منذر خدّام: التغيير الوطني الديمقراطي يتوقف على سلوك السلطة في الدرجة الأولى
علي حسّون
المعارض منذر خدام لـ “بلدنا”:
كيف يمكن للمعارضة المشاركة في حوار مع السلطة وهي تقدّم أقطابها يومياً في إعلامها وخطابها على أنهم خونة؟
قبيل انطلاق الاحتجاجات الشعبية في سورية، كان المعارض السوري منذر خدام واحداً من القلائل الذين استشرفوا ما يحدث اليوم؛ إذ نبّه ضيفنا في هذا الحوار، في مقالة له بعنوان “آفاق الزمن القادم”، إلى أنَّ ما يجري في الدول العربية هو “ثورة في التاريخ”،
متوقعاً ألا تستثني سورية، ومطالباً بملاقاتها عبر إصلاحات عميقة وجدية، تؤدي إلى تأسيس نظام ديمقراطي تعددي.
وعاد خدام -وهو أحد مؤسسي حركة “معاً من أجل سورية حرة ديمقراطية”- إلى طرح رؤيته هذه في أكثر من مناسبة بعد انطلاق الاحتجاجات، وكان آخرها ضمن مبادرة شاملة للخروج من الأزمة.
وحتى اليوم، وبعد مضي ثمانية أشهر من عمر الأزمة، ورغم أنَّ الوضع أصبح أكثر تعقيداً -كما يقول- مازال خدام على قناعة تامة بالرؤيا التي قدَّمتها حركة “معاً من أجل سورية حرة وديمقراطية” و”هيئة تنسيق قوى التغيير الديمقراطي” -وهو عضو فيها أيضاً- كخارطة طريق للخروج من الأزمة والعبور بسورية إلى الديمقراطية والتعددية.
في هذا الحوار مع المعارض منذر خدام، تفصيل لهذه النقاط، وغيرها مما يشغل بال السوريين هذه الأيام. وهذه دعوة إلى قراءتها:
¶ ترأست مؤتمر سميراميس، الذي كان باكورة اجتماعات المعارضة السورية في الوطن، ثم عقدتم مؤتمراً آخر في ريف دمشق.. هل تراهنون على هذه المؤتمرات الداخلية، على أساس أنَّ حلّ الأزمة ينبع من الداخل فقط؟
– السوريون من حقهم أن يجتمعوا أينما يجدون ذلك مناسباً، سواء في الداخل أم في الخارج، لتدارس ما يجري في بلدهم، وعرض تصوراتهم؛ لتجنيب سورية المخاطر المحيطة بها، والمساهمة في عملية التغيير الضرورية إلى نظام ديمقراطي. نحن، بصفتنا معارضة وطنية ديمقراطية موجودة داخل سورية، كان من الطبيعي أن نجتمع في الداخل لتدارس ما نستطيع المساهمة به على طريق التغيير الوطني الديمقراطي، ونجحنا في عقد أول مؤتمر للمعارضة السورية منذ أكثر من نصف قرن في فندق سميرأميس في دمشق. ورغم كلّ الضغوط التي تعرّض لها المؤتمر، فقد نجح في إنجاز مهمته، وهي إيصال رأي قسم من المعارضة إلى السلطة التي تجاهلته كعادتها. أما بالنسبة إلى مؤتمر حلبون فهو مؤتمر تنظيمي لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي، وهو الآخر نجح في إنجاز جدول أعماله، وأصدر بياناً ختامياً بالقرارات والتوصيات التي توصل إليها، وتجاهلته السلطة أيضاً.
نعم ينبغي أن يكون الحلّ سورياً ومن الداخل؛ فهو وحده القادر على تجنيب الكيان السياسي السوري مخاطر تهدّده في وجوده. وإنَّ المعارضة الوطنية الديمقراطية متمسكة بذلك، لكن المشكلة أنَّ السلطة ماضية في خيارها الأمني، الذي قد يستدعي التدخل العسكري الخارجي الذي نرفضه بشدة، أو الاقتتال الأهلي الداخلي الذي نعمل ما في استطاعتنا لتجنبه. إنَّ سياسة السلطة الخاطئة في معالجة الأزمة الراهنة هي المسؤولة عن إضعاف سورية، وجعلها عرضة لتدخل القوى العربية والإقليمية والدولية في شؤونها الداخلية.
¶ كنت ممن قالوا بأنَّ حلَّ الأزمة السورية يتمّ عبر صناديق الاقتراع؛ “لأنَّ شعار إسقاط النظام مستحيل في الشارع إلا بثمن لا تستطيع سورية تحمّله”.. هل ما زلت على هذا الموقف، أم أنَّ تطوراً طرأ على موقفك، نتيجة تطور الأحداث وتسارع وتيرتها؟
– إنَّ إسقاط النظام هو عملية قد تستغرق سنوات، وليس حدثاً. ومن البديهي أنه لا يمكن البدء بإقامة نظام ديمقراطي تعددي يؤسّس لبناء دولة مدنية ديمقراطية دون البدء بعملية موازية، هي عملية تفكيك النظام الاستبدادي القائم، يطلق على هذه العملية عادة اسم “عملية التغيير الوطني الديمقراطي الشاملة”. بمعنى آخر، لابدَّ من البدء بإسقاط النظام الاستبدادي القائم حتى يتسنّى الشروع في بناء نظام ديمقراطي جديد.
كيف سوف تبدأ هذه العملية؟.. من الصعوبة بمكان الإجابة عن هذا السؤال بصورة يقينية؛ نظراً إلى طبيعة النظام القائم، وتركيزه على الحلول الأمنية، وكذلك نتيجة طبيعة المعارضة والظروف المحيطة بها، والتدخلات الدولية في الشأن السوري.
من حيث المبدأ، يتوقف تحديد المنطلق المحتمل لعملية التغيير الوطني الديمقراطي على سلوك السلطة في الدرجة الأولى. فإذا استمرّت السلطة ماضية في خيارها الأمني، فإنها تستدعي حثيثاً التدخل الخارجي، ومنه العسكري، لإسقاطها، مع كلّ ما يترتب على ذلك من مخاطر على الكيان السياسي السوري. نحن، في حركة معاً أو في هيئة التنسيق الوطنية وحتى في مؤتمر سميرأميس لبعض المعارضين المستقلين وغير الحزبيين، كنا قد وضعنا تصوراً مفصلاً للمرحلة الانتقالية من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي، وهي لا تزال صحيحة بصورة عامة، وهي تتلاقى إلى حد كبير مع مبادرة جامعة الدول العربية القديمة والجديدة، التي تحفظت عليها السلطة كالعادة.
¶ في أحد تصريحاتك، قلَّلت من أهمية صعود الإسلام السياسي ومن حجم الإخوان التمثيلي، فيما يتخوف كثيرون من دورهم.. هل ما زلت تتبنّى نفس الموقف، أم أنَّ مجريات الأمور وبروز جماعات مسلحة يربطها النظام بالإسلاميين غيّرت من هذا الموقف؟
– النظام هو المسؤول عن تضخيم دور الإسلاميين، في محاولة لاستغباء السوريين، من أن البديل منه هو مجيء الإسلاميين إلى السلطة، وتحديداً الإخوان المسلمون. لم تعد تنطلي هذه المحاولة على الأغلبية الساحقة من السوريين. لنقم بعملية حسابية بسيطة: تمثّل الأقليات الدينية على الأقل نحو 35 % من الشعب السوري، يضاف إليهم نحو 10 % إلى 15 % أقليات قومية. هذا يعني أنَّ نحو 40 % إلى 45 % من السوريين هم خارج نفوذ الإخوان المسلمين. إضافة إلى ذلك، في ظروف الديمقراطية، سوف تتشكل أحزاب سياسية عديدة تنافس الإخوان على خلفياتهم الاجتماعية التي يدعون تمثيلها. ولذلك في أحسن حالاتهم لا يمكنهم الحصول على أكثر من 15 % إلى 20 % من أصوات الناخبين. وهذا ما يصرّح به قادتهم. أضف إلى ذلك، لقد جرت تحولات ذات مغزى على طبيعة الإخوان المسلمين في سورية، غيَّرتهم من حزب عقائدي إلى حزب تمثيلي، من حزب يقول برنامجي هو القرآن والسنة إلى حزب لديه برنامج سياسي وضعي.
¶ يطالبكم بعضهم بإصدار بيانات تندّد بقتل الجيش، وخاصة بعد قول هؤلاء بوضوح دور السلاح في الحراك، الذي رفضتم وصفه حتى الآن إلا بالسلمي.. هل ستفعلون؟
– عندما يُطالَب السياسي بموقف من مظاهر العنف، أياً تكن الجهة التي تقف وراءها، ينبغي تأمين وصوله إلى المعلومات الدقيقة، حتى يكون موقفه مبنياً على معطيات مقنعة. المشكلة أنَّ النظام، منذ بداية أحداث درعا وحتى اليوم، يركز في خطابه وإعلامه على وجود مؤامرة دولية ووجود عصابات مسلحة تقتل المدنيين والعسكريين، في غياب كامل لمصادر أخرى محايدة للمعطيات، إعلامية كانت أم حقوقية.. إنه يريدنا أن نردّد مقولته تماماً. في البداية، كانت خطة بندر بن سلطان، ومن ثم صارت إمارات سلفية، واليوم هي عصابات مسلحة. بعد نحو ثمانية أشهر على انتفاضة الشعب السوري، لا أحد ينكر وجود مسلحين يشتبكون مع الجيش ويسقط من الجميع قتلى وجرحى. وهذا يؤلمنا جميعاً.. إنهم أهلنا، أرواحهم ودماؤهم غالية علينا. لقد أدنت، في أكثر من تصريح ومقالة، قتل السوريين، وقلت: من يقتل سورية هو مجرم، ينبغي أن يُحاسب على جريمته. مع ذلك، هل الاعتراف بوجود مسلحين يحلّ المشكلة، وها أنا أعترف بذلك، بل لديّ خشية حقيقةً من أنهم سوف يزدادون باستمرار، طالما استمرّت السلطة في خيارها الأمني، وطالما لا يوجد أفق سياسي مقنع لحلّ الأزمة. ومنذ أكثر من شهرين، قلت “هناك من بين المتظاهرين من حمل السلاح دفاعاً عن نفسه، أو ثأراً لقريب صُرع أمام عينيه، أو منعاً لاقتحام بيته أو حارته أو شارعه.. في تعبير واضح عن فقدان الصبر والتحمّل. وهناك أيضاً بعض المجموعات، مثل المهربين ومن في حكمهم، قد استغلت الحراك الشعبي، لتنفيذ عمليات قتل ضدَّ مدنيين وعسكريين، من أجل تعميم الخوف والترويج لتجارة أدوات القتل والإجرام. ولا أستبعد أن تكون بعض المجموعات الإرهابية قد استفادت من الوضع العام في البلد، لتمارس هواية القتل التي تجيدها”. وإذا كان الطابع العام الغالب لانتفاضة الشعب السوري لا يزال سلمياً، فإنَّ لجوء بعضهم إلى السلاح تحت أيّ ذريعة كان سوف يضرّ بالانتفاضة، ويسهم في الدفع نحو الاقتتال الأهلي بين السوريين. وهذا ما حذَّرت منه دائماً، وأحذِّر منه مجدَّداً.
