صفحات سوريةغازي دحمان

منهجية روسية تجاه الأزمة السورية/ غازي دحمان()

 

 

تستدعي السياسة الجديدة تجاه سورية قراءة متعمقة لفهم طبيعة الحراك الروسي وماهيته، حيث تقع سورية في قلب ازمة روسيا وفي صلب حزمة متاعبها، بل تكاد تكون خط اشتباكها الاساس مع العالم، ذلك انه وكل ما يقال عن ازمة اوكرانيا وتداعياتها الروسية غير انها تبقى اشكالية يمكن حلها ضمن اطر وقواعد العلاقات التي اتاحتها اوروبا للشريك الروسي كما ان تداعياتها تبقى محصورة ضمن نطاق العلاقات الروسية الإقتصادية بالغرب وهي علاقات ليست استراتيجية على اعتبار ان روسيا تملك بدائل اسيوية من السهل التحول لها، في حين انّ الأزمة السورية استدعت اجراءات تمس عناصر القوة الإستراتيجية لروسيا، وهي اسعار الطاقة، حيث لا تملك روسيا بدائل ذات قيمة في هذه الحرب، وليس لديها هامش احتياطي يمكّنها من الصمود فترة طويلة في هذا النمط الصراعي.

إضافة لذلك ثمة قناعة مدعّمة بتقديرات روسية واقعية مفادها استحالة اعادة سيطرة نظام الأسد، وتاليا استعادة نظامه السابق بشكله ومحتواه، بل حتى انه يستحيل تثبيته وبالتالي مما يجعل من استمرار ضخ المساعدات له امر غير ذي جدوى، وبخاصة بعد اتساع دائرة ازمات النظام من الميداني الى الإقتصادي والسياسي وهي ازمات لا يمكن حلها، جسد النظام ممزقاً من جميع جوانبه بما يجعل من رتقه وترقيعه امراً مستحيلاً، ولعلّ الامر الأهم في الإدراك الروسي الجديد انه لا يمكن السير وراء تكتيكات نظام الاسد الطويلة الامد في اخضاع الغرب وجلبه الى رؤيته، فلم تعد روسيا تقتنع بتقديرات النظام فهي مبنية على رغبوية وعلى افتراض حصول تطورات تدرك القيادة الروسية انها لن تحصل وإن حصلت فإن تكاليفها ستكون اعلى بكثير من العوائد التي ستحققها روسيا، وخاصة بعد تحول النظام الى مجرد طرف ميليشياوي ورأسه مجرد امير حرب وبالتالي فإنّ عوائد التفاوض عليه في حال جرى توصيفه ضمن هذه الصفة ستكون قليلة، مع ادراك موسكو ان الأطراف المواجهة لها جدّية جداً في صراعها والأفضل اللجوء الى التفاوض لأن جبهة المواجهة واسعة تمتد من اوكرانيا وسورية الى خفض اسعار النقط والعقوبات الإقتصادية.

هل تقوم روسيا بعملية انسحاب أو نزول عن الشجرة؟، بمعنى هل ستجري روسيا استدارة في مواقفها من الأزمة، ثمّة مؤشرات عديدة على انّ روسيا بدأت بتلك الإستدارة، وتقوم استراتيجيتها بهذا الخصوص على اعادة صياغة النظام والمعارضة معا لإنتاج «كرستا» أو طاقم جديد يتوافق مع شكل استدارتها، فهي في الواقع لم تشعر بالإرتياح يوماً للمعارضة السورية بشكلها الحالي ولم تتوافق معها وخاصة شقها الإئتلافي، كما ان النظام بتركيبته الحالية لم يعد يشكل عاملاً مساعداً على انجاز ترتيباتها في الحيز السوري نتيجة اندماجه في اطار بنية صراعية اقليمية اوسع وخاصة على مستوى صناعة القرار فيه، لذا تدرك استحالة تحقيق اي اختراق ضمن هذه التركيبة بناء عليه صمّمت الدبلوماسية الروسية استراتيجية لمواجهة هذا الواقع.

في الواقع تبدو العملية التي تخوضها روسيا في هذا المضمار معقدة، تبدأ بإسقاط المحرمات التي شكّلت عناوين الأزمة طوال الفترة الماضية عبر طرح القضية للتداول بين الأطراف على ان تأخذ المسألة بعداً ممنهجاً يتناول القضايا الأقل خلافية شرط ان يفتح ذلك الباب امام قضايا اكثر اشكالية وهكذا، ثم في مرحلة ثانية مناقشة الإقتراحات عبر تدوير زوايا بعضها وتوسعة مدى بعضها الآخر، ثم في مرحلة ثالثة مناقشة البدائل والممكنات وطرح ما هو مستحيل التحقق وتسليط الضوء على ما يمكن تحقيقه، وأخيرا التوافق حول حل ما. روسيا في المرحلة المقبلة، وفي سبيل انجاح منهجيتها ستحاول بناء تكتيكات عدة وتعتقد انها تملك مساحة لتمرير تكتياتها تلك قبل الوصول الى التنازل النهائي، او هي تتعاطى مع سياق تفاوضي يجب ان يدار هكذا، وهي تدرك انّ اوراقاً عدة ستعمل على حرقها وأنّ تكتيكات ستفشل وهي موضوعة للإستهلاك من اجل تقوية الهدف الأساسي وهو الحصول على حصّة من سورية أو الاستفادة من الاستثمارات السياسية والاقتصادية التي صرفتها في سورية اثناء انخراطها في الصراع من اجل تثبيت نظام الأسد في مواجهة الثورة ضده.

هذه الإجراءات تأتي في اطار رؤية روسية عبّر عنها نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف لدى لقائه بعض الشخصيات المعارضة والمدعوّة الى (منتدى موسكو) بالقول انّ النظام السوري القديم لم يعد موجوداً وأنّنا ازاء نظام جديد، وكان بوغدانوف نفسه قد طرح هذه الأفكار مع القيادة الإيرانية ومع امين عام « حزب الله» حسن نصر الله، ما دفع هذا الأخير الى التأكيد ان بشار الأسد هو خط احمر لا يمكن الاقتراب منه، غير ان حسابات روسيا تختلف عن حسابات حزب الله في هذا المجال، فهي وإن كانت تعادي الإسلام السني الذي تعتقد انّ الثورة السورية احد تجلياته، فإنها غير معنيّة بالصراع الشيعي – السني أو هو لا يشكّل اهم اولوياتها الراهنة، في الوقت الذي باتت تدفع ثمن تداعياته واستحقاقاته.

هل يعني ذلك انّ الإستدارة الروسية ستكون في صالح الشعب السوري وقضيته، وهل يمثّل ذلك دعوة للإنخراط في جهودها ضمن هذا الأمر؟، الواقع انّ روسيا يهمها بالدرجة الاولى ايجاد مخرج لأزمتها والحفاظ على مصالحها ويقع نظام الأسد والأسد نفسه في قلب مصالحها، ويمكن ادراج مساعيها في اطار اعادة تأهيل هذا النظام وتعويمه، عبر اعادة ترشيقه وإدماج كتلة المعارضين المقربين لها في اطره، لكن الاكيد ان روسيا عندما ستكتشف استحالة تحقيق هذا الأمر والقبول به ستضطر الى التخلي عن نطاقاتها التفاوضية اكثر وأكثر، وهذا الأمر لن يتحقق بالأمنيات بل من خلال تصميم استراتيجية من قبل المعارضة تجعلها اكثر قوة وصلابة على الأرض وتجعل موسكو تقتنع انه لا فائدة من التشدد بالتمسك بالأسد ونظامه، كما يستدعي ذلك صمود الأطراف العربية الداعمة للثورة السورية وتحمل تبعات خفض اسعار الطاقة لوقت اطول.

 

() كاتب من سوريا

المستقبل

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى