من «تحالف الأقليات» إلى أين؟ «استبداد الأكثرية» أم سياسة المواطنة؟
ياسين الحاج صالح
ليس المستغرب في ما صرّح به أخيراً في باريس البطريرك الماروني بشارة الراعي عن الشأن السوري اختزال الانتفاضة السورية إلى حراك سنيّ، واختزال هذا إلى الإخوان المسلمين، بل خلو التصريح من أي بُعد قيميّ، أو حتى من الحصافة السياسية. لا شيء عن الحرية أو المساواة أو العدالة أو الكرامة الإنسانية، أو «المحبة». فقط إن المسيحيين سيدفعون الثمن إذا وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في سورية، من دون أن يعرف من يعتمد على تصريحات البطريرك وحدها أن في سورية انتفاضة تحررية منذ نصف سنة، وأن النظام الذي يقلق البطريرك على مصيره قتل فوق 3000 من محكوميه المسالمين الثائرين، واعتقل وعذّب عشرات الألوف.
تكلم الرجل كسياسي، ومن صنف سياسيي «الريال بوليتيك» الذين يُسقِطون أي بعد قيمي من تفكيرهم، ويقتصرون في التحليل على الوقائع الصلبة، وفي العمل على مصالح دولهم. ولكن ليست مصلحة لبنان هي ما يشغل بال الراعي، بل مصلحة مسيحييه وحدهم. وهو لم يشعر بالحاجة إلى شرح الصلة بين وصول الإخوان إلى السلطة في سورية وبين تحالف «السنّة» في سورية مع «سنة لبنان»، وتأزيم «وضع الشيعة» اللبنانيين الذين لا يقنع البطريرك أحداً بأن قلبه عليهم فعلاً.
القارئ المعتاد على لغة المداورة والإحالات الخفية يفهم أن البطريرك يعتبر الانتفاضة السورية انتفاضة سنّية، وأن الإخوان المسلمين هم الممثلون الطبيعيون للسنّيين السوريين. ولن تفيد أية شواهد مغايرة لدفع السياسي الواقعي، البطريرك الراعي، إلى العدول عن هذا التقويم الاختزالي. فالسياسيون الواقعيون خشنو التفكير والتصرف، يصرفون باستهانة التمييزات الدقيقة وتشابك الهويات وتحولها وبالطابع المتشابك والمتحول لكل هوية، ليردوا الجميع إلى الأشكال الأشد ثباتاً وواحدية للهوية، الدين والمذهب. السنّيون سنيون، في سورية أو في لبنان، وسيتحالفون في ما بينهم ضد الشيعة اللبنانيين. ومع كل سياسة هوية، وبدرجة تتناسب مع أشكالها الأكثر ثباتاً وعتقاً، ثمة عنصر ملازم لا يغيب: الكراهية. سياسيو الهوية كارهون أكفاء. وعلى كل حال السياسي الواقعي كاره جيد. وعاطفة الكراهية هي ما يلفح وجه قارئ تصريح رجل الدين اللبناني الذي لا يشرح لقارئه لماذا سيدفع المسيحيون الثمن من التغيير السياسي المأمول في سورية، ولا يقدم شواهد على ذلك.
وليس مستغرباً بالمثل أن يجد علي عبدالكريم علي، السفير السوري في لبنان، أن كلام البطريرك «تعبير عن رؤية فكرية ووطنية وسياسية متوازنة ومسؤولة ومنسجمة مع دور الكنيسة التي يمثلها في مواجهة المؤامرة التي تستهدف المنطقة برمتها». لا وجه للاستغراب، وقد لا يمضي وقت طويل قبل أن تقال أشياء وأشياء عن مستوى السفراء السوريين والبعثات الديبلوماسية السورية وعن الجهات التي تختارهم وعن معايير اختيارهم، وعن التركيب الداخلي لكل من هذه البعثات. هذا ضروري منذ الآن، ودوماً، ولكن قد لا تتاح المعلومات الكافية في شأنه قبل «سقوط النظام». وهو ما يجعل السقوط هذا حاجة معرفية، فوق كونه مطلباً سياسياً ووطنياً، وواجباً أخلاقياً.
ولكن ما هي الرسالة التي تصل للسنّيين وللإخوان المسلمين من التصريح الفريد لرجل الدين اللبناني؟ وإذا كان كلامه يندرج ضمن منطق «تحالف الأقليات» الذي تواترت الإشارة إليه أخيراً، فكيف لا يسوّغ سياسة هوية معاكسة تعتمد على الأكثرية، مُعرّفة بالدين والمذهب؟ وهل يشغل البطريرك موقعاً سياسياً أو أخلاقياً يبيح له التحفظ عن استناد الإخوان المسلمين المحتمل على سياسة أكثرية، «يدفع المسيحيون ثمنها»؟
هناك نقيضان لسياسة تحالف الأقليات. نقيض أول على أرضية سياسة الهوية هو استبداد الأكثرية، الإسلامية السنّية في سياقنا. ومن بين جميع الناس، لا يحق للبطريرك بشارة الراعي الاعتراض على هذه السياسة لأنه لا يقترح شيئاً أفضل من إبقاء الأكثرية ذاتها تحت وطأة استبداد قاتل، ولأنه يجاهرها بالكراهية، ويعتبرها خطراً على المسيحيين والشيعة. بهذا يضع البطريرك الماروني نفسه في علاقة وجه وقفا بالإسلاميين السياسيين الأكثر تشدداً، الذين يعتبرون مجتمعاتنا إسلامية، وتالياً ينبغي أن يعود حكمها إلى الإسلاميين. إذ ما دامت المسألة سياسة واقعية، أطرافها هي الطوائف، فلماذا ينبغي أن تتردد الأكثــرية الطائفية في الاستفادة من وضعها الأكثري؟
لكن النقيض الحقيقي لسياسة تحالف الأقليات هو ما يناقض أيضاً سياسة الهوية ككل، ويقوم على مبادئ المواطنة والمساواة. نخرج هنا من منطق التفكير بمسيحيين ومسلمين، وسنّيين وشيعة، إلى التفكير بمواطنين أفراد، متساوين حقوقياً (أمام القوانين) وسياسياً (وراء القوانين، أي في صنعها)، ويكافحون من أجل المساواة الاجتماعية.
لا يقبل الإسلاميون بهذا المنطق؟ لديهم تحفظات عنه؟ بلى، ولكن لماذا ينبغي أن يكون عبء القبول واقعاً عليهم، فإن لم يقبلوا، اقتدى بهم الكل؟ وهو ما يترك موقع الدفاع عن مبادئ المواطنة ومحاولة تجسيدها في الواقع خالياً. وما ينذر مصير مجتمعاتنا، في سورية ولبنان على الأقل، لتوازن القوى بين الطوائف: لـ «تحالف الأقليات»، وقد تجسد بديكتاتورية عاتية في سورية في العقود الأربعة الأخيرة، أو لاستبداد الأكثرية المحتمل.
من شأن الاستناد إلى مبادئ المواطنة والمساواة السياسية والحقوقية والاجتماعية المرتبطة بها أن يؤسس لتشكل أكثرية اجتماعية جديدة، ليست متميزة عن الأكثرية الدينية أو المذهبية فقط، وإنما هي ما يتيح لمتحدّرين من الأقليات أن يكونوا جزءاً من هذه الأكثرية الجديدة المتحولة.
الانتفاضة في سورية هي أقرب إلى منطق المواطنة بما لا يقاس من النظام الذي اعتمد على تحالف الأقليات منذ نحو أربعين سنة. ليس انتصار الانتفاضة على النظام نهاية للصراع السياسي في سورية، ولا هو إيذان بدخولنا جنة المواطنة متساوين، لكن فوز النظام لا يعني شيئاً غير تغذية التمايزات الطائفية وسياسة التحالفات الطائفية التي لا تصلح قاعدة عامة لنظام سياسي مستقر، كيلا نقول متحرر.
من المرجح جداً أن يكون للإسلاميين وزن أكبر في الحياة العامة والسياسية في سورية بعد سقوط النظام. ولكن من شأن ذلك أن يقرب، لأول مرة منذ نحو جيلين، بين الديموقراطية والعلمانية، بعد تباعد، وبعد أن ارتضى العلماني النمطي في سورية أن يكون شاهد زور على استبداد طائفي مضاد للإسلاميين. ومن شأنه أيضاً، والأهم، أن يعيد الأقليات الدينية والإثنية والمذهبية إلى مواقع نقدية وتحررية، خرجت منها منذ عقود بفعل سياسة تحالف الأقليات.
انا موافق مع الجزء الاكبر من المقال ولكن هناك فكرة واحدة ضبابية وغير دقيقة وفيه من الظلم والغبن للاقليات .
هذا النظام طائفي بامتياز .. ولكن لا يشمل كل الطائفة التي ينتمي لها فهو عائلي بالدرجة الاولى والاساسية وهذه العائلة من نفس الطائفة وفي هذه العائلة الحاكمة تكمن قيادة النظام ومجلس الحكم والقرار والتحكم بمصير الدولة السياسي والاقتصادي والاجتماعي .. الخ
اما بقية الطائفة فقد غرر بقسم كبير منها وتورطت في هيكيلية هذا النظام من خلال قيادات الجيش وقيادة الاجهزة الامنية حيث لم يكن امامها خيارات عديدة للعيش والوظائف والعمل فكانت من جهة ترغيب بالسلطة والثروة ومن جهة اخرى باباً للرزق فقط .
وهذا حال الكثيرين من بقية الطوائف الاخرى ولكن حسب منهج وبرنامج في التعيينات والمناصب والاعداد يختاره ويعده مجلس الحكم في هذا النظام .
الاقليات الاخرى .. نالها الكثير من التهميش والاقصاء .. وخاصىة الطائفة الدرزية التي كان ل حافظ الاسد الدور البارز والاساسي في اقصاء قادة هذه الطائفة من الجيش والاجهزة الامنيةومن ادارة مؤسسات الدولة وحتى هذا التاريخ فأن وزير واحد او نصف وزير بالاحرى يعطى لهذه الطائفة وهي وزارة هامشية او ثانوية في احسن حالاتها وحتى محاظة السويداء عانت وتعاني الكثير من ضعف التنمية والتطوير والمساعدات كبقية المحافظات الاخرى لولا جهود ابناؤها المغتربين في المهجر ودول الخليج وهم النسبة العظمى من المحافظة والذين بقدمون لهذه المحافظة المشاريع والمساعدات في محاولة منهم للتنمية والتحديث والاستثمار .
واذا لم يشاركوا بفعاية كبرى في احداث الانتفاضة السورية الحالية وهذا لا يشمل الجميع وهذه ليست صفة عامة فهناك الكثير من الاحرار الذين يسعون دوماً لاثبات الوجود في كل الاحداث والمواقف رغم تعرضهم للتشبيح والملاحقة والمراقبة والاعتقال وهناك الكثير الكثير من الناشطين اعلاميا وسياسيا وحركياً ولكن ليس لهم هذه التسويق والتعميم بين الناس .
ومع ان النظام يحاول جاهداً تحييد هذه المحافظة بكل الوسائل المتاحة والخبيثة لديه سواء بالترهيب من جهة او التخويف من الطائفية والاصوليين والاقتتال او من خلال المعاملة المختلفة لابناء هذه المحافظة حالياً سواء في الحالات العادية او حتى عندما يقوم باعتقال بعض ابناء هذه المحافظة لمشاركتهم بالمظاهرات ولمعارضتهم للنظام وتأييدهم للثورة السورية .
وهناك اسباب اخرى تخص ابناء هذه المحافظة وتاريخها وخصوصيتها ما يجعل الكثير الكثير من ابناؤها يختارون الحياد والحلول السلمية والوسطية من اجل العبور من هذه الازمة التي تمر بها البلاد .
الفكرة التي اردت طرحها انه لا تحالف للاقليات في وجه الاكثرية ولكن النظام من يسوق لذلك وهو من زرع تلك الفكرة في اذهان السوريون وهو من يحاول دائماً اللعب على هذه الفكرة ليحمي نفسه وليطبق سياسة فرق تسد .
للاكثرية الدينية في سوريا شعور داخلي بأنهم ظلموا وخطفت منهم الدولة وقيادة البلاد
هذا الشعور الطبيعي الى مستوى ما يأتي من فكرة الاكثرية الدينية التي يتمتعون بها والتي تؤهلهم حسب اللعبة الديمقراطية وحسب المنطق بالوصول للسلطة .
هذا الشعور يخيف البعض ليس حبأً بالسلطة او رغبة من انتزاعها منهم او من الغير
ولكن عدم وضوح التجربة السورية في الديمقراطية والعلمانية والمدنية والحوار وقبول الاخر وعدم الانجراف نحو الطائفية العمياء والتي استبعدها وبسبب تجربة الاخوان المسلمين في الثمانينات السلبية وما تم تسويقه عنهم من قبل النظام وتشويه صورتهم وما يتخلل الدولى العربية الاخرى والتي سقطت بها النظمة الشمولية امثال العراق ومصر وغيره يخيف البعض من اكثرية دينية تمارس الحكم باستبداد جديد وبخلفيات ومرجعيات دينية ضيقة تؤدي عملياً الى اقصاء الاخرين او تهميشهم او حتى الانتقام من بعضهم .
هذه المخاوف والمبررات موجودة بقوة لدى الكثيرين من ابناء الاقليات وهذه ليست سخافات او مجرد هواجس بسيطة وانما هي قلق حقيقي وعميق للبعض .
العالم العربي والاسلامي للاسف الشديد لم يقدم نموذجاً ناجحا ومقنعاً للدولة العلمانية المدنية الديمقراطية باستثناء التجربة التركية الى درجة ما ولذلك لا يوجد نموذج او تسويق او قرار ومبدأ راسخ وواضح ومتفق عليه بكيفية تأسيس سوريا الجديدة وكيفية تسويق وتعميم تلك الفكرة اي فكرة سوريا الجديدة لعامة الشعب وليس فقط لمثقفيه وتقديم التطمينات والضمانات الدينية والاهلية والسياسية والاجتماعية للشعب السوري عامة والاقليات خاصة ويتم ذلك بالتوافق على ميثاق او عقد اجتماعي او دستور مؤقت لهيكيلية الدولة السورية الجديدة المدنية العلمانية الديمقراطية وان الاكثرية هي الاكثرية السياسية وليست الاكثرية الدينية وايضا الاقلية هي الاقلية السياسية وليست الدينية .
كل هذا يتطلب التوافق واللقاء والتنسيق بين اطراف القرار والتأثير في سوريا سواء المرجعيات السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .. الخ
يمكن المسألة تحتاج لمزيد من الوقت والتفاهم والايضاح ولكن الايام القادمة هي في صالح الشعب السوري كله وما علينا سوى الصبر والتفاهم والتسامح والحوار ..