صفحات العالم

منطق «أصدقاء النظام»: الشعب يَـخضع أو يُقتل


عبدالوهاب بدرخان *

يلتقي أصدقاء النظام السوري وأصدقاء الشعب السوري على أن المعادلة الراهنة تمنع أياً من الطرفين من حسم المواجهة لمصلحته. أما الفارق بينهم فهو أن اصدقاء النظام يعتقدون أن استمراره بالقتل والتدمير يعني أنه لا يزال قوياً ومسيطراً وأن لديه مناعة ضد السقوط – وضد الإصلاح أيضاً – طالما أنهم يحولون دون أي ضغط خارجي حقيقي عليه. في المقابل دأب أصدقاء الشعب على التردد والتشكيك والحسابات، لكنهم أخذوا علماً بأن القمة العربية في بغداد خيّبت الآمال بقرارها الباهت في شأن سورية وأزمتها، لذا كان على مؤتمر اسطنبول أن يعيد التوازن الى المعادلة اياها حتى لو لم يرقَ الى طموحات الشعب.

قبيل قمة بغداد راحت مصادر النظام تروّج تحليلاً مفاده أولاً أن كوفي أنان دخل الى الاجتماع مع الرئيس السوري مبعوثاً مشتركاً للأمم المتحدة والجامعة العربية وخرج منه مبعوثاً دولياً فحسب (لكنه لا يزال مشتركاً رسمياً). وثانياً، أنه سمع جيداً كل شروط النظام ومفاهيمه الخاصة للتعامل مع مهمته، وعلى هذا الأساس أرسل نقاطه الست وتلقى الموافقة عليها مع تسجيل تلك الشروط. ثالثاً، أن مهمة أنان وخطته تتعامل مع السلطة القائمة في البلاد ولا تشكك بـ «شرعيتها» وإلا فإنها لن تتوصل الى العمل معها. رابعاً، أن معركة حي بابا عمرو وما رافقها من مجازر كانت عينة من حسم قد يتكرر ويتوسّع، والمطلوب إذاً أن ترتدع «المؤامرة» وتنكفئ ليتمكّن النظام من القيام بدوره في «اعادة الأمن والاستقرار» الى مختلف أنحاء سورية، وبالتالي اجراء الانتخابات في السابع من أيار (مايو) المقبل كخطوة سياسية حاسمة لتجسيد «الإصلاحات» المتدرجة كما يرتضيها النظام.

على أساس هذه الرواية، وما يُثار يومياً عن انقسام المعارضة ومجلسها الوطني وعن المخاوف الأميركية والغربية من أن يقود تسليحها الى حرب أهلية واحتمالات تنشّط تنظيم «القاعدة» في سياقها، استنتج النظام وأصدقاؤه الإيرانيون – وكذلك الروس والصينيون – أن مسألة «تنحي الرئيس» لم تعد مطروحة، وهو أحد عنوانين حرصت قمة بغداد على ابرازهما. كان الآخر الدعوة الى «حوار وطني» في اطار مهمة أنان، وبذلك تناغمت القمة العربية مع قمة دول «بريكس» الخمس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا) التي انعقدت في وقت متزامن في نيودلهي. من الواضح أن «أصدقاء النظام» اعتمدوا فهماً لمهمة أنان قوامه أن السعي لدى النظام كي يوقف العنف ويحاور المعارضة يعني أنه باقٍ، وبالتالي فإن القرارات العربية الأخيرة (أيدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة) بما فيها من دعوة الى نقل صلاحيات الرئيس الى نائبه قد ذوّبت وخففت في خطة أنان، أي أنها لن تُعتمد إن لم تكن قد طُويت. وفي الوقت نفسه يكون دور الجامعة انتهى عملياً، وبقيت له قناة مجلس الأمن للتحرك من خلالها لكن الحاجزبن الروسي والصيني عطّلا هذا المجلس، ثم أن حاجزاً مستجداً طرأ وهو رئاسة العراق للقمة العربية التي لا يتوقع أن تتعامل مع الملف السوري بالمقاربة القطرية ذاتها.

قبل أن يدلي الناطق باسم الخارجية السورية، عشية مؤتمر اسطنبول لـ «أصدقاء الشعب السوري»، ببيان يؤكد فيه أن صفحة «اسقاط الدولة طُويت الى غير رجعة»، كان مسؤولون ايرانيون وروس والإعلام المؤيد للنظام في لبنان سبقوه في اشاعة الفكرة نفسها. لكن الشرح الأوفى جاء من الأمين العام لـ «حزب الله» في لبنان الذي اعتبر أن «أحلام» التدخل الخارجي وتسليح المعارضة وإرسال قوات سلام عربية تبددت، وأنه منذ اللحظة التي جاء فيها أنان كان «المناخ الدولي» تجاوز اطروحات الجامعة العربية وأصبح مؤكداً «أن الأمر انتهى»، أي أن «المؤامرة» فشلت ولم يعد هناك سوى «حل سياسي» من خلال النظام وبواسطته. وما لبث رئيس الوزراء العراقي ان ذهب أبعد، مؤكداً ان النظام السوري «لم يسقط ولن يسقط ولماذا يسقط»، ومحذراً من «أزمة تراكمية في المنطقة ستنعكس علينا وعلى لبنان والأردن وفلسطين والمنطقة وحتى على الدول التي تتعامل مع هذه المسألة بلغة القوة». وإذ قال ان «وظيفتنا نحن العرب هي اخماد نار الأزمة» انتقد الداعين الى تسليح المعارضة، وأعطى بذلك اشارةً الى ما سيكون عليه توجّه بغداد لاحقاً، رغم أن الانتقادات جاءته سريعاً بأنه أبكر كثيراً في نسيان كيف أُسقط النظام العراقي السابق وإنكار مَن جاء بالحكم الحالي في بغداد. فهل هناك فارق بين طموحات العراقيين آنذاك وطموحات السوريين اليوم، أم أن المالكي تكلّم بلسان ايران؟ ثم ما قصة هذه الهواجس من تداعيات الأزمة السورية على دول الجوار وكأنها قدر محتوم ينبغي الرضوخ له وتشكيل السياسات على أساس الخوف أو التخويف منه؟

إذا كان «أصدقاء النظام» يعتقدون أن خطة أنان تؤمن «نصراً» للنظام فهذا يعني ببساطة أنها «غير متوازنة» وفقاً لمصطلحات تبالغ موسكو حالياً في استخدامها، حتى أنها لا تحتمل أن يلتئم «أصدقاء الشعب» في اسطنبول ليتضامنوا ولو لفظياً معه وترفض تحديد مهلة زمنية لوقف اراقة الدماء. فمنطق «أصدقاء النظام» يقول إن الشعب يجب أن يخضع أو يُقتل ليبقى النظام، لكن يبقى من أجل ماذا، فهو أخذ فرصته طوال أربعة عقود، والنتيجة هي ما نراه اليوم، وما بني أساساً على القمع والفساد والتزييف لا يمكن أن يدوم. غير أن «أصدقاء الشعب» يرون أنه اذا استطاعت جهود أنان أن تضمن معادلة «وقف العنف بكل متطلباته وضمان حق الشعب في التظاهر» فإن «النصر» الذي يدّعيه النظام سيتحجّم ويتضاءل، ثم أن أي مسار لحوار من أجل «حل سياسي» لا بد أن يزيل العقبة الرئيسية المرشحة لتعطيله، فقبل الدستور والحكومة والانتخابات وإصلاح القوانين، لا بد أن تُطرح أولاً مسألة المسائل المتعلّقة بسياسته الأمنية والدور المنفلت لأجهزته و»شبيحته». فمن دون اخضاع هذه المنظومة لمراجعة جذرية عميقة يستحيل أن يستقيم حوار أو اتفاق على ادارة المرحلة المقبلة وإصلاحاتها، لأن المطلوب أولاً وأخيراً أن تنتهي «جمهورية الخوف»، والشعب لم يقدّم كل هذه التضحيات ليعطي آلة القتل مشروعية جديدة.

تدرك المعارضة وأصدقاؤها أن النظام يتعاطى مع خطة أنان بشروطه، وهذه كفيلة بأن تحرف التنفيذ عن مراميه، كما أن أصدقاءه يتطلعون الى الضغط لتثبيت الأمر الواقع الذي أقامه على الأرض آملين بأن يفرض أيضاً الحل السياسي الذي يناسبه. طبعاً هذه ليست وصفة ناجعة لوقف حقيقي للعنف ولا للتوصل الى حل سياسي. انها مجرد تجربة لتمرير المرحلة.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى