض الحوار الجدي حول المقتلة السورية، وسعت، أيضاً، إلى إجهاض اتفاقية جنيف الأولى، ولم تلعب إلا دور المراقب/الشريك في الثانية، ومدّت طوق النجاة بمساعدة أميركية واضحة إلى من استخدم السلاح الكيميائي ضد المدنيين في أغسطس/آب 2013.
“مسرح العبث كان حاضراً في موسكو، لم يكن فيه إلا ممثل واحد أساسي، هو الروسي المبتسم سخرية، لأنه يعرف قيمة اللعب بالوقت”
مع ضرورة الحوار مع الروس، ومع الإيرانيين، للوصول إلى إطلاق العملية السياسية، ووقف المقتلة العبثية، لما لهما من دور أساس في استمرارها، إلا أن هذا الحوار لا يمكن أن يكون “حوار مغفّلين”. ويجب أن يستند إلى معطيات السياسات المتبعة من الدولتين. أما الاعتقاد بأن موسكو قادرة على لعب دور الوسيط بين معارضة “معتدلة جداً”، أضافت إليها من لدنها معارضة “أمنية جداً” وأشخاصاً هلاميين، من جهة، والنظام السوري ضعيف التمثيل من جهة أخرى، فهذا الاعتقاد يمكن أن يُنظر إليه، إن اجتمعت كل النيات الإيجابية، على أنه قليل مدخلات الذكاء وضعيف مخرجات الوعي.
قبل أيام، جمعت في القاهرة مؤسسة، غير حكومية نظرياً وشديدة الحكومية عملياً، ممثلين عن معارضاتٍ سوريةٍ، سعياً إلى التوفيق بينها، تمهيداً لمشاركة فاعلة في “حوار” موسكو. فشل اللقاء، ولو أنه جاء في وقت مستقطع من التأثيرات الإقليمية على المعارضات السورية، في إعطاء أي سندٍ حقيقي لموقف من ارتضى المشاركة في مسرحية موسكو. وبالنتيجة، استنكف غالبية حضور القاهرة عن الذهاب إلى موسكو. حيث تم لقاء موسكو بمجموعة من الكومبارس الذين ملأوا الشاشات بابتساماتهم الجليلة، وكادوا أن يوقعوا وثيقة بالدم دعماً للنظام، بناءً على اقتراح إحدى المعارضات الآتيات من دمشق. مسرح العبث كان حاضراً في موسكو، لم يكن فيه إلا ممثل واحد أساسي، هو الروسي المبتسم سخرية، لأنه يعرف قيمة اللعب بالوقت، ومجموعة من الكومبارس، ضعيفي الأداء وكثيري الجعجعة.
هل يعترف من ارتضى على نفسه لعب هذا الدور بفشله؟ هل يعلن ندمه؟ هل يعتذر؟ إنها طلبات غرائبية عن المجتمع السياسي الطارئ، وعن شخوصه الطارئين. ولكن، أن يكتشف بعض هؤلاء، بعد عودتهم، أنهم شاركوا في مسرحية مملة ليست ذات طعم كافيار ولا رائحة فودكا، فهو دليل إضافي على استهزائهم بذكاء السوريين، ومحاولة تبرئة ذات متأخرة للغاية.
العربي الجديد