صفحات سوريةعلي العبدالله

من اجل سوريا/ علي العبد الله

لم يكن خروج السوريين الى الشوارع والساحات تصرفا نافلا أو ترفا بل كان سعيا لاسترداد الحرية والكرامة التي سلبها منهم النظام طوال عقود، كان الخروج في صلب معركة الانسان ونضاله في سبيل تحقيق انسانيته وتميزه بالحرية في هذا الكون.

لقد عانى السوريون من الظلم والقهر في ظل حكم تعسفي تحول من نظام استبدادي قائم على هيمنة الحزب الواحد إلى نظام استبدادي أكثر سوءا قائم على سلطة الرجل الواحد، نظام يرتكز على شخصنة السلطة وعبادة الفرد ما ترتب عليه مزيد من تدمير الحياة السياسية بتحويلها إلى منظومة ولاء للرئيس، وفرض القداسة عليه وعلى أقاربه وأعوانه أدت إلى تغولهم وسيطرتهم على مقدرات البلاد الإدارية والمالية بوضع اليد على الدورة الاقتصادية، ونهب المال العام وتخريب القيم الاجتماعية، وضرب المنظومة الأخلاقية عبر آليات الفساد والإفساد التي رعتها أجهزة المخابرات، وتفكيك الاندماج الوطني بخلق انقسامات عمودية بين المواطنين والمناطق عبر إشاعة التمييز بينهم في الحقوق والواجبات، انتهى إلى تجويف كامل للنظام الجمهوري عبر عملية توريث السلطة.

 انفجرت التظاهرات الشعبية على خلفية المطالبة بالحرية والكرامة، شجعتها رياح الثورة والتغيير التي عرفتها دول عربية شقيقة حيث امتد الربيع العربي من تونس إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين، فجرتها جرأة الشباب السوري وإبداعه واستعداده للتضحية والفداء.

ردت السلطة على التظاهرات الشعبية بإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وقتل العشرات واعتقال الآلاف قبل أن تنتقل إلى زج الجيش في مواجهة مباشرة مع الشعب، والذي استخدم كل صنوف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة والزوارق البحرية والطائرات والصواريخ البعيدة المدى وصولا الى استخدام الاسلحة الكيماوية.

عانى المواطنون من القتل والملاحقة والاعتقال والسجن والحصار والنزوح واللجوء، وتابع الثوار تحركهم على درب الخلاص والتحرر، وقد طوروا شعاراتهم في ضوء رد النظام القاسي والوحشي على مطالبهم المحقة وحددوا هدفهم النهائي بإسقاط النظام.

           غير ان التطورات الميدانية والسياسية، في ضوء التدخلات الخارجية المتعارضة المصالح والأهداف، والتي عقدت المشهد وزادت في نزف الدم السوري، حدت من قدرة الثوار على الحسم، وقد زاد الطين بلة توجه القوى الدولية، بعد فشلها في التوافق على ملفات بينها، نحو حل للصراع في سوريا على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب” وعملت على ضبط ايقاع الصراع والتحكم بتطوراته عبر الضغط على طرفيه وعلى الدول الإقليمية، فكان ما كان من تحركها لخلق حالة مراوحة واستنزاف وإنهاك عبر تجفيف موارد الثوار المالية والعسكرية من جهة وإصدار قرار من مجلس الامن يلوح باستخدام القوة في حال عدم تنفيذ النظام لقرار نزع اسلحته الكيماوية عبر الاشارة الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة من جهة ثانية، لإجبار الطرفين على القبول بالجلوس الى طاولة المفاوضات.

صحيح ان المنطق السياسي السليم لا يرفض الخيار السياسي أو يستبعده، فالسياسة هي الوجه الثاني للمعركة المسلحة، ولكنه لا يقبل في الوقت ذاته ان يأتي الحل السياسي على حساب الثورة واهدافها، فالموقف من أي حل سياسي يطرح مرهون بمدى استجابته لمطالب الثوار وتحقيقه لأهداف الثورة، لذا فالانفتاح على الخيار السياسي والتعاطي مع الحلول التي تعرض مشروط بمدى تلبيته لمطالب الثوار وأهداف الثورة. وهذا يستدعي تحركا شاملا يغطي كل مستويات المعركة السياسية والدبلوماسية والإعلامية والعسكرية كي نعيد تأكيد ثوابت الثورة وأهدافها ووضع مطالبها على جدول اعمال المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية والسياسية.

ولعل اهم مرتكزات هذا التحرك وغاياته اعادة تقديم صورة واضحة لحقيقة وطبيعة ما يجري في سوريا منذ اواسط آذار 2011 والعمل على نفض غبار الحملات الدعائية التي اطلقها النظام وحلفاؤه ضد الثورة والثوار والتأكيد من جديد على حقائق الوضع: ثورة شعبية ضد نظام استبدادي عائلي وفاسد، ثورة هدفها استعادة الحقوق المغتصبة من قبل النظام وأجهزته القمعية، وعلى رأس هذه الحقوق استعادة حرية المواطنين وكرامتهم وحقهم في حياة حرة وكريمة وتمكنهم من الحريات العامة والخاصة التي تضمنتها الوثائق الحقوقية من الاعلان العالمي لحقوق الانسان الى حقوق الطفل والمرأة وصولا الى الشرعة الدولية وما تضمنته من حرية الرأي والتعبير والحريات السياسية والنقابية. والتأكيد على ارتباط ممارسة هذه الحقوق بإقامة نظام ديمقراطي تعددي يساوي بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون غبن او تمييز على اساس العرق او الجنس او الدين او المذهب، نظام قاعدته المواطنة وسيادة القانون والالتزام بالشرعية الدستورية والقانونية.

فاللحظة السياسية الراهنة، بكل فرصها ومخاطرها، تطلب من السوريين، كل السوريين في الثورة والمجتمع، التحرك العقلاني والمتوازن لإعادة بعث معادلة ثورة في وجه نظام مستبد، وتجديد الحديث في اهداف الثورة وغاياتها وتقديمها بشكل علمي ومدروس للرأي العام العالمي وللقوى الدولية ومؤسساتها: ثورة وليست حربا اهلية، ثورة وليست صراعا طائفيا، ثورة وليست مؤامرة دولية. ثورة شرعيتها من شرعية اهدافها العامة والنبيلة.

من اجل تحقيق ذلك قام شباب سوريون بتنظيم حملة اعلامية تحت عنوان:” ايام للتضامن مع الشعب السوري”. حملة هدفها اعادة الاعتبار للثورة وحقيقتها وأهدافها، حملة تنادي كل السوريين للمشاركة والمساهمة بحسب القدرة والخبرة لتجديد شباب الثورة وبعث منطلقاتها وأهدافها وعرضها امام العالم ودعوته لاحترام ارادة الشعب السوري وتطلعاته وحقوقه في الحرية والكرامة والعيش اللائق ومطالبته بتأييد هذه الحقوق والمطالب وتمكين الشعب منها.

(كاتب سوري)

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى