منزلقات ومخاطر/ ميشيل كيلو
باتفاق وقف إطلاق النار، تدخل القضية السورية في طورٍ مختلف، تتداخل ملامحه الواضحة ومنطوياته الخفية بطرقٍ تنقلها بصور مفاجئة من حالٍ إلى نقيضها: من وقف إطلاق النار إلى معارك تشن في جميع الاتجاهات، ومن اعتبار الطرف الآخر جيشاً حرّاً إلى شن حرب شعواء عليه، بحجة وجود عنصر داعشي أو نصراوي بين صفوفه… إلخ. يسمح هذا الوضع بخرق وقف إطلاق النار في أي وقت، والدلالة هجمات النظام على المدنيين والجيش الحر منذ لحظة إعلان وقف إطلاق النار، وتبنيها أسدياً من دون اعتراض أو احتجاج ضامني الاتفاق، الروسي والتركي، اللذين يتصرفان وكأنهما يعرفان أن ضمانتهما أولى منزلقات الاتفاق، لأن ايران لن تقبل اتفاقاً يخرجها من المأتم السوري بحصةٍ تقل عمّا تملكه اليوم في الأسدية، وليس لها مصلحة في ضمانة تقنعها أو تلزمها بوقف إطلاق نار يحمل خسارةً مؤكّدة لها. لذلك، أعلنت رفضه عبر رفضها أن تكون سورية مكاناً تتقاسم فيه “نفوذها” مع أطراف أخرى، بما في ذلك روسيا: ضامنة وقف إطلاق نار يقوّض أوضاعاً منحتها سورية في مقابل ثمن فادح، كلفها عدداً كبيرا من خيرة عسكرها. والآن: هل تغني هواتف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف، بإقناع الملالي أن ما سيقدمه لقاء الأستانة هو البديل الوحيد لتقليص وجودهم ونفوذهم، وربما الخروج صفر اليدين، من سورية، وإن عليهم قبول تفكيك وضعهم الراهن فيها؟
لإفشال سعي إيران إلى تخريب الحل في سورية، بإعلانها تصميمها على الاستمرار في احتلال سورية من خلال إبقاء حزب الله فيها، من الضروي نزع ورقة الحرب ضد الإرهاب من يدها، وتولي روسيا وتركيا شنها بالتعاون مع واشنطن، كي لا يتلاعب بها الملالي، ويستخدموها لتفجير بلدان المنطقة العربية وتدميرها. من المحتم أيضا فك علاقات الارتباط الإرهابي بين نظامي طهران ودمشق التي يتم تنسيقها على أعلى مستويات قيادتيهما السياسية والعسكرية، ولعبت دوراً مباشراً في إنتاج الوضع الكارثي العربي/ الإقليمي الراهن، واستخدمت جيشيهما ومرتزقة متعدّدي الجنسيات، يقتلون شعوب المشرق بدوافع مذهبية/ طائفية، ويهجرون أعداداً عائلات من بناتها وأبنائها ليستوطن إيرانيون قراهم ومدنهم، ويسكنوا في بيوتهم. بهذا الارتباط الذي يتخطّى السياسة إلى المجال العقدي، يصير من المحال نجاح أي جهدٍ يستهدف إخراج إيران من سورية، أو إيقاف حربهما ضد سورية، وانضمامهما إلى حلٍّ سياسيٍّ يلبي مطالب السوريين، وينشر التهدئة في ربوع المنطقة، ويوقف مجازرهما المنظمة فيها التي دمرت شعبي العراق وسورية، بتخطيط (وقيادة) الملالي: الذين جنّدوا القتلة وسلحوهم وموّلوهم.
هل سيكون باستطاعة روسيا إنجاز هذا الانفكاك عبر الأستانة، إذا كانت عاجزة عن إجبار طهران ودمشق على الالتزام بوقف إطلاق النار؟ إذا كانت تعتقد أن ذلك في استطاعتها، فهي لا شك واهمة، والدليل: إعلان طهران، بلسان كبار قادتها ومسؤوليها، رفضها قبول أي نفوذٍ أو موطئ قدم روسي أو تركي في مستعمرتهم السورية!. في المقابل، هل يعني تطنيش موسكو وأنقرة عن استمرار إطلاق النار ضد المدنيين والجيش الحر أنها عاجزة عن مواجهة هذا الوضع، وهل يكون ردّها عليه توجيه ضغطها إلى المعارضة، لأن الضغط عليها أجدى وأسهل، لأسباب بينها البلبلة التي أحدثها اتفاق وقف لإطلاق النار في صفوفها، وانقلاب الأدوار لصالح العسكر وضد الساسة فيها، وما أحدثه من ثغرةٍ يمكن النفاذ عبرها لإضعاف مواقفها عامة، والتفاوضي منها خصوصاً. وأخيراً انقساماتها التي تفاقمت بعد هزيمتها المأساوية في حلب؟.
والحال، في مقابل تماسك العلاقات الإجرامية بين إيران/ والأسد وتعزيزها، والتسعير المنسق بينهما ضد الشعب السوري، يبدو الصف المعارض هشّاً ومرشحاً لتطوراتٍ مباغتةٍ تطاول، بصورة أساسية وخطيرة، أدوار طرفيه، السياسي والعسكري، قد تغيّر بجدية علاقاتهما، وتمهد للتخلي عن حقوقٍ لطالما أقرتها وثيقة جنيف والقرارات المكملة والمفسرة لها. هذا المنزلق المحتمل الذي تواجهه القضية السورية بعد حلب، والمنزلقات الملازمة لعلاقات إيران والنظام، ولمواقف روسيا وتركيا من تعنتهما وإصرارهما على استمرار الحرب ضد الثورة، ومنع الحل السياسي، يمكن أن يفضي إلى نتائج تطيح كل ما تم إنجازه بدماء الناس، وإن تحول المأتم السوري إلى كارثةٍ لن يبقى شيء بعدها كما كان عليه قبلها، إما أن يتم تداركها، أو أن تضيع عسكرة المفاوضات والحل القليل جدا الذي لم تضيعه بعد عسكرة الثورة.
العربي الجديد