من أجل تجنب المواجهة مع جبهة النصرة واخواتها
د. برهان غليون
عندما بدأ بعض الشباب المسلمين، من العرب والاجانب، في مرحلة سادها الكفاح المسلح، الالتحاق بالثورة، رحب السوريون بهم، لأنهم اعتقدوا أنهم جاؤوا لمناصرتهم في دفاعهم عن أنفسهم ضد عدوان الأسد ونظامه وميليشياته، ولمساعدتهم على إسقاط النظام الجائر والقاتل.
وبالرغم مما أثاره تصرف قادتهم من مخاوف لدى كتائب الجيش الحر سواء بسبب الأفكار المتشددة التي يطلقونها او تجنبهم التعاون والتنسيق مع باقي كتائب الثورة المسلحة، أو رفضهم حتى الانتماء للجيش الحر، صرف السوريون النظر عن الخلافات الايديولوجية والسياسية من أجل التركيز على القضية الرئيسية التي تهمهم وتشغلهم وهي قضية تقدم الثورة وإسقاط النظام.
واستمر الرأي العام السوري يدافع عن التعاون معهم ويرفض الدعوات المتواصلة الأجنبية لمواجهتهم. وتجلى ذلك في رفض قادة المعارضة بأغلبيتهم قبول التخلي عنهم كشرط لتسلم الاسلحة النوعية التي كانت الثورة ولا تزال بأشد الحاجة إليها.
لم يكن السوريون بحاجة لأحد من أجل الاستمرار بالثورة، فلديهم رجال وشباب كثيرون مستعدون لفداء سورية بأرواحهم، إنما لم يكن أحد يرفض حق غير السوريين في التعبير عن تضامنهم مع ثورة الشعب السوري. ومما ساعد على هذا القبول ما ظهر على هذه الكتائب المتشددة دينيا من سلوك حسن تجاه الأهالي ومن الشجاعة وروح التضحية في الميدان.
لكن منذ بداية ظهور هذه الجماعة في سورية إلى اليوم حصلت تغيرات كبيرة على طبيعة وجودها وعملها، فانقسمت على نفسها، وظهرت منها جماعات متفددة، تعلن ولاءات لا علاقة لها لا بالثورة السورية، ولا بسورية نفسها، كما تغير سلوك أفرادها تجاه أبناء المجتمع السوري، فصار من الواضح أنها بدأت في تطبيق برنامج أخر لا علاقة لها بالثورة ولا بأهدافها ومطالبها، هو مشروع فرض وصايتها الخاصة، وحسب مفهومها، على الناس، في المدن والقرى والأحياء، وإكراه السوريين على الأخذ بعادات وتقاليد واعتقادات لا تمت بصلة لثقافتهم وفكرهم واعتقاداتهم وفهمهم للاسلام. ثم في الفترة الأخيرة بدأت بعض هذه الجماعات تمارس الارهاب على الجيش الحر ، وتغتال قادته، بهدف استتباعه أو إبعاده من طريقها حتى يتسنى لها فرض سيطرتها الكاملة في المناطق المتواجدة فيها.
من الواضح أن مشروع هذه الجماعات أو معظمها، لم يعد يتطابق مع مشروع الشعب السوري الذي فجر الثورة ولا يزال يقدم من أجل انتصارها أعظم التضحيات. فهي تعمل من أجل وضع اسس ديكتاتورية جديدة أكثر انغلاقا وقسوة، باسم الدين والشريعة، بينما يخوض الشعب السوري معركة مصيرية للخلاص من الديكتاتورية وإقامة دولة حرة يكون الجميع فيها أخوة متساويين في الحقوق والواجبات، تحترم فيها كرامة كل فرد وتضمن حرياته ولا يفرض فيها أحد على أحد رأيا لا يلقى قبوله أو قناعته.
لم يخرج السوريون ويقدموا ما قدموة من تضحيات بالأرواح والأموال والممتلكات من اجل أن يستبدلوا وصاية بوصاية أخرى، يتخلوا بموجبها عن حرياتهم وكراماتهم وحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، وبمشاركة كل فرد منهم. وإذا كان رب العالمين لم يفرض على المسلمين الانصياع لأي كهنوت في ميدان الدين نفسه، فلا يستطيع أحد أن يفرض على السوريين، الذين ضحوا بأغلى مالديهم لقهر الطاغوت، كهنوتا جديدا في السياسة والمجتمع.
أدعو جميع الأطراف إلى الدخول في حوار معمق، تحت إشراف وبمساعدة شخصيات وطنية مقبولة من الجميع، من أجل تجنب الصدام، وتوضيح المواقف، والتوصل إلى تفاهم يضمن استمرار الالتزام بالثورة السورية، والعمل على تطبيق برنامجها، بعيدا عن منطق الاتهام والتخوين والتكفير الذي لا يمكن أن يقود إلا للمزيد من التشتت وسفك الدماء.
كما أدعو جميع الشباب السوريين الذين التحقوا بالجماعات المتشددة بحثا عن إطار عسكري يضمن مشاركتهم الفعالة، إلى اليقظة، وعدم الانجرار وراء مشاريع لا يهمها مصير سورية وشعبها، وإنما تهدف إلى تطبيق أجندات خاصة بعضها متعلق بحقدها المشروع على السياسات الاستعمارية، لكنها تمر حتما بإجهاض ثورة السوريين من اجل الكرامة والحرية، وإحلال سلطة وصاية جديدة محلها.
وأدعو هيئة أركان الجيش الحر، التي تتعرض هي نفسها لهجوم هذه الجماعات، أن توفر لجميع هؤلاء الشباب، السوريين والأجانب، الذين لا مشروع لهم سوى دعم ثورة أخوتهم السوريين، وإسقاط الظغمة الأسدية الحاكمة، وانتصار سورية بلد الاحرار والأخوة والتسامح، الوسائل اللازمة لمتابعة مسيرتهم، بعيدا عن هذه المشاريع الغريبة التي لم تقدم للبلاد التي طبقت فيها من قبل، من أفغانستنان إلى الصومال، سوى تعميم القتل والدمار والخراب.