¶ هل ما زلتم مصرّين على إعادة الجيش إلى ثكناته، بعد كلِّ ما بثّته وتبثّه وسائل إعلام محلية وحتى خارجية عن عصابات مسلحة، تزدهر بسرعة في المناطق التي يجري إخلاؤها من قوى الجيش والأمن؟
– من حيث المبدأ، لا يجوز زجّ الجيش في مواجهة شعبه، فهذا مضرّ بسمعة الجيش، ويلحق أضراراً كبيرة بالشعب. من المؤسف، أن ترفع شعارات تخوّن الجيش السوري؛ فالجيش هو المؤسسة الوطنية الجامعة التي ينبغي الحفاظ عليها ورعايتها. نحن، في مؤتمر هيئة التنسيق، دعونا إلى إجراء مصالحة بين الجيش والشعب، وقلنا إنه لا شعب بلا جيش يحميه، ولا جيش بلا شعب يرعاه. إنَّ المخرج من هذه المعضلة يكمن في إيقاف الحلّ الأمني والسماح بالتظاهر السلمي، والبدء بعملية سياسية جدية للتغيير الوطني الديمقراطي. إنَّ أيَّ تأخير في هذه العملية السياسية سوف يعقّد الوضع أكثر.
¶ من يقود من؛ الحراك على الأرض بما ينقصه من تنظيم ورؤيا، أم أنتم القوى الديمقراطية؟
– لقد جاء الحراك الشعبي في سورية في سياق الحراك الشعبي العربي، كسؤال في التاريخ للنظام الاستبدادي العربي، مستلهماً منه شعاراته ومطالبه وأساليبه. قلّة من المشتغلين في الحقل السياسي والثقافي في سورية كانت تتوقّع امتداد الحراك الشعبي العربي إلى سورية لأسباب مختلفة، وربما كانت مقالتي “آفاق الزمن القادم” حالة استثنائية. من هذه الناحية، الحراك الشعبي السوري انطلق بلا قيادة، وبصورة متردّدة في البداية، ليأخذ لاحقاً زخماً متصاعداً، حتى تحوَّل إلى حراك جماهيري في درعا وحماة وديرالزور وحمص، ليعود فينكفئ بعض الشيء من جراء مواجهة السلطة له بالعنف. القوى السياسية المعارضة في سورية، على اختلافها، استفاقت على الحراك، وحاولت جاهدة اللحاق به؛ في ظاهرة تعبّر عن عدم نضج المعارضة السورية؛ حيث أخذ السياسي يتخلّى عن وظيفته، ليتحوَّل إلى مردّد لشعارات الحراك. لا تزال القوى المعارضة، على اختلافها، مرتبكة؛ فهي لا تزال متردّدة في ترجمة شعارات الشارع إلى رؤى سياسية وبرامج؛ خشية أن تنزل دون مستوى شعارات الشارع. والشارع، بطبيعته، حقل تعبوي، لا يستطيع، وليس من مهامه، أن يترجم شعاراته إلى رؤى وبرامج سياسية. لذلك تحاول المعارضة التقليدية، سواء في الخارج أم في الداخل، التغطية على ضعفها وتردّدها، من خلال كثرة المؤتمرات التي تدعو إليها، على أمل أن تصير قائدة وموجّهة للانتفاضة.
¶ هل هناك خطوط حمر لإنشاء تحالفات مع قوى وشخصيات أخرى، وعلى أي أساس تختارون حلفاءكم؟
– بالطبع ثمة خطوط حمر بالنسبة إلى أيّ تحالفات سياسية، فكيف إذا كان موضوع هذه التحالفات قضايا كبرى تتعلّق بمستقبل سورية وشعبها. لايمكن القبول بالتحالف مع أيّ شخص أو قوة سياسية تعمل أو تسعى إلى تهديد الكيان السياسي السوري عن طريق استدعاء التدخل العسكري الخارجي مثلاً، أو تعمل على تفتيت وحدة نسيج الشعب السوري، أو تعمل وفق أجندات خارجية تضرّ بمصلحة الشعب السوري وبسيادة سورية. لا يمكن التحالف مع أيّ شخص أو قوّة سياسية لا يكون موقفها واضحاً من قضية الديمقراطية المنشودة، بحيث تقوم على مفهوم المواطنة وليس على أساس المحاصصة الطائفية. تحالفاتنا السياسية تسترشد بمصلحة الشعب السوري فقط.
¶ كيف تنظر إلى تشكيل المجلس الانتقالي السوري وإلى تركيبته، خاصة بعدما أثير حول أعضاء المجلس؟.. وهل تعتقد بأنه فعلاً يمثّل كلَّ أطياف المعارضة السورية؟..
– من حيث المبدأ، من حقّ السوريين أن يجتمعوا ويشكلوا الأطر التنظيمية التي تعبّر عنهم ويرونها مناسبة. من الخطأ، عداك عن كونه غير صحيح، أن يدّعي أيّ من تشكيلات المعارضة السورية، سواء في الداخل أم الخارج، تمثيله للمعارضة السورية بكلّ أطيافها وتوجهاتها. بالنسبة إلى المجلس الوطني السوري، الذي أعلن عنه في اسطنبول ويرأسه الدكتور برهان غليون، هو أحد تشكيلات المعارضة، وهناك أيضاً في الداخل السوري هيئة التنسيق الوطنية، التي تضمّ نحو خمسة عشر حزباً وحركة وكثيراً من الشخصيات العامة المستقلة، وهي إطار آخر للمعارضة السورية، إضافة إلى أطر أخرى موجودة. لكلّ من هذه التشكيلات التنظيمية للمعارضة السورية مشكلات، وسلبيات، وإيجابيات. بالنسبة إليّ أنا، العضو في المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق الوطنية والممثل لحركة “معاً من أجل سورية حرة وديمقراطية”، مؤمنٌ بخط الحركة وبخط الهيئة الذي يتفق مع خط الحركة بصورة عامة.
¶ هل ستشاركون في مؤتمر الحوار المزمع عقده قريباً؟
– المعارضة السورية هي التي كانت ولا تزال تطلب الحوار. فمنذ أكثر من عشر سنوات وهي تطالب بالحوار، من أجل تحقيق عملية التحوّل باتجاه الديمقراطية بصورة متدرجة وآمنة وسلمية، غير أنَّ السلطة ردَّت عليها بالقمع، فيما صار يُعرف بربيع دمشق. ولنحو خمسة أشهر من عمر الانتفاضة والمعارضة تطالب السلطة بضرورة الدعوة إلى مؤتمر وطني جامع؛ للبحث في أسلم الطرق وأقلها تكلفة على الشعب السوري، للبدء في عملية تغيير وطني ديمقراطي حقيقية، تنهي الحكم الاستبدادي، لتشيد بدلاً منه نظاماً ديمقراطياً تعددياً.. إلا أن السلطة تجاهلتها تماماً. وحتى المؤتمر التشاوري، الذي دعت إليه السلطة وترأسه السيد نائب الرئيس، لم تنفذ أيّ توصية من توصياته.
عندما دُعيت من قبل الجهة السياسية المعنية إلى جلسات الحوار التي انعقدت في اللاذقية، أجبتها بالموافقة فوراً، لكن بتحقيق شرطين بسيطين جداً، هما من واجباتها: الأول منهما أن تستنكر محاولات الاعتداء المتكررة عليّ وعلى أسرتي من قبل جهات معلومة، والشرط الثاني هو ضمان سلامتي الشخصية بعد انتهاء جلسات الحوار. فجاء جواب الجهة المعنية بأنها لا تستطيع تنفيذ الشرطين. كيف يمكن للمعارضة أو المعارضين المشاركة في حوار مع السلطة، وهي تقدمهم يومياً في إعلامها وفي خطابها وعلى مستوى جماهيرها على أنهم عملاء وخونة؟!.. ثم كيف لهم المشاركة في حوار ليست معلومة أهدافه؟!.. بالنسبة إلي، أنا عضو في حركة “معاً” وفي هيئة التنسيق الوطنية، وينبغي أن توجّه دعوات الحوار إليهما وليس إلي شخصياً. وحتى في هذه الحالة، لن أوافق شخصياً على أيّ حوار لا يستهدف البدء بعملية التغيير الوطني الديمقراطي، بتحديد معالم واضحة للمرحلة الانتقالية، تفضي، خلال أجل معلوم، إلى الانتهاء من تفكيك النظام الاستبدادي وبناء النظام الديمقراطي المنشود على أنقاضه. وفي مقدمة إجراءات المرحلة الانتقالية، إيقاف الحلّ الأمني، والسماح بحرية التظاهر السلمي وبحرية الإعلام، وإطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية المشاركة في الحراك الشعبي والسياسيين، والعفو عن جميع المنفيين كرهاً أو طوعاً، والسماح لهم بالعودة إلى الوطن، وإلغاء جميع القوانين الاستثنائية الجائرة التي صدرت خلال مرحلة إعلان حالة الطوارئ، وفي مقدمتها المرسوم رقم 4 والمرسوم رقم 6 والقانون رقم 49، وغيرها الكثير، حتى يكون لرفع حالة الطوارئ، التي أعلن عنها، محتوى جدي. إضافة إلى ذلك، لا بدَّ من الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق ذات صدقية؛ للنظر في جميع جرائم الاعتداء وقتل المدنيين والعسكريين، وتحويلهم إلى القضاء ليلقوا جزاءهم العادل. بغير ذلك لن يكون الحوار مجدياً، وبالتالي لن أشارك فيه.
¶ كاقتصادي، كيف تنظر إلى العقوبات التي اتُخذت حتى الآن ضدَّ سورية، وهل تعتقد بأنها ستنهك النظام، أم أنَّ من سيدفع الثمن في النهاية هو الشعب؟
– منذ بداية الإعلان عن اتخاذ عقوبات اقتصادية ضدَّ شخوص في النظام أو ضدَّ سورية، أعلنت بوضوح أنني ضدها؛ لأنَّ الذي سوف يدفع ثمنها هو الشعب السوري، ومازلت عند هذا الموقف. بطبيعة الحال، لن تأخذ الدول والجهات التي تصدر عنها هذه العقوبات رأيَ الشعب السوري. مع ذلك، بقدر ما يتمّ فتح أفق سياسي حقيقي للخروج من الأزمة، يمكن تجنّب عقوبات جديدة، بل يمكن إيقاف العقوبات التي اتخذت. لا يجوز أن ندفن رؤوسنا في الرمال وندَّعي أنَّ هذه العقوبات لن تؤثر في سورية وشعبها، بل هي بدأت تؤثر.
¶ صدر مؤخراً تقرير اقتصادي دولي، تحدَّث عن أنَّ خسائر سورية جراء موجة الاحتجاجات تجاوزت 27 مليار دولار.. ما دقة هذا الرقم، وهل يمكن أن تشرح لنا توزّع هذا المبلغ على القطاعات الأكثر تضرراً؟
– من الصعوبة بمكان معرفة الحجم الحقيقي لخسائر سورية جراء العقوبات الاقتصادية عليها والمناخ العام السائد في البلاد، لكنها كبيرة بالتأكيد، وكان بالإمكان تجنيب بلدنا هذه الخسائر. من الواضح أنَّ الحصار الاقتصادي على سورية والعقوبات التي فُرضت عليها كانت شديدة التأثير في قطاع السياحة الذي توقف بالكامل تقريباً، وفي النشاطات الاقتصادية المرتبطة به.. تأثر أيضا التبادل التجاري الخارجي، الذي تراجع بنحو 30 % بحسب بعض التقديرات، وتقلّص أيضاً سوق تبادل السلع الداخلي، نتيجة الميل إلى الادخار خوفاً من المجهول. تأثر أيضاً قطاع النفط، وتراجع الاستثمار كثيراً، وتنشطت حركة تهريب الأموال من داخل سورية إلى الخارج. بالتأكيد ثمة كارثة حقيقية يمكن أن تقع لا سمح الله في المستقبل غير البعيد في حال استمرار الأزمة. هل تنفع المناشدة لتجنيب سورية هذه الكأس المرة وغيرها من الكؤوس (ربما) الأشد مرارة، وذلك من خلال الشروع، دون إبطاء، في عملية تغيير وطني ديمقراطي حقيقية؟.. الشعب السوري يستحقُّ ذلك.
بلدنا